قصة حب الخديوي إسماعيل وأوجيني حريم العصرالعثماني في مذكرات الأميرة جويدان
في عام 1905 تعرف خديو مصر عباس حلمي الثاني، في باريس بسيدة مجرية الأصل هي الكونتيسة "ماي دي توروك"، فصادقها وعاد بها إلى مصر واتخذها عشيقة شبه رسمية، وخصص لإقامتها سراي مسطرد، بينما كان يقيم مع زوجته واولاده في قصر القبة. بعد قليل اعتنقت الكونتيسة الإسلام وغيرت اسمها إلى جويدان بنت عبد الله ليتزوجها الخديو رغم اعتراض أصدقائه ووالدته والسلطان العثماني نفسه، وانضمت صحيفة "العلم" لسان حال الحزب الوطني برئاسة محمد فريد، إلى زوجته الأولى في التنديد بهذا الزواج الذي انتهى بالانفصال عام 1913 . وقد تركت لنا الأميرة جويدان هانم مذكرات تناولت فيها بعض المسكوت عنه مما يحدث داخل القصور الملكية، فتحدثت عن الحريم في القصور العثمانية والقصور المصرية، وهي المرة الأولى التي تتحدث فيها واحدة من الحريم عن الحريم، كما أنها تتحدث كأوروبية لها ثقافتها التي لا تبالي بالقيود . وتخبرنا إن الباشا أو السيد لا يعلم شيئا مما يحدث داخل الحريم، فهو إذا دخل البيت يلقاه الجميع بالخضوع الواجب وابتسامة لا تفارق الثغور، والويل لمن تتقدم إليه بشكوى فإن هذا يعكر مزاج البيك، وما وجد الحريم إلا ليدخل السرور على نفسه. وتوضح جويدان أن الإسلام حرم قتل الأطفال وإجهاض النساء، وهي عادة كان يفضلها العرب ونهاهم عنها الإسلام، لكن الأمر بتحريم قتل الأطفال وإجهاض النساء لم يجد صداه عند حريم القصور، كذلك أمعن كثير من السلاطين في الضلال، فسنوا قانون قتل الأخ محافظة على الملك. وكان السلطان بايزيد الأول هو أول من وضع قتل مبدأ الأخ، وجرى السلاطين من بعده على هذه السنة بحكم العادة، ولما جاء السلطان محمد الثاني جعل قتل الأخ قانونا من قوانين الملك وركنا من أركان حفلة التتويج.وظل قانون قتل الأخ قائما حوالي400 سنة، إلى أن جاء السلطان عبد المجيد فألغى هذا القانون وصار الأخوة لا يقتلون ولكن يعيشون. حريم وسلاطين تتابع سلاطين آل عثمان حتى جاء إبراهيم الأول الذي كان عبدا لشهوته، فكان مقامه في الحريم على الوسائد الناعمة وحوله النساء والغلمان والزهور والروائح العطرية وكل ما من شأنه إثارة الشهوة، وكان يتأنق في ثيابه ويسرف في التحلي بالجواهر حتى انه كان يعلق الجواهر في لحيته، وزين مركبته وسروج خيله بالذهب الخالص، وكان يطوف أحيانا مع وزرائه في المدينة ثم لا يلبث أن يقطع الطواف ويسرع في العودة إلى الحريم، وحدث مرة أنه أثناء طوافه رأى امراة كبيرة الجسم فأعجبه هذا النوع من النساء، فأمر أن يؤتى له بأسمن امرأة في المدينة، وخرجت الجنود للبحث وجاءوا بنساء كثيرات لم يوافقهن خياله، حتى عثروا أخيرا على أرمنيه حازت رضاء السلطان فقربها إليه، وأخذ نفوذها يكبر بنسبة جسمها حتى تضاءل أمام نفوذها نفوذ السلطان والمحظيات الأخريات فتآمرت المحظيات ضدها، وبلغها خبر المؤامرة فأقامت وليمة دعت إليها غريماتها، ثم أمرت بخنقهن على المائدة، وانفردت هي بالسلطة، فكانت تغري السلطان بقتل من تشاء، والسلطان لا يرد لها كلمة لأنه كان عبدا لشهوته. وتأسف جويدان لحال الجواري وتقول "لو كنت باشا لتركت جميع الجواري في قصري عذارى حتى تنتهي حياتهن التعيسة، ولا أفهم مطلقا كيف أن رجلا يملك قليلا من حسن الاختيار ورقة الذوق يستطيع الاعتداء على هذه المخلوقات الذليلة المسكينة. لا أستطيع ان أفهم كيف تنازل سلاطين آل عثمان جميعهم عن الحرص على صفاء دمائهم، واختاروا غير الراشدات أمهات لأولياء عهودهم وفلذات أكبادهم، فليست هناك سلالة اختلطت بالدماء العربية مثل العثمانيين، إذ أمهات سلاطينهم جميعا من الشركسيات أو الكرديات أو الروميات أو البلغاريات دون التركيات. وفي مصر يكثر انتخاب الزوجات من الجواري، فإن المطالب التي تطلبها الجارية ورغباتها في الغالب تافهة قليلا إذ أنها بطبيعتها جبلت على الرضا. وبينما يمتاز حريم السلاطين في الآستانة بما ورثنه عن بيزنطة من مظاهر الأبهة والعظمة، فإن الحريم المصري الذي ينتمي إلى أصل تركي لا يظهر عليه شيء من مجد الفراعنة".
