alquseyaمنتدى أبناء القوصيه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ثقاقي-اجتماعي-يطمح الى الارتقاء بالقوصيه وتطويرها المنتدى منبر لكل ابناء القوصيه

منتدى ابناء القوصيه يدعو شرفاء اسيوط الى كشف اي تجاوزات تمت من اي من موظفي النظام الفاسد وتشرها في منبرنا الحر
حسبنا الله ونعم الوكيل لقد خطفت منا مصر مره اخري

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

المواضيع الأخيرة

» سيف الدين قطز
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالسبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ

» كنوز الفراعنه
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالسبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ

» الثقب الاسود
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالسبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ

» طفل بطل
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ

» دكتور زاكي الدين احمد حسين
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ

» البطل عبدالرؤوف عمران
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ

» نماذج مشرفه من الجيش المصري
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» دجاجة القاضي
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ

» اخلاق رسول الله
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ

» يوم العبور في يوم اللا عبور
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ

» من اروع ما قرات عن السجود
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ

» قصه وعبره
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ

» كيف تصنع شعب غبي
جذور السلبيه الشعبيه في مصر I_icon_minitimeالخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ


    جذور السلبيه الشعبيه في مصر

    ابو يحيي
    ابو يحيي
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 2596
    تاريخ التسجيل : 09/10/2010
    الموقع : المدير العام

    جذور السلبيه الشعبيه في مصر Empty جذور السلبيه الشعبيه في مصر

    مُساهمة من طرف ابو يحيي الأربعاء أكتوبر 27, 2010 10:53 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم

    محوريات التاريخ المصري

    قراءة أولى


    مصر تحت حكم الفراعنة

    حين ننظر إلى الأهرامات وأبي الهول ومعبد الكرنك وغيرها من الآثار الفرعونية الخالدة لابد وأن نشعر بالفخر لأننا أحفاد صانعي هذه الحضارة العظيمة، ولابد أيضاً أن نشعر بالدهشة من قدرة هؤلاء الأجداد العظام على صنع هذه التحف المعمارية غير المسبوقة أو الملحوقة. ولعل هذا الفخر وهذه الدهشة هما الدافع الأول لتوقفنا من حضارة مصر القديمة عند حدود الإنجاز المادي. وهذا الوضع ينسحب أيضاً - وبنسب متفاوتة - على المؤرخين والباحثين في مجال الدراسات المصرية القديمة. فبينما تفرد كتب وأبحاث التاريخ الفرعوني أغلب صفحاتها لسرد أسرار وجوانب الإنجاز المادي للمصريين القدماء فإنها تكاد تصمت تماماً عن الخوض في الإنجاز الأدبي أو المعنوي بصفة عامة، والحديث عن المواطن المصري البسيط أو طبقة العامة بصفة خاصة. ومن خلال مجمل ما كتب في هذا الصدد نجد أن المصادر والكتابات التاريخية تتفق حول عدد من القضايا التي تمثل الهيكل الأساسي للأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر القديمة، ونعرض فيما يلي ملخصاً لهذه القضايا الرئيسية:

    أولاً: منذ بداية التاريخ السياسي لمصر القديمة كان الملوك الفراعنة يحكمون البلاد بالحق الالهي، أي بوصفهم آلهة يختلفون في النسب والمنشأ والحقوق والواجبات عن سائر الشعب. وقد تقبل المصريون هذه القضية كجزء من عقيدتهم الدينية، وأصبح الملوك على هذا النحو فوق مستوى المسائلة أو المناقشة أو النقد. وإلى جانب خروج الفراعنة من الانتماء إلى الشعب فقد خرج أيضاً من هذا الانتماء كل من رجال الحاشية والبلاط الملكي بوصفهم أقرب الناس إلى الملوك، وطبقة الكهنة بوصفهما الوسيط بين الملوك والشعب، وأصحاب قانون الحق الإلهي الذي يمنح الفرعون المكانة التي تحول بينه وبين المسئولية عن عمله وأحكامه وقراراته. وعلى الرغم من قناعة الشعب بمختلف طوائفه بالديانة المصرية، فان هذه الديانة كانت في هيكلها الرئيسي تمثل مصالح الملوك وأتباعهم من الحاشية والكهنة. وقد تضمنت أدبيات المرحلة ما يعرف باسم"أدب الحكمة" ويتمثل في مجموعة من النصائح والتعاليم التي تتخذ في الغالب شكل نصح الأب لابنه، ويعد هذا النوع بمثابة الإنجاز الأدبي الرئيسي للحضارة المصرية القديمة. وتدور هذه النصائح بوجه عام حول ضرورة التحلي بالأخلاق والفضائل مثل آداب المائدة والتواضع ونجدة الملهوف بالإضافة إلى التحذير من الخصال الذميمة، بينما لا تطرق إلى أية حقوق يفترض وجودها للفرد لدى الجماعة أو الملوك.

