رحيل كمال الشاذلي.. رجل المراحل الثلاثة وحصن النظام المنيعمحيط ـ محمد كمال
كمال الشاذلي .. أقدم نائب برلماني في العالم .. رغم ظروفه الصحية الصعبة التي مر بها لكنه كان ينوى ترشيح نفسه في انتخابات مجلس الشعب لمقعد الفئات عن دائرة الباجور بالمنوفية والذي يشغله منذ 46 عاما، قبل أن يتغمده الله برحمته وينتقل إلى جوار ربه.
قبل أيام من وفاته، عاد الشاذلي للقاء الناخبين بعد رحلة علاج طويلة بالولايات المتحدة استلزمت إجراء جراحة عاجلة بعد إصابته بمرض دقيق في الجهاز الهضمي ، وكان يردد دائماً الآية القرآنية "وإذا مرضت فهو يشفين" محاولا طمأنة مؤيديه إلى شفائه ، بل وأصدر بيانا منذ أيام نفى فيه الشائعة التي سرت بوفاته وأتهم منافسه في الانتخابات بأنه وراءها .
حياته
ولد كمال الشاذلي في 16 فبراير عام 1936، وله ثلاثة أبناء هم محمد، رجل أعمال، ومعتز، الصحفي بالأهرام، ومنى.
تولى مناصب قيادية عديدة، سواء على مستوى المحافظة أو الحزب أو الحكومة نفسها، فمن عضو بمجلس محافظة المنوفية عام 1960، إلى نائب بمجلس الأمة في 1964، حتى منصب أمين التنظيم في الحزب الوطني من 1978 إلى 2005 حيث خلفه المهندس أحمد عز.
وفي الحكومة، شغل منصب وزير الشؤون البرلمانية 12 عاماً، من 1993 حتى 2004، وبعد إعفائه من المنصب الوزاري، تولى مسؤولية الإشراف على المجالس القومية المتخصصة.
لم يتخلف الشاذلي عن قراءة واقع السياسة والسلطة في مصر طوال تاريخه، فبعد النكسة وفي 9 و10 يونيو 1967، كان الشاذلي النائب في مجلس الأمة إحدى قيادات الاتحاد الاشتراكي في المنوفية وربما أكثرهم تأثيراً، وخرج على رأس مظاهرة بالآلاف ليطالب مع الجماهير الرئيس عبد الناصر بالتراجع عن قرار التنحي الشهير.
حصن النظام
رغم ظهور كمال الشاذلي متأخرا بعالم السياسة في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عام 1964، ورغم انه لم يكن قريبًا أو مقربًا منه، إلا أنه أثبت أنه رجله في أكثر من موقف، فأثناء إقرار قانون الإصلاح الزراعي، الذي اعترضت عليه عائلة الفقي في المنوفية، وقف الشاذلي في وجهها من أجل تمرير القانون الذي يريده الرئيس.
ويأتي الشاذلي نفسه بعد ذلك بثلاثين عامًا في عهد الرئيس مبارك، ليقود معركة في مجلس الشعب لإلغاء نفس القانون الذي كان يدافع عنه "قانون الإصلاح الزراعي"، وهذا لا يعتبره كثير من المؤرخين والسياسيين تناقضًا سياسيًّا، لكنه يتماهى مع ما يراه هو صحيحًا، من أنه يخدم مصر – مصر في عقله الباطن – هي الرئيس، فلأن الرئيس أراد الإصلاح الزراعي في الستينات، فهو وراءه ويدعمه، ولأن الرئيس الآخر في التسعينات يريد أن يلغي قانون الإصلاح الزارعي، فإنه يقف وراءه الإلغاء ويدعمه أيضًا، بحسب رأيهم.
وبذلك تمكن كمال الشاذلي بذكائه السياسي أن يتقرب من رؤساء مصر ويثبت لهم انه من رجالهم المخلصين .
