"تقرير المصير".. مليونية ولدت من رحم "الغضب والصمود والقصاص والتطهير ورد الشرف"

[center]
ميدان التحرير
باتت مليونية "تقرير المصير"، فاصلة فى تحديد الأيام الأخيرة من المرحلة الانتقالية التى تعيشها مصر الآن، خاصة أنها تأتى فى توقيت عصيب، بعد قناعة الإسلاميين بأن الشيخ حازم أبوإسماعيل، والمهندس خيرت الشاطر استبعدا من سباق الرئاسة بفعل فاعل، وباتت كل آمال المصريين حاليا أن يمر هذا اليوم بسلام، دون وقوع اشتباكات، لأنه لو حدث ذلك -لاقدر الله- ستدخل مصر النفق المظلم، وقد تغرق السلفينة بـ"القائد والراكب" معا.

لكن، رغم اندلاع ثورة 25 يناير، يوم ثلاثاء، إلا أن شرارتها الحقيقية بدأت فى الظهور يوم "جمعة الغضب"، ومنذ هذا اليوم، اختار المصريون يوم الجمعة ليكون معبرًا عن مطالب الثورة، إلى أن الشعب المصرى له السبق بين شعوب الربيع العربى، فى اعتبار "الجمعة" يوم المصير، وبات القائمون على إدارة شئون البلاد، يتخوفون مسبقًا من هذا اليوم، بينما واصل المصريون خفة ظلهم، وتوقعوا أن يقوم الرئيس المقبل بإلغاء يوم الجمعة بقرار جمهورى.

حملت الجمعة الأولى عقب انطلاق الثورة بثلاثة أيام، اسم جمعة الغضب، وكانت يوم 28 يناير، حيث خرج ملايين المصريين من المساجد، في مظاهرات حاشدة، دون أن يدرك أي من المشاركين فيها حجم وتأثير هذه الخطوة التي انتهت بانهيار جهاز الشرطة، وانسحابه من الشارع واستدعاء الجيش لحماية المنشآت.

لم تمض أيام قليلة، حتى انطلقت دعوات بتنظيم مليونية أطلقوا عليها "جمعة الرحيل"، وكانت يوم 4 فبراير، شارك فيها ملايين المصريين، وحضر نحو مليون منهم إلى ميدان التحرير، الذي أصبح قبلة الثوار، خاصة بعدما حدث في الأربعاء الدامي أو ما بات يعرف بـ"موقعة الجمل".

وبعد 3 أيام من الأربعاء الدامى، وتحديدا فى اليوم التالى لخطاب الرئيس السابق حسنى مبارك، الذى استخدم خلاله لغة "العواطف"، دعا الثوار إلى "جمعة الصمود" يوم 11 فبراير، حيث شارك فيها ملايين المصريين، حتى فاض بهم ميدان التحرير، وأغلقت منطقة وسط القاهرة تماما، بينما تحرك عدد كبير منهم عصر هذا اليوم إلى مقر القصر الجمهورى، وكان ذلك بمثابة الموجة العاتية التى أسقطت "سفينة مبارك"، ليعلن اللواء عمر سليمان مساء هذا اليوم تخلى مبارك عن الحكم، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد.

حاول المصريون الاحتفال على طريقتهم الخاصة، فانطلقت الدعوات إلى تنظيم مليونية حملت اسم "جمعة النصر" وكانت يوم 18 فبراير، وشهد هذا اليوم حضورا مكثفا من جماعة الإخوان المسلمين، وقام الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بـ"أم" ملايين المصريين بالصلاة فى ميدان التحرير.

لم يكتف الثوار برحيل مبارك، لكنهم قاموا بتنظيم مليونية حملت اسم "جمعة التطهير"، وكانت يوم 25 فبراير، حيث دعا إليها ائتلاف شباب الثورة، مطالبين بالتظاهر في محاولة لتغيير الصورة التي أقلقت الرأي العام المحلي والدولي في جمعة النصر، وطالبت هذه المليونية بإقالة حكومة الفريق أحمد شفيق، الذي كلفه مبارك بتشكيل الحكومة، فى أيامه الأخيرة بالحكم.

كان يوم 4 مارس بمثابة نقطة تحول هامة فى الثورة، حيث نظم شباب الثورة، مليونية "جمعة الاستمرار"، من أجل التطهير، وبالفعل تمت إقالة حكومة شفيق، وتكليف الدكتور عصام شرف، الذي تم اختياره من ميدان التحرير، ورفعه الثوار على أعناقهم، ومن هنا أعلن ائتلاف شباب الثورة تعليق الدعوات المليونية، لإتاحة الفرصة لحكومة شرف للعمل.

