كيف يكتسب الداعية ثقة الناس؟!
أولاً: أهميـة الثقـة فـي الداعية
تُعتبر الثقة إحدى دعائم النجاح في الدعوة، وإحدى الأسس التي يُبنَى عليها باقي مراحل العمل في الدعوة، وبقدر قوتها ودرجة استكمالها تكون درجة النجاح والإنتاج في الدعوة.
ومن المواقف الطريفة التي تبيِّن أهمية الثقة في الداعية ما يرويه الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي للأستاذ البنا فيقول: "أنا الآن قادمٌ من القاهرة ومعي ابنتي الصغيرة، وقد جلست معنا في القطار "خواجاية" أخذت تتحدث طويلاً معها، وبعد أن نزلنا من القطار وركبنا السيارة بادرتني الصغيرة بطلب سيرة عمر بن الخطاب في إصرارٍ وإلحاح، فاستغربتُ سؤالها إذْ كان مفاجئًا ولم يكن هناك ما يدفع إليه، وقلتُ لها: لماذا تريدين هذه السيرة بهذه السرعة؟ فقالت لأنَّ الخواجاية حدثتني عنه حديثًا طيبًا، فقلتُ لها: "سبحان الله حدثتك عنه- وأنا شيخ الإسلام - سبعين مرة فلم يدفعك هذا الحديث إلى طلبِ سيرته، وفي جلسةٍ قصيرةٍ وحديثٍ عابر مع الخواجاية اتجهت رغبتك إلى سيرته بهذه الصورة " [ مذكرات الدعوة والداعية- حسن البنا- ص 251 ] .
وفي المقابل يضرب لنا سيدنا سعد بن أبي وقاص مثلاً في كونِ فقدان الثقة في حمل أية فكرة يُفقِد الثقةَ في الفكرة نفسها حتى قبل الاطلاع عليها أو معرفتها، فيُروى أنه خرج يومًا إلى طرقاتِ المدينة فرأى مالكًا الأشترَ وصحبه يُحاصرون عثمانَ بنَ عفانَ- رضي الله عنه- يريدون قتله فقال : " إنَّ أمْرًا هؤلاء رؤساؤه لأَمْرُ سوءٍ " [ طبقات ابن سعد 3/72 نقلاً عن العوائق ، ص 242 ] .
ثانيًا: أهم موجبات الثقـة في الداعية:
1- القدوة والالتزام:
عن ابن إسحاق أنَّ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- بعث عمرًا بن العاص إلى الجلندي (ملك عمان) يدعوه إلى الإسلام فقال : " لقد دلني على هذا النبي الأمي، أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذٍ به، ولا ينهى عن شرٍّ إلا كان أول تاركٍ له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر، وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي " [ الإصابة في تمييز الصحابة - ج1-القسم الثالث ] .
وهكذا كان الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- في مختلف جوانب حياته :
- ففي عبادته يُروى عن ابن مسعود، قال: "صليت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلةً فلم يزل قائمًا حتى هممتُ بأمرِ سوءٍ، قيل ما هممت به؟ قال: هممتُ أن أجلسَ وأدعه" [ البخاري ومسلم ]
وفي جهاده يُروى عن علي رضي الله عنه قال: "كنا إذا حَمِيَ البأسُ ولقي القومُ القومَ اتَّقينا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا يكون أحدٌ منا أدنى إلى القوم منه " .
ثُمَّ كان صحابته من بعده على نفسِ الدرب من الالتزام وتقديم القدوة العملية الصحيحة لما يدعون إليه، فيقول ابن القيم واصفًا صحابةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم – وتلامذته : " لمَّا رآهم نصارى الشام وشاهدوا هديهم وسيرتهم وعدلهم وعلمهم ورحمتهم وزهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة قالوا ما الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء " [ زاد المعاد - ابن القيم 3/316 ] .
وفي عصرنا الحاضر كان للأستاذ البنا في هذا الأمر مواقفُ رائعةٌ، كان لها أبعد الأثر في ثقةِ تلامذته فيه وتأثرهم به، فيقول الأستاذ عمر التلمساني : "ذهبتُ معه يومًا إلى المنزلة وبعد الحفل صعدنا إلى الطابق الثاني في منزل لنأخذ قسطًا من الراحة، وكان التعب والإجهاد قد بلغ مني مداه، فاعتراني قلقٌ، وبعد خمس دقائق سألني فضيلته: هل نمت يا عمر؟ قلت ليس بعد، ثم كرر السؤال بعد فترة حتى ضِقتُ بالأمر، فصممت على ألا أرد على أسئلته موهمًا إياه أنني نمت، فلما اطمأن إلى نومي نزل من سريره في هدوء كامل وعند الباب أخذ القبقاب بيده وسار حافيًا حتى وصل إلى دورة المياه حيث توضأ وأخذ سجادةً صغيرةً وذهب إلى آخر الصالة بعيدًا عن الغرفة التي ننام فيها، وأخذ يُصلي ما شاء الله له أن يُصلي، ونمتُ أنا ما شاء الله لي أن أنام " [ ذكريات لا مذكرات - عمر التلمساني- ص 48 ]
وهذا الالتزام الصادق من الداعية يؤثِّر في سمته وهديه، فيرى عليه الناسُ دلائلَ الصدق والإخلاص قبل أن يتحدَّث أو يعظ أو يدعو لما يدعو إليه، ويُقَال فيه ما قاله عبد الله بن سلام- وكان من أحبار اليهود- يصف انطباعَه الأول عن الرسول القدوة حين رآه فيقول : " عرفتُ أنَّ وجهه ليس بوجه كذاب " . [ الترمذي، وقال حديث حسن صحيح ] .
2- التعفف عمَّا فـي أيدي الناس:
ومن أهم موجبات الثقة أن يتيقَّن الناس أن الداعيةَ لا يبغي من وراء دعوته إلا رضا الله وجنته، وأنه لا يطلب من ورائها أي غرض دنيوي مهما كان، لا يريد بها جاهًا أو منزلةً أو شهرةً أو كثرةَ أتباعٍ، ولا يتوسل بها إلى تحقيق منفعةٍ أو مطامعَ أو مصالحَ له أو لأتباعه، بل تزداد ثقتُهُم في الدعوة والداعية حين يرونه يتعب ويضحي في سبيلها بماله ووقته وجهده، ولا يتطلَّع من وراء ذلك لأي أجرٍ مهما كان .
