بينما ركزت أجهزة الإعلام خلال الأعوام الخمسة الماضية على التظاهرات في
قلب القاهرة ضد توريث الحكم إلى جمال مبارك، نجل الرئيس حسني مبارك، فقد
غابت عنها قصة أكبر، وهي ارتفاع احتجاجات العمال الذين أصبحوا القوة
السياسية الأكثر فعالية في البلد.
منذ اضطرابات ما يزيد على 27
ألفا من عمال شركة غزل المحلة للنسيج عامي 2006 و2007، تحولت مطالب العمالة
المصرية من مجرد مطالب اقتصادية بحتة - الرواتب والعلاوات والسلامة
الصناعية - إلى مسألة سياسية تهدف الى إعادة تعريف علاقتهم بالدولة.
على
مدى نصف قرن، احتكر الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، الذي تسيطر عليه
الدولة، تمثيل العمال. وجاء أقوى تهديد لهذا الاحتكار عندما دعا عمال شركة
غزل المحلة للنسيج إلى حل لجنة المصنع النقابية، والتي وصفت بأنها «غير
ديموقراطية وغير تمثيلية».
النجاح الأول
وأخذت الدعوات
الاستقلالية دفعة إضافية بعدما أعلن نحو 37 ألفا من موظفي الضرائب العقارية
في ديسمبر من عام 2008 تأسيس أول نقابة مستقلة منذ عام 1957. جاء هذا
الإعلان بعد مرور سنة على اعتصام الآلاف من محصلي الضرائب العقارية لمدة 11
يوما أمام وزارة المالية في وسط القاهرة مطالبين بزيادة في رواتبهم. على
الرغم من أن النقابة العامة للعاملين في البنوك وشركات التأمينات والأعمال
المالية عارضت الإضراب، استجابت الحكومة في نهاية المطاف لمطالب موظفي
الضرائب العقارية برفع رواتبهم ثلاثة أضعاف.
بعد هذا النجاح، بدأ
العمال في العديد من القطاعات الصناعية والخدماتية محاولات لإنشاء نقابات
حرة خاصة بهم مستقلة عن سيطرة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر للتصدي
لتدهور الأوضاع الاقتصادية. وتشمل هذه المحاولات قطاعات هيئة النقل العام
والبريد وإداريي التعليم والمعلمين وأصحاب المعاشات وأساتذة جامعيين.
تسامح نسبي
أسباب
ودوافع متشابكة تفسر أكثر من 1600 احتجاج عمالي في مصر بأشكاله المختلفة
من إضراب واعتصام وإيقاف للإنتاج منذ عام 2004. أول هذه الدوافع يتعلق
بخشية قطاعات واسعة من العمال من السياسات التي أعلن عنها رئيس الوزراء
أحمد نظيف منذ تشكيل حكومته الأولى في 2004، والتي رافقها شعور قطاعات
متزايدة من العمال والموظفين بأنها تمثل إستراتيجية متعمدة لإعادة تعريف
«العقد الاجتماعي» المعمول به منذ انقلاب الضباط الأحرار عام 1952.
وتدريجيا،
ظهرت فئة «رجال الأعمال»، البعض منهم أعضاء في حكومة نظيف، لتحل محل
«العمال والفلاحين» في خطاب الدولة الرسمي القديم. هذه السياسة، التي
رافقها تزايد معدلات التضخم التي وصلت الى 20 في المائة في عام 2008،
تزامنت أيضا مع إجراء الانتخابات العمالية في عام 2006، والتي شهدت شطب
مئات المرشحين القريبين من أحزاب المعارضة أو المستقلين، ليأتي الاتحاد
العام الجديد لنقابات عمال مصر «وكأنه امتداد للحزب الحاكم وحكومة رجال
الأعمال» على حد تعبير كمال أبو عيطة رئيس النقابة المستقلة للضرائب
العقارية. وشكل تحييد مؤسسات الدولة السياسية والأمنية التكتيك الأبرز الذي
تبنته احتجاجات العمال. صحيح أن الدولة تلجأ أحيانا إلى صنوف الترهيب
التقليدية من طرد العمال أو نقلهم واعتقالهم والاعتداء عليهم، إلا أنها
تسامحت إلى حد كبير مع الاحتجاجات العمالية مقارنة بالطريقة التي تحاصر بها
خصومها السياسيين الآخرين كجماعة الإخوان المسلمين أو بقية الحركات
العلمانية على غرار كفاية وحزب الغد.
