الإسكندرية قبل الفتح الإسلامي
كانت الإسكندرية عاصمة لمصر منذ أنشأهاالإسكندر الأكبر في شتاء عام 331- 332 ق.م عند بلدة راكوتيس Rakotisالتي يرجع تاريخها إلى 1500 ق.م، كما أضاف ضاحية نيوبوليس New Polisإلى غربها، وقد أقامها لتحل محل نوكراتيس naukratis كمركز للثقافةاليونانية في مصر، وفي العصر الروماني صارت المدينة الثانية بعد روما، وبقيت تحتسلطان الرومان أكثر من قرن من الزمان، ثم نما حجم الإسكندرية وأنشأ البطالمة فيهاالمتحف والمكتبة التي حوت 500.000 مجلدٍ، وفيها تمَّ ترجمة التوراة (العهد القديم Old testament) إلى اليونانية، وصارت الإسكندرية مركزًا للتجارة بين دول أوروباوالشرق، واستمر ذلك الحال حتى دُمِّرَ المتحف والمكتبة خلال الحرب الداخلية فيالقرن الثالث الميلادي، كما أحرق المسيحيون مكتبة فرعية عام 391م، وأنشأ أوكتافيوسمدينته المنافسة قريبًا من الرمل، وأخذت أهمية خاصة في عصرها المسيحي من ناحيةالفكر اللاهوتي للحكومة، وفي عام 616 م استولى عليها الفرس من البيزنطيين،واستعادها البيزنطيون حتى فتحها المسلمون عام 21هـ/ 642م. الزحف إلى الإسكندرية.. ومعاونة الأقباط للمسلمين!
بعدسقوط حصن بابليون في أيدي المسلمين أقاموا به، ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر بنالخطاب رضي الله عنهما يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية، فكتب إليه عمر يأمره بذلك.وقد استخلف عمرو بن العاص على ما فتح خارجةَ بن حذافة السهمي، وسار على رأس من معه.ثمحدث بعد ذلك أمران مهمان، وهما: -جاء إلى الروم إمدادات كثيرة.-أصبح للقبط موقفٌ واضح، ألا وهو تعاونهم مع المسلمين. خرجعمرو بن العاص yبالمسلمينحين أمكنهم الخروج، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط، وقد أصلحوا لهم الطرق وأقاموالهم الجسور والأسواق، وصار القبط لهم أعوانًا على ما أرادوا من قتال الروم، وسمعبذلك الروم فاستعدوا واستجاشوا، وقدم عليهم مراكبَ كثيرة من أرض الروم فيها جموعكثيرة منهم بالعدة والسلاح، فخرج إليهم عمرو بن العاص y من بابليون متوجهًا إلى الإسكندرية، فلم يلقَمنهم أحدًا حتى بلغ تَرْنُوط، فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالاً خفيفًافهزمهم الله، ومضى عمرو بن العاص بمن معه حتى لَقِيَ جمع الروم بكَوْم شَرِيك،فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين، وولَّى الروم مدبرين. وتجمعالروم والقبط دون الإسكندرية ببلدة كِرْيُون، وفيهم من أهل سَخا وبَلْهِيبوالخَيْس وسُلْطَيْس وغيرهم، وهذا يخالف الروايات الصحيحة التي ذكرت أن القبطكانوا أعوانًا للمسلمين مثل رواية ابن عبد الحكم في كتابه "فتوح مصر وأخبارها"؛ولذلك نذهب إلى أن أهل هذه القرى قام الروم بتجنيدهم وحشرهم ليقاتلوا معهم، وأثخنالمسلمون الرومَ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وطاردوهم حتى بلغوا الإسكندرية فتحصنوابها. وكانت عليهم حصون لا تُرَامُ؛ حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حُلْوَة إلىقصر فارس إلى ما وراء ذلك، ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمةوالعَلُوفة. وقدذكرنا