الشمال بعد الجنوب .. السودان وعصر الدويلات
د.حمدي عبد الرحمن
يبدو أن شمال السودان مقبل على أزمات وصراعات متعددة قد تدفع به إلى
الدخول في عصر الدويلات بما يقضي على وحدته وتكامله الإقليمي. إذ إنه مع
بداية العد التنازلي لإعلان انفصال دولة جنوب السودان في 9 تموز (يوليو)
المقبل لجأت حكومة الخرطوم إلى استخدام أسلوب الحسم العسكري للتعامل مع
نقطتين ساخنتين تحددان مستقبل العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب في
السودان. ففي المرة الأولى قامت القوات المسلحة السودانية بالسيطرة عسكرياً
على منطقة أبيي المتنازع عليها، أما المناسبة الثانية فهي استخدام القوة
المسلحة في مواجهة مظاهر التمرد العنيف الذي أعقب إعلان نتائج الانتخابات
في ولاية جنوب كردفان.
رجل إفريقيا المريض
إن انفصال الجنوب والحديث عن بؤر التوتر الساخنة في دارفور، وجنوب كردفان،
والنيل الأزرق، وأبيي، وغيرها من المناطق يعني أن السودان ربما يتجاوز
مرحلة التقسيم ليقع في إشكاليات التفتيت والتشرذم. وأعتقد أن ذلك يستدعي من
الذاكرة التاريخية وضعية دولة الخلافة العثمانية حينما أصبحت بمثابة رجل
أوروبا المريض الذي تسعى القوى الأوروبية الطامحة إلى اقتسام التركة
العثمانية.
توقفت وأنا أتصفح موقع "سودانيز أونلاين" المتميز عند استطلاع للرأي أعده
القائمون على الموقع حول أسباب تحول السودان إلى رجل إفريقيا المريض. وبعد
النظر والتدقيق وجدت أن السودان الذي كان يمثل في موقعه وسكانه عبقرية لا
تضاهى. إذ إنه كان يمثل الدولة الإفريقية الأكبر مساحة، والأكثر ثراء،
والأغنى ثقافة، حتى أضحى بمنزلة صورة مصغرة للواقع الإفريقي العام.
إن السودان الكبير بعوالمه الثلاثة العربية، والإفريقية، والإسلامية، خضع
منذ الاستقلال عام 1956 لعمليات تدافع دولي وإقليمي لم تكل أو تمل قط، وهو
ما أدى إلى إنهاك قواه، وهدر إمكاناته الهائلة، بينما انشغل أهله في
صراعاتهم وانحيازاتهم الفكرية والأيديولوجية المختلفة. لقد نسى أهل السودان
أطماع الخارج، وراحت نخبتهم الحاكمة تجري وراء بريق السلطة والثروة. وعليه
فقد عانى السودانيون حكم العسكر تارة وحكم الأحزاب التقليدية تارة أخرى.
وفي الوقت نفسه أدت تقديرات ساسة السودان الخاطئة وتدخلات القوى الدولية
الإقليمية المؤثرة، إلى حرب أهلية مدمرة في جنوب السودان.
ولعل مبررات التدخل الخارجي جاهزة من أجل تفتيت السودان بعد الانقضاض عليه
وتقسيم تركته، فالرئيس عمر البشير يعاني تسليط سيف العدالة الدولية عليه،
حيث إنه مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في
دارفور. وثمة قوات دولية لحفظ السلام في غرب السودان وجنوبه. وقد تم الحديث
أخيرا عن إمكانات نشر قوات إفريقية في أبيي المتنازع عليها، حيث أعلنت
إثيوبيا استعدادها للقيام بهذا الدور، بل الأكثر من ذلك فقد طالبت الحركة
الشعبية لتحرير السودان بضرورة نشر قوات دولية لحفظ السلام في ولاية جنوب
كردفان المضطربة.
وثمة دلالات ثلاث لعملية النظر إلى السودان باعتباره رجل إفريقيا المريض.
أولاها أن الهدف المستبطن للتدافع الدولي على السودان في مرحلة ما بعد 1989
يتمثل في القضاء على المشروع الحضاري الإسلامي الذي طرحه نظام البشير.
