خُلق التواضع |
1- الحث على التواضع والأمر به : - قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }. - قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }. - قال تعالى:{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}. - عن ركب المصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( طوبى لمن تواضع من غير منقصة وذل في نفسه من غير مسكنة وانفق مالا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذلة والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة طوبى لمن ذل نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه وانفق الفضل من ماله وامسك الفضل من قوله ) رواه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في السنن الكبرى. - عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا .... وإن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغ أحد على أحد ) رواه مسلم. - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم. 2- النهي عن الكبر : - قال تعالى:{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}. - قال تعالى:{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والكبر ، فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة ) رواه الطبراني . 3- تمثل خلق التواضع في النبي صلى الله عليه وسلم : أ- أمر الله نبيه بالتواضع : - قال تعالى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } . - قال تعالى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}. - قال تعالى:{ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}. ب- نهيه عن المبالغة في مدحه صلى الله عليه وسلم : قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري. ج- تواضعه صلى الله عليه وسلم : - قال عبد الله بن بسر رضي الله عنه : " كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الفراء يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا للضحى أتى بتلك القصعة، يعني وقد ثرد فيها (أي جعل فيها الطعام)، فالتفوا عليها، فلما كثـروا جثارسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً ؟ ثم قال: كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها "رواه أبوداود. - عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب . جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن شئت نبيا عبدا ، وإن شئت نبيا ملكا قال : فنظرت إلى جبريل قال : فأشار إلي أن ضع نفسك قال : فقلت : نبياً عبداً ) رواه أبو يعلى والطبراني. . - عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة ) رواه الترمذي. د- قضاؤه لحوائج الضعفاء ووقوفه معهم: - عن أنس رضي الله عنه : " إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت "رواه البخاري. - عن البراء رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه يقول: والله لولا الله ما اهتدينا == ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا == وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا == إذا أرادوا فتنة أبينا ورفع بها صوته أبينا أبينا |
التواضع من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح ؟؟؟ |
حسام الدين سليم الكيلاني [email=%20%3Cscript%20language=%27JavaScript%27%20type=%27text/javascript%27%3E%20%3C%21--%20var%20prefix%20=%20%27ma%27%20+%20%27il%27%20+%20%27to%27;%20var%20path%20=%20%27hr%27%20+%20%27ef%27%20+%20%27=%27;%20var%20addy90500%20=%20%27hosamkilany%27%20+%20%27@%27;%20addy90500%20=%20addy90500%20+%20%27gawab%27%20+%20%27.%27%20+%20%27com%27;%20document.write%28%20%27%3Ca%20%27%20+%20path%20+%20%27%5C%27%27%20+%20prefix%20+%20%27:%27%20+%20addy90500%20+%20%27%5C%27%3E%27%20%29;%20document.write%28%20addy90500%20%29;%20document.write%28%20%27%3C%5C/a%3E%27%20%29;%20//--%3E%5Cn%20%3C/script%3E%20%3Cscript%20language=%27JavaScript%27%20type=%27text/javascript%27%3E%20%3C%21--%20document.write%28%20%27%3Cspan%20style=%5C%27display:%20none;%5C%27%3E%27%20%29;%20//--%3E%20%3C/script%3E%D8%B9%D9%86%D9%88%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%89%20%D9%87%D8%B0%D8%A7%20%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%89%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D9%81%D9%84%D9%8A%D9%86%20,%20%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D8%A7%D8%AC%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%AA%D9%81%D8%B9%D9%8A%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%81%D8%A7%20%D9%84%D8%AA%D8%AA%D9%85%D9%83%D9%86%20%D9%85%D9%86%20%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%87%20%3Cscript%20language=%27JavaScript%27%20type=%27text/javascript%27%3E%20%3C%21--%20document.write%28%20%27%3C/%27%20%29;%20document.write%28%20%27span%3E%27%20%29;%20//--%3E%20%3C/script%3E] n [/email]hosamkilany@gawab.com عنوان البريد الإلكترونى هذا محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تفعيل الجافا لتتمكن من رؤيته |
الحمد لله على إِحسانه، والشّكرُ له عَلى توفيقِه وامتنانه، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه. ثم أمَّا بعد: فإنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمَّد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. إن الله يحبّ تواضعَ العبد عند أمرِه امتثالاً، وعند نهيه اجتنابًا، والشّرفُ يُنال بالخضوع لله والتواضعِ للمسلمين ولينِ الجانب لهم واحتمالِ الأذى منهم والصّبر عليهم، قال جلّ وعلا موجهاً خطابه للنبي صلى الله عليه وسلم: ((وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [الحجر:88]. ولذلك نأسس في التواضع فنقول : إن التواضع سبب الرفعة في الدنيا والآخرة ، وهو سبَب العدلِ والأُلفة والمحبّة في المجتمع ، ولذلك أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخفض جناحه للمؤمنين ، وليكون قدوة للعلماء وللأمة جمعاء . أولاً ــ التواضع سبب الرفعة في الدنيا والآخرة : أخرج الإمام مسلم في صحيحه برقم ( 2588 ) حديثاً صحيحاً فقال : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ )) . والتواضع من أخلاق الأنبياء وشِيَم النبلاء، فهذا موسى عليه السلام رفع الحجرَ لامرأتين أبوهما شيخٌ كبير، وداود عليه السلام كان يأكل من كَسب يده، وزكريّا عليه السلام كان نجّارًا، وعيسى عليه السلام يقول: (( وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا)) [مريم:32]. وما مِن نبيّ إلاّ ورعى الغنم، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم كان رقيقَ القلب رحيمًا خافضَ الجناحِ للمؤمنين ليّن الجانب لهم، يحمِل الكلَّ ويكسِب المعدوم، ويعين على نوائبِ الدّهر، وركب الحمارَ وأردفَ عليه، يسلّم على الصبيان، ويبدأ من لقيَه بالسلام، يجيب دعوةَ من دعاه ولو إلى ذراعٍ أو كُراع، ولما سئِلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنَع في بيته؟ قالت: يكون في مهنة أهله ـ يعني: خدمتهم ـ، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. رواه البخاري. ثانياً ــ التواضعُ سبَب العدلِ والأُلفة والمحبّة في المجتمع : أخرج الإمام مسلم في صحيحه برقم ( 2865 ) فقال : قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا فَقَالَ : (( وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ )) المتواضعُ منكسِر القلب لله، خافضٌ جناحَ الذلّ والرحمة لعباده، لا يرى له عند أحدٍ حقًّا, بل يرى الفضلَ للناس عليه، وهذا خلقٌ إنما يعطيه الله من يحبّه ويقرّبه ويكرمه. ثالثاً ــ تواضعه صلى الله عليه وسلم : (( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) [الأحزاب:21]. فكيف كان تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم : 1 ــ تواضعه صلى الله عليه وسلم في نفسه : أخرج الحاكم في المستدرك برقم : [ 4366 ] فقال : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن صاعد ثنا إسماعيل بن أبي الحارث ثنا جعفر بن عون ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن أبي مسعود أن رجلا كلم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فأخذته الرعدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هون عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . 2ـ أخذه صلى الله عليه وسلم بمشورة أصحابه : ففي غزوة الخندق أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي سلمان وحفر الخندق وفي بدر أخذ برأي الحباب بن المنذر في أن يجعل مياه بدر خلفه لئلا يستفيد منها المشركون. وكان يقول صلى الله عليه وسلم غالباً وفي مواقف كثيرة لأصحابه: ((أشيروا علي – أشيروا علي)). 3 : نقله صلى الله عليه وسلم للتراب يوم الخندق : عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبر بطنه يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا إن أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته: أبينا، أبينا)). 4 ــ رعيه الغنم وتحدثه بذلك صلى الله عليه وسلم : وأخرج ابن ماجه برقم ( 2149 ) فقال : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَاعِيَ غَنَمٍ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَنَا كُنْتُ أَرْعَاهَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْقَرَارِيطِ قَالَ سُوَيْدٌ يَعْنِي كُلَّ شَاةٍ بِقِيرَاطٍ قال أهل العلم: رعى الغنم وظيفة ارتضاها الله لأنبيائه. فما السر في ممارسة الأنبياء لها؟ قالوا: إن من أسرارها أنها تربي النفوس على التواضع وتزيد الخضوع لله تعالى. ومن أسرارها أنها تربي على الصبر وتحمل المشاق إلى حكم كثيرة وهو الحكيم العليم. 5 ــ تواضعه صلى الله عليه وسلم مع الضعفاء والأرامل والمساكين والصبيان : وأخرج الحاكم في المستدرك برقم : [ 3735 ] فقال : عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فلم تشغله النبوة عن ذلك. ولم تمنعه مسؤولية أمته، ولا كثرة الارتباطات والأعمال: أن يجعل للضعفاء والمرضى نصيباً من الزيارة والعبادة واللقاء. فأين أنتم يا أصحاب الجاه والسلطان من هذا الخلق العظيم ؟ أين أنتم أيها الأغنياء من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم ؟ إذا أردتم حلاوة الإيمان أن تطعموها. فهذا هو السبيل إليها فلا تخطؤوه. 6 ــ تسليمه صلى الله عليه وسلم على الصبيان : أخرج ابن حبان في صحيحه برقم [ 459 ] فقال : أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم )) . إنك ترى - في عصرنا هذا - من يترفع عن المتقين من الرجال فكيف يكون شأنه مع الصبيان والصغار؟ إنك لتجد بعض ضعفاء الإيمان يأنف أن يسلم على من يرى أنه أقل منه درجة أو منصباً، ولعل ما بينهما عند الله كما بين السماء والأرض! ألا فليعلم أولئك أنهم على غير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. 7 ـــ خصفه صلى الله عليه وسلم لنعله وخيطه لثوبه : وأخرج أحمد في مسنده برقم ( 24813 ) فقال : عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا قَالَتْ : ( نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ) . 8 ــ عمله في مهنة أهله صلى الله عليه وسلم : وأخرج الإمام أحمد في مسنده فقال : حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثني الحكم عن إبراهيم عن الأسود قال قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله قالت : كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة . ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا من فراغ في وقته ولكنه كان يحقق العبودية لله سبحانه بجميع أنواعها وأشكالها وصورها. رابعاً ــ أحوال وأقوال السلف الصالح : فمن أحوالهم وأقوالهم نقتطف ما يلي : 1 ــ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هذه امرأة ترد على عمر .. فيصوب قولها ويعلن تراجعه عن رأيه رضي الله عنه كما جاء في السير في القصة المعروفة والمشهورة عن تحديد المهور. بل إنه يُروى أن رجلاً قال له: لو زللت لقومناك بسيوفنا، فقال عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي جعل من يقوم عمر بسيفه. قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها). 2 ـ علي بن الحسن رضي الله عنه : كان علي بن الحسن يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء . 3 ــ الحسن البصري رضي الله عنه : قال الحسن رحمه الله: هل تدرون ما التواضع؟ التواضع: أن تخرج من منزلك فلا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً . 4 ــ أبو علي الجوزجاني رحمه الله تعالى : وقال أبو علي الجوزجاني: النفس معجونة بالكبر والحرص على الحسد، فمن أراد الله هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيراً لطف به في ذلك. فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى . 5 ــ مالك بن دينار رحمه الله تعالى : مر بعض المتكبرين على مالك بن دينار، وكان هذا المتكبر يتبختر في مشيته فقال له مالك: أما علمت أنها مشية يكرها الله إلا بين الصفين؟ فقال المتكبر: أما تعرفني؟ قال مالك: بلى، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، فانكسر وقال: الآن عرفتني حق المعرفة. 6 ــ أبو موسى المديني رحمه الله تعالى : لقد كان شيخ المحدّثين أبو موسى المدينيّ يقرِئ الصبيانَ الصغار القرآن في الألواح مع جلالةِ قدرِه وعلوِّ منزلته. 7 ــ بشر بن الحارث رحمه الله تعالى : يقول بشر بن الحارث: "ما رأيتُ أحسنَ من غنيّ جالسٍ بين يدَي فقير". 8 ــ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : يقول الشافعي رحمه الله: "أرفعُ الناس قدرًا من لا يرى قدرَه، وأكبر النّاس فضلاً من لا يرى فضلَه"[أخرجه البيهقي في الشعب (6/304)]. 9 ـ عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى : قال عبد الله بن المبارك: "رأسُ التواضعِ أن تضَع نفسَك عند من هو دونك في نعمةِ الله حتى تعلِمَه أن ليس لك بدنياك عليه فضل [أخرجه البيهقي في الشعب (6/298)]. 10 ــ سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى : قال سفيان بن عيينة: من كانت معصيته في شهوة فارج له التوبة فإن آدم عليه السلام عصى مشتهياً فاستغفر فغفر له، فإذا كانت معصيته من كبر فاخش عليه اللعنة. فإن إبليس عصى مستكبراً فلعن. ولذلك يا أخي اعلم : أن من اتقى الله تعالى تواضع له. ومن تكبر كان فاقداً لتقواه. ركيكاً في دينه مشتغلاً بدنياه. فالمتكبر وضيع وإن رأى نفسه مرتفعاً على الخلق، والمتواضع وإن رؤي وضيعاً فهو رفيع القدر. ورحم الله الناظم إذ يقول : تواضع تكن كالنجم لاح لناظر **** على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه **** إلى طبقات الجو وهو وضيـع ومن استشعر التواضع وعاشه. وذاق حلاوته كره الكبر وبواعثه ورحم أهله ورأف لحالهم نعوذ بالله من حالهم. أسأل اللهَ العظيم رب العرش العظيم أن ينفع بهذه المقالة طلبة العلم وإياي أيضاً إنه هو السميع العليم ، وأن يجعلها في قلوبنا, وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه. اللهـم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبـه أجمعين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . |
التواضع خلق الأنبياء
كيف تفهم التواضع؟
هل هو ذلّ وهوان، أم عجز وضعف؟
هل في التواضع قوة؟
هل التواضع من ثمار الإيمان، وما هو أثره في صنع شخصية الإنسان؟
التواضع خلق الأنبياء ومفخرتهم، وأصل ترشحهم للنبوة وهداية البشر، وهو خُلُقٍ كريم وخلّة جذابة، تستهوي القلوب وتستثير الإعجاب والتقدير، ولهذا نرى أن الله تعالى أمر نبيه المختار (ص) بالتواضع فقال تعالى: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين"(1).
وقد أشاد أهل البيت (ع) بشرف هذا الخُلُق وشوَّقوا إليه، واعتبروه من كمال المؤمن وزينة خصاله وسبب رفعة الإنسان كما جاء عن الإمام الصادق ?: "إن في السماء ملكين موكَّلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه".
والمؤمن كما عبّر عنه أمير المؤمنين (ع): "نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد".
أول معصية:
وكفى بهذه الفضيلة شرفاً أن أول معصية عصي بها المولى تعالى هي ما يقابلها من الرذيلة وهو "التكبر"، عندما أطل إبليس رافضاً السجود لادم تكبراً واستعلاءً فكانت النتيجة أن حل عليه الغضب الإلهي: "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها"(2).
وجزاء التكبر عند الله هو عذاب النار، "أليس في جهنم مثوى للمتكبرين"(1).
وفي هذا رادعٌ للإنسان عن الافتخار والتكبر الذي يقود إلى الهلاك.
وفي خطبة لأمير المؤمنين ? يقول: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا الله من لواقح الكِبْر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخَّص الله في الكِبْر لأحد من عباده لرخَّص فيه لخاصة أنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كرَّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع".
التواضع:
لو نظرنا إلى أبليس الذي سقط في الامتحان الإلهي وخرج من رحمة الله ليس لأنَّه رفض السجود لله بل لأنَّه استكبر ولم يقبل طاعة الله في ادم، يتضح أن باب الدخول إلى طاعة الله تعالى هو التواضع.
إن الإنسحاق الإنساني أمام عظمة الحق تعالى يجعل الإنسان في مورد الطاعة الدائمة كالملائكة: "ولا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون"(2).
وبذلك تتحقق العبادة التي هي غاية التذلل والخضوع، وإذا أغفل المؤمن عبادة ربه تلاشت في نفسه شِيَم الإيمان فينظر حينها إلى نفسه فيتكبر ويستعلي كما فعل فرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلى".
وكما فعل النمرود الذي تجبر وتمرد حين قال: "أنا أحي وأميت".
ومن هنا نفهم أن التواضع لله والإلتزام بعبادته تحفظ الإنسان ضمن هدف وجوده وتحدد له حجمه ودوره.
وقد جاء في نهج البلاغة على لسان الأمير (ع): "حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات: تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم، ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً".
فالصلاة والعبادة لهما دور تربوي لتبقي الإنسان في مورد العبودية لله، وهذا الأمر إنَّما يخلق له عزاً بين الناس ويرفع منشأنه كما في الحديث: "من تواضع لله رفعه".
تواضع المؤمن مع نفسه:
إن التواضع خاصية راسخة في نفس الإنسان تصبغ حركة المؤمن وتسمها بسماتها، وهو يظهر في شمائل الرجل وإطراق رأسه، وجلوسه متربعاً أو متكئاً، وفي أقواله حتى في صوته، ويظهر في مشيه وقيامه وجلوسه، وحركاته وسكناته، وفي تعاطيه، وفي سائر تقلباته، ومجمل هذه الصفات جعلها أمير المؤمنين ? في كلمة موجزة فقال في صفات المؤمن: "أوسع شيء صدراً وأذلّ شيء نفساً... نفسه أصلب من الصلد وهو أذل من العبد".
فالمؤمن ذليل في نفسه متواضع مع ذاته لذلك نراه:
ميالاً الى الإرض يتخذها مجلساً وفراشاً.
يلبس ما حَسُنَ وتواضع من الثياب لأن المتقين. "ملبسهم الاقتصاد".
ذلك إن في ارتفاع قيمة الثياب وجودتها خيلاء القلب.
يُسَرُ بحمل متاع أهله وبيته لأنَّه "لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله" أمير المؤمنين?.
