مصر تنقذ السودان بـ "الكونفيدرالية" محيط - جهان مصطفى
رغم أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ومدير المخابرات المصرية عمر سليمان إلى الخرطوم وجوبا في 22 أكتوبر الماضي لم تكن الأولى من نوعها إلا أنها حملت دلالات هامة جدا في توقيتها وخاصة فيما يتعلق بالتصدي للمؤامرة الأمريكية الإسرائيلية التي تستهدف الإسراع بتقسيم السودان .ففي 3 نوفمبر ، كشف أبو الغيط صراحة أن مصر طرحت خيار الكونفيدرالية على الأشقاء في السودان والذى يعني بقاء الشمال والجنوب فى إطار دولتين لكل واحدة جيشها وسفارتها في الأخرى ضمن هذا الإطار العام ، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه لا مشكلة في تأجيل استفتاء تقرير مصير جنوب السودان لشهور.وأضاف خلال لقاء مع أعضاء لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى المصري أن البرنامج الذى طرحته مصر في هذا الإطار لا يقارن بما تطرحه أى دولة أخرى وهذه هي عظمة مصر تجاه السودان.وتابع أن السودانيين طلبوا إتاحة الوقت لهم لدراسة الخيار المصرى وإن كان لديهم بعض الحذر ، قائلا :" مصر تتابع أحد أخطر اللحظات التى تتعرض لها علاقتها بالسودان منذ عام 1818 وهي لحظة فارقة فى تاريخ علاقات البلدين واليوم نشهد تاريخا جديدا نأمل أن تتم صياغته بأكبر قدر من الهدوء".واستطرد أبو الغيط " مصر ترى ضرورة أن يجرى الاستفتاء على انفصال الجنوب عن الشمال فى إطار وحدة السودان خاصة أن الشمال رأى المضي فيه ثقة منه في تأييد الشعب فى الجنوب لخيار الوحدة".وأكد أيضا أن مصر رصدت مبكرا أن هناك تحديات لحقيقة السودان الموحد وانطلقت مبكرا لكي تساعد أهل الجنوب على الاختيار الأمثل من وجهة نظرها وهو الوحدة , مشيرا إلى أن مصر وضعت خلال السنوات الأربع الماضية ما يقرب من نصف مليار جنيه في جنوب السودان على هيئة مستشفيات ومدارس ومحطات كهرباء وجامعة وكل ذلك تم بهدوء.وتابع " إذا كان الاختيار لاتجاه الانفصال , فعلى الأقل يكون لدينا علاقة صداقة متينة خاصة أنهم أهلنا سواء فى الشمال أو الجنوب "، معربا عن القلق من اقتراب موعد الاستفتاء فى جنوب السودان فى التاسع من يناير/كانون ثاني القادم فى ظل عدم التوصل إلى حلول للمشاكل القائمة ومنها الحدود وتوزيع الثروة وخاصة البترول وتحركات القبائل.وأضاف أنه من ضمن المشكلات في السودان أيضا وضع إقليم "ابيى" الزاخر بالثروة البترولية والذى يدخله ملايين البشر في حركة سنوية شمالا وجنوبا مع تغير المناخ وهطول الأمطار .وشدد أبو الغيط على أن الجهد المصرى ينصب على تجهيز الأدوار جيدا قبل الاستفتاء وإنهاء المشكلات الخلافية ، وأكد أنه لا مشكلة إذا تم تأجيل الاستفتاء لعدة شهور ، مطالبا السودانيين بأن يضعوا في اعتبارهم أولوية "أهمية الحياة" عن أهمية موعد الاستفتاء.
