بسم الله الرحمن الرحيم
أوقات الشدة فى مصر بين عهدى المستنصر وسعيد باشا
على الرغم من الاختلاف بين مجريات الأحداث والوقائع من عصر إلى آخر، فإن هناك تشابها نلحظه فى بعض من تلك الوقائع والأحداث، فهناك واقعة جرت فى مصر أيام الخليفة المستنصر بالله الفاطمى تتشابه بما حدث مع الوالى سعيد باشا، وذلك عندما تفاقمت الأزمة المالية فى مصر فى عهده ــ والتى كان هو السبب الرئيسى فيها ــ فمع الانفتاح الذى أحدثه سعيد وما منحه للأجانب من امتيازات كثيرة أثرت بالسلب على المصريين، وأثرت الأجانب بقضايا التعويضات، التى رفعوها ضد الدولة لإخلالها بالعقود الموقعة مع هؤلاء الأجانب، حتى إن قناصل الدول الأوروبية كانوا يتدخلون تدخلا سافرا فى الشئون الداخلية لمصر، فنجد أن نوبار القريب من الأحداث آنذاك يروى فى مذكراته ــ إنه فى إحدى الليالى التى سبقت زيارة سعيد لإنجلترا فى 1862 وجد سعيد قلقا حزينا والدموع فى عينيه، ويقول: «لقد خربت مصر، خربتها تماما، ماذا سيقولون عنى؟»، هكذا شعر سعيد بالندم وخاف من محاكمة التاريخ له، خاصة بعدما ورطه دليسبس فى الديون من أجل حفر قناة السويس.
وحاول سعيد بعد عودته إلى مصر تنفيذ بعض الإصلاحات لعله يصلح ما شعر أنه كان سببا فى تخريبه، فالمسكين كان مخلصا فى لندن ــ كما أوضح نوبار ــ عندما قال: «إنه ينوى إعادة النظام إلى المالية، وأنه مصمم على معالجة الأخطاء التى أحدثها فى للبلاد.
لكنه تصرف أمام هذه الإصلاحات المستهدفة كما كان يتصرف فى كل الأمور، لو كان سعيد يمتلك من الممتلكات القيمة حتى بعضها لكنت قد اقتنعت بأنه يمكن أن يبيعها لصالح الخزانة، لكنه شخصيا لم يكن يمتلك سوى الضيعة، التى آلت إليه من والده، وهى خمسة وثمانون ألف فدان لن يرغب أحد فيها، كان لديه أحجار كريمة من الماس ومجوهرات، وكذلك فضيات وهى بالكاد نستطيع أن نجمع منها بعض المال، لكن هل كانت ملكا له أم ملكا للدولة؟ كان من المستحيل تحديد ذلك! عموما تم جمع كل هذه الأشياء ونقلت إلى سراى 3، وهذا هو سعيد وسمسار وخبير مصاغ مشغولون بجرد وتقسيم كل هذه الأشياء لتذهب إلى ثلاث جهات: جزء للدولة وهى الأحجار والألماس التى تركها والده، وجزء آخر لزوجته الأميرة ويشمل بعض الخواتم السوليتير وقلادات العنق، وجزء ثالث يخصص له تم عرضه للبيع فى مزاد علنى مع الكثير من قطع الفضيات. لكن كيف يبيع كل هذا؟ وكيف يمكنه اللجوء إلى عرضها فى مزاد علنى؟! إنه عرض على الموظفين الذين تأخرت رواتبهم لعدة أشهر أن يأخذوا من الفضيات ما يعادل المبالغ المستحقة لهم، كان من الممكن أن نعيب على سعيد سطحيته فى إدارة الاقتصاد والمالية لكن لم نكن نستطع أن نتهمه بالأنانية لأنه من أجل إصلاح أخطائه كان يريد التضحية بما يملك، حضر المزاد كثير من الشخصيات والموظفين حتى إننى أمتلك إلى الآن طقما للشاى وشمعدانيين وصحنا كبيرا وكلها من الفضة قيمتها تساوى المتأخر من راتبى».
هذا ما حدث مع سعيد، وإذا رجعنا بالأحداث إلى الوراء وبالتحديد أيام الخليفة المستنصر بالله الفاطمى نجده قد اضطر هو الآخر إلى بيع ما يملكه لدفع رواتب الجند، وكما ذكر المقريزى فى «اتعاظ الحنفا»: مع شدة الغلاء الذى تعرضت له مصر سنة 461 هـ عظم الفساد والضرر، وكثر الجوع حتى أكل الناس الجيف والميتات، ووقفوا فى الطرقات يخطفون من يمر من الناس فيسلبونه ما عليه، مع ما نزل بالناس من الحروب والفتن التى هلك فيها من الخلق مالا يحصيهم إلا خالقهم.