وبالجملة فإن تواضع الإنسان مع نفسه مقدمة لتواضعه مع غيره من أصناف الناس الذين يتعامل معهم في المجتمع.
التواضع للوالدين:
هذا التواضع يعتبر من حق الوالدين على الولد، ومن أشكال البر بهما حيث يقول تعالى: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"(1).
ويفيد الإنسان أن يتذكر أنَّهما أصل وجوده وسبب بقائه بما تعاهداه من حمل أمه له وتربيتها، وتعب والده لحمايته وصونه، ونستدل على ذلك من خلال الاية المباركة: "كما ربياني صغيراً".
وهذا يوجب لهما حق التواضع والخضوع، واستشعار الذل أمامهما.
ومن مظاهر الأدب والتواضع للوالدين:
أن يقف الإبن عند دخول الأب عليه.
ويسكت عند حديثه ولا يقاطعه.
ويخفض صوته في حضرته لأن رفع الصوت علامة التمرد والتهاون بمقام الوالد.
وفي رواية أن الإمام زين العابدين ? شاهد شخصاً يسير متكئاً على والده فلم يكلمه بقية حياته أبداً.
التواضع للناس:
إن القلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم والعمل جميعاً، ولا يتم التواضع بعد المعرفة والعلم إلا بالعمل ومعاشرة الناس بالحسنى، بحيث يتواضع الإنسان في معاملاته لسائر الخلق الصغير منهم والكبير، ويبين القران لنا جوانب أساسية من التواضع في معاشرة الناس، فيأتي في سورة لقمان: "ولا تصعر خدك للناس"(1).
وعدم الميل بالوجه عنهم إهمالاً واستعلاءً، فمن التواضع الإقبال على الخلق، واستماع حديثهم والاهتمام بهم ولو صغر موقعهم في المجتمع، وقد كان رسول الله (ص) يقبل على من يحدثه ولا يرفع يده من يد صاحبه حتى يكون هو الذي يرفعها.
"ولا تمشي في الأرض مرحا"(2)، مِمَّا يدلّ على زهو وخيلاء في النفس.
"من تعظَّم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان" رسول الله (ص).
والتصرف الصحيح هو ما جاء في سورة الفرقان: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً"، أي بهدوء واستكانة.
"واغضض من صوتك"(3).
إن رفع الصوت علامة التمرد، وعدم الإحترام لمن نخاطب.
التواضع المذموم:
رغم شدة اهتمام الإسلام بالتواضع، ونهي المؤمنين عن الترفع على غيرهم من الناس إلا أن الله تعالى قد وضع حداً للتواضع بشكلٍ لا يقود إلى الذلة والضعف المهين للإنسان والدين.
فعلى المؤمن أن يبقى عزيزاً في مواجهة الفاسقين والعصاة وأهل الكفر.
"أعزة على الكافرين"(4).
إن خفض الجناح أمام أهل العصيان يعتبر ذلاً ومهانةً لنفس الإنسان وتوهيناً للدين من ناحية أخرى.
وفي إطار وَصفِ أبي سعيد الخدري لرسول الله (ص) قول: "متواضعاً في غير مذلة".
والنبي نفسه (ص) يقول: "طوبى لمن تواضع في غير مسكنة".
إن الطريقة الإلهية تقضي بالاعتدال في الخصال والصفات والإفراط بالتواضع في غير محله عاقبته الذل والهوان، كما أن التفريط به يؤدي إلى التكبر.
للمطالعة |
"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".
كان النبي (ص) أشد الناس تواضعاً:
كان إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل.
وكان في بيته في مهنة أهله، يحلب شاته، ويرقِّع ثوبه، ويخدم نفسه، ويحمل بضاعته من السوق.
وكان يجالس الفقراء، ويواكل المساكين.
وما أخذ أحدٌ بيده فيرسل يده حتى يرسلها الاخر.
وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويباديء أصحابه بالمصافحة.
ولم يُرَ، قط ماداً رجليه بين أصحابه.
يُكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته.
ولا يقطع على أحد الحديث.
وكان أكثر الناس تبسُّماً، وأطيبهم نفساً.
يقول أمير المؤمنين ? حول تواضع النبي (ص): "ولقد كان يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله، ويرقِّع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويُردف خلفه.
فتأسَّى بنبيِّك الأطيب الأطهر فإن فيه أسوةً لمن تأسَّى، وعزاء لمن تعزَّى، وأحب العباد إلى الله المتأسَّي بنبيّه والمقتصّ لأثره".
===========
شرح أحاديث شريفة : الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر... الأحد 26 /06 /2005 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم ، واليوم الحديث عن الترغيب في التواضع و الترهيب من الكبر .
ذكرت من قبل أيها الإخوة الكرام أن هناك كبائر ظاهرة ، كالقتل ، وشرب الخمر ، والزنا ، والسرقة ، وما إلى ذلك ، هذه الكبائر صارخة وواضحة وظاهرة ، ومعظم المسلمين بعيدون عنها ـ والحمد لله ـ إلا قلة قليلة ممن شردوا عن الله عز وجل ، ودفعوا ثمن شرودهم شقاء في الدنيا والآخرة .
ولكن المشكلة في الكبائر الباطنة ، الكبائر الباطنة قلما يتوب منها الإنسان ، لأنها ليست ظاهرة ، من هذه الكبائر الكبر .
الكبر أيها الإخوة الكرام يصيب معظم الناس ، أنت إذا نجحت زلت قدمك إلى الكبر ، لذلك أخطاء الناجحين كبيرة جداً ، والبطولة لا أن تصل إلى قمة النجاح ، ولكن أن تبقى في هذه القمة ، وكثيرون وصلوا إليها ، ولكن الغرور أصابهم ، و الكبر تشرب في أفعالهم و أقوالهم فسقطوا .