    ثانياً: استغل الملوك حقهم المطلق في ملكية كل شيء - الأرض وما عليها ومن عليها - بمقتضى الحق الإلهي، وقاموا باستنزاف كل أو معظم موارد البلاد في إنشاء الأهرامات والمعابد الجنائزية، وأدي ذلك إلى انهيار اقتصادي في نهاية عهد الدولة القديمة، وبدأت جموع الشعب التي ساهمت في بناء الأهرام تتعرض لمحنة الجوع والفقر، وشهدت البلاد عند وفاة الملك بسبي الثاني في نهاية الأسرة السادسة عصراً من الفوضى والانهيار، وهو ما يعرف في التاريخ باسم - الثورة الاجتماعية الأولى - وترجع جذور الثورة الاجتماعية الأولى في مصر القديمة إلى الفترات التي حكم فيها فراعنة الأسرة السادسة في ظل انهيار واستنزاف موارد البلاد.
    في ذلك العهد كان النبلاء والأثرياء من غير الحكام قد بدءوا في الظهور على مسرح الأحداث بما لديهم من ثروات ضخمة، وأصبحوا قادرين على مناقشة الملوك في إنشاء المباني الجنائزية الضخمة، وأصبحوا أيضاً قادرين على التطلع لممارسة الحكم ولم يقف في طريقهم في هذا المجال سوى قضية الحق الإلهي. هذا الوضع أدى إلى زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، وساعد على شيوع الفوضى تراخي قبضة الملوك في الإمساك بزمام الأمور بعد ظهور النبلاء كقوة اقتصادية وسعيهم للحصول على دور سياسي في البلاد وتد أسباب الثورة الاجتماعية الأولى بمثابة ملخص واف للأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر منذ توحيد البلاد وحتى نهاية عصر الدولة القديمة، والأسباب الرئيسية لهذه الثورة وفقاً لمختلف المصادر التاريخية هي:

    انهيار الاقتصاد بسبب بذخ الإنفاق الحكومي

    [center]أ -.
    تخصيص هبات دائمة للإنفاق على مقابر الملوك.
    ب -

    زيادة الضرائب على الشعب وإعفاء الأرض الملكية منها.
    ج -
    شراء ولاء حكام الأقاليم بمنحهم الأراضي.
    د -
    تأليه الملك وارتباط الطبقة الحاكمة به.
    هـ -
    سوء حال العمال والفلاحين وزيادة الضرائب عليهم.
    و -

    الفساد الإداري في جهاز الحكم.
    ز -
    [/center]

    ثالثاً: رغم أن الثورة الاجتماعية الأولى قد حققت بعض النتائج الهامة مثل إقرار مسئولية الملك عن الشعب وإمكانية أن يطلب الشعب من الفرعون السعي لتحقيق العدل في البلاد، ومثل الدعوة إلى المساواة وتكافؤ الفرص والعدل الاجتماعي، رغم هذا لم تشهد البلاد تغييراً جذرياً في نظم الحكم، ولم تتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية كثيراً وإنما ظلت رهناً بشخصية الفرعون الذي يتولى السلطة. فقد شهدت البلاد بعض التحسن في عهد كل من سنوسرت الثالث وامنمحات الثالث، ولكنها عادت إلى حالة الضعف الشامل مع نهاية الأسرة الثانية عشرة، وكان نظام الإقطاع من أهم أسباب ذلك التدهور، وشهدت هذه الفترة دخول الهكسوس مصر وبسط سيطرتهم على منطقة الدلتا في ظل ضعف الحكام المصريين. وحين نجح أحمس في طرد الهكسوس وحلف أخاه على عرش طيبة شهد هذا العصر تمجيداً للجندية وتقديساً للروح العسكرية، وأصبحت الحرب غير قاصرة على الفرعون وإنما هي حرب الشعب بأكمله. ورغم هذا فإن الأمور سرعان ما عادت إلى أسوأ مما كانت عليه وذلك في عهد بسماتيك الأول في الأسرة السادس والعشرين، وهو الفرعون الذي نجح في إحياء قومية البلاد وطرد الغزاة الأشوريين، ولكنه توسع في الاستعانة بالمرتزقة اليونانيين، وشجع التجار الأجانب وقدم لهم مختلف التسهيلات وأبعد الوطنيين عن الحياة العسكرية العملية. وفي أعقاب عهد بسماتيك الأول، وفي ظل غياب شعبية قومية ودائمة لنظام الحكم استمرت البلاد على حالة التأرجح بين الاستقرار والاضطراب وفقاً لقوة وشخصية الحاكم ولم تلبث أن انهارت أمام العرس في الحقبة الأخيرة من عصر الأسرات. وتوالت الثورات الشعبية ضد الفرس دون جدوى إلى أن انتهى عهد الفراعنة حين ظهر الاسكندر المقدوني وانتصر على الفرس سنة 333 قبل الميلاد ثم دخل مصر في العام التالي دون مقاومة.
    رابعاً: من خلال العرض الموجز لأهم ملامح التاريخ السياسي والاجتماعي لمصر الفرعونية يمكن أن نستخلص الحقائق الرئيسية التالية:

    · ارتكز النظام السياسي على فكرة الملكية الالهية، والملك بهذه الصفة هو مصدر السيادة في الدولة ومنبع الحق و العدل. وترتب على تأليه الملك جمع السلطات كلها في شخصه سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية. وقد فقدت الملكية جزءاً من قوتها وقداستها في عهد الإقطاع، وأصبح الملك إنسانا أكثر منه إلها، ومع ذلك لم تكن هناك قوى أو تنظيمات شعبية تملك حق مسائلة الملوك أو حسابهم.

    · رغم أن الثورة الاجتماعية الأولى قد أدت إلى إعلاء شأن العدالة والمساواة والمطالبة بالعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص، فان هذه الأمور لم تتعد كونها مجرد شعارات يرفعها الناس والحكماء، ولم يكن من الممكن أن تتحول إلى تغيير جذري في نظام الحكم في غياب أي نوع من التنظيمات الشعبية. ولا تذكر المصادر التاريخية لهذه الفترة أية إشارات لمطالبة شعبية أو حتى فردية بخصوص ضرورة المشاركة الشعبية الإيجابية لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة.