ويؤكد بعض المعاصرين للشاذلي أنه حينما مات عبد الناصر لم يكن كمال الشاذلي قد وصل إلى الأربعين من عمره، أراد الرئيس السادات تصفية رجال عبد الناصر، وبالفعل حامت الشبهات حول الشاذلي، وأراد السادات أن يقيله من منصبه، بل تواترت معلومات أن الشاذلي يمكن أن يكون أحد رجال مراكز القوى الذين يريد السادات أن يزيح بهم من طريقه إلى السجن.
لم ينتظر كمال الشاذلي أن يحدث معه ما حدث للآخرين، ومن خلال عشرات الأتوبيسات خرج الشاذلي من المنوفية، ومعه المئات من المؤيدين لموقف الرئيس السادات في قضية مراكز القوى، وهو ما غيَّر اتجاه الحديث تمامًا، فبعد أن كان كمال الشاذلي مهددًا بأن يرحل تمامًا عن مملكته التي بدأ بالكاد في بنائها، إذ به يعود مرة أخرى إلى الأضواء، حتى أصبح صديقًا شخصيًّا للرئيس السادات، بل عن طريق الرئيس السادات تعرَّف الشاذلي على الرئيس مبارك، عندما كان نائبًا لرئيس الجمهورية.
بعدها قرَّر الرئيس السادات أن ينهي علاقته بحزب مصر، وأن يؤسِّس حزبًا جديدًا، أطلق عليه الحزب الوطني الديمقراطي، حيث يقول الشاذلي في آخر حواراته مع مجلة المصور: "عندما طلب منا الرئيس السادات (مبارك وأنا) تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي، بدأنا في إجراءات تسجيل الحزب من "تلا" بالمنوفية، وبدأت مع الرئيس مبارك في دعوة المواطنين للانضمام للحزب، وبالفعل بدأ الأعضاء ينضمون للحزب، وصدر قرار بتشكيل الأمانة العامة للحزب، وتم اختياري أمينًا للتنظيم". وقد ظل الشاذلي في منصبه هذا من عام 1978 إلى عام 2005 عندما حل محله أحمد عز.
علاقته بالرئيس مبارك والسادات
ويتحفَّظ كمال الشاذلي على الحديث عن علاقته بالرئيس مبارك، ويكتفي بأن يقول كلامًا عامًّا مثل: "علاقتي بالرئيس مبارك قوية وراسخة وعملت معه طوال فترة معرفتي به ليل نهار في جميع المجالات، لا يحب اللف والدوران، ثم إن الوفاء من قيم الأصلاء، ونحن أناس فلاحين ونعرف الأصول، ومن الأصول احترام هذا الرجل الأصيل".
وقال الشاذلي في احد حواراته التلفزيونية: "أتذكر أن الرئيس السادات قبل اغتياله بأيام قرَّر أن يلتقي معنا أنا وسليمان متولي وزير النقل الأسبق، وطلبوا منا عقد مؤتمر للحزب في ميت أبو الكوم، وطلبوا منا أن نستقبل الرئيس السادات في مطار قويسنا، وكان معنا في استقباله محافظ المنوفية وقتها اللواء محروس أبو حسين، واستقبلنا الرئيس السادات في المطار، ثم عقد معنا جلسة تاريخية في حديقة منزله بميت أبو الكوم.
وتابع: " في بداية الجلسة سألت الرئيس السادات عما حدث في مؤتمر المنوفية، فقلت له: يا ريس الناس سألونا أسئلة كثيرة، جاوبت على بعضها، والبعض الآخر لم أستطع أن أجيب عليه، فتعجب السادات، وقال: وماجاوبتش ليه يا كمال؟ فقلت: معرفش، فسكت وهز رأسه، فوجدتها فرصة وقلت للرئيس السادات: اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أعيد طرح هذه الأسئلة على سيادتكم، عشان لما يسألوني أعرف أجاوب، فقال السادات: سؤال واحد فقط يا كمال، فضحكت وقلت: سؤال واحد لكن له توابع يا ريس".
