يقرأ المرء عن الكثير من الاختراعات والمنجزات العلمية ، التي توصل إليها الغرب ، لكن جذورها وأساساتها عربية إسلامية ، فلقد قطع العرب والمسلمون أشواطاً كبيرة في المنجز العلمي والحسابي والفلكي ، وهو أمر لا تنكره حتى أكبر جامعات العالم ، في الغرب. فعلى سبيل المثال ، اللوغاريتمات (جدول حسابي رياضي يعتمد ، في خطواته ، التكرار) ، من ابتكار الخوارزمي ، وهو الجدول الرياضي نفسه الذي نسميه الخوارزميات. ومن المعروف أن هذه الطريقة الحسابية هي أساس الكمبيوتر ، وعقله ، ولولا وجودها لما وجد الكمبيوتر ، أو لتأخر اختراعه ، على أقل تقدير.
من الأمثلة الأخرى ، التي يمكن ذكرها ، في هذا الشأن ، العالم ابن الشاطر ، وهو عالم فلكي وحسابي ، يُعرف بتصحيحه نظرية بطليموس حول مركزية الأرض ، وبأن الكواكب الأخرى تدور حولها ، فقال إن الشمس هي المركز ، وإن بقية الكواكب تدور حولها ، وإن القمر يدور حول الأرض ، وهو ـ بذلك ـ سبق العالمين الإيطاليين: جاليليو ، وكوبرنيكوس ، بمئات السنين ، وهو ما ثبته ابن الشاطر في كتابه ، "نهاية السؤال في تصحيح الأصول".
أمثلة ذلك كثيرة ، وتكاد لا تنتهي ، ليس في الحساب والاختراعات ، فحسب ، بل حتى على مستوى اللغة والمفردات والتراكيب اللغوية ، كما نقرأ في كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكيه ، التي ذكرت فيه مئات الأمثلة لمصطلحات وكلمات وتعابير يستخدمها الغرب ، لكن أصولها تعود إلى اللغة العربية والعرب ، ناهيك من الأدوات والأشياء المستخدمة في حياة الفرد اليومية ، في الغرب.
وكما فعل ابن الشاطر ، في تصحيح نظرية بطليموس حول مركزية الأرض ، كذلك فعل ابن الهيثم الشيء نفسه ، مصححاً نظرية بطليموس ، أيضاً ، أن العين تطلق أشعة نحو الأشياء التي تريد رؤيتها ، في حين أنها تتلقى الأشعة المنعكسة من الأشياء من حولنا ، وهو ـ بذلك ـ يكون قد سبق دافنشي ، في هذا القول العلمي ، بمئات السنين ، أيضاً.
لقد دوّن العلماء العرب كل هذه الأمور والنظريات والمكتشفات عبر الكتابة والرسومات التشريحية والهندسية على الورق قبل غيرهم من العلماء بمئات السنين ، وهذه المدوّنات ما تزال موجودة ومحفوظة ، إلا أننا ما نزال نشاهد في البرامج الوثائقية الغربية ، والمدبلجة إلى العربية ، وحتى في بعض المراجع الغربية ، والعربية التي تنسخ عن الغرب ما يقول ، من دون تمحيص ، بأن كوبرينكوس هو أول من قال بمركزية الشمس ، وأن دافينشي هو أول من قال بأن العين تلتقط الأشعة المنعكسة من الأجسام التي تراها ، وهو أمر عار من الصحة.
من المنجزات الأخرى للعالم العربي المسلم ، الحسن بن الهيثم ، أنه سُجن في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله ، الفاطمي ، في مًصر ، وكان سجنه إقامة جبرية في غرفة مغلقة ، حيث اضطر ابن الهيثم أن يدعي الجنون لكي لا تتم معاقبته بعدم قدرته على تطبيق ما وعد به الخليفة ، وهو بناء سد لتجميع المياه. إذن ، الفكرة لابن الهيثم نفسه ، إلا أنه اكتشف عدم توفر الآليات والأدوات ، في عصره ، على تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم. لم يثنه السجن عن مواصلة بحثه العلمي في الضوء والبصريات ، والاستمرار في تسجيل ملاحظاته في سلوك الضوء وانعكاساته ، فما كان منه إلا أن سجل ملاحظته دخول الضوء من خلال ثقب في جدار السجن ، وسقوطه على الجدار المقابل ، حاملاً معه صورة غير حادة الملامح ، ومقلوبة ، لشجرة موجودة خارج الزنزانة.
