جميل مطر لا إسقاط في هذا المقال، ولا نية متعمدة لإعلاء شأن آخرين والتقليل من جهد المسؤولين المصريين . يخطئ من يكتب بأسلوب الإسقاط، فشؤون مصر لم تعد تتحمل رفاهة الجدل حول تفاهات إعلامية
القصد منها تتفيه العقل العام وإشغال الناس بمسائل جانبية . موضوع مقالي هو السياسة الخارجية المصرية . ومناسبة مقالي هي زيارة أردوغان رئيس الوزراء التركي إلى لبنان .
تمنيت لو قامت الصحف المصرية بتغطية زيارة أردوغان للبنان بشكل أوسع، ومناقشة أهدافها وتداعياتها بموضوعية وتحليلها تحليلاً نقدياً . ولكن يبدو أن الخوف من تهمة الإسقاط حرمت مستهلكي أجهزة
الإعلام المصري، وبخاصة المتخصصين في الشؤون العربية والإقليمية، من الاطلاع على تفاصيل زيارة مسؤول تركي كبير إلى لبنان كانت في حد ذاتها تعبيراً واضحاً عن مرحلة تحول جوهري في نمط
تفاعلات المنطقة العربية، وهي المنطقة التي يفترض أننا لا نزال نشكل جزءاً رئيساً فيها، وكنا إلى عهد قريب نلعب الدور الأهم في تحديد توجهاتها، ويبدو أننا نحاول العودة من جديد إلى مكان فيها
ومكانة، ولا أقول العودة إلى ما كان عليه حالنا ومكاننا ومكانتنا .
لن أسرد في هذا المقال تفاصيل المقابلات أو التصريحات أو الخطابات التي ازدحمت بها الزيارة، ولكني اخترت انطباعات تكونت نتيجة متابعة سريعة ومن بعيد للزيارة . كنت واعياً منذ البداية بأن
الكتابة عن زيارة أردوغان للبنان ستتأثر حتماً بالأفكار التي تلاطمت أثناء وفي أعقاب زيارة قام بها رئيس دولة إقليمية أخرى قبل زيارة أردوغان بأيام قليلة، وهي زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد
إلى لبنان . أكتب عن زيارة قام بها رئيس وزراء دولة إقليمية للبنان المأزوم داخلياً وعربياً وإقليمياً في أعقاب زيارة رئيس دولة إقليمية أخرى خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين، ولكن ما يشغل ذهني حقيقة
هو أن لا دولة عربية واحدة اهتمت كما اهتمت إيران وتركيا، فأرسلت رئيساً من عندها أو ملكاً أو أميراً أو رئيس وزراء . يعرف القادة العرب أن لبنان مأزوم فعلاً، وأن شرارات أزمته إذا اشتعلت قد
تتطاير في اتجاهات غير محسوبة فتصيب البعيد قبل أن تصيب القريب . أتوقف هنا لأسأل الأصدقاء المتابعين لتطور أمور مصر عن تصورهم لرأي المسؤولين عن صنع سياسة مصر الخارجية في هاتين
الزيارتين، وكيف ينظرون إلى المسألة اللبنانية برمتها . ولا أخفي خشيتي أن تأتي الإجابة، أو هكذا تبدو لي في موقعي كمراقب ومتابع، على النحو التالي:
يخلّف المسؤولون المصريون عن السياسة الخارجية والمعلقون الإعلاميون الدائرون في فلكهم الانطباع بأنهم يتصرفون حيال لبنان والعراق، وربما السودان من قواعد ومواقع متباينة . تارة يتصرفون على
قاعدة أن مصر طرف دولي، وبخاصة عندما تتحدث عن لبنان نيابة عن الأوروبيين والأمريكيين، أو عندما تقرر أن تتماهي معهم . وتارة تكون طرفاً إقليمياً وبخاصة عندما تزداد علاقاتها العربية احتقاناً،
أو عندما تخشى على صلحها مع “إسرائيل” من شرارات أزمات العرب . وتارة تلعب دور الطرف العربي ولكن بغير اكتراث كبير، وهو ما يحدث عادة وبالضرورة في المحادثات الثنائية مع بعض القادة
العرب أو في كواليس الجامعة العربية . نظرياً، نعرف أنه لا توجد في مبادئ إدارة الدولة لعلاقاتها الخارجية ما يمنعها من أن تنفذ سياساتها الخارجية باستخدام مستويات ثلاثة: مستوى النظام الدولي بمعنى
مستوى علاقاتها بالدول العظمى والكبرى وبالمؤسسات الدولية والشركات العالمية عابرة الجنسيات والشخصيات المعروفة بنفوذها وقوة تأثيرها، ومستوى النظام الإقليمي أو النظم الإقليمية التي تعتبر نفسها
عضواً فيها، ومستوى العلاقات الثنائية مع مختلف دول العالم باعتبارها وحدات أو لاعبين منفردين . مفيد جداً أن تكون دبلوماسية الدولة كفوءة للتعامل مع المستويات جميعها، وأن يكون لديها الدبلوماسيون
المتخصصون في التعامل مع كل مستوى من هذه المستويات .
ولكن وفي كل الأحوال، يكاد يكون في حكم المستحيل أن تنفذ دولة سياسة خارجية متميزة إلا إذا كانت قاعدة عملها الإقليمي قوية وراسخة . وفي هذه الحالة ليس شرطاً أن تكون الدولة عظمى أو صغرى .
