alquseyaمنتدى أبناء القوصيه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ثقاقي-اجتماعي-يطمح الى الارتقاء بالقوصيه وتطويرها المنتدى منبر لكل ابناء القوصيه

منتدى ابناء القوصيه يدعو شرفاء اسيوط الى كشف اي تجاوزات تمت من اي من موظفي النظام الفاسد وتشرها في منبرنا الحر
حسبنا الله ونعم الوكيل لقد خطفت منا مصر مره اخري

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

المواضيع الأخيرة

» سيف الدين قطز
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالسبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ

» كنوز الفراعنه
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالسبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ

» الثقب الاسود
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالسبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ

» طفل بطل
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ

» دكتور زاكي الدين احمد حسين
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ

» البطل عبدالرؤوف عمران
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ

» نماذج مشرفه من الجيش المصري
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» دجاجة القاضي
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ

» اخلاق رسول الله
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ

» يوم العبور في يوم اللا عبور
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ

» من اروع ما قرات عن السجود
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ

» قصه وعبره
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ

» كيف تصنع شعب غبي
مختصر قصة الفتنة  I_icon_minitimeالخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ


    مختصر قصة الفتنة

    امه الرحمن
    امه الرحمن
    مشرف عام
    مشرف عام


    عدد المساهمات : 991
    تاريخ التسجيل : 10/10/2010
    العمر : 32

    مختصر قصة الفتنة  Empty مختصر قصة الفتنة

    مُساهمة من طرف امه الرحمن الخميس نوفمبر 11, 2010 11:53 pm

    الفتنة ومكانة الصحابة


    للصحابة في قلوب المسلمين مكانة سامية، لا يفوقها إلا مكانة النبي r؛ وما ذلك إلا لما بذلوه من أجل نصرة الرسول r، ونشر الدين، وما قدَّموه من تضحيات جسيمة بالمال والوقت والنفس لأجل رفعة راية الإسلام.

    وقد جعل الله U للصحابة مكانة كبيرة بين البشر؛ فقد أثنى عليهم قائلاً: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].

    ولهذا يُجِلُّ المسلمون الصحابة إجلالاً كبيرًا، ولا يقبلون أن يتطاول أحد عليهم ولو بلفظ.

    ولا يعني هذا أن الصحابة معصومون من الخطأ؛ فقد قال رسول الله r: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"[1]. ولكن مكانة الصحابة تقتضي ألاّ يتجاوز أحد من المسلمين في حقهم، وإلا كان ذلك علامة على نقص الدين في نفسه؛ ولذا قال الإمام مالك رحمه الله واصفًا حال مبغضي الصحابة، ومبينًا معتقدهم: "إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي r، فلم يمكنهم ذلك؛ فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، وذلك أنه ما كان منهم رجل إلا ينصر الله ورسوله r، ويذبُّ عن رسول الله r بنفسه وماله، ويعينه على إظهار دين الله، وإعلاء كلمته، وتبليغ رسالاته وقت الحاجة، وهو حينئذٍ لم يستقر أمره ولم تنتشر دعوته، ومعلوم أن رجلاً لو عمل به بعض الناس نحو هذا، ثم آذاه أحد لغضب له صاحبه، وعدَّ ذلك أذى له (أي للرسول r)"[2].

    من هنا صارت دراسة فترة الفتنة الكبرى -التي بدأت بعد ست سنوات من حكم ذي النورين عثمان بن عفان t، واستمرت فترة حكم أمير المؤمنين علي t- بشكل محايد منصف واجبة؛ لكي نذبَّ الأذى عن صحابة رسول الله r الذين تمالأ عليهم المنافقون وأصحاب الأهواء ليطعنوا فيهم مستغلين ما وقع من أحداث، فتظاهروا بالدفاع عن طرف، والهجوم على طرف آخر؛ ليتوصلوا إلى غرضهم الخبيث بالإساءة للطرفين، ومن ورائهم رسولهم ونبيهم الذي جاءهم بالحق من عند الله I.

    التغير والمستجدات


    منذ نهاية عصر الفاروق عمر t بدت ملامح التغير في المجتمع المسلم واضحة للعيان؛ فقد اتسعت الفتوح، وفاض المال بأيدي المسلمين الذين كثروا، ودخل فيهم عناصر جديدة كثيرة من أهل البلاد المفتوحة مثَّلت الأغلبية خلال سنوات معدودة، وكانت هذه الغالبية منها من كان مخلصًا لله U في إسلامه، ومنها من كان موتورًا يريد الانتقام من الإسلام الذي هدم ديانته، وقضى على دولته، كما كان حال بعض اليهود والفُرس، كما ساد الميل إلى الدنيا في نفوس كثير من المسلمين؛ فركن بعضهم إلى الدنيا وزينتها.

    وما كانت تلك المستجدات لتمر على عبقري ملهَم كعمر بن الخطاب t، الذي تعب من معاناته مع هؤلاء الداخلين حديثًا، ومع المتآمرين، ومع المائلين للدنيا؛ فقد مدَّ يديه إلى السماء، ودعا الله I قائلاً: "اللهم كبُرَت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي؛ فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرط"[3].

    تغيرت الأحوال إذن، وأسوأ من ذلك تغيُّر النفوس، مما جعل أمير المؤمنين عثمان t في مأزق؛ فقد حكم قومًا غير من كان عمر t يحكمهم في بداية خلافته؛ فقد كان عمر t يحكم الصحابة، أمَّا عثمان t فكان أغلب رعيته ممن لم يروا رسول الله r، ولم يتأدَّبوا بأدبه، ومنهم من غرَّته الدنيا، واستولت على قلبه، وغرق في بحار أموال الفتوحات، وكان لا بد من حدوث الفتنة؛ فقد أخبر بها رسول الله r، فعن حذيفة قال: "كنا جلوسًا عند عمر t، فقال: أيُّكم يحفظ قول رسول الله r في الفتنة؟ قلت: أنا، كما قاله. قال: إنك عليه -أو عليها- لجريء. قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي. قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر. قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا. قال: أيُكسَر أم يُفتح؟ قال: يكسر. قال: إذن لا يغلق أبدًا. قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نَعَمْ، كما أن دون الغدِ الليلةَ إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط. فَهِبْنَا أن نسأل حذيفة، فأمَرْنَا مسروقًا فسأله، فقال: الباب عمر[4].