وتعذر صرف جوامك «رواتب» الجند فكان المستنصر بالله يخرج من الخزائن السلاح والقماش والتحف، ويقيمها على الجند من رواتبهم بقدر معلوم.
وأضاف ابن تغرى بردى إلى ذلك أن المستنصر الخليفة باع جميع ممتلكاته، وجميع ما كان فى قصره حتى إنه أخرج ثيابا كانت فى القصر من زمن الطائع الخليفة العباسى، وكانت هذه الثياب التى لخلفاء بنى العباس عند خلفاء مصر يحتفظون بها لبغضهم لبنى العباس، فكانت هذه الثياب عندهم بمصر بسبب المعيرة لبنى العباس، فلما ضاق الأمر على المستنصر أخرجها وباعها بأبخس ثمن لشدة الحاجة، وأخرج المستنصر أيضا طستا وإبريقا بلورا يسع الإبريق رطلين ماء، والطست أربعة أرطال، وأما ما باع من الجواهر واليواقيت فشىء لا يحصى، وأحصى من الثياب، التى أبيعت فى هذا الغلاء من قصر الخليفة ثمانين ألف ثوب، وعشرين ألف درع، وعشرين ألف سيف مُحلى، وباع المستنصر حتى ثياب جواريه، وتخوت المهود، وكان الجند يأخذون ذلك بأقل ثمن».
وعلى الرغم من البعد التاريخى بين سعيد والمستنصر فإنهما كانا سببا فى الأزمات، التى تعرضت لها مصر فى عصريهما من سوء تدبيرهما وعدم تخطيطهما الجيد لأمور البلاد، وكذلك فإنهما لم يرجعا الأمور إلى سابق عهدها بعد عرض ممتلكاتهما للبيع، بل تفاقمت الأزمة أيام سعيد باشا، ولم يستطع المستنصر أيضا أن يضبط الأمور، إلا أن الاختلاف يأتى من أن سعيد قد رأى من نفسه أن يقوم بالإصلاحات اللازمة وبيع ما يملكه حتى ولو كان ذلك فى إطار شكلى، أما المستنصر فقد أرغمه الجند واضطرته الشدة وانتشار الجوع والموت على ذلك.
أوقات الشدة فى مصر بين عهدى المستنصر وسعيد باشا
على الرغم من الاختلاف بين مجريات الأحداث والوقائع من عصر إلى آخر، فإن هناك تشابها نلحظه فى بعض من تلك الوقائع والأحداث، فهناك واقعة جرت فى مصر أيام الخليفة المستنصر بالله الفاطمى تتشابه بما حدث مع الوالى سعيد باشا، وذلك عندما تفاقمت الأزمة المالية فى مصر فى عهده ــ والتى كان هو السبب الرئيسى فيها ــ فمع الانفتاح الذى أحدثه سعيد وما منحه للأجانب من امتيازات كثيرة أثرت بالسلب على المصريين، وأثرت الأجانب بقضايا التعويضات، التى رفعوها ضد الدولة لإخلالها بالعقود الموقعة مع هؤلاء الأجانب، حتى إن قناصل الدول الأوروبية كانوا يتدخلون تدخلا سافرا فى الشئون الداخلية لمصر، فنجد أن نوبار القريب من الأحداث آنذاك يروى فى مذكراته ــ إنه فى إحدى الليالى التى سبقت زيارة سعيد لإنجلترا فى 1862 وجد سعيد قلقا حزينا والدموع فى عينيه، ويقول: «لقد خربت مصر، خربتها تماما، ماذا سيقولون عنى؟»، هكذا شعر سعيد بالندم وخاف من محاكمة التاريخ له، خاصة بعدما ورطه دليسبس فى الديون من أجل حفر قناة السويس.
وحاول سعيد بعد عودته إلى مصر تنفيذ بعض الإصلاحات لعله يصلح ما شعر أنه كان سببا فى تخريبه، فالمسكين كان مخلصا فى لندن ــ كما أوضح نوبار ــ عندما قال: «إنه ينوى إعادة النظام إلى المالية، وأنه مصمم على معالجة الأخطاء التى أحدثها فى للبلاد.