واستطرد: "قلت له: ما الذي جعل سيادتكم تصدر قانون حماية الجبهة الداخلية خاصة أنه وفقًا لهذا القانون تم اعتقال العديد من الكتاب والصحفيين وأقطاب المعارضة، وبعض رجال الدين المسلمين مثل الشيخ المحلاوي، تصور يا ريس الأب بنيامين أسقف المنوفية الذي كان يشرب الشاي معنا في مضيفة ميت أبو الكوم ضمن المقبوض عليهم.
قال لي السادات: خلصت كلامك؟ قلت: لأ عندي كلام، قال: احنا اتفقنا على سؤال واحد، وإلا هاقول لكم قوموا امشوا، قلت له: عشان احنا في بيتك، قال: لأ متغلطنيش يا واد يا كمال، المهم السادات قال لي طيب ما بقية السؤال، قلت: الناس دي هتفضل محبوسة ولا هتخرج؟ فقال لي: هاقول لك حاجة، أنا كرئيس جمهورية عندي معلومات مؤكدة إن إسرائيل سوف تتمحَّك في إتمام الانسحاب من سيناء، الذي كان مقررًا له 25 أبريل 1982، وأنا حاسس إنه هيحدث شيء في مصر، سوف يعوق الانسحاب الإسرائيلي، لذا استخرت الله وجمعت القيادات وعرضت عليهم كيف نواجه مثل هذا الموقف وانتهينا إلى أنه لازم نصدر هذا القانون بالتحفُّظ على هؤلاء، ووجَّه كلامه لي مباشرة: ده أنا سايب سيد مرعي في مصر بيتخانق معايا عشان صاحبه هيكل أجي هنا تفتح نفس الموضوع؟".
حكاية كمال الشاذلي عن هذه المقابلة مهمة جدًّا، فهو دون أن يقصد أراد أن يكشف عن علاقته الوثيقة بالرئيس السادات، ومن بعدها أراد أن يحصل على نصيب الأسد من علاقته بالرئيس مبارك، حيث أكد بروايته ما هو أهم، ففي نفس الجلسة سأل كمال الشاذلي السادات، قال له: لماذا اخترت مبارك نائبًا؟ فرد عليه السادات: أنا اخترت مبارك نائبًا لسببين، الأول أنه نجح في معركة الطيران في حرب 73، هو اللي جاب النصر، والثاني أنه يمتلك ملكة حسن تقدير الموقف، فهو درس تقديرات الموقف في الكلية الحربية وطبقها جيدًا في موقعة الطيران وطلع بالضربة الجوية، حسني يا كمال هو الذي سلمني مفتاح النصر".
و يقول كمال الشاذلي: "سألت السادات: ماذا تقصد من هذا الكلام؟ قال: أقصد أنه بعد أن نحرِّر الأرض في أبريل إن شاء الله سوف أقدم بيانًا للشعب أتنازل فيه عن رئاسة الجمهورية وأرشح النائب حسني مبارك، لأنه خير من يتولى الرئاسة من بعدي، عاجله كمال بسؤال: وانت هتشتغل إيه؟ رد السادات: سوف أظل رئيسًا للحزب الوطني واقعد معاكم في الحزب، ونقف وراء حسني مبارك ننجَّحه".وهذه الرواية رواها الشاذلي بعد أن عاد من رحلته العلاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف عام 2010.
خاتمة مملؤة بالعزيمة
لقد وصل الشاذلى من رحلته العلاجية الأخيرة محمولا على "شيزلونج" فى حالة إعياء شديدة بصحبة أبناءه الثلاثة، ورغم عدم قدرته على المشى والحركة بشكل كبير لكنه حضر لقاء جماهيرى ضمن حملته الانتخابية وكان يبدو فيها مختلفاً تماماً عن الصورة التى أعتاده عليها أبناء دائرته .