من قبل أن فتح بابليون كان يوم الجمعة 29 من ذي الحجة 20هـ / 7 ديسمبر641م؛وتقول الروايات: إن عمرو بن العاص y ظل أمام الإسكندرية مُحاصِرًا لها ثلاثة أشهر. وتعنيهذه الروايات أن المسلمين قطعوا ما بين بابليون حتى الإسكندرية في ستة أشهر، ثمأقاموا أمامها ثلاثة أشهر، وعلى ذلك يكون وصول المسلمين إلى الإسكندرية كان نحو 19جمادىالآخرة21هـ / 23 مايو 642م، ويكون فتحها حدث نحو 19رمضان21هـ / 19أغسطس642م، وقدذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن فتحها كان سنة 21هـ على يد عمرو بن العاص y. إحكام الحصار على حصن كِرْيُون
فرالرومان نحو الإسكندرية، وكان حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية، وقداعتصم به "تيودور" قائد الجيش البيزنطي مع حامية قوية، وبعد أن تمكنالمسلمون من اقتحامه فَرَّ "تيودور" وبعض أفراد حاميته إلى الإسكندرية. وقدأدرك عمرو yفور وصوله إلى الإسكندرية ودراسته للوضع الميداني أن المدينةحصينة؛ إذ يحيط بها سوران محكمان، ولها عدة أبراج، ويحيط بها خندق يُمْلأُ من ماءالبحر عند الضرورة للدفاع، وتتألف أبوابها من ثلاث طبقات من الحديد، ويوجد مجانيقفوق الأبراج، وقد بلغ عدد جنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطورالبيزنطي خمسين ألف جندي، ويحميها البحر من الناحية الشمالية، وهو تحت سيطرةالأسطول البيزنطي، الذي كان يمدها بالمؤن والرجال والعتاد، وتحميها قريوط منالجنوب، ومن المتعذر اجتيازها، وتلفها ترعة الثعبان من الغرب، وبذلك لم يكنللمسلمين طريق إليها إلا من ناحية الشرق، وهو الطريق الذي يصلها بكريون، وكانتالمدينة حصينة من هذه الناحية، ومع ذلك لم ييأس، ووضع خطة عسكرية ضمنت له النصر فيالنهاية، قضت بتشديد الحصار على المدينة حتى يتضايق المدافعون عنها، ويدب اليأس فينفوسهم، فيضطرون للخروج للاصطدام بالمسلمين لتخفيف وطأة الحصار، وهكذا يستدرجهمويحملهم على الخروج من تحصيناتهم، ثم ينقض عليهم. ونتيجةلاشتداد الصراع في القسطنطينية بين أركان الحكم، انقطعت الإمدادات البيزنطية عنالإسكندرية، إذ لم يعد أحد منهم يفكر في الدفاع عنها، مما أَثَّرَ سلبًا علىمعنويات المدافعين عنها، فرأوا أنفسهم معزولين ولا سند لهم، ومما زاد من مخاوفهمما كان يقوم به المسلمون من غارات على قرى الدلتا والساحل، فإذا سيطروا عليها فسوفيقطعون الميرة عنهم. رسالة أمير المؤمنين إلى عمرو
وكان عمربن الخطاب yفي المدينة ينتظر أنباء فتح مصر، وهو أشد ما يكون استعجالاً لنبأسقوط الإسكندرية في أيدي المسلمين، ولكن هذا النبأ أبطأ عنه أشهرًا، فذهب يبحث عنالسبب، وهو لم يقصر عن إمداد عمرو بما يحتاج إليه من المساندة التي تكفل له النصر،وخشي أن تكون خيرات مصر قد غَرَّت المسلمين فتخاذلوا؛ فقال لأصحابه: "ماأبطَئُوا بفتحها إلا لما أحدثوا"، أي لما أحدثوا من ذنوب، وكتب إلى عمرو بنالعاص: "أمابعد، فقد عجبتُ لإبطائكم عن فتح مصر، إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذاك إلا لماأحدثتم، وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلابصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجلعلى ما كنت أعرف، إلا أن يكونوا غيَّرَهم ما غيَّر غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذافاخطب الناس، وحُضَّهم على قتال عدوهم، وَرَغِّبْهم في الصبر والنية، وقَدِّم أولئكالأربعة في صدور الناس، ومُر الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكنذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل الرحمة، ووقت الإجابة، وليعجّ الناسُإلى الله ويسألوه النصر على عدوهم". تحقيق النصر.. ونجاح الفتح
وعندماأتى عَمرًا الكتابُ جمع الناس، وقرأ عليهم كتاب عمر، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهمأمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين، ثم يرغبوا إلى الله عز وجلويسألوه النصر؛ ففعلوا ففتح الله عليهم. ويقال:إن عمرو بن العاص استشار مَسْلَمَة بن مُخَلَّد في قتال الروم بالإسكندرية، فقالله مسلمة: أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة وتجارب من أصحاب رسول الله ،فتعقد له على الناس، فيكون هو الذي يباشر القتال ويكفيك. قال عمرو: ومن ذلك؟ قال: عبادةبن الصامت. فدعاعمرو عبادةَ فأتاه وهو راكب فرسه، فلما دنا منه أراد النزول، فقال له عمرو: عزمتعليك لا تنزل؛ فَنَاوِلْنِي سِنَانَ رُمحِك. فناوله إياه، فنزع عمرو عمامته عنرأسه وعقد له، وولاه قتال الروم، فتقدم عبادة مكانه، فقاتل الروم حتى فتح الله علىيديه الإسكندرية من يومهم ذلك. يقولجنادة بن أبي أمية: دعاني عبادة بن الصامت يوم الإسكندرية، وكان على قتالهم، فأغارالعدو على طائفة من الناس ولم يأذن لهم بقتالهم، فسمعني فبعثني أحجز بينهم،فأتيتهم فحجزت بينهم، ثم رجعت إليه، فقال: أَقُتِلَ أَحَدٌ من الناس هنالك؟ قلت: لا.فقال: الحمد لله الذي لم يقتلْ أحدًا منهم عاصيًا. لقدعانت الإسكندرية من الحصار، وأَدَّى ذلك إلى هبوط معنويات الجند والقادة، خاصة بعدوفاة هرقل، فأسرع المقوقس بالسفر إلى مصر على رأس جنده لتسليم المدينة، ورافقه عددمن القساوسة، وبذلك فتح الله الإسكندرية على المسلمين. صورة رائعة من حضارة المسلمين في التعامل مع الأعداء
تمَّهذا الفتح عَنْوة، ولكن عمرًا جعل أهلها ذمة على أن يخرج مَن يخرج، ويقيم من يقيمباختيارهم، شأن المسلمين مع أهالي معظم البلاد التي فتحوها، وإنما عامل عمروالمصريين معاملة من فُتِحَتْ بلادُهم صلحًا ليستجلب محبتهم، وتتألف الهدنة التيعقدها المقوقس مع عمرو بن العاص من أمرين: الأمرالأول: شروط تسليم مدينة الإسكندرية، ومنها:-أن يدفع أهل الإسكندرية الجزية المستحقة عليهم دينارين كل عام.-أن يحافظ المسلمون على الكنيسة المسيحية، فلا يتعرضون لها بسوء، ولا يتدخلون فيشئونها.-أن يتمتع أهل الإسكندرية بالحريات الدينية. -أن تعقد هدنة مدتها 11 شهرًا، يبقى المسلمون في أثنائها عند مواقعهم الأولى.-أن يكف الروم عن القتال، وألا يحاولوا استرداد مصر، ولا تعود إليها قوة حربية.-أن ينسحب البيزنطيون، ويأخذون معهم أموالهم وأمتعتهم عن طريق البحر. وإذاتمَّ الانسحاب دخلت قوات المسلمين واحتلت المدينة.-أن يكون عند المسلمين من الروم 150 جنديًّا، و50 مدنيًّا رهينة؛ لتنفيذ المحافظةعلى الجالية اليهودية، وكان عددها عظيمًا.