ومن أخطر الاتهامات التي يوجِّهها المكذِّبون والمناوئون لدعوة الله، ويشهرونها في وجه الدعاة، ويشيعونها بين الناس لصدِّهم عن الدعوة والدعاة أنَّ هؤلاء الدعاة يريدون من وراء هذه الدعوة تحقيقَ أغراضٍ ومصالحَ ومطامعَ، وليسوا مخلصين أو متجردين لها كما يزعمون : { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } [ القمر: 25 ] : أي ليس كما يدعيه، وإنما يريد أن يتعاظم ويلتمس التكبر علينا من غير استحقاق .. { ِمَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } [ المؤمنون: 24 ] : أي يسُودُكم ويُشرِف عليكم بأن يكون متبوعًا ونحن له تَبَعٌ .
وكان هذا ظنَّ قريشٍ في بادئ الأمر، ها هو عتبةُ بن ربيعةَ يفاوِض الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- ويكلمه، فقال: "يا ابن أخي! إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد شرفًا شرفناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا " .
ومن كان يلاحظ تصرفات الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- يستخلص منها أنه نبي صادقٌ، لا يبغي مُلْكًا ولا سلطانًا، فهذا عدي بن حاتم يقول : " فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامدٌ بي إليه إذ لقيته امرأةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تُكلمه في حاجتها، قلتُ في نفسي: والله ما هذا بملك، ثم مضى بي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا دخل بيته تناول وسادةً من أُدم محشوةً ليفًا فقذفها إليَّ فقال: ( اجلس على هذه )، قلتُ بل أنت فاجلس عليها، قال: "بل أنت" فجلست، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأرض، قلتُ في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك " .
وكانت التربية النبوية شديدةَ الاهتمام بتأكيد هذا الجانب لدى الصحابة الكرام حتى في دقائق الأمور وصغائرها :
- عن سهل بن سعد قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا أنا عملتُهُ أحبني الله، وأحبني الناس ! قال : ( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ) [ ابن ماجة والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان ] .
وعَنْ عَوْف بْن مَالِكٍ الأَشْجَعيّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- سَبْعةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ تِسْعَةً، فَقَالَ : " أَلاَ تُبَايِعُون رَسُولَ اللهِ ؟ "، فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ، فَعَلاَمَ نُبَايعُكَ؟ فَقَالَ : ( أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُوا الصَّلَوَاتِ الْخِمْسَ، وَتَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً - ، وَلاَ تَسْألُوا النَّاسَ شَيْئًا ) [ صحيح مسلم ] قَالَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أولئكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ فَلاَ يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاولُهُ إِيَّاه " .
وهكذا كان فهم صحابته الأجلاء، وسلوكهم حتى مع إخوانهم وأحبائهم :
عن أنس- رضي الله عنه- قال: قدَّم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يُناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن:
بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق، فربح شيئًا من أَقِط وسمن .
وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر: "أصبت، استغن عن الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم " .
- ومن طبائع الناس احترام ومحبة مَن يعفُّ عمَّا في أيديهم، ولا يتطلع لشيء مما لديهم، وازدراء والاستخفاف بمن يعيش عبئًا عليهم، ومَن لهم عليه فضلٌ ومنَّةٌ .
يقول الحسن البصري: " لا تزال كريمًا على الناس ما لم تُعطَ ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك " [ حلية الأولياء- 3/20 ] .
ويقول الماوردي: " الاسترسال في الاستعانة تثقيلٌ، ومن ثقَّل على الناس هان، ولا قدرَ عندهم لمهان " .
وهذا نموذجٌ رائعٌ للداعية المتعفف، يضربه لنا الرجل الصالح عبد الله بن محيريز: دخل حانوتًا يريد أن يشتري ثوبًا، فقال رجلٌ لصاحب الحانوت: هذا ابن محيريز فأحسن بيعه.. فغضب وخرج وقال: " إنما نشتري بأموالنا.. لسنا نشتري بديننا " [ حلية الأولياء- 5/138 ] .
ترى هل يتعلم الدعاة من هذا النموذج، ولا يتساهلون في طلبِ الحوائج وقضاء المصالح من الناس، ويترفعون عن قبول الخدمات والهبات والهدايا، وحضور الولائم وإجابة الدعوات صيانةً لنفوسهم ومروءتهم، وحفظًا لسمعتهم مما يلصقه بها المستهترون والمناوئون؟!
ويسارع الأستاذ البنا بالتبرؤ مما يُلصَق بأصحاب الدعوات من سمعةٍ سيئةٍ، ففي القوصية دعا زعيمُ البلدة المرحومُ أحمد باشا جاد الرب الأستاذَ البنَّا وإخوانَهُ إلى طعام العشاء، وانتهى الأستاذ من الخطابة وبدأ ينصرف وسار في الطريق الخارجي ومن ورائه أتباعه الكثيرون، وهنا وقف الأستاذ البنا وقال: يا حسن: نحن لسنا (بتوع فتة)، ولا يمكن أن نذهب إلى منزل أحمد باشا هكذا: ثلاثة فقط يذهبون معنا . [ مجلة عطارد- عدد 1- يناير 1953 م ]
3- الإيجابيـة والخدمـة :
وهذه درجة أعلى من مجرَّد التعفف عمَّا في أيدي الناس، بل يجب أن يرى الناس أثرًا إيجابيًّا للدعوة والدعاة في حياتهم، أما السلبية والانطوائية وعزلة الدعاة عن الناس فلا يلقونهم إلا من خلال درس علمٍ أو محاضرة أو مقال في مجلة أو كتاب، فهيهاتَ أن تُبنَى ثقةٌ أو تُغرَس محبةٌ .
وضرب لنا الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- مثلاً أعلى في ذلك، تأكد أثرُهُ منذ اللحظة الأولى لنزول الوحي عليه، ففي الحديث: فقال لخديجة وأخبرها الخبر : ( لقد خشيتُ على نفسي )، فقالت خديجة : " كلا والله، ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " .
وتبعه صاحبه الصديق على نفس الدرب، فوصفه أحدهم بنفس ما وصفت به السيدة خديجة الرسول القدوة، وكان له في نفسه- وهو مشرك- أثرٌ عظيمٌ، فعن عائشةَ قالت: "لما خرج أبو بكر مهاجرًا قِبَل الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدِّغنَّة، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيحَ في الأرضِ فأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يَخرُج ولا يُخرَج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشرافِ كفار قريش، فقال لهم: إنَّ أبا بكر لا يُخرَج مثلُهُ ولا يَخرُج، أتُخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم ويحمل الكلَّ، ويَقري الضيف، ويعين على نوائبِ الحقِّ، فأنفذت قريش جوارَ ابنِ الدغنة " .
وهكذا كان سمته- رضي الله عنه- دائمًا فيقول رافع بن أبي رافع الطائي: لما كانت غزوة ذات السلاسل قلت لأختارنَّ لنفسي رفيقًا صالحًا، فوفِّق لي أبو بكر، فكان ينيمني على فراشه ويلبسني كساءً له من أكسية فَدَك .
وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي الثقة الكاملة في هذا الداعي الموفَّق، والمسارعة للتلقي عنه، يقول رافع مكملاً حديثه: "فقلت له: علمني شيئًا ينفعني ! قال: ( اعبد الله ولا تشرك به شيئًا وأقم الصلاةَ وتصدَّق إن كان لك مالٌ، وهاجر دار الكفر، ولا تأمِّر على رجلين ) .
ولا تظن أن كونك داعيةً للناس ومعلمًا لهم أنَّ لك حقًّا عليهم أن تستريح وتستخدمهم؛ بل منزلتك هذه- لو أنصفت- تفرض عليك أن تتعب وتخدمهم، وهكذا كان الصالحون: قال أبو علي الرباطي :
صحبت عبد الله الرازي وكان يدخل البادية، فقال: على أن تكون أنت الأميرَ أو أنا، فقلت بل أنت، فقال وعليك الطاعة، فقلتُ نعم، فأخذ مخلاةً ووضع فيها الزادَ وحملها على ظهره، فإذا قلتُ له أعطني، قال ألستَ قلتَ أنت الأمير؟ فعليك الطاعة، فأخذنا المطرُ ليلةً فوقفَ على رأسي إلى الصباح، وعليه كساء وأنا جالس يمنع عني المطر، فكنتُ أقول مع نفسي: ليتني مت ولم أقل أنت الأمير " .
4- الفطنـة والكياسـة وحسن التصرف :
وهذه الصفات من ألزم ما يحتاجه الداعية، ومن أهم مؤكدات الثقة فيه، تحمِل الكلَّ على احترامه والثقة فيه، وتجعل لديهم الاستعدادَ القوي للتلقي عنه والتعلمِ منه واتِّباعِهِ واتخاذه قدوةً ومرشدًا .
وجعلها الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- من صفاتِ المؤمن الصحيح فقَالَ: ( المؤمن كيسٌ فطنٌ حَذِرٌ وقَّافٌ ثبتٌ لا يعجل عالمٌ ورعٌ ) .
وعن أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ : ( لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جْحُرٍ مَرَّتَيْنِ ) ، وقال عمر بن الخطاب يصف نفسه فيقول : ( لستُ بالخبِّ وليس الخبُّ يخدعني ) وهذه مواقف لفطنة ويقظة الداعية نتعلمها من الرسول القدوة :
- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أَسَر أبا عزة الجمحي ببدر ثم مَنَّ عليه على ألا يُقاتل ضده، فنقض عهده، وخرج مع قريش في أُحُد، فأُسِر فقال: يا رسول الله أقلني، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "لا والله لا تمسح عارضيك بمكةَ تقول خدعتُ محمدًا مرتين، اضرب عنقه يا زُبير فضربَ عنقه " .
- وحين جاء وفدُ عبد القيس ونهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن أنواعٍ من الأشربة الشائعة في بلادهم لما فيها من شبهة المسكرات، فقال له الأشج سيد القوم: بأبي وأمي يا رسول الله رخّص لنا في مثل هذه وأومأ بكفيه - أي قدر صغير ملء الكفين - فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا أشج إني إن رخصت لك في مثل هذه - وقال بكفيه هكذا - شربته في مثل هذه - وفرج يديه وبسطها - يعني أعظم منها ) .
5- صيانـة النفس عن مواضع التهمـة والشبهات :
ما أجمل هذه القاعدة العظيمة التي علمنا إياها سيدنا علي بن أبي طالب حين قال: "إياك وما يسبق إلى القلوبِ إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فربَّ سامع قولاً نكرًا لا تستطيع أن تبلغه عذرًا " .
وحذَّرنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- تحذيرًا حاسمًا فقال: " مَن أقام نفسه مقام التهم فلا يلومنَّ مَن أساء به الظن " ، وطبق ذلك عمليًّا حين مرَّ برجلٍ يكلم امرأةً على ظهرِ الطريق فعلاه بالدرة فقال: يا أمير المؤمنين إنها امرأتي، فقال: هلا حيث لا يراك أحد من الناس ؟ " .
ولا عجبَ في ذلك فقد تعلَّم الاثنان من مشكاة النبوة، وكان أسوتهما في ذلك الرسول القدوة - صلى الله عليه وسلم- الذي تُروى عنه زوجته السيدة صفية أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي- صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مرَّ رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال لهما النبي- صلى الله عليه وسلم-: ( على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي ! ) ، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الشيطانَ يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيتُ أن يقذفَ في قلوبكما شيئًا ) .
ومن أمثلة مواضع الشبهات التي حذَّرنا منها الرسول القدوة - صلى الله عليه وسلم-: الدخول على المغيبات، والمغيبة: هي التي غاب عنها زوجها لسفرٍ أو جهادٍ أو غيره، فعن ابن عمر أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان ) .