كان الشاذلي يبدو شديد النحافة ويتحدث بصعوبة ، لكنه كانت جماهيريته الطاغية بين أبناء الباجور تطغي على أي شيء ، واستقبله أبناء دائرته بزفة شعبية جماهيرية من القناطر الخيرية وحتى الباجور وغنوا له "فى كل شارع فى كل حى.. أنوار بتضوى فى ليلنا ضى.. سألت أهلى وحبايبى.. قالوا النهارده وزيرنا جاى" ، كما احتشد الأهالى أمام فيلته طالبين لقاءه، حاملين مئات الطلبات لتلبيتها مؤكدين أن الشاذلى يعتبر رمزاً لبلدهم وسنداً لهم حتى فى مرضه ، والدليل على ذلك أنه استطاع توفير دعم مادى بملايين الجنيهات لمستشفى الباجور المركزى ليصبح مستشفى نموذجياً.
لم تستطع إرادة الشاذلي أن تستمر فيما كان يطمح اليه معتمدا على خبرة السنين في خدمة اهل دائرته بالباجور وتمثيلهم بالبرلمان، حيث وقبل 12 يوماً من بداية المارثون الانتخابي، وبعد يومين من قرار اللجنة العليا للانتخابات السماح للمرشحين ببدء حملات الدعاية، رحل الشاذلي صباح الثلاثاء ليسدل الستار عن تاريخ أقدم برلماني في مصر.
رحم الله الفقيدوقد تقدم الرئيس حسنى مبارك، اليوم الثلاثاء، مشيعى جنازة الفقيد بعد صلاة الظهر بمسجد رابعة العدوية بمدينة نصر.
وشارك فى الجنازة كبار رجال الدولة، وفى مقدمتهم رؤساء مجالس الوزراء والشعب والشورى وشيخ الأزهر وعدد كبير من الوزراء والمحافظين والشخصيات السياسية والبرلمانية من الأحزاب المختلفة، إضافة إلى السيد جمال مبارك، الأمين العام المساعد، أمين السياسات بالحزب الوطنى الديمقراطى.
وقد نعى الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء السيد كمال الشاذلى، قائلا: "رحمة الله عليه.. كان من رجال مصر المخلصين، والبرلمانيين الذين نشهد لهم بالكفاءة".
وتابع: "الشاذلى أفنى عمره كله فى خدمة مصر كنائب عن الشعب، فهو لم يكن نائبا عن دائرته فقط بل كان نائبا عن مصر كافة، وكانت له آراء سديدة ، وكان حكيما، ويحترم الرأى والرأى الآخر"، قائلا: "رحم الله الفقيد".
كمال الشاذلى في البرلمان |
قبل أيام من وفاته، عاد الشاذلي للقاء الناخبين بعد رحلة علاج طويلة بالولايات المتحدة استلزمت إجراء جراحة عاجلة بعد إصابته بمرض دقيق في الجهاز الهضمي ، وكان يردد دائماً الآية القرآنية "وإذا مرضت فهو يشفين" محاولا طمأنة مؤيديه إلى شفائه ، بل وأصدر بيانا منذ أيام نفى فيه الشائعة التي سرت بوفاته وأتهم منافسه في الانتخابات بأنه وراءها .
حياته
ولد كمال الشاذلي في 16 فبراير عام 1936، وله ثلاثة أبناء هم محمد، رجل أعمال، ومعتز، الصحفي بالأهرام، ومنى.
تولى مناصب قيادية عديدة، سواء على مستوى المحافظة أو الحزب أو الحكومة نفسها، فمن عضو بمجلس محافظة المنوفية عام 1960، إلى نائب بمجلس الأمة في 1964، حتى منصب أمين التنظيم في الحزب الوطني من 1978 إلى 2005 حيث خلفه المهندس أحمد عز.
وفي الحكومة، شغل منصب وزير الشؤون البرلمانية 12 عاماً، من 1993 حتى 2004، وبعد إعفائه من المنصب الوزاري، تولى مسؤولية الإشراف على المجالس القومية المتخصصة.
