أبناء الطوارئ .. أ/ فهمي هويدي
لست أشك فى أنهم أعضاء مخلصون لمبادئ الحزب الوطنى، أولئك النفر من أعضاء مجلس الشعب الذين دعوا إلى إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين واتهموهم بأنهم عملاء وخونة، ودعوا إلى تمديد الطوارئ إلى مائة سنة مقبلة. وما يؤخذ عليهم أنهم كانوا صريحين أكثر من اللازم. ومن ثم فمن وجهة نظر الحزب فإن الخطأ «التنظيمى» الذى ارتكبوه ليس أنهم قالوا هذا الكلام، ولكن أنهم أفشوا أسرار الحزب وأعلنوها أمام الملأ.
لا يخطر على بالى أن تكون هناك تعليمات مكتوبة بهذا المعنى، لكننى لا أشك أيضا فى أن ثمة توافقا مزمنا عليها، يشهد بذلك سلوك الحزب ذاته، الذى يتعامل بازدراء شديد مع المعارضين الحقيقيين، ولا يتردد فى إقصائهم واستئصالهم. فى مرحلة سابقة كان التوافق مستقرا على أن المؤسسات المدنية للدولة تحقق المهمة الأولى. أما الأجهزة الأمنية فهى تقوم بالثانية. وتقليديا فإن دور الأجهزة الأمنية فى الاستئصال كان يتم طول الوقت محتميا بقانون الطوارئ، ومؤيدا بالمحاكم العسكرية.
ولم تكن جهود الإقصاء تتم بعيدا عنها. وإنما بتعاون وإرشاد من جانبها، بمعنى أن عملية الاقصاء كانت تتم بناء على معلومات تقدمها الأجهزة الأمنية، فى ضوئها تقوم المؤسسات المدنية بـ«الواجب» ازاءها. كان الهدف واحدا والأساليب متباينة، وهو «تطهير» أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع من المعارضين، لكى يصبح البلد خالصا لصالح الحزب الوطنى.
فى السنوات الأخيرة حدث تطور مهم يتلخص فى أن المؤسسات المدنية نشطت بصورة ملحوظة فى عملية التطهير، وأن بعض مسئوليها بدأوا يتحدثون صراحة عن أنه لا مكان ولا مستقبل فى خرائط وصدارات البلد لغير أعضاء الحزب الوطنى. لقد احتفلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بمرور 50 عاما على تأسيسها، وكرمت رموز الكلية الذين برزوا خلال تلك الفترة. لكن أصابع التطهير استبعدت اثنين من أهم الأساتذة الذين تخرجوا فيها لأنهم من المعارضين السياسيين.
وفى واقعة أخرى، تم استبعاد أحد الأساتذة المستقلين والمعارضين الذين حل عليهم الدور لإدارة أحد المراكز البحثية بالجامعة، وحين ذهب إلى مديرها يسأله تفسيرا لما حدث معه، كان المدير صريحا وأفهمه أنه استبعد لأنه ليس من أعضاء الحزب الوطنى. وحين يحدث ذلك فى مؤسسة اكاديمية لها تقاليدها العريقة فى الاستقلال عن الأهواء السياسية، فلك أن تتصور الحاصل فى مؤسسات الدولة الأخرى، سواء المستقلة شكلا عن السلطة التنفيذية أو تلك التابعة بها.
إن طول العهد بتطبيق قانون الطوارئ أقنع أجيالا من العاملين فى الأجهزة الأمنية بأنهم فوق القانون العادى، وأن أيديهم مطلقة فى التعامل مع الناس، خصوصا المعارضين السياسيين. ولدى تلك الأجيال اقتناع بأن مجرد وجود أولئك المعارضين خطأ يتعين علاجه بكل السبل. وهذه الحالة استشرت بمضى الوقت، فى ظل التلاحم المتزايد بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات المدنية والحزب الوطنى، من ثم فإن ثقافة الطوارئ الإقصائية والاستئصالية أفرزت لنا أجيالا أخرى من الموظفين الرسميين يمكن أن نسميهم «أبناء الطوارئ» الذين يعتبرون أن الوطن ملك لهم وأنهم فى غنى عن غيرهم.
الذين يعتبرونهم مصدر إزعاج مستمر لهم، خصوصا حين بدأ بعضهم فى الخروج إلى الشارع والتعبير عن معاناتهم وسخطهم. ولأنهم يريدون أن يواصلوا نهب البلد والاستمتاع بخيراته فى هدوء. فقد أصبحوا يضيقون ذرعا بأصواتهم فضلا عن وجودهم. ولم يجد بعضهم مفرا من أن يفصح عن مكنون نفسه وحقيقة موقفه، فأعلنوا خلال مناقشة حامية أن هؤلاء الساخطين ليسوا سوى خونة وعملاء، وأن إطلاق الرصاص عليهم حل يحقق الاستئصال المنشود، بعدما لم تنجح الوسائل الأخرى فى تحقيق المراد وإراحتهم من إزعاجات تلك الشرذمة من العباد.ـ
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