alquseyaمنتدى أبناء القوصيه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ثقاقي-اجتماعي-يطمح الى الارتقاء بالقوصيه وتطويرها المنتدى منبر لكل ابناء القوصيه

منتدى ابناء القوصيه يدعو شرفاء اسيوط الى كشف اي تجاوزات تمت من اي من موظفي النظام الفاسد وتشرها في منبرنا الحر
حسبنا الله ونعم الوكيل لقد خطفت منا مصر مره اخري

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

المواضيع الأخيرة

» سيف الدين قطز
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالسبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ

» كنوز الفراعنه
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالسبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ

» الثقب الاسود
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالسبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ

» طفل بطل
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ

» دكتور زاكي الدين احمد حسين
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ

» البطل عبدالرؤوف عمران
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ

» نماذج مشرفه من الجيش المصري
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» دجاجة القاضي
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ

» اخلاق رسول الله
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ

» يوم العبور في يوم اللا عبور
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ

» من اروع ما قرات عن السجود
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ

» قصه وعبره
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ

» كيف تصنع شعب غبي
العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. I_icon_minitimeالخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ


    العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي.

    طلعت شرموخ
    طلعت شرموخ
    المدير التنفيذي
    المدير التنفيذي


    عدد المساهمات : 4259
    تاريخ التسجيل : 09/10/2010

    العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي. Empty العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي.

