وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.
وهذا الفن الذي لاح لنا النظر فيه نجد منه مسائل تجري بالعرض لأهل العلوم
في براهين علومهم وهي من جنس مسائله بالموضوع والطلب: مثل ما يذكره
الحكماء والعلماء في إثبات النبوة من أن البشر متعاونون في وجودهم فيحتاجون
فيه إلى الحاكم والوازع ومثل ما يذكر في أصول الفقه في باب اثبات اللغات
أن الناس محتاجون إلى العبارة عن المقاصد بطبيعة التعاون والاجتماع وتبيان
العبارات أخف ومثل ما يذكره الفقهاء في تعليل الأحكام الشرعية بالمقاصد في
أن الزنا مخلط للأنساب مفسد للنوع وأن القتل أيضاً مفسد للنوع وأن الظلم
مؤذن بخراب العمران المفضي لفساد النوع وغير ذلك من سائر المقاصد الشرعية
في الأحكام فإنها كلها مبنية على المحافظة على العمران فكان لها النظر فيما
يعرض له وهو ظاهر من كلامنا هذا في هذه المسائل الممثلة. وكذلك أيضاً
يقع إلينا القليل من مسائله في كلمات متفرقة لحكماء الخليقة لكنهم لم
يستوفوه. فمن كلام الموبذان بهرام بن بهرام في حكاية البوم التي نقلها
المسعودي: " أيها الملك إن الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة والقيام لله
بطاعته والتصرف تحت أمره ونهيه ولا قوام للشريعة إلا بالملك ولا عز للملك
إلا بالرجال ولا قوام للرجال إلاأ بالمال ولا سبيل إلى المال إلاأ بالعمارة
ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة نصبه
الرب وجعل له قيما وهو الملك ". ومن كلام أنو شروان في هذا المعنى
بعينه: " الملك بالجند والجند بالمال والمال بالخراج والخراج بالعمارة
والعمارة بالعدل والعدل بإصلاح العمال وإصلاح العمال باستقامة الوزراء ة
ورأس الكل بافتقاد الملك حال رعيته بنفسه واقتداره على تأديبها. يملكها
ولاتملكه ". وفي الكتاب المنسوب لأرسطو في السياسة المتداول بين الناس
جزء صالح منه إلا أنه غير مستوف ولا معطى حقه من البراهين ومختلط بغيره وقد
أشار في ذلك الكتاب إلى هذه الكلمات التي نقلناها عن الموبذان وأنوشروان
وجعلها في الدائرة القريبة التي أعظم القول فيها وهو قوله: " العالم
بستان سياجه الدولة الدولة سلطان تحيا به السنة السنة سياسة يسوسها الملك
الملك نظام يعضده الجند الجند أعوان يكفلهم المال المال رزق تجمعه الرعية
الرعية عبيد يكنفهم العدل العدل مألوف وبه العالم العالم بستان. . .
" ثم ترجع إلى أول الكلام. فهذه ثمان كلمات حكمية سياسية ارتبط بعضها
ببعض وارتدت أعجازها على صدورها واتصلت في دائرة لا يتعين طرفها فخر بعثوره
عليها وعظم من فوائدها. وأنت إذا تأملت كلامنا في فصل الدول والملك
وأعطيته حقه من التصفح والتفهم عثرت في أثنائه على تفسير الكلمات وتفصيل
إجمالها مستوفى بيناً بأوعب بيان وأوضح دليل وبرهان أطلعنا الله عليه من
غير تعليم أرسطو ولا إفادة موبذان. وكذلك تجد في كلام ابن المقفع وما
يستطرد في رسائله من ذكر السياسات الكثير من مسائل كتابنا هذا غير مبرهنة
كما برهناه إنما يجليها في الذكر على منحى الخطابة في أسلوب الترسل وبلاغة
الكلام. وكذلك حوم الماضي أبو بكر الطرطوشي في كتاب سراج الملوك وبوبه
على أبواب تقرب من أبواب كتابنا هذا ومسائله لكنه لم يصادف فيه الرمية ولا
أصاب الشاكلة ولا استوفى المسائل ولا أوضح الأدلة إنما يبوب الباب للمسألة
ثم يستكثر من الأحاد والآثار وينقل كلمات متفرقة لحكماء الفرس مثل بزرجمهر
والموبذان وحكماء الهند والمأثور عن دانيال وهرمس وغيرهم من أكابر الخليقة
ولا يكشف عن التحقيق قناعاً يرفع بالبراهين الطبيعية حجاباً إنما هو نقل
وتركيب شبيه بالمواعظ وكأنه حوم على الغرض ولم يصادفه ولا تحقق قصده ولا
استوفى مسائله. ونحن ألهمنا الله إلى ذلك الهاماً وأعثرنا على علم جعلنا
سن بكره وجهينة خبره. فإن كنت قد استوفيت مسائله وميزت عن سائر الصنائع
أنظاره وأنحاءه فتوفيق من الله وهداية. وإن فاتني شيء في إحصائه واشتبهت
بغيره مسائله فللناظر المحقق إصلاحه ولي الفضل لأني نهجت له السبيل وأوضحت
له الطريق. والله يهدي بنوره من يشاء. ونحن الأن نبين في هذا الكتاب ما
يعرض للبشر في اجتماعهم من أحوال العمران في الملك والكسب والعلوم
والصنائع بوجوه برهانية يتضح بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة وتدفع
بها الأوهام وترفع الشكوك ونقول: لما كان الإنسان متميزاً عن سائر
الحيوانات بخواص اختص بها. فمنها العلوم والصنائع التي هي نتيجة الفكر
الني تميز به عن الحيوانات وشرف بوصفه على المخلوقات. ومنها الحاجة إلى
الحكم الوازع والسلطان القاهر إذ لا يمكن وجوده دون ذلك من بين الحيوانات
كلها إلا ما يقال عن النحل والجراد وهذه وإن كان لها مثل ذلك فبطريق إلهامي
لا بفكر وروية. ومنها السعي في المعاش والاعتمال في تحصيله من وجوهه
واكتساب أسبابه لما جعل الله فيه من الافتقار إلى الغذاء في حياته وبقائه
وهداه إلى التماسه وطلبه قال تعالى: " أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
". ومنها العمران وهو التساكن والتنازل في مصر أو حلة للأنس بالعشير
واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش كما سنبينه. ومن
هذا العمران ما يكون بدوياً وهو الذي يكون في الضواحي وفي الجبال وفي الحلل
المنتجعة في القفار وأطراف الرمال ومنه ما يكون حضرياً وهو الذي بالأمصار
والقرى والمدن والمدر للاعتصام بها والتحصن بجدرانها. وله في كل هذه
الأحوال أمور تعرض من حيث الاجتماع عروضاً ذاتياً له فلا جرم انحصر الكلام
في هذا الكتاب في ستة فصول: الأول: في العمران البشري على الجملة
وأصنافه وقسطه من الأرض. والثاني: في العمران البدوي وذكر القبائل
والأمم الوحشية. والثالث: في الدول والخلافة والملك وذكر المراتب
السلطانية. والرابع: في العمران الحضري والبلدان والأمصار.