ويمكن في هذا السياق أن نشير إلى المدركات الغربية بشأن توصيف الصراع في
جنوب السودان باعتباره صراعا بين الإسلام والمسيحية، أو بين الهوية العربية
من ناحية والهوية الإفريقانية من ناحية أخرى. وعليه فإن التكالب الغربي
على السودان يهدف إلى إعادة صياغته من الناحية الجيواستراتيجية، بحيث ينقسم
إلى أربع دول ذات توجه إفريقي في الغرب والشرق والجنوب وعلى طول حدود
التماس بين الشمال والجنوب، أي في منطقة جنوب كردفان/ جبال النوبة، بينما
تظل المجموعات العربية الإسلامية محاصرة في شمال السودان. أما الدلالة
الثانية فإنها تستهدف النظام الحاكم في الخرطوم بحيث يتم إنهاكه بصراعات
وبؤر توتر عديدة بما يعني في النهاية سقوطه لمصلحة نخبة جديدة قد تكون أكثر
شعبية وموالاة للغرب. وهنا تكمن الدلالة الثالثة في إمكانية إحياء مشروع
"السودان الجديد" على أساس ديمقراطي علماني، وربما يتولى جنوب السودان
قيادة هذا المشروع مرة أخرى، ولا سيما أن هناك نخبة سياسية جنوبية نافذة لا
تزال تؤمن بهذا الخيار الاستراتيجي الذي يضمن الحفاظ على الهوية السودانية
الجامعة تحت غطاء ليبرالي علماني.
دارفور أخرى
يمكن النظر إلى ولاية جنوب كردفان باعتبارها بؤرة توتر كبرى في شمال
السودان، ففي أعقاب الانتخابات التي أجريت يوم 15 أيار (مايو) الماضي وفاز
فيها مرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان الوزير السابق أحمد
هارون، سادت الولاية أعمال عنف وتوتر أمني خطير، وهو ما اضطر الجيش
السوداني إلى التعامل مع العناصر المسلحة التي وصفت بأنها جماعات متمردة.
فقد رفض عبدالعزيز الحلو القيادي البارز في الحركة الشعبية نتائج انتخابات
الوالي بعد أن انسحب منها، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الأمني في
الولاية. وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة فإن القتال بين القوات الشمالية
والجنوبية أرغم نحو 40 ألف شخص على الأقل على الفرار من عاصمة جنوب كردفان،
كادوقلي. ويبدو أن الأمور تتجه نحو الاستقطاب الشديد بين القبائل النوبية
والعربية في جنوب كردفان، وهو ما يهدد بأن تتحول هذه الولاية إلي دارفور
أخرى.
وتعزى أهمية ولاية جنوب كردفان إلى عدة اعتبارات أساسية أبرزها ما يلي:
• وفقاً لاتفاق السلام الشامل الذي أنهى الحرب في جنوب السودان عام 2005
حظيت جنوب كردفان وأبيي والنيل الأزرق بمكانة خاصة، حيث نظر إليها
باعتبارها مناطق انتقالية عانت التهميش ولكل منها بروتوكول خاص. وأعطيت كل
من النيل الأزرق وجنوب كردفان حق المشورة الشعبية، وهو حق ديمقراطي تم
تضمينه في الدستور القومي الانتقالي، ودستور الولايتين ليقول الشعب في كل
منهما كلمته في مدى ملاءمة اتفاقية السلام الشامل لحل مشكلاته السياسية
والإدارية والاقتصادية والاجتماعية عبر آلية واضحة ومحددة.
• تمتع ولاية جنوب كردفان بموقع استراتيجي مهم، حيث إنها تقع على الحدود مع
كل من إقليم دارفور المشتعل ومنطقة أبيي المتنازع عليها. فضلاً عن وقوعها
على خط الحدود مع جنوب السودان، وعليه فإن كثيراً من سكانها لهم روابط
تاريخية وثقافية مع جنوب السودان، بل إن قسما كبيرا منهم حارب في صفوف
الحركة الشعبية لتحرير السودان.
• تمثل ولاية جنوب كردفان مستودعاً للثروات الطبيعية المعدنية بالنسبة
لشمال السودان، إذ إن معظم حقول النفط الشمالية تقع في أراضيها، إضافة إلى
الثروة الزراعية والحيوانية الهائلة التي يذخر بها الإقليم.
ولعل ما يزيد الأمور تعقيداً وجود منطقة جبال النوبة في قلب ولاية جنوب
كردفان، وهي منطقة بطبيعتها تمثل مصدراً للتوتر والصراع. وعادة ما يرى كثير
من المحللين أن الحرب القادمة في السودان ستكون في جبال النوبة. ومصطلح
"النوبة" هنا هو تعبير سياسي أو جغرافي أكثر منه تعبيراً عن هوية إثنية
متجانسة، فشعب النوبة، الذي يشكل أغلبية سكان جنوب كردفان، ينتمي إلى
جماعات إثنية وقبلية متعددة، وهم يؤمنون بالإسلام والمسيحية والديانات
التقليدية على الترتيب. ومع ذلك فإن أهم ما يميز النوبة إحساسهم بالتمايز
عن العرب في شمال السودان.
