مرت
منذ أيام قلائل خمسة أشهر كاملة على قيام ثورة الشعب المصري السلمية في
الخامس والعشرين من يناير، وفي هذا التوقيت يقفز إلى أذهاننا سؤال مهم وهو
هل حققت الثورة بعد تلك الفترة أهدافها التي قامت من أجلها وسالت في
سبيلها دماء زكية من خيرة شباب مصر؟
والجواب عن هذا السؤال هو أنه بالفعل بدأت الثورة في جني بعض الثمار، لكن
كل الأهداف لم تتحقق بعد - وهذا أمر طبيعي - وتمثلت تلك الثمار في تنحي
الرئيس السابق عن منصبه في الحادي عشر من فبراير الماضي، ثم تبع ذلك
التداعي السريع للنظام الفاسد بكافة أركانه، وتم القبض على رءوس الفساد
الذين أثروا ثراء فاحشا على حساب جموع الشعب، وأفسدوا الحياة السياسية،
وبدأت محاكمتهم أمام القضاء المدني، إلا أن هذه المحاكمات ما زالت - مع
أغلبهم - تتعلق بقضايا التربح غير المشروع وإهدار الأموال، ولم تتعرض - في
الغالب - إلى القضايا ذات الشق الجنائي أو تلك المتعلقة بإفساد الحياة
السياسية أو الخيانة العظمى للوطن، مما أوجد شعورا عاما بحدوث تباطؤ شديد
في المحاكمات.
وعلى الصعيد الدبلوماسي بدأت مصر من خلال وزارة الخارجية والدبلوماسية
الشعبية في استعادة دورها الريادي على المستوى العربي والإفريقي الذي فقدته
لحساب دول أخرى استفادت من تراجع دورها، وعلى المستوى الداخلي خفت حدة
المظاهرات الفئوية التي عطلت كثيرا انطلاق العمل والإنتاج وعودته إلى
معدلاته الطبيعية، كما بدأت الحكومة في تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية من
خلال وضع حد أدنى للأجور قدرته بـ700 جنيه، وهو وإن كان لا يفي بالحد
الأدنى لحياة كريمة إلا أنه يعد بداية طيبة لتحسين أحوال المواطنين
المعيشية بما يقضي على المطالب الفئوية ويجب على الحكومة ألا تتوقف عن
زيادة الحد الأدنى بما يتناسب مع غلاء الأسعار حينما تتحقق الانتعاشة
الاقتصادية المأمولة.
وعلى الصعيد الأمني استعادت الشرطة بعضا من عافيتها وقدرتها وإن كانت لم
تصل بعد للمستوى المنشود لمواجهة سيل البلطجة التي تفشت كالوباء في شوارعنا
وفقد معها المواطن أهم العناصر التي كانت تميزنا وهو عنصر الأمن والأمان.
أما الحياة السياسية فقد شهدت إجراء أول استفتاء جاد على التعديلات
الدستورية حاز إقبالا شعبيا من خلال المشاركة غير المسبوقة والمتطلعة
لممارسة حياة ديمقراطية سليمة، وأعقبه صدور البيان الدستوري الذي ينظم
العمل السياسي خلال الفترة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات البرلمانية
والرئاسية ووضع الدستور الجديد.
وبالبرغم من كل ما سبق فما زلنا في بداية مشوار طويل وشاق ولكنه ليس
مستحيلا حتى تتحقق كل أهداف الثورة من خلال دولة ديمقراطية حديثة ينعم فيها
كل أفراد الوطن بالحرية والعدل والمساواة ، وإيجاد مناخ سياسي ديمقراطي
صحي يتم فيه تداول السلطة سلميا، والعمل بجد على استعادة الأموال المنهوبة
بالخارج لإعادة ضخها في شرايين الاقتصاد، والأهم أن يعمل الجميع على قلب
رجل واحد لا تفرقهم الأهواء والمذاهب للأخذ بيد البلاد نحو نهضة شاملة
تضعها في مكانتها اللائقة بدولة ذات تاريخ وحضارة تليدة.