سجل ابن الهيثم ملاحظاته حول انتقال صورة الشجرة ، مقلوبة ، مع الضوء ، من خلال الثقب ، فوضع العديد من الملاحظات في هذا الموضوع ، ووصف الأمر وصفاً دقيقاً ، موضحاً قوانين الضوء ، في هذه الحالة. دوّن ابن الهيثم اكتشافه هذا ، ووصفه في كتاب "المناظر" ، وحين تمت ترجمة الكتاب إلى اللاتينية ظهرت كلمة كاميرا في تلك اللغة ، أول مرة ، نتيجة لترجمة الكلمة العربية ، قمرة ، وهو المصطلح الذي خرج به ابن الهيثم ، لاحقاً ، لوصف ما دونه في كتابه ، والقمرة هي الحجرة المعتمة ذات الثقب الواحد ، أو النافذة الواحدة ، في حين نقرأ ، في بعض المراجع الغربية والعربية ، أن كلمة كاميرا تعود إلى أصول لاتينية تعني الحجرة ، وهو أمر غير صحيح ، أو لنقل: غير مكتمل ، فاللاتينية اكتسبت هذا المصطلح بعد ترجمة كلمة قمرة العربية ، في دراسات ابن الهيثم العلمية ، ورسائله ، وكتاباته ، على يد العالم الإيطالي جيرارد الكريموني ، وهو نفسه الذي ترجم العديد من الكتب العربية الأخرى.
لقد كان لكتاب "المناظر" الأثر العظيم في العالم بأسره ، في علوم الضوء ، والبصريات عامة ، ناهيك من تشريح العين ، وآلية عملها ، ما سهل على ابن الهيثم فهم آلية عمل الضوء ، وسلوكه ، في الحجرة المعتمة. لقد أثرت نظريات اين الهيثم في اختراع التصوير الفوتوغرافي ، وتطور الكاميرا ، خاصة ، بدءاً من تمهيد الطريق لاختراع الكاميرا ، واستخدام هذا الاكتشاف وتطوير آلياته وقوانينه ، التي وضعها ابن الهيثم ، بدقة وبوضوح ، وصولاً إلى اختراع آليات حفظ هذه الصورة ، وليس مشاهدتها على الجدار ، فحسب ، ما تم بعد أكثر من سبعة قرون على يد العالم الإيرلندي ، روبرت بويل ، وتلاه الألماني تزان ، وصولاً إلى أول صورة فوتوغرافية بمواصفات ناجحة ، على يد الفرنسي نيبس ، في عام ,1825
منذ أن اكتشف ابن الهيثم هذه الآلية لعمل الضوء ، من خلال ثقب في حجرة معتمة ، وانعكاس صور الأشياء الموجودة ، في الخارج ، على الجدار المعتم للحجرة ، والعالَم الغربي يدور حول هذا الاكتشاف ، ويعمل على تطويره ، والارتقاء بآليات عمله ، فتوصل إلى آليات عمل الحجرة ، وطرق حفظ الصور على ألواح النحاس ، ثم الزجاج ، ثم البلاستيك الشفاف ، واكتشاف المحاليل الكيميائية الضرورية ، لهذه العملية ، ومن أهمها بروميد الفضة ، أو نترات الفضة ، الحساسة للضوء ، وهي المادة الكيميائية التي كانت موجودة ، أصلاً ، ومستخدمة ، عند العرب ، بعد أن استخرجها واكتشفها ، أول مرة ، العالم العربي جابر بن حيان ، وأسماها: حجر جهنم ، وهو العالم ذاته مخترع القارورة الزجاجية ذات العنق الطويل لتقطير المحاليل ، وهو ما يسميه الغرب: أليمبيك ، نسبة إلى الكلمة العربية: الإمبيق ، التي وضعها وذكرها ابن حيان في أكثر من كتاب له ، من مثل: "الخواص" ، و"أصول الكيمياء".
لقد استحق العالم العربي ابن الهيثم لقب أمير النور ، وفي مراجع أخرى: أمير الضوء ، عن جدارة ، لما قدمه للبشرية من اكتشافات وتحقيقات ، في البصريات ، وعمل الضوء ، وآليات انتقاله وانعكاسه ، وهو القائل ، أيضاً ، بانكسار الضوء في الأوساط غير المتجانسة ، وإن الضوء يسير بخطوط مستقيمة ، في الأوساط المتجانسة.
حين وصف ابن الهيثم عمل الضوء ، في القمرة المعتمة ، وصفاً دقيقاً ، وكيفية انتقاله إلى داخلها ، وبرسمه شكل القمرة ، وآليات عملها ، وتوضيحه أنه كلما ضاق الثقب صارت الصورة المعكوسة أوضح ، كان يمهد ـ بذلك ـ لاختراع الكاميرا ، وفهم آليات عملها ، وهي التي تعد من أهم اختراعات البشرية ، وأكثرها تأثيراً في حركة التاريخ وتحولاته.
لقد طور الغرب الكثير من الاختراعات والاكتشافات العربية ، وأضاف عليها ، من بعد أن ترجمت أمهات الكتب العلمية العربية والإسلامية إلى اللاتينية. أما في العالم العربي والإسلامي ، فتوقف الأمر عند الحد الذي وضعه ابن الهيثم ، حول القمرة ، كغيره من الاختراعات والقوانين والاكتشافات التي حققها العلماء العرب والمسلمون ، ولم تطور ، ولم يتم العمل عليها لتوسيع إمكانياتها ، ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة تحتاج لمتخصصين لتبيانها ، وجلاء محصلاتها ، فكنا مثل الأم التي ولدت طفلاً جميلاً ، ومعافى ، إلا أنها تركته لتلتقطه أم أخرى تربيه ، وتعتني به ، فيصبح ابنا لها
.
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