والخامس: في الصنائع والمعاش والكسب ووجوهه. والسادس: في العلوم
واكتسابها وتعلمها. وقد قدمت العمران البدوي لأنه سابق على جميعها كما
نبين لك بعد وكذا تقديم الملك على البلدان والأمصار وأما تقديم المعاش فلأن
المعاش ضروري طبيعي وتعلم العلم كمالي أو حاجي والطبيعي أقدم من الكمالي
وجعلت الصنائع مع الكسب لأنها منه ببعض الوجوه ومن حيث العمران كما نبين لك
بعد. والله الموفق للصواب والمعين عليه.
الباب الأول من الكتاب الأول في العمران البشري على الجملة
وفيه مقدمات
المقدمة الأولى في أن الاجتماع الإنساني ضروري
ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: " الإنسان مدني بالطبع " أي لا بد له
من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو معنى العمران. وبيانه أن
الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء
وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله. إلا أن
قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له
بمادة حياته منه. ولو فرضنا منه أقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة
مثلاً فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ. وكل واحد من هذه
الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد
ونجار وفاخوري. هب أنه يأكله حباً من غير علاج فهو أيضاً يحتاج في
تحصيله حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة والحصاد والدراس الذي
يخرج الحب من غلاف السنبل. ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع
كثيرة أكثر من الأولى بكثير. ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة
الواحد. فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له
ولهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف. وكذلك
يحتاج كل واحد منهم أيضاً في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه.
لأن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانات كلها وقسم القدر بينها جعل
حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظ الإنسان فقدرة الفرس
مثلاً أعظم بكثير من قدرة الإنسان وكذا قدرة الحمار والثور وقدرة الأسد
والفيل أضعاف من قدرته. ولما كان العدوان طبيعياً في الحيوان جعل لكل
واحد منها عضواً يختص بمدافعته ما يصل إليه من عادية غيره. وجعل للإنسان
عوضاً من ذلك كله الفكر واليد. فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر والصنائع
تحصل له الألات التي تنوب له عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات
للدفاع: مثل الرماح التي تنوب عن القرون الناطحة والسيوف النائبة عن
المخالب الجارحة والتراس النائبة عن البشرات الجاسية إلى غير ذلك مما ذكر
جالينوس في كتاب منافع الأعضاء. فالواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة
واحد من الحيوانات العجم سيما المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة
ولا تفي قدرته أيضاً باستعمال الألات المعدة للمدافعة لكثرتها وكثرة
الصنائع والمواعين المعدة فلا بد في ذلك كله من التعاون عليه بأبناء
جنسه. وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل قوت ولا غذاء ولا تتم حياته لما
ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته ولا يحصل له أيضاً
دفاع عن نفسسه لفقدان السلاح فيكون فريسة للحيوانات ويعاجله الهلاك عن مدى
حياته ويبطل نوع البشر. وإذا كان التعاون حصل له القوت للغذاء والسلاح
للمدافعة وتمت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه. فإذن هذا الاجتماع ضروري
للنوع الإنساني وإلا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم
واستخلافه إياهم وهذا هو معنى العمران الذي جعلناة موضوعاً لهذا العلم.
وفي هذا الكلام نوع إثبات للموضوع في فنه الذي هو موضوع له. وهذا وإن لم
يكن واجباً على صاحب الفن لما تقرر في الصناعة المنطقية أنه ليس على صاحب
علم إثبات الموضوع في ذلك العلم فليس أيضاً من الممنوعات عندهم فيكون
إثباته من التبرعات والله الموفق بفضله. ثم إن هذا الاجتماع إذا حصل
للبشر كما قررناه وتم عمران العالم بهم فلا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض
لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم. وليست آلة السلاح التي جعلت
دافعة لعدوان الحيوانات العجم عنهم كافية في دفع العدو عنهم لأنها موجودة
لجميعهم. فلا بد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض ولا يكون من غيرهم
لقصور جميع الحيوانات عن مداركهم والهاماتهم. فيكون ذلك الوازع واحداً
منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة حتى لا يصل أحد إلى غيره
بعدوان وهذا هو معنى الملك. وقد تبين لك بهذا أنه خاصة للإنسان طبيعية
ولا بد لهم منها. وقد يوجد في بعض الحيوانات العجم على ما ذكره الحكماء
كما في النحل والجراد لما استقرىء فيها من الحكم والانقياد والاتباع لرئيس
من أشخاصها متميز عنهم في خلقه وجثمانه إلا أن ذلك موجود لغير الإنسان
بمقتضى الفطرة والهداية لا بمقتضى الفكرة والسياسة: " أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
". وتزيد الفلاسفة على هذا البرهان حيث يحاولون إثبات النبوة بالدليل
العقلي وأنها خاصة طبيعية للإنسان فيقررون هذا البرهان إلى غايته وأنه لا
بد للبشر من الوازع ثم يقولون بعد ذلك. وذلك الحكم يكون بشرع مفروض من
عند الله يأتي به واحد من البشر وأنه لا بد أن يكون متميزاً عنهم بما يودع
الله فيه من خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول منه حتى يتم الحكم فيهم
وعليهم من غير إنكار ولا تزييف. وهذه القضية للحكماء غير برهانية كما
تراه إذ الوجود وحياة البشر قد تتم من دون ذلك بما يفرضه الحاكم لنفسه أو
بالعصبية التي يقتدر بها على قهرهم وحملهم على جادته. فأهل الكتاب
والمتبعون للأنبياء قليلون بالنسبة إلى المجوس الذين ليس لهم كتاب فإنهم
أكثر أهل العالم ومع ذلك فقد كانت لهم الدول والآثار فضلاً عن الحياة وكذلك
هي لهم لهذا العهد في الأقاليم المنحرفة في الشمال والجنوب. بخلاف حياة
البشر فوضى دون وازع لهم البتة فإنه يمتنع. وبهذا يتبين لك غلطهم في وجوب
النبوات وأنه ليس بعقلي وإنما مدركه الشرع كما هو مذهب السلف من الأمة.