ولم تطرح مسألة جبال النوبة منذ استقلال السودان باعتبارها تعبر عن طموحات
انفصالية أو استقلالية، فأهل النوبة هم شماليون، لكنهم عانوا مرارة التهميش
السياسي والاقتصادي زمناً طويلاً. ففي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي
حملت النوبة بزعامة يوسف كوة، السلاح جنبا إلى جنب مع مقاتلي الحركة
الشعبية في جنوب السودان، وذلك في مواجهتهم للجيش السوداني. ومنذ عام 1986
فصاعدا انتشرت عمليات تسليح المليشيات القبلية والحزبية في ولاية جنوب
كردفان، إما بمساعدة حكومية مثلما حدث مع قبائل البقارة العربية، وإما لغرض
الدفاع عن النفس في ظل أوضاع انعدام الأمن في الولاية.
ويضفي الصراع حول ملكية الأراضي بين النوبة وقبائل البقارة العربية منذ
توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005 بعداً جديداً للتوتر، حيث إنه يؤثر في
استقرار ولاية جنوب كردفان، كما أن له انعكاسات سلبية كثيرة على المناطق
الحدودية بين دولتي الشمال والجنوب في السودان بشكل عام.
ما العمل؟
إن على النخبة الحاكمة في شمال السودان إعمال منطق التفكير الاستراتيجي
والنظر إلى حقيقة المخاطر الدولية والداخلية التي تتهدد وحدة السودان
وسلامة أراضيه. ويعني ذلك ضرورة تبني خطاب سياسي جديد يؤمن بقيم التعدد
والتسامح الديني وحرية الرأي لجميع السودانيين. ولا أظن أنه من الحكمة
إعلان الرئيس عمر البشير صراحة عن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية بعد انفصال
الجنوب، حيث لن يكون هناك - على حد زعمه - موضع للتعدد والتنوع في شمال
السودان.
ولا شك أن استمرار السياسات نفسها من قبل النخب الحاكمة في السودان شماله
وجنوبه وفي ظل غياب عربي وإسلامي واضح عن المشهد السوداني، فإن دولة الشمال
في السودان مهددة بأن تعيد تجربة الدولة العثمانية في أواخر عهدها .. فهل
نسمح للسودان بأن يصبح رجل إفريقيا المريض؟
يبدو أن شمال السودان مقبل على أزمات وصراعات متعددة قد تدفع به إلى
الدخول في عصر الدويلات بما يقضي على وحدته وتكامله الإقليمي. إذ إنه مع
بداية العد التنازلي لإعلان انفصال دولة جنوب السودان في 9 تموز (يوليو)
المقبل لجأت حكومة الخرطوم إلى استخدام أسلوب الحسم العسكري للتعامل مع
نقطتين ساخنتين تحددان مستقبل العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب في
السودان. ففي المرة الأولى قامت القوات المسلحة السودانية بالسيطرة عسكرياً
على منطقة أبيي المتنازع عليها، أما المناسبة الثانية فهي استخدام القوة
المسلحة في مواجهة مظاهر التمرد العنيف الذي أعقب إعلان نتائج الانتخابات
في ولاية جنوب كردفان.
رجل إفريقيا المريض
إن انفصال الجنوب والحديث عن بؤر التوتر الساخنة في دارفور، وجنوب كردفان،
والنيل الأزرق، وأبيي، وغيرها من المناطق يعني أن السودان ربما يتجاوز
مرحلة التقسيم ليقع في إشكاليات التفتيت والتشرذم. وأعتقد أن ذلك يستدعي من
الذاكرة التاريخية وضعية دولة الخلافة العثمانية حينما أصبحت بمثابة رجل
أوروبا المريض الذي تسعى القوى الأوروبية الطامحة إلى اقتسام التركة
العثمانية.
توقفت وأنا أتصفح موقع "سودانيز أونلاين" المتميز عند استطلاع للرأي أعده
القائمون على الموقع حول أسباب تحول السودان إلى رجل إفريقيا المريض. وبعد
النظر والتدقيق وجدت أن السودان الذي كان يمثل في موقعه وسكانه عبقرية لا
تضاهى. إذ إنه كان يمثل الدولة الإفريقية الأكبر مساحة، والأكثر ثراء،
والأغنى ثقافة، حتى أضحى بمنزلة صورة مصغرة للواقع الإفريقي العام.
