قدرة على رسم اجواء الكوابيس
"عليها تسعة عشر".. مزيج من الواقعية والرمزية ومسحة سريالية
بيروت-
جورج جحا: الكاتب الجزائري فريد هدى في كثير من قصص مجموعته الاخيرة
"عليها تسعة عشر" يضع القارىء في جو هو مزيج من الواقعي والرمزي مع وصول
الى السريالي احيانا.
لدى الكاتب قدرة على رسم اجواء الكوابيس التي يحول الكلام عنها الى كلام
رمزي شديد الاشارة الى الواقع. والكاتب قادر على ان يحول الرعب الى نمط
حياة يصبح من العاديات اليومية.
ويتحول الامر الى تعايش قسري مع العذاب والموت وزبانية الموت ومع "ظلال
غيرنا" التي تترصد خطانا وتسير وراءنا في عالم الواقع. لكن مجرد نقل الامر
الى كتابة يوهم بنتاج سريالي هو ابن الخيال فتضيع الحدود بين الاثنين لكن
القارىء لا يضيع المقصود بل يهبط الامر عليه بوضوح.
اشتملت المجموعة على 19 قصة قصيرة جاءت في 71 صفحة وصدرت عن "منشورات
الاختلاف" في مدينة الجزائر و"دار الامان" في الرباط. رسم الغلاف كان لوحة
"مجزرة الابرياء" للفنان جيدو ريني.
القصة الاولى وعنوانها "كابوس" تبدأ على الشكل التالي "كان يوما شاقا. دخلت
غرفتي فأغلقت الباب. في طيات الظلام التمست طريقي حذرا مخافة ان اتعثر
بشيء ما." وأنار شمعة ثم "القيت بكامل جسدي على الكرسي الخشبي لكن الاوجاع
عاودتني. اخ .. اولاد ال.. هشموا عظامي.
"في حجرة اشبه بحجرتي وكرسي ككرسي هذا اجلسوني صباح هذا اليوم. رجل بشاربين
تحجب عينيه نظارة بلون بذلته السوداء. اقترب مني. همهم وسيجارته المحترقة
بفمه.. "تعاود حماقاتك اليومية...خربتم عقول الناس"."
وعندما طلب معرفة تهمته وتفسيرا لما يجري ضربه على وجهه وقال "ابن الكلب.
تحرّم حشر انفك في ما لا يعنيك" واكمل رفيقه الاخر قائلا "وفي ما يعنيك."
طالب بحقوقه فقال احدهم "حسنا.. اعطوه اياها." ونلت من الحقوق كفاية ثم
اخلي سبيلي."
يتحدث عن التعذيب الذي تعرض له فيقول "سكون الليل يقطعه نهيق حمار. يقال ان
معاشر الحمير تستطيع رؤية الشيطان.. ترى كيف يبدو عليه اللعنة.. اهو
بشاربين ام دونهما... اشيد بجرأتها. فوحدها الحمير -وفي جنح الظلام- تحدت
الظلام نفسه."
وخلال راحته في منزله "متعبا اوسدت رأسي المكتب طالبا الراحة ... فجأة
استفقت مذعورا على هز عنيف بالباب فانفلق على رجال طوال احاطوا بي فطرحوني
والكرسي ارضا وكبلوا يدي وقدمي... بادرني احدهم برفسة من حذائه... رفعت
بصري محاولا تمييز وجوههم لكن لم تكن لهم وجوه وعلى صوت نهيق الحمار
واضطراب لهب الشمعة بدت ظلالهم على واجهة الجدار تتراقص كأشباح عابثة...
وفي الضيعة غير البعيدة واصل الحمار نهيقه ثم سكت."
في قصة اخرى عنوانها "ويستمر الكابوس" نقرأ عن بطلها وهو صحافي يبدأ بالقول
"ممدد الجسد مقيد اليدين والقدمين يتقدم مني رجل طويل اللحية يرتدي قميصا
ابيض يلوح بسكين يريد ذبحي. احاول جاهدا الفرار لكنني لا اقدر على الحراك."
هذا الكابوس ارقه لشهرين ونكد حياته "لم استطع ان انام مخافة ان يعاودني.
لم استطع ان اعيش نهاري خشية ان يتحقق." وطلب اجازة ايام من الصحيفة التي
يعمل فيها.
سأل كثيرين فجاءته اجوبة لا قيمة لها. اخيرا ذهب الى الامام فقال له هذا
مفسرا ان الله غاضب عليه لان كتابه مملوء بالسيئات. اصاب الصحافي صداع وصرخ
به. كان الامام مرعوبا وسمعه يتعوذ الى الشيطان ويتحدث عن ممسوس كافر. "لم
استطع ان احتمل. الصداع رهيب. طلبت منه ان يصمت لكنه ما كف عن الصراخ وثبت
عليه ممسكا اياه من لحيته تلك. اخذت السكين ولوحت به طلبت منه ان يقفل فمه
لكنه ما اراد الا ستماع الي... ويستمر الكابوس."
