alquseyaمنتدى أبناء القوصيه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ثقاقي-اجتماعي-يطمح الى الارتقاء بالقوصيه وتطويرها المنتدى منبر لكل ابناء القوصيه

منتدى ابناء القوصيه يدعو شرفاء اسيوط الى كشف اي تجاوزات تمت من اي من موظفي النظام الفاسد وتشرها في منبرنا الحر
حسبنا الله ونعم الوكيل لقد خطفت منا مصر مره اخري

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

المواضيع الأخيرة

» سيف الدين قطز
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالسبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ

» كنوز الفراعنه
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالسبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ

» الثقب الاسود
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالسبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ

» طفل بطل
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ

» دكتور زاكي الدين احمد حسين
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ

» البطل عبدالرؤوف عمران
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ

» نماذج مشرفه من الجيش المصري
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» حافظ ابراهيم
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ

» دجاجة القاضي
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ

» اخلاق رسول الله
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ

» يوم العبور في يوم اللا عبور
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ

» من اروع ما قرات عن السجود
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ

» قصه وعبره
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ

» كيف تصنع شعب غبي
تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني I_icon_minitimeالخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ


2 مشترك

    تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:15 am

    استيلاء بن سامان على خراسان وهزيمة عمرو بن الليث وحبسه ثم مقتله


    لما بعث عمرو بن الليث برأس رافع بن هرثمة إلى المعتضد طلب ولاية ما
    وراء النهر فولاه وبعث إليه بالخلع واللواء فسرح عمرو الجيوش من نيسابور مع
    قائده محمد بن بشير وغيره من قـواده لمحاربـة إسماعيل بن أحمد وانتهوا إلى
    آمد فعبر إسماعيل جيحون وهزمهم وقتل محمد بن بشيـر وغيـره مـن قـواده‏.‏
    ورجـع الفـل إلـى عمـرو بنيسابـور‏.‏ وعـاد إسماعيـل إلى بخارى وتجهز للسير
    إلـى إسماعيـل وسـار إلـى بلـخ وبعـث إليـه إسماعيـل أنـك قـد حـزت الدنيا
    العريضة فاتركني في هذا الثغر فأبى‏.‏ وعبر إسماعيل وأخذ عليه الجهات فصار
    محصوراً‏.‏ وندم وطلب المحاجزة فأبى إسماعيـل وقاتلـه فانهـزم عمـرو ونكـب
    عـن طريـق العسكر إلى مضيق ينفرد فيه‏.‏ وتوارى في أجمة فوحلت به دابته
    ولم يتفطن له أصحابه فأخذ أسيراً وبعث به إسماعيل إلى المعتضد بعد أن خيـره
    فاختـار المسيـر إليـه ووصـل إلـى بغـداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل
    وحبس‏.‏ وبحث المعتضد إلى إسماعيل بولايته خراسان إلـى أن توفـي
    المعتضـد‏.‏ وجـاء المكتفـي إلـى بغـداد‏.‏ وكـان فـي نفسه اصطناعه‏.‏ وكره
    ذلك الوزير القاسم بن عبيد الله فوضع عليه من قتله سنة تسع وثمانين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية بن محمد بن عمرو على سجستان وكرمان ثم على فارس


    ولما أسر عمرو سار إلى محبسه قام مكانه بسجستان وكرمان حافده طاهر بن
    محمد بـن عمـرو وهـو الـذي مـات أبوه محمد بمفازة سجستان عندما هرب عمرو
    أمام الموفق من فارس ثم سـار طاهـر إلـى فـارس وسـار إليهـا فـي الجيـوش
    سنـة ثمـان وثمانيـن‏.‏ اعترضـه بدر فعاد طاهر إلى سجستـان وملـك بـدر فارس
    وجبي أموالها‏.‏ ثم بعث طاهر بن محمد سنة تسع وثمانين يطلب المقاطعة على
    فارس بمال يحمله‏.‏ وكان المعتضد قد توفي فعقد له المكتفي عليها‏.‏ وتشاغل
    طاهر بالصيد واللهو ومضى إلى سجستان فغلب على الأمر بفارس الليث ابن عمه
    علي بن الليث وسيكري مولي جده عمرو وكان معهما أبو فارس قائد طاهر فلحق
    بالخليفة المكتفي وكتب طاهر رده بما جباه من المال ويحتسب له من جملته فلم
    يجب إلى ذلك‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء الليث على فارس ثم مقتله واستيلاء سيكري


    ولمـا تغلـب سيكـري علـى فارس لحق الليث بن علي بطاهر ابن عمه وزحف طاهر
    إلى فارس فهزمـه السيكـري وأسـره وبعـث بـه وبأخيـه يعقـوب إلى المقتدر
    سنة سبع وتسعين‏.‏ وضمن فارس بالحمـل الـذي كـان قـرره فولـاه علـى
    فـارس‏.‏ ثم زحف إليه الليث بن علي بن الليث فملك فارس الليث للقائهم‏.‏
    وجاءه الخبر بأن الحسين بن حمدان سار من قم مداداً لمؤنس فركب لإعتراضه
    وتاه الدليل عن الطريق فأصبح على معسكر مؤنس فثاروا واقتتلوا وانهزم عسكر
    الليث وأخذ أسيراً‏.‏ وأشار أصحاب مؤنس بأن بقبض على سيكري معه ويملك بلاد
    فارس ويقره الخليفة فوعدهـم بذلـك ودس إلـى سيكـري بـأن يهـرب إلـى
    شيـراز‏.‏ وأصبـح يلـوم أصحابـه علـى ظهـور الخبر من جهتهم وعاد بالليث إلى
    بغداد واستولي سيكري على فارس واستبد كاتبه عبد الرحمن بـن جعفـر علـى
    أمـوره فسعـي فيـه أصحابه عند سيكري حتى قبض عليه وحملوه على العصيان فمنع
    الحمل فكتب هو من محبسه إلى الوزير ابن الفرات يعرفه بأمرهم‏.‏ وكتب ابن
    الفرات إلى مؤنـس وهو بواسط يأمره بالعود إلى فارس ويعاتبه حيث لم يقبض على
    سيكري فسار مؤنس إلى الأهواز وراسله سيكري وهاداه‏.‏ وعلم ابن الفرات بميل
    مؤنس إليه فأنفذ وصيفاً وجماعة من القواد ومعهم محمد بن جعفر وأمرهم
    بالتعويل عليه في فتح فارس‏.‏ وكتب إلى مؤنس باستصحاب الليث إلى بغداد ففعل
    وسار محمد بن جعفر إلى فارس ودافع سيكري على شيراز فهزمه وحاصره بها
    وحاربه ثانية فهزمه ونهب أمواله ودخل سيكري مفازة خراسان فظفرت به جيوش
    خراسان وأسروه وبعثوا به إلى بغداد وولي على فارس فتح خادم الأفشين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انقراض ملك بني الليث من سجستان وكرمان


    وفي سنة ثمان وتسعين توفي فتح صاحب فارس فولي المقتدر مكانه عبد الله بن
    إبراهيم المسمعي وأضاف إليه كرمان من أعمال بني الليث‏.‏ وسار أحمد بن
    إسماعيل بن سامان إلى الـري فبعـث منهـا جيوشـه إلـى سجستـان سنـة ثمـان
    وتسعيـن مـع جماعـة مـن قـواده وعليهـم الحسن بن علـي المروروذي‏.‏ وكانت
    سجستان لما أسر طاهر سنة سبع وتسعين ولي بها بعده الليث بن علـي بـن
    الليـث‏.‏ فلمـا أسـر الليث كما تقدم ولي بعده أخو المعدل ين علي بن
    الليث‏.‏ فلما بلغه مسيـر هـذه العساكـر إليـه مـن قبـل أحمـد بن إسماعيل
    بعث أخاه أبا علي بن الليث محمد بن علي بن الليث إلى بست والرخج ليجبيهما
    ويبعث منهما إلى سجستان بالميرة فسار إليه أحمد بن إسماعيـل بـن سامـان
    وعلـى سجستـان أبـو صالـح منصور ابن عمه إسحاق بن أحمد بن إسماعيل بن سامان
    وعلى إلى سجستان في المفازة فبعث إليه جيشاً فأخذه وكتب الأمير أحمد إلى
    المقتدر بالخبر وبالفتح فأمره بحمل سيكري والليث فبعث إلى بغداد وحبسهما‏.‏




    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ثورة أهل سجستان بأصحاب ابن سامان


    ودعوتهم إلى بن عمرو ابن الليث بن الصفار ثم عودهم إلي طاعة أحمد بن
    إسماعيل بن سامان كـان محمـد بن هرمز ويعرف بالمولي الصندلي خارجياً وهو من
    أهل سجستان‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خرج أيام بني سامان وأقام ببخارى وسخط بعض الأعيان بها


    فسار إلى سجستان واستمال جماعة من الخـوارج رئيسهم ابن الحفار فخرجوا
    وقبضوا على منصور بن إسحاق عاملهم من بني سامان وحبسـوه وولـوا عليهـم عمرو
    بن يعقوب بن محمد بن الليث وخطبوا له فبعث أحمد بن إسماعيل الجيـوش
    ثانيـاً مـع الحسيـن بـن علـي سنة ثلاثمائة وحاصرها ستة أشهر‏.‏ ومات
    الصندلي فاستأمن عمـرو بـن يعقـوب الصفـار وابـن الحفـار إلـى الحسيـن بن
    علي وخرج منصور بن إسحاق من محبسه ‏.‏ واستعمل أحمد بن إسماعيل على سجستان
    سيجور الدواني ورجع الحسين بالجيوش إلى الأمير أحمد ومعه يعقوب وابن الحفار
    في ذي الحجه سنة ثلاثمائة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء خلف بن أحمد بن علي على سجستان ثم انتفاضهم عليه


    كان خلف بن أحمد من ذرية عمرو بن الليث الصفار وهو بسطة برسمه بانوا
    ولما فشل أمر بنـي سامـان استولـي علـى سجستـان وكـان مـن أهـل العلـم
    ويجالسهـم‏.‏ ثم حج سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائـة واستخلـف علـى أعماله طاهر
    بن الحسين من أصحابه فلما عاد من الحج انتقض عليه طاهر بن الحسين فسار خلف
    إلى بخارى مستجيشاً بالأمير منصور بن سامان فبعث معه العساكر وملك سجستان
    وكثرت أمواله وجنوده‏.‏ وقطع ما كان يحملـه إلـى بخـارى فسـارت العساكر
    إليه ومقدمهم وحاصروا خلف ابن أحمد في حصن أوال من أمنع الحصون وأعلاها‏.‏
    ولما اشتد به الحصار وفنيت الأموال والآلات كتب إلى نوح بن منصور صاحب
    بخارى بأن يستأمنـه ويرجـع إلـى دفـع الحمـل فكتب نوح بن منصور إلى أبي
    الحسن بن سيمجور عامله على خراسان وقد عزل بالمسير إلى حصار خلف فسـار مـن
    قهستـان إلـى سجستـان وحاصـر خلف وكانت بينهما مودة فأشار عليه سيمجور
    بتسليم حصن أرك للحسن لتتفرق الجيوش عنه إلى بخارى ويرجع هو إلى شأنه مع
    صاحبه فقبل خلف مشورته‏.‏ ودخل سيمجور إلى حصـن أرك وخطـب فيـه للأميـر
    نـوح‏.‏ ثـم سلمـه للحسـن بـن طاهر وانصرف إلى بخارى وكان هذا أول وهن دخل
    على بني سامان من سوء طاعة أصحابهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء خلف بن أحمد على كرمان


    ثم إنتزاع الديلم لها ولمـا استفحـل أمـر خلـف بسجستان حدث نفسه بملك
    كرمان وكانت في أيدي بني بويه وملكهم يومئـذ عضـد الدولـة فلمـا وهن أمرهم
    ووقع الخلف بين صمصام الدولة وبهاء الدولة ابني عضد الدولة جهز العساكر إلى
    كرمان وعليهم عمرو ابنه وقائدهم يومئذ تمرتاش من الديلم‏.‏ فلمـا قاربها
    عمرو هرب تمرتاش إلى بردشير وحمل ما أمكنه وغنـم عمـرو الباقـي وملـك
    كرمـان وجبـي الأمـوال‏.‏ وكـان صمصام الدولة صاحب فارس فبعث العساكر إلى
    تمرتاش مع أبي جعفر وأمره بالقبض عليه لإتهامه بالميل إلى أخيه بهاء الدولة
    فسار وقبض عليه وحمله إلى شيراز‏.‏ وسار بالعساكر إلى عمرو بن خلف فقاتله
    عمرو بدار زين‏.‏ وانهزم الديلم وعادوا على طريق جيرفت وبعث صمصام الدولة
    عسكراً آخر مع العباس بن أحمد من أصحابه فلقوا عمرو بن خلف بالسيرجان في
    المحـرم سنـة إثنتيـن وثمانيـن فهزمـوه‏.‏ وعـاد إلـى أبيـه بسجستـان
    مهزومـاً ووبخـه ثـم قتله‏.‏ ثـم غزل صمصام الدولة العباس عن كرمان فأشاع
    خلف بأن أستاذ هرمز سمه واستنفر الناس لغزو كرمان وبعثهم مع ابنه طاهر
    فانتهـوا إلـى برماشيـر وملكوهـا مـن الديلـم‏.‏ ولحـق الديلـم بجيرفت
    واجتمعوا بهـا وبعثـوا بهـا إلـى بردشيـر حاميـة مـن العسكـر وهـو أصـل
    بلـاد كرمـان ومصرهـا فحصرهـا طاهـر ثلاثـة أشهـر وضيق على أهلها وكتبوا
    إلى أستاذ هرمز يستمدونه قبل أن يغلبهـم عليهـا طاهـر فخاطر بنفسه وركب
    إليهم المضايق والأوعار حتى دخلها‏.‏ وعاد طاهر إلى سجستان واستنفر الناس
    لغزو الديلم بجيرفت واجتمعوا بها وبعثوا إلى بردشير حامية من العسكر وهو
    أصل بلاد كرمان وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها ومقتله


    كـان طاهر بن خلف من العقوق لأبيه على عظيم وانتقض عليه وجرت بينهما
    وقائع كان الظفر بهـا لخلـف ففـارق طاهـر سجستان وسار إلى كرمان وبها
    الديلم عسكر بهاء الدولة فصعد إلى جبالهـا واحتمـى بقـوم هنالـك كانـوا
    عصـاة ونـزل علـى جيرفـت فملكهـا ولقيـه الديلـم فهزمهم واستولـي علـى
    الكثيـر ممـا بأيديهـم فبعـث بهـاء الدولـة عسكـراً مـع أبي جعفر بن أستاذ
    هرمز فغلب طاهـراً علـى كرمـان فعـاد إلى سجستان وقاتل أباه فهزمه وملك
    البلاد‏.‏ وامتنع أبوه خلف ببعض حصونه وكان الناس قد سئموا منه لسوء سيرته
    فرجع إلى مخادعة ابنه فتواعدا اللقاء تحت القلعة وأكمن له بالقرب كميناً
    فلما لقيه خرج الكمين واستمكن منه أبوه خلف فقتله أبوه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء محمود بن سبكتكين على سجستان ومحو أثار بني الصفار منها


    كـان خلـف بـن أحمـد قـد بعـث ابنـه طاهـراً إلـى قهستـان فملكهـا ثـم
    إلـى بوشنـج كذلـك‏.‏ وكانـت هي وهراة لبغراجق عم محمود وكان محمود مشتغلاً
    بالفتنة مع قواد بني سامان فلما فرغ منهـا إستأذنه عمـه فـي إخـراج طاهـر
    بـن خلـف فـأذن لـه‏.‏ وسـار إليـه سنـة تسعيـن وثلاثمائـة ولقيـه بنواحـي
    بوسنـج فهزمـه ولـج فـي طلبـه فكـر عليـه طاهـر وقتلـه فساء ذلك محموداً
    وجمع عساكره وسار إلى خلف بن أحمد وحاصره بحصن أصبهيل وضيـق عليـه حتـى
    بـذل لـه أمـوالاً جليلـة وأعطـاه الرهن عليها فأفرج عنه‏.‏ ثم عهد خلف
    بملكه إلى ابنه وعكف على العبادة والعلم خوفاً من محمود بن سبكتكين فلما
    استولي طاهر على الملك عق أباه وكان من أمره ما تقدم‏.‏ ولما قتل طاهر
    تغيرت نيات عساكره وساءت فيه ظنونهم‏.‏ واستدعوا محمود بن سبكتكين وملكوه
    مدينتهم‏.‏ وقعد خلف في حصنه وهو حصن الطاق له سبعة أسوار محكمة وعليها
    خندق عتيق له جسر يرفع ويحط عند الحاجة فحاصره محمود سنـة ثلـاث وتسعيـن
    وطـم الخندق بالأعواد والتراب في يوم واحد وزحف لقتاله بالخيول‏.‏ وتقدم
    عظيمها فافتلع باب الحصن بنابه وألقاه وملك محمود السور الأول‏.‏ ودفع عنه
    أصحاب خلف إلى السور الثاني ثم إلى الثالث كذلك فخرج خلف واستأمن وحضر عنده
    محمود وخيره في المقام حيث شاء من البلاد فاختار الجوزجان وأقام بها أربع
    سنين‏.‏ ثم نقل عنه الخوض في الفتنة وأنه راسـل أيلكخـان يغريـه بمحمود
    فنقله إلى جردين وحبسه هنالك إلى أن هلك سنة تسع وتسعين وورثه ابنه أبو
    حفص‏.‏ ولما ملك محمود سجستان واستنزل خلـف مـن حصـن بالطـاق ولـي علـى
    سجستـان أحمـد الفتحـي مـن قـواد أبيـه‏.‏ ثم انتقض أهل سجستان فسار إليهم
    محمود سنة ثلاث وتسعين في ذي الحجة وحصرهم في حصن أول واقتحمه عليهم عنوة
    وقتل أكثرهم وسبى باقيهم حتى خلت سجستان منهم وصفاً ملكها له فأقطعها أخاه
    نصراً مضافة إلى نيسابور وانقرض ملك بني بالصفار وذويهم من سجستان والبقاء
    لله وحده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني سامان ملوك ما وراء النهر المقيمين بها


    الدولة العباسية وأولية ذلك ومصادره ‏:‏ أصل بني سامان هؤلاء من العجم
    كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان وبيوتها وينتسبون في الفرس إلى بهرام
    حشيش الذي ولاه كسرى أنوشروان مرزبان أذربيجان‏.‏ وبهرام حشيش من أهل الري
    ونسبهم إليه هكذا‏:‏ أسد بن سامان خذاه بن جثمان بن طغان بن نوشردين بن
    بهرام نجرين بن بهرام حشيش‏.‏ ولا وثوق لنا بضبط هذه الأسماء‏.‏ وكان لأسد
    أربعة من الولد‏:‏ نوح وأحمد ويحيى وإلياس وأصل دولتهم هذه فيما وراء النهر
    أن المأمون لما ولي خراس اصطنع بني أسد هؤلاء وعرف لهم حق سلفهم
    واستعملهم‏.‏ فلما انصرف إلى الجـراق ولـي علـى خراسـان غسـان كبـن عبـاد
    مـن قرابـة الفضـل بـن طاهـر مكـان ابنه إسحاق ومحمد بـن إليـاس‏.‏ ثم مات
    أحمد بن أسد بفرغانة سنة إحدى وستين وكان له من الولد سبعة‏:‏ نصر ويعقوب
    ويحيى وإسماعيل وإسحـاق وأسـد وكنيتـه أبـو الأشعـث وحميـد وكنيتـه أبـو
    غانـم‏.‏ ولمـا توفـي أحمد وكانت سمرقند من أعماله استخلف عليها ابنه نصراً
    وأقام في ولايتها أيام بني طاهر وبعدهم‏.‏ وكان يلي أعماله من قبل ولاة
    خراسان إلى حين انقراض أمر بني طاهر واستيلاء ولاية نصر بن أحمد على ما
    وراء النهر ولما استولي الصفار على خراسان وانقرض أمر بني طاهر عقد المعتمد
    لنصر بن أحمد على أعمـال مـا وراء النهـر فبعـث جيوشـه إلـى شـط جيحـون
    مسلحـة مـن عبور الصفار فقتل مقدمهم‏.‏ ورجعوا إلى بخارى وخشيهم واليها على
    نفسه ففر عنها‏.‏ وولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا فبعث نصر أخاه
    إسماعيل على شط بخارى‏.‏ وكان يعظـم محلـه ويقـف فـي خدمتـه‏.‏ ثـم ولـي
    علـى غزنـة أبـا اسحـاق بـن التكيـن‏.‏ ثـم ولـي علـى خراسـان مـن بعـد
    ذلـك رافـع بـن هرثمـة بولايـة بني طاهر وأخرج عنها الصفار وحصلت بينه وبين
    إسماعيل أعمال خوارزم فولاه إياهـا وفسـد مـا بيـن إسماعبـل وأخيـه نصر
    وزخف إليه سنة إثنتين وسبعين فأرسل قائده حمويه بـن علـي إلـى رافـع
    يستنجـده فسـار إليـه بنفسـه منهـا وأصلح بينهما ورجع إلى خراسان ثم انتقض
    ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين وظفر إسماعيل بنصر‏.‏ ولما حضـر عنـده
    ترجـل لـه إسماعيل وقبل يده ورده إلى كرسي إمارته بسمرقند‏.‏ وأقام نائباً
    عنه ببخارى وكان إسماعيل خيراً مكرماً لأهل العلم والدين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة نصر بن أحمد وولاية أخيه إسماعيل على ما وراء النهر


    ثم توفي نصر سنة تسع وسبعين وقام مكانه في سلطان ما وراء النهر أخوه
    إسماعيل وولاه المعتضـد‏.‏ ثـم ولـاه خراسـان سنـة سبـع وثمانيـن وكـان
    سبـب ولايتـه علـى خراسـان أن فـي الليث كان المعتضد ولاه خراسان وأمره
    بحرب رافع بن هرثمة فحاربه وقتله وبعث برأسه إلي المعتضد وطلـب منـه ولايـة
    مـا وراء النهـر فولـاه وسيـر العساكر لمحاربة إسماعيل بن أحمد مع محمد بن
    بشير مـن خواصـه فانتهـوا إلـى آمـد بشـط جيجون‏.‏ وعبر إسماعيل فهزمهم
    وقتل محمد بن بشير ورجع إلـى بخـارى فسـار عمـرو بـن الليـث مـن نيسابـور
    إلي بلخ يريد العبور إلى ما وراء النهر فبعث إليه إسماعيل يستعطفه بأن
    الدنيا العريضة في يدك وإنما لي هذا الثغر فأبى ولج‏.‏ وعبر إسماعيل النهر
    وأحاط به وهو على نجد فصار محصوراً وسأل المحاجزة إسماعيل وقاتله فهزمه‏.‏
    وأخذه بعض العسكر أسيراً وبعث به إلى سمرقند‏.‏ ثم خيره في انفاذه إلى
    المعتضد فاختـاره فبعـث بـه إليـه ووصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين وأدخل
    على جمل وحبس‏.‏ وأرسل المعتضد إلى إسماعيل بولاية خراسان كما كانت لهم
    فاستولي عليها وصارت بيده‏.‏ ولما قتل عمـرو بـن الليـث طمع محمد بن زيد
    العلوي صاحب طبرستان والديلم في ملك خراسان فسار إليها وهو يظن أن إسماعيل
    بن أحمد لا يريدها ولا يتجاوز عمله فلما سار إلى جرجان وقد وصـل كتـاب
    المعتضـد إلـى إسماعيـل بولايـة خراسـان فكتب إليه ينهاه عن المسير إليها
    فأبى فسرح إليـه محمـد بن هارون قائد رافع وكان قد فارقه عند هزيمته
    ومقتله‏.‏ ولحق بإسماعيل فسرحه في العساكر لقتال محمد بن زيد العلوي ولقيه
    على جرجان فانهزم محمد بن زيد وغنم ابن هارون عسكره وأصابت محمد بن زيد
    جراحات هلك لأيام منها‏.‏ وأسـر ابنـه زيـد فأنزلـه إسماعيل ببخارى وأجرى
    عليه وسار محمد بن هارون إلى طبرستان فملكها وخطب فيها لإسماعيل وولاه
    إسماعيل عليها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء إسماعيل على الري


    كـان محمـد بـن هـارون قد انتقض في طبرستان على إسماعيل وخلع دعوة
    العباسية وكان الوالي على أهل الري من قبل المكتفي أغرتمش التركي وكان سيء
    السيرة فيهم استدعوا محمد بن هارون من طبرستان فسار إليهم وحارب أغرتمش
    فقتله وقتل ابنين وأخاه كيغلغ من قواد المكتفـي‏.‏ واستولـي علـى الـري
    فكتـب المكتفـي إلى إسماعيل بولاية الري وسار إليها فخرج محمد بن هارون
    عنها إلى قزوين وزنجان وعاد إلى طبرستان واستعمل إسماعيل بولاية الذين على
    جرجـان فـارس الكبير‏.‏ وألزمه بإحضار محمد بن هارون فكاتبه فارس وضمن له
    إصلاح حاله فقبـل قولـه وانصـرف عـن حسـان الديلمـي إلـى بخـارى فـي شعبـان
    سنـة تسعيـن‏.‏ ثـم قبـض فـي طريقـه وأدخل إلى بخارى مقيداً فحبس بها ومات
    لشهرين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة إسماعيل بن أحمد وولاية ابنه أحمد


    ثـم توفـي إسماعيـل بـن أحمـد صاحب خراسان وما وراء النهر في منتصف سنة
    خمس وتسعين وكان يلقب بعد موته بالماضي وولي بعده أبو نصر أحمد وبعث إليه
    المكتفي بالولاية وعقد له لواء بيده‏.‏ وكان إسماعيل عادلاً حسن السيرة
    حليماً‏.‏ وخرجت الترك في أيامه سنة إحدى وتسعين إلى ما وراء النهر في عدد
    لا يحصى يقال كان معهم سبعمائة قبة وهي لا تكون إلا للرؤسـاء فاستنفـر لهـم
    إسماعيـل النـاس وخـرج مـن الجنـد والمتطوعة خلق كثير‏.‏ وخرجوا إلى الترك
    وهـم غـازون فكبسوهـم مصبحين وقتلوا منهم ما لا يحصى وانهزم الباقون
    واستبيح عسكرهم‏.‏ ولما مات وولي ابنه أبو نصر أحمد واستوسق أمره ببخارى
    بهث عن عمه إسحاق بن أحمد من سمرقند فقبض عليه وحبسه‏.‏ ثم عبر إلى خراسان
    ونزل نيسابور وكان فارس الكبير مولي أبيه عاملاً على جرجان وكان ظهر له أن
    عزله عن جرجان بفارس هذا‏.‏ وكان فارس قد ولي الري وطبرستان وبعث إلى
    إسماعيـل بن أحمد بثمانين حملأ من المال‏.‏ فلما سمع بوفاة إسماعيل استردها
    من الطريق وحقد لـه أبـو نصـر ذلـك كلـه فخافـه فـارس‏.‏ فلمـا نـزل أبـو
    نصر نيسابور كتب فارس إلى المكتفي يستأذنه فـي المسيـر إليـه وسـار فـي
    أربعـة آلـاف فـارس واتبعـه أبـو نصـر فلـم يدركـه‏.‏ وتحصن منه عامل أبي
    نصـر بالـري ووصـل إلـى بغـداد فوجـد المقتـدر قـد ولي بعد المكتفي وقد
    وقعت حادثة ابن المعين فولـاه المقتـدر ديـار ربيعـة وبعثـه في طلب بني
    حمدان وخشي أصحاب المقتدر أن يتقدم عليهم فوضعوا عليه غلاماً له فسمه ومات
    الموصل وتزوج الغلام امرأته‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء أحمد بن إسماعيل على سجستان


    كانت سجستان في ولاية الليث بن علي بن الليث وخرج إلى طلب فارس فأسره
    مؤنس الخـادم وحبـس ببغـداد وولـي علـى سجستان أخوه المعدل‏.‏ ثم سار أبو
    نصر أحمد بن إسماعيل سنة سبع وتسعيـن مـن بخـارى إلـى الـري ثـم إلـى هـراة
    وطمـع فـي ملـك سجستـان فبعـث إليـه العسكـر فـي محـرم سنة ثمان وتسعين مع
    أعيان قواده أحمد بن سهل وحمد بن المظفر وسيجور الدواني والحسين بن علي
    المروروذي‏.‏ فلما بلغ الخبر إلى المعدل بعث أخاه محمد بن علي إلى بست
    والزنـج فحاصرتـه العساكـر بسجستان‏.‏ وسار أحمد بن إسماعيل إلى بست فملكها
    وأسر محمد بن علـي‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى المعـدل فاستأمـن إلـى الحسيـن
    فملكهـا وحمـل المعـدل معـه إلـى بخـارى‏.‏ وولـي الأميـر علـى خستـان أبـا
    صالـح منصـور ابن عمه إسحاق بن أحمد وكان قد قبض على إسحاق لأول ولايته‏.‏
    ثم أطلقه الآن وأعاده إلى سمرقند وفرغانة‏.‏ وقد كان سيكري هزمته عساكر
    المقتدي بفارس وخرج إلى مفازة سجستان فبعث الحسين عسكراً لإعتراضه وأخذ
    أسيـراً وبعثـوا بـه وبمحمـد بـن علـي إلـى بغـداد‏.‏ وبعـث المقتـدر إلـى
    أحمد بالخلع والهدايا‏.‏ ثم انتقض أهل مقتل أبي نصر أحمد بن إسماعيل ابنه
    نصر ثم قتل أبو نصر أحمد صاحب خراسان ومـا وراء النهـر آخـر جمـادي الآخـرة
    سنـة إحـدى وثلاثمائة وكان مولعاً بالصيد فخرج إلى برير متصيداً‏.‏ وكان
    له أسد يربط كل ليلة على باب خيمته فأغفل ليلة فعدا عليه بعض غلمانه وذبحوه
    على سريره‏.‏ وحمل إلى بخارى فدفن بها ولقب الشهيد وقتل من وجد من أولئك
    الغلمان‏.‏ وولي الأمير مكانه ابنه أبا الحسن نصر بن أحمـد وهـو ابن ثمان
    سنين ولقب السعيد‏.‏ وتولي الأمور له أصحاب أبيه ببخارى وحمله على عاتقـه
    أحمـد بـن الليـث مستولـي الأمـور‏.‏ وانتقـض عليـه أهـل سجستـان وعم أبيه
    إسحاق بن أحمد بسمرقنـد وابنـاه منصـور وإليـاس ومحمـد بـن الحسيـن ونصـر
    بـن حمـد وأبـو الحسيـن بـن يوسـف والحسن بن علي المروروذي وأحمد بن سهل
    وليلى بن النعمان من الديلم صاحب العلويين بطبرستان ومعـه سيجور وأبو
    الحسين بن الناصر الأطروش وقراتكين‏.‏ وخرج عليه إخوته يحيى ومنصور
    وإبراهيم بنو أبيه وجعفر بن داود ومحمد بن إلياس ومرداويج ووشكمير ابنا
    زياد من أمراء الديلم وكان السعيد نصر مظفراً على جميعهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض سجستان


    ولمـا قتـل أحمـد بـن إسماعيـل انتقـض أهـل سجستـان وبايعـوا للمقتـدر
    وبعثـوا إليـه وأخرجـوا سيجـور الدوانـي فأضافهـا المقتـدر إلـى بدر الكبير
    وأنفذ إليها افضل بن حميد وأبا يزيد من قبل السعيد نصر وسعيد الطالقانـي
    وغزنـة كذلـك فقصدهـا الفضـل وخالـد واستوليـا علـى غزنـة وبستـة وقبضـا
    علـى سعيـد الطالقانـي وبعثـا بـه إلـى بغـداد‏.‏ وهـرب عبيـد اللـه
    الجهستانـي‏.‏ ثـم اعتل الفضل وانفرد خالد بالأمور‏.‏ ثم انتقض فأنفذ إليه
    المقتدر أخا طغج الطولوني فهزمه خالـد وسار إلى كرمان فأنفذ إليه بدر الجيش
    فأخذ أسيراً ومات وحمل إلى بغداد‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض إسحق العم وابنه إلياس


    كان إسحق بن أحمد عم الأمير أحمد بن إسماعيل والياً على سمرقند فلما
    بلغه مقتل الأمير أحمـد وولايـة ابنـه السعيـد نصر دعا لنفسه بسمرقند
    وتابعه ابنه إلياس على ذلك‏.‏ وساروا إلى بخارى فبرز إليهم القائد حمويه بن
    علي فهزمهم إلى سمرقند‏.‏ ثم جمعوا وعادوا فهزمهم ثانية وملك سمرقند من
    أيديهم عنوة‏.‏ واختفى إسحق وجد حمويـه فـي طلبـه فضـاق بـه مكانـه
    واستأمـن إلـى حمويـه وحملـه إلـى بخـارى‏.‏ وأقـام بهـا إلى أن هلك ولحق
    إلياس بفرغانة فأقام بها إلى أن خرج ثانية كما يأتي‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ظهور الأطروش واستيلاؤه على طبرستان


    قد تقدم لنا في أخبار العلوية شأن دولة الأطروش وبنيه بطبرستان وهو الحسن
    بن علي بن الحسـن بن علي بن عمرو بن علي بن الحسن السبط وأنه استعمل
    الأمير أحمد على طبرستان مكانـه أبـا العبـاس أحمـد عبـد اللـه بن محمد بن
    نوح فأحسن السيرة وعدل في الرعية وكرم العلوية وبالـغ فـي الإكرام والإحسان
    إليهم‏.‏ واستمال رؤساء الديلم وهاداهم وكان الحسن الأطروش قد دخل إليهم
    بعد قتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنه يدعوهم إلى الإسلام ويقتصر
    منهـم علـى العشـر ويدافـع عنهـم ملكهـم ابـن حسـان فأسلـم منهـم خلـق كثير
    واجتمعوا إليه وبني في بلادهم المساجد ودعاهم للمسير معه إلى طبرستان فلم
    يجيبوه إلى ذلك‏.‏ ثم عزل أبو العباس وتولـي سلـام فلـم يحسـن سياسـة
    الديلـم فخرجـوا عليـه وقاتلـوه فهزمهـم واستعان بالأمير أحمد السعيد فأعاد
    الأمير أحمد إليها ابن نوح فاستعمل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم
    صعلوك ففسد ما بينه وبين الديلم بإساءة السيرة وعدم السياسة‏.‏ فطلبهم
    الأطروش في الخروج معه فخرجوا ولقيهم ابن صعلوك على مرحلة مـن سالـوس وهـي
    ثغـر طبرستان فانهزم وقتل من أصحابه أربعة آلاف وحصر الأطروش الباقين ثم
    أمنهم وعاد إلى آمـد‏.‏ وسـار إليهـم الحسـن بـن القاسم العلوي الداعي صهر
    الأطروش فقتلهم متعللاً عليهم بأنه لم يحضر لعهدهم‏.‏ واستولي الأطروش على
    طبرستان سنة إحدى وثلاثمائة أيام السعيد نصـر وخـرج صعلـوك إلى الري
    متعللاً عليهم ومنها إلى بغداد‏.‏ وكان الذين أسلموا على يد الأطروش الديلم
    من وراء أسفيجاب إلى آمد فمهم شيعـة زيديـة‏.‏ وكـان الأطـروش زيديـاً‏.‏
    وخرجـت طبرستان يومئذ من ملك بني سامان‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض منصور بن إسحق العم والحسين المروروذي


    كان الأمير أحمد بن إسماعيل لما افتتح سجستان ولي عليها منصور ابن عمه
    إسحق وكان الحسين بن علـي هـو الـذي تولـي فتحهـا وطمـع فـي ولايتهـا‏.‏
    ثـم افتتحهـا ثانيـاً كمـا ذكرنـا فوليـا سيجـور الدوانـي فاستوحـش الحسيـن
    لذلك وداخل منصور بن إسحق في الإنتقاض على أن تكون إمارة خراسان لمنصور
    والحسين بن علي خليفته على أعماله‏.‏ فلما قتل الأمير أحمد انتقض الحسين
    بهراة وسار إلى منصور بنيسابور فانتقض أيضأ وخطب لنفسه سنة إثنتين
    وثلاثين‏.‏ وسار القائد حمويه بن علي من بخارى في العساكر لمحاربتهما ومات
    منصور قبل وصوله فلما قارب حمويـه نيسابـور سـار الحسيـن عنهـا إلـى هـراة
    وأقـام بهـا وكان محمد بن جند على شرطته من مدة طويلـة‏.‏ وبعـث مـن بخـارى
    بالنكيـر فخشـي علـى نفسه وعدل عن الطريق إلى هراة فسار الحسين بـن علـي
    مـن هراة إلى نيسابور بعد أن استخلف عليها أخاه منصوراً فملك نيسابور فسار
    إلى محاربتـه مـن بخـارى أحمد بن سهل فحاصر هراة وملكها من منصور على
    الأمان‏.‏ ثم سار إلى نيسابـور فحاصر بها الحسين وملكها عنوة وأسر الحسين
    سنة إثنتين وثلاثمائة‏.‏ وأقام أحمد بن سهل بنيسابور وجاءه ابن جند مزمر
    وقبض عليه وسيره والحسين بن علي إلى بخارى‏.‏ فأما ابن جيد مزمر فسير إلى
    خوارزم ومات بها وأما الحسين فحبس ثم خلصه أبو عبيد الله الجهاني مدبر
    الدولة وعاد إلى خدمة السعيد نصر‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض أحمد بن سهل بنيسابور وفتحها


    كان الأمير أحمد بن سهل من قواد إسماعيل ثم ابنه أحمد ثم ابنه نصر بن
    محمد‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ وهو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن جبلة بن
    كامكان بن يزدجرد بن شهربان الملك‏.‏ قال‏:‏ وكان كامكان دهقان بنواحي
    مرو‏.‏ قال‏:‏ وكان لأحمد أخوة ثلاثة وهم محمـد والفضل والحسين قتلوا في
    عصبية العرب والعجم‏.‏ وكان خليفة عمرو بن الليث على مرو فسخطه وحبسه
    بسجستان‏.‏ ثم فر من محبسه ولحق بمرو فملكها واستأمن إلى أحمد بن
    إسماعيـل‏.‏ وقـام بدعوتـه فاستدعـاه إلـى بخـارى وأكرمه ورفع منزلته ونظمه
    في طبقة القواد وبقي فـي خدمتـه وخدمـة بنيـه‏.‏ فلمـا انتقـض الحسيـن بـن
    علـي بنيسابـور علـى السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل سنة إثنتين وثلاثمائة
    سار إليه أحمد بن سهل في العساكر وظفر به كما مر‏.‏ وولي السعيد نصر بن
    أحمد بن إسماعيل على نيسابور وقراتكين مولاهم‏.‏ مقتل ليلى بن النعمان
    ومهلكه كان ليلى بن النعمان من كبار الديلم ومن قواد الأطروش وكان الحسن بن
    القاسم الداعي قد ولاه على جرجان سنة ثلاث وثلاثمائة وكان أولاد الأطروش
    يحلونه في كتابهم بالمؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله صلى الله
    عليه وسلم وكان كريماً شجاعًا‏.‏ولما ولي جرجان سار إليه قراتكين وقاتله
    عشرة فراسخ من جرجان فانهزم قراتكين واستأمن غلامه فارس إلى ليلى في ألف
    رجل من أصحابه فأمنه وأكرمه وزوجه أخته‏.‏واستئمن إليه أبو القاسم بن حفص
    ابن أخت سهل وحرضه على المسير إلى نيسابور وبها قراتيكن‏.‏وكان أجناده قد
    كثروا وضاقت عليهم الأموال فاستأذن الداعي في المسير إلى نيسابور فأذن له
    وسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثمائة فملكها وأقام بها الخطبة للداعي
    الحسين بن القاسم‏.‏وأنفذ السعيد نصر العساكر من بخارى مع حمويه بن علي
    ومحمد بن عبيد الله البلغمي وأبي جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور
    الدواني‏.‏فانهزم أكثر أصحاب حمويه وثيت القواد وجالت العساكر جولة فانهزم
    ليلى ودخل آمد‏.‏ولحقه بقراخان ملك الترك جاء مع العساكر ممداً فقبض على
    ليلى في آمد وبعث إلى حمويه بذلك فبعث إليه من قطع رأس ليلى في ربيع سنة
    تسع وثلاثمائة‏.‏وبعث به إلى بخارى‏.‏وطلب قواد الديلم الذين كانوا مع ليلى
    الأمان فأمنوهم بعد أن أشار حمويه بقتلهم والراحة منهم فلم فخرج من سارية
    وولوا عليها بقراخان‏.‏ووصلوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور‏.‏ورجع ماكان إلى
    أستراباذ مع جرجان ولحق بقراخان بنيسابور‏.‏وهذا كان مبتدأ أمر ماكان بن
    كالي وستأتي أخباره‏.‏خروج إلياس بن إسحق قد تقدم لنا انتقاض إسحق وابنه
    إلياس بسمرقند سنة إحدى وثلاثمائة وكيف غلبهم القائد حمويه وسار بإسحق إلى
    بخارى ومات بها‏.‏ولحق ابنه إلياس بفرغانة فأقام بها إلى سنة ست عشرة
    وثلاثمائة‏.‏وأجمع المسير إلى سمرقند واستظهر بمحمد بن الحسين برمت من قواد
    بني سامان‏.‏واستمد أهل فرغانة من الترك فأمدوه‏.‏واجتمع إليه ثلاثون ألف
    فارس وقصد سمرقند‏.‏وبعث السعيد للمدافعة عنها أبا عمرو ومحمد بن أسد وغيره
    في ألفين وخمسمائة راجل‏.‏فلما ورد إلياس كمنوا له بين الشجر حتى إذا
    اشتملت عساكره بضرب الأبنية خرجوا عليه فانهزم الحسن بن ست ولحق بأسفيجاب
    ومنها إلى ناحية طراز وكريت فلقيه دهقان الناحية فقتله وأنفذ رأسه إلى
    بخارى‏.‏ثم استمد إلياس صاحب الشاش وهو أبو الفضل بن أبي يوسف فأمده بنفسه
    وبعث إليه اليسع بالمدد وعاود محاربة الوالي بسمرقند فانهزم إلى كاشغر وأسر
    أبو الفضل وحمل إلى بخارى فمات بها وسار إلياس إلى كاشغر وصاحبها استيلاء
    السعيد على الري كان المقتدر قد عقد على الري ليوسف بن أبي الساج وسار إليه
    سنة إحدى عشرة فملكه من يد أحمد بن علي أخي صعلوك‏.‏وقد كان فارق أخاه
    صعلوكأ وسار إلى المقتدر فولاه على الري‏.‏ثم انتقض على المقتدر ووصل يده
    بماكان بن كالي قائد الديلم وأولاد الأطروش وهم بطبرستان وجرجان‏.‏وفارق
    طاعة المقتدر فسار إليه يوسف ابن أبي الساج وحاربه فقتله واستولى على
    الري‏.‏ثم استدعاه المقتدر سنة أربع عشرة إلى واسط لقتال القرامطة وكتب إلى
    السعيد نصر بن أحمد بولاية الري فاستخلف عليها وأمره بالمسير
    إليها‏.‏وأخذها فاتك مولى يوسف بن أبي الساج فسار نصر السعيد لذلك أول سنة
    أربع عشرة‏.‏فلما وصل إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من الإجتياز به
    فبذل له ثلاثين ألف دينار واسترضاه‏.‏وسار إلى الري فخرج عنها فاتك واستولى
    عليها السعيد منتصف السنة وأقام بها شهرين ثم عاد عنها إلى بخارى واستعمل
    عليها محمد بن علي الملقب صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة ومرض
    فكاتب الداعي وماكان بن كالي في القدوم ليسلم لهم الري فقدموا واستولوا على
    الري‏.‏وسار صعلوك عنها فمات في طريقه‏.‏وأقام الحسن الداعي بالري مالكاً
    لها‏.‏واستولى معها على قزوين وزنجان وأبهر وقم ومعه ماكان‏.‏وكان أسفار قد
    استولي على طبرستان فسار الداعي وماكان إليه والتقوا على سارية فانهزم
    وقتل الداعي كما مر في أخبار العلوية بطبرستان‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:13 am

    استيلاء بن سامان على خراسان وهزيمة عمرو بن الليث وحبسه ثم مقتله

    لما بعث عمرو بن الليث برأس رافع بن هرثمة إلى المعتضد طلب ولاية ما وراء النهر فولاه وبعث إليه بالخلع واللواء فسرح عمرو الجيوش من نيسابور مع قائده محمد بن بشير وغيره من قـواده لمحاربـة إسماعيل بن أحمد وانتهوا إلى آمد فعبر إسماعيل جيحون وهزمهم وقتل محمد بن بشيـر وغيـره مـن قـواده‏.‏ ورجـع الفـل إلـى عمـرو بنيسابـور‏.‏ وعـاد إسماعيـل إلى بخارى وتجهز للسير إلـى إسماعيـل وسـار إلـى بلـخ وبعـث إليـه إسماعيـل أنـك قـد حـزت الدنيا العريضة فاتركني في هذا الثغر فأبى‏.‏ وعبر إسماعيل وأخذ عليه الجهات فصار محصوراً‏.‏ وندم وطلب المحاجزة فأبى إسماعيـل وقاتلـه فانهـزم عمـرو ونكـب عـن طريـق العسكر إلى مضيق ينفرد فيه‏.‏ وتوارى في أجمة فوحلت به دابته ولم يتفطن له أصحابه فأخذ أسيراً وبعث به إسماعيل إلى المعتضد بعد أن خيـره فاختـار المسيـر إليـه ووصـل إلـى بغـداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس‏.‏ وبحث المعتضد إلى إسماعيل بولايته خراسان إلـى أن توفـي المعتضـد‏.‏ وجـاء المكتفـي إلـى بغـداد‏.‏ وكـان فـي نفسه اصطناعه‏.‏ وكره ذلك الوزير القاسم بن عبيد الله فوضع عليه من قتله سنة تسع وثمانين‏.‏

    ولاية بن محمد بن عمرو على سجستان وكرمان ثم على فارس

    ولما أسر عمرو سار إلى محبسه قام مكانه بسجستان وكرمان حافده طاهر بن محمد بـن عمـرو وهـو الـذي مـات أبوه محمد بمفازة سجستان عندما هرب عمرو أمام الموفق من فارس ثم سـار طاهـر إلـى فـارس وسـار إليهـا فـي الجيـوش سنـة ثمـان وثمانيـن‏.‏ اعترضـه بدر فعاد طاهر إلى سجستـان وملـك بـدر فارس وجبي أموالها‏.‏ ثم بعث طاهر بن محمد سنة تسع وثمانين يطلب المقاطعة على فارس بمال يحمله‏.‏ وكان المعتضد قد توفي فعقد له المكتفي عليها‏.‏ وتشاغل طاهر بالصيد واللهو ومضى إلى سجستان فغلب على الأمر بفارس الليث ابن عمه علي بن الليث وسيكري مولي جده عمرو وكان معهما أبو فارس قائد طاهر فلحق بالخليفة المكتفي وكتب طاهر رده بما جباه من المال ويحتسب له من جملته فلم يجب إلى ذلك‏.‏