ومن سمات المؤمن التواضع ، والتواضع في الحقيقة ليس تصنعاً ، هو حقيقة ، بمعنى أن العبد عبد ، وأن الرب رب ، وأنت بالتواضع قد تصل إلى كل ما عند الله من عطاء ، وبالكبر قد تحجب نفسك عن أعظم عطاءات الإيمان ، وكما قيل ، و لست ممن يروج هذه المقولة : رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، فالإنسان حينما يرى نفسه متفوقاً ، وهذا التفوق قد يجعله في طريق يستغني عن رحمة الله ، حجب عن الله ، فلذلك الكبر من الكبائر الباطنة ، ولو علم المتكبر أنه متكبر فليس بمتكبر ، خطورة هذا المرض كيف أن في الجسم أمراضًا عضالة مميتة ليس لها أعراض ، كالأورام الخبيثة ، لا يوجد أعراض أبداً ، متى يبدأ العرض ؟ حينما يستفحل ، إذا استفحل ، وصار المريض في طريق مسدود تظهر أعراض المرض .
أيها الإخوة الكرام ، الأحاديث المتعلقة بالكبر عديدة جداً ، من أبرزها فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ )) .
يوجد قضية دقيقة في التواضع ، وهي أنك إذا تأملت في خلق السماوات والأرض ، وأنك إذا اتصلت بالله عز وجل ، و اطلعت على جانب من عظمة الله عز وجل ترى نفسك لا شيء ، كلما ضعفت معرفتك بالله نمت نفسك ، الأنا تضخمت ، وكلما ازدادت معرفتك بالله تضاءلت الأنا ، أنا لا أرى أن في حياة البشر على الإطلاق إنساناً في قمة التفوق ، وفي قمة التواضع كرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لذلك قالوا من: رآه بديهة هابه ، ومن عامله أحبه ، كان يأكل مع الخادم ، تستوقفه امرأة يكلمها في حاجتها طويلاً ، تأخذ بيده الجارية البنت الصغيرة ، وتقوده إلى حيث تشاء ، ويقول : أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة .
صدقوا أيها الإخوة الكرام أن كل واحد منكم ربما أكرمه الله بالدعوة إليه ، أو ربما التف بعض الناس حوله ، لأن كل شخص بالمسجد عند أهله شيخ ، وعند أهله مظنة صلاح ، وعند أهله مظنة اتصال بالله عز وجل ، لذلك أنت هنا من المستمعين ، من طلاب العلم ، لكنك في حيز بيتك وأهلك وأقاربك أنت محسوب على أهل الإيمان ، ولأن لك شيخًا وجامعًا ، أنت حينما تتواضع يلتف الناس حولك ، وحينما تتكبر نفض الناس من حولك ، والحقيقة أحياناً يوجد كبر مغلف بتواضع ، و هذه الحالة صعبة جداً ، توجد نقطة تضعف شخصية الإنسان ، أنه حينما يشعر بحاجة إلى من يمدحه يصبح المديح عنده جزءاً من حياته ، فإذا شح المديح تحرش هو بمن حوله ، يسأله عن هذا الطعام : أعجبكم ؟ هل كنتم مرتاحون بهذه الوليمة ؟ لأن استجداء المديح يضعف شخصية الإنسان ، ولو درسنا في الأحاديث الشريفة لوجدنا أن النبي عليه الصلاة والسلام ذم المداحين ، فعَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ : (( قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ ، وَقَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ )) .
[ مسلم ، الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
وقد ورد أن المديح هو الذبح .
ويوجد حديث آخر عجيب ، إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه ، فكيف نجمع بين تلك الأحاديث التي تبدو أنها متناقضة ؟
المقياس أنك إذا مدحت إنساناً فاستكبر ، واستعلى فينبغي ألا تمدحه ، ما كنت مصيباً في مدحه ، لكن المؤمن الصادق إذا مدحته يزداد تواضعاً ، و يزداد افتقاراً إلى الله ، و يرى أن هذا المديح إنما هو من فضل الله عليه ، و هو يردد قول القائل : إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل و نسبه إليك .
مثلاً أحد الإخوة المحسنين الذين توفاهم الله عز وجل قدم بيتاً هدية لفقراء المسلمين ، أحد إخوتنا الكرام رئيس جمعية خيرية ، فهذا البيت أسسه مركزًا للتأهيل المهني للفتيات الفقيرات ، هذه الفقيرة بدل أن نعطيها الصدقة والزكاة ، وأن نجعلها إنسانة تمد يدها دائماً للأغنياء جعلناها عاملة وكاسبة ، وقد تدفع زكاة مالها ، هذا رأي عميق جداً ، أفضل أنواع الزكاة ما حولت الفقير المستجدي إلى مكتفٍ معطٍ ، فهذا المكان أسِّس ، وصار هناك تهيئة للفتيات الفقيرات ، و الله عز وجل أخذ بيد هؤلاء الذين أسسوا ، و هو في صحيفة أعمالهم إن شاء الله .
لكن هذا المحسن الذي قدم هذا البيت ، وهو غالي الثمن ، أقيم له حفل تكريم لتقدير هذا العطاء ، وكل المحتفلين أثنوا على هذا المحسن ، وأطروا إحسانه ، إلا أحد إخوتنا الكرام فاجأ الحضور بكلمة من نوع آخر ، خاطبه ، وقال : أيها المحسن ، كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا ، وأن تقف في طابور كبير ، وأن توقع إما ببصمة أو بتوقيع لتأخذ على مشارف العيد مبلغًا يسيرًا جداً لا يقدم ولا يؤخر ، و لكن الله كرمك بأن جعلك محسناً ، فاشكر الله أن جعلك محسناً تعطي ، ولا تأخذ .
يا إخواننا الكرام ، إذا مكنك الله عز وجل من عطاء ، من إلقاء درس ، من إحسان ، يجب أن تذوب لله خجلاً ، لأنه جعلك تعطي ، ولم يجعلك تأخذ ، الذين يأخذون أذكياء أحياناً :
و لو كانت الأرزاق تجري مع الحجا هلكن إذاً من جهلهن البهائـــمُ
قد تجد إنساناً ألمعياً في الذكاء و فقيرًا ، فهذا الذي كرمه الله بصحته ، أو بنجاح في عمل ، أو بطلاقة في إلقاء ، أو بإنفاق مال ، هذا من فضل الله عليك ، وكلما ازددت تواضعاً ازددت عند الله رفعة ، وكلما ازددت تواضعاً التف الناس حولك ، وكلما ازددت تواضعاً أقبل الناس عليك ، وكلما ازددت تواضعاً كنت في قلوب الجميع .