    · الأعمال الأدبية التي وصلت إلينا من مصر الفرعونية لا ترقى بحال من الأحوال إلى مستوى الفكر السياسي اليوناني، أو القوانين الرومانية، أو تشريعات حمورابي، فضلاً عن الفلسفة اليونانية القديمة أو الأدب اليوناني. وأدبيات الفراعنة لا تعدو أن تكون مجموعة من النصائح الأخلاقية العامة وبعض التعاليم بخصوص العالم الآخر وفكرة الثواب والعقاب، بالإضافة إلى بعض القصص والأساطير التي لا تخرج كثيراً عن هذا الإطار. ولعل رتابة الحياة والتقسيم الأزلي للأدوار بين أفراد وجماعات وطبقات الشعب هو السبب الرئيسي في هذا الجدب الذي عانت منه الحضارة المصرية القديمة. فبينما كانت بلاد اليونان مسرحاً لنشاط سياسي واجتماعي شبه يومي، وبلاد الرومان مهداً لإمبراطورية عظيمة يتم تكوينها بخطى مدروسة في الداخل والخارج، كانت مصر على العكس من ذلك، حيث تمثل فيها اكبر قدر من الاستاتيكية السياسية والاجتماعية في العالم القديم، وظلت أقدار البلاد رهناً بمستوى الجالس على العرش، وظل الشعب قابعاً في مكانه، راضياً بتوارث نفس الأدوار والأقدار جيلاً بعد جيل، وهذا الوضع بطبيعة الحال لا يمثل بيئة صالحة لظهور الفكر السياسي أو الأدب أو الفلسفة.

    يكاد لا يخلو سجل أحد الملوك الفراعنة من حملات عسكرية في الجنوب لتأديب النوبيين، وفي الشمال لاتقاء شر الآسيويين، وفي الغرب ضد الليبيين. والدلالة الواضحة لهذه الواجبات الدائمة هي أن الحكام المصريين في ظل غياب المؤسسات الشعبية وفي ظل غياب الفكر السياسي الواضح والدائم والعملي والديناميكي، لم يكونوا قادرين على تكوين دولة آمنة ذات حدود ثابتة. ويمكن أن ينسحب ذلك أيضا على الفترات التي تمكن فيها بعض الفراعنة من التوسع شمالاً حتى سورية وفلسطين، ثم عادت حدود البلاد في العهود التالية لتتقلص وتنحصر في الرقعة التقليدية القديمة للبلاد. ذلك أن الغزوات التي كان هؤلاء الفراعنة يقومون بها لم تكن اكثر من غزوات عسكرية بحته، حيث لا يذكر التاريخ أن حاكماً مصرياً قد تمكن من غزو إحدى المناطق غزواً سياسياً وحضارياً يصطبغ معه أهل البلاد بالصبغة المصرية، ولا يكون استمرارهم في الدولة مرتهناً بالردع العسكري من جانب الجالس على عرش مصر في العهود التالية.
    · كما اعتاد الملوك الفراعنة المبالغة في تقدير حجم انتصاراتهم العسكرية والحط من شأن أسلافهم بمحو أعماله من جدران المعابد والمسلات، فان الأعمال الفنية المصرية هي الأخرى كانت تتصف بالمبالغة غير المررة، ويتضح ذلك من مجرد النظر إلى أهرامات الجيزة، وتمثالي ممنون وأغلب الأعمال الفنية الأخرى في مختلف المجالات. وحين نقارن بين الفن المصري القديم ونظيره اليوناني سوف نجد أن الأعمال الفنية اليونانية خاصة في مجال النحت تتصف بالواقعية الشديدة والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، وهو الأمر الذي تفتقده بشدة أعمال الفنان المصري القديم.

    · يعد الفكر الديني في مصر القديمة مسئولاً إلى حد كبير عن الأداء السياسي والاجتماعي في البلاد. فبمقتضى ألوهية الملك لم يناقش أحد من عامة الشعب أو حتى حكمائه مسائل جوهرية مثل جدوى الإنفاق شديد البذخ على المباني الجنائزية، ومثل حق الشعب في المشاركة في الحكم وغير ذلك من الأمور الهامة. وكانت قضية الفكر الديني هي الاختلاف الجوهري بين الحضارة المصرية والحضارات الرئيسية الأخرى مثل الحضارة اليونانية والرومانية. فبينما كان المصريون يؤمنون بأن الملوك من نسل الآلهة، كان اليونانيون يحاسبون حكامهم حتى على خشبة المسرح. وبينما كان المصريون يقضون حياتهم في الطاعة والولاء سعياً لثواب العالم الآخر، كان اليونانيون يضعون لأنفسهم نظاماً دينياً يضم أسرة كاملة من الآلهة وأنصاف الآلهة، ويجعل لكل من هؤلاء الآلهة مهمة محددة تتصل بالحياة اليومية. ولهذا السبب لم يكن المواطن اليوناني يشتري الآخرة بالدنيا، ولم يكن على استعداد لممارسة الطاعة العمياء للحاكم باسم الدين أو الألوهية. ومن هنا نجح اليونانيون في بناء الحضارة بشقيها المادي والأدبي، ونجحت حضارتهم في التواصل الحقيقي مع كل العصور التالية، وبينما لا زال العالم بأسره يتدارس حتى الآن أعمال أرسطو وسقراط وأفلاطون ومسرحيات ايسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس واريستوفانيس، فإن الحضارة المصرية القديمة قد اكتفت بأن تترك للعالم مجموعة الآثار العملاقة وأسرار فن التحنيط بعد الموت. وبينما نجحت الحضارة اليونانية أيضا في صنع حضارة ومدنية أوروبا الغربية ووضعها على مقعد الصدارة والسيادة في العالم الحديث والمعاصر، فان الحضارة المصرية قد اكتفت بتسليم البلاد للغزاة الذين تعاقبوا على مصر لمدة تزيد عن عشرين قرناً متواصلة، وصارت مصر بعد الاستقلال إحدى دول العالم الثالث ولم تزل.