    بداية الفتنة


    إذن كان الصحابة y يعلمون أن استشهاد عمر t هو فتحٌ لِباب الفتنة؛ لذا كان أمير المؤمنين عثمان t حريصًا على مداراة من يخالفونه، ويُكثرون من الشكوى من أمرائهم ظلمًا وعدوانًا، وحتى لما كثرت إساءات المارقين، وأشار ولاة عثمان عليه بأخذهم بالشدة، قال لهم: "والله إن رَحَى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. كفكفوا الناس، وهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها"[5].

    افترى أهل الفتنة تصرفات باطلة على أمير المؤمنين عثمان t، وأخذوا يطعنون في وُلاته، وهو صابر عليهم، ولكن كان هناك من يحرِّك الفتنة بمهارة وتؤدة ومثابرة؛ فقد كان هناك عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف بابن السوداء، الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر والعداوة للإسلام وأهله.

    توجّه ذلك الرجل إلى البصرة التي كانت تحت إمارة عبد الله بن عامر الذي بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة العبدي، وكان عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، هو الرجل النازل عليه، واجتمع إليه نفر، فطرح إليهم ابن السوداء ولم يصرح، فقبلوا منه. فأرسل إليهم ابن عامر فسأله: من أنت؟
    فقال: رجل من أهل الكتاب رغبت في الإسلام وفي جوارك.
    فقال: ما يبلغني ذلك، اخرج عني. فخرج حتى أتى الكوفة فأُخرج منها، فقصد مصر فاستقر بها وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، وتختلف الرجال بينهم[6].

    وكان ابن سبأ يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر لأهل البيت، ويقول: إن محمدًا يرجع كما يرجع عيسى. وعنه أخذ ذلك أهل الرَّجْعَةِ، وإن عليًّا وصيُّ رسول الله r حيث لم يجز وصيته، وإن عثمان أخذ الأمر بغير حق، ويحرض الناس على القيام في ذلك، والطعن على الأمراء[7].

    وسواءٌ كان ابن سبأ هو الذي قام بهذا، أو أنه شخصية خيالية كما يرى عدد من الباحثين؛ فإن هناك من كان يقوم بهذا الدور، سواء كان فردًا أو جماعة.

    المتمردون في المدينة


    ظلَّت الرسائل تُتَبادَل بين أهل الفتنة في مصر والبصرة والكوفة، يحرِّض بعضهم بعضًا فيها على التشنيع على ولاة عثمان t، ثم على عثمان نفسه حتى وصل الأمر إلى الاتِّعاد على قدوم المدينة في موسم الحَجِّ، وإعلان العصيان والخروج على أمير المؤمنين t.

    كان أمير المؤمنين قد علم بما خططه أهل الفتنة من رجلين شهدا تدبيرهم ومكرهم؛ "فأرسل إلى الكوفيين والبصريين، ونادى: الصلاة جامعة! فأقبل الرجلان، وشهدا بما علما؛ فقال المسلمون جميعًا: اقتلهم؛ فإن رسول الله r قال: "مَن دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة الله فاقتلوه". وقال عمر بن الخطاب: لا أُحِلّ لكم إلا ما قتلتموه، وأنا شريككم. فقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، ولا نحادّ أحدًا حتى يركب حدًّا، أو يُبدِي كفرًا. إن هؤلاء ذكروا أمورًا قد علموا منها مثل الذي علمتم، إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبها عليَّ عند من لا يعلم"[8].

    وبعد ذلك أخذ الخليفة يرد على كل ما زعموه وافتروه، والمهاجرون والأنصار يؤيدونه في كل ما يقول؛ حتى إذا انتهى من ردِّه، وقد أفحم أهل الفتنة، "أبى المسلمون إلا قتلهم، وأبى عثمان إلا تركهم، فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم، مع اتفاق بينهم على أن يعودوا وسط الحجاج لاقتحام المدينة؛ فتكاتبوا وقالوا: موعدكم ضواحي المدينة في شوال" من عام 35هـ[9].

    فوجِئ عثمان t والمسلمون معه بأهل الفتنة يعيدون احتلال المدينة بشكل منظَّم تم إعداده مسبقًا، ويحاصرون دار الخليفة، ويواجهونه بما افتروه عليه، وكان ممن شارك في الفتنة كثير من الجُهَّال الذين غرَّر بهم أهل الفتنة، واستخدموهم في مخططهم الخبيث.

    وقف هؤلاء وأولئك أمام دار أمير المؤمنين يحاصرونها، ويُعدِّدون عليه اتهاماتهم؛ فردَّ عليهم t كل اتهام باطل بما يدحضه، ولكن الفتنة والعناد قد تحكما فيهم، وأخذ رءوس الفتنة يقطعون كل السُّبل أمام إخمادها؛ فخيروه t بين عزل نفسه أو قتله، فرفض t؛ لأن النبي r قد بشَّره بالشهادة؛ فعن أبي موسى الأشعري t أن رسول الله r دخل عند بئر أريس، فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟
    فقال: عثمان بن عفان.
    فقلت: على رِسْلِكَ. فجئت إلى رسول الله r، فأخبرته، فقال: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ"[10].

    كما أنَّ النبي r قد نهاه في حياته عن خلع نفسه من الخلافة التي تأتيه؛ فعن عائشة t أن رسول الله r دعا عثمان فناجاه فأطال، وإني لم أفهم من قوله يومئذٍ إلا أني سمعته يقول له: ولا تنزعَنَّ قميص الله الذي قمَّصك"[11].