والله ولي التوفيق والهداية. المقدمة الثانية في قسط العمران من الأرض
والإشارة إلى بعض ما فيه من البحار والأنهار والأقاليم اعلم أنه قد تبين في
كتب الحكماء الناظرين في أحوال العالم أن شكل الأرض كروي وأنها محفوفة
بعنصر الماء كأنها عنبة طافية عليه. فانحسر الماء عن بعض جوانبها لما
أراد الله من تكوين الحيوانات فيها وعمرانها بالنوع البشري الذي له الخلافة
على سائرها. وقد يتوهم من ذلك أن الماء تحت الأرض وليس بصحيح وإنما
التحت الطبيعي قلب الأرض ووسط كرتها الذي هو مركزها والكل يطلبه بما فيه من
الثقل وما عدا ذلك من جوانبها. وأما الماء المحيط بها فهو فوق الأرض.
وإن قيل في شيء منها أنه تحت الأرض فبالإضافة إلى جهة أخرى منه. وأما
الذي انحسر عنه الماء من الأرض فهو النصف من سطح كرتها في شكل دائرة أحاط
العنصر المائي بها من جميع جهاتها بحراً يسم البحر المحيط ويسمى أيضاً
لبلاية بتفخيم اللام الثانية ويسمى أوقيانوس أسماء أعجمية ويقال له البحر
الأخضر والأسود. ثم أن هذا المنكشف من الأرض للعمران فيه القفار والخلاء
أكثر من عمرانه والخالي من جهة الجنوب منه أكثر من جهة الشمال وإنما
المعمور منه قطعة أميل إلى الجانب الشمالي على شكل مسطح كروي ينتهي من جهة
الجنوب إلى خط الاستواء ومن جهة الشمال. إلى خط كروي ووراءه الجبال
الفاصلة بينه وبين الماء العنصري الذي بينهما سد يأجوج ومأجوج. وهذه
الجبال مائلة إلى جهة المشرق وينتهي من المشرق والمغرب إلى عنصر الماء
أيضاً بقطعتين من الدائرة المحيطة. وهذا المنكشف من الأرض قالوا هو مقدار
النصف من الكرة أو أقل والمعمور منه مقدار ربعه وهو المنقسم بالأقاليم
السبعة. وخط الاستواء يقسم الأرض بنصفين من المغرب إلى المشرق وهو طول
الأرض وأكبر خط في كرتها كما أن منطقة فلك البروج ودائرة معدل النهار أكبر
خط في الفلك. ومنطقة البروج منقسمة بثلاثمائة وستين درجة والدرجة من
مسافة الأرض خمسة وعشرون فرسخاً والفرسخ اثنا عشر آلف ذراع في ثلاثة أميال
لأن الميل أربعة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعاً والإصبع ست حبات
شعير مصفوفة ملصق بعضها إلى بعض ظهراً لبطن. وبين دائرة معدل النهار التي
تقسم الفلك بنصفين وتسامت خط الاستواء من الأرض وبين كل واحد من القطبين
تسعون درجة. لكن العمارة في الجهة الشمالية من خط الاستواء أربع وستون
درجة والباقي منها خلاء لا عمارة فيه لشدة البرد والجمود كما كانت الجهة
الجنوبية خلاء كلها لشدة الحر كما نبين ذلك كله إن شاء الله تعالى. ثم أن
المخبرين عن هذا المعمور وحدوده وما فيه من الأمصار والمدن والجبال
والبحار والأنهار والقفار والرمال مثل: بطليموس في كتاب الجغرافيا وصاحب
كتاب روجار من بعده قسموا هذا المعمور بسبعة أقسام يسمونها الأقاليم السبعة
بحدود وهمية بين المشرق والمغرب متساوية في العرض مختلفة في الطول
فالأقليم الأول أطول مما بعده وكذا الثاني إلى آخرها فيكون السابع أقصر لما
اقتضاه وضع الدائرة الناشئة من انحسار الماء عن كرة الأرض. وكل واحد من
هذه الأقاليم عندهم منقسم بعشرة أجزاء من المغرب إلى المشرق على التوالي.
وفي كل جزء
الخبر عن أحواله وأحوال عمرانه
البحار: وذكروا أن هذا البحر المحيط يخرج منه من جهة المغرب في الإقليم
الرابع البحر الرومي المعروف. ويبدأ في خليج متضايق في عرض اثني عشر
ميلاً أو نحوها ما بين طنجة وطريف ويسمى الزقاق ثم يذهب مشرقاً وينفسح إلى
عرض ستمائة ميل. ونهايته في آخر الجزء الرابع من الإقليم الرابع على ألف
فرسخ ومائة وستين فرسخاً من مبدئه وعليه هنالك سواحل الشام. وعليه من جهة
الجنوب سواحل المغرب أولها طنجة عند الخليج ثم إفريقية ثم برقة إلى
الإسكندرية. ومن جهة الشمال سواحل القسطنطينية عند الخليج ثم البنادقة ثم
رومة ثم الإفرنجة ثم الأندلس إلى طريف عند الزقاق قبالة طنجة. ويسمى هذا
البحر الرومي والشامي وفيه جزر كثيرة عامرة كبار مثل أقريطش وقبرص وصقلية
وميورقة وسردانية ودانية. قالوا: ويخرج منه في جهة الشمال بحران آخران
من خليجين. أحدهما مسامت للقسطنطينية يبدأ من هذا البحر متضايقاً في عرض
رمية السهم ويمر ثلاثة بحار: فيتصل بالقسطنطينية ثم ينفسح في عرض أربعة
أميال ويمر في جريه ستين ميلاً ويسمى خليج القسطنطينية ثم يخرج من فوهة
عرضها ستة أميال فيمد بحر نيطش وهو بحر ينحرف من هنالك في مذهبه إلى ناحية
الشرق فيمر بأرض هريقلية وينتهي إلى بلاد الخزرية على ألف وثلاثمائة ميل من
فوهته وعليه من الجانبين أمم من الروم والترك وبرجان والروس. والبحر
الثاني من خليجي هذا البحر الرومي وهو بحر البنادقة يخرج من بلاد الروم على
سمت الشمال فإذا انتهى إلى سمت الجبل انحرف في سمت المغرب إلى بلاد
البنادقة وينتهي الي بلاد إنكلاية على ألف ومائة ميل من مبدئه. وعلى
حافتيه من البنادقة والروم وغيرهم أمم ويسمى خليج البنادقة. قالوا:
وينساح من هذا البحر المحيط أيضاً من الشرق وعلى ثلاث عشرة درجة في الشمال
من خط الاستواء بحر عظيم متسع يمر إلى الجنوب قليلاً حتى ينتهي إلى الإقليم
الأول ثم يمر فيه مغرباً إلى أن ينتهي في الجزء الخامس منه إلى بلاد