إن السودان الكبير بعوالمه الثلاثة العربية، والإفريقية، والإسلامية، خضع
منذ الاستقلال عام 1956 لعمليات تدافع دولي وإقليمي لم تكل أو تمل قط، وهو
ما أدى إلى إنهاك قواه، وهدر إمكاناته الهائلة، بينما انشغل أهله في
صراعاتهم وانحيازاتهم الفكرية والأيديولوجية المختلفة. لقد نسى أهل السودان
أطماع الخارج، وراحت نخبتهم الحاكمة تجري وراء بريق السلطة والثروة. وعليه
فقد عانى السودانيون حكم العسكر تارة وحكم الأحزاب التقليدية تارة أخرى.
وفي الوقت نفسه أدت تقديرات ساسة السودان الخاطئة وتدخلات القوى الدولية
الإقليمية المؤثرة، إلى حرب أهلية مدمرة في جنوب السودان.
ولعل مبررات التدخل الخارجي جاهزة من أجل تفتيت السودان بعد الانقضاض عليه
وتقسيم تركته، فالرئيس عمر البشير يعاني تسليط سيف العدالة الدولية عليه،
حيث إنه مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في
دارفور. وثمة قوات دولية لحفظ السلام في غرب السودان وجنوبه. وقد تم الحديث
أخيرا عن إمكانات نشر قوات إفريقية في أبيي المتنازع عليها، حيث أعلنت
إثيوبيا استعدادها للقيام بهذا الدور، بل الأكثر من ذلك فقد طالبت الحركة
الشعبية لتحرير السودان بضرورة نشر قوات دولية لحفظ السلام في ولاية جنوب
كردفان المضطربة.
وثمة دلالات ثلاث لعملية النظر إلى السودان باعتباره رجل إفريقيا المريض.
أولاها أن الهدف المستبطن للتدافع الدولي على السودان في مرحلة ما بعد 1989
يتمثل في القضاء على المشروع الحضاري الإسلامي الذي طرحه نظام البشير.
ويمكن في هذا السياق أن نشير إلى المدركات الغربية بشأن توصيف الصراع في
جنوب السودان باعتباره صراعا بين الإسلام والمسيحية، أو بين الهوية العربية
من ناحية والهوية الإفريقانية من ناحية أخرى. وعليه فإن التكالب الغربي
على السودان يهدف إلى إعادة صياغته من الناحية الجيواستراتيجية، بحيث ينقسم
إلى أربع دول ذات توجه إفريقي في الغرب والشرق والجنوب وعلى طول حدود
التماس بين الشمال والجنوب، أي في منطقة جنوب كردفان/ جبال النوبة، بينما
تظل المجموعات العربية الإسلامية محاصرة في شمال السودان. أما الدلالة
الثانية فإنها تستهدف النظام الحاكم في الخرطوم بحيث يتم إنهاكه بصراعات
وبؤر توتر عديدة بما يعني في النهاية سقوطه لمصلحة نخبة جديدة قد تكون أكثر
شعبية وموالاة للغرب. وهنا تكمن الدلالة الثالثة في إمكانية إحياء مشروع
"السودان الجديد" على أساس ديمقراطي علماني، وربما يتولى جنوب السودان
قيادة هذا المشروع مرة أخرى، ولا سيما أن هناك نخبة سياسية جنوبية نافذة لا
تزال تؤمن بهذا الخيار الاستراتيجي الذي يضمن الحفاظ على الهوية السودانية
الجامعة تحت غطاء ليبرالي علماني.
دارفور أخرى
يمكن النظر إلى ولاية جنوب كردفان باعتبارها بؤرة توتر كبرى في شمال
السودان، ففي أعقاب الانتخابات التي أجريت يوم 15 أيار (مايو) الماضي وفاز
فيها مرشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان الوزير السابق أحمد
هارون، سادت الولاية أعمال عنف وتوتر أمني خطير، وهو ما اضطر الجيش
السوداني إلى التعامل مع العناصر المسلحة التي وصفت بأنها جماعات متمردة.
فقد رفض عبدالعزيز الحلو القيادي البارز في الحركة الشعبية نتائج انتخابات
الوالي بعد أن انسحب منها، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الأمني في
الولاية. وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة فإن القتال بين القوات الشمالية
والجنوبية أرغم نحو 40 ألف شخص على الأقل على الفرار من عاصمة جنوب كردفان،
كادوقلي. ويبدو أن الأمور تتجه نحو الاستقطاب الشديد بين القبائل النوبية
والعربية في جنوب كردفان، وهو ما يهدد بأن تتحول هذه الولاية إلي دارفور
أخرى.