    · هناك بالطبع العديد من التفسيرات والتبريرات للأوضاع السياسية في مصر القديمة، ولعل أهم هذه التبريرات وأقربها للصدق والواقع هي تلك التي تستند على الظروف الجغرافية وعوامل البيئة. ففي مصر، حيث يمتد نهر النيل من جنوب البلاد لشمالها ويمثل شريان الحياة لجموع السكان، كان من الطبيعي أن توجد حكومة مركزية قوية تسهم في حماية وحدة واستقرار البلاد. فضلاً عن أن المجتمع الزراعي المستقر الذي أوجدته الظروف الطبيعية في مصر قد أدى بدوره إلى تكوين السمات الرئيسية في الشخصية المصرية، وأسهم أيضاً في التكوين العقائدي والوجداني لسكان البلاد منذ عصورها الأولى. ولكن ما نحن بصدده الآن ليس البحث عن مبررات وليس أيضاً الهجوم أو التحامل على حضارة عظيمة برغم ما يشوبها من نقائض، نحن ببساطة نبحث فقط النتائج المباشرة للنظام السياسي في مصر الفرعونية. وهذه النتائج سوف تكون مؤشراً صادقاً لما ستشهده البلاد بعد ذلك من أوضاع سياسية واجتماعية.

    خامساً: أهم نتائج النظام السياسي في مصر القديمة يمكن إيجازها في النقاط التالية:
    أ - الحقوق والصلاحيات المطلقة التي منحتها الديانة المصرية لشخص الملك أدت إلى ربط مصير البلاد بشخصية الحاكم صعوداً وهبوطاً، والقدسية التي أحاطت بالملوك جعلت الحديث عن تنظيمات شعبية أو مجالس نيابية أمراً مستحيلاً.
    ب - الفكر الديني وطبيعة الحياة في مجتمع زراعي مستقر وعدم الإبهام الفعلي والإيجابي والمنظم لعامة الشعب في الشئون السياسية للبلاد أدى الي غياب الوعي الطبقي والقدرة على ردود الأفعال الجماعية الصحيحة.
    ج - الدور السياسي الذي لعبه العامة في الحضارات الأخرى وأدى لحصولهم على الحقوق السياسية يمثل الفارق الجوهري بين الحضارة المصرية القديمة وهذه الحضارات. وهو المسئول الأول عن الناتج الفعلي والنهائي لكل من الحضارة المصرية القديمة والحضارات الأخرى.
    د - التفاوت الواضح والغريب بين الإنجاز المادي والإنجاز الأدبي في الحضارة المصرية القديمة يرجع إلى الفكر الديني ومستوى الأداء السياسي في مصر الفرعونية. فالمصري القديم حاكماً أو محكوماً لم يكن ينقصه الذكاء أو القدرة على العمل والإبداع كما يتضح من الآثار المعمارية والفنية للفراعنة ومن تراثهم الإداري والعسكري، ولكن قضية التوجه العام هي الفيصل في مسألة الإنجاز المادي أو المعنوي لإحدى الحضارات أو المجتمعات. وفي ظل النظام العام الذي ساد مصر الفرعونية كان من السهل ومن الطبيعي أن يتكاتف الشعب بأكمله لتنفيذ المشروعات العمرانية أو الأعمال الكبرى التي يعهد بها إليه الحكام، بالإضافة إلى مشروعات الري واستصلاح الأراضي والحروب والغزوات العسكرية. أما في مجال الأدب فالأمر يختلف، فليست هناك دوافع قوية أو مناخ ملائم لإنتاج أدب حقيقي. البلاد في حالة استقرار وسكون سياسي واجتماعي، الحراك الاجتماعي شبه منعدم، البيئة الطبيعية ساكنة شديدة الهدوء لا تشهد تغييراً يذكر على مدى قرون طويلة، الحاكم يملك ويحكم ويقرر ويفكر نيابة عن الشعب، الكهنة يحددون أفكار وتوجيهات وأقدار الناس ويحتفظون لأنفسهم بأسرار كل العلوم، طبقة النبلاء أو الأثرياء ثابتة لا يدخلها وافد جديد ولا يخرج منها عضو قديم، النشاط الاقتصادي في البلاد محدود، قوم يملكون الأرض، وآخرون يعلمون في زراعتها. وفي ظل هذه الأوضاع لم يكن متاحاً أن يظهر في مصر القديمة مفكر سياسي وفيلسوف في حجم أرسطو، أو كاتب دراما في مستوى يوربيديس أو أريستوفليس، واقتصر الأدب المصري القديم على مجرد النصائح وأقوال الحكماء بالإضافة للأساطير التي تنتمي إلى الفكر الديني أكثر من انتمائها إلى الآداب.
    هـ - أدى القصور الشديد في الإنتاج الأدبي بالإضافة إلى خلو الساحة السياسية من حركات النقد والتصحيح إلى عقم الفكر السياسي المصري، ومن ثم لم يجد الفراعنة العظام مثل رمسيس وتحتمس تراثاً سياسياً يحملونه معهم إلى البلدان التي قاموا بغزوها عسكرياً. وبالتالي كانت الإمبراطورية المصرية التي وصلت حدودها في بعض العصور إلى شمال سورية وفلسطين لا تمثل سوى إنجازا عسكرياً يحسب فقط لقائد فذ وجيش قوي وظروف مواتية، ولكنه من ناحية أخرى إنجاز مهدد بالضياع في أية لحظة يتجه فيها مؤشر القوة العسكرية في غير صالح المصريين. ويمثل ذلك تفسيراً لعدم تمكن مصر الفرعونية من الاحتفاظ بحدودها خارج البلاد لفترات زمنية طويلة، ومتصلة، ويفسر أيضاً اقتصار التأثير المصري في الحضارات المجاورة على مجرد الجوانب الفنية والتبادل التجاري.
    و - الطاعة المطلقة التي كان الشعب المصري يدين بها تجاه حكومته وحكامه لم تشفع له لدى هؤلاء الحكام وإنما على العكس من ذلك كانت السلبية الشعبية سبباً من أسباب توجس الحكام وشكهم في قدرات وإمكانيات مواطنيهم. ونجد صدى هذا الشك والتوجس في ملفات الدولة الحديثة على وجه الخصوص، ذلك ان نجاح الجندي المصري في صفوف جيش أحمس لم يمنحه فرصة الاستقرار والاستمرار في أداء مهمته خلال ذلك العصر، وعاد المرتزقة في عهد بسماتيك، وأقيمت لهم المدن الخاصة، وأفردت لهم صلاحيات وامتيازات تفوق كثيراً ما كان مقرراً لأقرانهم من المصريين، هذا فضلاً عن الامتيازات التي تقررت في نفس هذا العصر للتجار الأجانب خاصة القادمين من بلاد اليونان.
    مصر تحت حكم اليونان والرومان