    استيلاء الليث على فارس ثم مقتله واستيلاء سيكري

    ولمـا تغلـب سيكـري علـى فارس لحق الليث بن علي بطاهر ابن عمه وزحف طاهر إلى فارس فهزمـه السيكـري وأسـره وبعـث بـه وبأخيـه يعقـوب إلى المقتدر سنة سبع وتسعين‏.‏ وضمن فارس بالحمـل الـذي كـان قـرره فولـاه علـى فـارس‏.‏ ثم زحف إليه الليث بن علي بن الليث فملك فارس الليث للقائهم‏.‏ وجاءه الخبر بأن الحسين بن حمدان سار من قم مداداً لمؤنس فركب لإعتراضه وتاه الدليل عن الطريق فأصبح على معسكر مؤنس فثاروا واقتتلوا وانهزم عسكر الليث وأخذ أسيراً‏.‏ وأشار أصحاب مؤنس بأن بقبض على سيكري معه ويملك بلاد فارس ويقره الخليفة فوعدهـم بذلـك ودس إلـى سيكـري بـأن يهـرب إلـى شيـراز‏.‏ وأصبـح يلـوم أصحابـه علـى ظهـور الخبر من جهتهم وعاد بالليث إلى بغداد واستولي سيكري على فارس واستبد كاتبه عبد الرحمن بـن جعفـر علـى أمـوره فسعـي فيـه أصحابه عند سيكري حتى قبض عليه وحملوه على العصيان فمنع الحمل فكتب هو من محبسه إلى الوزير ابن الفرات يعرفه بأمرهم‏.‏ وكتب ابن الفرات إلى مؤنـس وهو بواسط يأمره بالعود إلى فارس ويعاتبه حيث لم يقبض على سيكري فسار مؤنس إلى الأهواز وراسله سيكري وهاداه‏.‏ وعلم ابن الفرات بميل مؤنس إليه فأنفذ وصيفاً وجماعة من القواد ومعهم محمد بن جعفر وأمرهم بالتعويل عليه في فتح فارس‏.‏ وكتب إلى مؤنس باستصحاب الليث إلى بغداد ففعل وسار محمد بن جعفر إلى فارس ودافع سيكري على شيراز فهزمه وحاصره بها وحاربه ثانية فهزمه ونهب أمواله ودخل سيكري مفازة خراسان فظفرت به جيوش خراسان وأسروه وبعثوا به إلى بغداد وولي على فارس فتح خادم الأفشين‏.‏

    انقراض ملك بني الليث من سجستان وكرمان

    وفي سنة ثمان وتسعين توفي فتح صاحب فارس فولي المقتدر مكانه عبد الله بن إبراهيم المسمعي وأضاف إليه كرمان من أعمال بني الليث‏.‏ وسار أحمد بن إسماعيل بن سامان إلى الـري فبعـث منهـا جيوشـه إلـى سجستـان سنـة ثمـان وتسعيـن مـع جماعـة مـن قـواده وعليهـم الحسن بن علـي المروروذي‏.‏ وكانت سجستان لما أسر طاهر سنة سبع وتسعين ولي بها بعده الليث بن علـي بـن الليـث‏.‏ فلمـا أسـر الليث كما تقدم ولي بعده أخو المعدل ين علي بن الليث‏.‏ فلما بلغه مسيـر هـذه العساكـر إليـه مـن قبـل أحمـد بن إسماعيل بعث أخاه أبا علي بن الليث محمد بن علي بن الليث إلى بست والرخج ليجبيهما ويبعث منهما إلى سجستان بالميرة فسار إليه أحمد بن إسماعيـل بـن سامـان وعلـى سجستـان أبـو صالـح منصور ابن عمه إسحاق بن أحمد بن إسماعيل بن سامان وعلى إلى سجستان في المفازة فبعث إليه جيشاً فأخذه وكتب الأمير أحمد إلى المقتدر بالخبر وبالفتح فأمره بحمل سيكري والليث فبعث إلى بغداد وحبسهما‏.‏

    ثورة أهل سجستان بأصحاب ابن سامان

    ودعوتهم إلى بن عمرو ابن الليث بن الصفار ثم عودهم إلي طاعة أحمد بن إسماعيل بن سامان كـان محمـد بن هرمز ويعرف بالمولي الصندلي خارجياً وهو من أهل سجستان‏.‏

    خرج أيام بني سامان وأقام ببخارى وسخط بعض الأعيان بها

    فسار إلى سجستان واستمال جماعة من الخـوارج رئيسهم ابن الحفار فخرجوا وقبضوا على منصور بن إسحاق عاملهم من بني سامان وحبسـوه وولـوا عليهـم عمرو بن يعقوب بن محمد بن الليث وخطبوا له فبعث أحمد بن إسماعيل الجيـوش ثانيـاً مـع الحسيـن بـن علـي سنة ثلاثمائة وحاصرها ستة أشهر‏.‏ ومات الصندلي فاستأمن عمـرو بـن يعقـوب الصفـار وابـن الحفـار إلـى الحسيـن بن علي وخرج منصور بن إسحاق من محبسه ‏.‏ واستعمل أحمد بن إسماعيل على سجستان سيجور الدواني ورجع الحسين بالجيوش إلى الأمير أحمد ومعه يعقوب وابن الحفار في ذي الحجه سنة ثلاثمائة‏.‏

    استيلاء خلف بن أحمد بن علي على سجستان ثم انتفاضهم عليه

    كان خلف بن أحمد من ذرية عمرو بن الليث الصفار وهو بسطة برسمه بانوا ولما فشل أمر بنـي سامـان استولـي علـى سجستـان وكـان مـن أهـل العلـم ويجالسهـم‏.‏ ثم حج سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائـة واستخلـف علـى أعماله طاهر بن الحسين من أصحابه فلما عاد من الحج انتقض عليه طاهر بن الحسين فسار خلف إلى بخارى مستجيشاً بالأمير منصور بن سامان فبعث معه العساكر وملك سجستان وكثرت أمواله وجنوده‏.‏ وقطع ما كان يحملـه إلـى بخـارى فسـارت العساكر إليه ومقدمهم وحاصروا خلف ابن أحمد في حصن أوال من أمنع الحصون وأعلاها‏.‏ ولما اشتد به الحصار وفنيت الأموال والآلات كتب إلى نوح بن منصور صاحب بخارى بأن يستأمنـه ويرجـع إلـى دفـع الحمـل فكتب نوح بن منصور إلى أبي الحسن بن سيمجور عامله على خراسان وقد عزل بالمسير إلى حصار خلف فسـار مـن قهستـان إلـى سجستـان وحاصـر خلف وكانت بينهما مودة فأشار عليه سيمجور بتسليم حصن أرك للحسن لتتفرق الجيوش عنه إلى بخارى ويرجع هو إلى شأنه مع صاحبه فقبل خلف مشورته‏.‏ ودخل سيمجور إلى حصـن أرك وخطـب فيـه للأميـر نـوح‏.‏ ثـم سلمـه للحسـن بـن طاهر وانصرف إلى بخارى وكان هذا أول وهن دخل على بني سامان من سوء طاعة أصحابهم‏.‏

    استيلاء خلف بن أحمد على كرمان

    ثم إنتزاع الديلم لها ولمـا استفحـل أمـر خلـف بسجستان حدث نفسه بملك كرمان وكانت في أيدي بني بويه وملكهم يومئـذ عضـد الدولـة فلمـا وهن أمرهم ووقع الخلف بين صمصام الدولة وبهاء الدولة ابني عضد الدولة جهز العساكر إلى كرمان وعليهم عمرو ابنه وقائدهم يومئذ تمرتاش من الديلم‏.‏ فلمـا قاربها عمرو هرب تمرتاش إلى بردشير وحمل ما أمكنه وغنـم عمـرو الباقـي وملـك كرمـان وجبـي الأمـوال‏.‏ وكـان صمصام الدولة صاحب فارس فبعث العساكر إلى تمرتاش مع أبي جعفر وأمره بالقبض عليه لإتهامه بالميل إلى أخيه بهاء الدولة فسار وقبض عليه وحمله إلى شيراز‏.‏ وسار بالعساكر إلى عمرو بن خلف فقاتله عمرو بدار زين‏.‏ وانهزم الديلم وعادوا على طريق جيرفت وبعث صمصام الدولة عسكراً آخر مع العباس بن أحمد من أصحابه فلقوا عمرو بن خلف بالسيرجان في المحـرم سنـة إثنتيـن وثمانيـن فهزمـوه‏.‏ وعـاد إلـى أبيـه بسجستـان مهزومـاً ووبخـه ثـم قتله‏.‏ ثـم غزل صمصام الدولة العباس عن كرمان فأشاع خلف بأن أستاذ هرمز سمه واستنفر الناس لغزو كرمان وبعثهم مع ابنه طاهر فانتهـوا إلـى برماشيـر وملكوهـا مـن الديلـم‏.‏ ولحـق الديلـم بجيرفت واجتمعوا بهـا وبعثـوا بهـا إلـى بردشيـر حاميـة مـن العسكـر وهـو أصـل بلـاد كرمـان ومصرهـا فحصرهـا طاهـر ثلاثـة أشهـر وضيق على أهلها وكتبوا إلى أستاذ هرمز يستمدونه قبل أن يغلبهـم عليهـا طاهـر فخاطر بنفسه وركب إليهم المضايق والأوعار حتى دخلها‏.‏ وعاد طاهر إلى سجستان واستنفر الناس لغزو الديلم بجيرفت واجتمعوا بها وبعثوا إلى بردشير حامية من العسكر وهو أصل بلاد كرمان وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏

    استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها ومقتله

    كـان طاهر بن خلف من العقوق لأبيه على عظيم وانتقض عليه وجرت بينهما وقائع كان الظفر بهـا لخلـف ففـارق طاهـر سجستان وسار إلى كرمان وبها الديلم عسكر بهاء الدولة فصعد إلى جبالهـا واحتمـى بقـوم هنالـك كانـوا عصـاة ونـزل علـى جيرفـت فملكهـا ولقيـه الديلـم فهزمهم واستولـي علـى الكثيـر ممـا بأيديهـم فبعـث بهـاء الدولـة عسكـراً مـع أبي جعفر بن أستاذ هرمز فغلب طاهـراً علـى كرمـان فعـاد إلى سجستان وقاتل أباه فهزمه وملك البلاد‏.‏ وامتنع أبوه خلف ببعض حصونه وكان الناس قد سئموا منه لسوء سيرته فرجع إلى مخادعة ابنه فتواعدا اللقاء تحت القلعة وأكمن له بالقرب كميناً فلما لقيه خرج الكمين واستمكن منه أبوه خلف فقتله أبوه‏.‏

    استيلاء محمود بن سبكتكين على سجستان ومحو أثار بني الصفار منها

    كـان خلـف بـن أحمـد قـد بعـث ابنـه طاهـراً إلـى قهستـان فملكهـا ثـم إلـى بوشنـج كذلـك‏.‏ وكانـت هي وهراة لبغراجق عم محمود وكان محمود مشتغلاً بالفتنة مع قواد بني سامان فلما فرغ منهـا إستأذنه عمـه فـي إخـراج طاهـر بـن خلـف فـأذن لـه‏.‏ وسـار إليـه سنـة تسعيـن وثلاثمائـة ولقيـه بنواحـي بوسنـج فهزمـه ولـج فـي طلبـه فكـر عليـه طاهـر وقتلـه فساء ذلك محموداً وجمع عساكره وسار إلى خلف بن أحمد وحاصره بحصن أصبهيل وضيـق عليـه حتـى بـذل لـه أمـوالاً جليلـة وأعطـاه الرهن عليها فأفرج عنه‏.‏ ثم عهد خلف بملكه إلى ابنه وعكف على العبادة والعلم خوفاً من محمود بن سبكتكين فلما استولي طاهر على الملك عق أباه وكان من أمره ما تقدم‏.‏ ولما قتل طاهر تغيرت نيات عساكره وساءت فيه ظنونهم‏.‏ واستدعوا محمود بن سبكتكين وملكوه مدينتهم‏.‏ وقعد خلف في حصنه وهو حصن الطاق له سبعة أسوار محكمة وعليها خندق عتيق له جسر يرفع ويحط عند الحاجة فحاصره محمود سنـة ثلـاث وتسعيـن وطـم الخندق بالأعواد والتراب في يوم واحد وزحف لقتاله بالخيول‏.‏ وتقدم عظيمها فافتلع باب الحصن بنابه وألقاه وملك محمود السور الأول‏.‏ ودفع عنه أصحاب خلف إلى السور الثاني ثم إلى الثالث كذلك فخرج خلف واستأمن وحضر عنده محمود وخيره في المقام حيث شاء من البلاد فاختار الجوزجان وأقام بها أربع سنين‏.‏ ثم نقل عنه الخوض في الفتنة وأنه راسـل أيلكخـان يغريـه بمحمود فنقله إلى جردين وحبسه هنالك إلى أن هلك سنة تسع وتسعين وورثه ابنه أبو حفص‏.‏ ولما ملك محمود سجستان واستنزل خلـف مـن حصـن بالطـاق ولـي علـى سجستـان أحمـد الفتحـي مـن قـواد أبيـه‏.‏ ثم انتقض أهل سجستان فسار إليهم محمود سنة ثلاث وتسعين في ذي الحجة وحصرهم في حصن أول واقتحمه عليهم عنوة وقتل أكثرهم وسبى باقيهم حتى خلت سجستان منهم وصفاً ملكها له فأقطعها أخاه نصراً مضافة إلى نيسابور وانقرض ملك بني بالصفار وذويهم من سجستان والبقاء لله وحده‏.‏

    الخبر عن دولة بني سامان ملوك ما وراء النهر المقيمين بها

    الدولة العباسية وأولية ذلك ومصادره ‏:‏ أصل بني سامان هؤلاء من العجم كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان وبيوتها وينتسبون في الفرس إلى بهرام حشيش الذي ولاه كسرى أنوشروان مرزبان أذربيجان‏.‏ وبهرام حشيش من أهل الري ونسبهم إليه هكذا‏:‏ أسد بن سامان خذاه بن جثمان بن طغان بن نوشردين بن بهرام نجرين بن بهرام حشيش‏.‏ ولا وثوق لنا بضبط هذه الأسماء‏.‏ وكان لأسد أربعة من الولد‏:‏ نوح وأحمد ويحيى وإلياس وأصل دولتهم هذه فيما وراء النهر أن المأمون لما ولي خراس اصطنع بني أسد هؤلاء وعرف لهم حق سلفهم واستعملهم‏.‏ فلما انصرف إلى الجـراق ولـي علـى خراسـان غسـان كبـن عبـاد مـن قرابـة الفضـل بـن طاهـر مكـان ابنه إسحاق ومحمد بـن إليـاس‏.‏ ثم مات أحمد بن أسد بفرغانة سنة إحدى وستين وكان له من الولد سبعة‏:‏ نصر ويعقوب ويحيى وإسماعيل وإسحـاق وأسـد وكنيتـه أبـو الأشعـث وحميـد وكنيتـه أبـو غانـم‏.‏ ولمـا توفـي أحمد وكانت سمرقند من أعماله استخلف عليها ابنه نصراً وأقام في ولايتها أيام بني طاهر وبعدهم‏.‏ وكان يلي أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أمر بني طاهر واستيلاء ولاية نصر بن أحمد على ما وراء النهر ولما استولي الصفار على خراسان وانقرض أمر بني طاهر عقد المعتمد لنصر بن أحمد على أعمـال مـا وراء النهـر فبعـث جيوشـه إلـى شـط جيحـون مسلحـة مـن عبور الصفار فقتل مقدمهم‏.‏ ورجعوا إلى بخارى وخشيهم واليها على نفسه ففر عنها‏.‏ وولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا فبعث نصر أخاه إسماعيل على شط بخارى‏.‏ وكان يعظـم محلـه ويقـف فـي خدمتـه‏.‏ ثـم ولـي علـى غزنـة أبـا اسحـاق بـن التكيـن‏.‏ ثـم ولـي علـى خراسـان مـن بعـد ذلـك رافـع بـن هرثمـة بولايـة بني طاهر وأخرج عنها الصفار وحصلت بينه وبين إسماعيل أعمال خوارزم فولاه إياهـا وفسـد مـا بيـن إسماعبـل وأخيـه نصر وزخف إليه سنة إثنتين وسبعين فأرسل قائده حمويه بـن علـي إلـى رافـع يستنجـده فسـار إليـه بنفسـه منهـا وأصلح بينهما ورجع إلى خراسان ثم انتقض ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين وظفر إسماعيل بنصر‏.‏ ولما حضـر عنـده ترجـل لـه إسماعيل وقبل يده ورده إلى كرسي إمارته بسمرقند‏.‏ وأقام نائباً عنه ببخارى وكان إسماعيل خيراً مكرماً لأهل العلم والدين‏.‏

    وفاة نصر بن أحمد وولاية أخيه إسماعيل على ما وراء النهر

    ثم توفي نصر سنة تسع وسبعين وقام مكانه في سلطان ما وراء النهر أخوه إسماعيل وولاه المعتضـد‏.‏ ثـم ولـاه خراسـان سنـة سبـع وثمانيـن وكـان سبـب ولايتـه علـى خراسـان أن فـي الليث كان المعتضد ولاه خراسان وأمره بحرب رافع بن هرثمة فحاربه وقتله وبعث برأسه إلي المعتضد وطلـب منـه ولايـة مـا وراء النهـر فولـاه وسيـر العساكر لمحاربة إسماعيل بن أحمد مع محمد بن بشير مـن خواصـه فانتهـوا إلـى آمـد بشـط جيجون‏.‏ وعبر إسماعيل فهزمهم وقتل محمد بن بشير ورجع إلـى بخـارى فسـار عمـرو بـن الليـث مـن نيسابـور إلي بلخ يريد العبور إلى ما وراء النهر فبعث إليه إسماعيل يستعطفه بأن الدنيا العريضة في يدك وإنما لي هذا الثغر فأبى ولج‏.‏ وعبر إسماعيل النهر وأحاط به وهو على نجد فصار محصوراً وسأل المحاجزة إسماعيل وقاتله فهزمه‏.‏ وأخذه بعض العسكر أسيراً وبعث به إلى سمرقند‏.‏ ثم خيره في انفاذه إلى المعتضد فاختـاره فبعـث بـه إليـه ووصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس‏.‏ وأرسل المعتضد إلى إسماعيل بولاية خراسان كما كانت لهم فاستولي عليها وصارت بيده‏.‏ ولما قتل عمـرو بـن الليـث طمع محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان والديلم في ملك خراسان فسار إليها وهو يظن أن إسماعيل بن أحمد لا يريدها ولا يتجاوز عمله فلما سار إلى جرجان وقد وصـل كتـاب المعتضـد إلـى إسماعيـل بولايـة خراسـان فكتب إليه ينهاه عن المسير إليها فأبى فسرح إليـه محمـد بن هارون قائد رافع وكان قد فارقه عند هزيمته ومقتله‏.‏ ولحق بإسماعيل فسرحه في العساكر لقتال محمد بن زيد العلوي ولقيه على جرجان فانهزم محمد بن زيد وغنم ابن هارون عسكره وأصابت محمد بن زيد جراحات هلك لأيام منها‏.‏ وأسـر ابنـه زيـد فأنزلـه إسماعيل ببخارى وأجرى عليه وسار محمد بن هارون إلى طبرستان فملكها وخطب فيها لإسماعيل وولاه إسماعيل عليها‏.‏

    استيلاء إسماعيل على الري

    كـان محمـد بـن هـارون قد انتقض في طبرستان على إسماعيل وخلع دعوة العباسية وكان الوالي على أهل الري من قبل المكتفي أغرتمش التركي وكان سيء السيرة فيهم استدعوا محمد بن هارون من طبرستان فسار إليهم وحارب أغرتمش فقتله وقتل ابنين وأخاه كيغلغ من قواد المكتفـي‏.‏ واستولـي علـى الـري فكتـب المكتفـي إلى إسماعيل بولاية الري وسار إليها فخرج محمد بن هارون عنها إلى قزوين وزنجان وعاد إلى طبرستان واستعمل إسماعيل بولاية الذين على جرجـان فـارس الكبير‏.‏ وألزمه بإحضار محمد بن هارون فكاتبه فارس وضمن له إصلاح حاله فقبـل قولـه وانصـرف عـن حسـان الديلمـي إلـى بخـارى فـي شعبـان سنـة تسعيـن‏.‏ ثـم قبـض فـي طريقـه وأدخل إلى بخارى مقيداً فحبس بها ومات لشهرين‏.‏

    وفاة إسماعيل بن أحمد وولاية ابنه أحمد

    ثـم توفـي إسماعيـل بـن أحمـد صاحب خراسان وما وراء النهر في منتصف سنة خمس وتسعين وكان يلقب بعد موته بالماضي وولي بعده أبو نصر أحمد وبعث إليه المكتفي بالولاية وعقد له لواء بيده‏.‏ وكان إسماعيل عادلاً حسن السيرة حليماً‏.‏ وخرجت الترك في أيامه سنة إحدى وتسعين إلى ما وراء النهر في عدد لا يحصى يقال كان معهم سبعمائة قبة وهي لا تكون إلا للرؤسـاء فاستنفـر لهـم إسماعيـل النـاس وخـرج مـن الجنـد والمتطوعة خلق كثير‏.‏ وخرجوا إلى الترك وهـم غـازون فكبسوهـم مصبحين وقتلوا منهم ما لا يحصى وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم‏.‏ ولما مات وولي ابنه أبو نصر أحمد واستوسق أمره ببخارى بهث عن عمه إسحاق بن أحمد من سمرقند فقبض عليه وحبسه‏.‏ ثم عبر إلى خراسان ونزل نيسابور وكان فارس الكبير مولي أبيه عاملاً على جرجان وكان ظهر له أن عزله عن جرجان بفارس هذا‏.‏ وكان فارس قد ولي الري وطبرستان وبعث إلى إسماعيـل بن أحمد بثمانين حملأ من المال‏.‏ فلما سمع بوفاة إسماعيل استردها من الطريق وحقد لـه أبـو نصـر ذلـك كلـه فخافـه فـارس‏.‏ فلمـا نـزل أبـو نصر نيسابور كتب فارس إلى المكتفي يستأذنه فـي المسيـر إليـه وسـار فـي أربعـة آلـاف فـارس واتبعـه أبـو نصـر فلـم يدركـه‏.‏ وتحصن منه عامل أبي نصـر بالـري ووصـل إلـى بغـداد فوجـد المقتـدر قـد ولي بعد المكتفي وقد وقعت حادثة ابن المعين فولـاه المقتـدر ديـار ربيعـة وبعثـه في طلب بني حمدان وخشي أصحاب المقتدر أن يتقدم عليهم فوضعوا عليه غلاماً له فسمه ومات الموصل وتزوج الغلام امرأته‏.‏

    استيلاء أحمد بن إسماعيل على سجستان

    كانت سجستان في ولاية الليث بن علي بن الليث وخرج إلى طلب فارس فأسره مؤنس الخـادم وحبـس ببغـداد وولـي علـى سجستان أخوه المعدل‏.‏ ثم سار أبو نصر أحمد بن إسماعيل سنة سبع وتسعيـن مـن بخـارى إلـى الـري ثـم إلـى هـراة وطمـع فـي ملـك سجستـان فبعـث إليـه العسكـر فـي محـرم سنة ثمان وتسعين مع أعيان قواده أحمد بن سهل وحمد بن المظفر وسيجور الدواني والحسين بن علي المروروذي‏.‏ فلما بلغ الخبر إلى المعدل بعث أخاه محمد بن علي إلى بست والزنـج فحاصرتـه العساكـر بسجستان‏.‏ وسار أحمد بن إسماعيل إلى بست فملكها وأسر محمد بن علـي‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى المعـدل فاستأمـن إلـى الحسيـن فملكهـا وحمـل المعـدل معـه إلـى بخـارى‏.‏ وولـي الأميـر علـى خستـان أبـا صالـح منصـور ابن عمه إسحاق بن أحمد وكان قد قبض على إسحاق لأول ولايته‏.‏ ثم أطلقه الآن وأعاده إلى سمرقند وفرغانة‏.‏ وقد كان سيكري هزمته عساكر المقتدي بفارس وخرج إلى مفازة سجستان فبعث الحسين عسكراً لإعتراضه وأخذ أسيـراً وبعثـوا بـه وبمحمـد بـن علـي إلـى بغـداد‏.‏ وبعـث المقتـدر إلـى أحمد بالخلع والهدايا‏.‏ ثم انتقض أهل مقتل أبي نصر أحمد بن إسماعيل ابنه نصر ثم قتل أبو نصر أحمد صاحب خراسان ومـا وراء النهـر آخـر جمـادي الآخـرة سنـة إحـدى وثلاثمائة وكان مولعاً بالصيد فخرج إلى برير متصيداً‏.‏ وكان له أسد يربط كل ليلة على باب خيمته فأغفل ليلة فعدا عليه بعض غلمانه وذبحوه على سريره‏.‏ وحمل إلى بخارى فدفن بها ولقب الشهيد وقتل من وجد من أولئك الغلمان‏.‏ وولي الأمير مكانه ابنه أبا الحسن نصر بن أحمـد وهـو ابن ثمان سنين ولقب السعيد‏.‏ وتولي الأمور له أصحاب أبيه ببخارى وحمله على عاتقـه أحمـد بـن الليـث مستولـي الأمـور‏.‏ وانتقـض عليـه أهـل سجستـان وعم أبيه إسحاق بن أحمد بسمرقنـد وابنـاه منصـور وإليـاس ومحمـد بـن الحسيـن ونصـر بـن حمـد وأبـو الحسيـن بـن يوسـف والحسن بن علي المروروذي وأحمد بن سهل وليلى بن النعمان من الديلم صاحب العلويين بطبرستان ومعـه سيجور وأبو الحسين بن الناصر الأطروش وقراتكين‏.‏ وخرج عليه إخوته يحيى ومنصور وإبراهيم بنو أبيه وجعفر بن داود ومحمد بن إلياس ومرداويج ووشكمير ابنا زياد من أمراء الديلم وكان السعيد نصر مظفراً على جميعهم‏.‏

    انتقاض سجستان

    ولمـا قتـل أحمـد بـن إسماعيـل انتقـض أهـل سجستـان وبايعـوا للمقتـدر وبعثـوا إليـه وأخرجـوا سيجـور الدوانـي فأضافهـا المقتـدر إلـى بدر الكبير وأنفذ إليها افضل بن حميد وأبا يزيد من قبل السعيد نصر وسعيد الطالقانـي وغزنـة كذلـك فقصدهـا الفضـل وخالـد واستوليـا علـى غزنـة وبستـة وقبضـا علـى سعيـد الطالقانـي وبعثـا بـه إلـى بغـداد‏.‏ وهـرب عبيـد اللـه الجهستانـي‏.‏ ثـم اعتل الفضل وانفرد خالد بالأمور‏.‏ ثم انتقض فأنفذ إليه المقتدر أخا طغج الطولوني فهزمه خالـد وسار إلى كرمان فأنفذ إليه بدر الجيش فأخذ أسيراً ومات وحمل إلى بغداد‏.‏

    انتقاض إسحق العم وابنه إلياس

    كان إسحق بن أحمد عم الأمير أحمد بن إسماعيل والياً على سمرقند فلما بلغه مقتل الأمير أحمـد وولايـة ابنـه السعيـد نصر دعا لنفسه بسمرقند وتابعه ابنه إلياس على ذلك‏.‏ وساروا إلى بخارى فبرز إليهم القائد حمويه بن علي فهزمهم إلى سمرقند‏.‏ ثم جمعوا وعادوا فهزمهم ثانية وملك سمرقند من أيديهم عنوة‏.‏ واختفى إسحق وجد حمويـه فـي طلبـه فضـاق بـه مكانـه واستأمـن إلـى حمويـه وحملـه إلـى بخـارى‏.‏ وأقـام بهـا إلى أن هلك ولحق إلياس بفرغانة فأقام بها إلى أن خرج ثانية كما يأتي‏.‏

    ظهور الأطروش واستيلاؤه على طبرستان

    قد تقدم لنا في أخبار العلوية شأن دولة الأطروش وبنيه بطبرستان وهو الحسن بن علي بن الحسـن بن علي بن عمرو بن علي بن الحسن السبط وأنه استعمل الأمير أحمد على طبرستان مكانـه أبـا العبـاس أحمـد عبـد اللـه بن محمد بن نوح فأحسن السيرة وعدل في الرعية وكرم العلوية وبالـغ فـي الإكرام والإحسان إليهم‏.‏ واستمال رؤساء الديلم وهاداهم وكان الحسن الأطروش قد دخل إليهم بعد قتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنه يدعوهم إلى الإسلام ويقتصر منهـم علـى العشـر ويدافـع عنهـم ملكهـم ابـن حسـان فأسلـم منهـم خلـق كثير واجتمعوا إليه وبني في بلادهم المساجد ودعاهم للمسير معه إلى طبرستان فلم يجيبوه إلى ذلك‏.‏ ثم عزل أبو العباس وتولـي سلـام فلـم يحسـن سياسـة الديلـم فخرجـوا عليـه وقاتلـوه فهزمهـم واستعان بالأمير أحمد السعيد فأعاد الأمير أحمد إليها ابن نوح فاستعمل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم صعلوك ففسد ما بينه وبين الديلم بإساءة السيرة وعدم السياسة‏.‏ فطلبهم الأطروش في الخروج معه فخرجوا ولقيهم ابن صعلوك على مرحلة مـن سالـوس وهـي ثغـر طبرستان فانهزم وقتل من أصحابه أربعة آلاف وحصر الأطروش الباقين ثم أمنهم وعاد إلى آمـد‏.‏ وسـار إليهـم الحسـن بـن القاسم العلوي الداعي صهر الأطروش فقتلهم متعللاً عليهم بأنه لم يحضر لعهدهم‏.‏ واستولي الأطروش على طبرستان سنة إحدى وثلاثمائة أيام السعيد نصـر وخـرج صعلـوك إلى الري متعللاً عليهم ومنها إلى بغداد‏.‏ وكان الذين أسلموا على يد الأطروش الديلم من وراء أسفيجاب إلى آمد فمهم شيعـة زيديـة‏.‏ وكـان الأطـروش زيديـاً‏.‏ وخرجـت طبرستان يومئذ من ملك بني سامان‏.‏

    انتقاض منصور بن إسحق العم والحسين المروروذي

    كان الأمير أحمد بن إسماعيل لما افتتح سجستان ولي عليها منصور ابن عمه إسحق وكان الحسين بن علـي هـو الـذي تولـي فتحهـا وطمـع فـي ولايتهـا‏.‏ ثـم افتتحهـا ثانيـاً كمـا ذكرنـا فوليـا سيجـور الدوانـي فاستوحـش الحسيـن لذلك وداخل منصور بن إسحق في الإنتقاض على أن تكون إمارة خراسان لمنصور والحسين بن علي خليفته على أعماله‏.‏ فلما قتل الأمير أحمد انتقض الحسين بهراة وسار إلى منصور بنيسابور فانتقض أيضأ وخطب لنفسه سنة إثنتين وثلاثين‏.‏ وسار القائد حمويه بن علي من بخارى في العساكر لمحاربتهما ومات منصور قبل وصوله فلما قارب حمويـه نيسابـور سـار الحسيـن عنهـا إلـى هـراة وأقـام بهـا وكان محمد بن جند على شرطته من مدة طويلـة‏.‏ وبعـث مـن بخـارى بالنكيـر فخشـي علـى نفسه وعدل عن الطريق إلى هراة فسار الحسين بـن علـي مـن هراة إلى نيسابور بعد أن استخلف عليها أخاه منصوراً فملك نيسابور فسار إلى محاربتـه مـن بخـارى أحمد بن سهل فحاصر هراة وملكها من منصور على الأمان‏.‏ ثم سار إلى نيسابـور فحاصر بها الحسين وملكها عنوة وأسر الحسين سنة إثنتين وثلاثمائة‏.‏ وأقام أحمد بن سهل بنيسابور وجاءه ابن جند مزمر وقبض عليه وسيره والحسين بن علي إلى بخارى‏.‏ فأما ابن جيد مزمر فسير إلى خوارزم ومات بها وأما الحسين فحبس ثم خلصه أبو عبيد الله الجهاني مدبر الدولة وعاد إلى خدمة السعيد نصر‏.‏

    انتقاض أحمد بن سهل بنيسابور وفتحها

    كان الأمير أحمد بن سهل من قواد إسماعيل ثم ابنه أحمد ثم ابنه نصر بن محمد‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ وهو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن جبلة بن كامكان بن يزدجرد بن شهربان الملك‏.‏ قال‏:‏ وكان كامكان دهقان بنواحي مرو‏.‏ قال‏:‏ وكان لأحمد أخوة ثلاثة وهم محمـد والفضل والحسين قتلوا في عصبية العرب والعجم‏.‏ وكان خليفة عمرو بن الليث على مرو فسخطه وحبسه بسجستان‏.‏ ثم فر من محبسه ولحق بمرو فملكها واستأمن إلى أحمد بن إسماعيـل‏.‏ وقـام بدعوتـه فاستدعـاه إلـى بخـارى وأكرمه ورفع منزلته ونظمه في طبقة القواد وبقي فـي خدمتـه وخدمـة بنيـه‏.‏ فلمـا انتقـض الحسيـن بـن علـي بنيسابـور علـى السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل سنة إثنتين وثلاثمائة سار إليه أحمد بن سهل في العساكر وظفر به كما مر‏.‏ وولي السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل على نيسابور وقراتكين مولاهم‏.‏ مقتل ليلى بن النعمان ومهلكه كان ليلى بن النعمان من كبار الديلم ومن قواد الأطروش وكان الحسن بن القاسم الداعي قد ولاه على جرجان سنة ثلاث وثلاثمائة وكان أولاد الأطروش يحلونه في كتابهم بالمؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كريماً شجاعًا‏.‏ولما ولي جرجان سار إليه قراتكين وقاتله عشرة فراسخ من جرجان فانهزم قراتكين واستأمن غلامه فارس إلى ليلى في ألف رجل من أصحابه فأمنه وأكرمه وزوجه أخته‏.‏واستئمن إليه أبو القاسم بن حفص ابن أخت سهل وحرضه على المسير إلى نيسابور وبها قراتيكن‏.‏وكان أجناده قد كثروا وضاقت عليهم الأموال فاستأذن الداعي في المسير إلى نيسابور فأذن له وسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثمائة فملكها وأقام بها الخطبة للداعي الحسين بن القاسم‏.‏وأنفذ السعيد نصر العساكر من بخارى مع حمويه بن علي ومحمد بن عبيد الله البلغمي وأبي جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدواني‏.‏فانهزم أكثر أصحاب حمويه وثيت القواد وجالت العساكر جولة فانهزم ليلى ودخل آمد‏.‏ولحقه بقراخان ملك الترك جاء مع العساكر ممداً فقبض على ليلى في آمد وبعث إلى حمويه بذلك فبعث إليه من قطع رأس ليلى في ربيع سنة تسع وثلاثمائة‏.‏وبعث به إلى بخارى‏.‏وطلب قواد الديلم الذين كانوا مع ليلى الأمان فأمنوهم بعد أن أشار حمويه بقتلهم والراحة منهم فلم فخرج من سارية وولوا عليها بقراخان‏.‏ووصلوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور‏.‏ورجع ماكان إلى أستراباذ مع جرجان ولحق بقراخان بنيسابور‏.‏وهذا كان مبتدأ أمر ماكان بن كالي وستأتي أخباره‏.‏خروج إلياس بن إسحق قد تقدم لنا انتقاض إسحق وابنه إلياس بسمرقند سنة إحدى وثلاثمائة وكيف غلبهم القائد حمويه وسار بإسحق إلى بخارى ومات بها‏.‏ولحق ابنه إلياس بفرغانة فأقام بها إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة‏.‏وأجمع المسير إلى سمرقند واستظهر بمحمد بن الحسين برمت من قواد بني سامان‏.‏واستمد أهل فرغانة من الترك فأمدوه‏.‏واجتمع إليه ثلاثون ألف فارس وقصد سمرقند‏.‏وبعث السعيد للمدافعة عنها أبا عمرو ومحمد بن أسد وغيره في ألفين وخمسمائة راجل‏.‏فلما ورد إلياس كمنوا له بين الشجر حتى إذا اشتملت عساكره بضرب الأبنية خرجوا عليه فانهزم الحسن بن ست ولحق بأسفيجاب ومنها إلى ناحية طراز وكريت فلقيه دهقان الناحية فقتله وأنفذ رأسه إلى بخارى‏.‏ثم استمد إلياس صاحب الشاش وهو أبو الفضل بن أبي يوسف فأمده بنفسه وبعث إليه اليسع بالمدد وعاود محاربة الوالي بسمرقند فانهزم إلى كاشغر وأسر أبو الفضل وحمل إلى بخارى فمات بها وسار إلياس إلى كاشغر وصاحبها استيلاء السعيد على الري كان المقتدر قد عقد على الري ليوسف بن أبي الساج وسار إليه سنة إحدى عشرة فملكه من يد أحمد بن علي أخي صعلوك‏.‏وقد كان فارق أخاه صعلوكأ وسار إلى المقتدر فولاه على الري‏.‏ثم انتقض على المقتدر ووصل يده بماكان بن كالي قائد الديلم وأولاد الأطروش وهم بطبرستان وجرجان‏.‏وفارق طاعة المقتدر فسار إليه يوسف ابن أبي الساج وحاربه فقتله واستولى على الري‏.‏ثم استدعاه المقتدر سنة أربع عشرة إلى واسط لقتال القرامطة وكتب إلى السعيد نصر بن أحمد بولاية الري فاستخلف عليها وأمره بالمسير إليها‏.‏وأخذها فاتك مولى يوسف بن أبي الساج فسار نصر السعيد لذلك أول سنة أربع عشرة‏.‏فلما وصل إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من الإجتياز به فبذل له ثلاثين ألف دينار واسترضاه‏.‏وسار إلى الري فخرج عنها فاتك واستولى عليها السعيد منتصف السنة وأقام بها شهرين ثم عاد عنها إلى بخارى واستعمل عليها محمد بن علي الملقب صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة ومرض فكاتب الداعي وماكان بن كالي في القدوم ليسلم لهم الري فقدموا واستولوا على الري‏.‏وسار صعلوك عنها فمات في طريقه‏.‏وأقام الحسن الداعي بالري مالكاً لها‏.‏واستولى معها على قزوين وزنجان وأبهر وقم ومعه ماكان‏.‏وكان أسفار قد استولي على طبرستان فسار الداعي وماكان إليه والتقوا على سارية فانهزم وقتل الداعي كما مر في أخبار العلوية بطبرستان‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:11 am

    مقتل أبي علي بن مروان وولاية أخيه أبي منصور


    كان أبو علي بن مروان قد تزوج بنت سعد الدولة بن سيف الدولة وزفت إليه من
    حلب وأراد البنـاء بهـا بآمـد فخـاف شيخهـا أن يفعـل بـه وبهـم مـا فعـل
    فـي ميافارقين فحذر أصحابه منه وأشار عليهم أن ينثروا الدنانير والدراهم
    إذا دخل ويقصدوا بها وجهه فيضربوه فكان كذلك‏.‏ ثـم أغفلـه وضـرب رأسه
    واختلط أصحابه فرمى برأسه إليهم وكر الأكراد راجين إلى ميافارقين فاستراب
    بهم مستحفظاً أن يملكوها عليه ومنعهم مـن الدخـول‏.‏ ثـم وصـل مهـد الدولـة
    أبـو منصـور بـن مـروان أخـو أبـي علـي إلـى ميافارقيـن فأمكنـه المستحفـظ
    مـن الدخـول فملكه ولم يكن له فيـه إلا السكـة والخطبـة ونازعـه أخـوه
    أبـو نصـر فأقام بها مضيقاً عليه فغلبه أبو منصور وبعثه إلى قلعـة أسعرد
    فأقام بها مضيقاً عليه‏.‏ وأما آمد فتغلب عليها عبد الله شيخهم أياماً وزوج
    ابنته مـن ابـن دمنة الذي تولي قتل أبي علي بن مروان فقتله ابن دمنة وملك
    آمد وبني لنفسه قصراً ملاصقاً للسور‏.‏ وأصلح أمره مع مهد الدولة
    بالطاعة‏.‏ وهـادى ملـك الـروم وصاحـب مصـر وغيرهما من الملوك وانتشر
    ذكره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل مهد الدولة بن مروان وولاية أخيه أبي نصر


    ثم إن مهد الدولة أقام بميافارقين وكان قائده شروة متحكمأ في دولته‏.‏
    وكان مولى قد ولاه الشرطة‏.‏ وكان مهد الدولة يبغضه وبهم يقتله مراراً ثم
    يتركه من أجل شروة فاستفسد مولاه شروة على مهد الدولة لحضوره‏.‏ فلما حضر
    عنده قتله وذلك سنة إثنتين وأربعمائة ثم خرج على أصحابه وقرابته يقبض عليهم
    كأنه بأمر مهد الدولة‏.‏ ثم مضى إلى ميافارقين ففتحوا له يطنونه مهد
    الدولة فملكها وكتب إلى أصحاب القلاع يستدعيهم على لسان مهد الدولة وفيهم
    خواجـا أبـو القاسـم صاحـب أرزن الروم فسار إلى ميافارقين ولم يسلم القلعة
    لأحد‏.‏ وسمع في طريقـه بقتـل مهد الدولة فرجع من الطريق إلى أرزن الروم
    وأحضر أبا نصر بن مروان من أسعرد وجـاء بـه إلـى أبيهـم مـروان‏.‏ وكـان
    قـد أضـر ولزم قبر ابنه أبي علي بارزن هو وزوجته فأحضره خواجا عنده
    واستحلفه عند أبيه وقبر أخيه وملك أرزن‏.‏ وبعث شروة من ميافارقين إلى
    أسعـرد عـن أبـي نصـر بـن مـروان ففاتـه إلـى أرزن فأيقـن بانتقـاض أمره‏.‏
    ثم ملك أبو نصر سائر ديار بكـر ولقـب نصيـر الدولـة ودامـت أيامـه‏.‏
    وأحسـن السيـرة وقصـده العلمـاء من سائر الأفاق وكثروا عنده‏.‏ وكان ممن
    قصده أبو عبد الله الكازروني وعنه انتشر مذهب الشافعي بديار بكر وقصده
    الشعراء ومدحوه وأجزل جوائزهم‏.‏ وأقامت الثغور معه آمنة والرعية في أحسن
    ملكة إلى أن توفي‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء نصير الدولة بن مروان على الرها


    كانت مدينة الرها بيد عطير وكاتبوا أبا نصر بن مروان أن يملكوه فبعث
    نائبه بآمد ويسمى زنك فملكها وأستشفع عطير بصالح بن مرداس صاحب حلب إلى ابن
    مروان فأعطاه نصف البلد ودخل إلى نصير الدولة بميافارقين فأكرمه ومضى إلى
    الرها فأقام بها مع زنك‏.‏ وحضر بعض الأيام مع زنك في صنيع وحضر ابن النائب
    الذي قتله فحمله زنك على الأخذ بثأره فاتبعـه لمـا خـرج ونـادى بالثـأر
    واستنفـر أهـل السـوق فقتلوه في ثلاثة نفر‏.‏ وكمن له بنو نمير خارج البلد
    وبعثوا من يغير منهم عليها فخرج زنك في العسكر‏.‏ ولمـا جـاوز الكميـن
    خرجـوا عليـه وقاتلـوه وأصابـه حجـر فمـات مـن ذلـك فاتـح ثملن عشرة وخلصت
    الرها لنصير الدولة‏.‏ ثم شفع صالح بن مرداس في ابن عطير وابن شبل فرد
    إليهما البلد إلى أن باعه ابن عطير من الروم كما يأتي‏.‏ كانـت نصيبيـن
    لنصيـر الدولـة بـن نصـر بـن مروان فسار إليها بدران بن المقلد في جموع بني
    عقيل وحاصرها فظهر على العساكر الذين بها وأمدهم نصير الدولة بعسكر آخر
    فبعث بدران من اعتراضهم في طريقهم وهزمهم فاحتفل ابن مروان في الإحتشاد
    وبعث العساكر إلى نصيبين فخرجـوا عليه فهزموه أولاً‏.‏ ثم كر عليهم ففتك
    وأقام يقاتلهم حتى سمع بأن أخاه قرواش وصل إلى الموصل فخشي منه وإرتحل
    عنها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up دخول الغز إلى ديار بكر هؤلاء الغز من طوائف الترك


    وهم الشعب الذين منهم السلجوقية وقد تقدم لنا كيف أجازوا إلـى خراسـان
    لمـا قبـض محمـد بن سبكتكين على أرسلان بن سلجق منهم فحبسه وما ظهر من
    فسادهم في خراسان وكيف أوقع بهم مسعود بن سبكتكين على أرسلان بن سلجق منهم
    فحبسـه ومـا ضهـر من فسادهم في خرسان وكيف أوقع بهم مسعود بن سبكتين من بعد
    أبيه محمـود ففـروا فـي الريـه يريدون أذربيجان واللحاق بمن تقدم منهم
    هنالك ويسمون العراقية بعد أن عاثـوا فـي همـذان وقزويـن وأرمينيـة‏.‏
    وعـاث الآخـرون فـي أذربيجـان وقتـل هوشذان صاحب تبريز منهم جماعه‏.‏ ثم
    عاثوا في الأكـراد واستباحوهـم‏.‏ ثـم جاءهـم الخبـر‏.‏ بـأن نيـال
    إبراهيـم أخـا السلطـان طغرلبك سار إلى الري فأجفلوا منها سنة ثلاث وثلاثين
    ووصلوا أذربيجان واتصلت الأخبار ولمـا أجفلـوا سلـك بهـم الدليل في الجبال
    على الزوزن وأسهلوا إلى جزيرة ابن عمر فسار بعضهم إلى ديار بكر ونهبوا
    قزوين وبازدي والحسنية وبقي آخرون بالجانب الشرقي من الجزيرة وسار آخـرون
    إلـى الموصـل‏.‏ وكان سليمان بن نصير الدولة قيماً بها فراسلهم في الصلح
    على أن يسير معهـم إلـى الشام فقبلوا‏.‏ ثم صنع سليمان صنيعاً ودعاً إليه
    ابن غزعلي وقبض عليه وحبسه‏.‏ وأجفل الغز في كل ناحية واتبعهم عساكر نصير
    الدولة وقرواش والأكراد البثنوية‏.‏ ثم قصدت العـرب العـراق للمشتي وعاد
    الخز إلى جزيرة أبن عمر فحصروها وخربوا ديار بكر نهباً وقتلاً‏.‏ وصانعهم
    نصير الدولة بإطلاق منصور بن غزعلي الذي حبسه سليمان فلم يكف إطلاقه من
    فسادهم وساروا إلى نصيبين وسنجار والخابور ودخل قرواش الموصل كما نبهنا
    واتبعه طائفة منهم فكان من خبرة معهم ما قدمناه في أخباره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير الروم إلى بلد ابن مروان ثم فتح الرها