    لذا لما طلب منه أهل الفتنة عزل عُمَّاله وردَّ مظالمهم، وقالوا: والله لتفعلن أو لتخلعن أو لتقتلن. أبى عليهم وقال: لا أنزع سربالاً سربلنيه الله.

    فحصروه واشتد الحصار عليه، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، فأشرف عليهم فقال: يا أيها الناس، اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة، أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي. ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم، ويجمعكم على خيركم؟
    أتقولون: إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟
    أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبالِ من وَلِي والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة، فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري![12].

    وأخذ عثمان t يوضح لهم حرمة ما ينتوونه من قتله؛ فقال:
    وأنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلاً لا تقتلوني؛ فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفسًا بغير حق؛ فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبدًا[13].

    ثم لزم عثمان t الدار وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلا الحسن بن علي وابن عباس ومحمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير وأشباهًا لهم، واجتمع إليه ناس كثير، فكانت مدة الحصار أربعين يومًا، فلما مضت ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الأمصار فأخبروا بخبر من تهيأ إليهم من الجنود وشجعوا الناس، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء.

    فأرسل عثمان إلى عليٍّ سرًّا وإلى طلحة والزبير وأزواج النبي r، إنهم قد منعوني الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا. فكان أوَّلهم إجابة علي، وأم حبيبة زوج النبي r، فجاء عليٌّ في الغلس فقال: يا أيها الناس، إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي!

    فقالوا: لا والله ولا نعمة عين! فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت ورجعت، وجاءت أم حبيبة على بغلةٍ لها مشتملة على إداوة فضربوا وجه بغلتها، فقالت: إن وصايا بني أمية عند هذا الرجل، فأحببت أن أسأله عنها لئلاّ تهلك أموال الأيتام والأرامل. فقالوا: كاذبة! وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فنفرت وكادت تسقط عنها، فتلقاها الناس فأخذوها وذهبوا بها إلى بيتها[14].

    إنَّ تجرؤ هؤلاء المارقين على أم المؤمنين أم حبيبة؛ لَيبين ما وصلوا إليه من خروج عن الدين، واستهانة بحرم رسول الله r، بل وعداوة للرسول r نفسه.

    ثم بدأ ذو النورين t يُذَكِّرهم بسابقته في الإسلام، ومكانته من رسول الله r، وتضحياته من أجل الدين؛ فقال:
    أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي ليستعذب بها، فجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين؟
    قالوا: نعم.
    قال: فلِمَ تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا فزدتها في المسجد؟
    قيل: نعم.
    قال: فهل علمتم أن أحدًا مُنع أن يصلي فيه قبلي؟ ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن النبي r قال عني كذا وكذا؟ أشياء في شأنه.
    ففشا النهي في الناس يقولون: مهلاً عن أمير المؤمنين.
    فقام الأشتر فقال: لعلَّه مكر به وبكم[15].

    والأشتر هذا سيكون من قاتلي الإمام المظلوم عثمان بن عفان t؛ لذا نراه هنا يحاول تخذيل مَن تراجعوا عن اتهاماتهم لأمير المؤمنين.
    مقتل عثمان وفتنة أبدًا


    سارت الأحداث في الاتجاه الذي خطط له أهل الفتنة؛ فشدَّدوا الحصار على دار أمير المؤمنين، وقد جاء عدد من الصحابة وأبنائهم يدافعون عنه، ولكنه أمرهم بالانصراف وترك الدفاع عنه؛ فعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعًا وطاعة إلا كف يده وسلاحه. ثم قال: قم يابن عمر -وعلى ابن عمر سيفه متقلدًا- فأخبر به الناس. فخرج ابن عمر والحسن بن علي. وجاء زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله، مرتين. قال عثمان: لا حاجة بي في ذلك، كُفُّوا.
    وقال له أبو هريرة: اليوم طاب الضرب معك. قال: عزمت عليك لتخرجَنَّ.
    وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان، فعزم عليهم في وضع سلاحهم وخروجهم، ولزوم بيوتهم.
    فقال له ابن الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا لا نبرح. ففتح عثمان الباب، ودخلوا عليه في أصح الأقوال[16]؛ وذلك يوم الجمعة 18 من ذي الحجة سنة 35هـ[17].

    قُتِل الشهيد عثمان بن عفان t، وكانت صدمة لم يتوقعها المسلمون، وطعنة غدر أُعِدَّت بدقة لتوجَّه إلى قلب الأمة الإسلامية؛ فأصابت المسلمين بالذهول حتى قيل: إن المدينة بقيت خمسة أيام بعد استشهاد عثمان t بلا خليفة[18].

    لم يكن في المسلمين أولى بالخلافة من علي t؛ لمكانته وفضله وإمكانياته، ولكن عليًّا وسائر الصحابة لم يكونوا يُقبِلون على الإمارة، أو يتشوفون إليها، بل كل واحد فيهم كان يعتبرها تكليفًا ثقيلاً يجدر به أن يبتعد عنه، وخاصةً أن من سيتحمل المسئولية سيكون عليه عبء مواجهة الفتنة وأهلها؛ لذا ظل أهل الفتنة هذه الأيام يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه، يأتي المصريون عليًّا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة، فإذا لقوه باعدههم وتبرّأ منهم ومن مقالتهم مرَّة بعد مرَّة؛ ويطلب الكوفيون الزّبير فلا يجدونه، فأرسلوا إليه حيث هو رسلاً، فباعدهم وتبرّأ من مقالتهم؛ ويطلب البصريّون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرّأ من مقالتهم مرَّة بعد مرَّة؛ وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يَهْوَوْنَ، فلما لم يجدوا ممالئًا ولا مجيبًا، جمعهم الشرّ على أولّ من أجابهم، وقالوا: لا نولِّي أحدًا من هؤلاء الثلاثة. فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا: إنك من أهل الشورى؛ فرأيُنا فيك مجتمعٌ، فاقدمْ نبايعك. فبعث إليهم: إني وابن عمر خرجنا منها، فلا حاجة لي فيها على حال؛ وتمثَّل:

    لا تخلطنَّ خبيثات بطَيِّبة *** واخلع ثيابك منها وانجُ عريانا

    ثمّ إنهم أتوا ابن عمر عبدَ الله، فقالوا: أنت ابن عمر، فقم بهذا الأمر. فقال: إنَّ لهذا الأمر انتقامًا، والله لا أتعرّض له، فالتمسوا غيري. فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون، والأمر أمرهم[19].