-أن يرحل جند الروم من الإسكندرية في البحر على أن يحملوا متاعهم وأموالهم، ومنأراد الرحيل برًّا فليدفع كل شهر جزءًا معلومًا من المال، ما بقي في أرض مصر أثناءرحلته. الأمرالثانيأنالمعاهدة القديمة التي عقدها المقوقس مع عمرو بن العاص y بحصن بابليون، ستطبق على القطر المصري كله،وتصبح معاهدة يدخل فيها جميع المصريين من حيث تأمين أهل مصر على أنفسهم ومِلَّتهموأموالهم وكنائسهم وصُلُبِهم وبَرِّهم وبحرهم، بما يضمن منح المصريين حقوقهم وحرياتهم،وقد حمل "قيرس" شروط الصلح إلى "تيودور" وهو القائد الأعلىللجيش للموافقة عليها، وأُرسِلت إلى قنسطانز فأقرها، ولكن الروم بعد ذلك لميحترموا هذه المعاهدة؛ فقد أرسل الإمبراطور جيشًا بقيادة "منويل"،فاحتلها وقتل حاميتها. وبالفعلتمَّ تنفيذ الاتفاق، وأخلى الروم الإسكندرية، ورحلوا عنها قبل حلول الموعد المحددلانتهاء الهدنة بين الطرفين، إذ تمَّ إخلاؤها بتاريخ السابع عشر من سبتمبر سنة 642م. تأمين حدود مصر
لقدحرص عمرو بن العاص y على تأمين الإسكندرية من هجمات الأعداءالمباغتة، فجعل نصف جنده معه بالفسطاط، وأمر النصف الآخر بالمرابطة بسواحل مصر،خاصة الإسكندرية، بحيث يتم ذلك بالتبادل صيفًا وشتاءً، مدة ستة أشهر لكل فريق معتوفير المساكن اللازمة للإقامة هناك. وبعدأن فرغ المسلمون من فتح مصر، رأى عمرو بن العاص y ضرورة تأمين حدودها من جهة الغرب، وبخاصة أنالروم قد أُجبِرُوا على الخروج منها، وهم يتحينون الفرصة لاستعادتها. ولما كانوايبسطون نفوذهم وسلطانهم على المناطق التي تقع غرب مصر حتى المحيط الأطلنطي، كان لابد من تأمين تلك الحدود؛ لذلك كان من الضروري استمرار الفتح غربًا لارتباط تلكالمناطق الوثيق بمصر؛ فقد كانت أنطابُلُس (برقة) وطرابلس قد انفصلتا عنالإمبراطورية البيزنطية منذ عهد موريس 583- 602م، وكانتا شبه مستقلتين وتابعتينلمصر رسميًّا، وأيدتا "جريجوريوس" لدى انفصاله عن الإمبراطوريةالبيزنطية.
كانت الإسكندرية عاصمة لمصر منذ أنشأهاالإسكندر الأكبر في شتاء عام 331- 332 ق.م عند بلدة راكوتيس Rakotisالتي يرجع تاريخها إلى 1500 ق.م، كما أضاف ضاحية نيوبوليس New Polisإلى غربها، وقد أقامها لتحل محل نوكراتيس naukratis كمركز للثقافةاليونانية في مصر، وفي العصر الروماني صارت المدينة الثانية بعد روما، وبقيت تحتسلطان الرومان أكثر من قرن من الزمان، ثم نما حجم الإسكندرية وأنشأ البطالمة فيهاالمتحف والمكتبة التي حوت 500.000 مجلدٍ، وفيها تمَّ ترجمة التوراة (العهد القديم Old testament) إلى اليونانية، وصارت الإسكندرية مركزًا للتجارة بين دول أوروباوالشرق، واستمر ذلك الحال حتى دُمِّرَ المتحف والمكتبة خلال الحرب الداخلية فيالقرن الثالث الميلادي، كما أحرق المسيحيون مكتبة فرعية عام 391م، وأنشأ أوكتافيوسمدينته المنافسة قريبًا من الرمل، وأخذت أهمية خاصة في عصرها المسيحي من ناحيةالفكر اللاهوتي للحكومة، وفي عام 616 م استولى عليها الفرس من البيزنطيين،واستعادها البيزنطيون حتى فتحها المسلمون عام 21هـ/ 642م. الزحف إلى الإسكندرية.. ومعاونة الأقباط للمسلمين!