    ولما كانت الدعوة العلوية قد إنتشرت في الشام والجزيرة وكان سبب ذلك أن
    وثابـا النميـري صاحب حران والرقة يخطب لهم فلما ولي الوزيري للعلويين على
    الشام بعث إلى ابن مروان بالتهديد وأنه يسير إلى بلاده فاستمد ابن مروان
    قرواش صاحب الموصل وشبيب بن وثاب صاحـب الرقـة ودعاهمـا إلـى الموافقـة
    وقطـع الدعـوة العلويـة فأجابـوه وخطبـوا للقائم وقطعوا الخطبـة للمستنصـر
    وذلـك سنة ثلاثين فقام الوزيري في ركائبه وتهددهم وأعاد ابن وثاب خطبة
    العلوية بحران في ذي الحجة آخر السنة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل سليمان بن نصير الدولة كان نصير الدولة


    قد ولي ابنه سليمان ويكنى أبا حـرب الأمـور وكـان يحـاوره فـي الجزيـرة
    بشرموشك بن المحلي زعيم الأكراد في حصون له هنالك منيعة ووقعت بينهما
    منافرة‏.‏ ثم استمالـه سليمـان ومكـر بـه‏.‏ وكان الأمير أبو طاهر البثنوي
    صاحب قلعة فنك وغيرها وهو ابن أخت نصير الدولة وكان صديقأ لسليمان فكان مما
    استماله به موشك أن زوجه بابنة أبـي طاهـر فاطمـأن موشـك إلـى سليمـان
    وسـار إلـى غـزو الروم بأرمينية‏.‏ وأمدة نصر الدولة بن مروان بالعساكر
    والهدايا وقد كان خطب له من قبل ذلك وأطاعه فشفع عنده في موشك فقتله سليمان
    وقال لطغرلبك أنه مات‏.‏ وشكر له أبو طاهر حيث كان صهره واتخذها ذريعة إلى
    قتلـه فخافـه سليمـان وتبـرأ إليـه مما وقع فأظهر القبول ولي الإجتماع
    ونزل من حصنه فنك لذلك‏.‏ وخـرج سليمـان إليـه فـي قلـة مـن أصحابـه فقتلـه
    عبيـد اللـه وأدرك مـن ثـار أبيـه‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى نصيـر الدولة
    فبادر بابنه نصير وبعث معه العساكر لحماية الجزيرة وسمع قريش بن بدران صاحب
    الموصـل فطمع في ملك جزيرة ابن عمر فسار إليها وإستمال الأكراد الحسنية
    والبثنوية واجتمعوا على قتال نصير بن مروان‏.‏ فأحسن المدافعة عن بلده
    وقاتلهم وجرح قريش جراحاً عديدة ورجع إلى الموصل وأقام نصير بن مروان
    بالجزيرة والأكراد على خلافه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير طغرلبك إلى ديار بكر


    ولما انصرف طغرلبـك مـن الموصـل وملكهـا وفـر قريـش عنهـا‏.‏ ثـم عـاود
    الطاعـة سنـة ثمـان وأربعين فسار طغرلبك بعدها إلى ديار بكر وحاصر جزيرة
    ابن عمر‏.‏ وكان ابن مروان في خدمته وهداياه مترادفه عليه ي مسيرة إلى
    الموصل وعوده‏.‏ فبعث إليه بالمال مفاده عن الجزيرة ويذكـر مـا هـو بصـدده
    مـن الجهـاد وحماية الثغر فأفرج عنه طغرلبك وسار إلى سنجار كما ذكرناه في
    أخبار قريش‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة نصير الدولة بن مروان وولاية ابنه بصير


    وفي سنة ثلاث وخمسين توفي نصير الدولة أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار
    بكر وكان لقبه القادر بالله‏.‏ ومات لإثنتين وخمسين سنة من ولايته‏.‏ وكان
    قد عظم استيلاؤه وتوفرت أمواله وحسن في عمارة الثغور وضبطها أثره وكان
    يهادي السلطان طغرلبك بالهدايا العظيمة ومنها حبل الياقوت الذي كان لبني
    بويه إشتراه من أبي منصور بن جلال الدولة وأرسل معه مائة ألف دينار فحسنت
    حالة عنده وكان يناغي عظماء الملوك في الترف فيشتري الجارية بخمسمائة دينار
    وأكثر‏.‏ واجتمع عنده منهن للأفتراش والإستخدام أزيد من ألف واقتني من
    الأواني والآلات ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار‏.‏ وجمع في عصمته بنات
    الملوك وأرسل طباخين إلى الديار المصريه وأنفق عيهم جملة حتى تعلموا الطبخ
    هنالك‏.‏ ووفـد عليـه أبـو القاسم بن المغربي من أهل الدولة العلوية بمصر
    وفخر الدولة بن جهير من الدولـة العباسيـة فأقبل عليهمـا واستوزرهمـا‏.‏
    ووفـد عليـه الشعـراء فوصلهـم وقصـده العلمـاء فحمـدوا عنـده مقامهم ولما
    توفي كان الظفر فيهـا لنصـر واستقـر بميافارقيـن ومضـى أخـوه سعيـد إلـى
    آمـد فملكها واستقر الحال بينهما على ذلك‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة نصير الدولة وولاية ابنه منصور


    ثـم توفـي نظـام الديـن نصـر بـن نصيـر الدولـة فـي ذي الحجة سنة إثنتين
    وسبعين وولي ابنه منصور ودبر دولته ابن الأنباري ولم يزل في ملكه إلى أن
    قدم ابن جهير وملك البلاد من يده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير ابن جهير إلى ديار بكر


    كان فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير من أهل الموصل واستخدم
    لجارية قرواش ثـم لأخيـه بركـة وسـار عنـه بالعوائد إلى ملك الروم‏.‏ ثم
    استخدم لقريش بن بدران وأراد حبسه فاستجار ببعض بني عقيـل ومضـى إلـى حلـب
    فـوزر لمعـز الدولـة أبـي ثمـال بـن صالـح‏.‏ ثـم مضـى إلـى عطيـة ولحق
    منها بنصير الدولة بن مروان وإستوزره وأصلح حال دولته‏.‏ ولما توفي سنة
    ثلاث وخمسيـن دبـر أمـر ابنـه نصـر القائـم بعـده‏.‏ ثم هرب إلى بغداد سنة
    أربع وخمسين استدعى منها للـوزارة فـوزر بعـد محمـد بـن منصـور بـن دؤاد‏.‏
    ثـم تـداول العـزل والولاة مرات هو وابنه عميد الملك واستخدم لنظام الملك
    والسلطان طغرلبك‏.‏ وكان شفع عند الخليفة فلما عزل ابنه آخراً بعث عنه
    السلطان ونظام الملك وعن ابنه وجميع أقاربه وسار إليه بأصفهان ولقاه مبرة
    وتكريماً‏.‏ وبعثـه فـي العساكـر لفتح ديار بكر وأخذها من يد بني مروان
    وأعطاه الآلات وأذن له أن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش اسمه على السكة
    فسار لذلك سنة ست وسبعين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء ابن جهير على أمد


    قد ذكرنا مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر إلى ديار بكر ثم أمده
    السلطان سنة سبع وسبعيـن بأرتـق بـن أكسـك فـي العساكـر‏.‏ واستنجـد نصـر
    بـن مـروان شرف الدولة مسلم بن قريش على أن يعطيه آمد فأنجده وسار لمظاهرته
    فأقصر فخر الدولة بن جهير عن حربهم عصبة للعـرب‏.‏ وخالفـه أرتق وسار في
    الترك إليهم وهزمهم ولحق مسلم بآمد وحاصره بها فبذل المال لأرتق‏.‏ وخلص من
    أمره ولحق بالرقة وسار ابن جهير إلى ميافارقين فرجع عنه منصور بن مزيد
    وابنه صدقة ومن معهما من العرب‏.‏ وسـار فخـر الدولـة المعـروف بالقـرم
    فنـزل عليهـا وشدد حصارها ونزل يوماً بعض الحامية من السور وأخلى مكانه
    فوقف فيه بعـض العامـة ونادى بشعار السلطان وإتبعه سائر الحامية بالسور‏.‏
    وبعثوا إلى زعيم الرؤسـاء ابـن جهيـر فركب إليهم وملك البلد وذلك سنة ثمان
    وسبعين‏.‏ ونصب أهل البلد بيوت النصارى الذين كانوا يستخدمون لبني مروان في
    الجبايات‏.‏ وإنتقموا منهم والله أعلم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء ابن جهير على ميافارقين وجزيرة ابن عمر وإنقراض دولة بني مروان


    كـان فخـر الدولة بن جهير لما بعث ابنه إلى آمد سار هو إلى ميافارقين
    وأقام على حصارها منـذ سنـة سبـع وسبعيـن‏.‏ وجـاءه سعـد الدولـة
    وكوهراييـن مدداً واشتد الحصار وإنثلم السور في تعـض الأيـام فنـادى أهلهـا
    بشعار ملك شاه‏.‏ ودخل فخر الدولة وملك البلد واستولى على أموال بنـي
    مـروان وذخائرهـم وبعثهـا إلـى السلطـان ملك شاه مع ابنه زعيم الرؤساء فوصل
    أصفهان في شوال سنة ثمان وسبعين‏.‏ وسار فخر الدولة وكوهرايين إلى بغداد
    وكان قد بعث عسكراً لحصار جزيرة ابن عمر فحصروها وثار بها أهل بيت من
    أعيانها يعرفون ببني رهان وفتحوا باباً صغيراً للبلد كان منفذاً للرجالة
    وأدخلوا العسكر منه وملكوه بدعوة السلطان ملك شاه‏.‏ وانقرضـت دولـة بنـي
    مروان ولحق منصور بن نظام الدين نصر بن نصير الدولة بالجزيرة وأقام في
    آيالـة الغـز‏.‏ ثـم قبـض عليه جكرمش وحبسه بدار يهودي فمات بها سنة تسع
    وثمانين والبقاء لله



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني الصفار ملوك سجستان المتغلبين علي خراسان


    ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم كان أهل هذه الدولة قوماً اجتمعـوا
    بنواحـي سجستـان ونسبـوا لقتـال الخـوارج الشـراة بتلـك الناحية عندما
    اضطربت الدولة ببغداد لقتل المتوكل وسمو أنفسهم المتطوعة‏.‏ وكان إجتماعهم
    علـى صالـح بـن نصيـر الكنانـي ويقال له صالح المتطوعي وصحبه جماعة منهم‏:‏
    درهم بن الحسن ويعقـوب بـن الليث الصفار وغلبوا على سجستان وملكوها‏.‏ ثم
    سار إليهم طاهر بن عبد الله أمير خراسان وغلبهم عليها وأخرجهم منها‏.‏ ثم
    هلك صالح أثر ذلك وقام بأمره في المتطوعة درهم بن الحسن فكثر أتباعه‏.‏
    وكان يعقوب بن الليث قائـده وكـان درهـم مضعفـاً فتحيـل صاحب خراسان عليه
    حتى ظفر به وبعثه إلى بغداد فحبس بها واجتمع المتطوعة على يعقـوب بـن
    الليـث قائـده وكـان درهـم يكاتـب المعتـز يسألـه ولايتهـا وأن يقلـده حـرب
    الخـوارج فكتب له بذلك‏.‏ وأحسن الغناء في حرب الشراة وتجاوزه إلى سائر
    أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏ ثم سار من سجستان إلى خراسان سنة
    ثلاث وخمسين ومائتين وعلى الأنبار ابن أوس فجمع لمحاربة يعقوب وسار إليهم
    في التعبية فاقتتلوا وإنهزم ابن أوس وملك استيلاء يعقوب الصفار على كرمان
    ثم على فارس وعودها كان على فارس علي بن الحسن بن شبل وكتب إلى المعتز يطلب
    كرمان ويذكر عجز ابن طاهر عنها‏.‏ وكان قد أبطأ عن حرب الخوارج فكتب له
    المعتز بولاية كرمان وكتب ليعقوب الصفـار أيضـأ بولايتهـا بقصـد التضريـب
    بينهما لتتمحص طاعتهما أو طاعة حدهما‏.‏ فأرسل علي بـن الحسيـن مـن فـارس
    علـى كرمـان طـوق بـن المفلـس مـن أصحابـه سبـق إليها يعقوب وملكها‏.‏ وجاء
    يعقوب فأقام قريباً منها شهرين يترقب خروج طوق إليه ثم إرتحل إلى سجستان
    ووضع طوق أوزار الحرب وأقبل على اللهو واتصل ذلك بيعقوب في طريقه فكر راجعأ
    وأغذ السير ودخل كرمـان وحبـس طوقاً‏.‏ وبلغ الخبر إلى علي بن الحسين وهو
    شيراز فجمع عسكره ونزل مضيق شيراز‏.‏ وأقبل يعقوب حتى نزل قبالته والمضيق
    متوعر بين جبل ونهر ضيق المسلك بينهما فاقتحـم يعقـوب النهر بأصحابه وأجاز
    إلى علي بن الحسين وأصحابه فانهزموا‏.‏ وأخذ علي بن الحسين أسيراً واستولى
    على سواده ودخل شيراز وملكها وجبي الخراج وذلك سنة خمس وخمسين‏.‏ وقيـل قـد
    وقـع بينهما بعد عبور النهر حروب شديدة وانهزم آخرها علي وكان عسكره نحواً
    من خمسـة عشـر ألفـاً مـن الموالـي والأكـراد فرجعـوا منهزميـن إلـى
    شيـراز آخـر يومهـم وإزدحموا في الأبواب وبلـغ القتلـى منهم خمسة آلاف‏.‏
    ثم إفترقوا في نواحي فارس وانتهبوا الأموال‏.‏ ولما دخل يعقوب شيراز وملك
    فارس امتحن عليـاً وأخـذ منـه ألـف بـدرة ومـن الفـراش والسلـاح والآلـة
    مـا لا يحصـى وكتـب للخليفـة بطاعتـه وأهـدى هديـة جليلـة منهـا عشـرة
    بازات بيض وباز أبلق صيني ومائة نافجة من المسك وغير ذلك من الطرف ورجع إلى
    سجستان ومعه علي وطوق في إعتقاله ولما فارق فارس بعث المعتز عماله
    إليها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية يعقوب الصفار علي بلخ وهراة


    ولما انصرف يعقوب عن فارس ولي عليها المعتز من قبله والخلفاء بعده وليها
    الحارث بن سيما فوثب به محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي من رجال العرب
    وأحمد بن ليث الأكرد الذين بنواحيهـا فقتلـاه واستولـى ابـن واصـل علـى
    فـارس سنـة سنة ست وخمسين وأظهر دعوة المعتمد‏.‏ وبعـث عليهـا المعتمـد
    الحسيـن بن الفياض فسار إليه يعقوب بن الليث سنة سبع وخمسين وكتب إليـه
    المعتمـد بالنكيـر علـى ذلـك‏.‏ وبعث إليه الموفق بولاية بلخ طخارستان
    فملكها وخرب المباني التي بناها داود بن العباس بظاهر بلخ وتسمى
    باساديانج‏.‏ ثم سار إلى كابل واستولي عليها وقبـض علـى رتبيـل وبعـث
    بالأصنـام التـي أخذها من كابل وملك البلاد إلى المعتمد‏.‏ وأهدى إليه هدية
    جليلة المقدار وعاد إلى بست معتزماً على العود إلى سجستان فاحفظه بعض
    قواده بالرحيل قبله فغضب وأقام منه إلى سجستان‏.‏ ثم سار إلى خراسان وملك
    هراة‏.‏ ثم إلى بوشنـج فملكهـا وقبـض علـى عاملهـا الحسيـن بـن علـي بـن
    طاهـر الكبيـر وكان كبير بيتهم‏.‏ وشفع له فيـه محمـد بـن طاهـر صاحـب
    خراسـان فأبـى مـن إسعافـه وبقـي فـي قلبه وولي على هراة وبوشنج وباذغيس
    ورجع إلي سجستان‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء الصفار على خراسان وانقراض أمر بني طاهر


    كان بسجستان عبد الله السجزي ينازع يعقوب بن الليث فلما قوي يعقوب
    واستفحل سار عبـد اللـه إلـى خراسـان وطمـع فـي ملكهـا وحاصـر محمـد بـن
    طاهـر في كرسي ولايته نيسابور‏.‏ ثم تـردد الفقهـاء بينهـم فـي الصلـح حتـى
    تـم بينهمـا وولـاه محمـد الطبسيـن وقهستـان‏.‏ ثـم بعـث يعقـوب إلـى
    محمـد في طلبه فأجاره وأحفظ ذلك يعقوب فسار إلى محمد بنيسابور فخام محمد عن
    لقائه‏.‏ ونزل يعقوب بظاهـر نيسابـور وخـرج إليـه قرابـة محمـد وعمومتـه
    وأهـل بيتـه ودخـل نيسابـور واستعمـل عليهـا وذلـك سنـة تسـع وخمسين وكتب
    إلى المعتمد بأن أهل خراسان استدعوه لعجز ابـن طاهـر وتفريطـه فـي أمـره‏.‏
    وغلبـه العلـوي علـى طبرستـان فكتـب إليـه المعتمد بالنكير والإقتصار علـى
    مـا بيـده وإلا سلـك بـه سبيـل المخالفيـن‏.‏ وقيـل فـي ملكـه نيسابـور
    غير ذلك وهو أن محمد بن طاهـر لمـا أصـاب لدولتـه العجـز والإدبـار كاتـب
    بعـض قرابتـه يعقـوب ابن الليث الصفار‏.‏ واستدعـوه فكتـب يعقـوب إلـى
    محمـد بـن طاهـر بمجيئـه إلـى ناحيتـه موريـاً بقصـد الحسـن بـن زيد في
    طبرستان‏.‏ وأن المعتمد أمره بذلك وأنه لا يعرض لشيء من أمر خراسان‏.‏ وبعث
    بعض قواده عينـاً عليـه وعنفـه علـى الإهمـال والعجـز وقبـض علـى جميـع
    أهـل بيته نحواً من مائة وستين رجلأ‏.‏ وحملهـم جميعـاً إلـى سجستـان وذلك
    لإحدى عشرة سنة من ولاية محمد‏.‏ واستولى يعقوب على خراسان وهرب منازعه عبد
    الله السجزي إلى الحسين بن يزيد صاحب طبرستان وقد كان ملكها من لدن سنة
    إحدى وخمسين فأجاره الحسين‏.‏ وسار إليه يعقوب سنة ستين وحاربه فانهـزم
    الحسيـن إلـى أرض الديلـم واعتصـم بجبـال طبرستان‏.‏ وملك يعقوب سارية وآمد
    ورجع في طلب السنجري إلى الري وتهدد العامل على دفعه إليه فبعث به وقتلـه
    يعقـوب M0



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيـلاء الصفار على فارس


    قد تقدم لنا تغلب محمد بن واصل على فارس سنة ست وخمسين ومسير الصفار
    إليه سنة سبع ورجوعه عنها وأنه أعاضه عنها ببلخ وطخارستان‏.‏ ثم إن المعتمد
    أضاف فارس إلى موسى بن بغا مع الأهواز والبصرة والبحرين واليمامة وما بيده
    من الأعمال فولي موسى على فارس من قبله عبد الرحمن بن مفلح وبعثه إلى
    الأهواز وأمده بطاشتمر‏.‏ وزحفوا إلى ابن واصل وسار لحرب موسى بن بغا بواسط
    فولي على الأهواز مكانه أبا الساج وأمره بمحاربة الزنج فبعث صهره عبد
    الرحمن لذلك فلقيه علي بن أياز قائد الزنج وهزمه وقتل‏.‏ وملك الزنج
    الأهـواز وعاثـوا فيهـا وأديـل مـن أبـي السـاج بإبراهيـم بـن سيما وسار
    لحرب ابن واصل واضطرابت الناحيـة علـى موسـى بـن بغـا فاستعفـى مـن
    ولايتهـا وأعفـاه المعتمد‏.‏ وطمع يعقوب الصفار في ملك فارس فسار من سجستان
    ممداً ورجع ابن واصل من الأهواز إليه وترك محاربة ابن سيما وأغذ السير
    ليفجأه على بغتة ففطن له الصفار وسار إليهم وقد أعيوا وتعبوا من شدة السير
    والعطش‏.‏ ولما تراءى الجمعان تخاذل أصحاب ابن واصل وانهزموا من غير قتال
    وغنم الصفار في معسكره وما كانوا أصابوا لإبن مفلح‏.‏ واستولى على بلاد
    فارس ورتب بها العمال وأوقع بأهل دم لإعانتهم ابن واصل وطمع في الإستيلاء
    على الأهواز وغيرها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حروب الصفار مع الموفق


    ولما ملك الصفار خراسان من يد ابن طاهر وقبض عليه وملك فارس من يد ابن
    واصل‏.‏ وكان المعتمد نهاه عن تلك فلم ينته صرح المعتمد بأنه لم يوله ولا
    فعل ما فعل بإذنه وأحضر حـاج خراسـان وطبرستـان والـري وخاطبهـم بذلـك
    فسـار الصفـار إلـى الأهواز سنة إثنتين أصحابه الذين أسروا بخراسان فأبى
    إلا العزم على الوصول إلى الخليف‏.‏ وبعث حاجبه درهماً يطلب ولاية طبرستان
    وخراسان وجرجان والري وجارس والشرطة ببغداد فولاه المعتمد ذلـك كلـه
    مضافـاً إلـى سجستـان وكرمـان‏.‏ وأعـاد حاجبـه بذلـك ومعـه عمـرو بن سيما
    فكتب يقول لا بد من الحضور بباب المعتمد وارتحل من عسكر مكرم جاثياً‏.‏
    وخرج أبو الساج من الأهواز لتلقيه لدخـول الأهـواز في أعماله فأكرمه
    ووصله‏.‏ وسار إلى بغداد ونهض المعتمد من بغداد فعسكر بالزعفرانية ووافاه
    مسرور البلخ من مكانه من مواجهه الزنج‏.‏ وجاء يعقوب إلى واسط فملكها ثم
    سار منها إلى دير العاقول‏.‏ وبعث المعتمد أخاه الموفق لمحاربته وعلى
    ميمنته موسى بن بغا وعلى ميسرته موسى البلخي فقاتله منتصف رجب وانهزمت
    ميسرة الموفق وقتل فيها إبراهيم بن سيما وغيره من القواد‏.‏ ثم تزاحفوا
    واشتدت الحرب وجاء للموفق محمد بن أوس والدواني مدداً من المعتمد‏.‏ وفشل
    أصحاب الصفار ولما رأوا مدد الخليفة انهزموا وخرج الصفار واتبعهم أصحاب
    الموفق وغنموا من عسكره نحواً من عشرة آلاف من الظهر ومن الأموال والمسك ما
    يؤود حمله‏.‏ وكـان محمـد بن طاهر معتقلاً في العسكر منذ قبض عليه بخراسان
    فتخلص ذلك اليوم‏.‏ وجاء إلى الموفق وخلع عليه وولاه الشرطة ببغداد‏.‏
    وسار الصفار إلى خوزستا فنزل جنديسابور وراسله صاحب الزنج على الرجوع ويعده
    المساعدة فكتب له‏:‏ ‏"‏ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون
    ‏"‏ السورة‏.‏ وكان ابن واصل قد خالف الصفار إلى فارس وملكهـا فكتـب إليـه
    المعتمد بولايتها وبعث إليه الصفار جيشاً مع عمر بن السري من قواده فأخرجه
    عنها وولي علـى الأهـواز محمـد بـن عبيـد اللـه بـن هزارمـرد الكردي‏.‏ ثم
    رجع المعتمد إلى سامراً والموفق إلى واسط واعتزم الموفق على إتباع الصفار
    فقعد به المرض عن ذلك‏.‏ وعاد إلى بغداد ومعه مسرور البلخي وأقطعه ما لأبي
    الساج من الضياع والمنازل وقدم معه محمد بن طاهر فقام بولاية الشرطة
    ببغداد‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض الخجستاني بخراسان على يعقوب الصفار وقيامه بدعوة بني طاهر


    كـان من أصحاب محمد بن طاهر ورجالاته أحمد بن عبد الله بن خجستان وكان
    متولياً على وهي من جبال سراة وأعمال باذغيس‏.‏ فلما استولى الصفار على
    نيسابور وخراسان انضم أحمـد هـذا إلـى أبيـه علـي بـن الليـث وكـان شركب
    الحمال قد تغلب على مرو ونواحيها سنة تسع وخمسيـن وتغلـب علـى نيسابـور
    سنـة ثلـاث وستيـن وأخرج منها الحسين بن طاهر‏.‏ وكان لشركب ثلاثة من الولد
    إبراهيم وهو أكبرهم وأبو حفص يعمر وأبو طلحة منصور‏.‏ وكان إبراهيم قد
    أبلى في واقعة المغار مع الحسن بن زيد بجرجان فقدمه الصفار وحسده أحمد
    الخجستاني فخوفـه عاديـة الصفـار وزيـن لـه الهـرب‏.‏ وكـان يعمـر أخـوه
    محاصـراً لبعـض بلـاد بلخ فاتفق إبراهيـم وأحمـد الخجستانـي فـي الخروج إلى
    يعمر وسبقه إبراهيم إلى الموعد ولم يلقه فسار إلى ولما عاد الصفار إلى
    سجستان سنة إحدى وستين ولي على هراة أخاه عمرو بن الليـث فاستخلـف عليها
    طاهر بن حفص الباذغيسي‏.‏ وجاء الخجستاني إلى علي بن الليث وزين له أن يقيم
    بخراسان نائباً عنه في أموره وأقطاعه فطلب ذلك من أخيه يعقوب فأذن له‏.‏
    فلما ارتحلـوا عـن خراسـان جمـع أحمـد الخجستانـي وأخرج علي بن الليث من
    بلده سنة إحدى وستين وملـك تونـس وأعـاد دعـوة بنـي طاهـر وملـك نيسابـور
    سنـة إثنتيـن وستيـن‏.‏ واستقـدم رافـع بـن هرثمة مـن رجالـات بنـي طاهـر
    فجعلـه صاحـب جيشـه وسـار إلـى هـراة فملكهـا من يد طاهر بن حفص‏.‏ وقتلـه
    ثم قتل يعمر بن شركب واستولى على بلاد خراسان ومحا منها دعوة يعقوب بن
    الليث‏.‏ ثـم جـاء الحسـن بـن طاهـر أخـو محمـد بأصفهـان ليخطـب لـه فأبـى
    فخطـب له أبو طلحة بن شركب بنيسابـور‏.‏ وانتقـض الخجستانـي واضطربـت
    خراسان فتنة‏.‏ وزحف إليها الحسن بن زيد فقاتلوه وهزموه‏.‏ ثم ملك نيسابور
    من يد عمرو بن الليث وترك الخطبـة لمحمـد بـن طاهـر وخطـب للمعتمد ولنفسه
    من بعده كما هو مشروح في أخبار الخجستاني‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء الصفار على الأهواز


    قد تقدم لنا استيلاء الصفار على فارس بعد خراسان‏.‏ ثم سار منها إلى
    الأهواز وكان أحمد بن لسوقة قائد مسرور البلخي على الأهواز قد نزل تستر
    فرحل عنها ونزل يعقوب جنديسابور وفرت عساكر السلطان من تلك النواحي‏.‏ وبعث
    يعقوب بالخضر بن العين إلى الأهـواز وعلـي بن أبان والزنج يحاصرونها
    فتأخروا عنها إلى نهر السدرة‏.‏ ودخل الخضر الأهواز وملكها بدعوة الصفار‏.‏
    وكان عسكره وعسكر الزنج يغير بعضهم على بعض ثم أوقع الزنج بعسكره ولحق
    الخضر بعسكر مكرم واستخرج ابن أبان ما كان في الآهواز ورجع إلى نهر
    السدرة‏.‏ وبعث يعقوب الإمداد إلى الخضر وأمره بالكف عن قتال الزنج والمقام
    بالأهواز فوادع الزنج وشحن الأهواز بالأقوات وأقام‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة يعقوب الصفار وولاية عمرو أخيه


    ثم توفي يعقوب الصفار في شوال سنة خمس وستين بعد أن افتتح الزنج وقتل
    ملكها وأسلم أهلها على يده‏.‏ وكانت مملكة واسعة الحدود‏.‏ وافتتح زابلستان
    وهي غزنه وأعمالها‏.‏ وكان المعتمد قد استماله وولاه على سجستان والسند‏.‏
    ثم تغلب على كرمان وخراسان وفارس وولـاه المعتمـد علـى جميعهـا‏.‏ ولمـا
    مات قام مكانه أخوه عمر بن الليث وكتب إلى المعتمد بطاعته فولـاه الموفـق
    مـن قبـل أعمـال أخيه وهي خراسان وأصفهان وسجستان والسند وكرمان والشرطـة
    ببغـداد‏.‏ وبعـث إليـه بالخلـع فولـي عمـرو بـن الليـث علـى الشرطـة
    ببغـداد وسر من رأى من قبلـه عبيـد اللـه بـن عبيـد اللـه بـن طاهـر‏.‏
    وخلـع عليـه الموفـق وعمـرو بـن الليـث‏.‏ وولي على أصفهان مسير عمرو بن
    الليث إلى خراسان لقتال الخجستاني قـد تقـدم ذكـر الخجستانـي وتغلبـه علـى
    نيسابـور وهـراة بدعـوة بني طاهر سنة إثنتين وستين فلما توفي يعقوب سار
    عمرو إلـى خراسـان سنـة خمـس وستيـن واستولـي علـى هـراة‏.‏ وسـار
    الخجستانـي بنيسابـور فقاتلـه فانهـزم عمـرو ورجـع إلـى هراة‏.‏ وكان
    الفقهاء بنيسابور يشيعون لعمرو لولايـة الخليفـة إيـاه فأوقـع الخجستانـي
    الفتنـة بينهـم بالميـل إلـى بعضهـم وتكريمهـم عـن بعض ليشغلهم بها ثـم
    سـار إلـى هـراة سنـة سبـع وستيـن وحاصـر عمـرو بـن الليـث فلم يظفر بشيء
    فتركه وخالفه إلى سجستـان‏.‏ ووثـب أهـل نيسابـور بنائبـه عليهـم وأمدهم
    عمرو بن الليث بجنده فقبضوا على نائب الخجستاني وأقاموا بها ورجع الخجستاني
    من سجستان فأخرجهم وملكها‏.‏ وكان أبو منصور طلحة بن شركب محاصراُ لبلخ من
    قبل ابن طاهر‏.‏ وكاتبه عمرو بن الليث واستقدمه وأعطاه أموالاً واستخلفه
    على خراسان ورجع إلى سجستان‏.‏ وبقي أبو طلحة بخراسان والخجستاني يقاتله
    إلى أن قتل الخجستاني سنة ثمان وستين قتله بعض مواليه كما مر في أخباره مع
    رافع بخراسان‏.‏ كـان رافـع بـن هرثمـة مـن قـواد بنـي طاهـر بخراسان فلما
    ملكها يعقوب سار إليه واستقر في منزله بتأمين من قرى باذغيس‏.‏ فلما قتل
    الخجستاني اجتمع الجيش على رافع وهو بهراة فأقروه عليهم‏.‏ وكان أبو طلحة
    بن شركب قد سار مـن جرجـان إلـى نيسابـور فسـار إليـه رافـع وحاصرهـا‏.‏
    وخـرج عنهـا أبـو طلحـة إلـى مـرو وخطـب بها وبهراة لمحمد بن طاهر وولي على
    هراة مـن قبلـه‏.‏ ثم زحف إليه عمرو بن الليث فغلبه عليها وولي عليها محمد
    بن سهيل بن هاشم‏.‏ ورجع وبعث أبو طلحة إلى إسماعيل بن أحمد يستنجده
    فأنجده بعسكر سار بهم إلى مرو وأخـرج منها محمد بن سهل وخطب لعمرو بن الليث
    وذلك في شعبان سنة إحدى وسبعين‏.‏ ثـم عـزل المعتمد عمرو بن الليث عن
    سائر أعمال خراسان وقلدها الموفق محمد بن طاهر وهو مقيـم ببغـداد فاستخلـف
    محمـد عليهـا رافـع بن هرثمة وأقر نصر بن محمد أحمد الساماني على ما وراء
    النهر فسار رافع إلى إسماعيل يستنجده على أبي طلحة فجاءه في أربعة آلاف
    مدداً‏.‏ واستقـدم رافـع أيضـاً علي بن الحسين المروروذي وساروا جميعاً إلى
    أبي طلحة وهو بمرو سنة إثنتين وسبعين وغلبوه عليها ولحق بهراة وعاد
    إسماعيل إلى خوارزم فجبي أموالها ورجع إلى نيسابور‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حروب عمرو مع عساكر المعتمد ومع الموفق


    ولما عزل المعتمد عمرو بن الليث عن خراسان أمر بلعنه على المنابر وأعلم
    حاج خراسان بذلك وقلد محمد بن طاهر أعمالها فاستخلف عليها رافع بن الليث
    وكتب المعتمد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بعزله عن أصفهان والري‏.‏
    وبعث إليه العساكر لقتاله سنة إحدى وسبعيـن فزحـف إليـه عمـرو فـي خمسـة
    عشـر ألفـاً مـن المقاتلة فهزمه أحمد بن عبد العزيز والعساكر واستباحوا
    معسكره ودفعوه عن أصفهان والري‏.‏ وكان المعتمد لما عزله ولعنه بعث صاعد بن
    مخلـد فـي العساكـر إلـى فـارس لقتال عمرو بن الليث وإخراجه من فارس فسار
    لذلك ولم يظفر‏.‏ ورجع سنة إثنتين وسبعين‏.‏ ثـم سـار الموفـق سنـة أربـع
    وسبعيـن إلـى فـارس لحـرب عمـرو بـن الليـث فسيـر عمـرو قائـده عباس بن
    إسحـاق إلـى شيـراز وابنـه محمـد بـن عمـرو إلى أرجان وبعث على مقدمته أبا
    طلحة بن شركب صاحـب جيشـه فاستأمن أبو طلحة إلى الموفق‏.‏ وفت ذلك في عضد
    عمرو وخام عن لقائه‏.‏ وسـار الموفـق إلـى شيـراز وإرتـاب بأبـي طلحـة
    فقبـض عليـه‏.‏ وملـك الموفق فارس وعاد عمرو إلى كرمان فسار الموفق في طلبه
    فلحق بجستان على المفازه‏.‏ وتوفي ابنه محمد بن عمرو بها‏.‏ وامتنعت كرمان
    وسجستان على الموفق فعاد إلى بغداد‏.‏ وإرتاب عمرو بن الليث بأخيه علي
    فحبسه بكرمان وحبس معه ابنه المعدل الليث فهربوا من محبسهم ولحقوا برافع بن
    الليث عندما ملك طبرستان وجرجان من محمد بن زيد العلوي سنة سبـع وسبعيـن
    فأقامـوا عنـده وهلـك علـي بـن الليـث وبقـي ولـده عنـده‏.‏ ثـم رضـي
    المعتمـد عـن عمرو بـن الليـث وولـاه الشرطـة ببغـداد وكتـب اسمـه علـى
    غلام والترسة سنة ست وسبعين‏.‏ واستخلف في الشرطة عبيد الله بن عبيد الله
    بن طاهر‏.‏ ثم سخطه لسنة ومحا اسمه من الإعلام‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية عمرو بن الليث على خراسان ثانياً ومقتل رافع بن الليث


    ثم سخط المعتمد رافع بن الليث لإمتناعه من تخلية قرى السلطان بالري بعد
    أن أمره بذلك فكتـب إلـى أحمـد بـن عبـد العزيـز بـن أبـي دلـف يأمـره
    بمحاربـة رافـع وإخرجه عن الري‏.‏ وكتب إلى عمرو بن الليث بولاية خراسان‏.‏
    وحارب أحمد بن عبد العزيز سنة ثمانين فقاتله أخويه عمر وبكراً ابني عبد
    العزيز فهزمهما إلى أصفهان وأقام بالري باقي سنته‏.‏ ثم سار إلى أصفهان
    فملكها سنة إحدى وثمانين وعاد إلى جرجان‏.‏ ووافى عمرو بن الليث خراسان
    والياً عليها بجموعـه‏.‏ وتـورط رافـع بـن الليـث ورجع إلى مصالحة محمد بن
    زيد على أن يعيد إليه طبرستان فصالح محمد بن زيد وخطب له بطبرستان سنة
    إثنتين وثمانين على أن يمده بأربعة آلاف من الديلم‏.‏ وسـار عـن طبرستـان
    إلـى نيسابـور سنـة ثلـاث وثمانيـن فحاربـه عمـرو وهزمه إلى أبيورد وأخذ
    منه المعدل والليث ابني أخيه‏.‏ ثم أراد رافع المسير إلى هراة فأخذ عليه
    عمرو الطريق لسرخس وسرب رافع في المضايق ونكب عن جمهور الطريق فدخل نيسابور
    وحاصره فيها عمرو بن الليث‏.‏ ثم برز للقائه واستأمن بعض قواد رافع إلى
    عمرو فانهزم رافع وأصحابه وبعث إلى محمـد بـن وهـب يستمـده كما شرط له‏.‏
    وكان عمرو قد حذر محمد بن زيد من إمداده فأقصر عن ذلك وتفرق عن رافع أصحابه
    وغلمانـه‏.‏ وكانـوا أربعـة آلـاف غلـام‏.‏ وفارقـه محمـد بـن هارون إلى
    أحمد بن إسماعيل بن سمان ببخارى وخرج رافع منهزماً إلى خوارزم في فل من
    العسكر وحمـل بقيـة المـال والآلـة وذلـك فـي رمضـان سنـة ثلـاث
    وثمانيـن‏.‏ فلمـا رآه صاحـب خـوارزم أبـو سعيـد الفرغانـي فـي قلـة مـن
    العسكر غدر به وقتله في أول شوال وحمل رأسه إلى عمرو بن الليث بنيسابور
    فأنفذه عمرو إلى بغداد فكتب إليه المعتضد بولاية الري مضافة إلى خراسان
    وأنفذ له الألوية والخلع سنة أربع وثمانين‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:10 am

    ولاية خمارويه بن أحمد بن طولون


    ولمـا توفـي أحمـد بـن طولـون إجتمـع أهـل الدولـة وخواص الأولياء
    وكبيرهم أحمد بن محمد الواسطي والغالب على الدولة الحسن بن مهاجر فاتفقوا
    على بيعة ابنه أبي الجيش خمارويه وأحضروا ابنـه العبـاس مـن محبسـه وغزاه
    الواسطي وهم يبكون‏.‏ ثم قال‏:‏ بايع لأخيك فأبى فقام طبارجي وسعد الآيس من
    الموالي وسحبوه إلى حجرة في القصر فاعتقلوه بها وأخرج من الغد ميتاً
    وأخرجوا أحمد إلى مدفنه وصلى عليه ابنه أبو الجيش وواراه ورجع إلى القصر
    مقيماً لأمر سلطانه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير خمارويه إلى الشام وواقعته مع ابن الموفق


    ولمـا توفـي أحمـد بـن طولون كان إسحاق بن كنداج عاملاً على الجزيرة
    والموصل وابن أبي الساج على الكوفة وقد ملك الرحبة من يد أحمد بن مالك
    فطمعا في ملك الشام واستأذنا الموفق فأذن لهما ووعدهما بالمدد‏.‏ وسار
    إسحاق إلى الرقة والثغور والعواصم فملكها من يد ابن دعاس عامل بن طولون‏.‏
    واستولي إسحاق على حمص وحلب وأنطاكية ثم على دمشق‏.‏ وبعث خمارويه العساكر
    إلى الشام فملكوا دمشق وهرب العامل الذي انتقـض بهـا ثـم سـار العسكـر إلـى
    شيزر فأقام عليها قبالة إسحاق وابن أبي الساج وهما ينتظران المدد من
    العراق‏.‏ ثم هجم الشتاء فتفرق عسكر خمارويه في دور شيزر ووصل العسكر من
    العراق مع أبي العباس أحمد بن الموفق الذي صارت إليه الخلافة ولقب المعتضد
    فكبسوا عسكر خاوريه في دور شيرز وفتكوا فيهم ونجا الفل إلى دمشق والمعتضد
    في إتباعهم فارتحلوا عنها وملكها المعتضد في شعبان سنة إحدى وسبعين‏.‏ ولحق
    عسكر خمارويه بالرملة فأقاموا بها وكتبوا إلى خمارويه بالخبر وسار المعتضد
    نحوهم من دمشـق‏.‏ وبلغـه وصـول خمارويـه وكثـرة عساكـره فهـم بالعـود
    ومعـه أصحاب خمارويه الذين خالفـوا عليه ولحقوا به‏.‏ وكان ابن كنداج وابن
    أبي الساج متوحشين من المعتضد لسوء معاملته لهمـا‏.‏ والتقـى العسكـران
    علـى الماء الذي عليه الطواحين بالرملة فولي خمارويه منهزماً مع عصابة معه
    ليس لهم عربة بالحرب‏.‏ ومضي إلى مصر بعد أن أكمن مولاه سعداً الآيس في
    عسكر‏.‏ وجاء المعتضد فملك خيام خمارويه وسواده وهو يظن الظفر فخرج سعد
    الآيس من كمينه وقصـد الخيـام وظـن المعتضـد أن خمارويه قد رجع فركب وانهزم
    لا يلوي على شيء‏.‏ وجاء إلى دمشق فمنعوه الدخول فمضى إلى طرسوس ولما
    افتقد سعد الآيس خمارويه نصب أخاه أبا العشائـر لقيـادة العساكـر ووضع
    العطاء ووصلت البشائر إلى مصر فشر خمارويه بالظفر وخجـل مـن الهزيمة وأكثر
    الصدقة وأكرم الأسرى وأطلقهم‏.‏ وسارت عساكره إلى الشام فارتجعوه كله من
    أصحابه فأخرجوهم ولحقوا بالعراق‏.‏ وغزا بالصائفة هذه السنة مازيار صاحب
    الثغر وغنم وعاد ثم غزا كذلك سنة ثلاث وسبعين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up فتنة ابن كنداج وابن أبي الساج والخطبة لإبن طولون بالجزيرة


    كان ابن أبي الساج عاملًا على قنسرين وإسحاق على الجزيرة والموصل
    فتنافسوا في الأعمال واستظهـر ابـن أبـي السـاج بخمارويـه وخطـب لـه
    بأعماله وبعث ابنه رهينة إليه فسار في عساكره بعـد أن بعـث إليـه الأمـوال
    وانتهـى إلى السن وعبر ابن أبي الساج الفرات ولقي إسحاق بن كنداج على الرقة
    فهزمه وجاز خمارويه من بعده فعبر الفرات إلى الرافقية‏.‏ ونجا إسحاق إلى
    ماردين وحصره ابن أبي الساج‏.‏ ثم خرج وسار إلى الموصل فصده ابن أبي الساج
    عنها وهزمه فعاد إلى ماردين‏.‏ واستولي ابن أبي الساج على الجزيرة والموصل
    وخطب في أعمالها لخمارويه ثم لنفسـه بعـده‏.‏ وبعـث العساكر مع غلامه فتح
    لجباية نواحي الموصل فأوقع بالشراة اليعقوبية ومكر بهم‏.‏ وعلم أصحابهم بما
    فعل معهم فجاؤوا إليه وهزموه واستلحموا أصحابه‏.‏ ونجا ابن أبي الساج في
    فل قليل‏.‏ ثـم انتفـض ابـن أبـي الساج على خماروبه سنة خمس وسبعين وذلك أن
    إسحاق بن كنداج سار إلى خمارويه بمصر وصار في جملته فأنتقض ابن أبي
    الساج‏.‏ وسار خمارويه إليه فلقيه على دمشق في المحرم فانهزم ابن أبي الساج
    واستبيح معسكره‏.‏ وكان وضع بحمص خزائنه فبعث خمارويه عسكراً إلى حمص
    فمنعوه من دخولها واستولوا على خزائنه‏.‏ ومضى ابن أبي الساج إلـى حلـب ثـم
    إلـى الرقـة وخماوريـه في إتباعه‏.‏ ثم فارق الرقة إلى الموصل وعبر
    خمارويه الفرات واحتل مدينة بلد وأقام بها وسار ابن أبي الساج إلى
    الحديثة‏.‏ وبعـث خمارويـه عساكـره وقـواده مـع إسحـاق بـن كنـداج فـي طلب
    ابن أبي الساج فعبر دجلة وأقام بتكريـت وإسحـاق فـي عشريـن ألفـاً وابـن
    أبـي السـاج فـي ألفيـن وأقامـوا يترامـون فـي العوتين‏.‏ ثم جمع ابـن
    كنـداج السفـن ليمـد الجسر للعبور فخالفهم ابن أبي الساج إلى الموصل ونزل
    بظاهرها فرحلوا في أتباعه فسار لقتالهم فانهزم إسحاق إلى الرقة وتبعه ابن
    أبي الساج‏.‏ وكتب إلى الموفق يستأذنه في عبور الفرات إلى الشام وأعمال
    خمارويه فأجابه بالتربص وانتظار المدد‏.‏ ولما إنهزم إسحاق سار إلى خمارويه
    وبعث معه العسكر ورجع فنزل على حد الفرات من أرض الشام وابن أبي الساج
    قبالته على حدود الرقة فعبرت طائفة من عسكر ابن كنداج لم يشعروا بهم
    وأوقعـوا بجمـع من عسكر ابن أبي الساج فلما رأى أن لا مانع لهم من العبور
    سار إلى الرقة إلى بغداد وقدم على الموفـق سنـة سـت وسبعيـن فأقـام عنـده
    إلـى أن ولـاه إذربيجـان فـي سنتـه واستولـى ابن كنداج على ديار ربيعة
    وديار مضر وأقام الخطبة فيها لخمارويه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عود طرسوس إلى أيالة خمارويه


    قد كنا قدمنا أن مازيار الخادم ثار بطرسوس سنة سبعين وحاصره أحمد بن
    طولون فامتنع عليـه فلمـا ولـي خمارويـه وفـرغ مـن شواغلـه أنفـذ إلى
    مازيار سنة سبع وسبعين ثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة مطرف
    واصطنعه فرجع إلى طاعته وخطب له بالثغور‏.‏ ثم دخل بالصائفة سنة ثمان
    وسبعين وحاصروا أسكند فأصابه منها حجر منجنيق رثه ورجع إلى طرسـوس فمـات
    بهـا‏.‏ وقـام بأمـر طرسـوس ابـن عجيـف‏.‏ وكتـب إلـى خمارويـه فأقـره على
    ولايتها ثم عزلـه‏.‏ وإستعمـل مكانـه محمـد ابـن عمـه موسـى بـن طولـون‏.‏
    وكان من خبره أن أباه موسى لما ملك أحمـد أخـوه مصـر تبسـط عليه بدلالة
    القرابة وذوي الأرحام فلم يحتمله له أحمد ورده عليه وكسر جاهه فانحرف موسى
    وسخط دولته‏.‏ ثـم خاطبه في بعض مجالسه بمالاً يحتمله السلطان فضربه ونفاه
    إلى طرسوس‏.‏ وبعث إليه بمال يتزوده فأبى من قبوله وسار إلى العراق ورجع
    إلى طرسوس فأقام بها إلى أن مات وترك ابنه محمـداً‏.‏ وولـاه خمارويـه وبعث
    إلى أميرهم راغب فأكرمه خمارويه وأنس به وطالت إقامته عنده وشاع بطرسوس أن
    خمارويه حبسه فاستعظم الناس ذلك وثاروا بأميرهم محمد بن موسـى وسجنـوه
    رهينـة فـي راغـب‏.‏ وبلغ الخبر إلى خمارويه فسرحه إلى طرسوس فلما وصلها
    أطلقوا أميرهـم محمد بن موسى وقد سخطهم فسار عنهم إلى بيت المقدس‏.‏ وعاد
    ابن عجيف إلى ولايته بدعوه خمارويه وغزا سنة ثمانين بالطائفـة ودخـل معـه
    بـدر الحمامـي فظفـروا وغنمـوا ورجعوا‏.‏ ثم دخل بالطائفة سنة إحدى وثمانين
    من طرسوس طغج بن جف الفرغاني من قبل خمارويه في عساكره طرابزون وفتح
    مكودية‏.‏ ولما ولي المعتضد الخلافة بعث إلى خمارويه خاطبًا قطر‏.‏ الندى
    ابنته وكانت أكمل نسـاء عصرها فـي الجمـال والـأداب‏.‏ وكـان متولـي
    خطبتهـا أمينـه الخصـي ابـن عبـد اللـه بـن الجصـاص فزوجـه خمارويه بها
    وبعثها مع ابن الجصاص وبعث معها من الهدايا ما لا يوصف‏.‏ وقدمت سنة تسع
    وسبعين فدخل بها وتمتع بجمالها وآدابها وتمكن سلطانه في مصر والشام
    والجزيرة إلى أن هلك‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل خمارويه وولاية ابنه جيش