فيا أيها الإخوة الكرام ، إياك أن تستجدي المديح ، وهو عادة من أسوأ العادات ، مادام إخلاصك لله واضحاً ، ومادام إقبالك على الله تاماً ، أنت لست في حاجة إلى المديح ، هذا الذي يمدحك لا يقدم و لا يؤخر ، و من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به .
لذلك التواضع أنت الآن دقق :
انظر إلى الأكحال و هي حجارة لانت فصار مقرّها في الأعين
وحينما يقال عن النبي عليه الصلاة والسلام : إنه من رآه بديهة هابه ، و من عامله أحبه ، من تواضعه الشديد ، يا عمر ، لا تنسنا يا أخي من دعائك ، سيد الخلق وحبيب الحق يسأل سيدنا عمر أن يدعو له ، تواضع ما بعده تواضع ، زعيم الأمة ، و قائد الأمة ، و قائد الجيش ، ونبي الأمة ، ورسول هو أعظم الرسل على الإطلاق ، في معركة بدر الصحابة ثلاثمئة وبضعة عشر ، قال : : (( وَأَنَا وَعَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ عَلَى رَاحِلَةٍ ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ e ، فَكَانَتْ نَوْبَةُ رَسُولِ اللهِ e فقالا له : نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ـ ليظلَّ راكباً ـ فقال : مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ )) .
[النسائي في السنن الكبرى ، أحمد ، والحاكم ، وابن حبان عن ابن مسعود ]
عدّ نفسه جندياً .
نحن نفتقر إلى التواضع في حياتنا ، أي تعلو مرتبتك قليلاً لا تحتمل أن تنادى باسمك ، مع أنني ذهبت إلى بلاد الغرب ، شيء عجيب جداً ، كنت في مركز كل أعضائه أطباء يحملون البورد ، وما سمعت كلمة دكتور إطلاقاً ، فلان ، شيء طبيعي جداً ، كن طبيعياً ، الآن إنسان له مقام ، و ما كان مقامه بالصف الأول في عقد قران تقوم الدنيا ولا تقعد ، فمرة اقترحت على صالات أن تكون طويلة يوجد صف واحد أحسن شيء ، كل المدعوين يجلسون أول صف ، لا يوجد إلا صف أساساً ، يمكن ألا يكون هناك مكان في أول صف ، تجد هناك مشكلة ، كلها كبائر باطنية ، هذه أمراض يا إخوان ، إذا قلت لي : ما الفرق الدقيق الدقيق بين مجتمع الصحابة ومجتمعات المسلمين في آخر الزمان ؟ لا يوجد حب ، لا يوجد تواضع ، تصدق أن نور الدين الشهيد قبل خوض المعركة مع التتار سجد لله عز وجل ماذا قال ؟ قال : يا رب ، من هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك ، يوجد ملك يسمي نفسه كلباً ؟ من هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك ، لا يوجد صفة بالإنسان أرقى من التواضع ، و لكن التواضع غير المذلة ، المؤمن يعرف قيمة نفسه لكنه يربأ بنفسه عن أن يذل لمخلوق .
بالمناسبة إخوانا الكرام ، بقدر ما تتذلل لله عز وجل يعزك الله ، و بقدر ما تتكبر يذلك الله ، العلاقة عكسية بين التواضع والعز :
اجعل لربك كل عزك يستقر و يثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
أنت حينما تربط نفسك بجهة أرضية انتهيت ، أنت محسوب عليها ، ترقى بقوتها ، وتسقط إذا سقطت ، أنت ألغيت شخصيتك ، أجمل كلمة مرة عالم جليل من علماء مصر توفاه الله عز وجل كان في بريطانية لإجراء عمليه ، فجاءت رسائل لا تعد و لا تحصى تطمئن عن صحته ، إذاعة بريطانية أجرت معه مقابلة ، وسألته هذا السؤال : ما هذه المكانة الكبيرة التي حباك الله بها ؟ مئات ألوف الرسائل جاءت ، فأجاب إجابة أنا ما رأيت إجابة أدق منها ، قال : لأنني محسوب على الله ، أي أنا لست أهلاً لهذا الاهتمام ، لكن أنا عند الناس محسوب على الله .
والله أيها الإخوة الكرام ، سمعت طرفة ، أن رجل دين غير مسلم ، لكن تعلمت منها دروساً والله لا تعد ولا تحصى ، أن السيد المسيح في أثناء زيارته للقدس ركب حمارة ـ و القصة معروفة في كتب التاريخ ـ أهل القدس أحبوه ، و تقربوا منه ، و تمسحوا بثيابه ، بالغوا في إكرامه ، فهذا الحمار ظن أن هذا التكريم له ، فلما عاد إلى أمه ؛ أمه أيضاً حمارة مثله ، لكن أذكى منه ، قالت له : لا ، هذا التكريم ليس لك ، لمن يركبك ، لكنه لم يقتنع ، فبعد أيام تمنى أن يذهب إلى القدس ثانية ، في المرة الثانية ذهب وحده ضربه الصغار بالحجارة حتى بالغوا بإيلامه وإذلاله ، فعاد إلى أمه غاضباً ، و قد شكا لها ما أصابه ، قالت له : ألم أقل لك : إن هذا التكريم لم يكن لك ، بل كان للذي يركبك .
أحيا
ذكرت من قبل أيها الإخوة الكرام أن هناك كبائر ظاهرة ، كالقتل ، وشرب الخمر ، والزنا ، والسرقة ، وما إلى ذلك ، هذه الكبائر صارخة وواضحة وظاهرة ، ومعظم المسلمين بعيدون عنها ـ والحمد لله ـ إلا قلة قليلة ممن شردوا عن الله عز وجل ، ودفعوا ثمن شرودهم شقاء في الدنيا والآخرة .
ولكن المشكلة في الكبائر الباطنة ، الكبائر الباطنة قلما يتوب منها الإنسان ، لأنها ليست ظاهرة ، من هذه الكبائر الكبر .