نقابة الضرائب العقارية
هذا
التسامح النسبي ربما يكون مصدره إدراك الدولة بأن قمع العمال داخل مصانعهم
قد يسفر عن خسائر بشرية واقتصادية كبيرة. ويبدو أن السلطات المصرية تدرك
أيضا أن القيادات العمالية ابتعدت عن الأحزاب السياسية. فعلى سبيل المثال،
اتفق قادة الضرائب العقارية العام الحالي على عدم المشاركة في إضراب دعت
إليه مجموعة من نشطاء «الفيسبوك» لإحياء الذكرى الثانية لإضراب 6 أبريل عام
2008 في مدينة المحلة الكبرى. وخلافا لتظاهرات حركة كفاية وشقيقاتها التي
تهتف ضد الرئيس حسني مبارك أو عناصر من نظامه، عادة ما يلجأ القائمون
بالاحتجاجات العمالية إلى مناشدة مبارك نفسه التدخل لحل مشاكلهم. اتساع
المطالب الاستقلالية لقطاعات عمالية جديدة في المستقبل يبقى رهن تطورات، من
أبرزها كيفية تعامل الدولة مع النقابة المستقلة للضرائب العقارية.
وعلى
الرغم من تسلم وزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادي الأوراق التأسيسية
لنقابة الضرائب العقارية في أبريل الماضي، تبقى هذه النقابة المستقلة في
حالة من عدم الوجود القانوني بسبب عدم اعتراف الوزارة بها، وهو اعتراف
ضروري لحمايتها من تدخل الدولة ولتمكينها من فتح حساب خاص لجمع الاشتراكات.
وفي الوقت نفسه، يحاول الاتحاد العام لنقابات عمال مصر تضييق الخناق على
النقابة الجديدة (نقابة الضرائب العقارية) في مهدها. فقد دعا رئيس الاتحاد
العام لنقابات عمال مصر حسين مجاور، في سبتمبر الماضي، إلى تأسيس لجنة خاصة
للنظر في إنشاء اتحاد جديد لجميع موظفي وزارة المالية، بما في ذلك الضرائب
العقارية. وبحسب مراقبين ومحللين، فان خطة مجاور تهدف إلى «ضرب» شرعية
النقابة المستقلة للضرائب العقارية لوجود قوانين تمنع تعدد العضوية
النقابية. أيا كان مستقبل النقابة المستقلة للضرائب العقارية، فمن المرجح
أن تزداد قوة الاحتجاجات العمالية داخل مصر. إن خطط تسريع خصخصة الصناعات
العامة وغياب المؤشرات المستقلة عن انخفاض البطالة والتضخم (معدلات النمو
هبطت من حدود سبعة في المائة عام 2007 إلى نحو 4.5 في المائة عام 2009)،
بالإضافة الى حالة الغموض السياسي التي تحيط بالبلاد قبل الانتخابات
البرلمانية والرئاسية المقررة في عامي 2010 و2011 ، تشير إلى أن غضب العمال
المصريين وتنظيم الاحتجاجات لم ينتهيا بعد.
قلب القاهرة ضد توريث الحكم إلى جمال مبارك، نجل الرئيس حسني مبارك، فقد
غابت عنها قصة أكبر، وهي ارتفاع احتجاجات العمال الذين أصبحوا القوة
السياسية الأكثر فعالية في البلد.
منذ اضطرابات ما يزيد على 27
ألفا من عمال شركة غزل المحلة للنسيج عامي 2006 و2007، تحولت مطالب العمالة
المصرية من مجرد مطالب اقتصادية بحتة - الرواتب والعلاوات والسلامة
الصناعية - إلى مسألة سياسية تهدف الى إعادة تعريف علاقتهم بالدولة.
على
مدى نصف قرن، احتكر الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، الذي تسيطر عليه
الدولة، تمثيل العمال. وجاء أقوى تهديد لهذا الاحتكار عندما دعا عمال شركة
غزل المحلة للنسيج إلى حل لجنة المصنع النقابية، والتي وصفت بأنها «غير
ديموقراطية وغير تمثيلية».
النجاح الأول
وأخذت الدعوات
الاستقلالية دفعة إضافية بعدما أعلن نحو 37 ألفا من موظفي الضرائب العقارية
في ديسمبر من عام 2008 تأسيس أول نقابة مستقلة منذ عام 1957. جاء هذا
الإعلان بعد مرور سنة على اعتصام الآلاف من محصلي الضرائب العقارية لمدة 11
يوما أمام وزارة المالية في وسط القاهرة مطالبين بزيادة في رواتبهم. على
الرغم من أن النقابة العامة للعاملين في البنوك وشركات التأمينات والأعمال
المالية عارضت الإضراب، استجابت الحكومة في نهاية المطاف لمطالب موظفي
الضرائب العقارية برفع رواتبهم ثلاثة أضعاف.
بعد هذا النجاح، بدأ
العمال في العديد من القطاعات الصناعية والخدماتية محاولات لإنشاء نقابات
حرة خاصة بهم مستقلة عن سيطرة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر للتصدي
لتدهور الأوضاع الاقتصادية. وتشمل هذه المحاولات قطاعات هيئة النقل العام
والبريد وإداريي التعليم والمعلمين وأصحاب المعاشات وأساتذة جامعيين.