بعدسقوط حصن بابليون في أيدي المسلمين أقاموا به، ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر بنالخطاب رضي الله عنهما يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية، فكتب إليه عمر يأمره بذلك.وقد استخلف عمرو بن العاص على ما فتح خارجةَ بن حذافة السهمي، وسار على رأس من معه.ثمحدث بعد ذلك أمران مهمان، وهما: -جاء إلى الروم إمدادات كثيرة.-أصبح للقبط موقفٌ واضح، ألا وهو تعاونهم مع المسلمين. خرجعمرو بن العاص yبالمسلمينحين أمكنهم الخروج، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط، وقد أصلحوا لهم الطرق وأقاموالهم الجسور والأسواق، وصار القبط لهم أعوانًا على ما أرادوا من قتال الروم، وسمعبذلك الروم فاستعدوا واستجاشوا، وقدم عليهم مراكبَ كثيرة من أرض الروم فيها جموعكثيرة منهم بالعدة والسلاح، فخرج إليهم عمرو بن العاص y من بابليون متوجهًا إلى الإسكندرية، فلم يلقَمنهم أحدًا حتى بلغ تَرْنُوط، فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالاً خفيفًافهزمهم الله، ومضى عمرو بن العاص بمن معه حتى لَقِيَ جمع الروم بكَوْم شَرِيك،فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين، وولَّى الروم مدبرين. وتجمعالروم والقبط دون الإسكندرية ببلدة كِرْيُون، وفيهم من أهل سَخا وبَلْهِيبوالخَيْس وسُلْطَيْس وغيرهم، وهذا يخالف الروايات الصحيحة التي ذكرت أن القبطكانوا أعوانًا للمسلمين مثل رواية ابن عبد الحكم في كتابه "فتوح مصر وأخبارها"؛ولذلك نذهب إلى أن أهل هذه القرى قام الروم بتجنيدهم وحشرهم ليقاتلوا معهم، وأثخنالمسلمون الرومَ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وطاردوهم حتى بلغوا الإسكندرية فتحصنوابها. وكانت عليهم حصون لا تُرَامُ؛ حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حُلْوَة إلىقصر فارس إلى ما وراء ذلك، ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمةوالعَلُوفة. وقدذكرنا من قبل أن فتح بابليون كان يوم الجمعة 29 من ذي الحجة 20هـ / 7 ديسمبر641م؛وتقول الروايات: إن عمرو بن العاص y ظل أمام الإسكندرية مُحاصِرًا لها ثلاثة أشهر. وتعنيهذه الروايات أن المسلمين قطعوا ما بين بابليون حتى الإسكندرية في ستة أشهر، ثمأقاموا أمامها ثلاثة أشهر، وعلى ذلك يكون وصول المسلمين إلى الإسكندرية كان نحو 19جمادىالآخرة21هـ / 23 مايو 642م، ويكون فتحها حدث نحو 19رمضان21هـ / 19أغسطس642م، وقدذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن فتحها كان سنة 21هـ على يد عمرو بن العاص y. إحكام الحصار على حصن كِرْيُون
فرالرومان نحو الإسكندرية، وكان حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية، وقداعتصم به "تيودور" قائد الجيش البيزنطي مع حامية قوية، وبعد أن تمكنالمسلمون من اقتحامه فَرَّ "تيودور" وبعض أفراد حاميته إلى الإسكندرية. وقدأدرك عمرو yفور وصوله إلى الإسكندرية ودراسته للوضع الميداني أن المدينةحصينة؛ إذ يحيط بها سوران محكمان، ولها عدة أبراج، ويحيط بها خندق يُمْلأُ من ماءالبحر عند الضرورة للدفاع، وتتألف أبوابها من ثلاث طبقات من الحديد، ويوجد مجانيقفوق الأبراج، وقد بلغ عدد جنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطورالبيزنطي خمسين ألف جندي، ويحميها البحر من الناحية الشمالية، وهو تحت سيطرةالأسطول البيزنطي، الذي كان يمدها بالمؤن والرجال والعتاد، وتحميها قريوط