لكن يبقى السؤال الأهم مطروحا ألا وهو هل غيرت روح الثورة في شخصياتنا وسلوكياتنا أم أنها لم تبرح ميدان التحرير بعد؟
فالمتابع لأحوال الشارع المصري يتبين له أن الحالة الثورية الجميلة التي
كان عليها شباب الثورة وجموع المصريين في ميدان التحرير والتي أبهرت العالم
بأسره لم تتخط حدود ميدان التحرير عندما حققوا النجاح لثورتهم، وقبل تركهم
المكان قاموا بتنظيف الميدان وأعادوه إلى صورته التي كان عليها ضاربين
أروع صور التحضر والرقي، هذه الحالة التي توقعنا أن تنتقل إلى كل أفراد
المجتمع في البيوت والعمل والشارع والأماكن العامة فإذا بها تتلاشى وتختفي
ويحل بدلا منها البلطجة والفوضى اللتان أصبحتا من سمات تلك الفترة الراهنة،
ومن المفردات الشائعة في قاموسنا اليومي، فلم يعد يمر يوم إلا ونسمع عن
العديد من حوادث البلطجة كسرقة السيارات من أصحابها وسرقة المنازل وفرض
الإتاوات على المواطنين في بعض الأحيان، وبيع المخدرات جهارا نهارا، وحوادث
الاختطاف والقتل شبه اليومية لأتفه الأسباب، ناهيك عن المشاجرات التي تحدث
وتستخدم فيها كل أنواع الأسلحة في صورة لم نتعود عليها في حياتنا من قبل،
وكان آخر حوادث البلطجة تلك التي شهدها ميدان التحرير مساء الثلاثاء
الماضي، عندما اقتحم مجموعة من البلطجية حفل تكريم لأسر الشهداء، ثم
انتقلوا إلى مقر وزارة الداخلية وهاجموها رشقا بالحجارة وأصابوا العديد من
رجال الشرطة، ولم يكتفوا بذلك بل اتجهوا إلى ميدان التحرير الذي شهد معارك
أدت إلى إصابة الكثيرين في قلب الميدان في موقعة جمل جديدة.
أما عن الفوضى فحدث ولا حرج، حيث عمت الفوضى أرجاء البلاد من أقصاها إلى
أدناها، فأصبحت شوارعنا مستباحة يفعل فيها من يشاء ما يشاء ، بداية من حمى
البناء المسعورة على الأرض الزراعية وغير الزراعية بما يهدد بانكماش الرقعة
الزراعية التي لا تفي أصلا بحاجة البلاد، والبناء في معظمه يتم بصورة
مخالفة بعيدا عن الرقابة لأن المسئولين مشغولون بالحفاظ على مناصبهم ويخشون
مواجهة الناس في ظل قبضة حكومية مرتعشة في التعامل مع هذه المخالفات التي
تنذر بكارثة مستقبلية أشد من كارثة الزلازل، فضلا عن مخلفات البناء التي
أصبحت تملأ شوارعنا ولم تسلم منها الطرقة الرئيسية والسريعة بما أضاف عليها
عبئا مضاعفا بجانب العبء المروري الذي يشهد هو الآخر فوضى في سير المركبات
دونما التزام من ضمير أو قانون، كل هذا بالإضافة إلى ما تشهده أرصفة
الشوارع والميادين من تعدٍ سافر من الباعة المتجولين، حتى وصل الأمر بالبعض
منهم إلى بناء محال كاملة بالمخالفة للقانون في حرم الرصيف.
فأين كل هذا من روح الثورة التي منينا أنفسنا بأنها ستغير وجه مصر إلى وجه مشرق، ولكن يبدو أن روح الثورة تلك لم تبرح الميدان بعد.
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