لكنه تصرف أمام هذه الإصلاحات المستهدفة كما كان يتصرف فى كل الأمور، لو كان سعيد يمتلك من الممتلكات القيمة حتى بعضها لكنت قد اقتنعت بأنه يمكن أن يبيعها لصالح الخزانة، لكنه شخصيا لم يكن يمتلك سوى الضيعة، التى آلت إليه من والده، وهى خمسة وثمانون ألف فدان لن يرغب أحد فيها، كان لديه أحجار كريمة من الماس ومجوهرات، وكذلك فضيات وهى بالكاد نستطيع أن نجمع منها بعض المال، لكن هل كانت ملكا له أم ملكا للدولة؟ كان من المستحيل تحديد ذلك! عموما تم جمع كل هذه الأشياء ونقلت إلى سراى 3، وهذا هو سعيد وسمسار وخبير مصاغ مشغولون بجرد وتقسيم كل هذه الأشياء لتذهب إلى ثلاث جهات: جزء للدولة وهى الأحجار والألماس التى تركها والده، وجزء آخر لزوجته الأميرة ويشمل بعض الخواتم السوليتير وقلادات العنق، وجزء ثالث يخصص له تم عرضه للبيع فى مزاد علنى مع الكثير من قطع الفضيات. لكن كيف يبيع كل هذا؟ وكيف يمكنه اللجوء إلى عرضها فى مزاد علنى؟! إنه عرض على الموظفين الذين تأخرت رواتبهم لعدة أشهر أن يأخذوا من الفضيات ما يعادل المبالغ المستحقة لهم، كان من الممكن أن نعيب على سعيد سطحيته فى إدارة الاقتصاد والمالية لكن لم نكن نستطع أن نتهمه بالأنانية لأنه من أجل إصلاح أخطائه كان يريد التضحية بما يملك، حضر المزاد كثير من الشخصيات والموظفين حتى إننى أمتلك إلى الآن طقما للشاى وشمعدانيين وصحنا كبيرا وكلها من الفضة قيمتها تساوى المتأخر من راتبى».
هذا ما حدث مع سعيد، وإذا رجعنا بالأحداث إلى الوراء وبالتحديد أيام الخليفة المستنصر بالله الفاطمى نجده قد اضطر هو الآخر إلى بيع ما يملكه لدفع رواتب الجند، وكما ذكر المقريزى فى «اتعاظ الحنفا»: مع شدة الغلاء الذى تعرضت له مصر سنة 461 هـ عظم الفساد والضرر، وكثر الجوع حتى أكل الناس الجيف والميتات، ووقفوا فى الطرقات يخطفون من يمر من الناس فيسلبونه ما عليه، مع ما نزل بالناس من الحروب والفتن التى هلك فيها من الخلق مالا يحصيهم إلا خالقهم.
وتعذر صرف جوامك «رواتب» الجند فكان المستنصر بالله يخرج من الخزائن السلاح والقماش والتحف، ويقيمها على الجند من رواتبهم بقدر معلوم.
وأضاف ابن تغرى بردى إلى ذلك أن المستنصر الخليفة باع جميع ممتلكاته، وجميع ما كان فى قصره حتى إنه أخرج ثيابا كانت فى القصر من زمن الطائع الخليفة العباسى، وكانت هذه الثياب التى لخلفاء بنى العباس عند خلفاء مصر يحتفظون بها لبغضهم لبنى العباس، فكانت هذه الثياب عندهم بمصر بسبب المعيرة لبنى العباس، فلما ضاق الأمر على المستنصر أخرجها وباعها بأبخس ثمن لشدة الحاجة، وأخرج المستنصر أيضا طستا وإبريقا بلورا يسع الإبريق رطلين ماء، والطست أربعة أرطال، وأما ما باع من الجواهر واليواقيت فشىء لا يحصى، وأحصى من الثياب، التى أبيعت فى هذا الغلاء من قصر الخليفة ثمانين ألف ثوب، وعشرين ألف درع، وعشرين ألف سيف مُحلى، وباع المستنصر حتى ثياب جواريه، وتخوت المهود، وكان الجند يأخذون ذلك بأقل ثمن».
وعلى الرغم من البعد التاريخى بين سعيد والمستنصر فإنهما كانا سببا فى الأزمات، التى تعرضت لها مصر فى عصريهما من سوء تدبيرهما وعدم تخطيطهما الجيد لأمور البلاد، وكذلك فإنهما لم يرجعا الأمور إلى سابق عهدها بعد عرض ممتلكاتهما للبيع، بل تفاقمت الأزمة أيام سعيد باشا، ولم يستطع المستنصر أيضا أن يضبط الأمور، إلا أن الاختلاف يأتى من أن سعيد قد رأى من نفسه أن يقوم بالإصلاحات اللازمة وبيع ما يملكه حتى ولو كان ذلك فى إطار شكلى، أما المستنصر فقد أرغمه الجند واضطرته الشدة وانتشار الجوع والموت على ذلك.
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