منالجنوب، ومن المتعذر اجتيازها، وتلفها ترعة الثعبان من الغرب، وبذلك لم يكنللمسلمين طريق إليها إلا من ناحية الشرق، وهو الطريق الذي يصلها بكريون، وكانتالمدينة حصينة من هذه الناحية، ومع ذلك لم ييأس، ووضع خطة عسكرية ضمنت له النصر فيالنهاية، قضت بتشديد الحصار على المدينة حتى يتضايق المدافعون عنها، ويدب اليأس فينفوسهم، فيضطرون للخروج للاصطدام بالمسلمين لتخفيف وطأة الحصار، وهكذا يستدرجهمويحملهم على الخروج من تحصيناتهم، ثم ينقض عليهم. ونتيجةلاشتداد الصراع في القسطنطينية بين أركان الحكم، انقطعت الإمدادات البيزنطية عنالإسكندرية، إذ لم يعد أحد منهم يفكر في الدفاع عنها، مما أَثَّرَ سلبًا علىمعنويات المدافعين عنها، فرأوا أنفسهم معزولين ولا سند لهم، ومما زاد من مخاوفهمما كان يقوم به المسلمون من غارات على قرى الدلتا والساحل، فإذا سيطروا عليها فسوفيقطعون الميرة عنهم. رسالة أمير المؤمنين إلى عمرو
وكان عمربن الخطاب yفي المدينة ينتظر أنباء فتح مصر، وهو أشد ما يكون استعجالاً لنبأسقوط الإسكندرية في أيدي المسلمين، ولكن هذا النبأ أبطأ عنه أشهرًا، فذهب يبحث عنالسبب، وهو لم يقصر عن إمداد عمرو بما يحتاج إليه من المساندة التي تكفل له النصر،وخشي أن تكون خيرات مصر قد غَرَّت المسلمين فتخاذلوا؛ فقال لأصحابه: "ماأبطَئُوا بفتحها إلا لما أحدثوا"، أي لما أحدثوا من ذنوب، وكتب إلى عمرو بنالعاص: "أمابعد، فقد عجبتُ لإبطائكم عن فتح مصر، إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذاك إلا لماأحدثتم، وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلابصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجلعلى ما كنت أعرف، إلا أن يكونوا غيَّرَهم ما غيَّر غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذافاخطب الناس، وحُضَّهم على قتال عدوهم، وَرَغِّبْهم في الصبر والنية، وقَدِّم أولئكالأربعة في صدور الناس، ومُر الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكنذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل الرحمة، ووقت الإجابة، وليعجّ الناسُإلى الله ويسألوه النصر على عدوهم". تحقيق النصر.. ونجاح الفتح
وعندماأتى عَمرًا الكتابُ جمع الناس، وقرأ عليهم كتاب عمر، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهمأمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين، ثم يرغبوا إلى الله عز وجلويسألوه النصر؛ ففعلوا ففتح الله عليهم. ويقال:إن عمرو بن العاص استشار مَسْلَمَة بن مُخَلَّد في قتال الروم بالإسكندرية، فقالله مسلمة: أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة وتجارب من أصحاب رسول الله ،فتعقد له على الناس، فيكون هو الذي يباشر القتال ويكفيك. قال عمرو: ومن ذلك؟ قال: عبادةبن الصامت. فدعاعمرو عبادةَ فأتاه وهو راكب فرسه، فلما دنا منه أراد النزول، فقال له عمرو: عزمتعليك لا تنزل؛ فَنَاوِلْنِي سِنَانَ رُمحِك. فناوله إياه، فنزع عمرو عمامته عنرأسه وعقد له، وولاه قتال الروم، فتقدم عبادة مكانه، فقاتل الروم حتى فتح الله علىيديه الإسكندرية من يومهم ذلك. يقولجنادة بن أبي أمية: دعاني عبادة بن الصامت يوم الإسكندرية، وكان على قتالهم، فأغارالعدو على طائفة من الناس ولم يأذن لهم بقتالهم، فسمعني فبعثني أحجز بينهم،فأتيتهم فحجزت بينهم، ثم رجعت إليه، فقال: أَقُتِلَ أَحَدٌ من الناس هنالك؟ قلت: لا.فقال: الحمد لله الذي لم يقتلْ أحدًا منهم عاصيًا. لقدعانت الإسكندرية من الحصار، وأَدَّى ذلك إلى هبوط معنويات الجند والقادة، خاصة بعدوفاة هرقل، فأسرع المقوقس بالسفر إلى مصر على رأس جنده لتسليم المدينة، ورافقه عددمن القساوسة، وبذلك فتح الله الإسكندرية على المسلمين. صورة رائعة من حضارة المسلمين في التعامل مع الأعداء