كثير مما كتبه يصور حالة رجال الفكر خاصة الصحافيين في بلده في فترة زمنية معينة.
في "ورقة الالف دولار" حديث عن الفقر والبؤس من خلال حياة شحاذ تخصص في
قراءة نفسيات "زبائنه" واوضاعهم عبر مراقبة اقدامهم. وعندما عثر على ورقة
الف دولار بدأت الاحلام تحمله على اجنحتها لكن استغراقه فيها استحوذ على
انتباهه. تصور حياة بذخ واطماعا سياسية.. وكانت في هذه الاثناء نار التدفئة
التي اشعلها تلتهم ورقة الالف دولار.
بعض قصصه القصيرة جدا تعبر عن كابوس مسيطر على عالمه وببلاغة قوية تشرح
كثيرا من الماسي التي جرت في بلاده وتعرض لها المثقفون والصحافيون بشكل
خاص.
تحت عنوان "رؤى" تحدث عن ثلاثة احلام ختمها بكابوس. في الحلم الاول جو
ضبابي يبرع فريد هدى في رسمه حيث يكاد كل شيء يختفي وسط جو من الخوف بسط
ظلاله ورائحته على عالم الكاتب. قال..
"كنت كأنني عند بائع الجرائد. لم استطع ان اتبين وجهه خلف الزجاج المعتم
للشباك. طلبت منه جريدة المساء. سلمها لي عبر فتحة الشباك الضيقة فرأيت
بالكاد يده حينها."
ولم يقتصر الامر على الزجاج المعتم والبائع المستتر خلفه لا يظهر من شيء سوى يده بل وصل الاختفاء الى اكثر من ذلك.
اضاف يقول "قلبت الجريدة لكن الصفحات الاربع والعشرين كانت بيضاء. "ما معنى
هذا" سألته كمن يكلم نفسه. "املا الصفحات بنفسك" اجابني هو بصوت كالرعد."
ولان الاشياء تستتبع اشياء اخرى فان ذلك يؤدي الى محاصرة كل جميل وحجبه حتى
ذلك الذي تنتجه الطبيعة. ختم فريد هدى القصة بظل يطارده فقال "طويت
الجريدة اسفل الابط ثم اكملت مسيري -يتبعني ظل غيري- افكر في بائع الورد
هناك عند المنعطف."
جورج جحا: الكاتب الجزائري فريد هدى في كثير من قصص مجموعته الاخيرة
"عليها تسعة عشر" يضع القارىء في جو هو مزيج من الواقعي والرمزي مع وصول
الى السريالي احيانا.
لدى الكاتب قدرة على رسم اجواء الكوابيس التي يحول الكلام عنها الى كلام
رمزي شديد الاشارة الى الواقع. والكاتب قادر على ان يحول الرعب الى نمط
حياة يصبح من العاديات اليومية.
ويتحول الامر الى تعايش قسري مع العذاب والموت وزبانية الموت ومع "ظلال
غيرنا" التي تترصد خطانا وتسير وراءنا في عالم الواقع. لكن مجرد نقل الامر
الى كتابة يوهم بنتاج سريالي هو ابن الخيال فتضيع الحدود بين الاثنين لكن
القارىء لا يضيع المقصود بل يهبط الامر عليه بوضوح.
اشتملت المجموعة على 19 قصة قصيرة جاءت في 71 صفحة وصدرت عن "منشورات
الاختلاف" في مدينة الجزائر و"دار الامان" في الرباط. رسم الغلاف كان لوحة
"مجزرة الابرياء" للفنان جيدو ريني.
القصة الاولى وعنوانها "كابوس" تبدأ على الشكل التالي "كان يوما شاقا. دخلت
غرفتي فأغلقت الباب. في طيات الظلام التمست طريقي حذرا مخافة ان اتعثر
بشيء ما." وأنار شمعة ثم "القيت بكامل جسدي على الكرسي الخشبي لكن الاوجاع
عاودتني. اخ .. اولاد ال.. هشموا عظامي.
"في حجرة اشبه بحجرتي وكرسي ككرسي هذا اجلسوني صباح هذا اليوم. رجل بشاربين
تحجب عينيه نظارة بلون بذلته السوداء. اقترب مني. همهم وسيجارته المحترقة
بفمه.. "تعاود حماقاتك اليومية...خربتم عقول الناس"."
وعندما طلب معرفة تهمته وتفسيرا لما يجري ضربه على وجهه وقال "ابن الكلب.
تحرّم حشر انفك في ما لا يعنيك" واكمل رفيقه الاخر قائلا "وفي ما يعنيك."