الحبشة والزنج وإلى بلاد باب المندب منه على أربعة آلاف فرسخ وخمسمائة فرسخ
من مبدئه ويسمى البحر الصيني والهندي والحبشي. وعليه من جهة الجنوب بلاد
الزنج وبلاد بربر التي ذكرها امرؤ القيس في شعره وليسوا من البربر الذين
هم قبائل المغرب ثم بلد مقدشو ثم بلد سفالة وأرض الواق واق وأمم أخر ليس
بعدهم إلا القفار والخلاء. وعليه من جهة الشمال الصين من عند مبدئه ثم
الهند ثم السند ثم سواحل اليمن من الأحقاف وزبيد وغيرها ثم بلاد الزنج عند
نهايته وبعدهم الحبشة. قالوا: ويخرج من هذا البحر الحبشي بحران آخران
أحدهما يخرج من نهايته عند باب المندب فيبدأ متضايقاً ثم يمر مستبحراً إلى
ناحية الشمال ومغرباً قليلاً إلى أن ينتهي إلى مدينة القلزم في الجزء
الخامس من الإقليم الثاني على ألف وأربعمائة ميل من مبدئه ويسمى بحر القلزم
وبحر السويس وبينه وبين فسطاط مصر من هنالك ثلاث مراحل. وعليه من جهة
الشرق سواحل اليمن ثم الحجاز وجدة ثم مدين وأيلة وفاران عند نهايته ومن جهة
الغرب سواحل الصعيد وعيذاب وسواكن وزيلع ثم بلاد الحبشة عند مبدئه وأخره
عند القلزم يسامت البحر الرومي عند العريش وبينهما نحو ست مراحل. وما زال
الملوك في الإسلام وقبله يرومون خرق ما بينهما ولم يتم ذلك. والبحر
الثاني من هذا البحر الحبشي ويسمى الخليج الأخضر يخرج ما بين بلاد السند
والأحقاف من اليمن ويمر إلى ناحية الشمال مغرباً قليلاً إلى أن ينتهي إلى
الأبلة من سواحل البصرة في الجزء السادس من الإقليم الثاني على أربعمائة
فرسخ وأربعين فرسخاً من مبدئه ويسمى بحر فارس. وعليه من جهة الشرق سواحل
السند ومكران وكرمان وفارس والأبلة عند نهايته ومن جهة الغرب سواحل البحرين
واليمامة وعمان والشحر والأحقاف عند مبدئه. وفيما بين بحر فارس والقلزم
جزيرة العرب كأنها داخلة من البر في البحر يحيط بها البحر الحبشي من الجنوب
وبحر القلزم من الغرب وبحر فارس من الشرق وتفضي إلى العراق فيما بين الشام
والبصرة على ألف وخمسمائة ميل بينهما. وهنالك الكوفة والقادسية وبغداد
وإيوان كسرى والحيرة. ووراء ذلك أمم الأعاجم من الترك والخزر وغيرهم.
وفي جزيرة العرب بلاد الحجاز في جهة الغرب منها وبلاد اليمامة والبحرين
وعمان جهة الشرق منها وبلاد اليمن في قالوا: وفي هذا المعمور بحر أخر
منقطع من سائر البحار في ناحية الشمال بأرض الديلم يسمى بحر جرجان وطبرستان
طوله ألف ميل في عرض ستمائة ميل في غربيه أذربيجان والديلم وفي شرقيه أرض
الترك وخوارزم وفي جنوبيه طبرستان وفي شماليه أرض الخزر واللان. هذه جملة
البحار المشهورة التي ذكرها أهل الجغرافيا. الأنهار قالوا: وفي هذا
الجزء المعمور أنهار كثيرة أعظمها أربعة أنهار وهي النيل والفرات ودجلة
ونهر بلخ المسمى جيحون. فأما النيل فمبدؤه من جبل عظيم وراء خط الاستواء
بست عشرة درجة على سمت الجزء الرابع من الإقليم الأول ويسمى جبل القمر ولا
يعلم في الأرض جبل أعلى منه تخرج منه عيون كثيرة فيصب بعضها في بحيرة هناك
وبعضها في أخرى ثم تخرج أنهار من البحيرتين فتصب كلها في بحيرة واحدة عند
خط الاستواء على عشر مراحل من الجبل. ويخرج من هذه البحيرة نهران. يذهب
أحدهما إلى ناحية الشمال على سمته ويمر ببلاد النوبة ثم بلاد مصر فإذا
جاوزها تشعب في شعب متقاربة يسمى كل واحد منها خليجاً وتصب كلها في البحر
الرومي عند الإسكندرية ويسمى نيل مصر وعليه الصعيد من شرقيه والواحات من
غربيه. ويذهب الأخر منعطفاً إلى المغرب ثم يمرعلى سمته إلى أن يصب في
البحر المحيط وهو نهر السودان وأمهم كلهم على ضفتيه. وأما الفرات فمبدؤه
من بلاد أرمينية في الجزء السادس من الإقليم الخامس ويمر جنوباً في أرض
الروم وملطية إلى منبج ثم يمر بصفين ثم بالرقة ثم بالكوفة إلى أن ينتهي إلى
البطحاء التي بين البصرة وواسط ومن هناك يصب في البحر الحبشي وتنجلب إليه
في طريقه أنهار كثيرة ويخرج منه أنهار أخرى تصب في دجلة. وأما دجلة
فمبدؤه عين ببلاد خلاط من أرمينية أيضاً وتمر على سمت الجنوب بالموصل
وأذربيجان وبغداد إلى واسط فتتفرق إلى خلجان كلها تصب في بحيرة البصرة
وتفضي إلى بحر فارس وهو في الشرق على يمين الفرات. وينجلب إليه أنهار
كثيرة عظيمة من كل جانب. وفيما بين الفرات ودجلة من أوله جزيرة الموصل
قبالة الشام من عدوتي الفرات وقبالة أذربيجان من عدوة دجلة. وأما نهر
جيحون فمبدؤه من بلخ في الجزء الثامن من الإقليم الثالث من عيون هناك كثيرة
وتنجلب إليه أنهار عظام ويذهب من الجنوب إلى الشمال فيمر ببلاد خراسان ثم
يخرج منها إلى بلاد خوارزم في الجزء الثامن من الإقليم الخامس فيصب في
بحيرة الجرجانية التي بأسفل مدينتها وهي مسيرة شهر في مثله وإليها ينصب نهر
فرغانة والشاش الأتي من بلاد الترك. وعلى غربي نهر جيحون بلاد خراسان
وخوارزم وعلى شرقيه بلاد بخارى وترمذ وسمرقند ومن هنالك إلى ما وراءه بلاد
الترك وفرغانة والخزرجية وأمم الأعاجم. وقد ذكر ذلك كله بطليموس في كتابه
والشريف في كتاب " روجار " وصوروا في الجغرافيا جميع ما في المعمور من
الجبال والبحار والأودية واستوفوا من ذلك ما لا حاجة لنا به لطوله ولأن
عنايتنا في الأكثر إنما هي بالمغرب الذي هو وطن البربر وبالأوطان التي
للعرب من المشرق واللة الموفق.