    1- على الرغم من تعرض مصر للحكم الأجنبي على أيدي العديد من الغزاة مثل الآشوريين والليبيين والنوبيين والهكسوس والفرس، فإن اليونانيين والرومان كانوا القوى الوحيدة التي تمكنت من الاستقرار في البلاد خلال تاريخها القديم. ولاغرابة في ذلك لو علمنا أن كلتا الدولتين كانتا تمثلان النظم السياسية المتكاملة بمفاهيم العصور القديمة ربما الحديثة أيضا. فالغزو المقدوني الذي يمثل بلاد اليونان كان يحمل معه في الطريق إلى مصر تجارب سياسية يرجع تاريخها لعدة قرون ماضية، وأثمرت هذه التجارب نظريات الفكر السياسي التي صاغها الفلاسفة والمفكرون وأهمها النظام الشعبي الديمقراطي الذي طبق في مدينة أثينا وغيرها من المدن اليونانية. أما الرومان فقد ذهبوا إلى مصر وهم يحملون أيضاً تراثاً سياسياً بدأ منذ تأسيس مدنية روما، ونضج مع إعلان الجمهورية وبناء الهيكل السياسي للبلاد، وتطور خلال فترة الصراع الطبقي التي انتهت بحصول العامة على كافة الحقوق السياسية. هذه الدرجة من النضج السياسي التي كان عليها كل من اليونان والرومان لم تجعل غزو كل منهما لمصر مجرد عملية عسكرية فحسب ولكن حرص كل من الفريقين على التعامل مع البلاد بذكاء شديد. ففي أعقاب نجاح الاسكندر المقدوني في دخول مصر على حساب الفرس، بدأ من فوره رحلته الشهيرة إلى معبد آمون في سيوة، وأبدى من الاحترام والتوقير للآلهة المصرية والعقيدة الشعبية ما جعل أفئدة الكبار والصغار تطمئن إليه. وحذا البطالمة حذو مليكهم في تكريس العقيدة المصرية القديمة، ولم يكن الأمر آنذاك تملقاً لمشاعر المصريين بقدر ما كان أمر هذه الديانة التي تجعل من الحاكم إلها يتمتع بالقداسة وتمنع إزاء كل صنوف النقد والمسائلة. لهذا السبب وحده أبقى البطالمة على الهيكل العقائدي المصري كما هو، وأصبح الملك الأجنبي بمقتضى ذلك هو المالك للأرض بمن عليها وما عليها، شأنه في ذلك شأن الفراعنة الغابرين. وزاد البطالمة على ذلك اهتمامهم ببناء وترميم المعابد المصرية بنفس طرزها القديمة على أوسع نطاق. وهكذا قدم الفكر الديني المصري القديم خدمة عظيمة للغزاة، ومنحهم نفس ما منحه من قبل للملوك الفراعنة، تلك الهالة من القداسة والنسب الإلهي التي تمنع جموع الشعب من مجرد التفكير في الخروج على الحاكم أو مناقشة سلبياته، أو حتى على الأقل محاولة المشاركة الإيجابية في إدارة شئون البلاد إلى جانبه.
    2- ترجع العلاقات بين مصر واليونان إلى أقدم عصور التاريخ، وتثبت الآثار المصرية في جزيرة كريت أن هناك علاقات بين البلدين يرجع تاريخها إلى عصور ما قبل الأسرات وبلغ التقارب مداه في عصر الدولة الحديثة كما سبق أن ذكرنا. وقد ازدادت العلاقات ووصلت إلى ذروتها منذ نهاية القرن السابع قبل الميلاد وفي ظل الأسرة 26 حيث حضرت أعداد كبيرة من الإغريق إلى مصر في شكل جنود مرتزقة، وأعداد أخرى للتجارة وأدرك الإغريق مدى ثراء مصر وأهميتها كمصدر للغلال، وعرف الاسكندر أهمية امتلاك مصر كمصدر لتموين بلاده بالقمح وكذلك كمصدر لتموين جيوشه الغازية في آسيا. وكان هذا سبباً لعدم تتبعه الملك الفارسي بعد معركة المسوس وقراره بالتوجه لفتح مصر أولاً.

    وقد نجح كليومينيس - المشرف على الشئون المالية لمصر في عهد الاسكندر - في إضعاف مركز طبقة الكهنة واستولى منهم على مبالغ كبيرة من المال بحجة عدم القضاء على المعابد أو المعبودات المصرية، كما نجح أيضاً في التخلص من منافسة طبقة المزارعين بالاتفاق معهم على أن يبيعوا له كل محصول القمح، واحتكر بذلك تجارة هذا المحصول وأصبح المصدر الوحيد له في البلاد.