لم يتخلف الشاذلي عن قراءة واقع السياسة والسلطة في مصر طوال تاريخه، فبعد النكسة وفي 9 و10 يونيو 1967، كان الشاذلي النائب في مجلس الأمة إحدى قيادات الاتحاد الاشتراكي في المنوفية وربما أكثرهم تأثيراً، وخرج على رأس مظاهرة بالآلاف ليطالب مع الجماهير الرئيس عبد الناصر بالتراجع عن قرار التنحي الشهير.
حصن النظام
رغم ظهور كمال الشاذلي متأخرا بعالم السياسة في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عام 1964، ورغم انه لم يكن قريبًا أو مقربًا منه، إلا أنه أثبت أنه رجله في أكثر من موقف، فأثناء إقرار قانون الإصلاح الزراعي، الذي اعترضت عليه عائلة الفقي في المنوفية، وقف الشاذلي في وجهها من أجل تمرير القانون الذي يريده الرئيس.
ويأتي الشاذلي نفسه بعد ذلك بثلاثين عامًا في عهد الرئيس مبارك، ليقود معركة في مجلس الشعب لإلغاء نفس القانون الذي كان يدافع عنه "قانون الإصلاح الزراعي"، وهذا لا يعتبره كثير من المؤرخين والسياسيين تناقضًا سياسيًّا، لكنه يتماهى مع ما يراه هو صحيحًا، من أنه يخدم مصر – مصر في عقله الباطن – هي الرئيس، فلأن الرئيس أراد الإصلاح الزراعي في الستينات، فهو وراءه ويدعمه، ولأن الرئيس الآخر في التسعينات يريد أن يلغي قانون الإصلاح الزارعي، فإنه يقف وراءه الإلغاء ويدعمه أيضًا، بحسب رأيهم.
وبذلك تمكن كمال الشاذلي بذكائه السياسي أن يتقرب من رؤساء مصر ويثبت لهم انه من رجالهم المخلصين .
ويؤكد بعض المعاصرين للشاذلي أنه حينما مات عبد الناصر لم يكن كمال الشاذلي قد وصل إلى الأربعين من عمره، أراد الرئيس السادات تصفية رجال عبد الناصر، وبالفعل حامت الشبهات حول الشاذلي، وأراد السادات أن يقيله من منصبه، بل تواترت معلومات أن الشاذلي يمكن أن يكون أحد رجال مراكز القوى الذين يريد السادات أن يزيح بهم من طريقه إلى السجن.
لم ينتظر كمال الشاذلي أن يحدث معه ما حدث للآخرين، ومن خلال عشرات الأتوبيسات خرج الشاذلي من المنوفية، ومعه المئات من المؤيدين لموقف الرئيس السادات في قضية مراكز القوى، وهو ما غيَّر اتجاه الحديث تمامًا، فبعد أن كان كمال الشاذلي مهددًا بأن يرحل تمامًا عن مملكته التي بدأ بالكاد في بنائها، إذ به يعود مرة أخرى إلى الأضواء، حتى أصبح صديقًا شخصيًّا للرئيس السادات، بل عن طريق الرئيس السادات تعرَّف الشاذلي على الرئيس مبارك، عندما كان نائبًا لرئيس الجمهورية.
بعدها قرَّر الرئيس السادات أن ينهي علاقته بحزب مصر، وأن يؤسِّس حزبًا جديدًا، أطلق عليه الحزب الوطني الديمقراطي، حيث يقول الشاذلي في آخر حواراته مع مجلة المصور: "عندما طلب منا الرئيس السادات (مبارك وأنا) تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي، بدأنا في إجراءات تسجيل الحزب من "تلا" بالمنوفية، وبدأت مع الرئيس مبارك في دعوة المواطنين للانضمام للحزب، وبالفعل بدأ الأعضاء ينضمون للحزب، وصدر قرار بتشكيل الأمانة العامة للحزب، وتم اختياري أمينًا للتنظيم". وقد ظل الشاذلي في منصبه هذا من عام 1978 إلى عام 2005 عندما حل محله أحمد عز.