    خشي أهل الفتنة على أنفسهم إن لم يقبل أحد الصحابة الخلافة، وقالوا: إن نحن رجعنا إلى أمصارنا بعد استشهاد عثمان t، ودون أن يكون هناك خليفة فلن نسلم[20]؛ لذا عزموا -وهم في أوْج قوتهم، وسيطرتهم على الأوضاع بالمدينة- على أن يُوَلُّوا خليفة بأقصى سرعة؛ فجمعوا أهل المدينة، وقالوا لهم: يا أهل المدينة، أنتم أهل الشورى، وأنتم تعقدون الإمامة، وحكمكم جائز على الأمة، فانظروا رجلاً تنصبونه ونحن لكم تبعٌ، وقد أجلناكم يومكم، فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلَنَّ غدًا عليًّا وطلحة والزبير وأناسًا كثيرًا! فغشي الناس عليًّا فقالوا: نبايعك؛ فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من بين القرى. فقال علي: دعوني والتمسوا غيري؛ فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وله ألوان، لا تقوم به القلوب ولا تثبت عليه العقول. فقالوا: ننشدك الله! ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى الإسلام؟ ألا ترى الفتنة؟ ألا تخاف الله؟ فقال: قد أجبتكم، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم، ألا إني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه. ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد.

    ولما أصبحوا يوم البيعة، وهو يوم الجمعة، حضر الناس المسجد، وجاء عليٌّ فصعد المنبر وقال: أيها الناس، عن ملأٍ وإذن، إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنتُ كارهًا لأمركم، فأبيتم إلا أن أكون عليكم، ألاَ وإنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح ما لكم معي، وليس لي أن آخذ درهمًا دونكم، فإن شئتم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد. فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس[21].

    فلما أكَّد المسلمون رغبتهم في بيعته؛ قال: ففي المسجد، فإنَّ بيعتي لا تكون خفيًّا، ولا تكون إلاَّ عن رضا المسلمين. فلمّا دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه الناس[22].

    لقد كان علي t كارهًا للخلافة، غير راغب فيها، ولكنه تولاّها رغمًا عن إرادته -لا إكراهًا- ولكن حرصًا على وَحْدة الأمة، وحفظًا لكيانها الذي يتعرض لعاصفة عاتية توشك أن تقتلع جذوره، وتعيد أمة الإسلام إلى زمن الجاهلية مرةً أخرى. يقول القاضي ابن العربي: "فانعقدت له البيعة ولولا الإسراع بعقد البيعة لعليٍّ لجرى على من بها من الأوباش ما لا يرقع خرقه، ولكن عزم عليه المهاجرون والأنصار ورأى ذلك فرضًا عليه، فانقاد إليه"[23].

    بدأ علي t خلافته التي لم تستقرّ له، ولم يهدأ له فيها بال بمواجهة رغبات المسلمين المتطلعة للقصاص من قتلة عثمان t. ولا شك أن القصاص لعثمان t واجب، ولا شك أيضًا أن عليًّا t كان حريصًا على تنفيذ القصاص، ولكنه -وهو الخبير المجرِّب- رأى أن أهل الفتنة الذين قتلوا عثمان هم المسيطرون على أَزِمَّة الأمور في المدينة الآن، ولو حاول تنفيذ القصاص لانقلب كل هؤلاء على أهل المدينة قتلاً وتمثيلاً، وهم ليسوا بأهل دين وتقوى، بل أهل فسق وفجور وجرأة على الدماء والأموال؛ لذا رأى علي t تأجيل تنفيذ القصاص حتى تستقر الأمور في المدينة، ويعود الهدوء إليها، ويرجع أهل الفتنة إلى بلادهم، ويتم التحقيق في حادث القتل، وتحديد القتلة ومن عاونهم بأعينهم، ثم يتم القصاص. ومما يثبت هذا ما رواه تاريخ الشعبيّ، قال: "خرجت عائشة رضي الله عنها نحو المدينة من مكَّة بعد مقتل عثمان، فلقيها رجل من أخوالها، فقالت: ما وراءك؟ قال: قُتل عثمان واجتمع الناس على عليٍّ، والأمر أمر الغوغاء"[24].

    وكان كثير من الصحابة مع علي t في رأيه، ولكن كان هناك مجموعتان يرون رأيًا مخالفًا؛ فكانوا يرون وجوب القصاص الفوري من قتلة عثمان t، وقد كان الفريق الأول يضم السيدة عائشة رضي الله عنها، وطلحة بن عبيد الله t، والزبير بن العوام y، والفريق كله من أهل الجنة كعلي t تمامًا.
    أمَّا الفريق الثاني فكان يضم معاوية بن أبي سفيان t والي الشام من قِبَل عثمان، والذي يعتبر نفسه ولي دمه؛ لأنه من بني أمية مثله.

