آثار تكشف موقع قرية الجنان التاريخية - (من المصدر)
- 1
د. محمد وهيب*
عمان - في كل يوم جديد، يظهر اكتشاف مهم يضاف إلى سلسلة اكتشافات سابقة تكمل صورة الحدث في عمان (فيلادلفيا قديماً)، حيث خرج الفتية المؤمنون برسالة عيسى عليه السلام من وسط المدينة التي كانت تعتبر من أجمل وأروع المدن الرومانية في التاريخ الكلاسيكي، لا بل وصفها البعض بأنها أثينا اليونان الشرقية، وأطلقوا عليها اسماً ما يزال الأجمل بين أسماء المدن الرومانية العشر، ألا وهو "فيلادلفيا"، وتعني: مدينة الحب الأخوي. هذه عمان قديماً وحديثاً، تعيش بوئام وانسجام، متفردة على غيرها من المدن المجاورة بالعراقة والأصالة والحداثة.
وفي دراسة تتبع مسار رحلة فتية أصحاب الكهف، تم التوصل إلى اكتشاف جديد، يؤكد حقائق كانت تمثل حلقات مفقودة في مسار الرحلة ما بين عمان وكهف الرقيم في بلدة أبو علندا.
وقد استندت الدراسة والبحث إلى النص التاريخي أو الرواية التي ورد ذكرها في كتاب "فتوح الشام"، عن سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي القرشي، وهو من الصحابة والولاة، اشتهر بالزهد، وتوفي العام 641 للميلاد (20 للهجرة).
إذ ذكر سعيد بن عامر أنه بعد الخروج من كهف الرقيم وقبل وصول عمان، مر بقرية الجنان. فأين هذه القرية التاريخية القريبة من كهف الرقيم قرب عمان؟ ولعل نظرة فاحصة إلى التسمية "قرية الجنان" يشير إلى خصوبة القرية التي وصفت بالمكان الجميل والخلاب الذي يشبه الجنائن والحدائق.
وللإجابة عن هذا السؤال، أجريت دراسة مكتبية وميدانية على كافة السهول المحيطة بكهف الرقيم جنوب شرق عمان. ووجدت أن السهول الزراعية المتواجدة جنوب الكهف، وتسمى حالياً سهول الجويدة، كانت -حسب المؤرخين والجغرافيين القدامى- تنتج أجود أنواع الحنطة في بلاد الشام قاطبة، الأمر الذي يشير إلى خصوبة الأرض وارتفاع معدلات سقوط الأمطار، كون هذه المنطقة تقع على سيف البادية بحسب الجغرافيين.
إلا أن الدراسة تركزت على المناطق الغربية المؤدية إلى عمان، وخاصة سهول القويسمة وجبل الزهور، حيث جاءت الدلائل مؤكدة ومثبتة لحقيقة اسم المنطقة التي ذكرها سعيد بن عامر؛ فما يزال السكان المحليون يطلقون على هذه المنطقة تسمية الجنان والمجنات والمجنة، وهي إشارة واضحة وصريحة إلى طبيعة المنطقة. وما تزال سجلات أحواض الأراضي تطلق عليها اسم "الروضة"، كدلالة على "رياض الجنة". ولعل الدافع وراء هذه التسميات هو أن هذه المنطقة كانت تعتبر الأجمل بيئيا في عمان قديما. وما تزال غابة الزهور (غابة شهداء عمان حالياً)، بغطائها من الأشجار الكثيفة، ماثلة لغاية الآن، وتعتبر متنفساً طبيعياً لسكان جنوب عمان. وليس غريباً أن تقام حالياً في هذه المنطقة ثلاث حدائق، هي: غابة شهداء عمان، وحديقة المرحوم خليل السالم، والحديقة المرورية، كدلالة على خصوبتها. كما أن تسمية المنطقة بـ"جبل الزهور" يشير إلى كثرة الأزهار والنباتات البرية المتواجدة في هذه المنطقة، والتي يذكرها السكان الأوائل قبل انتشار وامتداد الأحياء السكنية الحديثة. كذلك، فإن وقوع هذه المنطقة على الطريق القديمة الواصلة ما بين المقابر الرومانية في شرق عمان ووسط مدينة فيلادلفيا، يؤكد مزيداً من الدلائل التاريخية بهذا الخصوص.