    وعلى الرغم من أن الاسكندر المقدوني عقب دخوله مصر كان قد قرر الإبقاء على الإدارة والمديرين المصريين، فإن بطليموس الأول قرر الاعتماد على المقدونيين واليونانيين في الجيش والحكومة، واتخذ سياسة ثابتة لتشجيع وتنظيم هجرة الإغريق إلى مصر. وقد أدت هذه السياسة إلى هجرات كبيرة من الجنود المرتزقة وأفراد الطبقات الفقيرة. وخالف بطليموس سياسة الاسكندر أيضاً في مسألة المدن اليونانية أو المدن التي كان الاسكندر قد شجع على إقامتها في البلاد على النظم السياسية الإغريقية. وانتهج بطليموس منهجاً مختلفاً في هذا الصدد حيث لم ينشئ سوى مدينة واحدة في أعلى الصعيد وكان دافعه في ذلك هو ألا تتعارض النظم السياسية في هذه المدن وتطبيق الديمقراطية فيها مع نظام الحكم المطلق الذي طبقه البطالمة في مصر امتداداً للنظام السياسي الموروث من عصر الفراعنة.

    3- أول مشاركة إيجابية ملموسة للمصريين في فترة حكم البطالمة يرجع تاريخها إلى سنة 217 ق.م وذلك في معركة رفح. حيث اضطر القائد البطلمي إلى تجنيد 20 ألفاً من الفلاحين المصريين وتدريبهم والدفع بهم إلى صفوف الجيش. وبعد عامين من التدريب تمكنوا تحت قيادة الملك البطلمي من الانتصار على جيوش أنتيوخس السليوقي. وكانت أهم نتائج هذه المشاركة وهذا الانتصار هي شعور المصريين بدورهم وأهميتهم في البلاد، وأسفر ذلك عن ثورة عامة بين الأهالي في الدلتا ثم الوجه القبلي وإعلان الاستقلال سنة 185 ق.م في عهد بطليموس الخامس. ولكن الحماس والوطنية لم يكونا كافيين وحدهما لاستمرار هذا الاستقلال في ظل التفوق السياسي والعسكري للبطالمة.

    ولم تخلو ثورات المصريين ضد الحكم البطلمي من بعض الجوانب والمكاسب الايجابية، ولعل أهم هذه المكاسب هي مطالبة المصريين بتحسين أوضاعهم وبحقهم في تولي جميع المناصب. وأدى ذلك إلى تحسن مركز المصريين وزيادة نفوذهم في الدولة. ولكن يتبقى أيضاً في هذا الصدد أن ثورات المصريين ومطالبهم ومكاسبهم كانت تفتقر إلى الوعي والتجارب السياسية الناضجة وحسن التنظيم، كما أن الطموح لم يكن طموحاً عاماً ولكنه طموح شخص يتسم بالفردية. فقد تمكن بعض المصريين من سكان المدن من تعلم اللغة اليونانية واصطبغوا بالصبغة اليونانية واتخذوا أيضاً أسماءً يونانية، وذلك بالطبع سعياً وراء تولي المناصب الرفيعة في الجهاز الإداري للبلاد.
    والثورات المصرية في العصر البطلمي لم ترق بحال من الأحوال إلى مستوى تهديد الوجود الأجنبي في البلاد بصورة حقيقية. ويتضح ذلك من خلال قصة التدخل الروماني في مصر خلال العصر البطلمي. فمنذ القرن الثاني ق.م ازداد التقارب بين مصر البطلمية والرومان وازداد الاعتماد الروماني على استيراد القمح المصرى. وكانت روما حريصة دائماً على استتاب الأمن في مصر في ظل ملك صديق أو موال لها. وبعد أن تدهورت الأوضاع وازدادت الاضطرابات الداخلية في مصر بدأت روما في التدخل الصريح في شئون مصر، وبالسياسة والجيش معاً، ورفض الرومان الاعتراف بالملك بطليموس الزمار، وأعلنوا أن لديهم وصية من الملك السابق بطليموس اسكندر الثاني يوحى فيها بأن تؤول مصر بعد وفاته إلى الشعب الروماني!! ثم تراجع الرومان وأعلن يوليوس قيصر الاعتراف بالملك البطلمي الجديد بعد أن منحه هذا الملك مبلغاً من المال يعادل نصف دخل مصر السنوي، وتنازل للرومان عن قبرص، ثم هرب أمام ثورة السكندريين وأعاده الجيش الروماني للعرش بالقوة. وكان الجيش الروماني الذي أعاد الملك تحت قيادة ماركوس أنطونيوس، ورأى أنطونيوس كبرى بنات الملك - كليوباترا - وبدأت قصته معها قبل أن تصبح ملكة على عرش مصر.

    4- تعد فترة حكم كليوباترا السابعة - آخر مراحل الحكم البطلمي في مصر - من أبرز الدلالات على الغياب السياسي للمصريين في بلادهم. فحين تولت هذه الملكة عرش البلاد كانت مصر دولة ضعيفة، فقدت كل أملاكها لصالح الرومان، ولا يستقر لها ملك إلا باعتراف روما وفي ظل وجود جيشها في الإسكندرية. وبدأت كليوباترا فترة حكمها امرأة سافرة دون جيش ولا مال، تواجه بشخصها المجرد أقوى دولة في العالم. وتمكنت باستخدام أنوثتها أن تغزو قلوب وأفئدة قادة روما، وجعلتهم أداة طيعة في يديها. والذي يعنينا من أمر كليوباترا بصفة خاصة وفترة ضعف البطالمة بصفة عامة هو أن الشعب المصري لم يتمكن - رغم العديد من الثورات التي قام بها - من طرح نفسه بديلاً للحكم البطلمي، ولكن كما سبق أن تسلم الاسكندر حكم البلاد من الفرس، نجد أن الرومان هذه المرة كانوا على أهمية الاستعداد لتسلم مصر من البطالمة. وبعد أن تمكن الرومان من دخول مصر وإنهاء الحكم البطلمي فيها، أصبحت البلاد بمقتضى تسوية سنة 27 ق.م ولاية تابعة للإمبراطور الروماني بصفة شخصية. واحتل الإمبراطور أغسطس مكان الملوك البطالمة ومن قبلهم الملوك الفراعنة، وأصبح يتمثل في شخصه كل ما كان يتمثل في شخص الفرعون من القداسة والتأليه، وكانت تخلع عليه الألقاب الفرعونية المألوفة - وهكذا ظلت لعنة الفكر الديني المصري القديم ولعنة الحكم الفردي المطلق تطارد المصريين حتى في ظل الحكم الأجنبي في عهد البطالمة ثم الرومان.