تكملة لهذه المقدمة الثانية في أن الربع الشمالي من الأرض أكثر عمراناً من
الربع الجنوبي وذكر السبب في ذلك ونحن نرى بالمشاهدة والأخبار المتواترة
أن الأول والثاني من الأقاليم المعمورة أقل عمراناً مما بعدهما وما وجد من
عمرانه فيتخلله الخلاء والقفار والرماد والبحر الهندي الذي في الشرق
منهما. وأمم هذين الإقليمين وأناسيهما ليست لهم الكثرة البالغة وأمصاره
ومدنه كذلك. والثالث والرابع وما بعدهما بخلاف ذلك. فالقفار فيها قليلة
والرمال كذلك أو معدومة وأممها وأناسيها تجوز الحد من الكثرة وأمصارها
ومدنها تجاوز الحد عدداً والعمران فيها مندرج ما بين الثالث والسادس
والجنوب خلاء كله. وقد ذكر كثير من الحكماء أن ذلك لإفراط الحروقلة ميل
الشمس فيها عن سمت الرؤوس. فلنوضح ذلك ببرهانه ليتبين منه سبب كثرة
العمارة فيما بين الثالث والرابع من جانب الشمال إلى الخامس والسابع
فنقول: إن قطبي الفلك الجنوبي والشمالي إذا كانا على الأفق فهنالك دائرة
عظيمة تقسم الفلك بنصفين هي أعظم الدوائر المارة من المشرق إلى المغرب
وتسمى دائرة معدل النهار. وقد تبين في موضعه من الهيئة أن الفلك الأعلى
متحرك من المشرق إلى المغرب حركة يومية يحرك بها سائر الأفلاك التي في جوفه
قهراً وهذه الحركة محسوسة. وكذلك تبين أن للكواكب في أفلاكها حركة
مخالفة لهذه الحركة وهي من المغرب إلى المشرق وتختلف آمادها باختلاف حركة
الكواكب في السرعة والبطء. وممرات هذه الكواكب في أفلاكها توازيها كلها
دائرة عظيمة من الفلك الأعلى تقسمه بنصفين وهي دائرة فلك البروج منقسمة
باثني عشر برجاً وهي على ما تبين في موضعه مقاطعة لدائرة معدل النهار على
نقطتين متقابلتين من البروج هما أول الحمل وأول الميزان فتقسمها دائرة معدل
النهار بنصفين: نصف مائل عن معدل النهار إلى الشمال وهو من أول الحمل
إلى أخر السنبلة ويصف مائل عنه إلى الجنوب وهو من أول الميزان إلى آخر
الحوت. وإذا وقع القطبان على الأفق في جميع نواحي الأرض كان على سطح
الأرض خط واحد يسامت دائرة معدل النهار يمر من المغرب إلى المشرق ويسمى خط
الاستواء. ووقع هذا الخط بالرصد على ما زعموا في مبدأ الإقليم الأول من
الأقاليم السبعة والعمران كله في الجهة الشمالية عنه. والقطب الشمالي
يرتفع عن آفاق هذا المعمور بالتدريج إلى أن ينتهي ارتفاعه إلى أربع وستين
درجة وهنالك ينقطع العمران وهو آخر الإقليم السابع. وإذا ارتفع على الأفق
تسعين درجة وهي التي يين القطب ودائرة معدل النهار صار القطب على سمت
الرؤوس وصارت دائرة معدل النهار على الأفق وبقيت ستة من البروج فوق الأفق
وهي الشمالية وستة تحت الأفق وهي الجنوبية. والعمارة فيما بين الأربعة
والستين إلى التسعين ممتنعة لأن الحر والبرد حينئذ لا يحصلان ممتزجين لبعد
الزمان بينهما فلا يحصل التكوين. فإذا الشمس تسامت الرؤوس على خط
الاستواء في رأس الحمل والميزان ثم تميل عن المسامتة إلى رأس السرطان ورأس
الجدي ويكون نهاية ميلها عن دائرة معدل النهار أربعاً وعشرين درجة. ثم
إذا ارتفع القطب الشمالي عن الأفق مالت دائرة معدل النهار عن سمت الرؤوس
بمقدار ارتفاعه وانخفض القطب الجنوبي كذلك بمقدار متساو في الثلاثة وهو
المسمى عند أهل المواقيت عرض البلد. وإذا مالت دائرة معدل النهار عن سمت
الرؤوس علت عليها البروج الشمالية مندرجة في مقدار علوها إلى رأس السرطان
وانخفضت البروج الجنوبية من الأفق كذلك إلى رأس الجدي لانحرافها إلى
الجانبين في أفق الاستواء كما قلناه. فلا يزال الأفق الشمالي يرتفع حتى
يصير أبعد الشمالية وهو رأس السرطان في سمت الرؤوس وذلك حيث يكون عرض البلد
أربعاً وعشرين في الحجاز وما يليه. وهذا هو الميل الذي إذا مال رأس
السرطان عن معدل النهار في أفق الاستواء ارتفع بارتفاع القطب الشمالي حتى
صار مسامتاً. فإذا ارتفع القطب أكثر من أربع وعشرين نزلت الشمس عن
المسامتة ولا تزال في انخفاض إلى أن يكون ارتفاع القطب أربعاً وستين ويكون
انخفاض الشمس عن المسامتة كذلك وانخفاض القطب الجنوبي عن الأفق مثلها
فينقطع التكوين لإفراط البرد والجمد وطول زمانه غير ممتزج بالحر. ثم إن
الشمس عند المسامتة وما يقاربها تبعث الأشعة على الأرض على زوايا قائمة
وفيما دون المسامتة على زوايا منفرجة وحادة. وإذا كانت زوايا الأشعة
قائمة عظم الضوء وانتشر بخلافه في المنفرجة والحادة. فلهذا يكون الحر عند
المسامتة وما يقرب منها أكثر منه فيما بعده لأن الضوء سبب الحر
والتسخين. ثم إن المسامتة في خط الاستواء تكون مرتين في السنة عند نقطتي
الحمل والميزان وإذا مالت فغير بعيد. ولا يكاد الحر يعتدل في آخر ميلها
عند رأس السرطان والجدي إلا أن صعدت إلى المسامتة فتبقى الأشعة القائمة
الزوايا تلح على ذلك الأفق ويطول مكثها أو يدوم فيشتعل الهواء حرارة وئفرط
في شدتها. وكذا ما دامت الشمس تسامت مرتين فيما بعد خط الاستواء إلى عرض
أربع وعشرين فإن الأشعة ملحة على الأفق في ذلك بقريب من إلحاحها في خط
الاستواء وإفراط الحر يفعل في الهواء تجفيفاً ويبساً يمنع من التكوين لأنه
إذا أفرط الحر جفت المياه والرطوبات وفسد التكوين في المعدن والحيوان
والنبات إذ التكوين لا يكون إلا بالرطوبة. ثم إذا مال رأس السرطان عن سمت
الرؤوس في عرض خمس وعشرين فما بعده نزلت الشمس عن المسامتة فيصير الحر إلى
الاعتدال أو يميل عنه ميلاً قليلاً فيكون التكوين ويتزايد على التدريج إلى
أن يفرط البرد في شدته لقلة الضو وكون الأشعة منفرجة الزوايا فينقص
التكوين ويفسد. إلا أن فساد التكوين من جهة شدة الحر أعظم منه من جهة شدة
البرد لأن الحر أسرع تأثيراً في التجفيف من تأثير البرد في الجمد. فلذلك
كان العمران في الإقليم الأول والثاني قليلاً وفي الثالث والرابع والخامس
متوسطاً لاعتدال الحر بنقصان الضوء وفي السادس والسابع كثيراً لنقصان الحر
وإن كيفية البرد لا تؤثر عند أولها في فساد التكوين كما يفعل الحر إذ لا
تجفيف فيها إلا عند الإفراط بما يعرض لها حينئذ من اليبس كما بعد السابع.