    مُساهمة من طرف طلعت شرموخ الإثنين نوفمبر 15, 2010 6:52 am

    حين أستعرض صورة أديان العرب قبل الإسلام في ذهني قبل أن أبدأ بهذا الكتاب، أجد عالما من الفوضى؛ فوضى آلهة وفوضى أصنام لا يضبطها ضابط. فهناك العشرات، بل قل المئات، من الأصنام والآلهة التي لا رابط بينها. كل قبيلة لها ربها الخاص وأصنامها الخاصة، بل إن كل واحد يختار حجره وينصبه إلها له وحده، ويركع له. أما الكعبة ذاتها فتحوي 360 صنما، أو ألف صنم حسب بعض الروايات، ولا يُدرى أي أرباب تمثل. وحتى الآلهة الأشد شهرة، والأكثر أهمية، مثل هبل واللات تبدو بلا صلة في ما بينها، وتظهر كآلهة غامضة لا تعرف فعالياتها.
    وحين كنت أحاول أن أضع نقطة استناد في عقلي، يمكن أن أبدأ بها كي أضفي قدرا من النظام على هذا العالم الذي لا قانون فيه، لا أجد أمامي سوى ثالوث مكة الشهير (اللات والعزى ومناة). لكن هذه النقطة سرعان ما كانت تضيع وسط الفوضى وتتبخر، مثلما يتبخر نهر يتدفق وسط الكثبان.
    وهذا الكتاب ثمرة جهد خمس سنوات متواصلة في محاولة لفرض نظام على هذه الفوضى، أو بشكل أدق، لاكتشاف نظام ما خلف الفوضى التي تموج على السطح بِشأن أديان العرب في الجاهلية.
    وكان قد أكد وجود مثل هذا النظام مرة، وقبل ألفين وخمسمائة سنة هيرودتس، أبو التاريخ، في تصريح شهير له أعلن فيه أن العرب يعبدون إلهين فقط، لا يعبدون سواهما. لكن هذا التصريح رفض ورمي من وراء الظهور، باعتباره تصريحا قصير النظر يعاكس الحقائق الثابتة.
    وهذا الكتاب محاولة لإعادة الاعتبار لهذا التصريح، وعودة إليه لجعله حجر الزاوية في بنيان مختلف عن ما هو سائد بخصوص أديان العرب في الجاهلية. فالعرب في الجاهلية كانوا، بالفعل، يعبدون إلهين فقط، إلهين لا ثالث لهما، يمثلان المبدأ المذكر والمؤنث. وكل ما عدا ذلك إنما هو تسميات قبلية أو محلية لهذين الإلهين أو تسمية لفعاليتهما. عليه، فهيرودتس كان أعلم من الجميع، وكان أصدق من كل الباحثين الغربيين المعاصرين الذين، رغم كل جهودهم في مجال فك رموز اللغات القديمة، انتهوا إلى أن يزيدوا صورة أديان العرب غموضا على غموض في كثير من الأحيان، إن لم يكن في غالبها. لقد ضاعوا في متاهة الأسماء العربية ومعانيها، فأضاعونا وضاعفوا لنا الفوضى. أما نحن فلم نزد، في غالب الأحيان، أن كررنا ما قالوه، وأن ضعنا في الفوضى التي خلقوها وعمقناها.
    مثل بسيط على ذلك الإله (شيع القوم) الإله النبطي الذي وصف في نقش مشهور بأنه (الذي لا يشرب الخمر). فقد صوروه كإله قمري يقدم خدماته للتجار والمسافرين ليلا. ورأوا انه لا يشرب الخمر لأنه يمثل بدوا محافظين. ولم يدركوا أن الآلهة المذكرة جميعها تنقسم إلى قسمين؛ خمري سكير، وقمحي لا يشرب الخمر. أي أن شيع القوم لا يشرب الخمر لأنه ضد طبيعته القمحية.
    مثل ثان هو ثالوث مكة الشهير (اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى). هذا الثالوث عكّوا فيه حتى شبعوا. دقوه مرات ومرات، لكن كما يدق الماء. وكل ما استطاعوا أن يجلبوه من رحلتهم الطويلة حول هذا الثالوث هو أنه ثالوث مؤنث، لأن العرب تدعوا هذا المثلث باسم (بنات الله)، من غير أن يتمكنوا من فهم معنى هذا التعبير على حقيقته. وهكذا انتهى إلى أن يحولوا إلها ذكرا مثل اللات إلى إلهة أنثى. وتصوروا أي تشويش سيحصل إذا نحن أنثنا الرأس المذكر للثالوث المكي الأساسي؟!
    ''