وحذر من أن الانفصال سيترك بصمة جادة وخاطب السودانيين قائلا :" عليهم أن يتفقوا من الآن , إذا كان الانفصال آتيا عليكم أن تتجهوا إلى الكونفيدرالية ، إننا نخشى أن يكون الانفصال متسما ببعض أعمال العنف ويؤثر على علاقة السودان بدول الجوار ومصر التى يمكن أن تضطرها الظروف إلى استقبال السودانيين وهو وضع مقلق يجب الإعداد له جيدا".وأشار أبو الغيط أيضا إلى وجود انعكاسات لأزمة جنوب السودان على إقليم دارفور ، ودعا الحكومة السودانية وحركات التمرد فى الإقليم للتوصل لاتفاق وبشكل سريع لأنه لو حدث انفجار في الموقف هناك سيكون ضارا للغاية على السودان ومصر ، قائلا :"وبالتالى نحن نسعى إلى تهدئة الخواطر والتوصل إلى تسوية ".واختتم أبو الغيط قائلا :" إن مصر لديها ما يقرب من ستة آلاف من جنود القوات المسلحة يعملون على استقرار الأوضاع في السودان ما بين كتيبتين مشاه ميكانيكى وسرية كاملة للاتصالات وسرية إشارة وسرية نقل ثقيلوسرية مهندسين عسكريين ، فضلا عن كتيبة مشاه مكونة من ألف فرد بقوة نيران هائلة فى جبال النوبة".ورغم أن هناك تقارير ترددت في الأسابيع الأخيرة حول أن القاهرة تدخلت لدى واشنطن لإقناع رئيس حكومة جنوب السودان سيلفا كير بتأجيل موعد استفتاء الجنوب حتى يتم إنجاز القضايا العالقة وأن زيارة أبو الغيط وسليمان في 22 أكتوبر الماضي للخرطوم وجوبا جاءت بهدف ترويج هذا المقترح ، إلا أن اللافت للانتباه أن أبو الغيط أعلن هذه المرة صراحة أنه لا مشكلة إذا تم تأجيل الاستفتاء لعدة شهور وهو الأمر الذي يؤكد إدراك القاهرة لأبعاد المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية التي تستهدف الإسراع بانفصال جنوب السودان حتى وإن كانت هناك قضايا شائكة كثيرة لم يتم حسمها بين الشمال والجنوب وهو ما يهدد بعودة أجواء الحرب .ولعل ما يضاعف من أهمية تصريحات أبو الغيط أيضا أن مصر وضعت خيارات للسيناريو الأسوأ وهو انفصال الجنوب عبر مقترح الكونفيدرالية الذي يعتبر خطوة ذكية جدا قد تجهض المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية مبكرا في حال وافق عليها الشمال والجنوب .فالكونفيدرالية تضمن أن يتم حسم قضايا ما بعد تقرير مصير الجنوب في أجواء سلمية وفي إطار دولتين ضمن السودان الموحد وليس دولتين منفصلتين تماما ، حيث سيكون هناك سياسة خارجية ودفاعية موحدة مع استقلال في الشئون الداخلية وهو أمر سيحمي السودانيين سواء في الشمال أو الجنوب من عواصف كثيرة . ويبقى الأمر الأهم وهو أن المقترح المصري يشكل دعما صريحا للسودان في مواجهة الضغوط والابتزازات الأمريكية والتي كان آخرها قيام أوباما في مطلع نوفمبر بتجديد العقوبات المفروضة على الخرطوم .تفاصيل مؤامرة أمريكا وإسرائيل ولعل التقارير الصادرة من داخل إسرائيل وأمريكا تؤكد أيضا أهمية المقترح المصري ، فقد كشف موقع "ديبكا" الاستخباري الإسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي أن هناك تعاونا بدأ ينشط مؤخرا بين أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية لتنفيذ مخطط يهدف إلى تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات ورسم خريطة جديدة لتلك الدولة العربية.وتابع الموقع الاستخباري الإسرائيلي أن أجهزة المخابرات المذكورة تعمل حاليا على تفكيك السلطة في الخرطوم عبر عملاء داخليين وحركات متمردة وبعدها سيتم إقامة ثلاث دول هي : دولة السودان الإسلامية ودولة دارفور ودولة في الجنوب. وأضاف أن الـ "سي أي أيه" الأمريكي والـ "دجسي" الفرنسي و"الموساد" الإسرائيلي أقاموا مركزين رئيسيين تنفيذ المخطط السابق ، الأول يعمل في تشاد ، والثاني هو مركز التنسيق المشترك بين أجهزة المخابرات الثلاثة ومقره جيبوتي .وفي السياق ذاته ، كشفت دراسة للمعهد الوطني الديمقراطي ومقره الولايات المتحدة أن الغالبية الساحقة من السودانيين الجنوبيين ستصوت لصالح قيام دولة مستقلة في الجنوب في الاستفتاء المقرر إجراؤه بداية عام 2011.وبجانب ما سبق ، خرج السيناتور الأمريكي جون كيري على الملأ في 24 أكتوبر الماضي ليهدد الرئيس عمر البشير بتشديد العقوبات على السودان في حال إقدامه على عرقلة تنظيم استفتاء تقرير مصير جنوب السودان المقرر في 9 يناير/كانون الثاني القادم ، مشيرا إلى أن جميع الدلائل تظهر أن سكان جنوب السودان سيصوتون لصالح الانفصال عن الشمال وهو ما يعني تقسيم أكبر دول القارة الإفريقية مساحة واحتفاظ الجنوب بما يوازي 80 بالمائة من احتياطي النفط في السودان ."بقرة مقدسة"