فلهذا كان العمران في الربع الشمالي أكثر وأوفر والله ومن هنا أخذ الحكماء
خلاء خط الإستواء وما وراءه. وأورد عليهم أنه معمور بالمشاهدة والأخبار
المتواترة. فكيف يتم البرهان على ذلك والظاهر أنهم لم يريدوا امتناع
العمران فيه بالكلية إنما أداهم البرهان إلى أن فساد التكوين فيه قوي
بإفراط الحر والعمران فيه إما ممتنع أو ممكن أقلي. وهو كذلك فإن خط
الاستواء والذي وراءه وإن كان فيه عمران كما نقل فهو قليل جداً. وقد زعم
ابن رشد أن خط الأستواء معتدل وأن ما وراءه في الجنوب بمثابة ما وراءه في
الشمال فيعمر منه ما عمر من هذا. والذي قاله غير ممتنع من جهة فساد
التكوين وإنما امتنع فيما وراء خط الإستواء في الجنوب من جهة أن العنصر
المائي غمر وجه الأرض هنالك إلى الحد الذي كان مقابله من الجهة الشمالية
قابلاً للتكوين ولما امتنع المعتدل لغلبة الماء تبعه ما سواه لأن العمران
متدرج ويأخذ في التدريج من جهة الوجود لا من جهة الامتناع. وأما القول
بامتناعه في خط الاستواء فيرده النقل المتواتر والله أعلم. ولنرسم بعد
هذا الكلام صورة الجغرافيا كما رسمها صاحب كتاب روجار ثم نأخذ في تفصيل
الكلام عليها. . . إلخ. تفصيل الكلام على بدء الجغرافيا اعلم أن
الحكماء قسموا هذا المعمور كما تقدم ذكره على سبعة أقسام من الشمال إلى
الجنوب يسمون كل قسم منها إقليماً. فانقسم المعمور من الأرض كله على هذه
السبعة الأقاليم كل واحد منها أخذ من الغرب إلى الشرق على طوله. فالأول
منها مار من المغرب إلى المشرق مع خط الاستواء بحده من جهة الجنوب وليس
وراءه هنالك إلا القفار والرمال وبعض عمارة إن صحت فهي كلا عمارة. ويليه
من جهة شماليه الإقليم الثاني ثم الثالث كذلك ثم الرابع والخامس والسادس
والسابع وهو آخر العمران من جهة الشمال. وليس وراء السابع إلا الخلاء
والقفار إلى أن ينتهي إلى البحر المحيط كالحال فيما وراء الإقليم الأوال في
جهة الجنوب إلا أن الخلاء في جهة الشمال أقل بكثير من الخلاء الذي في جهة
الجنوب. ثم أن أزمنة الليل والنهار تتفاوت في هذه الأقاليم بسبب ميل
الشمس عن دائرة معدل النهار وارتفاع القطب الشمالي عن أفاقها. فيتفاوت
قوس النهار والليل لذلك. وينتهي طول الليل والنهار في آخر الإقليم الأول
وذلك عند حلول الشمس برأس الجدي لليل وبرأس السرطان للنهار كل واحد منهما
إلى ثلاث عشرة ساعة. وكذلك في آخر الإقليم الثاني مما يلي الشمال فينتهي
طول النهار فيه عند حلول الشمس برأس السرطان وهو منقلبها الصيفي إلى ثلاث
عشرة ساعة ونصف ساعة. ومثله أطول الليل عند منقلبها الشتوي برأس الجدي.
ويبقى للأقصر من الليل والنهار ما يبقى بعد الثلاث عشرة ونصف من جملة أربع
وعشرين الساعات الزمانية لمجموع الليل والنهار وهي دورة الفلك الكاملة.