تسامح نسبي
أسباب
ودوافع متشابكة تفسر أكثر من 1600 احتجاج عمالي في مصر بأشكاله المختلفة
من إضراب واعتصام وإيقاف للإنتاج منذ عام 2004. أول هذه الدوافع يتعلق
بخشية قطاعات واسعة من العمال من السياسات التي أعلن عنها رئيس الوزراء
أحمد نظيف منذ تشكيل حكومته الأولى في 2004، والتي رافقها شعور قطاعات
متزايدة من العمال والموظفين بأنها تمثل إستراتيجية متعمدة لإعادة تعريف
«العقد الاجتماعي» المعمول به منذ انقلاب الضباط الأحرار عام 1952.
وتدريجيا،
ظهرت فئة «رجال الأعمال»، البعض منهم أعضاء في حكومة نظيف، لتحل محل
«العمال والفلاحين» في خطاب الدولة الرسمي القديم. هذه السياسة، التي
رافقها تزايد معدلات التضخم التي وصلت الى 20 في المائة في عام 2008،
تزامنت أيضا مع إجراء الانتخابات العمالية في عام 2006، والتي شهدت شطب
مئات المرشحين القريبين من أحزاب المعارضة أو المستقلين، ليأتي الاتحاد
العام الجديد لنقابات عمال مصر «وكأنه امتداد للحزب الحاكم وحكومة رجال
الأعمال» على حد تعبير كمال أبو عيطة رئيس النقابة المستقلة للضرائب
العقارية. وشكل تحييد مؤسسات الدولة السياسية والأمنية التكتيك الأبرز الذي
تبنته احتجاجات العمال. صحيح أن الدولة تلجأ أحيانا إلى صنوف الترهيب
التقليدية من طرد العمال أو نقلهم واعتقالهم والاعتداء عليهم، إلا أنها
تسامحت إلى حد كبير مع الاحتجاجات العمالية مقارنة بالطريقة التي تحاصر بها
خصومها السياسيين الآخرين كجماعة الإخوان المسلمين أو بقية الحركات
العلمانية على غرار كفاية وحزب الغد.
نقابة الضرائب العقارية
هذا
التسامح النسبي ربما يكون مصدره إدراك الدولة بأن قمع العمال داخل مصانعهم
قد يسفر عن خسائر بشرية واقتصادية كبيرة. ويبدو أن السلطات المصرية تدرك
أيضا أن القيادات العمالية ابتعدت عن الأحزاب السياسية. فعلى سبيل المثال،
اتفق قادة الضرائب العقارية العام الحالي على عدم المشاركة في إضراب دعت
إليه مجموعة من نشطاء «الفيسبوك» لإحياء الذكرى الثانية لإضراب 6 أبريل عام
2008 في مدينة المحلة الكبرى. وخلافا لتظاهرات حركة كفاية وشقيقاتها التي
تهتف ضد الرئيس حسني مبارك أو عناصر من نظامه، عادة ما يلجأ القائمون
بالاحتجاجات العمالية إلى مناشدة مبارك نفسه التدخل لحل مشاكلهم. اتساع
المطالب الاستقلالية لقطاعات عمالية جديدة في المستقبل يبقى رهن تطورات، من
أبرزها كيفية تعامل الدولة مع النقابة المستقلة للضرائب العقارية.
وعلى
الرغم من تسلم وزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادي الأوراق التأسيسية
لنقابة الضرائب العقارية في أبريل الماضي، تبقى هذه النقابة المستقلة في
حالة من عدم الوجود القانوني بسبب عدم اعتراف الوزارة بها، وهو اعتراف
ضروري لحمايتها من تدخل الدولة ولتمكينها من فتح حساب خاص لجمع الاشتراكات.
وفي الوقت نفسه، يحاول الاتحاد العام لنقابات عمال مصر تضييق الخناق على
النقابة الجديدة (نقابة الضرائب العقارية) في مهدها. فقد دعا رئيس الاتحاد
العام لنقابات عمال مصر حسين مجاور، في سبتمبر الماضي، إلى تأسيس لجنة خاصة
للنظر في إنشاء اتحاد جديد لجميع موظفي وزارة المالية، بما في ذلك الضرائب
العقارية. وبحسب مراقبين ومحللين، فان خطة مجاور تهدف إلى «ضرب» شرعية
النقابة المستقلة للضرائب العقارية لوجود قوانين تمنع تعدد العضوية
النقابية. أيا كان مستقبل النقابة المستقلة للضرائب العقارية، فمن المرجح
أن تزداد قوة الاحتجاجات العمالية داخل مصر. إن خطط تسريع خصخصة الصناعات
العامة وغياب المؤشرات المستقلة عن انخفاض البطالة والتضخم (معدلات النمو
هبطت من حدود سبعة في المائة عام 2007 إلى نحو 4.5 في المائة عام 2009)،
بالإضافة الى حالة الغموض السياسي التي تحيط بالبلاد قبل الانتخابات
البرلمانية والرئاسية المقررة في عامي 2010 و2011 ، تشير إلى أن غضب العمال
المصريين وتنظيم الاحتجاجات لم ينتهيا بعد.
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