    أرسل علي t إلى معاوية يبلغه ببيعة المسلمين له، ويطلب منه ومن أهل الشام البيعة، ولكن معاوية t أرسل إليه يطلب منه أن يقتص أولاً من قتلة عثمان ثم يبايعه، أو أن يُخَلِّي علي t بين معاوية وأهل الشام وبين قتلة عثمان ليقتصوا منهم، ويكون الأمر بعيدًا عن الخليفة؛ فلا يتحمل مسئوليته أمام أهل الفتنة، ثم يبايع معاوية وأهل الشام عليًّا بعد ذلك. ولكن عليًّا t رفض هذه العروض، واعتبر ذلك عصيانًا من معاوية t؛ فقرَّر عزله عن الشام، وأرسل سهل بن حنيف واليًا جديدًا، ولكن أهل الشام منعوه من الوصول، وردُّوه إلى المدينة.

    الطريق إلى موقعة الجمل


    قرَّر علي t أن يغزو معاوية وأهل الشام، باعتبار الشام أصبح إقليمًا خارجًا ومنشقًّا عن الدولة، وهي نظرة وجيهة؛ فقد بايع المسلمون، وهذا والٍ يرفض البيعة، ويرفض السمع والطاعة، على حين رأى معاوية t أنه وأهل الشام لم يبايعوا عليًّا t بعدُ؛ لذا لا ينطبق عليهم حكم الخارجين؛ فلهم عذر، ولكن الحق كان مع علي t، وستثبت الأحداث صحة موقف عليٍّ t.

    بينما علي t يستعد للخروج إلى الشام، وجد أن الفريق الثاني -الذي يضم السيدة عائشة والزبير وطلحة- قد خرج دون إنذار إلى البصرة؛ فقد رأى هؤلاء الصحابة الكرام أن عليًّا t في موقف حرج يمنعه من القصاص، ووجدوا في أنفسهم وأنصارهم القدرة على ذلك؛ ومن ثَمَّ قرَّروا الخروج إلى البصرة لتنفيذ القصاص في قتلة عثمان t، وللإصلاح بين المسلمين، وإيقاف الخلافات بما لهؤلاء الصحابة الكرام جميعًا لدى المسلمين من مكانة، وكان ذلك في شهر جمادى الآخرة سنة 36هـ.

    فُوجئ علي t بهذا التحرك؛ فقرَّرَ بدلاً من المسير إلى أهل الشام أن يتجه إلى البصرة بجيشه لا ليقاتل هؤلاء الصحابة، بل ليردهم إلى المدينة، ولكنَّ الحسن بن علي t نصحه بعدم الذهاب؛ لأنه t يرى أن تواجه الجيوش لا بد أن يُسفِر عن حروب وخسائر دامية، ولكن عليًّا t صمَّم على الذهاب.

    وفي البصرة -التي كانت تعجُّ بالكثير من أهل الفتنة المشاركين في قتل عثمان t- خرج الوالي من قِبَل علي t لما علم بمقدم أصحاب الجمل وقاتلهم؛ فاضطروا لقتاله، وانتصروا عليه.

    كان علي t يريد التصالح مع هؤلاء الصحابة، وردهم إلى المدينة -كما أسلفنا- لذا لما نزل بذي قارٍ دعا عليٌّ القعقاع فأرسله إلى أهل البصرة وقال: الْقَ هذين الرجلين -وكان القعقاع من أصحاب النبي r- فادعهما إلى الألفة والجماعة، وعظّم عليهما الفُرقة. وقال له: كيف تصنع فيما جاءك منهما وليس عندك فيه وصاة مني؟ قال: نلقاهم بالذي أمرت به، فإذا جاء منهم ما ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا رأينا، وكلمناهم كما نسمع ونرى أنه ينبغي. قال: أنت لها. فخرج القعقاع حتى قدم البصرة، فبدأ بعائشة فسلّم عليها وقال: أي أمة، ما أشخصك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟
    قالت: أي بُنيَّ، الإصلاح بين الناس.
    قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما. فبعثت إليهما، فجاءا، فقال لهما: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها، فقالت: الإصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما، أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان[25].
    قالت عائشة: فماذا تقول أنت؟
    قال: أقول: إن هذا الأمر دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة، ودرك بثأر هذا الرجل، وعافية وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا المال، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم، ولا تعرضونا للبلاء فتعرضوا له فيصرعنا وإياكم. وايم الله، إني لأقول هذا القول وأدعوكم إليه! وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قلَّ متاعها، ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدر، وليس كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة الرجل. قالوا: قد أصبت وأحسنت فارجعْ، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر.

    فرجع إلى عليٍّ فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه. وأقبلت وفود العرب من أهل البصرة نحو علي بذي قار قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة وعلى أي حال نهضوا إليهم، وليعلموهم أن الذي عليه رأيهم الإصلاح ولا يخطر لهم قتالهم على بال[26].

    في هذا الوقت وصل علي t، وبعث إلى أصحاب الجمل حكيم بن سلامة ومالك بن حبيب: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع، فكفوا حتى ننزل وننظر في هذا الأمر. فردوا حكيمًا ومالكًا إلى عليٍّ أننا على ما فارقنا عليه القعقاع[27].

    وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه، وطلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما بذلك، فباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية التي أشرفوا عليها والصلح.

    استبشر المسلمون خيرًا بهذا الصلح، ولكنه -في الوقت ذاته- كان وبالاً على أهل الفتنة الذين صُعِقوا لما علموا بأمره، وخافوا على أنفسهم، وباتوا بشر ليلة وقد أشرفوا على الهلكة؛ فاجتمع نفر، منهم: علباء بن الهيثم وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة القيسي وشريح بن أوفى والأشتر في عدة ممن سار إلى عثمان، ورضي بسير من سار، وجاء معهم المصريون وابن السوداء وخالد بن ملجم فتشاوروا؛ فقالوا: ما الرأي؟ وهذا علي وهو والله أبصر بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وهو يقول ما يقول، ولم ينفر إليه سواهم والقليل من غيرهم، فكيف به إذا شام القوم وشاموه، ورأوا قلتنا في كثرتهم، وأنتم والله ترادون وما أنتم بالحي من شيء!