    حين نتعرض لديانة العرب قبل الإسلام فليس هناك ما هو أصدق من القرآن. فالقرآن شاهد أول حين يتعلق بهذه الأديان. لذا يجب استفتاؤه قبل أي مصدر آخر إذا أردنا أن نفهم هذه الديانة. كل كلمه جاءت في القرآن عن هذه الأديان كنز لا يمكن العمل من دونه. لكن الذي حصل أنه تم تجاهل ما أتانا به القرآن حول هذه الأديان. خذ مثلا الآية 35 من سورة الأنفال التي تصف صلاة العرب في الجاهلية وصفا مختصرا وواضحا: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية). هذه الآية لم تفهم، لذا رميت، رغم أنها المفتاح الذهبي بأيدينا لفك ألغاز ديانة مكة. لم أعثر على باحث غربي واحد أمسك بهذه الآية وحاول استقراءها.
    لكن ربما علينا أن لا نلومهم على ذلك، بل أن نلوم أنفسنا. فهم لا يستطيعون الإبحار في بحور غوامض القرآن. لذا كان علينا نحن بالتالي أن نمسك بالدفة ونخوّض في هذه البحور.
    ''
    وثَم عند الباحثين الغربيين ما يشبه جدارا هائلا يفصل الديانة المصرية القديمة عن ديانة العرب قبل الإسلام. لذا فليس ينفع عندهم أن نحاول فك مغاليق الديانة المصرية بمساعدة اللغة العربية والميثولوجيا العربية أو العكس. فهذان عالمان ما يكاد يربط بينهما رابط تقريبا. يمكن اللجوء إلى الميثولوجيا اليونانية والميثولوجيا العبرية لفهم هذا الخليط غير المتماسك الذي يدعى ديانة العرب قبل الإسلام، لكن الميثولوجيا المصرية بعيدة إلى حد كبير عن هذا العالم. ديانة العرب شعير بيّاع، خليط من تأثيرات يونانية وتوراتية وغيرها. وفي هذا الخليط فإن كمية الشعير المصري لا تتعدى الحبيبات.
    هذا الجدار ينهار بسهولة عند أول ضربة جدية عليه. لا يمكن عزل ديانة العرب عن ديانة مصر القديمة. لا يمكن فهم ديانة مكة من دون مساعدة النصوص المصرية. كذلك لا يمكن حل كثير من ألغاز ديانة مصر من دون نصوص الميثولوجيا العربية، بل وأقول من دون القرآن ذاته. ديانة مصر القديمة وديانة العرب قبل الإسلام ديانة واحدة من حيث المبدأ. الأسماء تختلف أحيانا، وأحيانا فقط، لكن ثمة بعد ذلك وحدة تطال الأعماق.
    مثلا، نعتقد أن من المستحيل أن نفهم معنى اسمي مدينة الإسلام المقدسة (مكة وبكة) انطلاقا من اللغة العربية وحدها. من دون العودة إلى النصوص الأسطورية المصرية والسومرية سيظل هذان الاسمان لغزا مقفلا.
    ''
    ولأن الأمر كذلك، فقد أرغم هذا الكتاب أن يذهب إلى الأهرام. كي يفهم مكة ومعبدها الجاهلي كان عليه أن يذهب إلى الجيزة. وهذا أمر منطقي. إذ كيف لنا أن نفهم مركزا رئيسيا لأديان العرب من دون أن نفهم أهرام الجيزة الثلاثة، التي هي نصب العالم القديم، مكّته وفاتيكانه. إنها هي بالأحرى نصب المنطقة التي ندعوها الآن بالعربية. نصبها الفعلي لا المجازي. فقد أثبتت الحفريات أن المتعبدين كانوا يأتون من حران في شمال سوريا كي يجاوروا أبو الهول، الكلب الباسط ذراعيه بالوصيد. ولا بد أنهم أتوا من كل مكان في هذه المنطقة من أجل المجاورة والعبادة. فكيف يمكن لنا أن نفهم معبدا مكيا جاهليا في الجزيرة العربية إذا فصلناه عن نصب المنطقة كلها؛ أي أهرام الجيزة الثلاثة؟!
    المنطق الجغرافي ذاته يقول أن هذا ليس بالأمر الغريب. فما يفصل الجزيرة العربية عن مصر هو مجرد قناة مائية تدعى البحر الأحمر، إضافة إلى أن هذه القناة تترك في نهايتها ممرا بريا بين يتدفق فيه الناس وتتدفق البضائع والأفكار والتصورات. لكن التقليد الذي أرساه الباحثون الغربيون حول الحضارة المصرية القديمة يعطي الانطباع بأن هذه القناة لا يمكن عبورها لا ميثولوجيا ولا لغويا.