    5 - من الوسائل التي اتبعها أغسطس في إخضاع مصر القضاء على أي نشاط سياسي منظم في البلاد. ولهذا فإنه لم يسمح للسكندريين - مواطني مدينة الإسكندرية - بأن يكون لهم مجلس تشريعي، وذلك حتى لا تظهر بينهم أية تيارات سياسية. ولكنه لجأ من ناحية أخرى إلى اتخاذ موقف متساهل من اليهود، واعترف لهم بكل امتيازاتهم في مصر، وسمح باستمرار كل نظمهم الخاصة ومنها مجلس الشيوخ. وفرض الرومان على سكان مصر ضريبة الرأس، وأعفى منها مواطنو الإسكندرية فقط. ولم تميز هذه الضريبة بين الإغريق والمصريين، وكانت باهظة جداً بالنسبة لغالبية المصريين، وكانت من أكثر أسباب إرهاق المصريين مادياً بجانب ضريبة القمح، واستعلت بسببها نيران الثورة في البلاد في بداية الحكم الروماني لمصر. وقد بدأت الثورات ضد الحكم الروماني من الإسكندرية بصفة خاصة، واتخذت شكل النزاع بين السكندريين واليهود بسبب محاباة الرومان لليهود. وكان السكندريون في تلك الثورات يبحثون عن حقوقهم الفئوية الضائعة، وليس عن حقوق الوطن ككل. واستمر النزاع والفتن حتى وافق الإمبراطور كلوديوس على منح السكندريين بعض الامتيازات التي طالبوا بها، ولكنه أرجأ مسألة تحقيق مطلبهم في شأن المجلس التشريعي. ومنذ ثورة المصريين ضد جباة الضرائب الرومان في عصر أغسطس، لم يشارك المصريون من أهل الريف بشكل إيجابي في أية حركة ضد الحكم الروماني. ولكن منذ منتصف القرن الثاني لم يستطيع المصريون احتمال قسوة الحكم الروماني ونظام الضرائب والأنواع العديدة من الخدمة الإجبارية دون أجر، وحدثت ثورة عنيفة بزعامة أحد الكهنة سنة 172 في شمال الدلتا، وتمكن الرومان من القضاء على الثورة بعد نجاحهم في استمالة بعض الثوار مما سهل مأموريتهم في القضاء على البعض الأخر.

    6- ضريبة الرأس التي فرضها الرومان على المصريين تعد مؤشراً حقيقياً لمصير شعب لا يسهم بشكل إيجابي في شئون بلاده. فهذه الضريبة لم تكن تفرض على المواطنين من الرومان في مصر، كما أعفى منها السكندريون بوصفهم طبقة متميزة، ثم فرضت بعد ذلك على كل المواطنين والسكان في مصر ولكن ليس بنفس الدرجة، حيث أن الفئات الأكثر رقياً والأكثر ثراءً مثل الإغريق ومن على شاكلتهم كانوا يدفعون الضريبة مخفضة، أما الغالبية العظمى من فقراء الفلاحين فقد كانوا يدفعون الضريبة كاملة! وكانت أكثر الطبقات فقراً وأكثرها أعباءً تتمثل في الفلاحين وصغار المزارعين من المصريين المنتشرين في القرى والكفور - وكانوا يدفعون ضريبة الرأس كاملة، ويؤدون كل الضرائب الأخرى، ويخضعون لأعمال السخرة - واستمروا على حياتهم القديمة، يتحدثون اللغة المصرية القديمة، ويعبدون الآلهة الفرعونية، ويقومون بنفس الواجبات نحو الأرض وسادة الأرض. وحين اشتدت عليهم وطأة الحكم الروماني والتزاماته وضرائبه لجئوا إلى الفرار من أراضيهم خشية الوحشية التي يعاملهم بها جباة الضرائب وقد أدى ذلك إلى إفساد الحياة في الريف بسبب نقص الأيدي العاملة، وإفساد الحياة في المدن التي فر إليها هؤلاء الفقراء وصاروا كتلة من العاطلين.

    7- في عام 269 تمكنت زنوبيا (الزباء) ملكة تدمر - وهي محطة تجارية تقع في الصحراء بين سوريا وبابل !! - من تكوين جيش ضخم وأرسلته إلى مصر واحتلت البلاد رغم مقاومة الحامية الرومانية. ورغم أن الرومان قد تمكنوا من استعادة مصر من أيدي الملكة بعد عامين فقط من هذا الغزو، فان ما يعنينا هنا هو أن المصريين الذين عانوا الأمرين من حكم الرومان لم يدخلوا طرفا ثالثاً - ولو عن طريق الثورة - في الصراع على الحكم بين ملكة تدمر وبقايا الحامية الرومانية. بل أن دخول زنوبيا مصر كان قد تم بناءً على اتفاق مسبق بين الملكة وبعض الزعماء المحليين في البلاد.