كانت الأميرة جويدان تحب الآستانة حيث تكون هي والخديوي بعيدا عن رسميات القصور في مصر، فكانت تشعر أنها حقا متزوجة، وفي هذا كتبت تقول: "هنا كان يملكني اليقين بأنك زوجي وأني زوجتك. وأعتقد أننا في هذا الجو كنا نتبدل أناسا آخرين، حتى في شعورنا الواحد قبل الآخر. وأعتقد أن حياتي كانت تتقلب بين أطوار ثلاثة مختلفة. واحدا منها في القاهرة مقر الحكم، والثاني أثناء الرحلات، والثالث في الآستانة. أما في القاهرة فلم أكن أر فيك إلا الخديوي فقط، حتى أثناء زيارتك لي في سراي مسطرد، كنت لا أستطيع أن أنظر إليك نظرتي إلى شيء خاص بي، ويكفي أن أرى العربة التي تنتظرك في الحديقة لأعلم أن زيارتك عرضية محدودة. وأما في الرحلات مهما طالت مدتها فإننا كنا نلتقي قليلا ولمدة قصيرة، إذ كنا دائما نعيش في مكانين منعزلين وإن كانا متقاربين. أما في القسطنطينية فحياتنا تختلف عن كل ما سبق، فقد قامت سراي شويكلي تحت أعيننا وعنايتنا واشترينا بأيدينا كل ما يلزم لها، فالسراي كلها كانت من أجلنا لا من أجلك وحدك ولا من أجلي وحدي، إذن فبيتنا الحقيقي لا يوجد إلا في الآستانة".
جلس الخديوي عباس حلمي الثاني على العرش وهو في الثامنة عشرة من عمره، ولما تولى العرش لم يجد في بداية حكمه تعضيدا كافيا، وكان اللورد كرومر لا ينظر إليه إلا كرئيس عنيد الرأي، على حين كان يشعر –كرومر- أنه هو الحاكم الحقيقي وكان هذا كافيا لأن ينظر اللودر إلى الخديوي كدمية يجب عليها الطاعة.. لكن الطاعة كانت غريبة على خلق الخديوي منذ الصغر، وكان قوي العزم عنيد الرأي، وفوق ذلك محبا للكفاح. وتقول جويدان أنه ليس من المعقول أن خديويا - ولو كان نصف وطني فقط – يتقبل صداقة ديكتاتور أرغم على قبوله من قوة معادية، وكل نظرة إليه تذكره بضعف بلاده وهزيمة أسلافه، فكان أصعب وقت مر على الخديوي هو الوقت الذي امتد فيه ظل كرورمر في مصر. وتحكي عن الخديوي أنه كان سريع الحركة لا يكل العمل ولا يمله، وكثيرا ما كان العمل يمنعه من تناول الطعام في مواعيده، وكان في أوروبا يميل إلى الأماكن المزدحمة بالناس، ولعل ذلك ناشيء من حياة العزلة التي يحياها في مصر، حيث لا يخرج إلا في حرسه ويقف كردون العساكر بينه وبين الجمهور.. وكان الخديوي يحب زيارة الأسواق والمعارض ودراسة الآلات وخصوصا القاطرات وكان يسوق القطار بمهارة فائقة. قصة خادم وتتحدث جويدان عن الخادم الأمين للخديوي والذي كان يدعى فخر الدين، ولهذا الرجل قصة غريبة، فكان معروفا أنه أقوى رجل في المدينة وكان مشهورا بالصدق والوفاء بالوعد، وكان يعيش مع زوجته وأولاده من قطعة أرض يزرعها بنفسه، وكان يجيد الرماية لدرجة أنه يستطيع أن يصيب طائرا في الجو ويوضح مكان الإصابة. وحدث أن جلس فخر الدين يوما في قهوة يعزف فيها موسيقيان – رجل وفتاة – وكانت الفتاة قد أعجبت بفخر الدين، ولأمر ما أهان الموسيقي زميلته، فلم يرق هذا لفخر الدين فتقدم إلى الرجل وقال له "إنك تستحق الموت من أجل هذه الإهانة، ولكني سأمنحك فرصة تحاول فيها خلاص نفسك، فإن استطعت أن تعزف على ظهر الكمنجة لحنا تسمعه أذناي فأنت ناج، وإلا فالموت لك". ووقف فخر الدين والمسدس في يده، وكان طبيعيا أن الخشب لا يعطي لحنا، وفي الحال خرجت الرصاصة من المسدس فأصابت ما بين عيني الرجل. وذهب فخر الدين إلى بيته وجاء وراءه البوليس لكنه رفض أن يخرج مقبوضا عليه، وقال لرجال البوليس "اذهبوا وسأحضر بنفسي". ولما كان رجال البوليس يعرفون أن الرجل لا يكذب فقد تركوه، وفعلا ذهب بنفسه، فلما فتحوا له باب السجن نظر إليهم بسخرية وقال "لقد وعدتكم بأن أسلم نفسي وها قد فعلت، ولكني أقسم لكم إني لن أمكث طويلا في هذا السجن". وبالفعل لم يحن المساء حتى كان فخر الدين يقترب من يخت المحروسة في قارب صغير، فوثق به الخديوي من أول نظرة، ومنذ ذلك الحين أصبح خادما أمينا وحارسا خاصا للخديوي.