طالب بحقوقه فقال احدهم "حسنا.. اعطوه اياها." ونلت من الحقوق كفاية ثم
اخلي سبيلي."
يتحدث عن التعذيب الذي تعرض له فيقول "سكون الليل يقطعه نهيق حمار. يقال ان
معاشر الحمير تستطيع رؤية الشيطان.. ترى كيف يبدو عليه اللعنة.. اهو
بشاربين ام دونهما... اشيد بجرأتها. فوحدها الحمير -وفي جنح الظلام- تحدت
الظلام نفسه."
وخلال راحته في منزله "متعبا اوسدت رأسي المكتب طالبا الراحة ... فجأة
استفقت مذعورا على هز عنيف بالباب فانفلق على رجال طوال احاطوا بي فطرحوني
والكرسي ارضا وكبلوا يدي وقدمي... بادرني احدهم برفسة من حذائه... رفعت
بصري محاولا تمييز وجوههم لكن لم تكن لهم وجوه وعلى صوت نهيق الحمار
واضطراب لهب الشمعة بدت ظلالهم على واجهة الجدار تتراقص كأشباح عابثة...
وفي الضيعة غير البعيدة واصل الحمار نهيقه ثم سكت."
في قصة اخرى عنوانها "ويستمر الكابوس" نقرأ عن بطلها وهو صحافي يبدأ بالقول
"ممدد الجسد مقيد اليدين والقدمين يتقدم مني رجل طويل اللحية يرتدي قميصا
ابيض يلوح بسكين يريد ذبحي. احاول جاهدا الفرار لكنني لا اقدر على الحراك."
هذا الكابوس ارقه لشهرين ونكد حياته "لم استطع ان انام مخافة ان يعاودني.
لم استطع ان اعيش نهاري خشية ان يتحقق." وطلب اجازة ايام من الصحيفة التي
يعمل فيها.
سأل كثيرين فجاءته اجوبة لا قيمة لها. اخيرا ذهب الى الامام فقال له هذا
مفسرا ان الله غاضب عليه لان كتابه مملوء بالسيئات. اصاب الصحافي صداع وصرخ
به. كان الامام مرعوبا وسمعه يتعوذ الى الشيطان ويتحدث عن ممسوس كافر. "لم
استطع ان احتمل. الصداع رهيب. طلبت منه ان يصمت لكنه ما كف عن الصراخ وثبت
عليه ممسكا اياه من لحيته تلك. اخذت السكين ولوحت به طلبت منه ان يقفل فمه
لكنه ما اراد الا ستماع الي... ويستمر الكابوس."
كثير مما كتبه يصور حالة رجال الفكر خاصة الصحافيين في بلده في فترة زمنية معينة.
في "ورقة الالف دولار" حديث عن الفقر والبؤس من خلال حياة شحاذ تخصص في
قراءة نفسيات "زبائنه" واوضاعهم عبر مراقبة اقدامهم. وعندما عثر على ورقة
الف دولار بدأت الاحلام تحمله على اجنحتها لكن استغراقه فيها استحوذ على
انتباهه. تصور حياة بذخ واطماعا سياسية.. وكانت في هذه الاثناء نار التدفئة
التي اشعلها تلتهم ورقة الالف دولار.
بعض قصصه القصيرة جدا تعبر عن كابوس مسيطر على عالمه وببلاغة قوية تشرح
كثيرا من الماسي التي جرت في بلاده وتعرض لها المثقفون والصحافيون بشكل
خاص.
تحت عنوان "رؤى" تحدث عن ثلاثة احلام ختمها بكابوس. في الحلم الاول جو
ضبابي يبرع فريد هدى في رسمه حيث يكاد كل شيء يختفي وسط جو من الخوف بسط
ظلاله ورائحته على عالم الكاتب. قال..
"كنت كأنني عند بائع الجرائد. لم استطع ان اتبين وجهه خلف الزجاج المعتم
للشباك. طلبت منه جريدة المساء. سلمها لي عبر فتحة الشباك الضيقة فرأيت
بالكاد يده حينها."
ولم يقتصر الامر على الزجاج المعتم والبائع المستتر خلفه لا يظهر من شيء سوى يده بل وصل الاختفاء الى اكثر من ذلك.
اضاف يقول "قلبت الجريدة لكن الصفحات الاربع والعشرين كانت بيضاء. "ما معنى
هذا" سألته كمن يكلم نفسه. "املا الصفحات بنفسك" اجابني هو بصوت كالرعد."
ولان الاشياء تستتبع اشياء اخرى فان ذلك يؤدي الى محاصرة كل جميل وحجبه حتى
ذلك الذي تنتجه الطبيعة. ختم فريد هدى القصة بظل يطارده فقال "طويت
الجريدة اسفل الابط ثم اكملت مسيري -يتبعني ظل غيري- افكر في بائع الورد
هناك عند المنعطف."
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