    ''
    الميثولوجيا العربية مذهلة في غناها. مذهلة حد أننا لا ندرك أحيانا المدى الذي يذهب إليه هذا الغنى. فقد جمعت المصادر العربية كل قطعة تبقت من ميثولوجيا شعوب المنطقة وأدخلتها في متنها. إنها كتاب مختصر للتقاليد الميثولوجية في المنطقة كلها. عليه فحين نتحدث عن الميثولوجيا العربية، فنحن نتحدث عن ميثولوجيا كل الشعوب التي سكنت هذه المنطقة قبل العرب ومعهم. لدينا كتاب ميثولوجي هائل في بطون المصادر العربية. ولا بد أن يأتي يوم يجمع فيه هذا الكتاب ويصنف. وسوف يكون أداتنا في فهم عقائد المنطقة وأديانها وعلاقاتها بأديان الشعوب الأخرى.
    ''
    وإذا أردت الأسطورة فعليك أن لا تذهب إليها في مظانها فقط، بل وفي غير مظانها أيضا، وأساسا ربما. أي أن تذهب إليها لتعثر عليها في السرد التاريخي. ذلك أن السرد الميثولوجي يجاهد بكل قواه كي يبدو كسرد واقعي تاريخي. وسيلته للحياة بعد الإسلام كانت أن يفعل ذلك. أن يتلفع بالتاريخ وأن يختفي بعباءته. لكن ليس تقية فقط، بل لأن الميثولوجيا لا تعترف أصلا بأنها ميثولوجيا. هي تتظاهر كتاريخ. كتاريخ مقدس، أكثر صحة وحقيقية كما يخبرنا مرسياالياد. يقول المثل (كل الصيد في جوف الفرا)، ونقول بانين على هذا المثل (أغلب الميثولوجيا في جوف التاريخ). إذن، عليك أن تعيد من جديد تحديد ما هو تاريخي وما هو ميثولوجي كي لا يتفلت منك السرد الميثولوجي. فهو إن نجح بالتفلت من بين يديك، فلن تكون قادرا على فهم الأديان القديمة.
    ''
    للسرد الميثولوجي الواضح طرقه الخاصة. وأفضل مثال عربي على ذلك هو أسطورة جذيمة الأبرش والزباء. فهذه الأسطورة التي تعرض لإلهين من طراز أوزيريسي، تأخذ شكل قصة محكمة، تنقلك من ذروة إلى ذروة. وعند كل ذروة تواجهك بمثل. هذه الأمثال مسألة حاسمة. كل مثل منها تلخيص لثيمة رئيسية من ثيم الأسطورة. لذا يجب فهم هذه الأمثال وفك مغاليقها كي نفهم الأسطورة. مثلا، لا يمكن فهم جذيمة والزباء إذا لم نفهم (ببقة قضي الأمر) أو (ويلمه حزما على ظهر العصا)، وهكذا.
    وكان بعض الباحثين قد افترض أن هذه القصة وأمثالها من شغل لغويين لتعليم الأمثال للأطفال. هذا ليس صحيحا. هذه القصة بأمثالها وسيلة لتعليم الأسرار الدينية للناس عموما. إنها الطريقة الأقصر للحفاظ على الأسطورة وأسرارها.
    ''
    لا يتحدث السرد الميثولوجي إلينا مباشرة، بل مواربة في غالب الأحيان. هو يشير ولا يبوح. لا يقول لما مثلا أن الإله (مناة)، الإله المذكر وليس المؤنث، مرتبط بالشتاء، أي أنه أوزيريس في مظهره الشتوي القار، بل يحكي لنا قصة تشير إلى ذلك وتدل عليه، وعلينا نحن أن نفهم ذلك وأن نستنتجه. مثلا في التقليد العربي أن الرجل كان يخرج من منزله وامرأته تلد كي يسمى المولود باسم شيء يلتقيه. فإن صادف طائرا سمى ابنه باسم ذلك الطائر، أو باسم الشيء الذي يرمز له الطائر، وإن صادف زوبعة سماه باسم الزوبعة أو باسم ما تشير إليه. مثلا، خرج تميمُ بن مرّ وامرأته سلمى بنت كعب تمخّض، فإذا هو بواد قد انبثق عليه ولم يشعر به، فقال: الليل والسيل! فرجع وقد ولَدت امرأته غلاماً، فقال: لأجعلنه لإلهي، فسماه زيد مناة. وهكذا، فحين واجهه فجأة سيل سببه المطر، قرر أن يكرس ابنه لإلهه، وأن يسميه (زيد مناة). هذا يعني ميثولوجيا أن السيل رمز لمناة. أي أن مناة إله ذو طابع شتوي. لقد رأى تميم أن السيل إشارة إلى أن عليه أن يسمى ابنه باسم إلهه (مناة) وأن يكرسه له. لم تقل لنا الحكاية أن مناة إله مرتبط بالمطر والشتاء مباشرة، بل تركت لنا أن نستنتج ذلك. حتى أنها لم تقل لنا مباشرة أن إله تميم هو (مناة). وإن لم ندرك أن السرد الميثولوجي سرد موارب في أغلب الأحيان، فلن ننجح في أن نفهمه وأن نستفيد منه.