ورغم أن المعارضة السودانية تنتقد سياسات البشير ليل نهار إلا أنها سارعت أيضا للتحذير من أبعاد المؤامرة الغربية في السودان ، ففي كلمة ألقاها أمام المجلس المصري للشئون الخارجية في القاهرة في 25 أكتوبر ، أعلن زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي أن استفتاء الجنوب تحول إلى "بقرة مقدسة" لا يمكن لأحد في السودان المساس بها ، بينما يحق للولايات المتحدة فقط المطالبة بتأجيله.وحذر في هذا الصدد من أن إجراء استفتاء جنوب السودان المقرر في التاسع من يناير/ كانون الثاني المقبل بدون توفير ضمانات لنزاهته يمكن أن يدفع بالبلاد إلى كارثة.وتابع المهدي الذي تولى رئاسة الوزراء في السودان في الستينات والثمانينات من القرن الماضي " إجراءات الاستفتاء مقيدة بمواقيت يستحيل تحقيقها ، الأسرة الدولية بقيادة الولايات المتحدة غير مهتمة بنوع الاستفتاء بل بشكله وهذا سيناريو كارثي".وأضاف " الاستفتاء أصبح بقرة مقدسة لا يستطيع أحد أن يمسها في السودان ، لا أحد يستطيع الكلام عن التأجيل إلا الولايات المتحدة التي يعتبرها الجنوبيون بمثابة ولي الأمر وأي جهة أخرى محلية أو عربية أو أجنبية ستكون مبرراتها محل تشكيك من الجنوبيين".وتحدث المهدي عن عراقيل كثيرة أمام إجراء الاستفتاء بشأن تقرير المصير للجنوب بموجب اتفاقية السلام الشامل لعام 2005 ومنها غياب الثقة والتعاون بين شريكي الحكم في البلاد حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان صاحبة السيطرة في الجنوب ، بالإضافة إلى عدم دفع الميزانية المطلوبة لعمل مفوضية الاستفتاء ووجود خلافات حول كيفية تصويت ما بين مليون ومليوني جنوبي في الشمال.وتابع أن طرفي الاتفاقية التي أنهت أطول حرب أهلية في إفريقيا تأخرا كثيرا في التفاوض حول قضايا كان ينبغي تسويتها قبل الاستفتاء منها مسائل الحدود والجنسية والعملة والأمن الوطني والمخابرات والأصول والديون والنفط وقضايا أخرى.حقائق هامة
وبصفة عامة ، فإن مؤامرة تقسيم السودان التي تقودها أمريكا وإسرائيل تناست أن حقائق التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة تؤكد جميعها التداخل بين السودانيين .فالقبائل الرعوية تتنقل باستمرار بين الشمال والجنوب والغرب والشرق ، كما أن النفط وإن كانت تتواجد معظم آباره في الجنوب ، إلا أنه يتم معالجته في الشمال ، هذا بالإضافة إلى التقديرات التي تشير إلى أن ضحايا الصراع بين قبائل الجنوب أكبر من ضحايا الحرب بين الشمال والجنوب ، ولعل هذا ما ظهر واضحا في تصريحات لام أكول الذي انشق مؤخرا عن الحركة الشعبية .ففي 18 يناير الماضي ، أكد لام أكول السياسي البارز في جنوب السودان أن الاستقلال عن الشمال سيكون بمثابة كارثة بالنسبة للجنوب ، قائلا :" في الوقت الراهن وفي ظل وجود الأعمال العدائية في الجنوب والنزاعات بين القبائل والنزاعات حتى ضمن القبيلة الواحدة فإن أي دعوة للانفصال ستكون دعوة لصوملة جنوب السودان". وتبقى حقيقة هامة وهي أن هناك المئات من سكان شمال السودان الذين انضموا إلى حركة التمرد الجنوبية السابقة ، كما التحق عدد من سكان الجنوب بالقوات الحكومية خلال الحرب الأهلية التي استمرت من 1983 إلى 2005 وانتهت بتوقيع اتفاق سلام شامل نص على تنظيم استفتاء تقرير مصير الجنوب ، وهو ما يؤكد صعوبة الفصل التام بين الشمال والجنوب ، فالتداخل في كل شيء هو السمة المميزة وإن كانت هناك خلافات فالحكمة تقتضي أن يتم حلها في إطار الوطن الواحد وليس عبر الانفصال التام الذي لا يخدم أحدا سوى أعداء السودان .
مبارك والبشير وسيلفا كير |
البشير خلال لقائه مع الوفد المصري |
الصادق المهدي |
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