وتعزى أهمية ولاية جنوب كردفان إلى عدة اعتبارات أساسية أبرزها ما يلي:
• وفقاً لاتفاق السلام الشامل الذي أنهى الحرب في جنوب السودان عام 2005
حظيت جنوب كردفان وأبيي والنيل الأزرق بمكانة خاصة، حيث نظر إليها
باعتبارها مناطق انتقالية عانت التهميش ولكل منها بروتوكول خاص. وأعطيت كل
من النيل الأزرق وجنوب كردفان حق المشورة الشعبية، وهو حق ديمقراطي تم
تضمينه في الدستور القومي الانتقالي، ودستور الولايتين ليقول الشعب في كل
منهما كلمته في مدى ملاءمة اتفاقية السلام الشامل لحل مشكلاته السياسية
والإدارية والاقتصادية والاجتماعية عبر آلية واضحة ومحددة.
• تمتع ولاية جنوب كردفان بموقع استراتيجي مهم، حيث إنها تقع على الحدود مع
كل من إقليم دارفور المشتعل ومنطقة أبيي المتنازع عليها. فضلاً عن وقوعها
على خط الحدود مع جنوب السودان، وعليه فإن كثيراً من سكانها لهم روابط
تاريخية وثقافية مع جنوب السودان، بل إن قسما كبيرا منهم حارب في صفوف
الحركة الشعبية لتحرير السودان.
• تمثل ولاية جنوب كردفان مستودعاً للثروات الطبيعية المعدنية بالنسبة
لشمال السودان، إذ إن معظم حقول النفط الشمالية تقع في أراضيها، إضافة إلى
الثروة الزراعية والحيوانية الهائلة التي يذخر بها الإقليم.
ولعل ما يزيد الأمور تعقيداً وجود منطقة جبال النوبة في قلب ولاية جنوب
كردفان، وهي منطقة بطبيعتها تمثل مصدراً للتوتر والصراع. وعادة ما يرى كثير
من المحللين أن الحرب القادمة في السودان ستكون في جبال النوبة. ومصطلح
"النوبة" هنا هو تعبير سياسي أو جغرافي أكثر منه تعبيراً عن هوية إثنية
متجانسة، فشعب النوبة، الذي يشكل أغلبية سكان جنوب كردفان، ينتمي إلى
جماعات إثنية وقبلية متعددة، وهم يؤمنون بالإسلام والمسيحية والديانات
التقليدية على الترتيب. ومع ذلك فإن أهم ما يميز النوبة إحساسهم بالتمايز
عن العرب في شمال السودان.
ولم تطرح مسألة جبال النوبة منذ استقلال السودان باعتبارها تعبر عن طموحات
انفصالية أو استقلالية، فأهل النوبة هم شماليون، لكنهم عانوا مرارة التهميش
السياسي والاقتصادي زمناً طويلاً. ففي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي
حملت النوبة بزعامة يوسف كوة، السلاح جنبا إلى جنب مع مقاتلي الحركة
الشعبية في جنوب السودان، وذلك في مواجهتهم للجيش السوداني. ومنذ عام 1986
فصاعدا انتشرت عمليات تسليح المليشيات القبلية والحزبية في ولاية جنوب
كردفان، إما بمساعدة حكومية مثلما حدث مع قبائل البقارة العربية، وإما لغرض
الدفاع عن النفس في ظل أوضاع انعدام الأمن في الولاية.
ويضفي الصراع حول ملكية الأراضي بين النوبة وقبائل البقارة العربية منذ
توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005 بعداً جديداً للتوتر، حيث إنه يؤثر في
استقرار ولاية جنوب كردفان، كما أن له انعكاسات سلبية كثيرة على المناطق
الحدودية بين دولتي الشمال والجنوب في السودان بشكل عام.
ما العمل؟
إن على النخبة الحاكمة في شمال السودان إعمال منطق التفكير الاستراتيجي
والنظر إلى حقيقة المخاطر الدولية والداخلية التي تتهدد وحدة السودان
وسلامة أراضيه. ويعني ذلك ضرورة تبني خطاب سياسي جديد يؤمن بقيم التعدد
والتسامح الديني وحرية الرأي لجميع السودانيين. ولا أظن أنه من الحكمة
إعلان الرئيس عمر البشير صراحة عن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية بعد انفصال
الجنوب، حيث لن يكون هناك - على حد زعمه - موضع للتعدد والتنوع في شمال
السودان.
ولا شك أن استمرار السياسات نفسها من قبل النخب الحاكمة في السودان شماله
وجنوبه وفي ظل غياب عربي وإسلامي واضح عن المشهد السوداني، فإن دولة الشمال
في السودان مهددة بأن تعيد تجربة الدولة العثمانية في أواخر عهدها .. فهل
نسمح للسودان بأن يصبح رجل إفريقيا المريض؟
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