اكتشافات أثرية تجسّد النسيج المديني لبيروت الرومانية-الوزير ليون يقرر حفظها ودمجها في المشروع الجديد

مي عبود أبي عقل---للمرة الأولى منذ بدء اعمال التنقيب الاثري واعادة
الاعمار في وسط بيروت، ستجري المحافظة على النسيج المديني لبيروت
الرومانية، من خلال اعادة دمجه في اطار مشروع سكني حديث.

في العقار الرقم 1075 - منطقة الصيفي العقارية، الذي تعود ملكيته الى
شركة "صيفي مودرن"، المعروف بمشروعDistrict- S ، ويقوم على مساحة 12 ألف
متر مربع، يقام مشروع اعماري ضخم يتألف من 22 بناية سكنية، تتألف كل واحدة
من خمس طبقات، وتتخلله طرق وساحات عامة وحديقة...

وأظهرت الحفريات الاثرية التي بدأت منذ العام 2010، وقام بها فريق من
اساتذة الجامعة اللبنانية وطلابها برئاسة الدكتورة منتهى صاغية بيضون في
اشراف المديرية العامة للآثار، معالم اثرية مهمة، تعود الى الحقبتين
الهلنستية والرومانية، تتمثل بأجزاء من اساسات بيوت وحجار ومعالم من الحقبة
الهلنستية، وجدار هو جزء من رواق ذي اعمدة (portico) وحوض مائي من الحقبة
الرومانية، تشكل نموذجاً من النسيج العام لمدينة بيروت في العهد الروماني،
سبق ان عثر على مثيل لها في منطقة الاسواق التجارية، لكنها لم تحفظ حينذاك.

ليون للتفكيك والدمج

ونظراً الى أهمية المكتشفات اصدر وزير الثقافة المهندس كابي ليون القرار
الرقم 75 تاريخ 14 ايار 2013، القاضي "بتفكيك هذه المعالم الاثرية واعادة
تركيب النموذج المديني المكتشف في العقار المذكور ضمن المساحات العامة"،
وطلب الى رئيسة الفريق الاثري الدكتورة بيضون "وضع تقرير مفصل بنتيجة تفكيك
المنشآت المعنية، ومكان ايداعها، وكل ما يتصل بشأنها من معلومات توضيحية،
في مهلة اقصاها اسبوعين من تاريخ اتنهاء عملية التفكيك".

واعطى
"الحق للجهة المالكة باستكمال اعمال الحفر والتدعيم والبناء، بعد الانتهاء
من كامل الاعمال الاثرية في الجهة الجنوبية الغربية من العقار"، طالبا
اليهاً "التنسيق مع الدكتورة صاغية وتقديم كل الخرائط التفصيلية التنفيذية
المتعلقة بمشروع اعادة التركيب للموافقة النهائية عليها من مديرية الاثار،
في مهلة شهرين قبل المباشرة بعملية الدمج". كذلك اوعز الى الدكتورة صاغية
"وضع تقرير مفصل بنتيجة عملية اعادة تركيب المنشآت المعنية ضمن المشروع
العمراني في العقار، وكل ما يتصل بها من معلومات توضيحية، وذلك في مهلة شهر
من تاريخ انتهاء عملية الدمج".

وسبق ذلك كتاب خطي من رئيس مجلس الادارة – المدير العام للشركة المالكة
نمير قرطاس امام كاتب العدل في بيروت صرح فيه بأن شركته "على اطلاع على
نتائج الحفريات الاثرية التي اجرتها مديرية الاثار في هذا العقار، وهي تقبل
بشروط المديرية لناحية عكس النموذج المديني الاثري في الاماكن العامة في
المشروع، وذلك على نفقة الشركة، وعند الانتهاء من كافة اعمال البناء في
المشروع (...)".

اهمية المكتشفات

في لقاء مع "النهار" اوضح المشرف على الحفريات والبحوث الاثرية في
المديرية العامة للآثار الدكتور اسعد سيف انه "خلال التنقيبات كشف عن بقايا
الاساسات من بيوت هلنستية موجودة في هذه المنطقة من بيروت، اضافة الى بعض
المنشآت التابعة لحديقة رومانية تتمثل ببقايا قواعد اعمدة وجزء من حوض
مائي، تعود الى الحقبة الرومانية من القرن الثالث الميلادي. وتم توثيق تلك
المعالم كاملة، وترقيم الحجار المتبقية من تلك الاساسات، بهدف اعادة
تركيبها ودمجها في العقار بطريقة تضمن المحافظة على هذه الاجزاء من جهة،
والسماح لاصحاب العقار بالبناء من جهة ثانية".