كان للخديوي إسماعيل أربع زوجات، وعلى عكس المألوف كانت هؤلاء الزوجات صديقات لا شحناء بينهن ولا بغضاء، وقد ألف بينهن حبهن لرجل واحد. وكان إسماعيل إذا أحب لم يترك لمحب بعده مجالا، وإذا أهدى أغدق حتى أغرق، وإذا أراد البناء فانه يهدم حيا بأكمله ليشيد عليه ما يريد، وعلى هذا المنوال قامت سراي الجزيرة التي بناها خصيصا للإمبراطورة أوجيني لتكون مقاما أثناء زيارتها لمصر، ولو استطاع لأحال مصر كلها إلى روضة غناء تخطر فيها هذه الملكة الجميلة. ولما أبدت الامبراطورة رغبتها في الطواف بالقاهرة على ظهر حمار، رافقها الخديوي في هذا الطواف. وتحكي الأميرة جويدان عن الخديوي إسماعيل وحبه لإمبراطورة فرنسا أوجيني، والتي لكي يدعوها لزيارته في مصر صنع حضارة هامة تتلاءم مع أهمية شخصيتها، وكانت المناسبة التي ستحضر فيها هي افتتاح قناة السويس، وإقامة أول خط سكك حديدية مصرية من الإسماعيلية إلى القاهرة وإنشاء دار للأوبرا تتفرج فيها الإمبراطورة، وكلف ملحنا إيطاليا مشهورا بتلحين أوبرا جديدة خصيصا لهذا الافتتاح هي أوبرا عايدة. وهكذا نجح إسماعيل باشا في علاقته بالإمبراطورة أوجيني التي ظلت محافظة على العهد حتى بعد أن زال عنها وعنه العرش، وبعد رحيله كانت تزور مصر سنويا في ملابس سوداء، وتبدأ مقامها بزيارة أرامل إسماعيل لتجتر الذكريات. نهاية المطاف كانت جويدان مغرقة في حب عباس وكتبت فيه صفحات بالغة الرقة تعبر فيها عن حبها الشديد، وهي لا تنكر أنه قيد حريتها وأنه كان يغار عليها من قراءة الكتب ومجالسة النساء، ولكنها مع ذلك كانت لا تطيق البعد عنه. لكن ينتهي المطاف بالحبيبين إلى الطلاق، وتشعر الأميرة بصدمة حقيقية عند طلاقها من الخديوي، فكانت تجلس في قصرها بمسطرد وعانت كثيرا من بقائها بمفردها، فكتبت تقول: "إنني في منزلي أطوف في حجراته، فمن ذا الذي يقول إن الأشياء جامدة لا حياة فيها؟ إن الأشياء تحتفظ بتاريخ الحياة وتجيد إعادة القصص، فكم من حلم جميل أستعيد قراءته من بين هذه الوسائد الحريرية. كنا جالسين أمام المدفأة، وكنت أنظر إلى نارها المشتعلة، ولم يكن ضروريا أن أنظر إلى وجهك لأنك كنت بأكملك ماثلا في نفسي، ثم بدأت الحديث، ولكن صوتك كان غريبا على أذني كأنه صوت لا أعرفه، صوت لا أعرفه، صوت بعيد عن ذاكرتنا، وكان هذا الصوت يقص شيئا عاديا. رجلا خان زوجته، ثم وجد نفسه مدفوعا إلى الاعتراف لزوجته بهذه الخيانة، فهل يعلم هذا الرجل أن مسرحه هدم؟ لم يحدث شيء، وظلت النار مشتعلة في الموقد وإذ بيدك تقبض على يدي، وفي هذه اللحظة عدت أنت كما أعرفه، فابتسمت ابتسامة لا علاقة لها بأفكاري، ففي نظرك انتهى الموضوع بانتهاء القصص وأما في نظري فقد ابتدأ كل شيء الآن". |
قصة حب الخديوي إسماعيل وأوجيني حريم العصرالعثماني في مذكرات الأميرة جويدان
شاه جهان- نائب المدير
- عدد المساهمات : 1907
تاريخ التسجيل : 15/10/2010
العمر : 58
الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