كان ائتلاف شباب الثورة على وعده مع الحكومة بعدم تنظيم مليونيات لإتاحة الفرصة لها فى العمل، واستمر ذلك التوقف لعدة أسابيع، لكن كان يوم 18 أبريل على موعد مليونية حاشدة سميت بـ"جمعة التطهير" للمطالبة بسرعة محاكمات رموز النظام الفاسد وتطبيق العزل السياسي علي أعضاء الحزب الوطني المنحل، وشاركت كل القوي السياسية فى هذه المليونية، ومن بينها الدعوة السلفية والإخوان المسلمين، واتحد الجميع فى هذا اليوم على سرعة محاكمة رموز نظام مبارك.

فى السابع والعشرين من مايو ثارت القوى السياسية من شباب الثورة والحركات والائتلافات والليبراليين، على نتيجة استفتاء مارس على التعديلات الدستورية، ونطموا مليونية "جمعة الغضب"، بينما أطلق عليها البعض ثورة الغضب الثانية، ووقتها اعترض الإسلاميون مطالبين بعودة الاستقرار، ورفض الإخوان والسلفيون المشاركة فى هذه المليونية، مما أغضب شباب الثورة، وهاجموا الإسلاميين فى هذا اليوم بضراوة.

في اليوم الأول من شهر يوليو دعا عددا من القوي السياسية لتبني جمعة العمل، بينما شهد هذا الشهر أيضا، فى الأيام الأخيرة منه، مواجهات بين عدد من شباب الثورة وقوات الأمن بعد تعرض أهالي الشهداء لاعتداء أمام مسرح البالون، وتسببت هذه الأحداث فى تنظيم مليونية "جمعة القصاص للشهداء" لمحاكمة مبارك ووزرائه وكل من أفسدوا الحياة السياسية وتكريم الشهداء وأسرهم، وسرعة محاكمة قتلة الشهداء وتكريم المصابين وعلاجهم علي نفقة الدولة.

كانت جمعة "المطلب الواحد" يوم 8 أغسطس، وشهدت أكبر تجمع لقوي التيار الإسلامي فى ميدان التحرير اعتراضا علي المبادئ فوق الدستورية التي أعلنها المجلس العسكري، وكانت هذه الجمعة، بمثابة الصعود الكاسح للتيار الإسلامى، وقدرته علي الحشد بكل سهولة.

بعد 30 يومًا من "المطلب الواحد" نظم الآلاف مليونية "تصحيح المسار" مطالبين بوقف المحاكمات العسكرية ووضع معالم واضحة للمرحلة الانتقالية، ثم تبع هذه المليونية، جمعة "لا لوثيقة السلمى"، وكانت يوم 22 فبراير، لرفض المباديء فوق الدستورية، وشارك فيها الإخوان والسلفيون، وتسببت هذه المليونية فى أحداث محمد محمود بعدما اعتصم أهالى المصابين بالميدان، عقب المليونية، فقامت قوات الأمن بإخلاء الميدان بالقوة، ووقعت اشتباكات دامية.

وعقب أحداث شارع مجلس الوزراء، وقيام بعض جنود الشرطة العسكرية بسحل إحدى الفتيات، دعا النشطاء السياسيين والحقوقيين، إلى تنظيم مليونية "رد الشرف" وكانت يوم 23 ديسمبر، امتنع فيها الإخوان والسلفيون عن المشاركة، وانحصرت فى الشباب فقط.

بدأ العام الحالى بمليونية الاحتفال بـ"عيد الميلاد الأول للثورة"، وكانت هذه المليونية يوم 25 يناير الماضى، وشارك فى هذ الجمعة كل القوى السياسية والثورية، بينما شهد ميدان التحرير يوم 30 مارس الماضى، مليونية "جمعة الدستور للجميع"، احتجاجا على آلية تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، لكن لم يشارك فيها سوى أعداد قليلة جداً، وشهد الميدان سيولة مرورية كبيرة، وانتظمت حركة سير السيارات في جميع أرجاء الميدان، وقام المعتصمون بإخلاء العديد من المناطق داخل الصينية الوسطي للميدان والمنطقة المحيطة لمجمع التحرير ومسجد عمر مكرم.[b]