تمَّهذا الفتح عَنْوة، ولكن عمرًا جعل أهلها ذمة على أن يخرج مَن يخرج، ويقيم من يقيمباختيارهم، شأن المسلمين مع أهالي معظم البلاد التي فتحوها، وإنما عامل عمروالمصريين معاملة من فُتِحَتْ بلادُهم صلحًا ليستجلب محبتهم، وتتألف الهدنة التيعقدها المقوقس مع عمرو بن العاص من أمرين: الأمرالأول: شروط تسليم مدينة الإسكندرية، ومنها:-أن يدفع أهل الإسكندرية الجزية المستحقة عليهم دينارين كل عام.-أن يحافظ المسلمون على الكنيسة المسيحية، فلا يتعرضون لها بسوء، ولا يتدخلون فيشئونها.-أن يتمتع أهل الإسكندرية بالحريات الدينية. -أن تعقد هدنة مدتها 11 شهرًا، يبقى المسلمون في أثنائها عند مواقعهم الأولى.-أن يكف الروم عن القتال، وألا يحاولوا استرداد مصر، ولا تعود إليها قوة حربية.-أن ينسحب البيزنطيون، ويأخذون معهم أموالهم وأمتعتهم عن طريق البحر. وإذاتمَّ الانسحاب دخلت قوات المسلمين واحتلت المدينة.-أن يكون عند المسلمين من الروم 150 جنديًّا، و50 مدنيًّا رهينة؛ لتنفيذ المحافظةعلى الجالية اليهودية، وكان عددها عظيمًا.-أن يرحل جند الروم من الإسكندرية في البحر على أن يحملوا متاعهم وأموالهم، ومنأراد الرحيل برًّا فليدفع كل شهر جزءًا معلومًا من المال، ما بقي في أرض مصر أثناءرحلته. الأمرالثانيأنالمعاهدة القديمة التي عقدها المقوقس مع عمرو بن العاص y بحصن بابليون، ستطبق على القطر المصري كله،وتصبح معاهدة يدخل فيها جميع المصريين من حيث تأمين أهل مصر على أنفسهم ومِلَّتهموأموالهم وكنائسهم وصُلُبِهم وبَرِّهم وبحرهم، بما يضمن منح المصريين حقوقهم وحرياتهم،وقد حمل "قيرس" شروط الصلح إلى "تيودور" وهو القائد الأعلىللجيش للموافقة عليها، وأُرسِلت إلى قنسطانز فأقرها، ولكن الروم بعد ذلك لميحترموا هذه المعاهدة؛ فقد أرسل الإمبراطور جيشًا بقيادة "منويل"،فاحتلها وقتل حاميتها. وبالفعلتمَّ تنفيذ الاتفاق، وأخلى الروم الإسكندرية، ورحلوا عنها قبل حلول الموعد المحددلانتهاء الهدنة بين الطرفين، إذ تمَّ إخلاؤها بتاريخ السابع عشر من سبتمبر سنة 642م. تأمين حدود مصر
لقدحرص عمرو بن العاص y على تأمين الإسكندرية من هجمات الأعداءالمباغتة، فجعل نصف جنده معه بالفسطاط، وأمر النصف الآخر بالمرابطة بسواحل مصر،خاصة الإسكندرية، بحيث يتم ذلك بالتبادل صيفًا وشتاءً، مدة ستة أشهر لكل فريق معتوفير المساكن اللازمة للإقامة هناك. وبعدأن فرغ المسلمون من فتح مصر، رأى عمرو بن العاص y ضرورة تأمين حدودها من جهة الغرب، وبخاصة أنالروم قد أُجبِرُوا على الخروج منها، وهم يتحينون الفرصة لاستعادتها. ولما كانوايبسطون نفوذهم وسلطانهم على المناطق التي تقع غرب مصر حتى المحيط الأطلنطي، كان لابد من تأمين تلك الحدود؛ لذلك كان من الضروري استمرار الفتح غربًا لارتباط تلكالمناطق الوثيق بمصر؛ فقد كانت أنطابُلُس (برقة) وطرابلس قد انفصلتا عنالإمبراطورية البيزنطية منذ عهد موريس 583- 602م، وكانتا شبه مستقلتين وتابعتينلمصر رسميًّا، وأيدتا "جريجوريوس" لدى انفصاله عن الإمبراطوريةالبيزنطية.
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