    كـان خمارويـه قـد سـار سنـة اثنين وثمانين إلى دمشق فأقام بها أياماً
    وسعى إليه بعض أهل بيته بـأن جواريه يتخذون الخصيان يفترشوهن وأراد استعلام
    ذلك من بعضهن فكتب إلى نائبه بمصر أن يقرر بعضهن فلما وصله الكتاب قرر بعض
    الجواري وضربهن‏.‏ وخـاف الخصيـان ورجـع خمارويـه مـن الشـام وبـات فـي
    مخدعـه فأتاه بعضهم وذبحه على فراشه في ذي الحجة سنة إثنتين وثمانين‏.‏
    وهرب الذين تولوا ذلك فاجتمع القواد صبيحة ذلك اليوم وأجلسوا ابنه جيش بن
    خمارويه على كرسي سلطانه وأفيض العطاء فيهم وسيق الخدم الذين تولوا قتل
    خمارويه فقتل منهم نيف وعشرون‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل جيش بن خمارويه وولاية أخيه هارون


    ولما ولي جيش كان صبياً غراً فعكف على لذاته وقرب الأحداث والسفلـة
    وتنكـر لكبـار الدولـة وبسـط فيهم القول وصرح لهم بالوعيد فأجمعوا على
    خلعه‏.‏ وكان طغج ابن جف مولي أبيه من كبار الدولة وكان عاملاً لهم على
    دمشق فانتقض وخلع طاعته‏.‏ وسار آخرون من القواد إلى بغداد منهم إسحاق بن
    كنداج وخاقان المفلحي وبدر بن جف أبو طغج وقدموا على المعتضد فخلع عليهم
    وأقام سائر القواد بمصر على انتقاضهم وقتل قائداً منهم‏.‏ ثم وثبوا بجيش
    فقتلوه ونهبوا داره ونهبوا مصر وحرقوه وبايعوا لأخيه هارون وذلـك لتسعـة
    أشهـر مـن ولايته‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up فتنة طرسوس وانتفاضها


    وقد تقدم لنا أن راغباً مولي الموفق نزل طرسوس للجهاد فأقام بها ثم غلب
    عليها بعد ابن عجيف‏.‏ ولما ولي هارون بن خمارويه سنة ثلاث وثمانين ترك
    الدعاء له ودعا لبدر مولى المعتضد وقطع طرسوس والثغور من عمالة بني
    طولون‏.‏ ثم بعث هارون بن خمارويه إلى المعتضـد أن يقاطعـه علـى أعمالـه
    بمصر والشام بأربعمائة ألف وخمسين ألف دينار ويسلم قنسرين والعواصـم وهـي
    الثغـور لمعتضد فأجابه إلى ذلك‏.‏ وسار من آمد وكان قد ملكها من يد محمد بن
    أحمد بن الشيخ فاستخلف ابنه المكتفي عليها‏.‏ وسار سنة ست وثمانين فتسلم
    قنسرين والثغور من يد أصحاب هارون وجعلها مع الجزيرة في ولاية ابنه
    المكتفي‏.‏ ولمـا ولـي هـارون بعـد أخيـه جيـش علـى ما ولي عليه من اختلاف
    القواد وقوة أيديهم خشي أهل الدولـة مـن افتـراق الكلمـة ففوضـوا أمرهـا
    إلـى أبـي جعفـر بـن أبـان‏.‏ كان مقدماً عند أحمد وخمارويه فأصلح ما
    استطاع وبقي يرتق الفتق ويجبر الصدع‏.‏ ثم نظر إلى الجند الذيـن كانـوا
    خالفـوا بدمشـق مـع طغـج بـن جـف فبعـث إليهـم بـدراً الحمامـي والحسيـن
    بـن أحمد المارداني فأصلحا مورد الشام وأفردا طغج بن جف بولاية دمشق
    وإستعملا فـي سائـر الأعمـال ورجعـا إلـى مصـر والأمور مضطربة والقواد
    طوائف لا ينقاد منهم أحط إلى أن وقع ما نذكر‏.‏ زحف القرامطة إلى دمشق قد
    تقم لنا إبتداء أمر القرامطة وما كان منهم بالعراق والشام وأن ذكرويه بن
    مهداوية داعية القرامطة لما هزم بسواد الكوفة وأفنى أصحابه القتل لحق ببني
    القليص بن كلب بن وبرة في السماوة فبايعوه ولقبوه الشيخ وسموه يحيى وكنوه
    أبا القاسم‏.‏ وزعم أنه محمد بن عبد الله بن المكتـوم بـن إسماعيـل الإمـام
    فلقبوه المدثر وزعم أنه المشار إليه في القرآن‏.‏ ولقب غلاماً من أهله
    المطـوق‏.‏ وسـار مـن حمـص إلـى حمـاة ومعـرة النعمـان إلى بعلبك ثم إلى
    سلميه فقتل جميع من فيها حتى النساء والصبيان والبهائم‏.‏ ونهب سائر القرى
    من كل النواحي‏.‏ وعجز طغج بن جف وسائر جيشه وصاحبه هارون عن دفاعهم‏.‏
    وتوجه أهل الشام ومصر إلى المكتفي مستغيثيـن فسـار إلـى أهـل الشـام سنـة
    تسعيـن ومـر بالموصـل وقـدم بيـن يديه أبا الأغر من بني حمدان في عشرة آلاف
    رجل‏.‏ ونزل قريبًا من حلب وكبسه القرمطي صاحب الشامة فقتل منهم جماعة
    ونجا أبو الأغر إلـى حلـب فـي فـل مـن أصحابـه‏.‏ وحاصـره القرمطي ثم أفرج
    عنه وانتهى المكتفي إلى الرقة‏.‏ وبعث محمد بن سليمان الكاتـب فـي العساكـر
    ومعـه الحسين من بني حمدان وبنو شيبان فناهضه في المحرم سنة إحدى وتسعيـن
    علـى حمـاة وانهـزم القرامطـة‏.‏ وأخـذ صاحب الشامة أسيراً فبعث به إلى
    الرقة وبين يديه المدثر والمطوق وتقدم المكتفي إلى بغداد ولحقه محمد بن
    سليمان بهم فأمر المكتفي بضربهم وقطعهم وضرب أعناقهم وحسم دائهم حتى ظهر
    منهم من ظهر بالبحرين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء المكتفي علي الشام ومصر وقتل هارون وشيبان ابني خمارويه


    وانقراض دولة بني طولون ونبـدأ أولاً بخبـر محمد بن سليمان المتولي
    بتحويل دولة بني طولون كان أصله من ديار مضر من الرقة اصطنعه أحمد بن طولون
    وخدمه في مصر‏.‏ ثم تنكر له وعامله في جاهه وأقاربه بما أحفظه وخشي على
    نفسه فلحق ببغداد ولقي بها مبرة وتكرمة‏.‏ واستخدمه الخلفاء وجعلوه كاتبـاً
    للجيـش فمـا زال يغريهـم بملـك مصـر إلـى أن ولـي هـارون بـن خمارويـه
    وفشلـت دولـة بني طولون بالشـام‏.‏ وعـاث القرامطة في نواحيه وعجز هارون عن
    مدافعتهم ووصل صريخ أهل الشام إلى المكتفي فقام لدفع ضررهم عن المسلمين
    ودفع محمد بن سليمان لذلك وهو يومئذ من أعظم قـواده فسـار فـي العساكـر في
    مقدمته‏.‏ ثم أمره المكتفي بأتباع القرامطة وأقام بالرقة فسار حتى لقيهم
    وقاتلهم حتى هزمهم واستلحمهم ودفع عن الشام ضررهم ورجع بالقرمطـي صاحـب
    الشامـة وأصحابـه أسـرى إلى المكتفي بالرقه فرجع إلى بغداد وقتلهم هنالك
    وشفي نفسه ونفس المسلمين منهم‏.‏ وكان محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي
    عند وصوله إلى بغداد فأمره بالعود وبعث معه جماعه من القواد وأمده بالأموال
    وبعث دميانة غلام مازيار في الأسطول وأمـره بالمسيـر إلـى سواحل مصر ودخول
    نهر النيل والقطع عن أهل مصر ففعل وضيق عليهم‏.‏ وسار محمد بن سليمـان
    والعساكـر واستولـي على الشام وما وراءه فلما قارب مصر كاتب القواد
    يستميلهم فجاء إليه بدر الحمامي وكان رئيسهم فكسر ذلك من شوكتهم‏.‏ تتابع
    إليه‏.‏ الفواد مستأمنين فبرز هـارون لقتالهـم فيمـن معـه مـن العساكـر‏.‏
    وأقـام قبالتهـم واضطرب عسكره في بعض الأيام من فتنة وقعت بينهم‏.‏
    واقتتلوا فركب هارون ليسكنهم فأصابته حربة من بعض المغاربة كان فيها حتفه
    فقام عمه شيببـن بـن أحمـد بـن طولـون بعـده بالأمـر وبـذل الأموال للجند
    من غير حسبان ولا تقدير ثم أباح‏.‏ نهب ما بقي منه يصطنعهم بذلك فنهبوه في
    ساعة واحده وتشوف إلى جمع المال فعجز عنه واضطرب وفسد تدبيره وتسايل إلى
    محمد بن سليمان جنده وفاوض أعيان دولته في أمره فاتفقوا على الإستئمان إلى
    محمد بن سليمان فبعث إليه مستأمناً فسار إليه‏.‏ ثم تبعه قواده وأصحابـه
    فركب محمد إلى مصر واستولى عليها وقيد بني طولون حبسهم وكانوا سبعه عشر
    رجلاً‏.‏ وكتب بالفتح فأمره المكتفي بأشخاص بني طولون جميعاً من مصر والشام
    إلى بغـداد فبعـث بهـم‏.‏ ثـم أمـر بإحـراق القطائـع التـي بناها أحمد بن
    طولون على شرقي مصر وكانت ميلاً في ميل فأحرقت ونهب الفسطاط‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية عيسى النوشزي على مصر وثورة الخليجي


    ولما اعتزم محمد بن سليمان على الرجوع إلى بغداد وكان المكتفي قد ولاه
    على مصر فولي المكتفي عيسى بن محمد النواشـزي وقـدم فـي منتصـف سنـة
    إثنتيـن وتسعيـن‏.‏ ثـم ثـار بنواحـي مصـر إبراهيـم الخليجـي وكـان مـن
    قـواد بني طولون وتخلف عن محمد بن سليمان‏.‏ وكتب إلى المكتفي عيسى النوشزي
    بالخبر‏.‏ وكثرت جموع الخليجي وزحف إلى مصر فخرج النوشري هارباً إلى
    الإسكندريه وملك الخليجي مصر وبعث المكتفي العساكر مع فاتك مولي أبيه
    المعتضد وبدر الحمامـي وعلـى مقدمتهـم أحمد بن كيغلغ في جماعة من القواد
    ولقيهم الخليجي على العريش في صفـر سنـة ثلـاث وتسعيـن فهزمهم‏.‏ ثم
    تراجعوا وزحفوا إليه وكانت بينهم حروب فني فيها أكثر أصحابـه الخليجـي
    وانهـزم الباقون فظفر عسكر بغداد ونجا الخليجي إلى الفسطاط واختفى به‏.‏
    ودخل قواد المكتفي المدينة وأخذوا الخليجي وحبسوه‏.‏ وكـان المكتفـي عندمـا
    بلغتـه هزيمـة ابـن كيغلـغ وسار ابن كيغلغ في ربيع وبرز المكتفي منه
    ورائهم يسيـر إلـى مصـر فجـاءه كتـاب فاتك بالخبر والحبس الخليجي فكتب
    المكتفي بحمله ومن معه إلى بغداد‏.‏ وبرز من تكريت فبعث فاتك بهم وحبسوا
    ببغداد ورجع عيسى النوشري إلى مصر في منتصـف ثلـاث وتسعيـن فلـم يـزل
    وليـاً عليهـا إلـى أن توفـي فـي شعبـان سنـة سبـع وتسعيـن لخمـس سنين من
    ولايته وشهرين وقام بأمره ابنه محمد‏.‏ وولي المقتدر على مصر أبا منصور
    تكين الخزري فقدمها آخر شوال من سنة سبع وتسعين وأقام والياً عليها‏.‏
    واستفحلت دولة العلويين بالمغرب‏.‏ وجهز عبد الله المهدي العساكر مع ابنه
    أبي القاسم سنة إحـدى وثلاثمائـه فملـك برقـة فـي ذي الحجـه آخرهـا‏.‏ ثـم
    سـار إلـى مصر وملك الإسكندرية والفيوم وبلـغ الخبـر إلـى المقتـدر فقلـد
    ابنـه أبـا العباس مصر والمغرب وعمره يومئذ أربع سنين‏.‏ وهو الذي ولي
    الخلافة بعد ذلك ولقب الراضي ولما قلده مصر استخلف له عليها مؤنساً عليها
    الخادم وبعثه في العساكر إلى مصر وحاربهم فهزمهم ورجعوا إلى المغرب فأعاد
    عبيد الله العساكر سنـة أثنين مع قائده حامسة الكتامي‏.‏ وجاء في الأسطول
    فملك الإسكندرية وسار منها إلى مصر‏.‏ وجاء مؤنس الخادم في العساكر فقاتله
    وهزمه‏.‏ ثم كانت بينهم وقعات وانهزم أصحاب المهـدي آخراً في منتصف إثنتين
    وثلاثمائة وقتل منهم نحواً من سبعة آلاف ورجعوا إلى المغرب فقتل المهدي
    حامسة وعاد مؤنس إلى بغداد‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية ذكاء الأعور


    لـم يـزل تكيـن الخـزري واليـاً علـى مصـر استخلافـاً إلـى أن صـرف آخر
    إثنتين وثلاثمائة فولي المقتدر مكانه أبا الحسن ذكاء الأعور وقدم منتصف صفر
    من سنة ثلاث فلم يزل والياً عليها إلى أن توفي سبع لأربع سنين من
    ولايته‏.‏ ولاية تكين الخزري ثانية لمـا صـرف المقتـدر ذكاء ولي مكانه أبا
    منصور تكين الخزري ولاية ثانية فقدم في شعبان سنة سبع وكان عبيد الله
    المهير قد جهز العساكر مع ابنه أبي القاسم ووصل إلى الإسكندرية في ربيع من
    سنة سبع وملكها‏.‏ ثم سار إلى مصر وملك الجزيرة والأشمونين من الصعيد وما
    إليه وكتـب أهـل مكـة بطاعته‏.‏ وبعث المقتدر من بغداد مؤنساً الخادم في
    العساكر فواقع أبا القاسم عدة وقعات وجاء الأسطول من إفريقيا إلى
    الإسكندرية في ثمانين مركباً مدداً لأبي القاسم وعليـه سيمـان بـن الخـادم
    ويعقـوب الكتامـي فسـار إليهم في أسطول طرسوس في خمسة وعشرين مركباً وفيها
    النفط والممد وعليها أبو اليمن فالتقت العساكر في الأساطيل في مرسى رشيد‏.‏
    فظفـر أسطـول طرسوس بأسطول إفريقيا وأسر كثير منهم‏.‏ وقتل بعضهم وأطلق
    البعض‏.‏ وأسر سليمان الخادم فهلك في محبسه بمصر وأسر يعقوب الكتامي وحمل
    إلى بغداد فهرب منها إلى إفريقيا‏.‏ واتصل الحرب بين أبي القاسم ومؤنس وكان
    الظفر لمؤنس ووقع الغلاء والوباء في عسكر أبي القاسم ففني كثير منهم
    بالموت‏.‏ ووقع الموتان في الخيل فعاد العسكر إلى المغرب واتبعهم عساكر مصر
    حتى أبعدوا فرجعوا عنهم‏.‏ ووصل أبو القاسم إلى القيروان منتصف السنـة‏.‏
    ورجـع مؤنـس إلـى بغـداد وقـدم تكيـن إلـى مصـر كمـا مر ولم يزل والياً
    عليها إلى أن صرف في ربيع من سنة تسع‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية أحمد بن كيغلغ


    ولـاه المقتدر بعد هلال بن بدر فقدم في جمادى وصرف لخمسة أشهر من ولايته
    وأعيد تكين المـرة الثالثـة فقـدم فـي عاشوراء سنة ثلاث عشرة وأقام والياً
    عليها تسع سنين إلى أن توفي في منتصـف ربيـع الـأول سنـة إحـدى وعشريـن‏.‏
    وفـي أيامـه جـدد المقتدر عهد لأبنه أبي العباس على بلـاد المغـرب ومصر
    والشام واستخلف له مؤنساً وذلك سنة ثمان عشرة‏.‏ وقال ابن الأثير‏:‏ وفي
    سنة إحدى وعشرين توفي تكين الخزري بمصر فولي عليها مكانه ابنه محمد وبعث له
    القاهر بالخلع وثار به الجند فظفر بهم إنتهى‏.‏ ولاية أحمد بن كيغلغ
    الثانية ولـاه القاهـر في شوال سنة إحدى وعشرين بعد أن كان ولي محمد بن طغج
    وهو عامل دمشق وصرفه لشهر من ولايته قبل أن يتسلم العمل ورده إلى أحمد بن
    كيغلغ كما قلناه‏.‏ فقدم مصر فـي رجب سنة إثنتين وعشرين‏.‏ ثم عزل آخر
    رمضان من سنة ثلاث وعشرين وولي الراضي الخليفـة بأن يدعى على المنبر باسمه
    ويزاد في ألقابه الأخشيد فقام بولاية مصر أحسن قيام ثم إنتزع الشام من يده
    كما يذكر‏.‏ استيلاء ابن رائق على الشام من يد الأخشيد كـان محمد بن رائق
    أمير الأمراء ببغداد وقد مر ذكره‏.‏ ثم نازعه مولاه تحكم وولي مكانه سنة
    سـت وعشريـن‏.‏ وهـرب ابـن رائـق ثـم استتـر ببغـداد واستولـي عليهـا ورجـع
    الخليفـة مـن تكريت بعد أن كـان قـدم تحكـم‏.‏ ثـم كتـب إليـه واستـرده
    وقد عقد الصلح مع ناصر الدولة بن حمدان من قبل أن يسمـع بخبـر ابـن
    رائـق‏.‏ ثم عادوا جميعاً وراسلهم أبي رائق مع أبي جعفر محمد بن يحيى بن
    شيـرزاد فـي الصلـح فأجيـب وقلـده الراضـي طريـق الفرات وديار مصر التي هي
    حران والرها وما جاورهما وجند قنسرين والعواصم فسار إليها واستقر بها‏.‏
    ثـم طمحـت نفسـه سنـة ثمـان وعشرين إلى ملك الشام فسار إلى مدينة حمص
    فملكها وكان على دمشق بدر بن عبد الله مولى الأخشيد ويلقب بتدبير فملكها
    ابن رائق من يده وسار إلى الرملة يريد مصر‏.‏ وبرز الأخشيـد مـن مصـر
    فالتقـوا بالعريـش وأكمـن الأخشيـد ثـم إلتقيـا فانهـزم الأخشيـد أولاً
    وملـك أصحـاب ابـن رائـق سـواده ونزلـوا خيامهـم‏.‏ ثـم خرج عليهم كمين
    الأخشيد فانهزموا ونجا ابن رائق إلى دمشـق فـي فـل مـن أصحابـه فبعـث إليـه
    الأخشـد أبـا نصيـر بـن طغـج فـي العسكـر فبـرز إليهـم ابـن رائـق وهزمهـم
    وقتـل أبـو نصـر فـي المعركـة فبعـث ابـن رائـق شلـوه إلى مصر مع ابنه
    مزاحم بن محمد بن رائق وكتب إليه بالعزاء والإعتذار وأن مزاحمأ في فدائه
    فخلع عليه ورده إلى أبيه‏.‏ وتم الصلح بينهما على أن تكون الشام لإبن رائق
    ومصر للأخشيد والتخم بينهما للرملة‏.‏ وحمل الأخشيـد وبقـي في عمالة ابن
    رائق إلى أن قتل تحكم والبريدي‏.‏ وعاد ابن رائق من الشام إلى بغـداد
    فاستدعـاه المتقـي وصار أمير الأمراء بها فإسخلف على الشام أبا الحسن علي
    بن محمد بن مقاتل‏.‏ ولما وصل إلى بغداد قاتله كورتكين القائم بالدولة فظفر
    به وحبسه وقاتل عنه أصحابـه مـن الديلـم‏.‏ وزحـف إليهـم البريـدي مـن
    واسـط سنـة ثلاثيـن فانهزم المتقي وابن رائق وسار إلى الموصل‏.‏ وكان
    المتقي قد استنجد ناصر الدولة بن حمدان فبعث إليه أخاه سيف الدولة ولقيه
    المتقي بتكريت ورجع معه إلى الموصل وقتل ناصر الدولة بن محمد بن رائق ووالي
    إمارة الأمـراء للمتقـي‏.‏ فلمـا سمـع الأخشيـد بمقتـل ابـن رائـق سـار
    إلـى دمشـق ثـم استولـي يوسـف بعـد ذلك عليها سنة إثنتين وثلاثين‏.‏ وولي
    ناصر الدولة بن حمـدان فـي ربيـع سنـة إثنيـن وثلاثيـن علـى أعمـال ابـن
    رائـق كلهـا‏:‏ وهـي طريـق الفـرات وديار مصر وجند قنسرين والعواصم وحمص
    أبا بكر محمد علي بـن مقاتـل وأنفـده إليهـا مـن الموصـل فـي جماعـة مـن
    القـواد‏.‏ ثـم ولـي بعـده فـي رجـب ابـن عمـه أبـا عبد الله الحسين بن
    سعيد بن حمدان على تلك الأعمال وامتنع أهل الكوفة من طاعته فظفر بهم
    وملكهـا‏.‏ وسـار إلـى حلـب وكـان المتقـي قـد سار إلى الموصل سنة إحدى
    وثلاثين مغاضباً لأمير الأمراء تورون فأقام بالموصل عند بني حمدان‏.‏ ثم
    سار إلى الرقـة فأقـام بهـا وكتـب إلـى الأخشيد يشكو إليه ويستقدمه فأتاهما
    النصر‏.‏ ومر بحلب فخرج عنها الحسين بن سعيد بن حمـدان وتخلـف عنـه أبـو
    بكـر بـن مقاتـل للقاء الأخشيد فأكرمه واستعمله على خراج مصر‏.‏ وولي على
    حلب يأنس المؤنسي‏.‏ وسار الأخشيد من حلب إلى الرقة في محرم سنة ثلاث
    وثلاثين وأهدى له ولوزيره الحسين بن مقله وحاشيته وأشار عليه بالمسيـر إلـى
    مصـر والشـام ليقـوم بخدمته فأبى فخوفه من تورون وأن يلزم الرقة‏.‏ وكان
    قد أنفذ رسله إلى تورون في الصلح وجاؤوه بالإجابة فلم يعرج على شيء من
    إشارته‏.‏ وسار إلى بغداد وانصرف الأخشيد إلى مصر وكان سيف الدوله بالرقة
    معهم فسار إلى حلب وملكها ثم سار إلى حمص‏.‏ وبعث الأخشيـد عساكـره إليهـا
    مـع كافـور مولـاه فلقيهـم سيـف الدولـة إلـى قنسرين والتقيا هنالك
    وتحاربـا‏.‏ ثـم إفترقـا علـى منعـة وعاد الأخشيد إلى دمشق وسيف الدولة إلى
    حلب وذلك سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وسارت الروم إلى حلب وقاتلهم سيف الدولة
    فظفر بهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة الأخشيد وولاية ابنه أنوجور واستبداد كافور عليه


    واستيلاء سيف الدولة على دمشق ثم توفي الأخشيد أبو بكر بن طغج بدمشق سنة
    أربع وثلاثين وقيل خمس وولي مكانه أبو القاسم أنوجور وكان صغيراً فاستبد
    عليه كافور وسار من دمشق إلى مصر فخالفه سيف الدولـة فسـار إلـى حلـب وزخـف
    أنوجـور فـي العساكـر إليـه فعبر سيف الدولة إلى الجزيرة وحاصر أنوجور حلب
    أيامأ‏.‏ ثم وقع الصالح بينهما وعاد سيف الدولة إلى حلب وأنوجور إلى مصر
    ومضى كافور إلى دمشق وولي عليها بدرأ الأخشيدي المعروف بتدبير فرجع إلى مصر
    فأقام بدربها سنة ثم عزل عنها وولي أبو المظفر طغج وقبض على تدبير‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة أنوجور ووفاة أخيه علي واستبداد كافور عليه


    ثـم علت سن أبي القاسم أنوجور ورام الأستبداد بأمره وإزالة كافور فشعر
    به وقتله فيما قيل مسموماً سنة ونصب أخاه عليه للأمر في كفالته وتحت
    استبداده إلى أن هلك‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة علي بن الأخشيد وولاية كافور


    ثم توفي علي بن الأخشيد سنة خمس وخمسين‏.‏ فأعلن كافور بالإستبداد
    بالأمر دون بني الأخشيد وركب بالمظلة‏.‏ وكتب له المطيع بعهده على مصر
    والشام والحرمين وكناه العالي بالله فيم يقبل الكنية واستوزر أبا الفضل
    جعفر بن الفرات‏.‏ وكان من أعاظم الملوك جواداً ممدوحاً سيوساً كثير الخشية
    لله والخوف منه‏.‏ وكان يداري المعز صاحب المغرب ويهاديه وصاحب بغداد
    وصاحب اليمن وكان يجلس للمظالم في كل سبت إلى أن هلك‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة كافور وولاية أحمد بن علي بن الأخشيد


    ثم توفي كافور منتصف سبع وخمسين لعشره سنين وثلاثة أشهر من استبداده
    منها سنتان وأربعـه أشهـر مستقلاً من قبل المطيع وكان أسود شديد السواد
    واشتراه الأخشيد بثمانية عشر دينـاراً‏.‏ ولمـا هلـك إجتمـع أهـل الدولـة
    وولوا أحمد بن علي بن الأخشيد وكنيته أبو الفوارس وقام بتدبير أمره الحسن
    بن عمه عبد الله بن طغج وعلى العساكر شمول مولي جده وعلى الأموال جعفر بن
    الفضل واستوزر كاتبه جابر الرياحـي‏.‏ ثـم أطلـق ابـن الفـرات بشفاعـة ابـن
    مسلـم مسير جوهر إلى مصر وانقراض دولة بني طغج ولمـا فرغ المعز لدين الله
    من شواغل المغرب بعث قائده جوهر الصقلي الكاتب إلى مصر وجهزه في العساكر
    وأزاح عللها‏.‏ وسار جوهر من القيروان إلى مصر ومر ببرقة وبها أفلح مولي
    المعز فلقيه وترجل له فملك الإسكندرية ثم الجيزة‏.‏ ثم أجاز إلى مصر
    وحاصرها وبها أحمد بن علـي بـن الأخشيـد وأهـل دولتـه‏.‏ ثـم إفتتحهـا سنـة
    ثمـان وخمسيـن وقتـل أبـا الفـوارس وبعث بضائعهم وأموالهم إلى القيروان
    صحبة الوفد من مشيخة مصر وقضاتها وعلمائها‏.‏ وانقرضت دولة بني طغـج وأذن
    سنـة تسـع وخمسيـن فـي جامـع ابـن طولـون بحـي علـي خيـر العمـل‏.‏ وتحولـت
    الدعـوة بمصر للعلويـة واختـط جوهـر مدينـة القاهـرة في موضع العسكر وسير
    جعفر بن فلاح الكتامي إلى الشام فغلب القرامطة عليه كما تقدم ذلك في
    أخبارهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني مروان بديار بكر بعد بني حمدان


    ومباديء أمورهم وتصاريف أحوالهم كـان حـق هذه الدولة أن نصل ذكرها بدولة
    بني حمدان كما فعلنا في دولة بني المقلد بالموصل وبنـي صالح بن مرداس بحلب
    لأن هذه الدول الثلاث إنما نشأت وتفرعت عن دولتهم إلا أن بني مروان هؤلاء
    ليسوا من العرب وإنما هم من الأكراد فأخرنا دولتهم حتى ننسقها مع العجم‏.‏
    ثم أخرناها عن دولة بني طولـون لـأن دولـة بنـي طولـون متقدمـة عنهـا فـي
    الزمـن بكثيـر‏.‏ فلنشـرع الـآن فـي الخبـر عـن دولـة بنـي مـروان‏.‏ وقـد
    كـان تقـدم لنـا خبـر بـاد الكـردي وإسمـه الحسيـن بـن دوشك وكنيته أبو
    شجاع وإنه خال أبي علي بن مروان الكردي وأنه تغلب على الموصل وعلى ديار بكر
    ونـازع فيهـا الديلـم‏.‏ ثـم غلبـوه عليهـا وأقـام بجبـال الأكـراد‏.‏ ثـم
    مات عضد الدولة شرف الدولة‏.‏ ثم جـاء أبـو طاهـر إبراهيـم وأبـو عبـد
    اللـه الحسن إلى الموصل فملكاها ثم حدثت الفتنة بينهما وبين الديلم وطمع
    باد في ملك الموصل وهو بديار بكر فسار إلى الموصل فغلبه ابنا ناصر الدولة
    وقتـل فـي المعركـة وقـد مـر الخبـر عـن ذلك كله‏.‏ فلما قتل خلص ابن أخته
    أبو علي بن مروان من المعركة ولحق بحصن كيفا وبه أهل باد وذخيرته وهو من
    أمنع المعاقل فتحيل في دخوله بأن خالـه أرسلـه واستولـي عليـه وتـزوج
    امـرأة خالـه‏.‏ ثم سار في ديار بكر فملك جميع ما كان لخاله بـاد‏.‏ وزحـف
    إليـه ابنـا حمدان وهو يحاصر ميافارقين فهزمهما‏.‏ ثم رجعا إليه وهو يحاصر
    آمد فهزمهمـا ثانيـاً وانقـرض أمرهمـا مـن الموصـل وملـك أبـو علـي بـن
    مـروان ديـار بكر وضبطها وإستطـال عليـه أهـل ميافارقيـن وكـان شيخهـا أبـو
    الأصغـر فتركهـم يـوم العيـد حتى أصحروا وكبسهم بالصحـراء وأخـذ أبـا
    الأصغـر فألقـاه مـن السـور ونهـب الأكـراد عامـة البلـد وأغلـق أبـو علـي
    الأبواب دونهم ومنعهم من الدخول فذهبوا كل مذهب وذلك كله سنة ثمانين
    وثلاثمائة‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:09 am

    تغلب علي بن دبيس على الحلة وملكه إياها من أخيه محمد


    ثم خرج على السلطان مسعود سنة ست وأربعين بوزاية صاحب فارس وخوزستان
    وبايع للسطان محمد ابن السلطان محمود وسار معهم عباس صاحب الري وملكوا
    كثيراً من البلاد فسار السلطان مسعود إليهم من بغداد واستخلف بها الأمير
    مهلهل بن أبـي العسكـر ونظـر الخادم وأشار مهلهل على السلطان مسعود عند
    رحيله من بغداد أن يحبس علي بن دبيس بقلعة تكريـت‏.‏ ونمـي إليـه الخبـر
    فهـرب فـي نفـر قليـل ومضـي إلـى بنـي أسـد فجمعهـم فسـار إلـى الحلـة فبرز
    إليه محمداً أخوه فهزمه علي وملك الحلة وإستهان السلطان أمره أولاً
    فاستفحل وضم إليه جمعاً من غلمانه وغلمان أبيه وأهل بيته وعساكرهم وكثر
    جمعهم فسار إليه مهلهل فيمن معه في بغداد من العسكر وضربوا عليه مصافاً
    وكسرهم وعادوا منهزمين إلى بغداد‏.‏ وكان أهلها يتعصبون لعلي بن دبيس
    فكانوا يعيطون إذا ركب مهلهل أو بعض أصحابه يا علي كله فكثر ذلك منهم بحيث
    إمتنع مهلهل من الركوب ويد علي فوق كل يد في أوضـاع الأمـراء بالحلـة وتصرف
    فيها‏.‏ وصار شحنه بغداد ومن فيها على وجل منه ووضع الخليفة الحامية على
    الأسوار وأرسل إلى علي يحضه على الإستقامة فأجاب بالآمال والطاعة فسكن
    الناس‏.‏ أخذ السلطان الحلة من يد علي وعوده إليها كـان علـي بن دبيس كثير
    العسف بالرعية والظلم لهم وإرتفعت شكوى الرعية به إلى السلطان مسعود سنة
    إثنتين وأربعين فأشكاهم وأقطع الحلة سلاركرد فسار إليها من همذان‏.‏ وجمع
    عسكراً من بغداد وقصد الحلة وإحتاط على أهل علي وأقام بالحلة في مماليكه
    وأصحابه‏.‏ ورجعـت عنـه العساكـر ولحـق علـي بـن دبيـس بالتقشكنجـر وكـان
    فـي إقطاعـه باللحـف متجنياً على السلطـان مسعـود فإستنجـده علـي فأنجـده
    وسـار معـه إلـى واسـط وسـار معهمـا الطرنطـاي صاحـب واسـط فانتزعـوا
    الحلـة مـن سلاركـرد ورجـع إلـى بغـداد آخـر إثنتيـن وأربعيـن وإستولى علي
    على الحلة‏.‏ نكبة علي بن دبيس ثم إنتقض علي السلطان مسعود سنة أربع
    وأربعيـن جماعـة مـن الأمـراء‏:‏ منهـم التقشكنجـر الطرنطاي وعلي بن دبيـس
    وبايعـوا ملـك شـاه ابـن السلطـان محمـود وسـاروا بـه إلـى العـراق وراسلوا
    المقتفي في الخطبة له فامتنع وجمع العساكر وحصن بغداد‏.‏ وأرسل إلى
    السلطان مسعود بالخبـر فشغـل عنهـم بلقـاء عمـه السلطـان سنجـر كـان سـار
    إليـه بالـري‏.‏ ولمـا علـم التقشكنجـر بذلـك نهـب النهـروان وقبـض علـى
    علي بن دبيس وهرب الطرنطاي إلى النعمانية‏.‏ ثم وصـل السلطان مسعود إلى
    بغداد فرحل التقشكنجر من النهروان وأطلق علي بن دبيس فسار إلى السلطان
    مسعود فلقيه ببغداد وإستعطفه فرضي عنه‏.‏ ثـم توفـي علـي بـن دبيـس صاحـب
    الحلـة عليلاً بسعد إباد وإتهم طبيبه محمد بن صالح بالإدهان فيـه فمـات
    بعـده بقليـل‏.‏ ثم مات السلطان مسعود آخر ملوك السلجوقية الأعاظم وبويع
    ملك شاه ابـن أخيـه محمـود بعهـده‏.‏ وإستبـد المقتفـي على ملوك السلجوقية
    بعده‏.‏ وبعث السلطان ملك شاه سلاركـرد إلـى الحلة فملكها ولحق به مسعود
    بلاك شحنة بغداد هرب منها عند موت السلطان مسعود وأظهر لسلاركرد الوفاق‏.‏
    ثم قبض عليه وغرقه وإستبد بالحلة وبعث المقتفـي إليـه العساكر مع الوزير
    عون الدين بن هبيرة فبرز مسعود بلاك للقائهم فانهزم وعاد إلى الحلة فمنعه
    أهلها من الدخول فسار إلى تكريت وملك ابن هبيرة الحلة وبعث العساكر إلى
    الكوفة وواسط فملكوهـا‏.‏ ثـم جاءت عساكر السلطان ملك شاه إلى واسط وخرجت
    منها عساكر المقتفي إلى واسط فملكها ثم إلى الحلة كذلك‏.‏ ثم عاد إلى بغداد
    آخر ذي القعدة سنة سبع وأربعين‏.‏ ثم قبض الأمراء على مالك شاه سنة ثمان
    وأربعين وبايعوا لأخيه محمد وطلب الخطبة من المقتفـي فمنـع منهـا فسـار
    السلطان محمد بن محمود إلى العراق سنة إحدى وخمسين‏.‏ وإضطرب النـاس ببغداد
    وإهتم المقتفي بالإحتشاد وجاءته عساكر واسط‏.‏ وبعث السلطان مهلهل بن أبي
    العسكر إلى الحلة فملكها وحاصر السلطان محمد بغداد سنة إثنتين وخمسين
    وإمتنعت عليه فرجع وتوفي المقتفي سنة خمس وخمسين وبويع ابنه المستنجد
    وإستبد بأمره كما كان أبوه‏.‏ ومنـع خطبـة السلجوقيـة مـن بغـداد وكـان في
    نفسه شيء من بني أسد لإجلابهم على بغداد مع مهلهل بن أبي العسكر أيام حصار
    السلطان محمد لها فأمر بردن بن قماج بقتالهم وإجلائهم وكانـوا منتشرين في
    البطائح ولا يقدر عليهم وجمع عساكره وبعث عن ابن معروف مقدم المنتفق من أرض
    البصرة فجاءه في جمع كبير وحاصرهم حتى إنحسر الماء عنهم‏.‏ وأبطأ أمرهم
    على المستنجـد فبعـث إلـى بـردن يعاتبه وينسبه إلى موافقتهم في التشيع فجهد
    هو وابن معروف في قتالهم وسد مسالكهم في الماء وإستسلموا فقتل منهم أربعة
    آلاف ونودي عليهم بالجلاء من الحلة فافترقوا في البلاد ولم يبق منهم
    بالعراق من يعرف وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى ابن معروف والمتقي وإنقرضت دولة
    بني مزيد والبقاء لله‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية


    الخبر عن ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية في ممالك الإسلام
    والمستبدين على الخلفاء ونبدأ منهم أولاً بدولة أبن طولون بمصر وبداية
    أمرهم ومصائر أحوالهم قد تقدم لنا عند ذكر الفتوحات فتح مصر على يد عمرو بن
    العاص سنة عشرين من الهجرة فـي خلافـة عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنـه
    بإذنـه وولـاه عليها وأفتتح ما وراءها في المغرب إلى طرابلس وودان وغذامس
    حسبماً ذلك مذكور هنالك‏.‏ وأقام عمرو في ولايتها أيام عمر كلها‏.‏ وولي
    عثمان على الصعيد عبد الله بن أبي سرح وأفردها بالولاية وكان يعدو على عمرو
    فغضب عمرو وأبى من الرجوع إلى ولاية مصر فضمها عثمان لعبد الله بن أبي سرح
    وولاه عليهـا‏.‏ وكانـت فـي أيامـه غزوة الصوارى و جائت مراكب الروم من
    القسطنطينية في ألف مركب ونزلوا بسواحـل الإسكندريـة‏.‏ وإنتقـض أهـل
    القـرى ورغـب أهـل الإسكندريـة مـن عثمـان أن يمدهم بعمرو بن العاص فبعثه
    وزحف إليهم في العرب ومعه المقوقس في القبط وخرجوا من البحر ومعهم من إنتقض
    من أهل القرى ففتح الله على المسلمين وهزموا الروم إلى الإسكندرية‏.‏
    وأمضى عمرو في قتلهم ورد على أهل القرى ما غنم المسلمون منهم وعذرهم
    بالإكراه ورجع إلـى المدينـة‏.‏ وأقـام عبـد اللـه فـي ولايتهـم وغـزا
    إفريقيـة وإفتتحها‏.‏ ثم غزا بلد النوبة ووضع عليهم الجزية المعروفة
    الباقية على الأيام وذلك سنة إحدى وثلاثين‏.‏ وثم كان من بعد ذلك يبعث
    معاويـة بـن خديـج فيفتـح ويثخـن إلـى أن إستملـك فتـح إفريقيـة‏.‏ ووفـد
    علـى عثمـان آخر أيامه عندما اهتاجـت الفتنـة وكثـر الطعن عليه من جماعة
    جند مصر يتعللون بالشكوى من ابن أبي سرح مع وفـد مـن الجنـد شاكيـن مـن
    عمالهـم بالأمصـار‏.‏ وعزلـه عثمان يسترضيهم به فكانت قضية الكتاب المنسوب
    إلى مروان وحصارهم عثمان بداره‏.‏ وخـرج عبـد اللـه مـن مصـر مـدداً
    لعثمـان فخالفـه محمـد بـن أبـي حذيفة بن عتبة بن ربيعة إلى مصر وإنتزى
    بها‏.‏ ورجع عبد الله من طريقه فمنعه الدخول فسار إلى عسقلان وأقام بها حتى
    قتل عثمـان‏.‏ ثـم سـار إلـى الرملـة وكانـت مـن مهماتـه فأقـام بهـا هربا
    من الفتنة حتى مات ولم يبايع علياً ولا معاويـة‏.‏ ثـم قتـل عمـرو بـن
    العـاص محمـد بـن أبـي حذيفـة وفـي كيفيـة قتلـه إيـاه اضطـراب‏.‏ ثـم ولي
    علـي علـى مصـر قيس بن سعد بن عبادة وكان ناصحاً له شديدأ على عدوه
    وإستماله معاوية فـي الـرد عليـه‏.‏ وأشـاع معاويـة خلـاف ذلـك عنـه فعزلـه
    علـي من أجل ذلك وولي بعد ذلك الأشتر النخعـي وإسمـه مالـك بـن الحـارث
    بـن يغـوث بـن سلمـة بـن ربيعة بن الحارث بن خزيمة بن سعد بن مالـك بـن
    النخـع‏.‏ وسـار إليها فمات بالقلزم قريبأ منها سنة سبع وثلاثين فولي علي
    مكانه محمد بن أبي بكر وكان نشأ في حجره‏.‏ ثم بعث معاوية إلى عمـرو بـن
    العـاص وهـو بفلسطيـن قـد إعتـزل النـاس بعـد مقتـل عثمـان وإستماله وإجتمع
    معه على قتال علي وولاه مصر فسار إليها بعد إنقضاء أمر صفين وأمر
    الحكمين‏.‏ وطلب معاوية الخلافة وقد اضطرب الأمر على محمد ابن أبي بكر وخرج
    عليه معاوية بن خديـج السكونـي مـع جماعـة مـن العثمانيـة بنواحـي مصـر
    فكاتـب عمـرو العثمانيـة وسرح الكتائب إلى مصر وفي مقدمتها معاوية بن خديج
    فهزموا عساكر محمد وإفترق عنه أصحابه وقتل كما هو معروف في أخباره ودخل
    عمرو بن العاص الفسطاط وملك مصر إلى سنـة ثلـاث وأربعيـن فتوفـي وملـك
    مكانـه ابنـه عبـد الله‏.‏ ثم عزله معاوية وولي أخاه عتبة بن أبي سفيـان
    وتوفي سنة أربـع وأربعيـن وولـي مكانـه عقبـة بـن عامـر الجهنـي ثـم عزله
    سنة سبع وأربعين وولي مكانه معاوية بن خديج‏.‏ ثـم إقتطـع عنـه إفريقية سنة
    خمسين وولي عليها عقبة بن نافع ثم جمع مصر وإفريقية لمسلمة بن مخلـد
    الأنصـاري فبعـث مسلمـة على إفريقية مولاه أبا المهاجر وأساء عزل عقبة كما
    هو معروف‏.‏ ثـم مـات معاويـة وولـي ابنـه يزيـد وإضطربـت الأمـور وبويع
    عبد الله بن الزبير بمكة وإنتشرت دعوته في الممالك الإسلامية فبعث على مصر
    عبد الرحمن بن جحدم القرشي وهو عبد الرحمن بن عقبة بن أياس بن الحارث بن
    عبد بن أسد بن جحدم الفهري ثم بويع مروان وإنتقض ابن الزبير وسار مروان إلى
    مصر فأخرج منها عبد الرحمن بن جحدم وولي عليها عمر بن سعيد الأشدق ثم بعثه
    للقاء مصعب بالشام وولي مكانه على مصر ابنه عبد العزيز بن مروان‏.‏ ثم
    هلـك سنـة خمـس وكـان مـروان قـد مات فولي مكانه ابنه عبد الله بن عبد
    الملك ثم عزله الوليد سنة تسع وثمانين وولي عليها مرة بن شريك بن مرثد بن
    الحارث العبسي ومات سنة خمس وتسعيـن فولـي الوليـد مكانـه عبـد اللـه بـن
    رفاعـة سنـة تسـع وتسعيـن وكـان قـد إستخلفـه عنـد موته‏.‏ ويقال بل ولي
    قبله أسامة بن زيد التنوخي‏.‏ ثم عزل عمر بن عبد العزيز عبد الملك بن رفاعة
    سنة تسع وتسعين وولي مكانه أيوب بن شرحبيـل بـن أكـرم بـن أبرهـة بـن
    الصبـاح الأصبحـي‏.‏ ثـم عزلـه يزيـد بـن عبـد الملـك وولي مكانه بشد بن
    صفوان وأقره يزيد ثم عزله هشام بن عبد الملك وولي عبد الملك ابن رفاعة
    وتوفي بعد خمس عشرة ليلة وإستخلف أخاه الوليد بن رفاعة‏.‏ وأقره هشام فأقام
    سبعة أشهر ثم عزله وولـي حنظلـة بـن صفـوان فـي المحرم سنة أربع وعشرين
    وأقره هشام ثم إستعفى مروان بن محمد حين ولـي فأعفـاه وولـي مكانـه حسـان
    بـن عتامـة بـن عبـد الرحمـن السجينـي وكـان بالشـام فإستخلـف حميـر بن
    نعيم الحصري بمصر‏.‏ ثم قدم ورفض ولايتها فولي مكانه حفص بن الوليد لستة
    عشر يوماً عن ولايته‏.‏ وبقي حفص شهرين ثم ولي مروان الحوثرة بن سهل بن
    العجلان الباهلي في محـرم سنـة ثمـان وعشريـن‏.‏ ثـم صـرف عنهـا فـي رجـب
    سنـة إحـدى وثلاثيـن وولـي المغيـرة بن عبد الله بن مسعود الفزاري‏.‏ ثم
    مات في جمادي سنة ست وثلاثين وإستخلف ابنه الوليد‏.‏ وولي مروان بن عبد
    الملك موسـى بـن نصيـر فأمـر بإتخـاذ المنابـر فـي الكـور وإنمـا كانـوا
    يخطبـون علـى العصـي‏.‏ ثـم قـدم مروان بن محمـد إلـى مصـر وكـان فيهـا
    مهلكـه كمـا هـو معـروف‏.‏ ثـم جـاءت الدولة العباسية فولي السفاح على مصـر
    عمـه صالـح بـن علـي سنـة أربـع وثلاثيـن ومائـة وبقيـت في ولايته يستخلف
    عليها فاستخلف أولاً محصـن بـن فانـي الكنـدي ثمانيـة أشهـر ثـم أبا عون
    عبد الملك بن يزيد مولى مناه ثمانية أشهر‏.‏ وولـي داود بـن يزيـد بـن
    حاتـم بـن قبيصـة محـرم سنـة أربـع وسبعين‏.‏ ثم عزله في محرم سنة خمس
    وسبعيـن لسنـة مـن ولايتـه وأعـاد إليهـا موسـى بـن عيسـى‏.‏ ثـم صرفـه فـي
    ربيع سنة ست وسبعين وولـي ابـن عمـه إبراهيـم بـن صالـح وتوفـي لثلاثـة
    أشهـر مـن ولايتـه وقام بالأمر بعده ابنه صالح فولي الرشيد عبد الله بن
    المسيب بن زهير الضبي في رمضان سنة ست وسبعين‏.‏ ثـم عزلـه بعـد الحـول
    وولـي هرثمـة بـن أعيـن ثـم أمـره بالمسيـر إلى إفريقية لثلاثة أشهر من
    ولايته سلخ ثمان وسبعين وولـي أخـاه عبيـد اللـه بـن المسيـب‏.‏ ثـم أعـاد
    موسـى بـن عيسـى فـي رمضـان سنـة تسـع وسبعين فاستخلـف ابنـه يحيـى‏.‏ ثـم
    صـرف موسـى فـي منتصـف سنـة ثمانيـن لعشـرة أشهـر مـن ولايتـه وأعيد عبيد
    الله بـن المهـدي‏.‏ ثـم صرفـه فـي رمضـان سنـة إحـدى وثمانيـن وأعيـد
    إسماعيـل بـن صالـح بن علي من العمومة فاستخلف ثم صرف في منتصف إثنتين
    وثمانين وأعيد لعشرة أشهر من ولايته‏.‏ وولي الليث بن الفضل من أهل أسبورد
    فوليها أربع سنين ونصفأ وعزل‏.‏ ثـم ولـي الرشيـد مـن قرابتـه أحمـد بـن
    إسماعيل بن علي منتصف سبع وثمانين فبقي عليها سنتين وشهرين‏.‏ ثم ولي مكانه
    عبد الله بن محمد بن الإمام إبراهيم بن محص ويعرف بابن زينب وصرفـه عنهـا
    آخـر شعبـان مـن سنـة تسعيـن لسنـة وشهريـن مـن ولايتـه وولـي حاتـم بـن
    هرثمـة بن أعين فقدم في شـوال سنـة أربـع وتسعيـن ثـم صرفـه الأميـر منتصـف
    خمـس وتسعيـن لسنـة وثلاثـة أشهـر مـن ولايتـه وولـي جابـر بـن الأشعث بن
    يحيى النعمان الطائي منتصف خمس وتسعين فأخرجه الجند منهـا سنـة سـت وتسعيـن
    لسنـة مـن ولايتـه‏.‏ ثـم ولـي المأمـون عليهـا عباد بن محمد بن حيان
    البلخي مولـي كنـدة ويكنـى أبـا نصـر‏.‏ ثـم عزلـه لسنـة ونصـف مـن ولايتـه
    في صفر سنة ثمان وتسعين وولي المطلـب عبـد اللـه بـن مالـك بـن الهيثـم
    الخزاعـي وقدمهـا مـن مكـة فـي منتصـف ربيـع الـأول‏.‏ ثـم صرفـه فـي شـوال
    لثمانيـة أشهـر مـن ولايتـه وولـي مـن عمومتـه العبـاس بـن موسـى بـن
    عيسـى فبعـث عليهـا ابنـه عبد الله ومعه الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي
    الله تعالى عنه فأقام عليها شهريـن ونصف فقتله الجند يوم النحر سنة ثمان
    وتسعين وولوا عليهم المطلب بن عبد الله‏.‏ ثم جرت بينه وبين السدي وبين
    الحكم بن يوسف مولي بني ضبة من أهل بلخ من قوم يقال لهم الزط وجـرت بينـه
    وبيـن أهـل المطلـب حـروب وخـرج هاربـاً إلـى مكـة بعـد سنة وثمانية أشهر
    من ولايتها‏.‏ ووليها السري بإجماع الجند في رمضان سنة مائتين ثم وثب به
    الجند بعد ستة أشهر وولوا سليمان بن غالب بن جبريل بن يحيى بن قرة العجلي
    في ربيع الأول سنة إحدى عشرة‏.‏ وولـي عبـد اللـه بن طاهر بن الحسين مولي
    خزاعة فأقام عشرة‏.‏ ثم ولي المأمون عليها أخاه أبا إسحـاق الملقـب فـي
    خلافتـه بالمعتصـم فأقـر عبسـى الجلـودي وبعده عمير الوليد التميمي في صفر
    سنة أربع عشرة‏.‏ ثم قتل بعد شهرين واستخلف ابنه محمد بن عمير شهراً ثم
    أعاد عيسى الجلودي‏.‏ ثم جاء أبو إسحاق المعتصم إلى الفسطاط إلى الشام
    واستخلف عبدويه بن جبلة فـي المحـرم فاتـح خمس عشرة فأقام سنة وولي عيسى ين
    منصور بن موسى الخراساني الرافعي مولي بني نصر بن معاوية‏.‏ ثم قدم
    المأمون مصر لسنة من ولايته فسخط على عيسى بن منصور وعمر المقياس وجسراً
    آخر بالفسطاط وولي كندر بن عبـد اللـه بـن نصـر الصفـدي ويكنـى أبـا مالـك
    ورجـع إلـى العراق‏.‏ ومات كندر في ربيع سنة تسع عشرة ومائتين واستخلف ابنه
    المظفر‏.‏ ولما صارت الخلافة للمعتصم ولي على مصر مولاه أشناس ويكنى أبا
    جعفر في رجب سنة ثمان عشرة فاستخلـف عليهـا موسـى بـن أبـي العبـاس ثابـت
    مـن بنـي حنيفة من أهل الشاش في رمضان سنة تسـع عشـرة ومائتيـن واستخلـف
    ابنـه المظفـر فأقـام مستخلفًـا لأشنـاس أربـع سنيـن ونصف‏.‏ ثم عزله بعـد
    سنتيـن واستخلـف مالـك بـن كيـد بـن عبـد اللـه الصفـدي فقدم في ربيع سنة
    أربع وعشرين‏.‏ ثـم عزلـه بعـد سنتيـن واستخلـف علـي بـن يحيـى الأرمنـي
    وقـدم فـي ربيـع سنـة سـت وعشرين‏.‏ ثم عزلـه بعـد سنتيـن وثمانية أشهر
    واستخلف عيسى بن منصور الذي كان مستخلفًا للمعتصم أيام المأمون وسخطه
    المأمون عند قدومه مصر فقدم عيسى في محرم سنة تسع وعشرين‏.‏ ثـم مـات أشناس
    بعد الثلاثين وقد استخلف على مصر إيتاخ مولى المعتصم وأقيم إيتاخ مكان
    أشنـاس فأقـر الواثـق أتيـاخ علـى مصـر فأقـر إيتاخ عيسى بن منصور في ربيع
    سنة ست وثلاثين فبقـي أربعـة أشهـر‏.‏ ثـم استخلـف إيتـاخ هرثمـة بـن
    النضـر الجبلـي فقـدم منتصف سنة ثلاث وثلاثين وأقـام سنـة ثـم مـات سنـة
    أربـع وثلاثين‏.‏ وقام بأمره ابنه حاتم رضي الله تعالى عنه فاستخلف إيتـاخ
    علـي بـن يحيـى الأرمنـي فـي رمضـان سنـة أربـع وثلاثيـن‏.‏ ثـم صـرف
    إيتـاخ عـن ولايـة مصـر في محرم سنة خمس وثلاثين بعد وفاة المعتصم‏.‏ وولي
    المتوكل على مصر ابنه المستنصر فاستخلف عليها إسحاق بن يحيى بن معاذ
    الختلي وقدم في ذي القعدة من سنتـه‏.‏ وفـي أيامـه أخـرج ولـد علـي مـن
    مصـر إلـى العـراق‏.‏ ثـم صـرف فـي ذي القعـدة مـن سنـة ست وثلاثين واستخلف
    المستنصر عليها عبد الرحمن بن يحيى بن منصور بن طلحـة وريـق وهـو ابـن عـم
    طاهـر بـن الحسيـن وقـدم فـي ذي القعـدة سنة ست وثلاثين‏.‏ ثم صرفه
    واستخلف عنبسة بن إسحاق بـن عبـس بـن عبسـة مـن أهـل هـراة‏.‏ ويكنـى أبـا
    حاتـم فـي صفـر سنـة ثمان وثلاثين‏.‏ وفي ولايته كبس الروم دمياط يوم عرفة
    من سنة ثمان وثلاثين‏.‏ واستخلـف يزيـد بـن عبـد اللـه بـن دينار من
    مواليهم ويكنى أبا خالد‏.‏ وفي أيامه منع العلويون من ركـوب الخيـل
    واقتنـاء العبيـد‏.‏ ثـم ولـي المستنصـر الخلافـة في شوال سنة سبع وأربعين
    فأقر يزيد على ولاية مصر‏.‏ ثم صرف عنها في ربيـع سنـة ثلـاث وخمسيـن لعشـر
    سنيـن مـن ولايتـه‏.‏ وولـي المعتـز مكانه مزاحم بـن خاقـان بـن عزطـوج
    التركـي فـي ربيـع سنـة أربـع وخمسيـن وعهـد إلـى أزجـور بـن أولـغ طرخـان
    التركي فأقام خمسة أشهر وخر حاجًا في رمضان سنة أربع وخمسين وولي أحمد بن
    طولون وإستفحل بها أمره وكانت له ولبنيه بها دولة كما نذكر الآن أخبارها‏.‏




    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة أحمد بن طولون بمصر وبنيه ومواليه بني طغج


    وإبتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم قـال ابـن سعيـد ونقلـه مـن كتـاب ابـن
    الدايـة في أخبار بني طولون كان طولون أبو أحمد من الطغز غزوهـم التتـر‏.‏
    حملـه نـوح بـن أسـد عامـل بخـارى إلـى المأمـون فـي وظيفتـه مـن المـال
    والرقيـق والبراذين‏.‏ وولـد لـه أحمـد سنـة عشريـن ومائتيني من جارية
    إسمها ناسم وتوفي طولون سنة أربعين ومائتين وكفله رفقاء أبيه بدار الملك
    حتى ثبتت مرتبته وتصرف في خدمة السلطان وإنتشر له ذكر عند الأولياء فاق به
    على أهل طبقته‏.‏ وشاع بين الترك صونه ودينه وأمانته على الأسرار والأموال
    والفروج‏.‏ وكان يستصغر عقول الأتراك ويرى أنهم ليسـوا بأهـل للرتـب‏.‏
    وكـان يحـب الجهاد‏.‏ وطلب من حمد بن أحمد بن خاقان أن يسأل من عبـد اللـه
    الوزيـر أن يكتـب لهمـا بأرزاقهما إلى الثغر ويقيما هنالك مجاهدين‏.‏ وسار
    إلى طرسوس وأعجبه ما عليه أهل الحق من تغيير المنكر وأقامة الحق فأنس وعكف
    على طلب الحديث‏.‏ ثم رجع إلى بغداد وقد امتـلأ علمـاً ودينـاً وسياسـة‏.‏
    ولمـا تنكر الأتراك للمستعين وبايعوا المعتز وآل أمر المستعين إلى الخلع
    والتغريب إلى واسط وكلوا بـه أحمـد بـن محمـد الواسطـي يومـه‏.‏ وكـان حسـن
    العشـرة فكـه المجالسة‏.‏ ولما إعتزموا على قتله بعثوا إلى أحمد بن طولون
    أن يمضي ذلك فتفادى منه فبعثوا سعيداً الحاجب فسمله ثم قتله ودفنه ابن
    طولون وعظم محله بذلك عند أهل الدولة‏.‏ إنتهى كلام ابن سعيد‏.‏ وقال ابن
    عبد الظاهر‏:‏ وقفت على سيرة للأخشيد قديمة عليها خط الفرغاني وفيها أن
    أحمد هـو ابـن النج من الأتراك كان طولون صديق أبيه ومن طبقته‏.‏ فلما مات
    النج رباه طولون وكفله فلمـا بلـغ مـن الحداثـة مشـي مـع الحشويـة وغـزا
    وتنقلـت بـه الأحـوال إلـى أن صـار معدوداً في الثقات‏.‏ وولي مصر وإستقر
    بها‏.‏ قال صدر الدين بن عبد الظاهر‏:‏ ولم أر ذلك لغيره من المؤرخين
    إنتهى‏.‏ ولما وقع إضطراب الترك ببغداد وقتل المستعين وولي المعتز وإستبد
    عليه الأتراك وزعيمهم يومئـذ بـاك بـاك وولـاه المعتز مصر ونظر فيمن
    يستخلفه عليها فوقع اختياره على أحمد بن طولون فبعثه عليها وسار معه أحمد
    بن محمد الواسطى ويعقوب بن إسحاق ودخلها في رمضان سنـة أربـع وخمسيـن وعلـى
    الخوارج بها أحمد ابن المدبر وعلى البريد سفير مولى قبيجة فأهدى له ابن
    المدبر ثم إستوحش منه وكاتب المعتز بأن ابن طولون يروم العصيان وكاتب صاحب
    البريد بمثل ذلك فسطا بسفير صاحب البريد ومات من غده‏.‏ ثـم قتـل المعتـز
    وولي المهتدي فقتل باك باك ورتب مكانه يارجوج وولاه مصر‏.‏ وكانت بينه وبين
    أحمد بن طولون مودة أكيدة فاستخلفه على مصر وأطلق يده على الإسكندرية
    والصعيد بعد أن كـان مقتصـراً علـى مصـر فقـط‏.‏ وجعـل إليـه الخـراج
    فسقطـت رتبة ابن المدبر‏.‏ ثم أعاده المعتمد فلم ينهض إلى مساماة ابن طولون
    ولا منازعته‏.‏ ثم كتب إليه المعتمد بضبط عيسى بن شيخ الشيباني وكان يتقلد
    فلسطين والأردن وتغلب على دمشـق وطمـع فـي مصـر ومنـع الحمـل‏.‏ واعترض
    حمل ابن المدبر وكان خمسة وسبعين حملاً من الذهب فأخذها فكتب إليه المعتمد
    يومئذ بولاية أعماله فادعى العجز وأنكر مال الحمل ونزع السواد وأنفذ أناجور
    من الحضرة في العساكر إلى دمشق سنة سبع وخمسين‏.‏ ثم خرج أحمد بن طولون
    إلى الإسكندرية ومعه أخوه موسى وكان يتجنى عليه ويرى أنه لم يـوف بحقـه‏.‏
    وظهـر ذلك منه في خطابه فأوقع به ونفاه وحبس كاتبه إسحاق بن يعقوب واتهمه
    بأنه أفضى بسره إلى أخيه‏.‏ وخرج أخوه حاجاً‏.‏ وسار من هنالك إلى العراق
    ووصف أخاه بالجميل فحظي بذلك عند الموفق‏.‏ واستفحل أمر أحمد واستكثر من
    الجند وخافه أناجور بالشـام‏.‏ وكتـب الموقـف يغريـه بشأنـه وأنـه يخشـى
    على الشام منه‏.‏ ثم كتب الموفق إلى ابن طولون بالشخوص إلـى العـراق
    لتدبيـر أمـر السلطـان وأن يستخلـف علـى مصـر فشعـر ابـن طولـون بالمكيـدة
    فـي ذلك فبعث كاتبه أحمد بن محمـد الواسطـي إلـى يارجـوج وإلـى الوزيـر
    وحمـل إليهمـا الأمـوال والهدايا‏.‏ وكان يارجوج متمكنا في الدولة فسعى في
    أمره وأعفاه من الشخوص وأطلق ولده وحرمـه واشتـدت وطـأة ابـن طولـون وخافـه
    أحمـد بـن المدبـر فكتب إلى أخيه إبراهيم أن يتلطف له في الإنصراف عن مصر
    فورد الكتاب بتقليده خراج دمشق وفلسطين والأردن‏.‏ وصانع ابن طولـون
    بضياعـه التـي ملكهـا وسـار إلـى عملـه بمصـر وشيعه ابن طولون ورضي عنه‏.‏
    وذلك سنة ثمان وخمسين‏.‏ وولي الوزير على الخراج من قبله‏.‏ وتقدم لإبن
    طولون باستحثاثه فتتابع حمل الأموال إلى المعتمد‏.‏ ثم كتب ابن طولون بأن
    تكون جباية الخراج له فأسعف بذلك‏.‏ وأنفذ المعتمد نفيسا الخادم بتقليده
    خراج مصر وضريبتها وخـراج مصـر وضريبتها وخراج الشام‏.‏ وبعث إليه نفيس
    الخادم ومعه صالح بـن أحمـد بـن حنبـل قاضـي الثغور ومحمد بن أحمد الجزوعي
    قاضي واسط شاهدين بإعفائه ما زاد على الرسم من المال والطراز‏.‏ ومات
    يارجوج في رمضان سنة تسع وخمسين وكان صاحب مصر ومن أقطاعه‏.‏ ويدعى له قبل
    ابن طولون فلما مات استقل أحمد بمصر



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up فتنة ابن طولون مع الموفق


    لما استأمن الزنج وتغلبوا على نواحي البصرة وهزموا العساكر بعث المعتمد
    إلى الموفق وكان المهتدي نفاه إلى مكة فعهد له المعتمد بعد ابنه المفوض
    وقسم ممالك الإسلام بينهما‏.‏ وجعل الشرق للموفق ودفعه لحرب الزنـج وجعـل
    الغـرب للمفـوض واستخلـف عليـه موسـى بـن بغـا واستكتـب موسـى بـن عبيـد
    اللـه بـن سليمـان بـن وهـب‏.‏ وأودع كتـاب عهدهمـا فـي الكعبـة‏.‏ وسار
    الموفق لحرب الزنج واضطرب الشرق وقعد الولاة عن الحمل‏.‏ وشكا الموفق
    الحاجة إلى المال‏.‏ وكـان ابـن طولون يبعث الأموال إلى المعتمد يصطنعه
    بذلك فأنفذ الموفق نحريرأ خادم المتوكل إلى أحمد بن طولون يستحثه لحمل
    الأموال والطراز والرقيق والخيل ودس إليه يعتقله‏.‏ واطلع على الكتب‏.‏
    وقتل بعض القواد وعاقب آخرين‏.‏ وبعث مع نحرير ألفي ألف ومائتـي ألـف
    دينـار ورقيقًا وطرزأ‏.‏ جمع الرسم وبعث معه من أسلمه إلى الثقة أناجور
    صاحب الشام‏.‏ ولمـا فعـل ابـن طولـون بنحريـر مـا فعـل كتـب الموفـق إلـى
    موسى بن بغا بصرف أحمد بن طولون عن مصـر وتقليدهـا أناجـور فكتب إلى أناجور
    بتقليدها فعجز عن مناهضة أحمد فسار موسى بن بغا ليسلم إليه مصر وبلغ
    الرقة‏.‏ واستحث أحمد في الأموال فتهيأ أحمد لحربه وحصن الجزيرة معقـلاً
    لحربه وذخيرته‏.‏ وأقام موسى بالرقة عشرة أشهر واضطرب عليه الجند وشغبوا
    وطالبوه بالـأرزاق واختفـى كاتبـه موسـى بـن عبيـد اللـه بـن وهـب فرجـع
    وتوفي سنة أربـع وستيـن‏.‏ ثم كتب الموفق إلى ابن طولون باستقلال ما حمله
    من المال وعنفه وهدده فأساء ابن طولون جوابه وأن العمـل لجعفـر بـن
    المعتمـد ليـس لك فأحفظ ذلك الموفق وسأل من المعتمد أن يولي على الثغور من
    يحفظهـا وأن ابن طولون لا يؤمن عليها لقلة اهتمامه بأمرها فبعث محمد بن
    هارون التغلبي عامل الموصل وركب السفن فألقته الريح بشاطىء دجلة فقتله
    الخوارج أصحاب مساو الساري‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية أحمد بن طولون على الثغور


    وكانت أمهات الثغور يومئذ أنطاكية وطرسوس والمصيصة وملطية وكان على
    أنطاكية محمد بن علـي بـن يحيـى الأرمنـي وعلـى طرسـوس سيمـا الطويل وإليه
    أمر الثغور وجاء في بعض أيامه إلى أنطاكية فمنعه الأرمني من الدخول فدس إلى
    أهل البلد بقتله فقتلوه وأحفظ ذلك الموفق فولي على الثغور أرجون بن أولغ
    طرخان التركي وأمره بالقبض علـى سيمـا الطويـل فقـام بالثغـور وأساء التصرف
    وحبس الأرزاق عن أهلها‏.‏ وكانت قلعة لؤلؤة من قلاع طرسـوس فـي نحـر العدو
    وأهم أهل طرسوس أمرها فبعثوا إلى حاميتها خمسة آلاف دينار رزقاً من عندهم
    فأخذها أرجون لنفسه وضاعت حاميتها وافترقوا‏.‏ وكتب الموفق إلى أحمد بن
    طولون بتقليد الثغور وأن يبعث عليها من قبله فبعث من قبله طحشي بن بكروان
    وحسنت حالهم وطلب منـه ملـك الـروم الهدنـة واستأذن في ذلك ابن طولون فمنعه
    وقال‏:‏ إنما حملهم على ذلك تخريبكم لقلاعهم وحصونهم فيكون في الصلح راحـة
    لهـم فحـاش للـه منـه وأمـره بـرم الثغـور وأرزاق الغزاة‏.‏ قـد تقـدم
    لنـا ولايـة أناجـور علـى دمشـق سنـة سبـع وخمسين وما وقع بينه وبين أحمد
    بن طولون‏.‏ ثـم توفـي أناجـور فـي شعبـان سنـة أربـع وستيـن ونصـب ابنـه
    علـي مكانـه‏.‏ وقـام يدبـر أمره أحمد بن بغا وعبيد الله بن يحيى بن وهب‏.‏
    وسار إلى الشام مورياً بمشارفة الثغور واستخلف ابنه العبـاس علـى مصـر
    وضـم إليـه أحمـد بـن محمـد الواسطـي وعسكـر فـي مينـة الأصبـع وكتب إلى
    علي بـن أناجـور بإقامـة الميـرة للعساكر فأجاب الآمال‏.‏ وسار ابن طولون
    إلى الرملة وبها محمد بن أبي رافع من قبل أناجور ومدبر دولته أحمد‏.‏ هنالك
    منذ نفاه المهتدي فأكرمه‏.‏ ثـم سـار عـن دمشق واستخلف عليها أحمد بن
    دوغياش ورحل إلى حمص وبها أكبر قواد أناجور فشكت الرعية منه فعزله وولي
    يمتا التركي‏.‏ ثم سار إلى أنطاكية وقد امتنع بها سيما الطويل بعد أن كتب
    بالطاعة وأن ينصرف عنه فأبى وحاصرها وشد حصارها‏.‏ وضجر أهلهما من سيما
    فداخل بعضهم أحمد بن طولون ودلوه على بعض المسارب فدخلها منه فـي فاتحـة
    خمـس وستيـن وقتـل سيمـا الطويـل وقبـض علـى أمرائـه وكاتبـه‏.‏ ثـم سـار
    إلـى طرسـوس فملكهـا ودخلهـا فـي خلـق كثيـر وشـرع فـي الدخـول إلـى بلاد
    الروم للغزو وبينما هو يروم ذلك جاءه الخبر بانتقاض ابنه العباس الذي
    استخلفه بمصر فرجع وبعث عسكراً إلى الرقة وعسكراً إلى حران وكانت لمحمد بن
    أناشر فأخرجوه عنها وهزموه‏.‏ وبلغ الخبر إلى أخيه موسى فسار إلى حـران
    وكـان شجاعًـا‏.‏ وكـان مقـدم العسكر بحران بن جيعونة فأهمه أمرهم فقال له
    أبو الأغر من العرب‏:‏ أنا آتيك بموسى‏.‏ واختار عشرين فارسًا من الشجعان
    وسار إلى معسكر موسى فأكمن بعضهم ودخل بالباقين بعض الخيام فعقدت واهتاج
    العسكر وهرب أبو الأغر واتبعوه فخرج عليهم الكمين فهزموهم وأسر موسى وجاء
    به أبو الأغر إلى جيعونة قائد ابن طولون فاعتقله وعاد إلى مصر سنة ست
    وستين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن انتقاض العباس بن أحمد بن طولون على أبيه


    لما رحل أحمد بن طولون إلى الشام واستخلف ابنه العباس وكان أحمد بن
    الواسطي محكمًـا في الدولة‏.‏ وكان للعباس بطانة يدارسونه الأدب والنحو
    وأراد أن يولي بعضهم الوظائـف ولـم يكونـوا يصلحـون لهـا فمنـع الواسطـي
    مـن ذلك خشية الخلل في الأعمال فحمل هؤلاء البطانـة عليـه عنـد العبـاس
    وأغروه به‏.‏ وكتب هو إلى أحمد يشكوهم فأجابه بمداراة الأمور إلى حيـن
    وصولـه‏.‏ وكان محمد بن رجاء كاتب أحمد مداخلاً لإبنه العباس فكان يبعث
    إليه بكتب الواسطـي يتنـزل لـه فاطلـع علـى جواب أبيه عن كتبه بالمداراة
    فازداد خوفاً وحمل ما كان هنالك من المال والسلاح وهو ألف ألف دينار‏.‏
    وتسلف من التجار مائتي ألف أخرى واحتمل أحمد بن محمد الواسطي وأيمن الأسود
    مقيدين وسار إلى برقة‏.‏ ورجع أحمد إلى مصر وبعث له جماعة فيهم القاضي أبو
    بكرة بكار بن قتيبة والصابونـي القاضـي وزيـاد المـري مولى أشهب فتلافوا به
    بالموعظة حتى لان‏.‏ ثم منعه بطانته وخوفوه فقال لبكار‏:‏ ناشدتك الله هل
    تأمنه علي فقال هو قد حلف وأنا لا أعلم فمضى على ريبته‏.‏ ورجـع القـوم
    إلـى أبيـه‏.‏ وسار هو إلى إفريقية يطلب ملكها وسهل عليه أصحابه أمر
    إبراهيم بن أحمد بن الأغلب صاحبها‏.‏ وكتب إليه بأن المعتمد قلده إفريقية
    وأنه أقره عليها‏.‏ وانتهى إلى المدينة لبلة فخرج عليه عامل بن الأغلب فقبض
    عليه ونهب البلد وقتل أهله وفضح نساءهم فاستغاثوا بالياس بن منصور كبير
    نفوسة ورئيس الأباضيـة وقـد كـان خاطبـه يتهـدده علـى الطاعة‏.‏ وبلغ الخبر
    إلى ابن الأغلب فبعث العساكر مع خادمه بلاغ وكتب إلى محمد بن قهرب عامل
    طرابلـس بـأن يظاهـر معـه علـى قتـال العبـاس فسـار ابـن قهـرب وناوشـه
    القتـال من غير مسارعة‏.‏ ثم صحبهـم اليـأس فـي إثنـي عشـر ألفًـا مـن
    قومه‏.‏ وجاء بلاغ الخادم من خلفه فأجفل واستبيح أمواله وذخائره وقتل أكثر
    من كان معه وأفلت بحاشيته‏.‏ وإنطلق أيمن الأسود من القيد ورجع إلى مصـر‏.‏
    وجـاء العبـاس إلـى برقـة مهزومـأ‏.‏ وكـان قـد أطلـق أحمـد لواسطي بعد أن
    ضمن حزب برقة إحضاره فلما رجع أعاده إلى محبسه فهرب من الحبس ولحق
    بالفسطاط‏.‏ ووجد أحمد بن طولون قد سار إلى الإسكندرية عازماً على الرحيل
    إلى برقة فهون أمره ومنعه من الرحيل بنفسـه‏.‏ وخـرج طبارجـي وأحمـد
    الواسطـي فجـاؤوا بـه مقيـداً علـى بغـل وذلـك سنة سبع وستين‏.‏ وقبـض علـى
    كاتبـه محمـد بـن رجـاء وحبسه لما كان يطلع ابنه العباس على كتبه‏.‏ ثم
    ضرب ابنه وهو باك عليه وحبسه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خروج الصوفي والثمري بمصر


    كـان أبـو عبـد الرحمـن العمـري بمصر وهو عبد الحميد بن عبد العزيز بن
    عبد الله بن عمر مقيمًا بالقاصية من الصعيد وكان البجاة يغيرون في تلك
    الأعمال ويعيون فيها‏.‏ وجاؤوا يوم عيد فنهبـوا وقتلـوا فخـرج هـذا العمـري
    غضبـاً للـه وأكمـن لهم في طريقهم ففتك بهم وسار في بلادهم حتى أعطوه
    الجزية واشتدت شوكته‏.‏ وزحف العلوي للقائه فهزمه العمري وذلك سنة ستين‏.‏
    وكـان مـن خبـر هـذا العلـوي أنـه ظهـر بالصعيـد سنـة سبـع وخمسين وذكر أن
    إسمه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب
    ويعرف بالصوفي‏.‏ فملك مدينة أسنا ونهبهـا وعـاث فـي تلـك الناحيـة‏.‏
    وبعـث إليه ابن طولون جيشًا فهزمهم وأسر مقدم الجيش فقطعه فأعـاد إليـه
    جيشـاً آخـر وإنهـزم إلـى الواحـات‏.‏ ثـم عـاد إلـى الصعيـد سنـة تسـع
    وخمسين وسار‏.‏ إلى الأشمونيـن‏.‏ ثـم سار للقاء العمري وإنهزم إلى أسوان
    وعاث غي جهاتها‏.‏ وبعث إليه ابن طولون العسكر فهرب إلـى عيـذاب وعبـر
    البحـر إلـى مكـة فقبـض عليـه الوالـي بمكـة وبعـث بـه إلـى ابـن طولـون
    فحبسـه مـدة‏.‏ ثـم أطلقه ومات بالمدينة‏.‏ ثم بعث ابن طولون العسكر إلى
    العمري فلقي قائدهم وقال‏:‏ إني لم أخرج بالفساد ولا يؤذى مسلم ولا ذمي
    وإنما خرجت للجهاد فشاور أميرك في فأبى وناجزه الحرب فانهزم العسكر ورجعوا
    إلى ابن طولون فأخبروه بشأنه فقال‏:‏ هلا كنتم شاورتموني فيه فقد نصره الله
    عليكم ببغيكم‏.‏ ثم وثب عليه بعد مدة غلامان لـه فقتلـاه وجاءا برأسه إلى
    أحمد بن طولون فقتلهما‏.‏ إنتفاض برقة وفي سنة إحـدى وستيـن وثـب أهـل
    برقـة بعاملهـم محمـد بـن فرج الفرغاني فأخرجوه ونقضوا طاعة ابن طولون فبعث
    إليهم العساكر مع غلامه لؤلؤ وأمره بالملاينة فحاصرهم أياماً وهو يلين لهم
    حتى طمعوا فيه ونالوا من عسكره فبعث إلى أحمد بخبره فأمره بالاشتداد فشد
    حصارهم ونصـب عليهـم المجانيـق فاستأمنـوا ودخل البلد وقبض على جماعة من
    أعيانهم فضربهم وقطعهم ورجع إلى مصر واستعمل عليهم مولى من مواليه وذلك قبل
    خلاف العباس على أبيه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إنتقاض لؤلؤ علي ابن طولون


    كان ابن طولون قد ولي مولاه لؤلؤ على حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من
    الجزيرة وأنزله الرقـة وكـان يتصـرف عـن أمره‏.‏ ومتى وقع في مخالفته عاقب
    ابن سليمان كاتب لؤلؤ فسقط لؤلؤ فـي المـال وقطـع الحمـل عـن أحمـد بن
    طولون‏.‏ وخاف الكاتب مغبة ذلك فحمل لؤلؤ على الخلاف وأرسـل إلـى الموفـق
    بعـد أن شـرط علـى المعتمـد شروطًـا أجابـه الموفق إليها‏.‏ وسار إلى الرقة
    وبها ابن صفوان العقيلي فحاربه وملكها منه وسلمها إلى أحمد بن مالك بن
    طوق‏.‏ وسار إلى الموفق فوصل إليه بمكانه من حصار صاحب الزنج وأقبل عليه
    واستعان به في تلك الحروب وولـاه علـى الموصـل ثم قبض عليه سنة ثلاث وسبعين
    وصادره على أربعمائة آلف دينار فافتقر وعاد إلى مصر آخر أيام هارون بن
    خمارويه فقيراً فريداً‏.‏ مسير المعتمد إلى ابن طولون وعوده عنه من الشام
    كان ابن طولون يداخل المعتمد في السر ويكاتبه ويشكو إليه المعتمد ما هو فيه
    من الحجر والتضييق عليه من أخيه الموفق والموفق بسبب ذلك ينافر ابن طولون
    ويسعى في إزالته عن مصر‏.‏ ولما وقع خلاف لؤلؤ على ابن طولون خاطب المعتمد
    وخوفه الموفق واستدعاه إلى مصـر‏.‏ وأن الجيـوش عنده لقتال الفرنج فأجابه
    المعتمد إلى ذلك وأراد لقاءه بجميع عساكره فمنعه أهل الرأي من أصحابه
    وأشاروا عليه بالعدول عن المعتمد جملة وأن أمره يؤول معه إلى أكثر مـن أمـر
    الموفـق مـن أجـل بطانتـه التي يؤثرها على كل أحد‏.‏ واتصلت الأخبار بأن
    الموفق شارف القبض على صاحب الزنج فبعث ابن طولون بعض عساكره إلى الرقة
    لإنتظار المعتمد واغتنم المعتمد غيبة الموفق وسار في جمادى سنة ثمان وستين
    ومعه جماعة من قواده فقبض عليهم وقيدهم‏.‏ وقـد كـان ساعـد بـن مخلـد وزير
    الموفق خاطبه في ذلك عن الموفق فأظهر طاعتهم حين صاروا إلى عمله وسار معهم
    إلى أول عمل أحمد بن طولون فلم يرحل معهم حين رحلوا‏.‏ ثم جلس معهم بيـن
    يـدي المعتمـد وعذلهـم فـي المسيـر إلـى ابـن طولـون ودخلوهـم تحـت حكمـه
    وحجـره‏.‏ ثـم قـام بهـم عنـد المعتمـد ليناظرهـم فـي خلـوة فلمـا دخلـوا
    خيمتـه قبـض عليهـم‏.‏ ثـم رجـع إلـى المعتمـد فعذلـه في الخـروج عـن دار
    خلافتـه وفـراق أخيـه وهـو فـي قتـال عـدوه‏.‏ ثـم رجـع بالمعتمـد والذيـن
    معـه حتـى أدخلهـم سـر مـن رأى‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى ابـن طولـون فقطع خطبة
    الموفق ومحا اسمه من الطرز فتقدم الموفـق إلـى المعتمـد بلعـن ابـن طولـون
    فـي دار العامـة فأمـر بلعنـه على المنابر وعزله عن مصر وفوض إليه من باب
    الشاتية إلـى إفريقيـا وبعـت إلـى مكـة بلعنـه فـي المواسـم فوقعـت بيـن
    أصحـاب ابـن طولـون وسلبوا وأمر جعفر المصريين وقرأوا الكتاب في المسجد
    بلعن ابن طولون‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up اضطراب الثغور ووصول أحمد في طولون إليها ووفاته


    كـان عامـل أحمـد بـن طولـون علـى الثغـور طلخشـي بـن بلـذدان واسمـه
    خلـف وكان نازلاً بطرسوس‏.‏ وكان مازيار الخادم مولى فتح بن خاقان معه
    بطرسوس وارتـاب بـه طلخشـي فحبسه فوثب جماعة من أهل طرسوس واستقدموا
    مازيـار مـن يـده وولـوه‏.‏ وهـرب خلـف وتركوا الدعاء لإبن طولون من مصر
    وانتهى إلى أذنة وكاتب مازيار واستماله فامتنع واعتصم بطرسوس فرجع ابن
    طولون إلى حمص ثم إلى دمشق فأقام بها‏.‏ ثم رجع وحاصره في فصل الشتاء بعد
    أن بعث إليه يدعوه وانساح على معسكر أحمد وخيمه وكادوا يهلكون فتأخر ابن
    طولون إلى أذنة وخرج أهل طرسوس فنهبوا العسكر‏.‏ وطال مقام أحمد بأذنة في
    طلب البرد‏.‏ ثـم ثـار إلـى المصيصـة فأقـام بهـا ومـرض هنـاك‏.‏ ثـم
    تماسـك إلـى أنطاكيـة فاشتـد وجعه ونهاه الطبيب عن كثرة الغذاء فتناوله
    سراً فكثر عليه الإختلاف لأن أصل علته هيضة من لبن الجواميس‏.‏ وثقل عليه
    الركوب فحملوه على العجلة فبلغ الفرمار وركب من ساحـل الفسطـاط إلـى داره
    وحضره طبيبه فسهل عليه الأمر وأشار بالحمية فلم يداوم عليها‏.‏ وكثر
    الإسهال وحميت كبده من سوء الفكر فساءت أفعاله‏.‏ وضرب بكار بن قتيبة
    القاضي وأقامه للناس فـي الميـدان وخرق سواده وأوقع بابن هرثمة وأخذ ماله
    وحبسه‏.‏ وقتل سعيد بن نوفل مضروباً بالسياط‏.‏ ثم رجع أولياءه وغلمانه
    وعهد إلى ابنه أبي الجيش خمارويه وأوصاهم بانظاره وحسن النظر فسكنـوا إلـى
    ذلـك لخوفهـم مـن ابنـه أبـي العبـاس المعتقـل‏.‏ ثـم مـات سنـة سـت
    وسبعيـن ومائتيـن لست وعشرين سنة من إمارته‏.‏ وكان حازمًا سائساً وبني
    جامعه بمصرة وأنفق فيه مائة وعشرين ألـف دينـار‏.‏ وبنـي قلعـة يافـا وكـان
    يميـل إلـى مذهـب الشافعي رضي الله تعالى عنه‏.‏ وخلف من المال عشرة آلاف
    دينار ومن الموالي سبعة آلاف ومن الغلمان أربعة آلاف ومن الخيل المرتبطة
    مائـة ومـن الـدواب لركابـه مائتيـن وثلاثيـن‏.‏ وكـان خراج مصر لأيامه جمع
    ما ينضاف إليها من ضياع الأمراء لحضرة السلطان أربعة آلاف ألف دينار
    وثلاثمائة ألف دينار وعلى المارستان وأوقافه ستين ألف دينار وعلى حصن
    الجزيرة والجزيرة وهي المسماة لهذا العهد بقلعة الروضة ثمانين ألـف
    دينـار‏.‏ وخربـت بعد موته وجددها الصالح نجم الدين بن أيوب‏.‏ ثم خربت
    ثانية ولم يبق منها إلا أطلال دائرة وكان يتصدق في كل شهر بألف دينار ويجري
    على المسجونين خمسمائة دينار في كل شهر وكانت نفقة مطابخه وعلوفته ألف
    دينار في كل يوم‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:07 am

    إنتقاض صدقة بن منصور بن دبيس علي السلطان بركيارق


    وكان السلطان بركيارق قد خرج عليه أخوه محمود بن ملك شاه ينازعه في
    الملك وكانـت بينهما عدة وقعات ولم يزل صدقة بن منصور على طاعته ويحضر
    حروبه تارة بنفسه وتارة يبعـث إليـه العساكـر مـع إبنـه سنـة أربـع وتسعين
    فبعث إليه وزير السلطان بركيارق وهو الأغر أبو المحاسن الدهستاني يطلبه
    فيما تخلف عنده من المال وهو ألف ألف دينار ويتهدده عليه فقطع صدقة الخطبة
    لبركيارق وعاد إلى بغداد في هذه السنة منهزمًا أمام أخويه محمد وسنجـر فبعث
    الأمير أياز من أكبر أصحابه وطرد نائب السلطان عن الحكومة وإستضافها
    إليه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء صدقة علي واسط وهيت


    كان السلطان محمد في سنة ست وتسعين مستولياً على بغداد والخطبة بها
    وشحنته فيها الغـازي بن أرتق وصدقة بن دبيس على طاعته ومظاهرته‏.‏ ثم ظهر
    في هذه السنة بركيارق على محمد وحاصره بأصفهان فإمتنع عليه فأخرج عنه إلى
    همذان وبعت كمستكين القصيري شحنة إلى بغداد فإستدعى أبو الغازي خاه سقمان
    بن أرتق من حصن كيفا يستعين به في مدافعـة كمستكيـن‏.‏ وجـاء كمستكيـن إلـى
    بغـداد وخطـب بهـا بركيـارق وخـرج أبـو الغـازي وسقمان أبى دجيل فأقاما به
    بجرى‏.‏ وجاء صدقة بن مزيد إلى صرصر بعد أن جاءه رسول الخليفة في طاعة
    أبلغازي وسقمان فعادا وعاثت عساكرهما في نواحي دجيل وتقدما إلى بغداد وبعث
    معهما صدقة ابنه دبيسًا فخيمـوا بالرملـة وقاتلهـم العامـة وكثـر الهـرج‏.‏
    وبعـث الخليفة إلى صدقة يعظم عليه الأمر فأشار بإخراج كمستكيبن القيصري
    مـن بغـداد لتصلـح الأحوال فأخرج إلى النهروان في ربيع سنة ست وتسعين‏.‏
    وعاد صدقة إلى الحله وأعيدت خطبة السلطان محمد ببغداد ولحق القيصري بواسط
    وخطب بها لمحمد فسار إليـه صدقـة وأخرجـه‏.‏ وجـاء أبلغـازي واتبعـوا
    القيصـري وإستأمـن إلـى صدقة فأكرمه وأعيدت خطبة السلطان محمد بواسط وبعده
    لصدقه وأبفازي‏.‏ وولي كـل واحـد منهمـا ولـده علـى واسـط وذهب أبلغازي إلى
    بغداد وعاد صدقة إلى الحلـة وأرسـل إبنـه منصـورًا مـع أبلغـازي إلـى
    المستنصر ليستظهر رضا فرضي عنه‏.‏ ثم إستولى صدقة على هيـت وكـان بركيـارق
    أقطعهـا لبهـاء الدولـة تـوران بـن تهيبـة وكـان مقيماً في جماعة من بني
    عقيل عند صدقة‏.‏ ثم تشاجرا‏.‏ ومال بنو عقيل إلى صدقة وحج عقب ذلك ورجع
    فوكل به صدقة‏.‏ وبعث إبنه دبيس ليتسلم هيت فمنعه نائب توران بها وهـو
    محمـد بـن رافـع بـن رفاع بن منيعة بن مالك بن المقلد‏.‏ فلما أخذ صدقة
    واسطًا سار إلى هيت وبها منصور بن كثير نائباً عن عمه توران فلقي صدقة
    وحاربه ثم إنتقض جماعة من أهل البلد وفتحوا لصدقة فملكها وخلع على منصور
    وأصحابه وعاد إلى الحلة‏.‏ وإستخلف على هيت ابن عمه ثابت بن كامل‏.‏ ثم
    إصطلح السلطان محمد وبركيارق وسار صدقة في شوال إلى واسط فملكها وأخرج
    الترك الذين كانوا بها‏.‏ وأحضر مهذب الدولة بن أبي الخير فضمنه لثلاثة
    أشهر بقيت من السنة بخمسين ألف دينار وعاد إلى الحلة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء صدقة بن مزيد على البصرة


    كانت البصرة منذ سنين في ولاية إسماعيل بن أرسلان جق من السلجوقية أقام
    فيها عشر سنين وعظم تمكنه للخلاف الواقع بين بركيارق ومحمد وكان يظهر طاعـة
    صدقـة وموافقتـه فلما صفا الأمر لمحمد رغب إليه صدقة في إبقائه فأبقاه‏.‏
    وبعث السلطان محمد عاملاً على خاصة البصرة فمنعه إسماعيـل فأمـر السلطـان
    صدقـة بأخـذ البصـرة منـه‏.‏ وأظهـر منكيـرس الخلاف فشغلوا عن البصرة وبعث
    إليه صدقة بتسليم الشرطة إلى مهذب الدولة بن أبي الخير فمنـع من ذلك فسار
    صدقة إليه وحصن إسماعيل القلاع التي إستجدها حوالي البصرة وإعتقل وجوه
    البلد من العباسيين والعلويين والقاضي والمدرس والأعيان وحاصرهـا صدقـة‏.‏
    وخـرج إسماعيل لقتاله وخالفه طائفة من أصحاب صدقة إلى مكان آخر من البلد
    فإقتحموها وإنهزم إسماعيل إلى قلعة الجزيرة فامتنع بها ونهبت البلد‏.‏
    وإنحـدر المهـذب بـن أبـي الخير في السفن فأخذ القلعة التي كانت لإسماعيل
    بمطارًا‏.‏ ثم إستأمن إسماعيل إلى صدقة فأمنه‏.‏ وجاء صدقة فأمن أهل البصرة
    ورتب عندهم شحنة وعاد إلى الحلـة منتصـف تسـع وتسعين وأربعمائة لستة عشر
    يوماً من مقامه بالبصرة‏.‏ وسار إسماعيل نحو فارس فطرقه المرض في رام هرمز
    ومات‏.‏ وكان صدقة قد إستعمل على البصرة مملوك جده دبيس وإسمه اليونشاش
    ورتب معه مائة وعشرين فارساً فإجتمعت ربيعة والمتقن وقصـدوا البصرة فدخلوها
    بالسيف وأسروا اليونشاش وأقاموا بها شهراً ينهبون ويخربون وبعث صدقة
    عسكراً فوصل بعد خروجهم من البلد فإنتزع السلطان البصرة من صدقة وبعث إليها
    شحنة وعميداً وإستقام أمرها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء صدقة على تكريت