    كان أهل الفتنة يخشون أن يتصالح علي t وأصحاب الجمل؛ فيتفرَّغوا لهم ويحاسبوهم؛ لذا انتهى الاجتماع المشئوم باتفاق خبيث صاغه رأس الفتنة عبد الله بن سبأ اليهودي؛ إذ قال: يا قوم، إن عزكم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس غدًا فأنشبوا القتال ولا تفرغوهم للنظر، فمن أنتم معه لا يجد بدًّا من أن يمتنع، ويشغل الله عليًّا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما تكرهون. فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس لا يشعرون[28].

    وسواءٌ كان رأس الأمر هو عبد الله بن سبأ اليهودي، أو أنه شخصية غير حقيقية -كما يرى بعض الباحثين- فإن الثابت أن هناك من وضع هذا المخطَّط ونفَّذه، فردًا كان أم جماعة.

    كان المخطَّط خبيثًا، والكيد شديدًا، وكذلك كان التنفيذ دقيقًا؛ يقول ابن الأثير: "فغدوا مع الغَلَس وما يُشعَر بهم، فخرجوا متسللين وعليهم ظلمة، فقصد مضرهم إلى مضرهم، وربيعتهم إلى ربيعتهم، ويمنهم إلى يمنهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين أتوهم"[29].

    ظن جيش علي t أن أصحاب الجمل قد خانوه، كما ظنَّ جيش الجمل نفس الظن بجيش علي t؛ فاشتعل القتال، واضْطُرَّ الجميع للقتال، ولكن عليًّا t كان حريصًا على إنهاء المعركة سريعًا تقليلاً للخسائر؛ لذا لما وجد جيش الجمل يدافع باستماتة عن الجمل الذي تركبه السيدة عائشة رضي الله عنها -وبه سُمِّيَت المعركة معركة الجمل- أمر جنوده بعقر الجمل لكي تخمد عزيمة المدافعين، وتنتهي المعركة، وقد كان.

    اللافت للنظر أن كل الشواهد أثبتت صحة موقف علي t من القضية؛ ففي أثناء المعركة وجد الزبير t أن الهدف الذي خرج لأجله أصبح غير قابل للتحقيق؛ فترك ساحة المعركة عائدًا إلى المدينة، فأدركه رجل ممن كانوا معه يُدعى عمرو بن جرموز، فقتله وهو يصلي t، وقد قُتِل أيضًا طلحة بن عبيد الله t.

    وقد أكرم علي t السيدة عائشة رضي الله عنها، وأرسل معها أخاها محمد بن أبي بكر يوصلها إلى المدينة معززة مكرَّمة ومعها أربعون من نساء البصرة، فذهبت إلى مكة للحج ثم رجعت إلى المدينة[30].
    كما أثبتت الحوادث صحة موقف الحسن بن علي -رضي الله عنهما- في دعوته أباه إلى عدم الخروج إلى أصحاب الجمل؛ كي لا يحدث قتال.

    ومن الحقائق التي تم تزويرها ما جرى من تضخيم لأعداد القتلى في موقعة الجمل حتى روى بعضهم "أنه قُتِل في ذلك اليوم ثلاثون ألفًا"[31]. والواقع والمعقول أن الرقم الحقيقي أقل من ذلك بكثير؛ لأن عدد جيش علي t أصلاً كان بين تسعة آلاف إلى اثني عشر ألفًا، وكان جيش الجمل قريبًا من ذلك، كما أن القتال كان قصيرًا للغاية "كانت وقفة واحدة في يوم واحد"[32]، "وكانت الحرب أربع ساعات"[33].

    لقد أراد أهل الفتنة أن يشوِّهوا تاريخ الصحابة ليطعنوا فيهم، وفي رسول الله r، كما أرادوا أن يضخِّموا من نجاحهم ليستطيعوا جلب أنصار جدد من أهل الفتنة والضلال والشقاق؛ فأذاعوا هذه الأرقام المبالغ فيها، بينما رُويَ أن شهداء معركة اليرموك مثلاً كانوا حوالي "ثلاثة آلاف شهيد"[34].
    لذا فما يبدو لنا أن عدد قتلى موقعة الجمل لا يتجاوز بضع مئات من الطرفين إن لم يكن أقل من ذلك.

    بعد هذه الموقعة قرَّر أمير المؤمنين علي t اتخاذ الكوفة عاصمة له بدلاً من المدينة، وأخذ من هناك يحاول توطيد أمر الخلافة في الولايات المختلفة.

    كان معاوية t وأهل الشام قد رفضوا البيعة لأمير المؤمنين علي t قبل أن يقتص من قتلة عثمان t -كما ذكرنا-، ولم يكن في نفس معاوية t شيء من المشاقة أو العداوة الشخصية لعلي t، وكذلك لم يكن به طمع في الخلافة كما يصوِّر المرجفون وأهل الفتنة، وإنما هو اجتهاد رآه صوابًا يثيبه الله I عليه بإذنه. ومما يثبت ذلك أن معاوية t لم يشارك مع أصحاب الجمل في الحرب، رغم أنه على نفس رأيهم، ولو تدخَّل لصالحهم لكان جديرًا بما معه من قوة الشام الصلبة، وجنوده المطيعة من أن يرجِّح كفتهم، ولكنه t لم يكن يود محاربة علي t، ولا يجرؤ على التفكير في ذلك. يقول الإمام ابن تيمية: "ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداءً، بل كان من أشد الناس حرصًا على أن لا يكون قتال"[35].

    الطريق إلى موقعة صفين


    قرَّر أمير المؤمنين علي أن يسير لقتال أهل الشام؛ ليلزمهم بالبيعة والطاعة، فقال له الحسن بن علي y: "يا أبتِ، دع عنك هذا؛ فإن فيه سفك دماء المسلمين، ووقوع الاختلاف بينهم". فلم يقبل منه ذلك، بل صمَّم على القتال[36].