    ' '
    للأسماء أهمية كبرى في الأسطورة. الاسم يكشف المعنى. الاسم تكثيف للمعنى. لا تعطى الشخصيات أسماءها في الأسطورة عبثا. لا يمكنك أن تفهم أسطورة حرب البسوس إذا لم تفهم معنى اسم (البسوس) ومعنى اسم (جساس) ومعنى اسم (كليب). ولا يمكنك أن تفهم أسطورة الزباء وجذيمة إذا لم تفهم معنى اسم (الزباء)، ومعنى اسم (جذيمة نديم الفرقدين) ومعنى اسم (قصير) صاحب جذيمة، ومعنى (العصا) اسم فرس جذيمة. العمل على الأسطورة يصبح في لحظة من اللحظات عملا على الأسماء. الأسماء تكثيف الأسطورة. الأسماء أسطورة مضغوطة في كلمات. بالأسماء تغطي الأساطير نفسها وتكشفها.
    ''
    الاستعارات أيضا عنصر أساسي في الأسطورة. ويمكن التعميم: كل استعارة قديمة، كل مثل، طقس متحجر. ارجعوا إلى الاستعارات القديمة في اللغة العربية، وتحروها. هذه ليست استعارات لغوية. هذه مختصرات طقوس، نسيت طقوسها فتحولت إلى استعارات. الاستعارة ابنة الطقس، لا ابنة الخيال. خذ مثلا تعبير (كأن على رؤوسهم الطير). هذا ليس بلاغة لغوية. هذا بقيه طقس. خذ المثل: (وجد تمرة الغراب)، الذي يعني (وجد ما يرضيه). هذا ليس مثلا فقط، هذه جملة تختصر طقسا قديما، كان يوضع فيه للغراب، كممثل لإله محدد، قفة من التمر في مكان ما، كي يأخذها ويرضى بها.
    الأمثال المغرقة في القدم مختصرات طقوس. والاستعارات القديمة كذلك. وهذه الأمثال والاستعارات تلخيص لديانة العرب في الجاهلية. وحتى حين يبدو لك وكأن استعارة جميلة ما هي إبداع من ذهن شاعر، فعليك أن تتوقف لتتساءل إن كان هذا الشاعر في استعارته يبدع أو يتبع. خذ قصيدة المتنبي الشهيرة عن الحمى مثلا. الاستعارة المركزية في القصيدة تشبيه الحمى بامرأة. استعارة جميلة جدا وقوية. لكن ليسمح لنا هنا أن نقول أن المتنبي هنا ينقل تقليدا ولا يبدع استعارة. فالعرب تصف الحمى بأنها امرأة غزلة. يقولون: (أغزل من حمى). ومن هذا التعبير الأسطوري أخذ المتنبي استعارته. لقد (استعار) استعارته ولم يبتدعها.
    ''
    التضاد أيضا مسألة حاسمة في اللغة العربية. جاءت فترة اهتم فيها الباحثون بظاهرة التضاد الغريبة في اللغة العربية، ثم تم تناسي الموضوع، لأنهم لم يصلوا بخصوصه إلى نتيجة. بدا وكأن التضاد ظاهرة تخالف المنطق. إذ كيف يمكن لكلمة واحدة أن تشير إلى معنيين متعاكسين في اللحظة ذاتها. هذا ضد مبدأ الاصطلاح والتوافق. هذا غير صحيح في رأينا. جذر اللغة لا يقوم في الاصطلاح فقط، بل في الطقس الأسطوري وأسطورته معا. اللغة متضادة لأن الطقس ذاته متضاد. التضاد يخترقه من أساسه. فالخنزير، الذي هو على علاقة بأوزيريس، بل هو حيوانه، دنس ومقدس في آن واحد. فهو دنس لأن لحمه لا يؤكل. لكنه مقدس لأنه يمنع قتله. أي أن الدنس محمي. وهو محمي لأنه مقدس. وقس على ذلك. فالذي نكزته حية يدعى في العربية (سليما) والذي لا علة فيه يدعى (سليما) أيضا. ذلك لأن الآلهة التي تأخذ شكل أفاع هي التي تنثّ السم وهي التي تشفي منه. وإيزيس هي الثعبان الأعظم ذو السم، وهي الشافية من نكزات الأفاعي أيضا. التضاد يخترق اللغة لأنه يخترق الأسطورة. اللغة في ثوبها القديم، تبدو كمستحاثات طقوسية. بل إنها تبدو أحيانا كما لو كانت نفاية طقسية.