ومن بعده نصح عمر بن الخطاب وقال: لا يدخل رجلٌ على مغيبةٍ فقال رجل: إنَّ أخًا لي أو ابن عم لي خرج غازيًا وأوصاني فأدخلُ عليهم، فكان رد الفاروق الحاسم فضربه بالدرة فقال: إذن كذا إذن دونك، لا تدخل وقُمْ على الباب، فقل لكم حاجةً؟ أتريدون شيئًا ؟
فراجع نفسك أيها الداعية في كل شئونك: وانظر مَن تُصاحب؟ ومع مَن تقضي وقتك؟ وعند مَن تحفظ سرَّك؟ ومَن يزورك ويدخل بيتك؟ ومَن تزور؟ وكيف تزور وتدخل البيوت؟ وكيف تتعامل ماديًّا؟ ومع مَن؟ وهل لتعاملاتك ضوابط شرعية ورقابة ذاتية دقيقة؟ واحذر أن تتورط في صلةٍ أو تعاملٍ مع مَن لا تعرف أو لا تثق خصوصًا فيما يؤثر على سمعتك .
ثالثًَا: هدامات الثقة من الأخلاق والسلوك
وهناك صفات وأخلاق سلوكيات إن ابتلي الداعية بشيء منها، فقدَ ثقةَ الناس فيه إلى الأبد، وهيهات أن يستعيدها ثانيةً، وإن تحدَّث وخطب وكتب وطنطن بالبليغِ من القولِ وهزَّ المنابر بزواجرِ الوعظ وروائع الخطب.. ومن أخطر هذه الصفات :
أ- صفات المنافقين الأربع :
ومن أشد هذه الصفات أربع حذَّرنا منها الرسول القدوة، وجعلها من صفات المنافقين، فقال : ( أربع من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ) .
وكم كان قيصر عاقلاً في حديثه مع أبي سفيان حين قال: "وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذبِ قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذرَ الكذبَ على الناس ويكذب على الله " .
وعلى الطرفِ الآخر كان اليسير من الكذب كافيًا لإضعافِ الثقة في الفرد والتحرج من سماعِ حديثه، فمما يُروى عن الإمام البخاري أنه خرجَ يطلب الحديث من رجلٍ فرآه قد هربت فرسه وهو يشير إليها برداءٍ كأنَّ فيه شعيرًا فجاءته فأخذها فقال البخاري: أكان معك شعير؟ فقال الرجل لا ولكن أوهمتها فقال البخاري: لا آخذ الحديثَ ممن يكذب على البهائم .
ب- خيانـة الأمانـة وإفشاء الأسرار :
عن أبي هُرَيرَةَ قال: قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أدِّ الأمانةَ إلى مَن ائْتمنكَ، ولا تخُنْ من خانكَ ) .
ومن أعظم الأمانات: الأسرار يأتمن الرجل عليها أخاه، فإن حفظها وكتمها ولم يعلم بها أحدًا فقد أدَّى الأمانة، واستحقَّ أن ينال ثقة الآخرين واحترامهم، وتقبلهم لدعوته وفكرته، أما إن تساهل واستخفَّ بأهميةِ الأمر، وفلت لسانه بما يفشي السر ويفضح المستور فقد خان الأمانة وحق للناس أن يحذروه بل وأن يبغضوه، وهيهات أن تكون هناك دعوة مع البغض والحذر .
عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا حدث الرجل بحديثٍ ثم التفت فهي أمانة ) ، وعن أنس بن مالك قال: أسرَّ إليَّ نبي الله- صلى الله عليه وسلم سرًّا، فما أخبرتُ به أحدًا بعد، ولقد سألتني عنه أم سليم فما أخبرتها به". وأفشى بعضهم سرًّا له إلى أخيه ثم قال له: هل حفظت؟ فقال: بل نسيت.
وأخيرًا أخي الداعية: هل أنت أهل للثقة؟
ولكي تقف على حقيقةِ أمرك، أجب عن هذه الأسئلة، وراجع هذه النقاط :
- هل تلتزم بتطبيق ما تتحدث مع غيرك عنه؟ وهل أنت قدوة في حدودِ ما تدعو إليه ؟
- هل تحافظ على صلاة الجماعة حين تسمع النداء ؟
- هل أنت في بيتك وعملك كما أنت في مسجدك وبين أصدقائك؟
- هل تحرص على الالتزام بمواعيدك معهم والوفاء بعهودك لهم؟
- هل يرون في تعاملاتك وسلوكك جديةً والتزامًا؟ أم استهتارًا واستخفافًا وكثرةَ مزاحٍ؟
- هل تحافظ على نظافة مظهرك وهندامك مهما كان بسيطًا ؟
- هل تحرص على إتقان عملك أو دراستك حسب طاقتك وقدراتك؟
- هل أنت كثير الكلام والتدخل في شئون الآخرين؟
- هل تحدثت مع أحدهم ذات مرة وكان في حديثك أشياء مغايرة للحقيقة؟
- هل أفشيت أسرارًا حدَّثك بها أحدهم وائتمنك عليها- مهما كانت بسيطة-؟
- هل أنت كثير الحديث عن نفسك وإمكانياتك وطاقاتك وقدراتك؟
- هل يبدر منك أحيانًا انتقاص أو تأنيب شديد للآخرين عند وقوعهم في بعض الأخطاء؟
- هل أنت كثير النقد شديد التشاؤم ممن حولك ومما حولك؟
- هل أنت كثير المشاكل مع الزملاء والعملاء؟ وهل بينك وبين أحدهم خصام أو قطيعة؟
- هل تفلت منك أحيانًا بعض ألفاظ وتعبيرات حادة أو سوقية أونابية عند الانفعال أو الغضب؟
- ما مدى تفاعلك ومستوى مشاركتك مع زملائك وعملائك في الظروف والمناسبات.. ومثلاً :
* المشاركة في المناسبات الاجتماعية (زواج- ولادة- مرض- وفاة- نجاح ) .
* مساعدة زميل يمر بظروف طارئة .
* الوقوف بجانب مظلوم أو ضعيف .
- هل تتعامل معهم بروحٍ وأسلوب الأستاذ والمعلم أم بروح وأسلوب الأخ والزميل؟
وبقدر إجابتك عن هذه الأسئلة بصراحة وصدق، ونظرك لواقع التزامك وحركتك نظرة تقييم صريحة ومحايدة، يكون إدراكك لمدى أهليتك كداعية لأن تحوز ثقة مَن حولك ومَن يتعاملون معك .
وختامًا .. استعن بالله واجتهد في سدِّ ما تراه من ثغراتٍ وتدارك ما تكتشفه من سلبياتٍ وعلاج ما يتبين لك من قصور وتقصير .