    كانت تلك هي النصيحة الثانية من الحسن t بعدم لقاء الجيوش حتى لا تحدث المواجهة، ويتدخل أهل الفتنة، ويصير القتال لازمًا؛ ومن ثَمَّ تسيل دماء المسلمين، ولكن أمير المؤمنين أصرَّ على رأيه.

    اتجه أمير المؤمنين بجنده إلى النخيلة قريبًا من الكوفة وعسكر بها؛ لتوافيه جنود البصرة بقيادة واليها عبد الله بن عباس y، ثم توجه إلى صِفِّين على شاطئ الفرات الغربي؛ فخرج إليه معاوية t على رأس جيشه حتى نزل صفين أيضًا، وكان ذلك أوائل ذي الحجة سنة 36هـ.

    لم يكن هناك رغبة عند الطرفين في خوض الحرب؛ فقد علم الجميع حرمة الدم المسلم، وهم لا يريدون تكرار ما حدث يوم الجمل.

    كما كانت القبائل في كلٍّ من العراق والشام قبائل واحدة انقسمت في سكناها إلى قسمين أيام الفتوح؛ فمَن فتح الشام استقر فيها، ومن فتح العراق وفارس استقر فيها كذلك، وكلا القسمين يحتفظ بصلات أرحامه. كما أن الجميع قريب من زمن النبوة والوحي، وهم من خير القرون في الأمة الإسلامية[37].

    كما كان هناك اتجاه لاعتزال تلك الفتنة والحرب؛ فهذا أيمن بن خريم بن فاتك يقول في هذا المعنى:

    ولسـت مقاتلاً رجلاً يصلـي *** على سلطان آخر مـن قريـشِ
    له سلطـانـه وعليَّ إثمـي *** معـاذ اللـه مـن سفـهٍ وطيـشِ
    أأقتل مسلمًا في غيـر جُـرمٍ *** فليـس بنافعي ما عشت عيـشي

    بعد وصول الجيشين إلى صفين بدأت الرسل تتوالى بينهما بغية الوصول إلى حقن الدماء، ولكن أخبار تلك السفارات مروية عن رواة غير ثقات، ويتضح في كثير منها الكذب؛ لذا لا نستطيع أن نجزم بصحة شيء فيها، إلا أن نهاية الأمر أنه لم يتم التوصل لحل يرضي الطرفين. وجدير بالذكر أن مِن جند الشام مَن كان يستنكر أن يقاتل معاويةُ عليًّا y؛ يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "كان غير واحد من عسكر معاوية يقول له: لمَ ذا تقاتل عليًّا وليس لك سابقته ولا فضله ولا صِهْره، وهو أولى بالأمر منك؟! فيعترف لهم معاوية بذلك، لكنْ قاتلوا مع معاوية لظنِّهم أن عسكر عليٍّ فيه ظَلَمَة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان وأنهم يقاتلونهم دفعًا لصيالهم عليهم، وقتال الصائل جائز؛ ولهذا لم يبدءوهم بالقتال حتى بدأهم أولئك"[38].

    ومما ينبغي معرفته قبل الحديث عن وقعة صفين أن جيش الكوفة لم يكن طوعًا لأمير المؤمنين عليٍّ t؛ فقد كان في الجيش عدد من أهل الفتن، وممن قتلوا عثمان t؛ لذا كانوا ينفذون ما خطط له سادتهم، وما يرضي أهواءهم، ولم يكونوا في الحقيقة يدينون لعلي t بالطاعة؛ فعن عامر الشعبي وأبي جعفر الباقر قال: بعث عليٌّ رجلاً إلى دمشق ينذرهم أن عليًّا قد نَهَدَ في أهل العراق إليكم ليستعلم طاعتكم لمعاوية. فلما قدم أمر معاوية فنودي في الناس: الصلاة جامعة. فملئوا المسجد، ثم صعد المنبر فقال في خطبته: إن عليًّا قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي؟ فضرب كل منهم على صدره، ولم يتكلم أحد منهم، ولا رفعوا إليه أبصارهم. وقام ذو الكلاع فقال: يا أمير المؤمنين، عليك الرأي وعلينا الفعال. ثم نادى معاوية في الناس: أن اخرجوا إلى معسكركم في ثلاث، فمن تخلف بعدها فقد أحل بنفسه. فاجتمعوا كلهم، فركب ذلك الرجل إلى عليٍّ فأخبره، فأمر علي مناديًا فنادى: الصلاة جامعة. فاجتمعوا، فصعد المنبر فقال: إن معاوية قد جمع الناس لحربكم، فما الرأي؟ فقال كل فريق منهم مقالة، واختلط كلام بعضهم في بعض، فلم يدرِ عليٌّ مما قالوا شيئًا، فنزل عن المنبر وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون[39].

    لم ينتهِ الرسل إلى اتفاق يوقف الاستعداد للحرب؛ في ذات الوقت الذي كان أهل الفتنة فيه يسعون إلى إيقاعها بكل ضراوة، وقد وقعت الحرب، ولكن اعتزلها جمهور الصحابة؛ فقد روى محمد بن سيرين رحمه الله قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله r عشرة آلاف؛ فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين"[40].
    عمار والفئة الباغية


    ومن أهم أحداث موقعة صفين استشهاد الصحابي الجليل عمار بن ياسر t الذي كان يحارب في صفوف أمير المؤمنين علي t؛ وذلك لأن رسول الله r قال عنه: "وَيْحَ عَمَّارٍ! تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ"[41]. فقد كشف استشهاده t عن حقيقة الموقف بين الفريقين؛ فعلم من كان متردِّدًا أن عليًّا t ومن معه هم المصيبون، وأن معاوية t ومن معه مخطئون في اجتهادهم.