    ''
    تمتلئ نقوش الجزيرة العربية من مختلف اللغات بأسماء آلهة مركبة، أي أسماء هي حصيلة جمع اسمين معا. وقد نوقشت هذه المسألة في أوقات سابقة من قبل كثيرين، وبدا أن الأمر قرّ على اعتبار هذه الأسماء أسماء لآلهة مزدوجة. أي أنها حصيلة جمع إلهين معا. الأسماء المركبة التي صادفناها على طول هذا الكتاب برهنت على غير ذلك. فكل اسم مركب حللناه تبدى كاسم مركب تركيب تماه ومساواة، لا تركيب ازدواج. أي أنه يعرض أمامنا إلها واحدا باسمين اثنين؛ الاسم الأول فيه يساوي الثاني ويماهيه. هذا الحل سوف يتيح لنا التغلب على تشويش هائل سببته الأسماء المركبة للباحثين. كما أنه قد يتيح لنا فهم طبيعة آلهة لم تكن مفهومة لنا. فحين يكون لدينا علم بطبيعة واحد من هذين الإلهين، نكون قادرين على معرفة طبيعة الآخر من خلال التساوي والتماهي.
    ''
    وحين نتحدث عن أنصاب دينية مثل الكعبة الجاهلية والأهرام، يكون علينا أن نفهم أن الميثولوجيا تأتي أولا. المعمار يأتي بعد الميثولوجيا. فهو ينفذ خطة ميثولوجية موجودة سلفا، ومعروفة مسبقا. يعني أن المعماري خادم للكاهن والثيولوجي. لذا لا يمكن حل كثير من ألغاز الأهرام بفروض معمارية.
    مثلا، إذا اكتشفنا أن للحجرة الثانية، الوسطى، في الهرم الأكبر كوتين تتشكلان كمتاهة من الأنفاق المغلقة، فلن تتمكن أي فرضية معمارية من حل هذا اللغز. لا يوجد في المعمار ما يفسر هاتين الكوتين. من وجهة نظر المعمار هما عبث تام. أما من وجهة نظر الميثولوجيا فهما ضروريتان. الكوتان ليستا في الأصل خطة معمارية، بل خطة دينية.
    لذا يجب حل أمرهما بالميثولوجيا. يحل أمرهما عبر السؤال التالي: ما الذي تشير إليه هاتان الكوتان؟ ولا يجب حتى أن يقال: لأي هدف وضعا؟ ذلك أنه حتى كلمة هدف يمكن أن تضلل. فالهدف الميثولوجي هو غير الهدف الاجتماعي أو الاقتصادي أو المعماري. الهدف الميثولوجي هو أن تشبه الكوتان تفصيلا في حكاية أسطورية مرتبطة بأحداث فلكية حقيقية أو متصورة. ولا يستطيع معماري أن يصل إلى هذا الهدف. يجب أن نذهب إلى النصوص الميثولوجية كي نصل إليه. يعني أن مهمة حل لغز الكوتين تقع على عاتق الميثولوجي لا المهندس المعماري. وإذا أراد المعماري أن يحله فعليه أن يتحول إلى ميثولوجي.
    ''
    الاجتماعي والسياسي لا يحملان في الغالب أيضا إجابة على الأسئلة التي تطرحها النصب المذكورة. مثلا يغطى الهرم الثالث، هرم منقرع، بكسوة من الحجر الصواني المحمر الأسواني، مختلفا بذلك عن مثيليه. ترتفع الكسوة الصوانية إلى 16 مدماكا ثم تتوقف. لم لم ترتفع الكسوة حتى تغطي الهرم كله؟ ما الذي حدث فجأة حتى تتوقف الكسوة؟ هذه أسئلة علماء المصريات وأسئلة المعماريين. وهي أسئلة مضللة تماما، لأنها تقود إلى أجوبة مفترضة من طراز: الفرعون مات قبل أن يكمل الكسوة، أو أن خزينته نفدت ولم يعد قادرا على إكمال ما بدأه. حدث بيولوجي، مثل موت مفاجئ للفرعون، لا يقدم جوابا. الهرم الثالث جزء من مشروع ميثولوجي معروف الخطة مسبقا، وهو سيكتمل حتى لو غاب فرعون وحل محله فرعون آخر. البريد يجب أن يصل، والمشروع يجب أن يكتمل، بغض النظر عن مصير الفرعون أو الحاكم. عليه، يجب أن نفترض أن وجود كسوة غير مكتملة هو أمر من ضمن المشروع ذاته. أي أن المشروع يقصد أن يظل الهرم الثالث هكذا بإزار لا يصل إلا إلى الحد الذي وصل إليه.