وجاءت نتائج التنقيبات الأثرية التي جرت سابقاً في مجموعة أبراج الزهور، والتي تسمى أحياناً "أم صويوينة" (نسبة الى الصخر الصواني)، لتؤكد أن هذه الأبراج العمّونية ترجع في تاريخها إلى العصر الحديدي الثاني؛ أي ما يعادل 900 عام قبل الميلاد. وهي أكبر تجمع للاستيطان العمّوني في عمان، حيث تنتشر أكثر من خمسة مبان كبيرة على مساحة تتجاوز مائتي دونم. لكن الدليل المهم الذي كشف عنه، هو أن هذه الأبراج قد استخدمت خلال العصر الروماني والبيزنطي؛ إذ استخدمت الطوابق المتعددة لهذه الأبنية التي ما تزال ماثلة للعيان إلى يومنا هذا، لأغراض الخزين من الحقول الزراعية المجاورة. فقد أقيمت هذه المساكن على المنطقة المرتفعة المطلة على السهول الزراعية. ويوضح استخدامها خلال العصر الروماني أنها كانت مأهولة، والراجح أن سكانها كانوا مزارعين يتبعون فيلادلفيا، الأمر الذي يؤكد أهمية هذه المنطقة من حيث الزراعة. كما أنها كانت تعتبر الأهم من حيث التراكيب الجيولوجية، إذ يعتبر صخرها من أجود أنواع الصخور الكلسية، وقد استخدمت لبناء مدينة فيلادلفيا وعمائرها ومسارحها وأبراجها وأسوارها، وكان على كل من يتوجه إلى فيلادلفيا (عمان) أن يعبر من هذه المنطقة، وما تزال بعض الأبراج الصغيرة ماثلة على جانب الطريق، وكانت قد استخدمت لمراقبة الطريق وحمايتها. وهذا ما يؤكد أن فتية أصحاب الكهف قد سلكوا هذه الطريق الواصلة إلى بلدة القويسمة وأبو علندا وسحاب والموقر والبادية.
وأكد الرحالة الإنجليزي كوندر الذي زار منطقة الزهور العام 1881: "إنها بلدة صغيرة، وبيوتها مبنية من حجر الصوان، وحولها بيوت صغيرة وقصور كبيرة مربعة الشكل تظهر من مسافة بعيدة تطل على أودية عمان". وهو بذلك يشير إلى خربة أم صويونية، ويؤكد أنها كانت بلدة ما تزال عامرة.
كما أن انتشار المقابر والأبنية الدينية، مثل المعابد والكنائس، على جانبي الطريق، واضح لا لبس فيه. ويلاحظ أن هذه الطريق قد سلكتها جموع سكان مدينة فيلادلفيا حسب المخطوط المهم والنادر الذي تتم دراسته الآن لمؤلفه إبراهيم القاهري الحنفي المتوفى العام 922 للهجرة. وذكره أيضاً حاجي خليفة؛ إذ يذكر المخطوط أنه بعد أن اكتشف سكان مدينة فيلادلفيا حقيقة أحد الفتية من أصحاب الكهف، واسمه تمليخا، والذي جاء لشراء الطعام من السوق (واقتبس هنا من المخطوط): "أخذ الناس يقبلون يديه ورجليه ويسلمون عليه ويضمونه إلى صدورهم. وقد ضج الناس بالبكاء، فقال الملك لـ"تمليخا" انطلق بنا إلى إخوتك حتى ننظر إلى وجوههم. قال فرجع تمليخا من المدينة نحو الكهف وخرج الملك والقاضي وأهل المدينة كبيرهم وصغيرهم حتى لم يبقَ في المدينة أحد إلا خرج". وهكذا خرج كل سكان مدينة فيلادلفيا لمشاهدة هذه المعجزة الكونية التي طالما انتظروا ظهورها، ولتظهر هنا في مدينة عمان، هذه المدينة المباركة عبر العصور.
ولعل هذا يؤكد أهمية الكهف على المستوى المحلي والعربي والدولي. وأن ظهور قرية الجنان في منطقة ربوة الزهور يؤكد حقائق علمية تسهم بشكل فاعل في ترويج مواقع السياحة الدينية، وإبراز كنوز أرض المملكة الأردنية الهاشمية المباركة.