علاقته بالرئيس مبارك والسادات
ويتحفَّظ كمال الشاذلي على الحديث عن علاقته بالرئيس مبارك، ويكتفي بأن يقول كلامًا عامًّا مثل: "علاقتي بالرئيس مبارك قوية وراسخة وعملت معه طوال فترة معرفتي به ليل نهار في جميع المجالات، لا يحب اللف والدوران، ثم إن الوفاء من قيم الأصلاء، ونحن أناس فلاحين ونعرف الأصول، ومن الأصول احترام هذا الرجل الأصيل".
وقال الشاذلي في احد حواراته التلفزيونية: "أتذكر أن الرئيس السادات قبل اغتياله بأيام قرَّر أن يلتقي معنا أنا وسليمان متولي وزير النقل الأسبق، وطلبوا منا عقد مؤتمر للحزب في ميت أبو الكوم، وطلبوا منا أن نستقبل الرئيس السادات في مطار قويسنا، وكان معنا في استقباله محافظ المنوفية وقتها اللواء محروس أبو حسين، واستقبلنا الرئيس السادات في المطار، ثم عقد معنا جلسة تاريخية في حديقة منزله بميت أبو الكوم.
وتابع: " في بداية الجلسة سألت الرئيس السادات عما حدث في مؤتمر المنوفية، فقلت له: يا ريس الناس سألونا أسئلة كثيرة، جاوبت على بعضها، والبعض الآخر لم أستطع أن أجيب عليه، فتعجب السادات، وقال: وماجاوبتش ليه يا كمال؟ فقلت: معرفش، فسكت وهز رأسه، فوجدتها فرصة وقلت للرئيس السادات: اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أعيد طرح هذه الأسئلة على سيادتكم، عشان لما يسألوني أعرف أجاوب، فقال السادات: سؤال واحد فقط يا كمال، فضحكت وقلت: سؤال واحد لكن له توابع يا ريس".
واستطرد: "قلت له: ما الذي جعل سيادتكم تصدر قانون حماية الجبهة الداخلية خاصة أنه وفقًا لهذا القانون تم اعتقال العديد من الكتاب والصحفيين وأقطاب المعارضة، وبعض رجال الدين المسلمين مثل الشيخ المحلاوي، تصور يا ريس الأب بنيامين أسقف المنوفية الذي كان يشرب الشاي معنا في مضيفة ميت أبو الكوم ضمن المقبوض عليهم.
قال لي السادات: خلصت كلامك؟ قلت: لأ عندي كلام، قال: احنا اتفقنا على سؤال واحد، وإلا هاقول لكم قوموا امشوا، قلت له: عشان احنا في بيتك، قال: لأ متغلطنيش يا واد يا كمال، المهم السادات قال لي طيب ما بقية السؤال، قلت: الناس دي هتفضل محبوسة ولا هتخرج؟ فقال لي: هاقول لك حاجة، أنا كرئيس جمهورية عندي معلومات مؤكدة إن إسرائيل سوف تتمحَّك في إتمام الانسحاب من سيناء، الذي كان مقررًا له 25 أبريل 1982، وأنا حاسس إنه هيحدث شيء في مصر، سوف يعوق الانسحاب الإسرائيلي، لذا استخرت الله وجمعت القيادات وعرضت عليهم كيف نواجه مثل هذا الموقف وانتهينا إلى أنه لازم نصدر هذا القانون بالتحفُّظ على هؤلاء، ووجَّه كلامه لي مباشرة: ده أنا سايب سيد مرعي في مصر بيتخانق معايا عشان صاحبه هيكل أجي هنا تفتح نفس الموضوع؟".