    كانت تكريت لبني معن من بني عقيل وكانت إلى آخر سبع وعشرين وأربعمائة
    بيد رافع بن الحسيـن بـن معـن فلمـا مـات وليها ابن أخيه أبو منعة بن ثعلب
    بن حماد ووجد بها خمسمائة ألف دينـار‏.‏ وتوفي سنة خمـس وثلاثيـن ووليهـا
    ابنـه أبـو غشـام إلـى سنـة أربـع وأربعيـن فوثـب عليه أخوه عيسـى فحبسـه
    وملك القلعة والأموال‏.‏ فلما إجتاز به طغرلبك سنة ثمان وأربعين صالحه على
    البعـض المـال فرحـل عنـه ومات عيسى أثر ذلك‏.‏ وخافت زوجته من عود أخيه
    أبي غشام إلى الملـك فقتلتـه فـي محبسـه‏.‏ وولـت علـى القلعـة أبـا
    الغنائم ابن المجلبان فسلمها إلى أصحاب طغرلبك وسارت هي إلى الموصل فقتلها
    ابن أبي غشام بأبيه‏.‏ وأخذ مسلم بن قريش مالها‏.‏ وولي طغرلبك على قلعة
    تكريت أبا العباس الرازي فمات لستة أشهر فولي عليها المهرباط وهو أبو جعفر
    محمد بن أحمد بن غشام من بلد الثغر فأقام بها إحدى وعشرين سنة ومات فوليها
    ابنه سنتين وأخذتها من تركمان خاتون وولت عليها كوهرايين الشحنة‏.‏ ثم مات
    ملك شـاه فملكهـا قسيـم الدولـة أقسنقـر صاحـب حلـب فلمـا قتـل صـارت
    للأميـر كمستكين الجاندار فولي عليها رجلاً يعرف بأبي نصر المصارع‏.‏ ثـم
    عـادت إلـى كوهراييـن إقطاعـاً‏.‏ ثـم أخذهـا منه محمد الملك الباسلاني
    فولي عليها لمقا بن هزارسب الديلمي وأقام بها إثنتـي عشـرة سنـة فظلـم
    أهلهـا وأسـاء السيـرة‏.‏ فلمـا أجـاز بـه سقمـان بـن أرتق سنة ست وتسعين
    وأربعمائة لنهبها‏.‏ وكان كيقباذ ينهبها ليلاً وسقمان ينهبها نهارأ‏.‏ فلما
    إستقر السلطان محمـد بعد أخيه بركيارق أقطعها للأمير أقسنقر البرسقي شحنة
    بغداد فسار إليها وحصرها مدة تزيد على سبعة أشهر حتى ضاق على كيقباذ الأمر
    فراسل صدقة بن مزيد ليسلمها إليه فسـار إليهـا في صفر من هذه السنة وتسلمها
    منه‏.‏ وإنحدر البرسقي ولم يملكها‏.‏ ومات كيقباذ بعـد نزولـه مـن القلعـة
    بثمانيـة أيـام وكـان عمره ستين سنة وإستناب صدقة بها ورام بن أبي قريش بن
    ورام وكان كيقباذ ينسب إلى الباطنية‏.‏ الخلف بين صدقة وصاحب البطيحة قد
    كنا قدمنا أن السلطان محمداً أقطع صدقة بن مزيد مدينة واسط فضمنها صدقة
    لمهذب الدولـة بن أبي الخير وولي في أعمالها أولاده فبذروا الأموال وطالبه
    صدقة عند إنقضاء السنة بالمال وحبسه‏.‏ وسعي في خلاصه بحران بن صدقة وكان
    صهراً لمهذب الدولة وأعاده إلى بطيحة‏.‏ وضمن حماد والمختم محمد والد مهذب
    الدولة كانا أخوين وهما إبنا أبي الخيـر‏.‏ وكانت لهما رياسة قومهما‏.‏
    وهلك المصطنع وقام ابنه أبو السيد المظفر والد حماد مقامه‏.‏ وهلـك المختـم
    محمـد وقام إبنه مهذب الدولة مقامه ونازعا إبراهيم صاحب البطيحة حتى غلبه
    مهذب الدولة وقبض عليه وسلمه إلى كوهرايين فحمله إلى أصفهان فهلك في
    الطريق‏.‏ وعظم أمر مهذب الدولة وصير كوهرايين أمير البطيحة وصارت جماعته
    لحكمه‏.‏ وكان حماد شاباً وكان مهذب الدولة يداريه بجهده وهو يضمر نقضه‏.‏
    فلما مـات كوهراييـن إنتقـض حمـاد عـن مهـذب الدولـة وأظهـر مـا في نفسه
    وإجتهد مهذب الدولة في إستصلاحه فلم يقدر‏.‏ وجمع إبنه القيسر وقصد حماداً
    فهرب إلى صدقة بالحلة وبعث معه مدداً من العسكر‏.‏ وحشد مهذب الدولة وسار
    في العساكر برًا وبحراً‏.‏ وأكمن حماد لهم وأصحابه وإستطردوا بين أيديهم‏.‏
    ثم خرجت عليهم الكمائن فإنهزموا‏.‏ وأرسل حماد يستمد صدقة فبعث إليه مقدم
    جيثة وجمعوا السفـن وكان مهذب الدولة جواداً فبعث إلى مقدم الجيش
    بالإنعامات والصلات فمال إليه وأشار عليـه أن يبعـث ابـن التفيـس إبـى
    صدقـه فرضي عنه وأصلح بينه وبين حماد ابن عمه وذلك آخر المائة الخامسة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل صادقة وولاية إبنه دبيس


    كان صدقة بن منصور بن مزيد شيعة للسلطان محمد بن ملك شاه على أخيه
    بركيارق ومن أعظم أنصاره‏.‏ ولما هلك بركيارق وإستبد السلطان محمـد بالملـك
    رعـي وسائلـه فـي ذلـك وأقطعه واسطاً وأذن له في ملك البصرة وأنزله منزل
    المصافاة حتى كان يجبر عليه‏.‏ وسخط مـرة علـى سرخـاب بـن كيخسـدو وصاحب
    ساوة فلجأ إليه مستجيراً به فأجاره وطلبه السلطان فمنعه‏.‏ وكان العميد أبو
    جعفر يستبدله السلطان لكثرة السعاية ويغريه به وينكر دالته وتبسطه فتعين
    السلطان وسار إلى العراق وأرسل إلى صدقة فإستشار صدقة أصحابه فأشار ابنه
    دبيـس بملاطفتـه وإستعطافـه بالهدايـا وأشـار سعيـد بـن حميـد صاحب جيشه
    بالمحاربة فجنح إلى رأيه وإستطال في الخطاب وجمع الجند وأفاض فيهم العطاء
    وإعترضهم فكانوا عشرين ألف فـارس وثلاثيـن ألـف راجـل‏.‏ وبعـث إليـه
    المستظهـر مـع علـي بـن طـراد الزينبـي نقيـب النقبـاء يعظـه في المخالفة
    ويحضه على لقاء السلطان فإعتذر بالخوف منه‏.‏ ثم بعث إليه السلطان قاضي
    القضاة أبا سعيد الهروي ليؤمنه ويستنفره لجهاد الفرنج في جملته فامتنع ووصل
    السلطان إلى بغداد في ربيع من سنة إحدى وخمسمائة ومعه وزيره أحمد بن نظام
    الملك فقدم البرسقي شحنة بغداد في جماعة من الأمراء فنزلوا بصرصر مسلحة
    لقلة عسكـر السلطـان‏.‏ وإنـه إنمـا جـاء فـي ألفـي فارس للإصلاح
    والإستنلاف فلما تبين له لجاج صدقة أرسـل إلـى الأمراء بأصفهان بأن
    يستجيشوا ويقدموا فكتب صدقة إلى الخليفة بالمقاربة وموافقة السلطـان‏.‏ ثـم
    رجـع صدقـة عـن رأيـه وقال‏:‏ إذا رحل السلطان عن بغداد مددته بالأموال
    والرجال لجهاده‏.‏ وأما الآن وعساكره متصلة فلا وفاق عندي وقد أرسل إلى
    جاولى سكاو وصاحب الموصل وإبلغازي بن أرتق صاحـب مارديـن بالإنتقـاض علـى
    السلطـان‏.‏ وأيـس السلطـان مـن إستقامته‏.‏ ووصـل إليه ببغداد قراوش شرف
    الدولة وكروباوي بن خراسان التركماني وأبو عمران فضل بن ربيعة بن خادم بن
    الجرج الطائي وكان آباؤه أصحاب البلقاء وبيت المقدس ومنهم حسان بن مفرج
    وطرده كفرتكين أتابك دمشق لما كان عليه من الأجلاب تارة مع الفرنج وتارة مع
    أهل مصر‏.‏ فلجأ إلى صدقة وقبله وأكرمه وأجزل له العطاء سبعة آلاف
    دينار‏.‏ فلما كانت هذه الحادثة رغب عن صدقة وسار في طلائعه فهرب إلى
    السلطان فخلع عليه وعلى أصحابه وسوغه دار صدقة عن الهروب‏.‏ وأذن له فعبر
    من الأنبار وكان آخر العهد به‏.‏ ثـم أنفـذ السلطـان فـي جمـادي الأولـى
    إلـى واسـط الأميـر محمـد بـن بوقـا التركمانـي فملكها وأخرج منها أصحاب
    صدقة وأنفذ خيله إلى بلد قوسان من أعمال صدقة فنهبه وأقام أياماً حتى بعث
    صدقـة ابـن عمـه ثابـت بـن سلطـان فـي عسكـر فخـرج منهـا الأميـر محمد
    وملكها ثابت وأقاموا على دجلة‏.‏ وخرج ثابت لقتالهم فهزموه وإقتحموا
    البلد‏.‏ ومنعهم الأمير محمـد مـن النهـب ونـادى بالأمان‏.‏ وأمر السلطان
    الأمير محمداً بنهب بلاد صدقة فسار إليها وأقطع مدينة واسط لقسيم الدولـة
    البرسقي‏.‏ ثم سار السلطان من بغداد آخر رجب ولقيه صدقة وإشتد القتال
    وتخاذلت عنـه عبـادة وخفاجـة‏.‏ ورفـع صوتـه بالإبتهـال بالناشرة بالعرب
    ورغب الأكراد بالمواعد‏.‏ ثم غشيه الترك فحمل عليهم وهو ينادي‏:‏ أنا ملك
    العرب أنا صدقة فأصابه سهم أثبته وتعلق به غلام تركـي يسمـى برغـش فجذبـه
    إلى الأرض‏.‏ فقال يا برغش أرفق فقتله وحمل رأسه إلى السلطان فأنففه إلى
    بغداد وأمر بدفن شلوه‏.‏ وقتل من أصحابه ثلاثة آلاف أو يزيدون ومن بني
    شيبان نحو مائة وأسر ابنه دبيس ونجا إبنه بدران إلى لحفة ومن إلى البطيحة
    عند صهره مهذب الدولة‏.‏ وأسر سرجان بـن كيخسـرو والمستجيـر بصدقـة علـى
    السلطـان وسعيـد بـن حميـد العمدي صاحب الجيش‏.‏ وكـان مقتـل صدقـة لإحـدى
    وعشريـن سنـة مـن إمارتـه وهـو الـذي بني الحلة بالعراق وكان قد عظم شأنه
    وعلا قدره بين الملوك وكان جواداً حليمًا صدوقاً عادلاً في رعيته وكان يقرأ
    لا يكتب وكانت له خزانة كتب منسوبة الخط ألوف مجلدات ورب السلطان إلى
    بغداد من عون الحلة وأرسل أمانًا لزوج صدقة فجاءت إلى بغداد‏.‏ وأمر
    السلطان الأمراء بتلقيها وأطلق لها ولدها دبيسًا وإعتذر لها من قتل صدقة‏.‏
    وإستحلف دبيسًا على الطاعـة وأن لا يحـدث حدثـأ‏.‏ وأقـام فـي ظله وأقطعه
    السلطان إقطاعاً كثيراً ولم يزل دبيس مقيماً عند السلطان محمد إلى أن توفـي
    وملـك إبنـه محمـود سنـة إحـدى عشـرة فرغـب دبيـس من السلطان محمود أن
    يسرحه إلى بلده فسرحه وعاد إليها فملكها وإجتمع عليه خلق كثير من العرب
    والأكراد وإستقام أمره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خبر دبيس مع البرسقي ومع الملك مسعود


    لما توفي الخليفة المستظهر سنة إثنتي عشرة وبويع ابنه المسترشد خاف ابنه
    الآخر من غائلة أخيـه وإنحـدر فـي البحـر إلـى المدائـن وسـار منهـا إلـى
    الحفـة فأبى أن يكرهه فتلطف علي بن طراد لأخـي الخليفـة فأجـاب وتكفـل
    دبيـس بمـا يطلبـه‏.‏ وبينمـا هـو فـي خلـال ذلـك برز البرسقي من بغداد
    مجلباً على دبيس الجموع وسار أخو الخليفة إلى واسط فملكها في صفر سنة ثلاث
    عشرة وخمسمائة وقوي أمره وكثرت جموعه فبعث الخليفة إلى دبيس في شأنه وأنه
    خرج عن جواره فلقـي أمـره بالطاعـة وبعـث إليـه وهو بواسط عسكراً من قبله
    فتلقاه وقبض عليه وبعثه إلى أخيه وكان مسعود أخو السلطان محمد بالموصل ومعه
    أتابكه حيوس بك فاعتزماً على قصد العراق لغيبة السلطان محمود عنه فسار
    لذلك ومعه وزيره فخر الملك أبو علي بن عفار صاحب طرابلس وقسيم الدولة زنكي
    بن أقسنقر أبو المعالي أبو الملك العادل وكروباوي بن خراسان التركماني صاحب
    البواريح وأبو الهيجاء صاحب أربل وصاحب سنجار فلما قاربوا بغداد خاف
    البرسقي شأنهم‏.‏ وبعث إليه الملك مسعود وحيوس بك أنهم إنما جاؤوا نجدة على
    دبيس‏.‏ وكان البرسقي إنما إرتاب من حيوس بك فصالحهم ودخل مسعود بغداد
    ونزل دار المملكة‏.‏ وجـاء منكبـرس فـي العساكـر فسـار البرسقي عن بغداد
    لمحاربته ودفاعه فمال إلى النعمانية وعبر دجلة‏.‏ وإجتمع مع دبيـس بـن
    صدقـة‏.‏ وكـان دبيـس قـد صانـع مسعـوداً وصاحبـه بالهدايـا والألطاف
    مدافعة عن نفسه فلما لقيه منكبرس إعتضد بـه وسـار الملـك مسعـود والبرسقـي
    وحيوس بك إلى المدائن للقائهما‏.‏ ثم خاموا عـن لقائهمـا لكثـرة جموعهمـا
    ونكبـوا عـن المدائـن وعبروا نهر صرصر وأكثروا النهب في تلك النواحي من
    الطائفتين‏.‏ وبعث إليهـم المسترشـد بالموعظـة ويأمرهـم بالموادعـة
    والمصالحـة فأجابوا إلى ذلك‏.‏ ثم بلغهم أن دبيساً ومنكبرس قد بعثا العساكر
    مع منصور أخي دبيس وحسين بن أوزبك ربيب منكبرس ليخالفوهم إلى بغـداد
    فخلوهـا مـن الحاميـة فأغـذ البرسقـي السيـر إلـى بغـداد وتـرك ابنـه عـز
    الديـن مسعـود على ثـم جـاءه الخبـر ليوميـن بصلـح الفريقيـن كما أشار
    الخليفة ففتر نشاطه وعبر إلى الجانب الغربي من بغـداد‏.‏ وجـاء فـي أثـره
    منصـور أخـو دبيـس وحسيـن ربيـب منكبـرس فنـزلا فـي الجانـب الشرقي من
    بغداد‏.‏ وأغار البرسقي على نعم الملك مسعود فأخذها وعاد فخيم بجانب آخر من
    بغداد وخيم مسعود وحيوس بك من جانب آخر ودبيس ومنكبرس من جانب ومعهما عز
    الدولة بن البرسقـي منفـرداً عـن أبيـه‏.‏ وكـان حيـوس بـك قـد بعـث إلـى
    السلطـان محمـود بطلب الزيادة له وللملك مسعود فجاء كتاب مـع رسولـه يذكـر
    بـأن السلطـان كـان أقطعهـم أذربيجـان حتـى إذا بلغـه مسيرهـم إلـى بغـداد
    تثاقـل عـن ذلـك وقد جهز العساكر إلى الموصل‏.‏ ووقع الكتاب بيد منكبرس
    فبعث إلى حيوس بك وضمن له إصلاح الحال‏.‏ وكان يؤثر مصلحته إذ كان متزوجاً
    بأمه فتم الصلح وإفترق عن البرسقي أصحابه وبطل ما كان يحدث به نفسه من
    الإستبداد بالعراق‏.‏ وصار مع الملك مسعود وإستقر منكبرس شحنة ببغداد ورجع
    دبيس إلى الحلة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up فتنة دبيس مع السلطان محمود وإجلاؤه عن بغداد


    ثم معاودته الطاعة كان دبيس بن صدقة كثيراً ما يكاتب حيوس بك أتابك الملك
    مسعود ويغريه بطلب السلطنة ويعـده بالمساعـدة ليحصـل لـه بذلك علو اليد
    كما كان لأبيه مع بركيارق ومحمد إبني ملك شاه‏.‏ وكان قسيم الدولة البرسقي
    شحنة بغداد قد سار للملك مسعود وأقطعه مراغة مع الرحبة‏.‏ وكانت بينه وبين
    دبيس عداوة مستحكمة فأغراهم دبيس بالقبض عليه ففارقهم البرسقي إلى السلطان
    محمود فأكرمه‏.‏ ثم اتصل الأستاذ أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصفهاني
    بالملـك مسعـود وكـان ولـده أبـو المؤيد محمد يكاتب الطغرائي عن الملك
    مسعود‏.‏ فلما وصل أبوه عزل أبا علي بن عمار صاحب طرابلس واستوزره‏.‏ وحسن
    لهم ما أشار به دبيس فعزموا عليه‏.‏ ونمـي الخبـر إلـى السلطـان محمـود
    فكاتبهـم بالوعيـد فأظهـروا أمرهـم وخطبـوا للملـك مسعود بالسلطنة وضربوا
    له النوب الخمس‏.‏ وبلغهم أن عساكر محمود متفرقة فأغذوا السير لمحاربته
    والتقـوا عنـد عقبـة إسترابـاد فـي ربيـع سنـة أربـع عشـرة وأبلـى البرسقـي
    وكـان فـي مقدمته‏.‏ ثم إنهزم مسعود وأمر كثير من أصحابه وجيء بالوزير أبي
    إسماعيل الطغرائي فأمـر بقتلـه لسنـة مـن ولايته وكان حسن الكتابة والشعر
    وله تصانيف في صنعة الكيمياء‏.‏ وسار مسعود بطلب الموصل بعد أن استأمن
    البرسقي وأدركه فرده إلـى أخيـه وعفـا عنـه وعطـف عليـه‏.‏ ولحـق حيـوس بـك
    بالموصـل‏.‏ ثـم بلغـه فعـل السلطـان محمـود ومعه ألف سفينة لعبوره فبادر
    دبيس لطلب الأمـان بعـد أن أرسـل حرمه إلى البطيحة‏.‏ وسار بأمواله عن
    الحلة وأمر بنهبها‏.‏ ولحق بأبلغازي بن أرتق بماردين ووصل السلطان إلى
    الحلة فوجدها خاوية على عروشها فرجع عنها‏.‏ وأرسـل دبيـس أخـاه منصورأ من
    قلعة صفد في عسكر إلى العراق فمر بالحلة والكوفة وإنحدر إلـى البصـرة وبعـث
    إلـى برتقـش الزكوي في صلاح حالهما مع السلطان محمود فقبض على منصور أخي
    دبيس وولده وحبسهما ببعض القلاع حذاء الكرخ‏.‏ ثم أذن دبيس لجماعة من
    أصحابه بالمسير إلى أقطاعهم بواسط فمنعهم أتراك واسط فبعث إليهم عسكراً مـع
    مهلهـل بـن أبـي العسكر وأمر مظفر بن أبي الخير فساعده وإستمد أهل واسط
    البرسقي فأمدهم بعسكر‏.‏ وسار مهلهل للقائهم قبل مجيء المظفر فهزم وأخذ
    أسيراً في جماعة من أصحابه‏.‏ وأصعـد المظفـر مـن البطيحـة ينهـب ويفسد حتى
    قارب واسط‏.‏ وسمع بالهزيمة فأسرع منحدراً‏.‏ ووقع على كتاب بخط دبيس إلى
    مهلهل يأمره بالقبض على مظفر بن أبي الخيـر ومطالبته بالأموال فبعثوا به
    إلى المظفر‏.‏ وسار معهم وبلغ دبيساً أن السلطان كحل أخاه فلبس السواد ونهب
    البلاد وأخذ للمسترشد بنهر الملك وأجفـل النـاس إلـى بغـداد‏.‏ وسـار
    عسكـر واسـط إلـى النعمانيـة فأوقعـوا بمـن هنالـك مـن عساكـر دبيـس
    وأجلوهـم عنها‏.‏ وكان دبيس قد أسر في واقعة البرسقي عفيفأ خادم الخليفة
    فأطلقه وحمله إلى المسترشد عقاباً ووعيداً على كحل أخيـه فغضـب الخليفـة
    وتقـدم إلى البرسقي بالخروج لحرب دبيس وخرج بنفسه في رمضان سنة عشـرة‏.‏
    وأتـاه سليمـان بـن مهـارش مـن الحديثـة فـي جماعـة مـن بنـي عقيـل وقريش
    بن مسلم صاحب الموصل في كافة بني عقيل‏.‏ وأمر المسترشد بإستنفار الجند
    كافة وفرق فيهم الأموال والسلاح‏.‏ وجاء دبيساً ما لم يكن يحتسبه فرجع إلى
    الإستعطاف وبرز الخليفة آخر ذي الحجة وعبر دجلة وهو في أكمل زيه ومعه وزيره
    نظام الدين أحمد بن نظام الملك ونقيب الطالبييـن ونقـب النقبـاء علـي بـن
    طـراد وشيخ الشيوخ صدر الدين إسماعيل‏.‏ وبلغ البرسقي مسير المسترشد فعاد
    إلى خدمته ونزل معه بالحديثة‏.‏ ثم سار إلى الموصل على سبيل التعبية
    والبرسقي في المقدمة وعبي دبيس أصحابه صفاً واحداً‏.‏ وجعل الرجالة بين يدي
    الخيالة‏.‏ وقد كان وعد أصحابه بنهب بغداد وسبي حريمها فالتقى الفريقان
    فإنهزم عسكر دبيس وأسر جماعة من أصحابه فقتلـوا صبـراً وسبيت حرمه ورجع
    المسترشد إلى بغداد يوم عاشوراء من سنة سبع عشرة‏.‏ ونجا دبيس وعبر الفرات
    وقصد غزنة من عرب نجد مستنصراً بهم فأبوا عليه فسار إلـى المنتفق وحالفهم
    على أخذ البصرة فدخلوا ونهبوا أهلها وقتل مقدم عسكرها وبعث المسترشد إلى
    البرسقي بالعتاب على إهمال أمر البصرة فتجهز البرسقي للإنحدار إليها
    ففارقها دبيس ولحـق بقلعـة جعبـر‏.‏ وصـار مـع الفرنـج وأطعمهـم فـي حلـب
    وسـار معهم لحصارها سنة ثمان عشرة فإمتنعت عليهم فعادوا عنها ولحق هو
    بالملك طغرلبك بن السلطان محمد فأغراه بالمسير إلى العراق كما نذكر‏.‏ لمـا
    سار دبيس من الشام إلى الملك طغرل باذربيجان تلقاه بالمبرة والتكرمة
    وأنظمه في خواصه ووزرائـه‏.‏ وأغـراه دبيـس بالعـراق وضمن له ملكه فسار معه
    لذلك وإنتهوا إلى دقوقا في عساكر كثيرة‏.‏ وكتب مجاهد الدين بهروز صاحب
    تكريت إلـى المسترشـد بالخبـر فتجهـز لمدافعتهـم وجمع العساكر فبلغوا إثني
    عشر ألف فارس وبرز من بغداد في صفر سنة تسع عشرة وفي مقدمته برتقش الزكوي
    ونزل الخالص‏.‏ وإنتهى إلى طغرل خروج المسترشد فعدل إلـى طريـق خراسان ونزل
    جلولاء وتفرق أصحابه للنهب‏.‏ وبرز إليه الوزير جلال الدين بن صدقـة فـي
    عسكر كبير فنزل الدسكرة ولحقه المسترشد وكان معه‏.‏ ورحل طغرل ودبيس إلى
    الهارونية‏.‏ ثم سارا إلى تامرا ليقطعا جسر النهروان فحفـظ دبيـس المعابـر
    وتقـدم إلـى بغـداد وتملكهـا ونهبها‏.‏ ثـم رحـل دبيس من تامرا وأقام طغرل
    لحمى أصابته وحالت بينهما الأمطار والسيول‏.‏ ثم أخذ دبيـس ثقـلاً جـاء
    للخليفـة فيـه ملبـوس وطعـام كثير وكان لحقه الجوع والتعب والبرد فأخذ من
    ذلك الملبوس ولبسه وأكل من الطعام كثيراً‏.‏ وإستقبل الشمس فأخذه النوم
    ورقد‏.‏ وأما الخليفة لما بلغـه الخبـر بأخـذ الثقـل رجـع إلـى بغـداد ففـي
    حـال سيـره عثر على دبيس وهو نائم فوقف وأيقظه فحل عينيه ورأى الخليفة
    فبادر بتقبيل الأرض على العادة وسأل العفو فرق له الخليفة وثناه الوزير بن
    صدقة عن ذلك ووقف دبيس أزاء عسكر برتقش يحادثهم‏.‏ ثم مدوا الجسر آخر
    النهـار للعبـور فتسلـل دبيس عنهم ولحق بالملك طغرل وسار معه إلى عمه الملك
    سنجر وعادوا في أعمال همذان وإتبعهم السلطان محمود فلم يظفر بهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير دبيس إلي السلطان سنجر


    لما أيس طغرل من ملك العراق عندما سار إليه مع دبيس عاد منه وسار هو
    ودبيس إلى السلطان سنجر وهو يومئذ صاحب خراسان والمتقدم على بني ملك شاه
    فشكا إليه طغرل ودبيس من المسترشد وبرتقش الشحنة ووعدهم النصفة منهم‏.‏ ثم
    داخله دبيس وأطعمه في ملـك العـراق‏.‏ وخيـل لـه أن المسترشـد والسلطان
    محمود متفقان على مباعدته ولم يزل يفتل له في الذروة والغارب حتى حرك
    حفيظته لذلك وسار إلى العراق سنة إثنتين وعشرين فوصل إلى الري وإستدعى
    السلطان محموداً من همذان يختبر ما خيل له دبيـس فجـاء محمـود مبـادراً
    وأكذب دبيساً فيما خيل‏.‏ وأمر السلطان سنجر العساكر بتلقي السلطان محمود
    وأجلسه معه على التخت‏.‏ وأقام عنده إلى آخر سنة إثنتين وعشرين ثم عاد إلى
    خراسان وأوصاه بإعادة دبيس إلى بلـده فرجـع السلطـان محمـود إلـى همـذان
    ودبيـس معـه‏.‏ ثـم سـار إلـى بغـداد فـي محـرم سنـة ثلاث وعشرين وأنزل
    دبيس بداره وإسترضى له الخليفة فرضي عنه وإمتنع من ولايته وبذل فتنة دبيس
    مع محمود وأسره كانت زوجة السلطان محمود وهي ابنة عمه سنجر تعين بأمر دبيس
    فماتـت عنـد رحيـل السلطان إلى همذان فإنحل أمره‏.‏ ثم مرض السلطان فأخذ
    دبيس إبنه الصغير وقصد العراق فجمع المسترشد لمدافعته‏.‏ وكان بهروز شحنة
    بغداد بالحلة فهرب عنها وملكها دبيس في رمضـان سنة ثلاث وعشرين‏.‏ وبلغ
    الخبر إلى السلطان محمود فأحضر الأمير ابن قزل الأحمديلي وكانا ضمناً دبيس
    فطالبهما بالضمان فسار الأحمديلي في أثره‏.‏ وجاء السلطان إلى العراق فبعث
    إليـه دبيـس بهدايـا عظيمـة كـان فيهـا مائتـا ألـف دينـار وثلاثمائـة فـرس
    بسـروج مثقلـة بالذهب‏.‏ ثم جاء إلى البصرة ونهبها وأخذ ما في بيوت
    الأموال‏.‏ وبعـث السلطـان فـي أثـره العساكـر فدخـل البريـة وجـاءه عند
    مفارقته البصرة قاصداً من صرصـر يستدعيـه وكـان صاحبهـا خصيـاً فتوفي في
    هذه السنة وخلف سرية له فاستولت على القلعة وأرادت أن تتم أمرها برجل له
    قوة ونجمة فوصف لها دبيس وحاله في العراق وكثرة عشيرته فكتبت تستدعيـه
    لتتـزوج بـه وتملكـه القلعـة بمـا فيهـا فلحقـه الكتـاب بعـد مفارقتـه
    البصرة‏.‏ وقفل من العراق إلى الشام ومعه الأدلاء ومر بدمشق فحبسه وإليها
    عنده وبعث فيه عماد الدين زنكي وكان عدوه‏.‏ وكان عنده ابن تاج الملوك
    مأسوراً في واقعة كانت بينهما فطلب أن يبعث إليه دبيس ويفادى به إبنه
    والأمراء الذين معه ففعل ذلك تاج الملوك وحصل دبيس في يد زنكي وقـد أيقـن
    بالهلـاك فأطلقـه زنكـي وحمـل لـه الأمـوال والـدواب والسلـاح وخزائن
    الأمتعة كما يفعل مع أكابر الملوك‏.‏ وبلغ المسترشد خبره فبعث سديد الدين
    إبن الأنبار يطلبه من تاج الملوك فسار لذلك من جزيرة إبن عمر وبلغه في
    طريقه أنه بعثه إلى زنكي وأنه فاته القصد منه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير دبيس إلى بغداد مع زنكي وإنهزامهما


    لمـا توفـي السلطـان محمـود سنـة خمـس وعشريـن وولـي بعده داود ونازعه
    عمومته مسعود وسلجوق ثم إستقرت السلطنة لمسعود وكان أخوهما طغرل عند عمه
    سنجر بخراسان وكان كبير بيت أهل السلجوقية وله الحكم على ملوكهم فنكر على
    السلطان محمود لقتاله سلجوق وطغرل وسار به إلى العراق وإنتهى إلى همذان‏.‏
    وبعث إلى عماد الدين زنكي فولاه شحنة بغداد وإلى دبيس بن صدقة وهو عند زنكي
    فأقطعه الحلة‏.‏ وتجهز السلطان محمود لقتال سنجر وطغرل واستدعى الخليفة
    للحضور معه فخرج من بغداد وعاجلهم ورجع المسترشد إلـى بغداد وقد سمع بوصول
    زنكي ودبيس إليها ولقيهم بالعباسية فهزمهم وقتل من معسكرهم ودخل بغداد‏.‏
    وسار دبيس إلى بلاد الحلة وكانت بيد أقيال المسترشد فبعث إليها بالمدد
    فهزموا دبيساً ونجا من المعركة‏.‏ ثم جمع جمعاً وقصد واسط وإنضم إليه
    عسكرها وابن أبي الخير صاحب البطيحة وملكها إلى سنة سبع وعشرين فبعث إقبال
    الخادم وبرتقش الشحنة العساكر إلى دبيس فلقيهم في عسكر واسط وإنهزم وسار
    إلى السلطان مسعود فأقام عنده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل دبيس وولاية إبنه صدقة


    لـم يـزل دبيـس مقيمـأ عنـد السلطـان مسعـود إلـى أن حدثت الفتنة بينه
    وبين المسترشد ومات أخوه طغـرل كمـا هـو مذكـور فـي أخبارهم‏.‏ وسار مسعود
    إلى همذان بعد موت أخيه طغرل فملكها وفارقه جماعة من أعيان أمرائه ومعهم
    دبيس بن صدقة كمستوحشين منه واستأمنوا للخليفة فحذر من دبيس ولم يقبلهم
    فمضوا إلى خوزستان واتفقوا مع برسق بن برسق‏.‏ ثم تدارك الخليفة رأيه وبعث
    إلى الأمراء الذين مع دبيس بالأمان وكانوا لما ردهم الخليفة بسبب أجمعوا
    القبـض عليـه وخدمـة الخليفـة بـه‏.‏ وشعـر بهم وهرب إلى السلطان مسعود
    وبرز الخليفة من بغداد في رجب من سنة تسع وعشرين لقتال مسعود وكتب إليه
    أكثر أهل الأعمال بالطاعة‏.‏ وأرسل إليه داود بن السلطان محمود من أذربيجان
    بأن يقصد المسترشد الدينور ليحضر داود حربه فأبى وسار على التعبية حتى بلغ
    وأعرج فالتقوا هنالك‏.‏ وإنهزمت عساكر المسترشد وأخذ أسيراً ومعه وزيره
    شرف الدين علي بن طراد وقاضي القضاة وابـن الأنبـاري أعيـان الدولـة‏.‏
    وغنـم مـا فـي عسكـره وعـاد السلطـان إلى بغداد‏.‏ وبعث الأمير بكاية شحنة
    إلى بغداد وكثـر العويـل والبكاء والضجيج ببغداد على الخليفة‏.‏ وجعل
    الخليفة في خيمة ووكل به وراسله السلطان مسعود في الصلح وشرط عليه مالاً
    يؤديه ولا يجمع العساكر ولا يخرج مـن داره مـا بقي وإنعقد ذلك بينهما‏.‏
    وبينما هما في ذلك وصل رسول السلطان سنجر فركب السلطان مسعود للقائه وإفترق
    المتوكلون بالمسترشد فدخل عليه خيمته آخر ذي القعدة من سنة تسع وعشرين
    جماعة الباطنية وقتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه‏.‏ ولما قتل المسترشد
    إتهم السلطان مسعود أن دبيس بـن صدقـة دس أولئـك النفـر عليـه فأمـر بقتله
    وقصده غلام فوقف على رأسه عند باب خيمته وهو ينكث الأرض بإصبعه فأطار رأسـه
    وهـو لا يشعـر‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى إبنـه صدقـة وهـو بالحلـة فإجتمعـت
    إليه عساكر أبيه وممالكييه واستأمن إليه الأمير قطلغ تكين وأمر السلطان
    مسعود الشحنه بك أبه بمعاجلته‏.‏ وأخذ الحلة مـن يده إلى أن قدم السلطان
    بغداد سنة إحدى وثلاثين فقصده صدقة وأصلح حاله معه ولزم بابه‏.‏ ولما قتل
    المسترشد ولي ابنه الراشد بإشارة السلطان مسعود ثم حدثت الفتنـة بينـه
    وبيـن السلطان مسعود وأغراه بها عماد الدين زنكي صاحب الموصل ومعه
    الراشد‏.‏ وبايع السلطان مسعود للمقتفي سنة ثلاثين وخلع الراشد ففارق
    الموصل وسار الأمراء الذين كانوا مع داود إلى السلطان مسعود ورضي عنهم‏.‏
    ورجع إلى همذان وأذن للعساكر في العود إلى بلادهم وتمسـك بصدقـة بن دبيس
    وزوجة إبنته وسار الراشد من الموصل إلى أذربيجان قاصداً الملك وإجتمع إليه
    صاحب فارس وخوزستان وجماعة الأمراء فسار إليهم السلطان مسعود وهزمهم وأخذه
    صاحب فارس الأمير منكبرس فقتله صبراً‏.‏ تسلل صاحب خوزستان وعبد الرحمن
    طغايرك صاحب خلخال إلي السلطان مسعود وهو في خف من الناس فحملوا عليه
    وهزموه وقبضـوا علـى جماعـة مـن الأمـراء الذيـن معه فقتله منكبرس فيهم
    صدقة بن دبيس وعنبر بن أبي العسكـر‏.‏ وذهـب داود إلـى همـذان فملكهـا
    وإستقال السلطان مسعود من عثرته وولي على الحلة محمـد بن دبيس وجعل معه
    مهلهل بن أبي العسكر أخا نمير بربرة وإستقام أمره بالحلة وكان من شأن
    الراشد والسلجوقية ما نذكره في أخبارهم‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:05 am

    وفاة قريش بن بدران لولاية إبنه مسلم


    ثم توفي قريش بن بدران سنة ثلاث وخمسين ودفن بنصيبين وجاء فخر الدولة أبو
    نصر بن محمد بن جهير من دارا وجمع بني عقيل على ابنه أبي المكارم مسلم بن
    قريش فولوه عليهم واستقام أمره وأقطعه السلطـان سنـة ثمـان وخمسيـن
    الأنبـار وهيـت وحريـم والسـن والبواريـح ووصـل إلـى بغـداد فركـب الوزيـر
    بـن جهير في المركب للقائه‏.‏ ثم سار سنة ستين وأربعمائة إلى الرحبة فقاتل
    بها بني كلاب وهم في طاعة المستنصر العلوي فهزمهم وأخذ أسلابهم وبعث
    بأشلائهم وعليها سمات العلوية فطيف بها منكسة ببغداد‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء مسلم بن قريش على حلب


    وفي سنة اثنتيـن وسبعيـن سـار شـرف الدولـة مسلـم بن قريش صاحب الموصل
    إلى مدينة حلب فحاصرها ثم أفرج عنها فحاصرها تتش بن ألبارسلان وقد كان ملك
    الشام سنة إحـدى وسبعيـن قبلهـا فأقـام عليهـا أيامـا‏.‏ ثـم أفرج عنها
    وملك بزاغة والبيرة وبعث أهل حلب إلى مسلم بـن قريـش بـأن يمكنـوه مـن
    بلدهـم ورئيسهـا يومئـذ ابن الحسين العباسي فلما قرب منهم امتنعوا من ذلك
    فترصد لهـم بعـض التركمـان وهـو صاحـب حصـن بنواحيهـا‏.‏ وأقـام كذلـك
    أيامـا حتـى صادف ابن الحسين يتصيد في ضيعته فأسره وبعث به إلى مسلم بن
    قريش فأطلقه على أن يسلمـوا لـه البلـد فلمـا عـاد إلـى البلـد تـم لـه
    ذلـك وسلم له البلد فدخله سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة وإستنزل منها سابغًا
    ووثابًا ابني محمد بن مرداس وبعث إبنه إبراهيم وهو ابن عمة السلطان إلى
    السلطان يخبره بملك حلب وسأل أن يقدر عليه ضمانه فأجابه السلطان إلى ذلك
    وأقطع ابنه محمدأ مدينـة بالـس‏.‏ ثـم سـار مسلـم إلـى حـران وأخذهـا مـن
    بنـي وثـاب النميرييـن وأطاعـه صاحب الرها ونقش السكة باسمه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حصار مسلم بن قريش دمشق وعصيان أهل حران عليه


    وفي سنة ست وسبعين سار شرف الدولة إلى دمشق فحاصرها وصاحبها نتش فخرج
    فـي عسكـره وهـزم مسلـم بن قريش فارتحل عنها راجعًا إلى بلاده‏.‏ وقد كان
    إستمد أهل مصر فلـم يمـدوه‏.‏ وبلغـه الخبـر بـأن أهـل حران نقضوا الطاعة
    وأن ابن عطية وقاضيها ابن حلية عازمان علـى تسليـم البلـد للتـرك فبـادر
    إلى حران وصالح في طريقه ابن ملاعب صاحب حمص وأعطاه سليمة ورفسة وحاصر حران
    وخرب أسوارها واقتحمها عنوة وقتل القاضي وابنه‏.‏ كـان فخر الدولة أبو نصر
    محمد بن أحمد بن جهير من أهل الموصل واتصل بخدمة بني المقلد‏.‏ ثـم استوحش
    من قريش بن بدران واستجار ببعض رؤساء بني عقيل فأجاروه منه‏.‏ ومضي إلـى
    حلـب فاستـوزره معـز الدولـة أبـو ثمـال بـن صالح‏.‏ ثم فارقه إلى نصير
    الدولة بن مروان بديار بكر فاستوزره‏.‏ ولما عزل القائم وزيره أبا الفتح
    محمد بن منصور بن دارس إستدعاه للوزارة فتحيـل فـي المسيـر إلـى بغـداد
    وإتبعـه ابـن مـروان فلـم يدركـه‏.‏ ولمـا وصل إلى بغداد إستوزره القائم
    سنة أربع وخمسين وطغرلبك يومئذ هو السلطان المستبد على الخلفاء‏.‏ وإستمرت
    وزارتـه وتخللهـا العـزل في بعض المرات إلى أن مات القائم وولي المقتدي
    وصارت السلطنة إلى ملك شاه فعزله المقتدي سنة إحدى وسبعين بشكوى نظام الملك
    إلى الخليفة به وسؤاله عزله فعزله‏.‏ وسـار ابنـه عميـد الدولـة إلـى
    نظـام الملـك بأصفهان واستصلحه وشفع فيه إلى المقتدي فأعاد ابنه عميـد
    الدولـة‏.‏ ثـم عزله سنة ست وسبعين فبعث السلطان ملك شاه ونظام الملك إلى
    المقتدي بتخلية سبيل بني جهير إليه فوفدوا عليه بأصفهان ولقوا منه مبرة
    وتكرمة‏.‏ وعقد السلطان ملك شاه لفخر الدولة على ديار بكـر وبعـث معـه
    العساكـر وأمـره أن يأخـذ البلاد من ابن مروان وأن يخطب لنفسه بعد السلطان
    وينقش إسمه على السكة كذلك فسار لذلـك وتوسـط ديـار بكـر‏.‏ ثم أردفه
    السلطان سنة سبع وسبعين بالعساكر مع الأمير أرتق جد الملوك بماردين لهذا
    العهد وكان ابن مروان عندما أحس بمسير العساكر إليه بعث إلى شرف الدولة
    مسلم بن قريش يستنجده على أن يعطيه آمد من أعماله فجاء إلى آمد وفخر الدولة
    بنواحيها وقد أرتاب من إجتماع العرب على نصرة بن مروان ففتر عزمه عن
    لقائهم‏.‏ وسارت عساكر الترك الذين معه فصبحوا العرب في أحيائهم فانهزموا
    وغنموا أموالهم ومواشيهم ونجا شرف الدولة إلى آمد وحاصره فخر الدولة فيمن
    معه من العساكر‏.‏ وبعـث مسلـم بـن قريـش إلـى الأميـر أرتـق يغضـي عنـه
    فـي الخـروج مـن آمـد علـى مـال بذلـه لـه فأغضى لـه وخرج إلى الرقة وسار
    أحمد بن جهير إلى ميافارقين بلد إبن مروان لحصارها ففارقه بهاء الدولـة
    منصـور بـن مزيـد وإبنـه سيـف الدولـة صدقة إلى العراق وسار إبن جهير إلي
    خلاط وكان السلطـان ملـك شـاه لما بلغه إنحصار مسلم بن قريش بآمد بعث عميد
    الدولة أقسنقر جد الملك العادل محمود في عساكر الترك ولقيهم الأمير أرتق في
    طريقهم سائرأ إلى العراق فعاد معهم وجـاؤوا إلـى الموصـل فملكوهـا‏.‏
    وسـار السلطـان فـي عساكـره إلـى بلاد مسلم بن قريش وإنتهى إلى البواريح
    وقد خلص مسلم بن قريش من الحصار بآمد ووصل إلى الرحبة وقد ملكت عليه الموصل
    وذهبت أمواله فراسل مؤيد الملك بن نظام الملك فتوسل به فتقبل وسيلته وأذن
    له في الوصـول إلـى السلطـان بعـد أن أعطاه من العهد ما رضي به‏.‏ وسار
    مسلم بن قريش من الرحبة فأحضره مؤيد الملك عند السلطان وقدم هدية فاخرة من
    الخيل وغيرها ومن جملتها فرسـه الذي نجا عليه وكان لا يجارى فوقع من
    السلطان موقعًا وصالحه وأقره على بلاده فرجع إلى الموصل وعاد السلطان إلى
    ما كان بسبيله‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل مسلم بن قريش وولاية إبنه إبراهيم


    قد قدمنا ذكر قطلمش قريب السلطان طغرلبك وكان سار إلى بلاد الروم فملكها
    واستولى على قونية واقصراي ومات فملك مكانه ابنه سليمان وسار إلى إنطاكية
    سنة سبع وسبعين وأربعمائة وأخذها من يد الروم كما نذكر في أخباره‏.‏ وكان
    لشرف الدولة مسلم بن قريش بأنطاكيه جزية يؤديها إليه صاحبا القردروس من
    زعماء الروم فلما ملكها سليمان بن قطلمش بعث إليه يطالبه بتلك الجزية
    ويخوفه معصية السلطان فأجابه بأني على طاعة السلطان وأمري فيها غير خفي
    وأما الجزية فكانت مضروبة على قوم كفار يعطونها عن رؤوسهم وقد أدال الله
    منهم بالمسلمين ولا جزية عليهم فسار شرف الدولة ونهب جهات إنطاكيـة‏.‏
    وسـار سليمـان فنهب جهات حلب وشكت عليه الرعايا فرد عليهم‏.‏ ثم جمع شرف
    الدولة جمـوع العـرب وجموع التركمان مع أميرهم جق وسار إلى إنطاكية فسار
    سليمان للقائـه وإلتقيـا فـي أعمـال ولما إلتقوا مال الأمير جق بمن معه من
    التركمان إلى سليمان فاختل مصاف مسلم بن قريش وإنهزمـت العـرب عنـه وثبـت
    فقتل في أربعمائة من أصحابه وكان ملكه قد إتسع من نهر عيسى وجميع ما كان
    لأبيه وعمه قرواش من البلاد‏.‏ وكانت أعماله في غاية الخصب والأمن وكان
    حسـن السياسـة كثيـر العـدل‏.‏ ولما قتل مسلم إجتمع بنو عقيل وأخرجوا أخاه
    إبراهيم من محبسه بعـد أن مكـث فيـه سنيـن مقيـدًا حتـى أفسـد القيـد مشيته
    فأطلقوه وولوه على أنفسهم مكان أخيه مسلـم‏.‏ ولمـا قتـل مسلم سار سليمان
    بن قطلمش إلى إنطاكية وحاصرها شهرين فامتنعت عليه ورجع‏.‏ وفي سنة تسـع
    وسبعيـن بعدهـا بعـث عميـد العـراق عسكـرا إلـى الأنبـار فملكهـا مـن يـد
    بنـي عقيل‏.‏ وفيها أقطع السلطان ملك شاه مدينة الرحبة وأعمالها وحران
    وسروج والرقة والخابور لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وزوجه بأخته خاتون
    زليخه فتسلم جميع هذه البلاد وإمتنع محمد بن المشاطر من تسليم حران فأكرهه
    السلطان على تسليمها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up نكبة إبراهيم وتنازع محمد وعلي ابني مسلم بعده على ملك الموصل


    ثم إستيلاء علي عليها لم يزل إبراهيم بن قريش ملكًا بالموصل وأميرًا على
    قومه بني عقيل حتى إستدعاه السلطان ملك شاه سنة إثنتين وثمانين فلما حضر
    إعتقله وبعث فخر الدولة بن جهير على البلاد فملك الموصـل وغيرهـا وأقطع
    السلطان عمته صفية مدينة بلد وكانت زوجًا لمسلم بن قريش ولها منه ابنه علي
    وتزوجت بعده بأخيه إبراهيم فلما مات ملك شاه إرتحلت صفية إلى الموصل ومعها
    إبنها علي بن مسلم وجاءه أخوه محمد بن مسلم وتنازعا في ملك الموصل وإنقسمت
    العرب عليهما‏.‏ وإقتتلوا على الموصل فانهزم محمد وملك علي ودخل الموصل
    وإنتزعها مـن يـد ابـن جهير‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عود إبراهيم إلي ملك الموصل ومقتله