    نحن نتحدث عن منشآت دينية. ومن حيث المبدأ، فإن كل تفصيل رئيس فيها له هدف ديني. لذا يجب أن نستهلك كل إمكانية ميثولوجية قبل أن ندخل الأحداث البيولوجية أو الاقتصادية على الخط. عليه، فحين نرى غطاء صخريا غير مكتمل يلف الهرم الأصغر، فلا يجب أن نسأل: لماذا توقفت تغطية الهرم بالصوان عند هذا الحد؟ هذا سؤال يحمل الخطأ في داخله، لأنه يفترض أن الغطاء كان يجب أن يكتمل. السؤال الحقيقي هو: ما المغزى الديني من وراء ذلك؟ أو ما الذي أرادت أن تشبهه هذه الكسوة الصخرية وأن تصوره؟ مثل هذا السؤال يقر بالحقيقة الماثلة ويحاول تفسيرها من داخل التصورات الميثولجية. فالحقيقة المعمارية التي أمامنا، أي الكسوة الناقصة، هي تنفيذ لحقيقة ميثولوجية. إنها حقيقة ميثولوجية في بدء الأمر ونهايته. لذا يجب أن ننطلق من ان (الهدف!) كان غطاء صخريا غير مكتمل للهرم الثالث. لقد أريد للغطاء ان يكون ناقصا هكذا كي يشبه وضعُ هذا الهرم تفصيلا ما في الأسطورة، وعلينا أن نعرف هذا التفصيل كي نكتشف (معنى!) هذا الغطاء الناقص، أي المعنى الديني الميثولوجي. وهذه مهمة لن يقوم بها إلا ميثولوجي. المعماري لا ينفع هنا. بل إنه يشوش ويضلل. حال المعماري هنا هو حال الفقيه عمارة اليمني الذي وقف مبهورا قدام الأهرام فقال:
    تنزه طرفي في بديـع بنائـها
    ولم يتنزه في المراد بها فكري
    (المراد بها) ومنها هو المهم هنا. المغزى الديني هو الأساس. وحين نبحث عن المغزى الديني فعلينا الذهاب إلى الأساطير. الأساطير ونصوصها هي التي تستطيع أن توصلنا إلى المعنى والهدف. هناك، أي في الأسطورة، نستطيع أن نجد حلا للغز الإزار الصخري الذي يغطي أسفل الهرم الثالث.
    وكذا الأمر في ما يخص الهرم الثاني الذي يبدو للعين أعلى من الهرم الأكبر. علينا أن لا نفترض أن هذا يتعلق بصدفة جيولوجية جعلت الهرم الثاني يقام فوق أعلى مكان في الهضبة، أو أن بصدفة سياسية تتعلق بأن الفرعون بانيه أراد أن يتفوق على سلفه باني الهرم الأكبر، فأعطاه هذا المكان الممتاز في الهضبة، وجعل لسفحه انحدارا أحد يوحي بالعلو. لا، يجب أن نسأل عن الهدف، عن المغزى الميثولوجي من وراء كونه (يبدو) أعلى من الهرم الأول. (يبدو) هذه هي الهدف الميثولوجي. لقد كان القصد الميثولوجي أن (يبدو) الهرم الثاني، هرم خفرع، أعلى من الهرم الأكبر. وعلينا أن نبحث في الأسطورة عن السبب الديني الذي أرغم المعماريين على جعله (يبدو) أعلى من أخيه الأكبر.
    ''
    ونصوص المنطقة الأسطورية وحدة واحدة. فالافتقار إلى نص ميثولوجي مصري يوضح لغزا من ألغاز الأهرام يمكن أن يعوض عنه بنص سومري أو بابلي أو عربي. مثلا، قد تمكننا قصة أصحاب الكهف وكلبهم في القرآن من جلاء مسألة من هو أبو الهول الباسط ذراعيه بالوصيد، ومن يمثل. أديان المنطقة من الترابط بحيث لا يمكن فهمها إلا معا. لا يمكن فهم الديانة المصرية من داخل الديانة المصرية فقط. ولا يمكن فهم ديانة مكة من داخل ديانة مكة فقط. حتى أنه لا يمكن الحديث عن ديانة مصرية أو ديانة عربية إلا بأضيق الحدود. ثمة ديانة منطقة. ديانة تقوم على عبادة إله مركب من مبدأين: مذكر و مؤنث. والإله المذكر في حركة دائبة بين مظهرية الصيفي والشتوي. هذه هي ديانة مصر وديانة مكة وديانة بابل. هذه هي ديانة منطقة بأكملها.