الكبر أيها الإخوة الكرام يصيب معظم الناس ، أنت إذا نجحت زلت قدمك إلى الكبر ، لذلك أخطاء الناجحين كبيرة جداً ، والبطولة لا أن تصل إلى قمة النجاح ، ولكن أن تبقى في هذه القمة ، وكثيرون وصلوا إليها ، ولكن الغرور أصابهم ، و الكبر تشرب في أفعالهم و أقوالهم فسقطوا .
ومن سمات المؤمن التواضع ، والتواضع في الحقيقة ليس تصنعاً ، هو حقيقة ، بمعنى أن العبد عبد ، وأن الرب رب ، وأنت بالتواضع قد تصل إلى كل ما عند الله من عطاء ، وبالكبر قد تحجب نفسك عن أعظم عطاءات الإيمان ، وكما قيل ، و لست ممن يروج هذه المقولة : رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، فالإنسان حينما يرى نفسه متفوقاً ، وهذا التفوق قد يجعله في طريق يستغني عن رحمة الله ، حجب عن الله ، فلذلك الكبر من الكبائر الباطنة ، ولو علم المتكبر أنه متكبر فليس بمتكبر ، خطورة هذا المرض كيف أن في الجسم أمراضًا عضالة مميتة ليس لها أعراض ، كالأورام الخبيثة ، لا يوجد أعراض أبداً ، متى يبدأ العرض ؟ حينما يستفحل ، إذا استفحل ، وصار المريض في طريق مسدود تظهر أعراض المرض .
أيها الإخوة الكرام ، الأحاديث المتعلقة بالكبر عديدة جداً ، من أبرزها فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ )) .
يوجد قضية دقيقة في التواضع ، وهي أنك إذا تأملت في خلق السماوات والأرض ، وأنك إذا اتصلت بالله عز وجل ، و اطلعت على جانب من عظمة الله عز وجل ترى نفسك لا شيء ، كلما ضعفت معرفتك بالله نمت نفسك ، الأنا تضخمت ، وكلما ازدادت معرفتك بالله تضاءلت الأنا ، أنا لا أرى أن في حياة البشر على الإطلاق إنساناً في قمة التفوق ، وفي قمة التواضع كرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لذلك قالوا من: رآه بديهة هابه ، ومن عامله أحبه ، كان يأكل مع الخادم ، تستوقفه امرأة يكلمها في حاجتها طويلاً ، تأخذ بيده الجارية البنت الصغيرة ، وتقوده إلى حيث تشاء ، ويقول : أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة .
صدقوا أيها الإخوة الكرام أن كل واحد منكم ربما أكرمه الله بالدعوة إليه ، أو ربما التف بعض الناس حوله ، لأن كل شخص بالمسجد عند أهله شيخ ، وعند أهله مظنة صلاح ، وعند أهله مظنة اتصال بالله عز وجل ، لذلك أنت هنا من المستمعين ، من طلاب العلم ، لكنك في حيز بيتك وأهلك وأقاربك أنت محسوب على أهل الإيمان ، ولأن لك شيخًا وجامعًا ، أنت حينما تتواضع يلتف الناس حولك ، وحينما تتكبر نفض الناس من حولك ، والحقيقة أحياناً يوجد كبر مغلف بتواضع ، و هذه الحالة صعبة جداً ، توجد نقطة تضعف شخصية الإنسان ، أنه حينما يشعر بحاجة إلى من يمدحه يصبح المديح عنده جزءاً من حياته ، فإذا شح المديح تحرش هو بمن حوله ، يسأله عن هذا الطعام : أعجبكم ؟ هل كنتم مرتاحون بهذه الوليمة ؟ لأن استجداء المديح يضعف شخصية الإنسان ، ولو درسنا في الأحاديث الشريفة لوجدنا أن النبي عليه الصلاة والسلام ذم المداحين ، فعَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ : (( قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ ، وَقَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ )) .
[ مسلم ، الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
وقد ورد أن المديح هو الذبح .
ويوجد حديث آخر عجيب ، إذا مدح المؤمن ربا الإيمان في قلبه ، فكيف نجمع بين تلك الأحاديث التي تبدو أنها متناقضة ؟
المقياس أنك إذا مدحت إنساناً فاستكبر ، واستعلى فينبغي ألا تمدحه ، ما كنت مصيباً في مدحه ، لكن المؤمن الصادق إذا مدحته يزداد تواضعاً ، و يزداد افتقاراً إلى الله ، و يرى أن هذا المديح إنما هو من فضل الله عليه ، و هو يردد قول القائل : إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل و نسبه إليك .
مثلاً أحد الإخوة المحسنين الذين توفاهم الله عز وجل قدم بيتاً هدية لفقراء المسلمين ، أحد إخوتنا الكرام رئيس جمعية خيرية ، فهذا البيت أسسه مركزًا للتأهيل المهني للفتيات الفقيرات ، هذه الفقيرة بدل أن نعطيها الصدقة والزكاة ، وأن نجعلها إنسانة تمد يدها دائماً للأغنياء جعلناها عاملة وكاسبة ، وقد تدفع زكاة مالها ، هذا رأي عميق جداً ، أفضل أنواع الزكاة ما حولت الفقير المستجدي إلى مكتفٍ معطٍ ، فهذا المكان أسِّس ، وصار هناك تهيئة للفتيات الفقيرات ، و الله عز وجل أخذ بيد هؤلاء الذين أسسوا ، و هو في صحيفة أعمالهم إن شاء الله .
لكن هذا المحسن الذي قدم هذا البيت ، وهو غالي الثمن ، أقيم له حفل تكريم لتقدير هذا العطاء ، وكل المحتفلين أثنوا على هذا المحسن ، وأطروا إحسانه ، إلا أحد إخوتنا الكرام فاجأ الحضور بكلمة من نوع آخر ، خاطبه ، وقال : أيها المحسن ، كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا ، وأن تقف في طابور كبير ، وأن توقع إما ببصمة أو بتوقيع لتأخذ على مشارف العيد مبلغًا يسيرًا جداً لا يقدم ولا يؤخر ، و لكن الله كرمك بأن جعلك محسناً ، فاشكر الله أن جعلك محسناً تعطي ، ولا تأخذ .