    ولما مات ملك شاه وإستبـدت تركمـان خاتـون بعـده بالأمـور وأطلقـت
    إبراهيـم مـن الإعتقـال فبادر إلى الموصل فلما قاربها سمع أن علي ابن أخيه
    مسلم قد ملكها ومعه أمه صفية عمة ملـك شـاه فبعث إليها وتلطف بها فدفعت
    إليه ملك الموصل فدخلها وكان تتش صاحب الشام أخو ملك شاه قد طمع في ملك
    العراق وإجتمع إليه الأمراء بالشام وجاء أقسنقر صاحب حلب وسار إلى نصيبين
    فملكها وبعث إلى إبراهيم أن يخطب له ويسهل طريقه إلى بغداد فامتنـع
    إبراهيـم مـن ذلـك فسـار تتـش ومعـه أقسنقر وجموع الترك‏.‏ وخرج إبراهيم
    للقائه في ثلائين ألفـا‏.‏ والتقي الفريقان بالمغيم فانهزم إبراهيم وقتل
    وغنم الترك حللهم وقتل كثير من نساء العرب أنفسهن خوفًا من الفضيحة واستولى
    تتش على الموصل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية علي بن مسلم علي الموصل


    ثم إستيلاء كربوقا وإنتزاعه إياها من يده وانقراض أمر بني ولمـا قتـل
    إبراهيم وملك تتش الموصل ولي عليها علي بن أخيه مسلم بن قريش فدخلها مع أمه
    صفيـة عنـد ملـك شـاه وإستقـرت هـي وأعمالهـا فـي ولايتـه‏.‏ وسار تتش إلى
    ديار بكر فملكها ثم إلـى أذربيجـان فاستولى عليها‏.‏ وزحف إليه بركيارق
    وابن أخيه ملك شاه وتقاتلا فانهزم تتش وقـام بمكانـه ابنـه رضـوان وملـك
    حلـب‏.‏ وأمـره السلطـان بركيـارق بإطلـاق كربوقـا فأطلقه‏.‏ وإجتمعـت
    عليـه رجال وجاء إلى حران فملكها وكاتبه محمد بن مسلم بن قريش وهو بنصيبين
    ومعـه تـوران بـن وهيـب وأبـو الهيجـاء الكردي يستنصرونه على علي بن مسلم
    بن قريش بالموصل فسار إليهم وقبض على محمد بن مسلم وسار به إلى نصيبين
    فملكها‏.‏ ثم سار إلى الموصل فامتنعت عليه ورجع مدينة بلد وقتل بها محمد بن
    مسلم غريقًا وعاد إلى حصار الموصل‏.‏ وإستنجـد علـي بـن مسلـم بالأميـر
    جكرمـش صاحـب جزيـرة ابـن عمـر فسـار إليـه منجداً له‏.‏ وبعث كربوقـا
    إليـه عسكـرًا مـع أخيـه التوتنـاش فـرده مهزومًـا إلى الجزيرة فتمسك بطاعة
    كربوقا وجاء مدداً له على حصار الموصل‏.‏ وأشتد الحصار بعلي بن مسلم فخرج
    من الموصل ولحق بصدقة بن مزيـد بالحلـة وملك كربوقا بلد الموصل بعد حصار
    تسعة أشهر‏.‏ وإنقرض ملك بني المسيب من الموصل وأعمالها واستولى عليها ملوك
    الغز من السلجوقية أمراؤهم والبقاء لله وحده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني صالح بن مرداس بحلب وإبتداء أمرهم


    وتصاريف أحوالهم كان ابتداء أمر صالح بن مرداس ملك الرحبة وهو من بني
    كلاب بن ربيعة بـن عامـر بـن صعصعة ومجالاتهم بضواحي حلب‏.‏ وقال ابن حزم
    إنه من ولد عمرو بن كلاب وكانت مدينة الرحبة لأبي علي بن ثمال الخفاجي
    فقتله عيسى بن خلاط العقيلي وملكها من يده وبقيت له مـدة‏.‏ ثم أخذها منه
    بدران بن المقلد‏.‏ وزحف لؤلؤ الساري نائب الحاكم بدمشق فملك الرقة ثـم
    الرحبـة مـن يـد بـدران وعـاد إلـى دمشـق‏.‏ وكـان رئيـس الرحبـة ابن
    مجلكان فاستبد بها‏.‏ وبعث إلـى صالـح بـن مـرداس يستعيـن بـه علـى أمـر
    فأقـام عنـده مدة ثم فسد ما بينهما وقاتله صالح‏.‏ ثم إصطلحـا وزوجـه ابـن
    مجلكـان إبنتـه ودخـل البلـد‏.‏ ثم إنتقل ابن مجلكان إلى عانه بأهله وماله
    بعد أن أطاعـوه وأخـذ رهنهـم‏.‏ ثـم نقضـوا وأخـذوا مالـه وسـار إليهم ابن
    مجلكان مع صالح فوضع عليه صالح من قتله وسار إلى الرحبة فملكها واستولى على
    أموال ابن لجلكان وأقام دعوة العلويين بمصر‏.‏ إبتداء أمر صالح في ملك حلب
    قـد قدمنـا أن لؤلـؤا مولـى أبـي المعالـي بـن سيـف الدولـة إستبد بحلب
    على ابنه أبي الفضائل وأخذ البلـد منـه ومحـا دعـوة العباسيـة وخطـب
    للحاكـم العلـوي بمصـر‏.‏ ثـم فسـد حاله معه وطمع صالح بن مرداس في ملك
    حلب‏.‏ وذكرنا هنالك ما كان بين صالح ولؤلؤ من الحروب وأنه كان له مولى
    اسمه فتح وضعه في قلعة حلب حافظًا لها فاستوحش وإنتقض على لؤلؤ بممالأة
    صالح بن مرداس وبايع للحاكم على أن يقطعه صيدا أو بيروت وسوغه ما كان في
    حلب من الأموال‏.‏ ولحـق لؤلـؤ بأنطاكيـة وأقـام عنـد الروم‏.‏ وخرج فتح
    بحرم لؤلؤ وأمه وتركهن في منبج‏.‏ وترك حلب وقلعتهـا إلـى نـواب الحكـم
    وتداولـت فـي أيديهـم حتـى وليهـا بعض بني حمدان من قبل حاكم يعرف بعزيز
    الملك اصطنعه الحاكم وولاه حلب‏.‏ ثم عصى على ابنه الظاهر وكانت عمته بنت
    الملك مدبـرة لدولتـه فوضعـت علـى عزيـز الملـك من قتله‏.‏ وولوا على حلب
    عبد الله بن علي بن جعفر الكتامي ويعرف بابن شعبان الكتامي وعلى القلعة صفي
    الدولة موصوفًا الخادم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء صالح بن مرداس على حلب


    ولمـا ضعـف أمـر العبيدييـن بمصر من بعد المائة الرابعة وانقرض أمر بني
    حمدان من الشام والجزيرة تطاولت العرب إلى الاستيلاء على البلاد فاستولى
    بنو عقيل على الجزيرة واجتمع عرب الشام فتقاسموا البلاد على أن يكون لحسان
    بن مفرج بن دغفل وقومه طيء من الرملـة إلـى مصـر ولصالح بن مرداس وقومه بني
    كلاب من حلب إلى عانة ولحسان بن علينان وقومه دمشق وأعمالها‏.‏ وكان
    العامل على هذه البلاد من قبل الظاهر خليفة مصر أنوشتكين إلى عسقلان
    وملكهـا ونهبها حسان‏.‏ وسار صالح بن مرداس إلى حلب فملكها من يد ابن شعبان
    وسلم له أهل البلد ودخلها‏.‏ وصعد ابن شعبان إلى القلعة فحصرهـم صالـح
    بالقلعـة حتـى جهدهـم الحصار واستأمنوا وملك القلعة وذلك سنة أربع وعشرين
    وأربعمائة واتسع ملكه ما بين بعلبك وعانة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل صالح وولاية ابنه أبي كامل


    ولم يزل صالح مالكا لحلب إلى سنة عشرين فجهز الظاهر العساكر من مصر إلى
    الشام لقتال صالح وحسان وعليهم أنوشتكين الدريدي فسار لذلك ولقيهما على
    الأردن بطبرية وقاتلهما فانهزما وقتل صالح وولده الأصغر ونجا ولده الأكبر
    أبو كامل نصر بن صالح إلى حلب وكان يلقـب شبـل الدولـة‏.‏ ولمـا وقعت هذه
    الواقعة طمع الروم أهل إنطاكية في حلب فزحفوا إليها في عدد كثير‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير الروم إلى حلب وهزيمتهم


    ثـم سـار ملـك الـروم إلـى حلـب فـي ثلاثمائـة ألـف مقاتـل ونزل قريبا من
    حلب ومعه ابن الدوقس من أكابر الروم وكان منافرًا له فخالفه وفارقه في
    عشرة آلاف مقاتل ونمي إليه أنه يروم الفتك به وأنه دس عليه فكر راجعًا وقبض
    على ابن الدوقس واضطرب الروم وإتبعهم العـرب وأهـل السواد الأرمن ونهبوا
    أثقال الملك أربعمائة حمل وهلك أكثر عسكره عطشًا‏.‏ ثم أشرف بعض العرب على
    معسكره فهربوا وتركوا سوادهم وأموالهم وأكرم الله المسلمين بالفتح‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل نصر بن صالح وإستيلاء الوزيري على حلب


    وفي سنة تسع وعشرين زحف الوزيري من مصر في العساكر إلى حلب وخليفتهم
    يومئـذ المستنصر وبرز إليه نصر فالتقـوا عنـد حمـاة وانهـزم نصـر وقتـل‏.‏
    وملـك الوزيـري حلـب فـي رمضان من هذه السنة‏.‏ مهلك الوزيري وولاية ثمال
    بن صالح ولما ملك الوزيري حلب واستولى على الشام عظم أمره واستكثر من
    الأتراك في الجند ونمي عنه إلى المستنصر بمصر ووزيره الجرجاي أنه يروم
    الخلاف فدس الجرجاي إلى جانب الوزيري والجند بدمشق في الثورة به وكشف لهم
    عن سوء رأي المستنصر فثاروا بـه وعجـز عـن مدافعتهم فاحتمل أثقاله وسار إلى
    حلب ثم إلى حماة فمنع من دخولها فكاتب صاحب كفر طـاب فسـار إليـه وتبعـه
    إلـى حلـب ودخلهـا وتوفي سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ ولما توفي فسد أمر الشام
    وإنحـل النظـام وتزايـد طمـع العـرب‏.‏ وكـان معـز الدولـة ثمال بن صالح
    بالرحبة منذ مهلك أبيه وأخيه فقصد حلب وحاصرها فملك المدينة وإمتنع أصحاب
    الوزيري بالقلعة‏.‏ وإستمدوا أهل مصر وشغل الوالي بدمشق بعد الوزيري وهو
    الحسين بن حمدان لحرب حسان بن مفرج صاحب فلسطين فاستأمن أصحاب الوزيري إلى
    ثمال بن صالح بعد حصاره إياها حولا فأمنهم وملكها فـي صفـر سنـة أربـع
    وثلاثيـن‏.‏ فلـم يـزل مملكًا عليها إلى أن زحفت إليه العساكر من مصر مع
    أبي عبيد الله بن ناصر الدولة بن حمدان‏.‏ وبلغت جموعهم خمسة آلاف مقاتل
    فخرج إليهم ثمال وقاتلهـم وأحسن دفاعهم وأصابهم سيل كاد يذهب بهم فأفرجوا
    عن حلب وعادوا إلى مصر‏.‏ ثم عادت العساكر ثانية من مصر سنة إحدى وأربعين
    مع رفقًا الخادم فقاتلهم ثمال وهزمهم وأسر الخادم رفقًا ومات عنده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up رغبة ثمال عن حلب ورجوعها لصاحب مصر وولاية ابن ملهم عليها


    لم تزل العساكر تتردد من مصر إلى حلب وتضيق عليها حتى سئم ثمال بن صالح
    إمارتها وعجـز عـن القيـام بهـا فبعـث إلـى المستنصـر بمصـر وصالحـه علـى
    أن ينزل له عن حلب فبعث عليها مكين الدولة أبا علي الحسن بن ملهم فتسلمها
    آخر سنة تسع وأربعين‏.‏ وسار ثمال إلى مصر ثورة أهل حلب بابن ملهم وولاية
    محمود بن نصر بن صالح وأقام ابن ملهم بحلب سنتين أو نحوها ثم بلغه عن أهل
    حلب أنهم كاتبوا محمود بن نصر بن صالـح فقبـض عليـه فثـار بـه أهل حلب
    وحصروه بالقلعة وبعثوا إلى محمود فجاء منتصف إثنتين وخمسين وحاصره معهم
    بالقلعة‏.‏ وإجتمعت معه جموع العرب وإستمـد ابـن ملهـم المستنصـر فكتـب
    إلـى أبـي محمـد الحسن بن الحسين بن حمدان أن يسير إليه في العساكر فسار
    إلى حلب وأجفل محمود عنها‏.‏ ونزل ابن ملهم إلى البلد ودخلها ناصر الدولة
    ونهبتها عساكره وابن ملهم‏.‏ ثـم تواقـع محمـود وناصـر الدولـة بظاهـر حلب
    فانهزم ناصر الدولة بن حمدان وأسر فرجع به محمود إلـى البلـد وملكهـا وملـك
    القلعـة فـي شعبـان مـن هـذه السنـة وأطلـق أحمد بن حمدان وابن ملهم فعاد
    إلى مصر‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up رجوع ثمال بن صالح إلى ملك حلب وفرار محمود بن نصر عنها


    لمـا هزم محمود بن حمدان وأخذ القلعة من يد ابن ملهم‏.‏ وكان معز الدولة
    ثمال بن صالح بمصر منـذ سلمهـا للمستنصـر سنـة تسـع وأربعيـن فسرحـه
    المستنصـر الـآن وأذن له في ملك حلب من ابن أخيه فحاصره في ذي الحجـة مـن
    سنـة إثنتيـن وخمسيـن‏.‏ وإستنجـد محمـود بخالـه منيـع بـن شبيـب بـن وثاب
    النميري صاحب حران فأمح‏!‏ بنفسه وجاء لنصره فأفرج ثمال عن حلب وسار إلى
    البرية في محرم سنة ثلاث وخمسين‏.‏ ثم عاد منيع إلى حران وملك ثمال حلب في
    ربيع ثلاث وخمسين وغزا بلاد الروم فظفر وغنم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة ثمال وولاية أخيه عطية


    ثم توفي ثمال بحلب قريبًا من إستيلائه وذلك في ذي القعدة سنة أربع وخمسين
    وعهد بحلب لأخيه عطية بن صالح وكان بالرحبة من لدن مسير ثمال إلى مصر فسار
    وملكها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عود محمود إلى حلب وملكه إياها من يد عطية


    ولمـا ملـك عطيـة حلـب وكـان ذلك عند استيلاء السلجوقية على ممالك
    العراق والشام وافتراقهم على العمالات‏.‏ ونزل به قوم منهم فاستخدمهم وقوي
    بهم‏.‏ ثم خشي إصطحابه غائلتهم فأشاروا بقتلهم فسلط أهل البلد عليهم
    فقتلـوا منهـم جماعـة ونجـا الباقـون فقصـدوا محمود بن نصر بحران فاستنهضوه
    لملك حلب‏.‏ وجاءهم فحاصرها وملكها في رمضان سنة خمـس وخمسيـن وإستقـام
    أمـره‏.‏ ولحـق عطيـة عمه بالرقة فملكها إلى أن أخذها منه شرف الدولة مسلـم
    بـن قريـش سنـة ثلاث وستين فسار إلى بلد الروم سنة خمس وستين وإستقام أمر
    محمود بن نصر في حلب‏.‏ وبعـث التـرك الذيـن جـاؤوا فـي خدمتـه مـع أميرهـم
    ابـن خـان سنـة ستيـن إلـى بعـض قلاع الروم فحاصروها وملكها‏.‏ وسار محمود
    إلى طرابلس فحاصرهـا وصالحـوه علـى حـال فأخرج عنهم‏.‏ ثم سار إليه
    السلطان ألبأرسلان بعد فراغه من حصار ديار بكر وآمد والرها ولم يظفر بشيء
    منها كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وجاء إلى حلب وحاصرها وبها محمود بن نصر‏.‏
    وجاءت رسالة الخليفة القائم بالرجوع إلى الدعـوة العباسيـة فأعادها وسأل من
    الرسول أزهر أبو الفراس طراد الزيني أن يعفيه السلطان من الحضور عنده فأبى
    السلطان من ذلك وإشتد الحصار على محمود وأضربهم حجارة المجانيق فخرج ليلاً
    ومعه والدته منيعة بنت وثاب متطارحين على السلطان فخلع على محمود في حلـب
    آخـر ثمان وستين وعهد لإبنه شبيب إلى الترك الذين ملكوا أباه وهم بالحاضر
    وقد بلغه عنهـم العيـث والفسـاد فلما دنا من حللهم تلقوه فلم يجبهم وقاتلهم
    وأصيب بسهم في تلك الجولة ومات‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مهلك نصر بن محمود وولاية أخيه سابق


    ولمـا هلـك نصـر ملـك أخـوه سابـق‏.‏ قـال ابـن الأثيـر‏:‏ وهـو الـذي
    أوصـى لـه أبوه بالملك فلم ينفذ عهده لصغره فلما ولي استدعى أحمد شاه مقدم
    التركمان الذين قتلوا أباه فخلع عليه وأحسن إليه وبقي فيها ملكا‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء مسلم بن قريش علي حلب من يد سابق


    وإنقراض دولة بني صالح بن مرداس ولما كانت سنة إثنتين وسبعين زحف تتش
    بعد أن ملك دمشق إلى حلب فحاصرها أيامأ ووجل أهل حلب من ولاية الترك فبعثوا
    إلى مسلم بن قريش ليملكوه‏.‏ ثم بدا لهم في أمره ورجـع مـن طريقـه وكـان
    مقدمهـم يعـرف بإبـن الحسيـن العباسـي‏.‏ وخرج ولده متصيدًا في ضيعة له
    فأرسل له بعض أهل القلاع بنواحي حلب من التركمان وأسره وأرسله إلى مسلم بن
    قريش فعاهـده علـى تمكينـه مـن البلـد وعـاد إلـى أبيه فسلم البلد إلى مسلم
    بن قريش وملكها سنة ثلاث وسبعين‏.‏ ولحق سابق بن محمود وأخوه وثاب إلى
    القلعة وإستنزلهما بعد أيام علـى الامـان وإستولى على نواحيها‏.‏ وبعث إلى
    السلطان ملك شاه بالفتح وأن يضمـن البلـد علـى العـادة فأجابه إلى ذلك
    وصارت في ولاية مسلم بن قريش إلى أن ملكها السلطان من بعده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء السلطان ملك شاه على حلب وولاية أقسنقر عليها


    قد تقدم لنا أن مسلم بن قريش قتله سليمان بن قطلمش كما مر في أخبار مسلم
    فلما قتله أرسل إليه ابن الحسين العباسي مقدم أهل حلب يطلب تسليمها
    إليه‏.‏ وكان تتش أيضًا قد حاصرها وضيق عليها بطلب ملكها فوعد كلاً منهما
    ونمي الخبر إلى تتش فسار إلى حلب وجاءه سليمان بن قطلمش فاقتتلا وقتل
    سليمان سنة تسع وسبعين وبعث برأسه إلى ابن الحسيـن فكتـب أنـه يشـاور
    السلطـان ملـك شـاه فـي ذلـك فغضـب تتش وحاصره وداخله بعض أهل البلد فغدر
    به وأدخله ليلاً فملك تتش مدينة حلب وشفع الأمير أرتق بن أكسك من أمراء
    تتـش فـي ابـن الحثيثـي وإمتنـع بالقلعـة سالـم بـن مالـك بـن بـدران بـن
    المقلـد فحاصـره تتـش‏.‏ وكان ابن الحثيثـي قد كاتب السلطان ملك شاه
    واستدعاه لملك حلب عندما خاف من أخيه تاج الدولة تتش فسار إليها من أصفهان
    سنة تسع وأربعين ومر بالموصل‏.‏ ثم تسلم حران من يد ابن الشاطر وأقطعها
    لمحمد بن قريش‏.‏ ثم سار إلى الرها فملكها من يد الروم وكانوا إشتروها من
    ابن عطية وسار إلى قلعة جعفر فملكها وقتل من بها من بني قشير وأخذ صاحبها
    جعفراً شيخاً أعمى وولديـن لـه وكانـوا يفسدون السابلة ويرجعون إليها‏.‏ ثم
    سار إلى منبج فملكها وسار إلى حلب وأخـوه تتـش يحاصر القلعة سبعة عشر
    يوماً من حصارها وعاد إلى دمشق وملك السلطان مدينة حلب وقاتل القلعة ساعة
    من نهار رشقاً بالسهام فأذعن سالم بن مالك بن بحران بالطاعة والنزول عنهـا
    علـى أن يقطعـه قلعة جعفر فاقطعها له السلطان فلم تزل بيده ويد بنيه إلى أن
    ملكها منهم نور الدين الشهيد‏.‏ وبعث نصر بن علي بن منقذ الكناني صاحب
    شيزر بالطاعة وولي على حلب قسيم الدولة أقسنقر جد العادل نور الدين الشهيد
    وإرتحل عائدأ إلى العراق وسأله أهل حلـب أن يعفيهـم مـن ابـن الحثيثـي
    فاستصلحـه وأرسلـه إلـى ديـار بكـر فنزلهـا إلـى أن توفـي على حال شديدة من
    الفقر والإملاق والله مالك الأمور لا رب غيره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني مزيد ملوك الحلة وإبتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم


    كان بنو مزيد هؤلاء من بني أسد وكانت محلاتهم من بغـداد إلـى البصـرة
    إلـى نجـد وهـي معروفة‏.‏ وكانت له النعمانية وكانت بنو دبيس من عشائرهم في
    نواحي خوزستان في جزائر معروفـة بهـم‏.‏ وكـان كبيـر بنـي مزيـد أبـو
    الحسـن علـي بـن مزيـد وأخوه أبو الغنائم‏.‏ وسار أبو الغنائم إلـى بنـي
    دبيـس فأقـام عندهم وفر فلم يدركوه ولحق بناحية أبي الحسن فسار إليهم أبو
    الحسن وإستمد عميد الجيوش فأمده بعسكر من الديلم في البحر ولقيهم فأنهزم
    أبو الحسن وقتل أبو الغنائم وذلك سنة إحدى وأربعمائة‏.‏ فلما كانت سنة خمس
    جمع أبـو الحسـن وسـار إليهـم لإدراك الثأر بأخيه‏.‏ وجمع بني دبيس وهم مضر
    وحسان ونبهان وطراد فإجتمع إليهم العرب ومن في نواحيهم من الأكراد
    الشاهجان والحادانية وتزاحفوا‏.‏ ثم إنهزم بنو دبيس وقتل حسان ونبهـان
    وإستولـى أبو الحسن بن مزيد على أموالهم وحللهم‏.‏ ولحق الفل منهم بالجزيرة
    وقلده فخر الدولة أمر الجزيرة الدبيسية وإستثنى منها الطيب وقرقوب‏.‏
    وأقام أبو الحسن هناك‏.‏ ثم جمع مضر بن دبيس جمعًا وكبسه فنجا في فل يسير
    ولحق ببلد النيل منهزمًا وإستولى مضر على أمواله وعلى الجزيرة وملكها‏.‏
    ثـم توفي أبو الحسن بن مزيد سنة ثمان وقام الأمر مكانه إبنه نور الدولة أبو
    الأغر دبيس وقد كان أبـوه عهـد لأخيـه فـي حياتـه وخلـع عليـه سلطـان
    الدولـة وأذن فـي ولايتـه‏.‏ فلمـا ولـي بعـد أبيـه نـزع أخـوه المقلـد
    إلـى بنـي عقيـل فأقـام بينهـم وكانـت بسبـب ذلـك بيـن دبيس وقرواش‏:‏
    أميري بني عقيل فتـن وحـروب‏.‏ وجمـع دبيـس عليـه بنـي خفاجـة وملـك
    الأنبـار مـن يـده سنة سبع عشرة‏.‏ ثم إنتقض خفاجة على دبيس وأميرهم منيع
    بن حسان‏.‏ وسار إلـى الجامعيـن فنهبهـا وملـك الكوفـة‏.‏ وصار أمر دبيس
    وقرواش إلى الوفاق وإستوى الأمر على ذلك ومنعت خفاجة بني عقيل من سقي
    الفرات‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إستيلاء منصور بن الحسين علي الجزيرة الدبيسية


    كانـت الجزيرة الدبيسية قد إستقرت لطراد بن دبيس وكان منصور بن الحسين من
    شعوب بني أسـد تغلـب عليهـا وأخرج طراد بن دبيس عنها سنة ثمان عشرة‏.‏ ثم
    مات طراد فسار ابنه أو الحسن إلى جلال الدولة ببغداد وكان منصور بن الحسين
    قد خطب للملك أبي كليجار وقطع الخطبـة لجلال الدولة فسأل منه علي بن طراد
    أن يبعث معه عسكراً ليخرج منصورًا من الجزيرة فأنفذ معه العسكر وسار إلى
    واسط‏.‏ ثم أغذ السير وكان منصور جمع للقائه وأعانه بعض أمراء الترك وهو
    أبو صالح كركبر‏.‏ وكان قد هرب من جلال الدولة إلى أبي كليجار فأعان منصورأ
    على شأنه ولقوا علي بن طراد فهزموه وقتلوه وجماعة من الترك الذين بعثهم
    جلال الدولة لنصرته‏.‏ وإستقر ملك الجزيرة الدبيسية لمنصور بن الحسين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up فتنة دبيس مع جلال الدولة وحروبه مع قومه


    كان المقلد أخو دبيس بن مزيد قد لحق ببني عقيل كما ذكرناه وكانت بينه
    وبين نور الدولة دبيس عداوة فسار إلى منيغ بن حسان أمير خفاجه وإجتمعا على
    قتال دبيس وعلى خلافة جلال الدين وخطب لأبي كليجار وإستقدمه للعراق فجاء
    إلى واسط وبها ابن جلال الدولة ففارقها وقصد التغمانية ففجر عليه البثوق من
    بلده‏.‏ وأرسل أبو كليجار إلى قراوش صاحب الموصل والأثير عنبر الخادم أن
    ينحدروا إلى العراق فانحدروا إلى الكحيل‏.‏ ومات بها الأثير عنبر وجمع جلال
    الدولة عساكره وإستنجد أبا الشوك صاحب بلاد الأكراد فأنجحه وإنحدر إلى
    واسط وأقام بها وتتابعت الأمطار وإلأوحال فسار جلال الدولة إلـى الأهـواز
    بلـد أبـي كليجـار لينهبهـا‏.‏ وبعـث أبـو كليجـار إليـه بـأن عساكـر
    محمـود بـن سكتكين قد قصدت العراق ليرده عن الأهواز فلم يلتفت إلى ذلك وسار
    ونهب الأهواز وبلغ الخبر إلى أبي كليجار فسار إلى مدافعته وتخلف عنه دبيس
    خوفًا على حلله من خفاجة‏.‏ وإلتقي أبو كليجار وجلال الدولة فإنهزم أبو
    كليجار وقتل من أصحابه كثير‏.‏ وإستولى جلال الدولة على واسط وأعاد إليها
    إبنه عبد العزيز كما كان‏.‏ ولما فارق دبيس أبا كليجار وجد جماعة من عشيرته
    قد خالفوا عليه وعادوا في نواحي الجامعين فقاتلهم وظفر بهم وأسر منهم
    جماعـة منهـم أبـو عبـد الله الحسين ابن عمه أبي الغنائم وشبيب وسرايا ووهب
    وبنو عمه حماد بن مزيد وحبسهم بالجوسق‏.‏ ثم جمع المقلد أخوه جموعاً من
    العـرب وإستمـد جلـال الدولـة فأمده بعسكر وقصدوا دبيس فإنهزم وأسر جماعة
    من أصحابه ونزل المعتقلون بالجوسق فنهبوا حللـه‏.‏ ولحـق دبيـس بالشريـد
    منهزمـاً فسار به إلى مجد الدولة وضمن عنه المال المقرر في ولايته فأجيب
    إلى ذلك وخلع عليه وإستقام حاله‏.‏ وذهب المقلد مع جماعة من خفاجة فنهبوا
    مطير أباد والنيل أقبح نهب وعادوا في منازلها ولم تكن الحلة بنيت يومئذ‏.‏
    وعبر المقلد دجلة إلى أبي الشوك فأقام عنده حتى أصلح أمره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الفتنة بين دبيس وأخيه ثابت


    كـان أبـو قـوام ثابـت بـن علـي بـن مزيـد متصـلاً بالبساسيـري سنة أربع
    وعشرين وتزحزح لهم دبيس عن البلاد وملك ثابت النيل وأعمال دبيس‏.‏ وبعث
    دبيس طائفة مـن أصحابـه لقتـال ثابـت فإنهزمـوا فسـار دبيـس عـن البلـاد
    وتركهـا لثابـت حتـى رجـع البساسيـري إلى بغداد فسار في جموع بني أسد
    وخفاجة ومعه أبو كامل منصور بن قراد وتركوا حللهم بين حصني خفان وجرى‏.‏
    وساروا جريدة ولقيهم ثابت عند جرجراً فأقتتلوا ملياً‏.‏ ثم تحاجزوا
    وإصطلحوا على أن يعود دبيس إلى أعماله ويقطع أخاه ثابتاً بعض تلك الأعمال
    وتحالفوا على ذلك وإفترقـوا‏.‏ وجـاء البساسيري منجداً لثابت فبلغه الخبر
    بالنعمانية فرجع‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الفتنة بين دبيس وعسكر واسط


    كان الملك الرحيم قد أقطع دبيس بن مزيد سنة إحدى وأربعين حماية نهر
    الصلة ونهر الفضل وهـي من إقطاع جند واسط فسخطوا ذلك وإجتمعوا وبعثوا إليه
    بالتهديد فراجعهم إلى حكم الملـك الرحيـم فغضبـوا وزحفـوا إليـه فلقيهـم
    وأكمـن لهـم فهزمهـم وأثخـن فيهـم وغنـم أموالهم ودوابهـم ورجعـوا إلـى
    واسـط يستنجـدون جنـد بغـداد ويرغبـون من البساسيري في المدافعة عنهم
    ويعطوه نهر الصلة ونهر الفضل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إيقاع دبيس بخفاجة


    وفي سنة ست وأربعين قصد بنو خفاجة الجامعين من أعمال دبيس فعادوا فيها
    من غربي الفرات وكان دبيس في شرقيه فاستنجد البساسيري فجاء بنفسه وعبر دبيس
    الفرات معه وقاتـل خفاجـة وأجلادهـم عـن الجامعين فسلكوا البرية ورجع
    عنهم‏.‏ ثم عادوا للفساد فعاد إليهم فدخلوا البرية فإتبعهم إلى خفان فأوقع
    بهم وأثخن فيهم‏.‏ وحاصر خفان ثم إقتحمه وأخرجهم ورجـع إلـى بغـداد ومعـه
    أسـارى مـن خفاجـة فصلبـوا‏.‏ ثـم سـار إلـى جرى فحاصرها ووضع عليهم سبعة
    آلاف دينار فالتزموها وأمنهم‏.‏ حرب دبيس مع الغز وخطبته للعلوي صاحب مصر
    ومعاودته الطاعة ولمـا إنقـرض أمـر بنـي بويـه وغلـب عليهـم الغـز وصـارت
    الدولة للسلطان طغرلبك سلطان السلجوقية وجاء السلطان طغرلبك إلى بغداد
    وإستولى على الخليفة وخطب له على منابر الإسلام وقبض على الملك الرحيم آخر
    ملوك بني بويه حسبما ذلك كله مذكور في أخبارهم وكـان البساسيـري قـد فـارق
    الملـك الرحيم قبل مسيره من واسط إلى بغداد للقاء طغرلبك مجمعأ على الخلـاف
    علـى الغـز مـع قطلمـش إبـن عـم طغرلبـك جـد الملـوك ببلـاد الـروم أولـاد
    قليـج أرسلان ومعه متمم الدولة أبو الفتح عمر وسـار معهـم قريـش بـن
    بـدران صاحـب الموصـل فلقيهم دبيس والبساسيري على سنجار وهزم ورجع قريش إلى
    دبيس جريحاً فخلع عليه وسار معهم وذهب بهم إلى الموصل‏.‏ وخرج‏:‏ دبيس
    وقريش والبساسيري إلى البرية ومعهم جماعة من بني نمير أصحاب حران والرقة
    إتبعهم عساكر السلطان مع هزارسب من أمراء السلجوقيـة فأوقـع بهـم ورجـع
    بالغنائـم الأسـرى‏.‏ وأرسـل دبيـس وقريـش إلى هزارسب أن يستعطف السلطان
    ففعل‏.‏ وبعث دبيس ابنه بهاء الدولة مع وافد قريش فأكرمهما السلطان
    طغرلبك‏.‏ ثم إنتقض عليه أخوه نيال بهمذان فسار لحربه‏.‏ وترك بغداد وخالفه
    البساسيري إليها‏.‏ وبعث الخليفة القائم عن دبيـس ليقيـم عنـده ببغـداد
    فإعتـذر بـأن العـرب لا تقيـم‏.‏ وطلـب الخليفـة فـي الخـروج إليه حتى
    يجتمع عليه هو وهزارسب ويدافعوا عن بغداد‏.‏ وجاء البساسيري ودخل بغداد
    ومعـه قريـش بـن بحـران فملكهـا سنـة خمسيـن وخطـب فيهـا للعلوييـن وإستذم
    الخليفة القائم بقريش بن بـدران فأذمـه وبعثـه إلـى عانـة عنـد مهـاوش
    العقيلـي مـن بني عمه‏.‏ وفعل البساسيري وجموعه في بغـداد الأفاعيـل
    وأطاعـه دبيـس بـن علـي بـن مزيـد وصدقة بن منصور بن الحسين صاحب الجزيرة
    الدبيسية وكان ولي بعد أبيه وقد تقدم ذكر هذا كله‏.‏ ثم رجع السلطان من
    همذان بعد قتل أخيه وقضي أشغاله فأجفل البساسيري وأصحابه من بغداد ولحق
    ببلاد دبيس وفارقه صدقة بن منصور إلى هزارسب بواسط‏.‏ وأعاد طغرلبك الخليفة
    إلى داره وسار السلطان في إتباعه وفي مقدمته خمارتكين الطغرائي في ألفي
    فارس ومعه سرايا بن منيع الخفاجي فصبحت المقدمة دبيس بن مزيد والبساسيري
    فهرب دبيـس ووقـف البساسيـري فقتـل وذلـك سنـة إحـدى وخمسيـن‏.‏ ورجـع
    السلطان إلى بغداد ثم انحدر إلى واسـط‏.‏ وجـاء هزارسـب بـن تنكين فأصلح
    عنده حال دبيس بن مزيد وصدقة بن منصور بن الحسين وحضرا عند السلطان وجاءا
    في ركابه إلى بغداد فخلع عليهما وردهما إلى عمالتهما‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة دبيس وإمارة إبنه منصور


    ولـم يـزل دبيـس علـى أعمالـه إلـى أن توفي سنة أربـع وسبعيـن لسبـع
    وخمسيـن سنة من إمارته وكان ممدوحـاً‏.‏ ورثـاه الشعـراء بعـد وفاتـه
    بأكثـر ممـا مدحـوه في حياته‏.‏ ولما مات ولي في أعماله وعلى بني أسد ابنه
    أبو كامل منصور ولقب بهاء الدولة‏.‏ وسار إلى السلطان ملك شاه فأقره على
    أعماله وعاد في صفر سنة خمس وسبعين فأحسن السيره‏.‏ وفاة منصور بن دبيس
    وولاية إبنه صقة ثـم توفـي بهـاء الدولـة أبـو كامـل منصـور بـن دبيـس بـن
    علي بن مزيد صاحب الحلة والنيل وغيرهما فـي ربيـع الـأول سنـة تسـع وسبعيـن
    فأرسـل الخليفـة نقيـب العلوييـن أبـا الغنائم إلى ابنه سيف الدولة صدقة
    يعزيه‏.‏ وسار صدقة إلي السلطلن ملك شاه فخلع عليه وولاه مكان أبيه‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:03 am

    فتنة المقلد مع بهاء الدولة في بويه


    كان المقلد يتولى حماية غربي الفرات وكان له غربي بغداد نائب فيه تهور
    وجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة‏.‏ وكان بهاء الدولة مشغولا بفتنة
    أخيه فكتب نائب المقلد إليه يشكو من أصحاب بهاء الدولة فجاء في العساكر
    وأوقع بهم ومد يده إلى جباية الأموال‏.‏ وخـرج نائـب بهـاء الدولـة ببغداد
    وهو أبو علي بن إسماعيل عن ضمان القصر وغيره فغالط بهاء الدولـة وأنفذ أبا
    جعفر الحجاج بن هرمز للقبض على أبي علي بن إسماعيل ومصالحة المقلد بن
    المسيـب فصالحـه علـى أن يحمـل إلى بهاء الدولة عشرة آلاف دينار ويخطب له
    ولأبي جعفر بعده ويأخـذ مـن البلـاد رسـم الحمايـة وأن يخلـع علـى المقلـد
    الخلـع السلطانيـة ويلقـب حسـام الدولـة ويقطع الموصل والكوفة والقصر
    والجامعين وجلس له ولأبي جعفر القادر بالله فاستولى على البلاد وقصده
    الأعيان والأمائل وعظم قدره‏.‏ وقبض أبو جعفر على أبي علي بن إسماعيل ثم
    هرب ولحق بمهذب الدولة‏.‏ القبض على علي بن المسيب كـان المقلـد بـن
    المسيـب قـد وقعـت المشاجـرة بيـن أصحابه وأصحاب أخيه في الموصل قبل مسيره
    إلـى العـراق فلمـا عـاد إلـى الموصل أجمع الانتقام من أصحاب أخيه‏.‏ ثم
    نوى أنه لا يمكنه ذلك مع أخيه فأعمل الحيلة في قبض أخيه وأحضر عسكره من
    الديلم والأكراد‏.‏ وورى بقصر دقوقا واستحلفهم على الطاعة‏.‏ ثم نقب دار
    أخيه وكانت ملاصقة له‏.‏ ودخـل إليـه فقبـض عليـه وحبسه وبعث زوجته وولديه
    قرواش وبحران إلى تكريت‏.‏ واستدعى رؤساء العرب وخلع عليهم وأقام فيهم
    العطاء فاجتمعت له زهاء ألفي فارس وخرجت زوجة أخيه بولديها إلى أخيها الحسن
    بن المسيب وكانت أحياؤه قريباً من تكريت فاستجاش العرب على المقلد وسار
    إليـه فـي عشـرة آلـاف فخـرج المقلـد عـن الموصـل واستشـار النـاس فـي
    محاربـة أخيـه‏.‏ فأشـار رافـع بن محمـد بـن معـز بالحـرب وأشـار أخـوه
    غريـب بـن محمد بالموادعة وصلة الرحم‏.‏ وبينما هو في ذلك إذ جـاءت أختـه
    رميلـة بنـت المسيب شافعة في أخيها علي فأطلقه ورد عليه ماله وتوادع الناس
    وعاد المقلد إلى الموصل وتجهز لقتال علي بن مزيد الأسدي بواسط لأنه كان
    مغضباً لأخيه الحسـن فلمـا قصد الحلة خالفه علي إلى الموصل فدخلها‏.‏ وعاد
    إليه المقلد وتقدمه أخوه الحسن مشفقاً عليه من كثرة جموع المقلد فأصلح ما
    بينهما ودخل المقلد إلى الموصل وأخواه معه‏.‏ ثم خـاف علـي فهـرب‏:‏ ثـم
    وقـع الصلـح بينهمـا على أن يكون أحدهما بالبلد‏.‏ ثم هرب علي فقصده
    المقلـد ومعـه بنو خفاجة فهرب إلى العراق واتبعه المقلد فلم يدركه ورجع
    عنه‏.‏ ثم سار المقلد إلـى بلد علي بن مزيد فدخله ثانية ولحق ابن مزيد
    بمهذب الدولة صاحب البطيحة فأصلح ما بينهما‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء المقلد على دقوقا


    ولما فرغ المقلد من شأن أخويه وابن مزيد وسار إلى دقوقا فملكها‏.‏ وكانت
    لنصرانيين قد استعبـدا أهلهـا وملكها من أيديهما جبريل بن محمد من شجعان
    بغداد أعانه عليها مهذب الدولة صاحـب البطيحـة وكـان مجاهـداً يحـب الغـزو
    فملكها وقبض على النصرانيين وعدل في البلد‏.‏ ثم ملكها المقلد من يده
    وملكها بعده محمد بن نحبان ثم بعده قرواش بن المقلد‏.‏ ثم انتقلت إلى فخر
    الملك أبي غالب فعاد جبريل واستجاش بموشك بن حكويه من أمراء الأكراد‏.‏
    وغلب مقتل المقلد وولاية ابنه قرواش كـان للمقلـد مـوال مـن الأتـراك
    فهربوا منه واتبعهم فظفر بهم وقتل وقطع وأفحش في المثلة فخاف إخوانهم منه
    واغتنموا غفلته فقتلوه فيها بالأنبار سنة إحدى وسبعين‏.‏ وكان قد عظم شأنه
    وطمـع فـي ملـك بغـداد‏.‏ ولمـا قتـل كـان ولـده الأكبـر قرواش غائباً
    وكانت أمواله بالأنبار فخاف نائبه عبـد اللـه بن إبراهيم بن شارويه بادرة
    عمه الحسن وراسل أبا منصور بن قراد وكان بالسندية وقاسمـه فـي مختلـف
    المقلـد علـى أن يدافع الحسن إن ضمه فأجابه إلى ذلك وأرسل عبد الله إلى
    قـرواش يستحثـه فوصـل ووفـى لابـن قـراد بمـا عاهـده عليـه نائبـه عبـد
    الله وأقام ابن قراد عنده‏.‏ ثم إن الحسيـن بـن المسيـب جـاء إلـى مشايـخ
    بنـي عقيـل شاكيـاً ممـا فعله قرواش وابن قراد عنده فسعوا بينهم في الصلح
    واتفق الحسن وقرواش على الغدر بابن قراد وأن يسير أحدهما إلى الأخر
    متحاربيـن فـإذا تلاقيـا وقبضـا علـى ابـن قـراد ففعلا ذلك‏.‏ فلما تراءى
    الجمعان نمي الخبر إلى ابن قراد فهرب واتبعه قرواش والحسن ولم يدركاه ورجع
    قرواش إلى بيوته فأخذها بما فيها من الأموال فوجه الأموال إلى أن أخذها أبو
    جعفر الحجاج بن هرمز‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up فتنة قرواش مع بهاء الدولة بن بويه


    ولمـا كانـت سنـة اثنتيـن وتسعيـن بعـث قـرواش بـن المقلـد جمعـاً من
    بني عقيل إلى المدائن فحصروها فبعث أبو جعفر بن الحجاج بن هرمز نائب بهاء
    الدولة ببغداد عسكراً إليهم فدفعوهم عنها فاجتمعت عقيل وبنو أسد وأميرهم
    علي بن مزيد‏.‏ وخرج أبو جعفر إليهم واستجاش بخفاجة وأحضرهم من الشام
    فانهزم واستبيح عسكره وقتل وأسر من الأتراك والديلم كثير‏.‏ ثم جمع العساكر
    ثانيا ولقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم وقتل وأسر وسار إلى أحياء بني مزيد
    ونهب منهـا مـا لا يقـدر قـدره‏.‏ ثـم سـار قـرواش إلـى الكوفـة سنـة سبـع
    وتسعيـن وكانـت لأبـي علي بن ثمال الخفاجي وكان غائباً عنها فدخل قرواش
    الكوفة وصادرهم‏.‏ ثم قتل أبو علـي سنـة تسـع وتسعيـن وكان الحاكم صاحب مصر
    قد ولاه الرحبة فسار إليها‏.‏ وخرج إليه عيسى بن خلاط العقيلـي فقتلـه
    وملكهـا‏.‏ ثـم ملكهـا بعـده غيـره إلـى أن ولـي أمرهـا صالـح بن مرداس
    الكلابي صاحب حلب‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up قبض قرواش على وزرائه