حكاية كمال الشاذلي عن هذه المقابلة مهمة جدًّا، فهو دون أن يقصد أراد أن يكشف عن علاقته الوثيقة بالرئيس السادات، ومن بعدها أراد أن يحصل على نصيب الأسد من علاقته بالرئيس مبارك، حيث أكد بروايته ما هو أهم، ففي نفس الجلسة سأل كمال الشاذلي السادات، قال له: لماذا اخترت مبارك نائبًا؟ فرد عليه السادات: أنا اخترت مبارك نائبًا لسببين، الأول أنه نجح في معركة الطيران في حرب 73، هو اللي جاب النصر، والثاني أنه يمتلك ملكة حسن تقدير الموقف، فهو درس تقديرات الموقف في الكلية الحربية وطبقها جيدًا في موقعة الطيران وطلع بالضربة الجوية، حسني يا كمال هو الذي سلمني مفتاح النصر".
و يقول كمال الشاذلي: "سألت السادات: ماذا تقصد من هذا الكلام؟ قال: أقصد أنه بعد أن نحرِّر الأرض في أبريل إن شاء الله سوف أقدم بيانًا للشعب أتنازل فيه عن رئاسة الجمهورية وأرشح النائب حسني مبارك، لأنه خير من يتولى الرئاسة من بعدي، عاجله كمال بسؤال: وانت هتشتغل إيه؟ رد السادات: سوف أظل رئيسًا للحزب الوطني واقعد معاكم في الحزب، ونقف وراء حسني مبارك ننجَّحه".وهذه الرواية رواها الشاذلي بعد أن عاد من رحلته العلاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف عام 2010.
خاتمة مملؤة بالعزيمة
كمال الشاذلى بعد المرض |
كان الشاذلي يبدو شديد النحافة ويتحدث بصعوبة ، لكنه كانت جماهيريته الطاغية بين أبناء الباجور تطغي على أي شيء ، واستقبله أبناء دائرته بزفة شعبية جماهيرية من القناطر الخيرية وحتى الباجور وغنوا له "فى كل شارع فى كل حى.. أنوار بتضوى فى ليلنا ضى.. سألت أهلى وحبايبى.. قالوا النهارده وزيرنا جاى" ، كما احتشد الأهالى أمام فيلته طالبين لقاءه، حاملين مئات الطلبات لتلبيتها مؤكدين أن الشاذلى يعتبر رمزاً لبلدهم وسنداً لهم حتى فى مرضه ، والدليل على ذلك أنه استطاع توفير دعم مادى بملايين الجنيهات لمستشفى الباجور المركزى ليصبح مستشفى نموذجياً.
لم تستطع إرادة الشاذلي أن تستمر فيما كان يطمح اليه معتمدا على خبرة السنين في خدمة اهل دائرته بالباجور وتمثيلهم بالبرلمان، حيث وقبل 12 يوماً من بداية المارثون الانتخابي، وبعد يومين من قرار اللجنة العليا للانتخابات السماح للمرشحين ببدء حملات الدعاية، رحل الشاذلي صباح الثلاثاء ليسدل الستار عن تاريخ أقدم برلماني في مصر.
رحم الله الفقيدوقد تقدم الرئيس حسنى مبارك، اليوم الثلاثاء، مشيعى جنازة الفقيد بعد صلاة الظهر بمسجد رابعة العدوية بمدينة نصر.
وشارك فى الجنازة كبار رجال الدولة، وفى مقدمتهم رؤساء مجالس الوزراء والشعب والشورى وشيخ الأزهر وعدد كبير من الوزراء والمحافظين والشخصيات السياسية والبرلمانية من الأحزاب المختلفة، إضافة إلى السيد جمال مبارك، الأمين العام المساعد، أمين السياسات بالحزب الوطنى الديمقراطى.
وقد نعى الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء السيد كمال الشاذلى، قائلا: "رحمة الله عليه.. كان من رجال مصر المخلصين، والبرلمانيين الذين نشهد لهم بالكفاءة".
وتابع: "الشاذلى أفنى عمره كله فى خدمة مصر كنائب عن الشعب، فهو لم يكن نائبا عن دائرته فقط بل كان نائبا عن مصر كافة، وكانت له آراء سديدة ، وكان حكيما، ويحترم الرأى والرأى الآخر"، قائلا: "رحم الله الفقيد".
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