وعن اهمية المكتشفات قال سيف انه " في العصر الروماني كانت الحدائق تقام
في مبنى ملحق بالمبنى الاساسي. وهذه الحديقة تابعة لبيت من الحقبة
الرومانية، ولم يتبقَ منه الا اجزاء متناثرة من الاساسات، وتعتبر موازية
لحدائق البيوت التي عرفتها بيروت اوائل القرن العشرين. وسوف تتم اعادة
تركيبها، مع ترميم اجزائها كاملة، على نفقة اصحاب العقار، من اجل ابرازها
في الساحة العامة المنوي اقامتها ضمن المشروع، والتي ستكون مفتوحة امام
الجميع.

كذلك ستتوزع المعالم الاثرية، من جدران واحجار او بلوكات ضخمة، بين
مباني المشروع، ما يوحي للزائر بأنه يسير على طريق هلنستية ورومانية. وبذلك
سيكون متاحاً امام اللبنانيين التعرف على النسيج المديني لمدينة بيروت
خلال الحقبة الرومانية من خلال التجول في طرق المشروع. كذلك ستوضع لوحات
تفسيرية تشرح التنظيم المدني في بيريت في هذه الحقبة، مع الاشارة الى عناصر
هذا التنظيم التي ستدمج في المشروع".

جاهزة لإعادة التركيب

تجدر الاشارة الى ان "شركة صيفي مودرن" هي التي بادرت بإرسال كتاب الى
الوزير ليون اقترحت فيه "اعادة تركيب النموذج المديني المكتشف في الموقع،
بعدما ارتأت أهمية عكس هذا النموذج الاثري في الاماكن العامة في المشروع
لما في ذلك من محافظة على ذاكرة المدينة الاثرية، ومن منطلق ارادتنا في
المساهمة بالمحافظة على هذا التراث".

وأكد سيف ان "الحفريات الاثرية انتهت الآن، وخلال اجرائها كانت كل
الاجزاء التابعة لهذا النسيج المديني ترقم بعدما يتم رسمها، وأخذت
المعلومات اللازمة عنها، وتم تفكيكها بالطرق العلمية، وحفظت في مستودعات
مديرية الاثار في فرن الشباك. وهي اليوم جاهزة لاعادة نقلها وتركيبها عند
البدء بمشروع اعادة الدمج، الذي سيبدأ فور وصول البناء الى المستوى الارضي،
حيث تجري الاشغال الان في الطبقات السفلى، اي بعد نحو سنتين".

وأتى قرار وزير الثقافة متوافقا مع توصيات "الاونيسكو" التي صدرت في
الدورة 15 للمؤتمر العام الذي عقد العام 1968 في شأن "صون الممتلكات
الثقافية التي تهددها الاشغال العامة او الخاصة"، اذ ورد في الفقرة 11
"ينبغي اعادة بناء المباني وغيرها من الآثار المهمة التي نقلت من اماكنها،
تفاديا لهدمها بسبب الاشغال العامة او الخاصة، في موقع او اطار مماثل
لموقعها الاصلي، يتوافر لها معه الاطار الطبيعي، التاريخي او الفني الذي
كان يحيط بها من قبل".

وبالفعل سيتم رفع مستوى المكتشفات الى علو 6 أمتار من مكان وجودها،
لتصبح على مستوى الطبقة الارضية، مع المحافظة على طوبوغرافية النسيج
القديم، كذلك سيعاد تركيب اجزاء الحديقة في ساحة عامة في مكان لا يبعد
اكثر من 30 مترا من موقع اكتشافها الاصلي، بحيث يتمكن الناس من رؤيتها.
وبهذا المشروع تكون مديرية الاثار تقوم، للمرة الاولى منذ بدء التنقيبات في
وسط بيروت، بالمحافظة على بقايا النسيج المديني لبيروت في المساحات العامة
ضمن المشاريع الاعمارية الجديدة