وقد أظهرت أعمال التوثيق الجارية لمسار فتية أصحاب الكهف أن الطريق الواصلة ما بين مدينة عمان وبلدة الرقيم التي يتواجد فيها الكهف، كانت تعبر من خلال محطتين: الأولى، في قرية الجنان المسماة حالياً "جبل الزهور أم صويوينة"، حيث تم اكتشاف الأبراج العمّونية التي استخدمت خلال العصر الروماني والبيزنطي. وكانت تستثمر السهول الزراعية لمنطقة أم الحيران والسهول الممتدة في منطقة الإذاعة والتلفزيون، وما يزال أحد الأبراج العمّونية داخل حرم ساحة التلفزيون، مما يشير إلى أن هذه المنطقة السهلية كانت المزود الرئيس لمدينة فيلادلفيا بالحصاد الزراعي. أما المحطة الثانية المهمة والرئيسة بين فيلادلفيا والرقيم، فكانت بلدة القويسمة، وكان يطلق عليها اسم "الجويسمة"، وهي تعتبر حلقة الوصل الرئيسة بين كهف الرقيم ووسط مدينة فيلادلفيا.
وقد أكدت الاكتشافات الأثرية في القويسمة أهمية البلدة عبر التاريخ، إذ إنها تعتبر أكبر تجمع كنسي خارج وسط مدينة فيلادلفيا، وهي بذلك تتربع على عرش الضواحي التابعة لحدود مدينة فيلادلفيا باحتوائها على ثلاث كنائس ترجع إلى العصر البيزنطي، إضافة إلى ضريحين رومانيين، وبقايا عمائر وأسوار وخزانات مياه ومغاور كانت ماثلة للعيان، وشاهدها العديد من الرحالة والمؤرخين الذين زاروا عمان منذ مطلع القرن الثامن عشر، ومن أبرزهم كوندر الذي أطلق على ضريح القويسمة المتواجد في منطقة سفح "جبل الحديد" اسم "قصر السبعة"، كناية عن عدد فتية أصحاب الكهف السبعة. والراجح أن أول أبنية شاهدها فتى أصحاب الكهف الذي توجه إلى المدينة لشراء الطعام بعد الصحوة من النوم، هي كنائس القويسمة أثناء توجهه من الرقيم عبر القويسمة التي تعتبر المحطة الرئيسة المهمة إلى الكهف.
وكانت القويسمة البيزنطية خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين عامرة، وأراضيها وسهولها وافرة الغلال، إذ إنها تمثل جزءا من الأراضي المباركة؛ فيحدها من الشمال الشرقي موقع مبرك ناقة الرسول، ومجمع مباني المبرك العمونية التي تمتد حتى مطار عمان المدني، ومن الجنوب تحدها سهول الجويدة التي وصفها المؤرخون بأنها تنتج أجود أنواع الحنطة والحبوب في بلاد الشام، بينما يوجد كهف الرقيم على مسافة 1 كم إلى الشرق من القويسمة حيث تتجه محاريب الكنائس إلى الشرق، وفرشت أرضياتها بأجمل أنواع الفسيفساء الملونة في العصر البيزنطي. وكانت بلدة القويسمة تشرف على كافة السهول الزراعية الممتدة ضمن منطقة الوحدات وما يسمى حالياً منطقة الشرق الأوسط.
وبعد محطة القويسمة، يصل المسار عبر الممر الجبلي المشرف على الأودية من كلا جانبيه إلى هضبة العلا أو جبل الملائكة، المسمى باللغة اليونانية "جبل أنجلوس"، حيث يتواجد كهف الرقيم، وبالقرب منه القرية الزراعية البيزنطية-الإسلامية خربة الرقيم التاريخية.
لقد اتضح مسار رحلة فتية أصحاب الكهف الآن من وسط مدينة فيلادلفيا (عمان) إلى كهف الرقيم، وأصبحت الدلائل الثلاثة دامغة على حقيقة هذا المسار لمن أراد أن يسلكه أو يشاهده، إذ توافقت نتائج البحث العلمي الميداني مع أقوال الرحالة والمؤرخين القدامى والمحدثين. ونتائج التنقيبات الأثرية الميدانية تؤكد أن أرض الأردن مباركة منذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