أولاً: أهميـة الثقـة فـي الداعية
تُعتبر الثقة إحدى دعائم النجاح في الدعوة، وإحدى الأسس التي يُبنَى عليها باقي مراحل العمل في الدعوة، وبقدر قوتها ودرجة استكمالها تكون درجة النجاح والإنتاج في الدعوة.
ومن المواقف الطريفة التي تبيِّن أهمية الثقة في الداعية ما يرويه الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي للأستاذ البنا فيقول: "أنا الآن قادمٌ من القاهرة ومعي ابنتي الصغيرة، وقد جلست معنا في القطار "خواجاية" أخذت تتحدث طويلاً معها، وبعد أن نزلنا من القطار وركبنا السيارة بادرتني الصغيرة بطلب سيرة عمر بن الخطاب في إصرارٍ وإلحاح، فاستغربتُ سؤالها إذْ كان مفاجئًا ولم يكن هناك ما يدفع إليه، وقلتُ لها: لماذا تريدين هذه السيرة بهذه السرعة؟ فقالت لأنَّ الخواجاية حدثتني عنه حديثًا طيبًا، فقلتُ لها: "سبحان الله حدثتك عنه- وأنا شيخ الإسلام - سبعين مرة فلم يدفعك هذا الحديث إلى طلبِ سيرته، وفي جلسةٍ قصيرةٍ وحديثٍ عابر مع الخواجاية اتجهت رغبتك إلى سيرته بهذه الصورة " [ مذكرات الدعوة والداعية- حسن البنا- ص 251 ] .
وفي المقابل يضرب لنا سيدنا سعد بن أبي وقاص مثلاً في كونِ فقدان الثقة في حمل أية فكرة يُفقِد الثقةَ في الفكرة نفسها حتى قبل الاطلاع عليها أو معرفتها، فيُروى أنه خرج يومًا إلى طرقاتِ المدينة فرأى مالكًا الأشترَ وصحبه يُحاصرون عثمانَ بنَ عفانَ- رضي الله عنه- يريدون قتله فقال : " إنَّ أمْرًا هؤلاء رؤساؤه لأَمْرُ سوءٍ " [ طبقات ابن سعد 3/72 نقلاً عن العوائق ، ص 242 ] .
ثانيًا: أهم موجبات الثقـة في الداعية:
1- القدوة والالتزام:
عن ابن إسحاق أنَّ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- بعث عمرًا بن العاص إلى الجلندي (ملك عمان) يدعوه إلى الإسلام فقال : " لقد دلني على هذا النبي الأمي، أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذٍ به، ولا ينهى عن شرٍّ إلا كان أول تاركٍ له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر، وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي " [ الإصابة في تمييز الصحابة - ج1-القسم الثالث ] .
وهكذا كان الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- في مختلف جوانب حياته :
- ففي عبادته يُروى عن ابن مسعود، قال: "صليت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلةً فلم يزل قائمًا حتى هممتُ بأمرِ سوءٍ، قيل ما هممت به؟ قال: هممتُ أن أجلسَ وأدعه" [ البخاري ومسلم ]
وفي جهاده يُروى عن علي رضي الله عنه قال: "كنا إذا حَمِيَ البأسُ ولقي القومُ القومَ اتَّقينا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا يكون أحدٌ منا أدنى إلى القوم منه " .
ثُمَّ كان صحابته من بعده على نفسِ الدرب من الالتزام وتقديم القدوة العملية الصحيحة لما يدعون إليه، فيقول ابن القيم واصفًا صحابةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم – وتلامذته : " لمَّا رآهم نصارى الشام وشاهدوا هديهم وسيرتهم وعدلهم وعلمهم ورحمتهم وزهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة قالوا ما الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء " [ زاد المعاد - ابن القيم 3/316 ] .
وفي عصرنا الحاضر كان للأستاذ البنا في هذا الأمر مواقفُ رائعةٌ، كان لها أبعد الأثر في ثقةِ تلامذته فيه وتأثرهم به، فيقول الأستاذ عمر التلمساني : "ذهبتُ معه يومًا إلى المنزلة وبعد الحفل صعدنا إلى الطابق الثاني في منزل لنأخذ قسطًا من الراحة، وكان التعب والإجهاد قد بلغ مني مداه، فاعتراني قلقٌ، وبعد خمس دقائق سألني فضيلته: هل نمت يا عمر؟ قلت ليس بعد، ثم كرر السؤال بعد فترة حتى ضِقتُ بالأمر، فصممت على ألا أرد على أسئلته موهمًا إياه أنني نمت، فلما اطمأن إلى نومي نزل من سريره في هدوء كامل وعند الباب أخذ القبقاب بيده وسار حافيًا حتى وصل إلى دورة المياه حيث توضأ وأخذ سجادةً صغيرةً وذهب إلى آخر الصالة بعيدًا عن الغرفة التي ننام فيها، وأخذ يُصلي ما شاء الله له أن يُصلي، ونمتُ أنا ما شاء الله لي أن أنام " [ ذكريات لا مذكرات - عمر التلمساني- ص 48 ]
وهذا الالتزام الصادق من الداعية يؤثِّر في سمته وهديه، فيرى عليه الناسُ دلائلَ الصدق والإخلاص قبل أن يتحدَّث أو يعظ أو يدعو لما يدعو إليه، ويُقَال فيه ما قاله عبد الله بن سلام- وكان من أحبار اليهود- يصف انطباعَه الأول عن الرسول القدوة حين رآه فيقول : " عرفتُ أنَّ وجهه ليس بوجه كذاب " . [ الترمذي، وقال حديث حسن صحيح ] .
2- التعفف عمَّا فـي أيدي الناس:
ومن أهم موجبات الثقة أن يتيقَّن الناس أن الداعيةَ لا يبغي من وراء دعوته إلا رضا الله وجنته، وأنه لا يطلب من ورائها أي غرض دنيوي مهما كان، لا يريد بها جاهًا أو منزلةً أو شهرةً أو كثرةَ أتباعٍ، ولا يتوسل بها إلى تحقيق منفعةٍ أو مطامعَ أو مصالحَ له أو لأتباعه، بل تزداد ثقتُهُم في الدعوة والداعية حين يرونه يتعب ويضحي في سبيلها بماله ووقته وجهده، ولا يتطلَّع من وراء ذلك لأي أجرٍ مهما كان .