وكذلك في آخر الإقليم الثالث مما يلي الشمال أيضاً ينتهيان إلى أربع عشرة
ساعة وفي آخر الرابع إلى أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وفي آخر الخامس إلى خمس
عشر ساعة وفي آخر السادس إلى خمس عشرة ساعة ونصف وفي آخر السابع إلى ست
عشرة ساعة وهنالك ينقطع العمران فيكون تفاوت هذه الأقاليم في الأطول من
ليلها ونهارها بنصف ساعة لكل إقليم يتزايد من أوله في ناحية الجنوب إلى
آخره في ناحية الشمال موزعة على أجزاء هذا البعد. وأما عرض البلدان في
هذه الأقاليم فهو عبارة عن بعد ما بين سمت رأس البلد ودائرة معدل النهار
الذي هو سمت رأس خط الاستواء وبمثله سواء ينخفض القطب الجنوبي عن أفق ذلك
البلد. يرتفع القطب الشمالي عنه وهو ثلاثة أبعاد متساوية تسمى عرض البلد
كما مر ذلك قبل. والمتكلمون على هذه الجغرافيا قسموا كل واحد من هذه
الأقاليم السبعة في طوله من المغرب إلى المشرق بعشرة أجزاء متساوية ويذكرون
ما اشتمل عليه كل جزء منها من البلدان والأمصار والجبال والأنهار
والمسافات بينها في المسالك ونحن الأن نوجز القول في ذلك ونذكر مشاهير
البلدان والأنهار والبحار في كل جزء منها ونحاذي بذلك ما وقع في كتاب "
نزهة المشتاق " الذي ألفه العلوي الإدريسي الحمودي لملك صقلية من الإفرنج
وهو روجار بن روجار عندما كان نازلاً عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة
مالقة وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السادسة. وجمع له كتباً جمة
للمسعودي وابن خرداذبه والحوقلي والدمري وابن إسحق المنجم وبطليموس وغيرهم
ونبدأ منها بالإقليم الأول إلى آخرها والله سبحانه وتعالى يعصمنا بمنه
وفضله. الإقليم الأول وفيه من جهة غربيه الجزائر الخالدات التي منها بدأ
بطليموس يأخذ أطوال البلاد. وليست في بسيط الإقليم وإنما هي في البحر
المحيط جزر متكثرة أكبرها وأشهرها ثلاثة ويقال إنها معمورة. وقد بلغنا أن
سفائن من الإفرنج مرت بها في أواسط هذه المائة وقاتلوهم فغنموا منهم وسبوا
وباعوا بعض أساراهم بسواحل المغرب الأقصى وصاروا إلى خدمة السلطان. فلما
تعلموا اللسان العربي أخبروا عن حال جزائرهم وإنهم يحتفرون الأرض للزراعة
بالقرون وأن الحديد مفقود بأرضهم وعيشهم من الشعير وماشيتهم المعز وقتالهم
بالحجارة يرمونها إلى خلف وعبادتهم السجود للشمس إذا طلعت ولا يعرفون ديناً
ولم تبلغهم دعوة. ولا يوقف على مكان هذه الجزائر إلا بالعثور لا بالقصد
إليها لأن سفر السفن في البحر إنما هو بالرياح ومعرفة جهات مهابها وإلى أين
يوصل إذا مرت على الاستقامة من البلاد التي في ممر ذلك المهب. وإذا
اختلف المهب وعلم حيث يوصل على الاستقامة حوذي به القلع محاذاة يحمل
السفينة بها على قوانين في ذلك محصلة عند النواتية والملاحين الذين هم
رؤساء السفن في البحر. والبلاد التي في حافات البحر الرومي وفي غدوته
مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه في الوجود وفي وضعها في سواحل
البحرعلى ترتيبها ومهاب الرياح وممراتها على اختلافها مرسوم معها في تلك
الصحيفة ويسمونها الكنباص وعليها يعتمدون في أسفارهم. وهذا كله مفقود في
البحر المحيط. فلذلك لا تلج فيه السفن لأنها إن غابت عن مرأى السواحل فقل
أن تهتدي إلى الرجوع إليها مع ما ينعقد في جو هذا البحر وعلى سطح مائه من
الأبخرة الممانعة للسفن في مسيرها وهي لبعدها لا تدركها أضواء الشمس
المنعكسة من سطح الأرض فتحللها. فلذلك عسر الاهتداء إليها وصعب الوقوف
على خبرها. وأما الجزء الأول من هذا الإقليم ففيه مصب النيل الآتي من
مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه ويسمى نيل السودان. ويذهب إلى البحر
المحيط فيصب فيه عند جزيرة أوليك. وعلى هذا النيل مدينة سلا وتكرور وغانة
وكلها لهذا العهد في مملكة ملك مالي من أمم السودان. وإلى بلادهم تسافر
تجار المغرب الأقصى وبالقرب منها من شماليها بلاد لمتونة وسائر طوائف
الملثمين ومفاوز يجولون فيها. وفي جنوبي هذا النيل قوم من السودان يقال
لهم لملم وهم كفار ويكتوون في وجوههم وأصداغهم وأهل غانة والتكرور يغيرون
عليهم ويسبونهم ويبيعونهم للتجار فيجلبونهم إلى المغرب وكلهم عامة رقيقهم
وليس وراءهم في الجنوب عمران يعتبر إلا أناسي أقرب إلى الحيوان العجم من
الناطق يسكنون الفيافي والكهوف ويأكلون العشب والحبوب غير مهيأة وربما يأكل
بعضهم بعضاً وليسوا في عداد البشر. وفواكه بلاد السودان كلها من قصور
صحراء المغرب مثل توات وتكدرارين ووركلان. فكان في غانة فيما يقال ملك
ودولة لقوم من العلويين يعرفون ببني صالح. وقال صاحب كتاب روجار أنه صالح
بن عبد الله بن حسن بن الحسن ولا يعرف صالح هذا في ولد عبد الله بن حسن.
وقد ذهبت هذه الدولة لهذا العهد وصارت غانة لسلطان مالي. وفي شرقي هذا
البلد في الجزء الثالث من هذا الإقليم بلد كوكو على نهر ينبع من بعض الجبال
هنالك. ويمر مغرباً فيغوص في رمال الجزء الثاني. وكان ملك كوكو قائماً
بنفسه ثم استولى عليها سلطان مالي وأصبحت في مملكته وخربت لهذا العهد من
أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مالي في محلها من تاريخ البربر.
وفي جنوبي بلد كوكو بلاد كانم من أمم السودان. وبعدهم ونغارة على ضفة
النيل من شماليه. وفي شرقي بلاد ونغارة وكانم بلاد زغاوة وتاجرة المتصلة
بأرض النوبة في الجزء الرابع من هذا الإقليم. وفيه يفر نيل مصرذاهباً من
مبدئه عند خط الاستواء إلى البحر الرومي فى الشمال. ومخرج هذا النيل من
جبل القمر الذي فوق خط الاستواء بست عشرة درجة. واختلفوا في ضبط هذه
اللفظة. فضبطها بعضهم بفتح القاف والميم نسبة إلى قمر السماء لشدة بياضه
وكثرة ضوئه. وفي كتاب المشترك لياقوت بضم القاف وسكون الميم نسبة إلى قوم
من أهل الهند وكذا ضبطه ابن سعيد. فيخرح من هذا الجبل عشر عيون تجتمع كل
خمسة منها في بحيرة وبينهما ستة أميال. ويخرج من كل واحدة من البحيرتين
ثلاثة أنهار تجتمع كلها في بطيحة واحدة في أسفلها جبل معترض يشق البحيرة من
ناحية الشمال. وينقسم ماؤها بقسمين: فيمر الغربي منه إلى بلاد السودان
مغرباً حتى يصب في البحر المحيط ويخرج الشرقي منه ذاهباً إلى الشمال على
بلاد الحبشة والنوبة وفيما بينهما وينقسم في أعلى أرض مصر فيصب ثلاثة من
جداوله في البحر الرومي عند الإسكندرية ورشيد ودمياط ويصب واحد في بحيرة
ملحة قبل أن يتصل بالبحر في وسط هذا الإقليم الأول وعلى هذا النيل بلاد
النوبة والحبشة وبعض بلاد الواحات إلى أسوان. وحاضرة بلاد النوبة مدينة
دنقلة وهي في غربي هذا النيل وبعدها علوة وبلاق وبعدهما جبل الجنادل على
ستة مراحل من بلاق في الشمال وهو جبل عال من جهة مصر ومنخفض من جهة النوبة
فينفذ فيه النيل ويصب في مهوى بعيد صباً هائلاً فلا يمكن أن تسلكه المراكب
بل يحول الوسق من مراكب السودان فيحمل على الظهر إلى بلد أسوان قاعدة
الصعيد وكذا وسق مراكب الصعيد إلى فوق الجنادل. وبين الجنادل وأسوان
اثنتا عشرة مرحلة. والواحات في غربيها عدوة النيل وهي الأن خراب وبها
آثار العمارة القديمة. وفي وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس منه بلاد
الحبشة على واد يأتي من وراء خط الاستواء ذاهباً إلى أرض النوبة فيصب هناك
في النيل الهابط إلى مصر. وقد وهم فيه كثير من الناس وزعموا أنه من نيل
القمر. وبطليموس ذكره في كتاب الجغرافيا وذكر أنه ليس من هذا النيل.