يا إخواننا الكرام ، إذا مكنك الله عز وجل من عطاء ، من إلقاء درس ، من إحسان ، يجب أن تذوب لله خجلاً ، لأنه جعلك تعطي ، ولم يجعلك تأخذ ، الذين يأخذون أذكياء أحياناً :
و لو كانت الأرزاق تجري مع الحجا هلكن إذاً من جهلهن البهائـــمُ
قد تجد إنساناً ألمعياً في الذكاء و فقيرًا ، فهذا الذي كرمه الله بصحته ، أو بنجاح في عمل ، أو بطلاقة في إلقاء ، أو بإنفاق مال ، هذا من فضل الله عليك ، وكلما ازددت تواضعاً ازددت عند الله رفعة ، وكلما ازددت تواضعاً التف الناس حولك ، وكلما ازددت تواضعاً أقبل الناس عليك ، وكلما ازددت تواضعاً كنت في قلوب الجميع .
فيا أيها الإخوة الكرام ، إياك أن تستجدي المديح ، وهو عادة من أسوأ العادات ، مادام إخلاصك لله واضحاً ، ومادام إقبالك على الله تاماً ، أنت لست في حاجة إلى المديح ، هذا الذي يمدحك لا يقدم و لا يؤخر ، و من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به .
لذلك التواضع أنت الآن دقق :
انظر إلى الأكحال و هي حجارة لانت فصار مقرّها في الأعين
وحينما يقال عن النبي عليه الصلاة والسلام : إنه من رآه بديهة هابه ، و من عامله أحبه ، من تواضعه الشديد ، يا عمر ، لا تنسنا يا أخي من دعائك ، سيد الخلق وحبيب الحق يسأل سيدنا عمر أن يدعو له ، تواضع ما بعده تواضع ، زعيم الأمة ، و قائد الأمة ، و قائد الجيش ، ونبي الأمة ، ورسول هو أعظم الرسل على الإطلاق ، في معركة بدر الصحابة ثلاثمئة وبضعة عشر ، قال : : (( وَأَنَا وَعَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ عَلَى رَاحِلَةٍ ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ e ، فَكَانَتْ نَوْبَةُ رَسُولِ اللهِ e فقالا له : نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ـ ليظلَّ راكباً ـ فقال : مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ )) .
[النسائي في السنن الكبرى ، أحمد ، والحاكم ، وابن حبان عن ابن مسعود ]
عدّ نفسه جندياً .
نحن نفتقر إلى التواضع في حياتنا ، أي تعلو مرتبتك قليلاً لا تحتمل أن تنادى باسمك ، مع أنني ذهبت إلى بلاد الغرب ، شيء عجيب جداً ، كنت في مركز كل أعضائه أطباء يحملون البورد ، وما سمعت كلمة دكتور إطلاقاً ، فلان ، شيء طبيعي جداً ، كن طبيعياً ، الآن إنسان له مقام ، و ما كان مقامه بالصف الأول في عقد قران تقوم الدنيا ولا تقعد ، فمرة اقترحت على صالات أن تكون طويلة يوجد صف واحد أحسن شيء ، كل المدعوين يجلسون أول صف ، لا يوجد إلا صف أساساً ، يمكن ألا يكون هناك مكان في أول صف ، تجد هناك مشكلة ، كلها كبائر باطنية ، هذه أمراض يا إخوان ، إذا قلت لي : ما الفرق الدقيق الدقيق بين مجتمع الصحابة ومجتمعات المسلمين في آخر الزمان ؟ لا يوجد حب ، لا يوجد تواضع ، تصدق أن نور الدين الشهيد قبل خوض المعركة مع التتار سجد لله عز وجل ماذا قال ؟ قال : يا رب ، من هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك ، يوجد ملك يسمي نفسه كلباً ؟ من هو الكلب نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك ، لا يوجد صفة بالإنسان أرقى من التواضع ، و لكن التواضع غير المذلة ، المؤمن يعرف قيمة نفسه لكنه يربأ بنفسه عن أن يذل لمخلوق .
بالمناسبة إخوانا الكرام ، بقدر ما تتذلل لله عز وجل يعزك الله ، و بقدر ما تتكبر يذلك الله ، العلاقة عكسية بين التواضع والعز :
اجعل لربك كل عزك يستقر و يثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
أنت حينما تربط نفسك بجهة أرضية انتهيت ، أنت محسوب عليها ، ترقى بقوتها ، وتسقط إذا سقطت ، أنت ألغيت شخصيتك ، أجمل كلمة مرة عالم جليل من علماء مصر توفاه الله عز وجل كان في بريطانية لإجراء عمليه ، فجاءت رسائل لا تعد و لا تحصى تطمئن عن صحته ، إذاعة بريطانية أجرت معه مقابلة ، وسألته هذا السؤال : ما هذه المكانة الكبيرة التي حباك الله بها ؟ مئات ألوف الرسائل جاءت ، فأجاب إجابة أنا ما رأيت إجابة أدق منها ، قال : لأنني محسوب على الله ، أي أنا لست أهلاً لهذا الاهتمام ، لكن أنا عند الناس محسوب على الله .
والله أيها الإخوة الكرام ، سمعت طرفة ، أن رجل دين غير مسلم ، لكن تعلمت منها دروساً والله لا تعد ولا تحصى ، أن السيد المسيح في أثناء زيارته للقدس ركب حمارة ـ و القصة معروفة في كتب التاريخ ـ أهل القدس أحبوه ، و تقربوا منه ، و تمسحوا بثيابه ، بالغوا في إكرامه ، فهذا الحمار ظن أن هذا التكريم له ، فلما عاد إلى أمه ؛ أمه أيضاً حمارة مثله ، لكن أذكى منه ، قالت له : لا ، هذا التكريم ليس لك ، لمن يركبك ، لكنه لم يقتنع ، فبعد أيام تمنى أن يذهب إلى القدس ثانية ، في المرة الثانية ذهب وحده ضربه الصغار بالحجارة حتى بالغوا بإيلامه وإذلاله ، فعاد إلى أمه غاضباً ، و قد شكا لها ما أصابه ، قالت له : ألم أقل لك : إن هذا التكريم لم يكن لك ، بل كان للذي يركبك .
أحيا
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