    8 - يجمع المؤرخون والمحللون أن الفكر الديني في مصر القديمة هو المسئول الأول عن الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وأن شدة إيمان المصري القديم هي الدافع الذي أدى لتكريس الطاعة المطلقة للحكام في عصور البلاد المختلفة. وبالرغم من هذا نجد أن الديانة المسيحية قد تمكنت من دخول مصر في وقت مبكر من القرن الأول الميلادي، وأصبح لها كيان قوي في الإسكندرية، وانتشرت من هناك إلى أنحاء البلاد، وأصبحت كنيسة الإسكندرية ذات فروع في الأقاليم الأخرى. وقد يفهم من أمر كهذا أن سلبية الأداء الجماعي في مصر لم تكن قاصرة فحسب على الجوانب السياسية، وإنما كانت أمراً ينسحب على الأداء العام في البلاد. فلو كان المصري القديم قد أقام حياته وتوجهاته على فلسفة دينية ذات جذور قوية لكان حرياً به أن يقاوم أية ديانة جديدة بضراوة شديدة تتفق مع قوة العقيدة التي دفعته لتأليه الحكام وطاعتهم طاعة عمياء مطلقة
    9 - أهم ما نخرج به من خلال استعراض تاريخ مصر في العصرين اليوناني والروماني يمكن أن نوجزه في النقاط التالية:

    · استخدم اليونانيون (البطالمة) والرومان الفكر الديني المصري القديم بما يضيفه من قداسة على الحكام في إجبار الشعب المصري على الخضوع لهم، وفي استباحة ثروة وأراضي البلاد لخدمة أغراضهم وأشخاصهم.
    · رغم تشجيع البطالمة للحركة الثقافية والفكرية في البلاد فإنهم لم يسمحوا بالحرية السياسية إلا في داخل مدن الجاليات من مواطنيهم أو اليهود. فضلاً عن أن الحركة الثقافية لم تكن لتصل إلى جموع المواطنين في الريف المصري نظراً للظرف الذاتي والموضوعي لسكان هذه المناطق.
    · .ثورات المصريين في العهدين اليوناني والروماني لم تكن ثورات شاملة إلا في أحوال قليلة. وكانت في معظمها تمثل مطالب فئوية أو غضباً من قسوة الضرائب. ولم تكن أي منها ثورة ذات رؤية سياسية واضحة تمثل خطراً حقيقياً على قوى الاحتلال.
    · فترات التدهور والاضطراب في العصرين اليوناني والروماني لم تشهد تدخلاً فعلياً من أصحاب البلاد لاستعادة حكم بلادهم واستقلالها. ولكن كانت البلاد في فترة ضعف البطالمة مهيأة تماماً للسقوط في أيدي الرومان. بل أن أحد ملوك البطالمة كان قد أوصى بمصر للشعب الروماني بعد وفاته ! وفي فترة ضعف الرومان بلغ الهوان بالبلاد أن تقع في أيدي ملكة تدمر التي كانت بلادها لا تزيد كثيراً عن مساحة سكان إحدى محافظات مصر.
    · الأوضاع الطبقية الصارخة ازدادت وطأتها في العهدين اليوناني والروماني. وكان الفلاحون المصريون هم الضحية الأولى لهذه الطبقية. وازدادت قسوة الضرائب وثقلت على كاهلهم خاصة في العهد الروماني حيث كان الفقراء يدفعون الضرائب كاملة ويقومون بأعمال السخرة بالمجان، بينما يعفى الرومان منها، ويدفعها الأثرياء مخفضة.
    · حرص الرومان على محاباة اليهود ومنحهم العديد من الامتيازات، وفضلوهم على السكندريين وسائر الفئات الأخرى من سكان مصر. وكان دافع الرومان في ذلك هو استمالة اليهود إليهم ضد كل من المصريين والإغريق.
    · رفض الرومان منح السكندريين الحق في مجلس تشريعي خاص بهم على غرار المدن اليونانية. وكان رفض الرومان هذا المطلب حرصاً منهم على حرمان المصريين باختلاف طبقاتهم من الحرية السياسية. ولا نجد في تاريخ مصر اليونانية الرومانية أية مطالبة مماثلة من سائر فئات الشعب الأخرى، وهو الأمر الذي يؤكد مدى التأثير السلبي لفترة حكم الفراعنة على الأداء السياسي الشعبي في مصر القديمة.
    · نجح المصريون في إبراز كفاءتهم كمقاتلين في صفوف الجيش اليوناني في معركة رفح. وأسفر هذا الانتصار عن نمو الروح القومية لجموع الشعب المصري. ولكن غياب الوعي السياسي والتجارب السياسية الشعبية أجهض هذه الانتفاضة كما حدث تماماً في مصر الفرعونية في بداية عصر الدولة الحديثة.
    المحصلة النهائية لنتائج العصر اليوناني الروماني في مصر تتمثل بإيجاز في استمرار غياب رد الفعل الشعبي الإيجابي على المستوى السياسي. وهي نتيجة طبيعية لعدم وجود تجارب سياسية للشعب المصري خلال عهد الفراعنة. وكما كان الفراعنة يتوجسون من المشاركة الشعبية ولا يثقون في قدرات مواطنيهم رغم نجاحهم في إثبات وجودهم عند الضرورة. فان البطالمة أيضاً ومن بعدهم الرومان لم يكونوا يعولون كثيراً على قدرات وردود أفعال الشعب المصري. ولهذا السبب لم يستعن البطالمة بالمقاتل المصري إلا في ظل أزمة المرتزقة. ولم تسند الوظائف القيادية إلا للمتأغرقين من المصريين، فضلاً عن فرض الضرائب والخدمات الإجبارية بشكل جزافي ومبالغ فيه على طوائف الشعب المختلفة دون حساب ردود الأفعال الشعبية إزاء ذلك. وبالفعل لم تتعد ردود الأفعال بعض الثورات المتفرقة أو الهروب الجماعي للفلاحين والفقراء من الريف إلى المدن وانخراطهم في صفوف العاطلين

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:46 am