    ولا ينبغي التطاول على معاوية t ومن معه، واتهامهم بالكفر لقتلهم عمارًا t؛ فقد قال عمار t نفسه: "حدثني حبيبي رسول الله r أني لا أموت إلا قتلاً بين فئتين مؤمنتين"[42]. فليس هؤلاء كقتلة عثمان t الذين تواطئوا على الفتنة والضلال.

    التحكيم


    خشي عدد من عقلاء الطرفين من استمرار القتال حتى لا يهلك المسلمون، فيستغل الأعداء ذلك، ويستأصلوا الإسلام، فلا تقوم له بعد ذلك قَوْمة، وكان عقلاء الكوفة أسبق إلى الموادعة؛ فهذا الأشعث بن قيس الكندي لمَّا اشتد القتال يخطب في قومه أهل الكوفة في المساء خطبته التي قادت للصلح؛ فيقول: "قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قَطُّ.
    ألا فليبلغ الشاهد الغائب، أنَّا إنْ نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات.
    أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحتف، ولكني رجل مسنّ أخاف على النساء والذراري غدًا إذا فنينا.

    اللهم إنك تعلم أنى قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ، وما توفيقي إلا بالله.

    فلما وصل الخبر معاوية بخطبة الأشعث فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلنَّ أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنُّهى؛ اربطوا المصاحف على أطراف القَنَا.

    قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق، مَن لذرارينا إن قتلتمونا، ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ اللهَ الله في البقية.

    فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح وقلدوها الخيل، والناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه، ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح، ونادوا: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم.

    وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض وقد وضع المصحف على رأسه ينادي: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم.

    فقال الأشعث لأمير المؤمنين: أجب القوم إلى كتاب الله؛ فإنك أحق به منهم، وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.

    فقال عليٌّ t: إن هذا أمر ينظر فيه.
    وذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا: يا معاوية، ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه، فأعدها جذعة، فإنك قد غمرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك.

    فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص، وأمره أن يكلم أهل العراق؛ فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل العراق، أنا عبد الله بن عمرو بن العاص، إنها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا، فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم، وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم، وقد دعوناكم إلى أمرٍ لو دعوتمونا إليه لأجبناكم، فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله؛ فاغتنموا هذه الفرجة.

    وأمَّا الأشتر، فلم يكن يرى إلا الحرب؛ لأنه من أهل الفتنة، ولكنه سكت على مضضٍ، وذكروا أن الناس ماجوا وقالوا: أكلتنا الحرب، وقتلت الرجال، وثارت الجماعة بالموادعة[43].
    إذن لا يَصِحُّ شيء مما ادَّعاه أهل الفتنة كذبًا من أن رفع المصاحف هو مكيدة من الصحابي الجليل عمرو بن العاص t، أشار بها على معاوية t ليتفاديا انتصار جيش علي t، ومن ثَمَّ أوسعا الصحابييْن الجليليْن سبًّا وقذفًا شنيعًا لا يرضاه الله U.

    لقد كان رفع المصاحف -في الحقيقة- عملاً رائعًا اشترك فيه العقلاء من الفريقين، وتُوِّج بموافقة أمير المؤمنين علي t؛ إذ قال: "نعم بيننا وبينكم كتاب الله، أنا أولى به منكم"[44].

    وقد افترى الرواة الشيعة الكذَّابون، واختلقوا الكثير من الروايات الموضوعة لأهدافهم الخبيثة من طعن الصحابة y، وتشويه الدين؛ فقد وضعوا روايات تُضَخِّم من عدد قتلى صفين، كما فعلوا في الجمل، وللأسف اهتم المؤرخون القدماء بجمع هذه الروايات حتى كادت الروايات الحقيقية تضيع وسط هذا الركام؛ فهذا الطبري شيخ المؤرخين -رحمه الله- يذكر حول صفين ما يقارب 107 روايات تصف أحداثها من البدء إلى النهاية، ويروي فيها للشيعي الكاذب أبي مخنف لوط بن أبي يحيى المتجرئ على الصحابة خمسًا وتسعين رواية[45].

    ويبلغ الرواة الكذابون، ومؤرخو الشيعة المفترون بعدد القتلى إلى سبعين ألفًا من الجهتين[46]، ويذكر المسعودي المؤرِّخ الشيعي أن قتلى جيش الشام كانوا تسعين ألفًا، ومن أهل العراق عشرين ألفًا[47].
    يقولون هذا مع أن المسعودي نفسه يذكر أن عليًّا t كان تعداد جيشه تسعين ألفًا، وتعداد جيش معاوية خمسة وثمانين ألفًا[48]. أي أن المسعودي الشيعي يدَّعِي أن قتلى جيش الشام يزيدون على تعداد الجيش بخمسة آلاف؛ فأنَّى يُصَدَّق مثل هذا؟!!

    لقد تم تضخيم عدد القتلى لنفس الأغراض التي تم فيها نفس الفعل في موقعة الجمل، كما أن الأرقام الحقيقية للقتلى أيضًا أقل بكثير من المكذوب، لنفس الأسباب التي ذكرناها في الجمل، وكذلك لأن الجيشيْن هنا كانا لا يريدان القتال، ولا يتحمسان له. وإضافةً إلى ذلك، فلو تم قتل هذا العدد الضخم؛ فلماذا لم تذكر كتب التاريخ بعض الأسماء كعادتها؟!!

    إن الحقيقة واضحة، وهي أن أصابع أهل الفتن تدخلت في التفاصيل لتفسد على المسلمين تاريخهم، وتضرب حب الصحابة y في قلوبهم.

    تم الاتفاق على التحكيم، وتم اختيار حكم عن كل فريق؛ فاختار معاوية عمرَو بن العاص y، واختار

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 2:13 am