وإلى وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس ينتهي بحر الهند الذي يدخل من ناحية
الصين ويغمرعامة هذا الإقليم إلى هذا الجزء الخامس فلا يبقى فيه عمران إلا
ما كان في الجزائر التي في داخله وهي متعددة يقال تنتهي إلى ألف جزيرة أو
فيما على سواحله الجنوبية وهي آخر المعمور في الجنوب أو فيما على سواحله من
جهة الشمال وليس منها في هذا الإقليم الأول إلا طرف من بلاد الصين في جهة
الشرقي وفي بلاد اليمن. وفي الجزء السادس من هذا الإقليم فيما بين
البحرين الهابطين من هذا البحر الهندي إلى جهة الشمال وهما بحر قلزم وبحر
فارس وفيما بينهما جزيرة العرب. وتشتمل على بلاد اليمن وبلاد الشحر في
شرقيها على ساحل هذا البحر الهندي وعلى بلاد الحجاز واليمامة. وما إليهما
كما نذكره في الإقليم الثاني وما بعده فأما الذي على ساحل هذا البحر من
غربيه فبلد زالع من أطراف بلاد الحبشة ومجالات البجة في شمالي الحبشة ما
بين جبل العلاقي في أعالي الصعيد وبين بحر القلزم الهابط من البحر الهندي
وتحت بلاد زالع من جهة الشمال في هذا الجزء خليج باب المندب يضيق البحر
الهابط هنالك بمزاحمة جبل المندب المائل في وسط البحر الهندي ممتداً مع
ساحل اليمن من الجنوب إلى الشمال في طول اثني عشر ميلاً فيضيق البحر بسبب
ذلك إلى أن يصير في غرض ثلاثة أميال أو نحوها ويسمى باب المندب وعليه تمر
مراكب اليمن إلى ساحل السويس قريباً من مصر. وتحت باب المندب جزيرة سواكن
ودهلك وقبالته من غربيه مجالات البجة من أمم السودان كما ذكرناه. ومن
شرقيه في هذا الجزء تهائم اليمن ومنها على ساحله بلد علي بن يعقوب. وفي
جهة الجنوب من بلد زالع وعلى ساحل هذا البحر من غربيه قرى بربر يتلو بعضها
بعضاً. وينعطف مع جنوبيه إلى آخر الجزء السادس. ويليها هنالك من جهة
شرقيها بلاد الزنج ثم بلاد سفالة على ساحله الجنوي في الجزء السابع من هذا
الإقليم. وفي شرقي بلاد سفالة من ساحله الجنوبي بلاد الواق واق متصلة إلى
آخر الجزء العاشر من هذا الإقليم عند مدخل هذا البحر من البحر المحيط.
وأما جزائر هذا البحر فكثيرة من أعظمها جزيرة سرنديب مدورة الشكل وبها
الجبل المشهور يقال ليس في الأرض أعلى منه وهي قبالة سفالة. ثم جزيرة
القمر وهي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة وتذهب إلى الشرق منحرفة
بكثير إلى الشمال إلى أن تقرب من سواحل أعالي الصين ويحتف بها في هذا البحر
من جنوبيها جزائر الواق واق ومن شرقيها جزائر السملان إلى جزائر آخر في
هذا البحر كثيرة العدد وفيها أنواع الطيب والأفاوية وفيها يقال معادن الذهب
والزمرد وعامة أهلها على دين المجوسية وفيهم ملوك متعددون. وبهذه
الجزائر من أحوال العمران عجائب ذكرها أهل الجغرافيا. وعلى الضفة
الشمالية من هذا البحر في الجزء السادس من هذا الإقليم بلاد اليمن كلها.
فمن جهة بحر القلزم بلد زبيد والمهجم وتهامة اليمن وبعدها بلد صعدة مقر
الإمامة الزيدية وهي بعيدة عن البحر الجنوبي وعن البحر الشرقي. وفيما بعد
ذلك مدينة عدن وفي شماليها صنعاء وبعدهما إلى المشرق أرض الأحقاف وظفار
وبعدها أرض حضر موت ثم بلاد الشحر ما بين البحر الجنوبي وبحر فارس. وهذه
القطعة من الجزء السادس هي التي انكشف عنها البحر من أجزاء هذا الإقليم
الوسطى وينكشف بعدها قليل من الجزء التاسع وأكثر منه من العاشر فيه أعالي
بلاد الصين ومن مدنه الشهيرة خانكو وقبالتها من جهة الشرق جزائر السيلان
وقد تقدم ذكرها. وهذا آخر الكلام في الإقليم الأول الإقليم الثاني وهو
متصل بالأول من جهة الشمال. وقبالة المغرب منه في البحر المحيط جزيرتان
من الجزائر الخالدات التي مر ذكرها وفي الجزء الأول والثاني منه في الجانب
الأعلى منهما أرض قنورية وبعدها في جهة الشرق أعالي أرض غانة ثم مجالات
زغاوة من السودان وفي الجانب الأسفل منهما صحراء نيستر متصلة من الغرب إلى
الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجار ما بين بلاد المغرب وبلاد السودان وفيها
مجالات الملثمين من صنهاجة وهم شعوب كثيرة ما بين كزولة ولمتونة ومسراتة
ولمطة ووريكة. وعلى سمت هذه المفاوز شرقاً أرض فزان ثم مجالات أزكار من
قبائل البربر ذ
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