ومن أخطر الاتهامات التي يوجِّهها المكذِّبون والمناوئون لدعوة الله، ويشهرونها في وجه الدعاة، ويشيعونها بين الناس لصدِّهم عن الدعوة والدعاة أنَّ هؤلاء الدعاة يريدون من وراء هذه الدعوة تحقيقَ أغراضٍ ومصالحَ ومطامعَ، وليسوا مخلصين أو متجردين لها كما يزعمون : { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } [ القمر: 25 ] : أي ليس كما يدعيه، وإنما يريد أن يتعاظم ويلتمس التكبر علينا من غير استحقاق .. { ِمَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } [ المؤمنون: 24 ] : أي يسُودُكم ويُشرِف عليكم بأن يكون متبوعًا ونحن له تَبَعٌ .
وكان هذا ظنَّ قريشٍ في بادئ الأمر، ها هو عتبةُ بن ربيعةَ يفاوِض الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- ويكلمه، فقال: "يا ابن أخي! إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد شرفًا شرفناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا " .
ومن كان يلاحظ تصرفات الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- يستخلص منها أنه نبي صادقٌ، لا يبغي مُلْكًا ولا سلطانًا، فهذا عدي بن حاتم يقول : " فقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامدٌ بي إليه إذ لقيته امرأةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تُكلمه في حاجتها، قلتُ في نفسي: والله ما هذا بملك، ثم مضى بي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا دخل بيته تناول وسادةً من أُدم محشوةً ليفًا فقذفها إليَّ فقال: ( اجلس على هذه )، قلتُ بل أنت فاجلس عليها، قال: "بل أنت" فجلست، وجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأرض، قلتُ في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك " .
وكانت التربية النبوية شديدةَ الاهتمام بتأكيد هذا الجانب لدى الصحابة الكرام حتى في دقائق الأمور وصغائرها :
- عن سهل بن سعد قال: جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا أنا عملتُهُ أحبني الله، وأحبني الناس ! قال : ( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ) [ ابن ماجة والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان ] .
وعَنْ عَوْف بْن مَالِكٍ الأَشْجَعيّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- سَبْعةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ تِسْعَةً، فَقَالَ : " أَلاَ تُبَايِعُون رَسُولَ اللهِ ؟ "، فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ، فَعَلاَمَ نُبَايعُكَ؟ فَقَالَ : ( أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُوا الصَّلَوَاتِ الْخِمْسَ، وَتَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا - وَأَسَرَّ كَلِمَةً - ، وَلاَ تَسْألُوا النَّاسَ شَيْئًا ) [ صحيح مسلم ] قَالَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أولئكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ فَلاَ يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاولُهُ إِيَّاه " .
وهكذا كان فهم صحابته الأجلاء، وسلوكهم حتى مع إخوانهم وأحبائهم :
عن أنس- رضي الله عنه- قال: قدَّم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي- صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يُناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن:
بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق، فربح شيئًا من أَقِط وسمن .
وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر: "أصبت، استغن عن الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم " .
- ومن طبائع الناس احترام ومحبة مَن يعفُّ عمَّا في أيديهم، ولا يتطلع لشيء مما لديهم، وازدراء والاستخفاف بمن يعيش عبئًا عليهم، ومَن لهم عليه فضلٌ ومنَّةٌ .
يقول الحسن البصري: " لا تزال كريمًا على الناس ما لم تُعطَ ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك " [ حلية الأولياء- 3/20 ] .
ويقول الماوردي: " الاسترسال في الاستعانة تثقيلٌ، ومن ثقَّل على الناس هان، ولا قدرَ عندهم لمهان " .
وهذا نموذجٌ رائعٌ للداعية المتعفف، يضربه لنا الرجل الصالح عبد الله بن محيريز: دخل حانوتًا يريد أن يشتري ثوبًا، فقال رجلٌ لصاحب الحانوت: هذا ابن محيريز فأحسن بيعه.. فغضب وخرج وقال: " إنما نشتري بأموالنا.. لسنا نشتري بديننا " [ حلية الأولياء- 5/138 ] .
ترى هل يتعلم الدعاة من هذا النموذج، ولا يتساهلون في طلبِ الحوائج وقضاء المصالح من الناس، ويترفعون عن قبول الخدمات والهبات والهدايا، وحضور الولائم وإجابة الدعوات صيانةً لنفوسهم ومروءتهم، وحفظًا لسمعتهم مما يلصقه بها المستهترون والمناوئون؟!
ويسارع الأستاذ البنا بالتبرؤ مما يُلصَق بأصحاب الدعوات من سمعةٍ سيئةٍ، ففي القوصية دعا زعيمُ البلدة المرحومُ أحمد باشا جاد الرب الأستاذَ البنَّا وإخوانَهُ إلى طعام العشاء، وانتهى الأستاذ من الخطابة وبدأ ينصرف وسار في الطريق الخارجي ومن ورائه أتباعه الكثيرون، وهنا وقف الأستاذ البنا وقال: يا حسن: نحن لسنا (بتوع فتة)، ولا يمكن أن نذهب إلى منزل أحمد باشا هكذا: ثلاثة فقط يذهبون معنا . [ مجلة عطارد- عدد 1- يناير 1953 م ]
3- الإيجابيـة والخدمـة :
وهذه درجة أعلى من مجرَّد التعفف عمَّا في أيدي الناس، بل يجب أن يرى الناس أثرًا إيجابيًّا للدعوة والدعاة في حياتهم، أما السلبية والانطوائية وعزلة الدعاة عن الناس فلا يلقونهم إلا من خلال درس علمٍ أو محاضرة أو مقال في مجلة أو كتاب، فهيهاتَ أن تُبنَى ثقةٌ أو تُغرَس محبةٌ .
وضرب لنا الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- مثلاً أعلى في ذلك، تأكد أثرُهُ منذ اللحظة الأولى لنزول الوحي عليه، ففي الحديث: فقال لخديجة وأخبرها الخبر : ( لقد خشيتُ على نفسي )، فقالت خديجة : " كلا والله، ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " .
وتبعه صاحبه الصديق على نفس الدرب، فوصفه أحدهم بنفس ما وصفت به السيدة خديجة الرسول القدوة، وكان له في نفسه- وهو مشرك- أثرٌ عظيمٌ، فعن عائشةَ قالت: "لما خرج أبو بكر مهاجرًا قِبَل الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدِّغنَّة، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيحَ في الأرضِ فأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يَخرُج ولا يُخرَج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشرافِ كفار قريش، فقال لهم: إنَّ أبا بكر لا يُخرَج مثلُهُ ولا يَخرُج، أتُخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم ويحمل الكلَّ، ويَقري الضيف، ويعين على نوائبِ الحقِّ، فأنفذت قريش جوارَ ابنِ الدغنة " .
وهكذا كان سمته- رضي الله عنه- دائمًا فيقول رافع بن أبي رافع الطائي: لما كانت غزوة ذات السلاسل قلت لأختارنَّ لنفسي رفيقًا صالحًا، فوفِّق لي أبو بكر، فكان ينيمني على فراشه ويلبسني كساءً له من أكسية فَدَك .
وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي الثقة الكاملة في هذا الداعي الموفَّق، والمسارعة للتلقي عنه، يقول رافع مكملاً حديثه: "فقلت له: علمني شيئًا ينفعني ! قال: ( اعبد الله ولا تشرك به شيئًا وأقم الصلاةَ وتصدَّق إن كان لك مالٌ، وهاجر دار الكفر، ولا تأمِّر على رجلين ) .
ولا تظن أن كونك داعيةً للناس ومعلمًا لهم أنَّ لك حقًّا عليهم أن تستريح وتستخدمهم؛ بل منزلتك هذه- لو أنصفت- تفرض عليك أن تتعب وتخدمهم، وهكذا كان الصالحون: قال أبو علي الرباطي :
صحبت عبد الله الرازي وكان يدخل البادية، فقال: على أن تكون أنت الأميرَ أو أنا، فقلت بل أنت، فقال وعليك الطاعة، فقلتُ نعم، فأخذ مخلاةً ووضع فيها الزادَ وحملها على ظهره، فإذا قلتُ له أعطني، قال ألستَ قلتَ أنت الأمير؟ فعليك الطاعة، فأخذنا المطرُ ليلةً فوقفَ على رأسي إلى الصباح، وعليه كساء وأنا جالس يمنع عني المطر، فكنتُ أقول مع نفسي: ليتني مت ولم أقل أنت الأمير " .
4- الفطنـة والكياسـة وحسن التصرف :
وهذه الصفات من ألزم ما يحتاجه الداعية، ومن أهم مؤكدات الثقة فيه، تحمِل الكلَّ على احترامه والثقة فيه، وتجعل لديهم الاستعدادَ القوي للتلقي عنه والتعلمِ منه واتِّباعِهِ واتخاذه قدوةً ومرشدًا .
وجعلها الرسول القدوة- صلى الله عليه وسلم- من صفاتِ المؤمن الصحيح فقَالَ: ( المؤمن كيسٌ فطنٌ حَذِرٌ وقَّافٌ ثبتٌ لا يعجل عالمٌ ورعٌ ) .
وعن أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ : ( لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جْحُرٍ مَرَّتَيْنِ ) ، وقال عمر بن الخطاب يصف نفسه فيقول : ( لستُ بالخبِّ وليس الخبُّ يخدعني ) وهذه مواقف لفطنة ويقظة الداعية نتعلمها من الرسول القدوة :
- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أَسَر أبا عزة الجمحي ببدر ثم مَنَّ عليه على ألا يُقاتل ضده، فنقض عهده، وخرج مع قريش في أُحُد، فأُسِر فقال: يا رسول الله أقلني، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "لا والله لا تمسح عارضيك بمكةَ تقول خدعتُ محمدًا مرتين، اضرب عنقه يا زُبير فضربَ عنقه " .
- وحين جاء وفدُ عبد القيس ونهاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن أنواعٍ من الأشربة الشائعة في بلادهم لما فيها من شبهة المسكرات، فقال له الأشج سيد القوم: بأبي وأمي يا رسول الله رخّص لنا في مثل هذه وأومأ بكفيه - أي قدر صغير ملء الكفين - فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا أشج إني إن رخصت لك في مثل هذه - وقال بكفيه هكذا - شربته في مثل هذه - وفرج يديه وبسطها - يعني أعظم منها ) .
5- صيانـة النفس عن مواضع التهمـة والشبهات :
ما أجمل هذه القاعدة العظيمة التي علمنا إياها سيدنا علي بن أبي طالب حين قال: "إياك وما يسبق إلى القلوبِ إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فربَّ سامع قولاً نكرًا لا تستطيع أن تبلغه عذرًا " .
وحذَّرنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- تحذيرًا حاسمًا فقال: " مَن أقام نفسه مقام التهم فلا يلومنَّ مَن أساء به الظن " ، وطبق ذلك عمليًّا حين مرَّ برجلٍ يكلم امرأةً على ظهرِ الطريق فعلاه بالدرة فقال: يا أمير المؤمنين إنها امرأتي، فقال: هلا حيث لا يراك أحد من الناس ؟ " .
ولا عجبَ في ذلك فقد تعلَّم الاثنان من مشكاة النبوة، وكان أسوتهما في ذلك الرسول القدوة - صلى الله عليه وسلم- الذي تُروى عنه زوجته السيدة صفية أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي- صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مرَّ رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقال لهما النبي- صلى الله عليه وسلم-: ( على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي ! ) ، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الشيطانَ يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيتُ أن يقذفَ في قلوبكما شيئًا ) .
ومن أمثلة مواضع الشبهات التي حذَّرنا منها الرسول القدوة - صلى الله عليه وسلم-: الدخول على المغيبات، والمغيبة: هي التي غاب عنها زوجها لسفرٍ أو جهادٍ أو غيره، فعن ابن عمر أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : ( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان ) .