    ''
    العرب، كما أخبرنا هيرودتس، كانوا يعبدون إلهين فقط، لا يعبدون غيرهما؛ هما أورتال وأليلات (إليلات وليس اللات، فاللات إله مذكر لا مؤنث)، أي الإله الذكر والإلهة الأنثى، إيزيس وأوزيريس. والمنطقة بأكملها لم يكن لها سوى هذين الإلهين، على أرضية عبادة شمسية واسعة. وكل ما فعله هذا الكتاب هو جلاء هذه الحقيقة وتأكيدها، لا غير. وبهذا التأكيد نكون قد مشينا الخطوة الأولى على طريق فهم أعمق وأشمل لديانة العرب قبل الإسلام، وفهم أفضل وأمتن لترابطها مع الديانة المصرية والسومرية- البابلية.
    وثم خطوات كثيرة أخرى ينبغي قطعها بعد.
    ولأن هذا الكتاب محاولة للسير في أرض غير مطروقة حقا، فهو مطروح بين أيدي القراء كي يعمقوا أطروحاته، وأن يطوروها، شاكرين لهم إن كان بمقدورهم التنبيه إلى أي مشاكل حصلت في التقديرات والتفسيرات.
    ' شاعر وكاتب من فلسطين، وهذه مقدمة كتابه البحثي الجديد عن العلاقة بين الديانة المصرية القديمة وعبادات مكة في العصر الجاهلي.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 7:50 pm