إن ما تحاول الصين تحقيقه على صعيد السياسة الخارجية يبدأ في الكوريتين وفيتنام وغيرهما من دول شبه جزيرة الهند الصينية وتايوان واليابان ودول وسط آسيا ونيبال وبورما . عرف المسؤولون في
الصين منذ عصور المملكة الوسطى أنه من دون نفوذ قوي في المناطق الواقعة خلف حدودها فلن تنعم الصين بالسلام والطمأنينة . نعرف الآن، وبخاصة خلال الشهور الأخيرة، أن الولايات المتحدة تعرف
ما يعرفه القادة الصينيون، من خلال تجارب القرون، وتوصلت كما سبق أن فعلت مع الاتحاد السوفييتي إلى أن أي محاولة أمريكية أو من أية جهة لإنهاك الصين وتعطيل مسيرة نهضتها إنما يجب أن تبدأ
في الدول الأقرب جغرافياً وثقافياً وسياسياً .
سمعت، أو ربما قرأت، لمن يقول إن الفرقاء اللبنانيين قد ينصتون باهتمام إلى نصائح واقتراحات الرئيس ساركوزى الفرنسي ورئيسي الوزراء برلسكوني الإيطالي والمستشارة أنجيلا ميركيل الألمانية
وفيلتمان الأمريكي، وكل هؤلاء استمعوا قبل أيام باهتمام إلى نصائح واقتراحات الرئيس أحمدي نجاد الإيراني ورئيس الوزراء أردوغان التركي، فهل يستمعون باهتمام وينصتون إلى اقتراحات ونصائح
الرئيس مبارك إذا ذهب إليهم هناك؟ لا أتردد عند الإجابة بنعم . نعم سيستمعون إلى ما يقول بكل الاهتمام والشغف بشرط أن يكون قادماً إليهم كرئيس لمصر طرفاً عربياً . وسيستمعون إليه باهتمام وشغف
أقل قليلاً لو كان قادماً كرئيس لمصر طرفاً إقليمياً، وأظن أنهم وإن استقبلوه بكل التقدير والحرارة التي يستحقها رئيس الشقيقة مصر، فلن يستقبلوا اقتراحاته ونصائحه باهتمام إذا قدم نفسه رئيساً لمصر
طرفاً دولياً في الأزمة اللبنانية، أو في أي قضية في أزمة الشرق الأوسط .
مشكلة دور مصر حسب ما يردده سياسيون ومعلقون عرب في لقاءاتنا الخاصة هي أن مصر ابتعدت سياسياً وتجارياً وثقافياً وعاطفياً إلى ما وراء الفضاء العربي . أعرف سياسيين ومفكرين لبنانيين
اكتسبوا خلال العقود الأخيرة عادة التعامل مع مصر كطرف إقليمي وأحياناً كطرف دولي . مصر أعطت الانطباع، ولعله غير مقصود، بأنها منشغلة بأمور أخرى أهم كثيراً لمصلحتها الأمنية من قضايا
العرب، وبخاصة قضية لبنان . واللافت للانتباه أن المسؤولين المصريين لا يبذلون جهداً مناسباً أو مقنعاً لإزالة هذا الانطباع . الانطباع ذاته لمسته لدى نخب ثقافية وسياسية في دول عربية أخرى، في
مقدمتها السودان والعراق وسوريا ودول في المغرب العربي .
بات واضحاً أن اللبنانيين وعرباً آخرين إذا شعروا بحاجة ضرورية وعاجلة لطرف دولي يتحدثون معه ويسألونه النصيحة أو الدعم، فلن يطلبوا مصر، وإذا شعروا بحاجة ضرورية وعاجلة لطرف إقليمي
له نفوذ أو شعبية في لبنان يتحدثون معه ويتلقون منه اقتراحات ونصائح أو يتحالفون معه أو ضده، فلديهم طرفان هما إيران وتركيا، وكلاهما شعر بالحاجة إليه ولبى الدعوة وكلاهما يعبر حقيقة عن مرحلة
حيوية وخطيرة في العلاقة بين الجوار الإقليمي للنظام العربي والنظام الدولي .
مطلوب من مصر، أن تقول على لسان رئيسها وليس أي مسؤول آخر، كلاماً كبيراً . والكلام الكبير في السياسة الرشيدة ليس عنتريات، يعني مثلاً أن تصدر من القاهرة الدعوة إلى “تشينيغن” عربية، أي
تأشيرة دخول تصدر من دولة عربية واحدة صالحة لدخول جميع دول العرب، تعرف، ويعرف القاصي والداني، أن مجلس وزراء الداخلية العرب هو الجهة الأدق تنسيقاً بين أطرافه، والقادر على أن
يضمن كفاءة تسيير تأشيرة دخول جماعية كتلك التي تستخدمها أوروبا . سمعت أردوغان يقترحها، وهو اقتراح غير قابل للتنفيذ إقليمياً من دون أن تكون قاعدته نظاماً عربياً للتأشيرة الموحدة . فليصدر
الاقتراح من القاهرة بحيث لا تبطله حجج الإرهاب والهجرة والتشدد الديني، وكلها مشكلات موجودة في أوروبا التي تطبق التأشيرة الموحدة، وموجودة في تركيا، ومع ذلك يقترح أردوغان تجاوزها بخطوة
أولى نحو التكامل الإقليمي .
تستطيع مصر أن تلعب دوراً إقليمياً نشطاً في جميع دوائرها الإقليمية، وتسهم في حل المشكلات العديدة التي تهدد استقرار الشرق الأوسط العادي والأوسع، ولكن قبل أن تفعل ذلك يتعين عليها أن تقتنع أولاً
بأنها إذا أرادت أن تلعب أدواراً دولية أو إقليمية ذات قيمة، فواجبها أن تمارس نشاطاً أكبر وتبذل جهداً أعظم لتنشيط دورها كطرف عربي في الأزمات العربية
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