ومن بعده نصح عمر بن الخطاب وقال: لا يدخل رجلٌ على مغيبةٍ فقال رجل: إنَّ أخًا لي أو ابن عم لي خرج غازيًا وأوصاني فأدخلُ عليهم، فكان رد الفاروق الحاسم فضربه بالدرة فقال: إذن كذا إذن دونك، لا تدخل وقُمْ على الباب، فقل لكم حاجةً؟ أتريدون شيئًا ؟
فراجع نفسك أيها الداعية في كل شئونك: وانظر مَن تُصاحب؟ ومع مَن تقضي وقتك؟ وعند مَن تحفظ سرَّك؟ ومَن يزورك ويدخل بيتك؟ ومَن تزور؟ وكيف تزور وتدخل البيوت؟ وكيف تتعامل ماديًّا؟ ومع مَن؟ وهل لتعاملاتك ضوابط شرعية ورقابة ذاتية دقيقة؟ واحذر أن تتورط في صلةٍ أو تعاملٍ مع مَن لا تعرف أو لا تثق خصوصًا فيما يؤثر على سمعتك .
ثالثًَا: هدامات الثقة من الأخلاق والسلوك
وهناك صفات وأخلاق سلوكيات إن ابتلي الداعية بشيء منها، فقدَ ثقةَ الناس فيه إلى الأبد، وهيهات أن يستعيدها ثانيةً، وإن تحدَّث وخطب وكتب وطنطن بالبليغِ من القولِ وهزَّ المنابر بزواجرِ الوعظ وروائع الخطب.. ومن أخطر هذه الصفات :
أ- صفات المنافقين الأربع :
ومن أشد هذه الصفات أربع حذَّرنا منها الرسول القدوة، وجعلها من صفات المنافقين، فقال : ( أربع من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ) .
وكم كان قيصر عاقلاً في حديثه مع أبي سفيان حين قال: "وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذبِ قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذرَ الكذبَ على الناس ويكذب على الله " .
وعلى الطرفِ الآخر كان اليسير من الكذب كافيًا لإضعافِ الثقة في الفرد والتحرج من سماعِ حديثه، فمما يُروى عن الإمام البخاري أنه خرجَ يطلب الحديث من رجلٍ فرآه قد هربت فرسه وهو يشير إليها برداءٍ كأنَّ فيه شعيرًا فجاءته فأخذها فقال البخاري: أكان معك شعير؟ فقال الرجل لا ولكن أوهمتها فقال البخاري: لا آخذ الحديثَ ممن يكذب على البهائم .
ب- خيانـة الأمانـة وإفشاء الأسرار :
عن أبي هُرَيرَةَ قال: قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أدِّ الأمانةَ إلى مَن ائْتمنكَ، ولا تخُنْ من خانكَ ) .
ومن أعظم الأمانات: الأسرار يأتمن الرجل عليها أخاه، فإن حفظها وكتمها ولم يعلم بها أحدًا فقد أدَّى الأمانة، واستحقَّ أن ينال ثقة الآخرين واحترامهم، وتقبلهم لدعوته وفكرته، أما إن تساهل واستخفَّ بأهميةِ الأمر، وفلت لسانه بما يفشي السر ويفضح المستور فقد خان الأمانة وحق للناس أن يحذروه بل وأن يبغضوه، وهيهات أن تكون هناك دعوة مع البغض والحذر .
عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا حدث الرجل بحديثٍ ثم التفت فهي أمانة ) ، وعن أنس بن مالك قال: أسرَّ إليَّ نبي الله- صلى الله عليه وسلم سرًّا، فما أخبرتُ به أحدًا بعد، ولقد سألتني عنه أم سليم فما أخبرتها به". وأفشى بعضهم سرًّا له إلى أخيه ثم قال له: هل حفظت؟ فقال: بل نسيت.
وأخيرًا أخي الداعية: هل أنت أهل للثقة؟
ولكي تقف على حقيقةِ أمرك، أجب عن هذه الأسئلة، وراجع هذه النقاط :
- هل تلتزم بتطبيق ما تتحدث مع غيرك عنه؟ وهل أنت قدوة في حدودِ ما تدعو إليه ؟
- هل تحافظ على صلاة الجماعة حين تسمع النداء ؟
- هل أنت في بيتك وعملك كما أنت في مسجدك وبين أصدقائك؟
- هل تحرص على الالتزام بمواعيدك معهم والوفاء بعهودك لهم؟
- هل يرون في تعاملاتك وسلوكك جديةً والتزامًا؟ أم استهتارًا واستخفافًا وكثرةَ مزاحٍ؟
- هل تحافظ على نظافة مظهرك وهندامك مهما كان بسيطًا ؟
- هل تحرص على إتقان عملك أو دراستك حسب طاقتك وقدراتك؟
- هل أنت كثير الكلام والتدخل في شئون الآخرين؟
- هل تحدثت مع أحدهم ذات مرة وكان في حديثك أشياء مغايرة للحقيقة؟
- هل أفشيت أسرارًا حدَّثك بها أحدهم وائتمنك عليها- مهما كانت بسيطة-؟
- هل أنت كثير الحديث عن نفسك وإمكانياتك وطاقاتك وقدراتك؟
- هل يبدر منك أحيانًا انتقاص أو تأنيب شديد للآخرين عند وقوعهم في بعض الأخطاء؟
- هل أنت كثير النقد شديد التشاؤم ممن حولك ومما حولك؟
- هل أنت كثير المشاكل مع الزملاء والعملاء؟ وهل بينك وبين أحدهم خصام أو قطيعة؟
- هل تفلت منك أحيانًا بعض ألفاظ وتعبيرات حادة أو سوقية أونابية عند الانفعال أو الغضب؟
- ما مدى تفاعلك ومستوى مشاركتك مع زملائك وعملائك في الظروف والمناسبات.. ومثلاً :
* المشاركة في المناسبات الاجتماعية (زواج- ولادة- مرض- وفاة- نجاح ) .
* مساعدة زميل يمر بظروف طارئة .
* الوقوف بجانب مظلوم أو ضعيف .
- هل تتعامل معهم بروحٍ وأسلوب الأستاذ والمعلم أم بروح وأسلوب الأخ والزميل؟
وبقدر إجابتك عن هذه الأسئلة بصراحة وصدق، ونظرك لواقع التزامك وحركتك نظرة تقييم صريحة ومحايدة، يكون إدراكك لمدى أهليتك كداعية لأن تحوز ثقة مَن حولك ومَن يتعاملون معك .
وختامًا .. استعن بالله واجتهد في سدِّ ما تراه من ثغراتٍ وتدارك ما تكتشفه من سلبياتٍ وعلاج ما يتبين لك من قصور وتقصير .
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