    كـان معتمـد الدولـة قـرواش بـن المقلـد قـد استـوزره أبا القاسم الحسين
    بن علي بن الحسين المغربي وكان من خبره أن أباه من أصحاب سيف الدولة بن
    حمدان فذهب عنه إلى مصر وولي بها الأعمـال‏.‏ وولـد ابنـه أبـا القاسـم
    ونشـأ هنالك‏.‏ ثم قتله الحاكم فلحق أبو القاسم بحسان بن مفرج بن الجراح
    الطائي بالشام وأغراه بالإنتقاض والبيعة لأبي الفتوح الحسن بن جعفر صاحب
    مكة ففعـل ذلـك‏.‏ ولـم يتم أمر أبي الفتوح ورجع إلى مكة‏.‏ ولحق أبو
    القاسم المغربي بالعراق واتصل بفخر الملك فارتاب به القادر لانتسابه إلى
    العلوية فأبعده فخر الملك فقصد قرواش بالموصل فاستوزره‏.‏ ثم قبض عليه سنة
    إحدى عشرة وأربعمائة وصادره على مال زعم أنه ببغداد والكوفة فأحضره وترك
    سبيله فعاد إلى بغداد ووزر لشرف الدولة بن بويه بعد وزيره مؤيد الملك
    الرخجي وكان مداخلا لعنبر الخادم الملقب بالأثير المستولي على الدولة
    يومئذ‏.‏ ثم سخطه الأتراك وسخطوا الأبهر فأشار عليه بالخروج عن بغداد فخرج
    الوزير وأبو القاسم معه إلى السندية وبها قـرواش فأنزلهـم وسـاروا إلـى
    أوانـا‏.‏ وبعـث الأتـراك إلـى الأثيـر عنبـر بالاستعتاب فاستعتب ورجع وهرب
    أبو القاسم المغربي إلى قرواش سنة خمس عشرة لعشرة أشهـر مـن وزارتـه‏.‏
    ثـم وقعـت فتنـة بالكوفـة كـان منشؤهـا مـن صهـره ابـن أبي طالب فأرسل
    الخليفة إلـى قـرواش فـي إبعـاده عنـه فأبعـده وسـار إلـى ابـن مـروان إلـى
    ديار بكر وهنالك يذكر بقية خبره‏.‏ ثم قبض معتمد الدولة قرواش على أبي
    القاسم سليمان بن فهر عامل الموصل له ولأبيه وكان مـن خبـره أنـه كـان
    يكتـب فـي حداثتـه بيـن يدي أبي إسحاق الصابي ثم اتصل بالمقلد بن المسيب
    وأصعد معه إلى الموصل واقتنى بها الضياع‏.‏ ثم استعمل قرواش على الجبابات
    فظلم أهلها حروب قرواش مع العرب وعساكر بغداد وفي سنة إحدى عشرة اجتمع
    العرب على فتن قرواش وسار إليه دبيس بن علي بن مزيد الأسدي وغريب بن معن
    وجاءهم العسكر من بغداد فقاتلوه عند سر من رأى ومعه رافع بن الحسين فانهزم
    ونهبت أثقاله وخزائنه وحصل في أسرهم وفتحوا تكريت عنوة من أعمالـه‏.‏ ورجعت
    عساكر بغداد إليها‏.‏ واستجار قرواش بغريب بن معن فأطلقه ولحق بسلطـان بـن
    الحسـن مـن عمـال أميـر خفاجـة وأتبعـه عسكـر مـن التـرك وقاتلهـم غربـي
    الفـرات وانهـزم هو وسلطـان وعـاث العسكـر فـي أعمالـه فبعـث إلـى بغـداد
    بمراجعـة الطاعـة وقبـل‏.‏ ثـم كانت الفتنة بينه وبيـن أبي أسد وخفاجة سنة
    سبع عشرة لأن خفاجه تعرضوا لأعماله بالسواد فسار إليهم من الموصـل وأميرهـم
    أبـو الفتيـان منيـع بـن حسـان فاستجـاش بدبيـس بـن علـي بـن مزيد فجاءه
    في قومه بني أسد وعسكر من بغداد والتقوا بظاهر الكوفة وهو يومئـذ لقـرواش
    فخـام قـرواش عـن لقائهـم وأجفل ليلاً للأنبار‏.‏ واتبعوه فرحل عنها إلى
    حلله واستولى القوم على الأنبار وملكوها‏.‏ ثم فارقوها وافترقوا فاستعادها
    قرواش‏.‏ ثـم كانـت الحـرب بينـه وبيـن عقيـل فـي هـذه السنـة وكـان سببهـا
    أن عنبـر الخـادم حاكـم دولة بني بويه انتقض عليه الجند وخافهم على نفسه
    فلحق بقرواش فجاء قرواش وأخذ له إقطاعه وأملاكه بالقيروان فجمع مجد الدولة
    بن قراد ورافع بن الحسين جمعاً كبيراً من بني عقيل وانضم إليهم بـدران أخو
    قرواش وساروا لحربه‏.‏ وقد اجتمع هو وغريب بن معن والأثير عنبر وأمدهم ابن
    مـروان فكانـوا فـي ثلاثـة عشـر ألفـا والتقـوا عنـد بلدهم فلما تصافوا
    والتحم القتال خرج بدران بن المقلـد إلى أخيه قرواش فصالحه وسط المصاف وفعل
    ثوران بن قراد كذلك مع غريب بن معن فتوادعوا جميعاً واصطلحوا‏.‏ وأعاد
    قرواش إلى أخيه بدران مدينة الموصل‏.‏ ثم وقعت الحرب بين قرواش وبين خفاجة
    ثانياً وكان سببها أن منيع بن حسان أمير خفاجه وصاحـب الكوفـة سـار إلـى
    الجامعيـن بلـد دبيـس ونهبهـا فخـرج دبيس في طلبه إلى الكوفة فقصد الأنبـار
    ونهبهـا هـو وقومـه فسـار قـرواش إليهم ومعه غريب بن معن الأنبار‏.‏ ثم
    مضى في أتباعهم إلى القصر فخالفوه إلى الأنبار ونهبوها وأحرقوها‏.‏ واجتمع
    قرواش ودبيس في عشرة آلاف وخاموا عن لقاء خفاجه فلم يكن من قرواش إلا بناء
    السور على الأنبار‏.‏ ثم سار منيع بن حسان الخفاجي إلى الملك كليجار والتزم
    الطاعة وخطب له بالكوفة وأزال حكم بني عقيل عـن سقـي الفـرات‏.‏ ثـم سـار
    بـدران بن المقلد في جموع من العرب إلى نصيبين وحاصرها وهي لنصيـر الدولـة
    بـن مـروان فجهـز لهـم الجنـد وبعثهـم إليهـا فقاتلـوا بدران فانهزم
    أولا‏.‏ ثم عطف عليهم فانهزموا وأثخن فيهم وبلغه الخبر أن أخاه قرواش قد
    وصل إلى الموصل فأجفل خوفاً منه‏.‏ كـان هـؤلاء الغـز مـن شعـوب التـرك
    بمفـازة بخارى وكثر فسادهم في جهاتها فأجاز إليهم محمود بن سبكتكين وهرب
    صاحب بخارى وحضر عنده أميرهم أرسلـان بـن سلجـوق فقبـض عليـه وحبسـه
    بالهنـد ونهـب أحياءهـم وقتـل كثيـراً منهـم فهربـوا إلـى خراسان وأفسدوا
    ونهبوا فبعث إليهم العساكر فأثخنوا فيهم وأجلوهم عن خراسان‏.‏ ولحق كثيـر
    منهـم بأصبهـان وقاتلـوا صاحبهـا وذلـك سنة عشرين وأربعمائة‏.‏ ثم افترقوا
    فسارت طائفة منهم إلى جبل بكجار عند خوارزم ولحقـت طائفـة أخـرى بأذربيجان
    وأميرها يومئذ وهشوذان فأكرمهم ووصلهم ليكفوا عن فسادهم فلم يفعلوا‏.‏ وكان
    مقدموهم أربعة‏:‏ توقا وكوكناش ومنصور ودانا فدخلوا مراغة سنة تسع وعشرين
    ونهبوها وأثخنوا في الأكراد الهدبانية وسارت طائفة منهم إلى الري فحاصروها
    وأميرهـا عـلاء الديـن بـن كاكويـه واقتحمـوا عليـه البلد وأفحشوا في النهب
    والقتل وفعلوا كذلك في الكرخ وقزوين‏.‏ ثـم سـاروا إلـى أرمينيـة وعاثـوا
    فـي نواحيهـا وفـي أكرادهـا‏.‏ ثـم عاثـوا في الدينور سنة ثلاثين‏.‏ ثم
    أوقع وهشوذان صاحب تبريز لجماعة منهم في بلده وكانوا ثلاثين ومقدمهم فضعف
    الباقون وأكثر فيهم القتل‏.‏ واجتمع الغز الذين بأرمينية وساروا نحو بلاد
    الأكراد الهكارية من أعمال الموصل فأثخنوا فيهم وعاثوا في البلاد‏.‏ ثم كر
    عليهم الأكراد فنالوا منهم وافترقوا في الجبال وتمزقوا‏.‏ وبلغهم مسير نيال
    أخي السلطان طغرلبك وهم في الري وكانوا شاردين منه فأجفلوا من الري وقصدوا
    ديار بكر والموصل سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ ونزلوا جزيرة ابن عمر ونهبوا باقردى
    وبازندى والحسنية‏.‏ وغدر سليمان بن نصير الدولة بن مروان بأمير منهم وهو
    منصور بن عزعنيل فقبض عليه وحبسه وافترق أصحابه في كل جهة‏.‏ وبعث نصير
    الدولة بن مروان عسكراً في أتباعهم وأمدهم قرواش صاحب الموصل بعسكر آخر
    وانضم إليهم الأكراد البثنوية أصحاب فتك فأدركوهم فاستمات الغز وقاتلوهم‏.‏
    ثم تحاجزوا وتوجهت العرب إلى العراق للمشتى وأخربت الغز ديار بكر ودخل
    قرواش الموصل ليدفعهم عنها لما بلغه أن طائفة منهم قصـدوا بلـده‏.‏ فلمـا
    نزلـوا برقعيـد عـزم علـى الإغـارة عليهم فتقدموا إليه فرجع إلى مصانعتهم
    بالمال على ما شرطوه‏.‏ وبينما هو يجمع لهم المال وصلوا إلى الموصل فخرج
    قرواش في عسكره وقاتلهم عامة يومه‏.‏ وعادوا للقتال من الغد فانهزمت العرب
    وأهل البلد وركب قرواش سفينة في الفرات وخلف جميـع مالـه‏.‏ ودخـل الغـز
    البلـد ونهبـوا ما لا يحصى من المال والجوهر والحلى والأثاث‏.‏ ونجا قرواش
    إلى السند وبعث إلى الملك جلال الدولة يستنجده وإلى دبيس علي بن مزيد
    وأمراء العرب والأكراد يستمدهم‏.‏ وأفحش الغز في أهل الموصل قتلاً ونهباً
    وعيثاً في الحرم‏.‏ وصانع بعض وفرضـوا علـى أهـل المدينـة عشريـن ألـف
    دينـار فقبضوها ثم فرضوا أربعة آلاف أخر وشرعوا في تحصيلها فثار بهم أهل
    الموصل وقتلوا من وجدوا منهم في البلد‏.‏ ولما سمع أخوانهم اجتمعوا ودخلـوا
    البلد عنوة منتصف سنة خمس وثلاثين ووضعوا السيف في الناس واستباحوها اثني
    عشر يوماً وانسدت الطرق من كثرة القتلى حتى واروهم جماعات في الحفائر‏.‏
    وطلبوا الخطبة للخليفة ثم لطغرلبك وطال مقامهم بالبلد فكتب الملك جلال
    الدولة بن بويه ونصير الدولة بن مروان إلى السلطان طغرلبك يشكون أمنهم فكتب
    إلى جلال الدولة معتذراً بأنهم كانوا عبيداً وخدماً لنا فأفسدوا في جهات
    الري فخافوا على أنفسهم وشردوا‏.‏ ويعده بأنه يبعث العساكر إليهـم وكتـب
    إلـى نصيـر الدولـة بن مروان يقول له‏:‏ بلغني أن عبيدنا قصدوا بلادك
    فصانعتهم بالمال وأنـت صاحـب ثغـور ينبغـي أن تعطـي مـا تستعيـن به على
    الجهاد ويعده أنه يرسل من يدفعهم عن بلاده‏.‏ ثم سار دبيس بن مزيد إلى
    قرواش مدداً واجتمعت إليه بنو عقيل وساروا من السن إلى الموصل فتأخر الغز
    إلى تل أعفر وأرسلوا إلى أصحابهم بديار بكر ومقدمتهم ناصفلي وبوقا فوصلـوا
    إليهم وتزاحفوا مع قرواش في رمضان سنة خمس وثلاثين فقاتلوهم إلى الظهر
    وكشفوا العـرب عـن حللهـم‏.‏ ثـم استماتـت العـرب فانهزمـت الغـز وأخذهـم
    السيف‏.‏ ونهب العرب أحياءهم وبعثوا برؤوس القتلى إلى بغداد واتبعهم قرواش
    إلى نصيبين ورجع عنهم‏.‏ وقصدوا ديار بكر فنهبوها‏.‏ ثم أرزن الروم كذلك ثم
    أذربيجان ورجع قرواش إلى الموصل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء بدران بن المقلد على نصيبين


    قد تقدم لنا محاصرة بحران نصيبين ورحيله عنها من أخيه قرواش‏.‏ ثم
    اصطلحا بعد ذلك واتفقـا وتـزوج نصيـر الدولـة ابنـة قـرواش فلـم يعـدل
    بينهـا وبيـن نسائـه وشكـت إلـى أبيها فبعث عنها‏.‏ ثـم هـرب بعـض عمـال
    ابـن مـروان إلـى قـرواش وأطمعـه فـي الجزيـرة فتعلل عليه قرواش بصداق
    ابنته وهو عشرون ألف دينار‏.‏ وطلب الجزيرة ونصيبين لأخيه بدران فامتنع ابن
    مروان من ذلك فبعث قرواش جيشاً لحصار الجزيرة وآخر مع أخيه بدران لحصـار
    نصيبين‏.‏ ثم جاء بنفسه وحاصرها مع أخيه وامتنعت عليه‏.‏ وتسللت العرب
    والأكراد إلى نصير الدولة بن مروان بميافارقين‏.‏ وطلب منه نصيبين فسلمها
    إليه وأعطى قرواش من صـداق ابنتـه خمسـة عشـر ألـف دينـار‏.‏ وكـان ملـك
    ابـن مـروان فـي دقوقـا فزحـف إليـه أبـو الشوك من أمـراء الأكـراد فحاصـره
    بهـا وأخذهـا مـن يـده عنـوة وعفـا عـن أصحابـه‏.‏ ثـم توفـي بدران سنة
    خمس وعشرين وجاء ابنه عمر إلى قرواش فأقره على ولاية نصيبين وكان بنو نمير
    قد طمعوا فيها وحاصروه فسار إليهم ودافعهم عنها‏.‏ كانت تكريت لأبي المسيب
    رافع بن الحسين من بني عقيل فجمع غريب جمعاً من العـرب والأكـراد وأمـده
    جلـال الدولـة بعسكر وسار إلى تكريت فحاصرها‏.‏ وكان رافع بن الحسين عند
    قرواش بالموصل فسار لنصره بالعساكر ولقيه غريب في نواحي تكريت فانهزم
    واتبعه قرواش ورافع ولم يتعرضوا لمحلته وماله‏.‏ ثم تراسلوا واصطلحوا‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up فتنة قرواش وجلال الدولة وصلحهما


    كـان قـرواش قـد بعـث عسكره سنة إحدى وثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت
    واستجار خميس بجلال الدولة فبعث إليه بالكف عنه فلم يفعل فسار بنفسه
    يحاصره وكتب إلى الأتراك ببغداد يستفسدهم عن جلال الدولة‏.‏ وسار جلال
    الدولة إلى الأنبار فامتنعت عليه‏.‏ وسار قـرواش للقائـه وأعوزت عساكر جلال
    الدولة الأقوات‏.‏ ثم اختلفت عقيل على قرواش وبعث إلى جلال الدولة بمعاودة
    الطاعة فتحالفا وعاد كل إلى بلده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار ملوك القسطنطينية


    لهذه العصور كـان بسيـل وقسطنطيـن قـد تـزوج أبوهمـا أمهمـا فـي يـوم
    عيـد ركـب إلـى الكنيسة فرآها في النظارة فشغف بها‏.‏ وكان أبوها من أكابر
    الروم فخطبها منه وتزوجها وولدت الولدين ومات أبوهما وهما صغيران‏.‏ وتزوجت
    بعده بمدة نقفـور وملـك وتصـرف وأراد أن يجـب ولديهـا‏.‏ وأغـرت الدمستـق
    بقتله لقتله وتزوجت به‏.‏ وأقامت معه سنة ثم خافها وأخرجها بولديها إلى دير
    بعيد فأقامـت فيـه سنـة أخـرى‏.‏ ثـم دسـت إلـى بعـض الرهبـان ليقتـل
    الدمستـق فأقـام بكنيسـة الملـك يتحيل لذلـك حتـى جـاء الملك واستطعمه
    القربان في العيد من يده فدس له معه سماً ومات‏.‏ وجاءت هـي قبـل العيـد
    بليـال إلـى القسطنطينيـة فملـك ولدهـا بسيـل واستبـدت عليـه لصغـره‏.‏
    فلمـا كبـر سار لقتال البلغار في بلادهم وبلغه وهو هنالك وفاتها فأمر
    خادماً له بتدبير الأمـر فـي غيبتـه بالقسطنطينية‏.‏ وأقام في قتال البلغار
    أربعين سنة‏.‏ ثـم انهـزم وعـاد إلـى القسطنطينيـة وتجهـز ثانيـة وعـاد
    إليهـم فظفـر بهم وقتل ملكهم وملك بلادهـم‏.‏ ونقـل أهلهـا إلـى بلـاد
    الـروم‏.‏ قـال ابـن الأثيـر‏:‏ وهـؤلاء البلغـار الذيـن ملـك بلادهم بسيل
    غير الطائفة المسلمة منهم وهؤلاء أقرب من أولئك إلى بلاد الروم بشهرين
    وكلاهما بلغار انتهى‏.‏ وكان بسيل عادلا حسن السيرة وملك على الروم نيفاً
    وسبعين سنة‏.‏ ولما مات الملك أخوه قسطنطين‏.‏ ثم مات وخلف بنات ثلاثاً
    فملكت الكبرى وتزوجت بأرمانوس من بيت ملكهم وهو الذي ملك الرها من
    المسلمين‏.‏ وكان له من قبل الملك رجل يخدمه من السوقة الصيارفة اسمـه
    ميخاييـل فاستخلصـه وحكمـه فـي دولتـه فمالـت زوجـة أرمانـوس إليـه‏.‏
    وأعمـلا الحيلـة في قتل الملك أرمانوس فقتلاه خنقاً وتزوجته على كره من
    الروم‏.‏ ثم عرض لميخاييل هذا مرض شوه خلقته فعهد بالملك إلى ابن أخيه
    واسمه ميخاييل فملك بعده وقبض على أخوالـه وأخوتهـم وضرب الدنانير باسمه
    سنة ثلاثين وأربعمائة‏.‏ ثم أحضر زوجته بنت الملك وحملها على الرهبانية
    والخروج له عن الملك وضربها ونفاها إلى جزيرة في البحـر‏.‏ ثـم اعتـزم علـى
    قتـل البطـرك للراحـة مـن تحكمـه فأمـره بالخـروج إلـى الديـر لعمـل
    وليمـة يحضرها جنده وأرسل جماعة مـن الـروم وبلغـار لقتلـه فبـذل لهـم
    البطـرك مـالا علـى الإبقـاء ورجـع إلـى بيعتـه وحمـل الـروم علـى عـزل
    ميخاييـل فأرسـل إلى زوجته الملكة من الجزيرة التي نفاها إليها فلم تفعل
    وأقبلت علـى رهبانيتهـا فخلعهـا البطـرك مـن الملـك‏.‏ وملكـت أختهـا
    الصغيـرة بدرونة وأقاموا من خدم أبيها من يدبر ملكها وخلعوا ميخاييل وقاتل
    أشياعه أشياع بدرونة فظفر بهم أشياع بدرونة ونهبوهم وفزع الروم إلى التماس
    ملك يدبرهم وقارعوا بين المرشحين فخرجت القرعة على قسطنطين فملكوه وتزوجته
    الملكة الكبرى ونزلت لها الصغيرة عن الملك سنة أربع وثلاثين‏.‏ ثم خرج
    خارجي من الروم اسمه ميناس وكثر جمعه وبلغ عشرين ألفا‏.‏ وجهـز قسطنطيـن
    إليـه العساكـر فقتلوه وسيق رأسه إليه وافترق أصحابه ثم ورد على
    القسطنطينية سنة خمس وثلاثين مراكب للروم ووقعت منها محاورات نكرها الروم
    فحاربوهم وكانوا قد فارقوا مراكبهم إلى البر فأحرقوها وقتلوا الباقين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الوحشة بين قرواش والأكراد


    كان للأكراد عدة حصون تجاور الموصل فمها للحميدية قلعـة العقـر ومـا
    إليهـا وصاحبهـا أبـو الحسن بن عكشان وللهدبانية قلعة إربل وأعمالها
    وصاحبها أبو الحسـن بـن موشـك ونازعـه أخوه أبو علي بن أربل فأخذها منه
    بإعانة ابن عكشان وأسر أخاه أبا الحسن‏.‏ وكان قرواش وأخـوه زعيـم الدولـة
    أبو كامل مشغولين بالعراق فنكرا ذلك لما بلغهما ورجعا إلى الموصل فطلب
    قرواش من الحميدي والهدباني النجدة على نصير الدولة بن مروان فجاء الحميدي
    بنفسه‏.‏ وبعث الهدباني أخاه وأصلح قرواش ونصير الدولة‏.‏ ثم قبض على عكشان
    وصالحه علـى إطلـاق أبـي الحسـن بـن موشـك وامتنـع أخـوه أبـو علي وكان
    عكشان عوناً عليه فأجاب ورهن في ذلـك ولـده ثـم أرسـل أبا علي في ذلك الأمر
    وحضر بالموصل ليسلم أربل إلى أخيه أبي الحسن وسلـم قـرواش إليـه قلاعـه‏.‏
    وخـرج ابـن عكشـان وأبـو علـي ليسلمـا إربـل إلـى أبي الحسن بن موشك فغدرا
    به وقبضا على أصحابه وهرب هو إلى الموصل وتأكدت الوحشة بينهما وبين
    قرواش‏.‏ خلع قرواش بأخيه أبي كامل ثم عوده ثم وقعت الفتنة بين معتمد
    الدولة وقرواش وأخيه زعيم الدولة أبي كامل وكـان سببهـا أن قريشاً ابن
    أخيهما بدران فتن عمه أبا كامل وجمع عليه الجموع وأعانه عمه الآخر‏.‏
    واستمد قـرواش بنصيـر الدولـة بـن مـروان فبعـث إليـه بابنـه سليمـان‏.‏
    وأمـده الحسـن بن عكشان وغيرهما من الأكراد وساروا إلى معلابا فنهبوها
    وأحرقوها‏.‏ ثم اقتتلوا في المحرم سنة إحدى وأربعين يوماً وثانيـاً ووقفـت
    الأكـراد ناحيـة عـن المصاف ولم يغشوا المجال‏.‏ وتسلل عن قرواش بعض جموعه
    من العرب إلى أخيه وبلغه أن شيعة أخيه أبي كامل بالأنبار وثبوا فيها
    وملكوها فضعـف أمـره وأحس من نفسه الظهور عليه‏.‏ ولم يبرح فركب أخوه أبو
    كامل وقصد حلته فركب قرواش للقائه وجاء به أبو كامل لحلته‏.‏ ثم بعث به إلى
    الموصل ووكل به وملك أبو كامل الموصـل واشتط العرب عليه فخاف العجز
    والفضيحة أن يراجعوا طاعة أخيه فسبقهم إليها وأعاده إلى ملكـه وبايعـه علـى
    الطاعـة ورجـع إلـى ملكـه‏.‏ وكـان أبو كامل قد أحدث الفتنة بين الباسيري
    كافل الخلافة ببغداد وملك الأمراء بها لما فعله بنو عقيل في عراق العجم من
    التعرض لإقطاعه فسـار‏.‏ إليهـم الساسيـدي وجمـع أبـو كامـل بـن عقيل ولقيه
    فاقتتلوا قتالاً شديداً‏.‏ ثم حاجزوا فلما رجـع قـرواش إلـى مكة نزع جماعة
    من أهل الأنبار إلى البساسيري شاكرين سيرة قرواش وطلبوا أن يبعث معهم
    عسكراً وعاملا إلى بلدهم ففعل ذلك وملكها من يد قرواش وأظهر فيهم العدل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خلع قرواش ثانية واعتقاله


    كان قرواش لما أطاعه أخو أبو كامل بقي معه كالوزير يتصرف إلا أن قرواش
    أنف من ذلك وأعمـل الحيلـة فـي التخلـص منـه فخـرج من الموصل سائراً إلى
    بغداد‏.‏ وشق ذلك على أخيه أبي كامل فأرسل إليه أعيان قومه ليردوه طوعاً أو
    كرهاً فلاطفوه أولاً وشعر منهم بالدخيلة فأجاب إلـى العـود وشرط سكنى دار
    الإمارة‏.‏ فلما جاء إلى أبي كامل قام بمبرته وإكرامه ووكل به من يمعنه
    التصرف‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة أبي كامل وولاية قريش بن بدران


    لما ملك قريش بن بدران وحبس عمه بقلعة الجراحية ارتحل يطلب العراق سنة
    أربع وأربعين فانتقض عليه أخوه المقلد وسار إلى نور الدولة دبيس بن مزيد
    فنهب قريش حلله وعاد إلى الموصل‏.‏ واختلف العرب عليه ونهب عمال الملك
    الرحيم ما كان لقريش بنواحي العراق‏.‏ ثم استمال قريش العرب عليه ونهب عمال
    الملك الرحيم مـا كـان لقريـش بـن المسيـب صاحـب الحظيرة خالفا عليه‏.‏
    وبعث قريش بعض أصحابه فلقيهم وأوقع بهم فسار إليه قريش ولقيه فهزمه واتبعه
    إلى حلل بلاد ابن غريب ونهبها ودخل العراق‏.‏ وبعث إلى عمال الملك الرحيم
    بالطاعة وضمان ما كان عليه في أعماله فأجابوه إلى ذلك لشغل الملك الرحيـم
    بخوزستـان فاستقر أمره وقوي‏.‏ وفاة قـرواش‏:‏ وفي سنة أربـع وأربعيـن هـذه
    توفـي معتمـد الدولـة أبـو منيـع قـرواش المقلـد بمحبسـه فـي قلعة
    الجراحية وحمل إلى الموصل ودفن بها ببلد نينوى شرقيها وكان من رجال
    العرب‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء قريش على الأنبار


    وفي سنة سـت وأربعيـن زحـف قريـش بن بدران من الموصل ففتح مدينة الأنبار
    وملكها من يد عمال البساسيري‏.‏ وسار البساسيري إلى الأنبار فاستعادها‏.‏
    حرب قريش بن بدران والبساسيري ثم اتفاقهما وخطبة قريش لصاحب مصر كان قريش
    بن بدران قد بعث بطاعته إلى طغرلبك وهو بالري وخطب له بجميـع أعمالـه وقبض
    على الملك الرحيم‏.‏ وكان قريش معه فنهب معسكره واختفى وسمع به السلطان
    فأمنه ووصل إليه فأكرمه ورده إلى عمله‏.‏ وكان البساسيري قد فارق الملك
    الرحيم عند مسيره من واسط إلى بغداد ومسير طغرلبك من حلوان‏.‏ وقصد نور
    الدولة دبيس بن مزيد للمصاهرة بينهمـا‏.‏ وكـان سبـب مفارقـة البساسيـري
    للملـك الرحيـم كتـاب القائـم لـه بإبعاده لإطلاعه على كتابه إلـى خليفـة
    مصـر فلمـا وصـل قريـش بن بدران إلى بغداد وعظم استيلاء السلطان طغرلبك على
    الدولـة بعـث جيشـا وزحـف البساسيـري للقائهـم ومعـه نـور الدولـة دبيس
    فالتقوا بسنجار فانهـزم قريش وقطلمش وأصحابهما وقتل كثير منهم‏.‏ وعاث أهل
    سنجار فيهم وسار بهم إلى الموصل وخطب بها للمستنصر خليفة مصر وقد كانوا
    بعثوا إليه بطاعتهم من قبل فبعث إليهم بالخلع ولقريش جملتهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء طغرلبك على الموصل وولاية أخيه نيال عليها ومعاودة قريش الطاعة


    كان السلطان طغرلبك لما طال مقامه ببغداد ساء أثر عساكره في الرعايا
    فبعث القائم وزيره رئيس الرؤساء أن يحضر عميد الملك الكندري وزير طغرلبك
    ويعظه في ذلك ويهدده برحيل القائم عن بغداد فبلغه خلال ذلك شأن الموصل فرحل
    إليها وحاصر تكريت ففتحها وقبل من صاحبهـا نصـر بـن عيسـى مـن بنـي عقيـل
    مـا لا بـد لـه منـه‏.‏ ورحل عنه فمات نصر وولي بعده أبو الغنائم بن
    البحلبان فأصلح حاله مع رئيس الرؤساء ورحل السلطان من البواريح وكان في
    انتظـار أخيـه ياقوتـي بـن تنكيـر‏.‏ ثـم توجه السلطان إلى نصيبين وبعث
    هزارسب إلى البرية لقتال العـرب وفيهـم قريـش ودبيس وأصحاب حران والرقة من
    نمير فأوقع بهم ونال منهم وأسر جماعة فقتلهم‏.‏ وعـاد إلـى السلطـان
    طغرلبـك فبعـث إليـه قريـش ودبيـس بطاعتهمـا وأن يتوسـط لهما عند السلطان
    فعفا السلطان عنهما وقال البساسيري‏:‏ ردهما إلى الخليفة فيرى ما عندهما‏.‏
    فرحل البساسيري عند ذلك إلى الرحبة وتبعه أتراك بغداد ومقبل بن المقلد
    وجماعة من بني عقيل‏.‏ وبعث السلطان إلى قريش ودبيس هزارسب بن تنكير ليقضي
    ما عندهما ويحضرهما وكان ذلك بطلبهما‏.‏ ثم خافا على أنفسهما فبعث قريش أبا
    السيد هبة الله بن جعفر ودبيس ابنه بهاء الدولة منصوراً فقبلهما السلطان
    وكتب لهما بأعمالهما‏.‏ وكان لقريش من الأعمال‏:‏ الموصل ونصيبيـن وتكريـت
    وأوانـا ونهـر بيطـر وهيـت والأنبار وبادرونا ونهر الملك‏.‏ ثم قصد السلطان
    ديار بكر ووصل إليه أخوه إبراهيم نيال وأرسل هزارسـب إلـى قريـش ودبيـس
    يحذرهمـا منـه‏.‏ وسار لسنجار لأجل واقعته مع قريش ودبيس فبعث العساكر
    إليها واستباحهم وقتل أميرها علي بن مرحا وخلق كثير من أهلها رجالاً ونساء
    وشفع إبراهيم نيال في الباقين فكف عنهم وأقطـع سنجـار والموصـل وتلـك
    الأعمـال كلهـا لأخيه إبراهيم نيال وعاد إلى بغداد فدخلها في ذي القعدة سنة
    تسع وأربعين‏.‏ مقارنة نيال الموصل وما كان لقريش فيها وفي بغداد مع
    البساسيري وحبسهما القائم وفي سنة خمسين وأربعمائة خرج إبراهيم نيال من
    الموصل إلى بلاد الروم فخشي طغرلبك أن يكون منتقضاً وبادر بكتابه وكتاب
    الخليفة إليه فرجع وخرج الوزير الكندري للقائه‏.‏ وخالفه البساسيـري وقريـش
    إلى الموصل فملكها وحاصر القلعة حتى استأمن أهلها على يد ابن موسك وصاحـب
    أربـد فأمناهـم وهدمـا القلعـة‏.‏ وسـار السلطـان طغرلبـك من وقته إلى
    الموصل ففارقها واتبعها إلى نصيبين ففارقه أخوه نيال في رمضان سنة
    خمسيـن‏.‏ وسـار السلطـان طغرلبك في أثره وحاصره بهمذان وجاء البساسيري إلى
    بغداد‏.‏ وكان هزارسـت بواسـط ودبيس ببغداد قد استدعاه الخليفة للدفاع
    فسئم المقام ورجع إلى بلده‏.‏ وجاء البساسيري وقريش ووزير بني بويه أبو
    الحسن بن عبد الرحيم ونزلوا بجوانب بغداد ونزل عميد العراق بالعسكر قيالة
    البساسيري ورئيس الرؤساء وزير الخليفة قبالة الآخرين‏.‏ وخطب البساسيري
    للمستنصر صاحب مصر بجوامع بغداد وأذن بحي على خير العمـل ثـم إستعجل رئيس
    الرؤساء الحرب فاستنجده القوم ثم كروا عليه فهزموه واقتحموا حريم الخلافة
    وملكوا القصور بما فيها وركب الخليفة فوجد عميد العراق قد إستأمن إلى قريش
    بن بحران فاستأمن هو كذلك وأمنهما قريش وأعادهما وعذله البساسيري في
    الإنفراد بذلك عونه وقد تعاهدا على خلاف ذلك فاستعتب لـه بالوزيـر رئيـس
    الرؤسـاء ودفعـه إليـه‏.‏ وأقـام الخليفـة والعميـد عنـده فقتـل البساسيـري
    الوزير ابن عبد الرحيم وبعث قريش بالخليفة القائم مع ابن عمه مهارش بن
    نجلي إلى حديثة عانة فأنزله بها مع أهله وحرمه وحاشيته حتى إذا فرغ السلطان
    طغرلبـك مـن أمـر أخيـه نيـال وقتلـه ورجـع إلـى بغـداد بعـث البساسيري
    وقريش في إعادة القائم إلى داره فامتنع وأجفل عن بغداد في ذي القعدة سنة
    إحدى وخمسين وشمـل النهـب مدينـة بغـداد وضواحيهـا مـن بنـي شيبـان وغيرهم
    وبعث السلطان طغرلبك الإمام أبا بكـر محمـد بـن فـورك إلـى قريش ابن بدران
    يشكره على فعله بالخليفة وبابنة أخته زوجة الخليفة أرسلـان خاتون وأنه بعث
    ابن فورك لإحضارهما وكثب قريش إلى مهارش ابن عمه بأن يلحق بـه هـو
    والخليفـة فـي البريـة فأبى وسار الخليفة إلى العراق وجعل طريقه على الري
    ومر ببدر ابن مهلهل فخدم القائم وخرج السلطان للقاء الخليفـة وقـدم إليـه
    الأمـوال والآلـات وعرضـه أربـاب الوظائـف ولقيـه بالنهـروان وجـاء معـه
    إلـى قصـره كمـا تقدم في أخباره‏.‏ وبعث السلطان خبارتكين الطغرائي في
    العساكر لإتباع البساسيري والعرب وجاء إلـى الكوفـة واستصحـب سرايـا ابن
    منيع ببني خفاجة وسار السلطان في أثرهم وصبحت السرية البساسيري في حلة دبيس
    بن يزيد فنهبوها وفر دبيس وقاتل البساسيري وأصحابه فقتل في المعركة‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الخميس ديسمبر 30, 2010 12:00 am

    أخبار أبي ثعلب مع إخوته بالموصل


    كان لناصر الدولة بن حمدان زوجة تسمى فاطمة بنت أحمد الكردية وهـي أم
    أبـي ثعلـب وهي التي دبرت مع ابنها أبي ثعلب على أبيه فلما حبس ناصر الدولة
    كاتب ابنه حمدان يستدعيـه ليخلصـه ممـا هـو فيـه‏.‏ وظفـر أبـو ثعلـب
    بالكتـاب فنقـل أباه إلى قلعة كواشي واتصل ذلك بحمـدان وكـان قـد سـار عنـد
    وفـاة عمـه سيـف الدولـة مـن الرحبة إلى الرقة فملكها‏.‏ ولما اتصل به
    شـأن الكتـاب سـار إلـى نصيبيـن وجمع الجموع وبعث إلى إخوته في الإفراج عن
    أبيهم فسار أبو ثعلب لحربه وانهزم حمدان قبل اللقاء للرقة فحاصره أبو ثعلب
    أشهراً‏.‏ ثم اصطلحا وعاد كل منهمـا إلـى مكانـه‏.‏ ثـم مـات ناصـر الدولـة
    فـي محبسـه سنـة ثمـان وخمسيـن ودفـن بالموصـل‏.‏ وبعث أبو ثعلب أخاه أبا
    البركات إلى حمدان بالرحبة فافتـرق عنـه أصحابـه وقصـد العـراق مستجيـرا
    ببختيار فدخل بغداد في شهر رمضان من سنته وحمل إليه الهدايا‏.‏ وبعـث
    بختيـار إلـى أبـي ثعلـب النقيـب أبـا أحمد والد الشريف الرضي في الصلح مع
    أخيه حمدان فصالحه وعاد إلى الرحبة منتصف سنة تسع وخمسين‏.‏ وفارقه أبو
    البركات ثم استقدمه أبو ثعلب فامتنع من القدوم عليه فبعث إليه أخاه أبا
    البركات ثانياً في العساكر فخرج حمدان إلى البرية وترك الرحبة فملكها أبو
    البركات واستعمل عليها‏.‏ وسار إلى الرقـة ثـم إلـى عرابـان‏.‏ وخالفـه
    حمـدان إلـى الرحبة فكبسها وقتل أصحاب أبي ثعلب بها فرجع إليه أبو البركات
    وتقاتلا فضرب أبا البركات على رأسه فشجه ثم ألقاه إلى الأرض وأسره ومات من
    يومه‏.‏ وحمل إلى الموصل فدفن بها عند أبيه‏.‏ وجهز أبو ثعلب إلى حمدان
    وقدم أخاه أبا فراس محمداً إلى نصيبين ثم عزله عنها لأنه داخل حمدان ومالأه
    عليه فاستدعاه وقبض عليه وحبسه بقلعة ملاشي من بلاد الموصل فاستوحش أخواه
    إبراهيم والحسن ولحقا بأخيهما حمدان في شهر رمضان وساروا جميعاً إلى
    سنجار‏.‏ وسار أبو ثعلب من الموصل في أثرهم في شهر رمضان ستين وثلاثمائة
    فخاموا عن لقائه واستأمن إليه أخواه إبراهيم والحسن خديعة ومكراً فأمنهما
    ولم يعلم وتبعهما كثير من أصحاب حمـدان‏.‏ وعـاد حمـدان مـن سنجـار إلـى
    عرابـان وأطلـع أبـو ثعلـب علـى خديعـة أخويـه فهربـا منـه‏.‏ ثم استأمن
    الحسن ورجع إليه وكان حمدان أقام نائباً بالرحبة غلامه نجا فاستولـى علـى
    أموالـه وهـرب بهـا إلـي حـران وبهـا سلامـة البرقعيـدي مـن قبـل أبـي
    ثعلـب فرجـع حمـدان إلـى الرحبة‏.‏ وسار أبو ثعلب إلى قرقيسيا وبعث العساكر
    إلى الرحبة فعبروا الفرات واستولوا عليها ونجا حمدان بنفسه ولحـق بسنجـار
    مستجيـراً بـه ومعـه أخـوه إبراهيـم فأكرمهمـا ووصلهمـا وأقامـا عنـده‏.‏
    ورجع أبو ثعلب إلى الموصل وذلك كله آخر سنة ستين وثلاثمائة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خروج الروم إلي الجزيرة والشام


    وفي سنة خمـس وثمانيـن دخـل ملـك الـروم الشـام فسـار فـي نواحيها ولم
    يجد من يدافعه فعاث في نواحي طرابلس وكان أهلها قد أخرجوا عاملهم إلى عرقة
    لسوء سيرته فنهب الروم أمواله ثم حاصر الروم عرقة فملكوها ونهبوها‏.‏ ثم
    قصدوا حمـص وقـد انتقـل أهلهـا عنهـا فأحرقوهـا ورجعوا إلى بلاد السواحل
    وملكوا منها ثمانية عشر بلدا واستباحوا عامة القرى وساروا في جميـع نواحـي
    الشـام ولا مدافـع لهم إلا أن بعض العرب كانوا يغيرون على أطرافهم‏.‏ ثم
    رجع ملك الروم مجمعاً حصار حلب وأنطاكية وبلغه استعدادهم فرحل عنهم إلى
    بلاده ومعه من السبي مائة ألف رأس‏.‏ وكان بحلب قرعويه مولى سيف الدولة
    فمانعهم وبعث ملك الروم سراياه إلى الجزيرة فبلغوا كفرتوثا وعاثوا في
    نواحيها ولم يكن من أبي ثعلب مدافعة لهم‏.‏ استبداد قرعويه بحلب كـان
    قرعويـه غلـام سيـف الدولـة وهـو الـذي أخـذ البيعة لابنه أبي المعالي بعد
    موته فلما كان سنة ثمان وخمسين انتقض على أبي المعالي وأخرجه من حلب واستبد
    بملكها‏.‏وسار أبو المعالي إلى حران فمنعه أهلها فسار إلى والدته
    بميافارقين وهي بنت سعيد بن حمدان أخت أبي فـراس‏.‏ ولحـق أصحابـه بأبـي
    ثعلب وبلغ أمه بميافارقين وهي بنت سعيد بن حمدان أخت أبي فراس أنه يريد
    القبض عليها فمنعته أياماً من الدخول حتى استوثقت لنفسها وأذنت له ولمن
    رضيته وأطلقت لهم الأرزاق ومنعت الباقين وسار أبو المعالي لقتـال قرعويـه
    بحلـب فامتنـع عليـه ثـم لحـق أبـو المعالـي بحمـاة وأقـام بها وبقيت
    الخطبة بحران له ولا والي عليهم من قبله فقدموا عليهم من يحكم بينهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير أبي ثعلب من الموصل إلى ميافارقين


    ولمـا سمـع أبـو ثعلـب بخـروج أبـي المعالـي مـن ميافارقين إلى حلب
    لقتال قرعويه سار إليها وامتنعت زوجـة سيـف الدولـة منـه واستقـر الأمـر
    بينهمـا علـى أن تحمـل إليـه مائتي ألف درهم‏.‏ ثم نمي إليها أنه يحاول على
    ملك البلد فكبسته ليلا ونالت من معسكره فبعث إليها يلاطفها فأعادت إليه
    بعض ما نهب وحملت إليه مائة ألف درهم وأطلقت الأسارى فرجع عنها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء الروم على أنطاكية ثم حلب وثم ملاذكرد


    وفي سنة تسع وخمسين خرج الروم إلى أنطاكية فمـروا بحصـن الوفـاء بقربهـا
    وهـم نصـارى فحاصروهم واتفقوا على أن يرحلوا إلى أنطاكية فإذا نزل الروم
    عليها ثاروا من داخل‏.‏ وانتقـل أهـل الوفـاء ونزلـوا بجبل أنطاكية‏.‏ وجاء
    بعد شهرين أخو تقفور ملك الروم في أربعين ألفاً من جموع الروم ونازل
    أنطاكية فأخلى له أهل الوفاء السور من ناحيتهم وملكوا البلد وسبوا منهـا
    عشريـن ألفـاً‏.‏ ثـم أنفـذ ملـك الـروم جيشـاً كثيفاً إلى حلب وأبو
    المعالي بن سيف الدولة عليها يحاصرها ففارقها أبو المعالي وقصد البرية وملك
    الروم حلـب‏.‏ وتحصـن قرعويـه وأهـل البلـد بالقلعة فحاصروها مدة‏.‏ ثم
    ضربوا الهدنة بينهم على مال يحمله قرعويه وعلى أن الروم إذا أرادوا الميرة
    من قرى الفرات لا يمنعونهم منها‏.‏ ودخل في هذه الهدنة حمص وكفرطاب والمعرة
    وأفامية وشيزر وما بين ذلك من الحصون والقرى وأعطاهم رهنهم على ذلك
    الروم‏.‏ وأفرج الـروم عـن حلب‏.‏ وكان ملك الروم قد بعث جيشا إلى ملاذكرد
    من أعمال أرمينية فحاصروها وفتحوها عنوة‏.‏ ورعب أهل الثغور منهم في كل
    ناحية‏.‏ كان نقفور ملكاً بالقسطنطينية وهي البلاد التي بيد بني عثمان لهذا
    العهد وكان من يليها يسمى الدمشق‏.‏ وكان نقفور هذا شديداً على المسلمين
    وهو الذي أخذ حلب أيام سيف الدولة وملك طرسوس والمسينة وعين زربه‏.‏ وكان
    قتل الملك قبله وتزوج امرأته وكان له منها ابنـان فكفلهما نقفور وكان كثيرا
    ما يطرق بلاد المسلمين ويدوخها في ثغور الشام والجزيرة حتى هابه المسلمون
    وخافوه على بلادهم‏.‏ ثم أراد أن يجب ربيبيه ليقطع نسلهما ففرقت أمهما من
    ذلك وأرسلت إلى الدمشق بن الشميشق وداخلته في قتله‏.‏ وكان شديد الخوف من
    نقفور‏.‏ وهـذا كـان أبـوه مسلمـاً مـن أهـل طرسـوس يعرف باين العفاش تنصر
    ولحق بالقسطنطينية‏.‏ ولم يزل يترقـى فـي الأطـوار إلى أن نال من الملك ما
    ناله‏.‏ وهذه غلطة ينبغي للعقلاء أن يتنزهوا عنها ولا ينـال الملـك من كان
    عريقاً في السوقة وفقيداً للعصابة بالكلية وبعيداً عن نسب أهل الدولة فقد
    تقدم من ذلك في مقدمه الكتاب ما فيه كفاية‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء أبي ثعلب على حران


    وفـي منتصـف سنـة تسـع وخمسيـن سار أبو ثعلب إلى حران وحاصرها نحواً من
    شهر ثم جنح أهلهـا إلـى مصالحتـه واضطربـوا فـي ذلك ثم توافقوا عليه وخرجوا
    إلى أبي ثعلب وأعطوه الطاعة ودخل في إخوانه وأصحابه فصلى الجمعـة ورجـع
    إلـى معسكـره‏.‏ واستعمـل عليهـم سلامـة البرقعيدي وكان من أكابر أصحاب بني
    حمدان‏.‏ وبلغه الخبر بأن نميراً عاثوا في بلاد الموصل وقتلوا العامل
    ببرقعيد فأسرع العود‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مصالحة قرعويه لأبي المعالي


    قد تقدم لنا استبداد قرعويه بحلب سنة ثمان وخمسين وخروج أبي المعالى بن
    سيف الدولة منهـا وأنـه لحـق بأمـه بميافارقيـن‏.‏ ثـم رجـع لحصـار قرعويـه
    بحلب ثم رجع إلى حلب ونزل بها‏.‏ ثم وقع الإتفاق بينه وبين قرعويه على أن
    يخطب له بحلب ويخطبان جميعاً للمعز العلوي صاحب مصر‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير الروم إلى بلاد الجزيرة


    وفي سنة إحـدى وستيـن سـار الدمستـق فـي جمـوع الـروم إلـى الجزيـرة
    فأغار على الرها ونواحيها‏.‏ ثـم تنقـل فـي نواحـي الجزيـرة ثـم بلـغ
    نصيبيـن واستباحهـا ودوخهـا‏.‏ ثـم سـار فـي ديـار بكر ففعل فيها مثـل
    ذلـك‏.‏ ولـم يكـن لأبـي ثعلـب فـي مدافعتهـم أكثـر مـن حمـل المـال إليهـم
    وسـار جماعـة مـن أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين وجلسوا إلى الناس في
    المساجد والمشاهد يصفون ما جرى على المسلمين وخوفوهم عاقبة أمرهم فتقدمهم
    أهل بغداد إلى دار الطائع الخليفـة وأرادوا الهجـوم عليـه فأغلقـت دونهـم
    الأبواب فأعلنوا بشتمه ولحق آخرون من أهل بغداد ببختيار وهو بنواحي الكوفة
    يستغيثونه من الروم فوعدهم بالجهاد وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمـره
    بالتجهيـز للغزو وأن يستنفر العامة‏.‏ وكتب إلى أبي ثعلب بن حمدان بإعداد
    الميرة والعلوفات والتجهيز وأنه عـازم علـى الغـزو‏.‏ ووقعـت بسبـب ذلـك
    فتنـة فـي بغـداد مـن قبـل اشتغـال العافـة بذلـك أدت إلـى القتل والنهب
    بين عصائب الفتيان والعيارين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أسر الدمستق وموته


    ولما فعل الدمستق في ديار مضر والجزيرة ما فعل قوي طمعه في فتح آمد فسار
    إليـه أبـو ثعلـب وقدم أخاه أبا القاسم هبة الله واجتمعا على حرب الدمستق
    ولقياه في رمضان سنة اثنتين وستين‏.‏ وكانت الجولة في مضيق لا تتحرك فيه
    الخيل وكان الروم على غير أهبة فانهزمـوا‏.‏ وأخـذ الدمستـق أسيـراً فلـم
    يـزل محبوسـاً عنـد أبـي ثعلـب إلـى أن مـرض سنـة ثلاث وستين وبالغ في
    علاجه وجمع له الأطباء فلم ينتفع بذلك ومات‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء بختيار بن معز الدولة على الموصل وما كان بينه وبين أبي ثعلب


    قـد تقـدم لنـا مـا كـان بيـن أبـي ثعلـب وأخويـه حمدان وإبراهيم من
    الحروب وأنهما سارا إلى بختيار بن معز الدولة صريخين فوعدهما بالنصرة وشغل
    عن ذلك بما كان فيه فأبطأ عليهمـا أمـره وهـرب إبراهيـم ورجـع إلـى أخيـه
    أبـي ثعلـب فتحرك عزم بختيار على قصد الموصل وأغراه وزيره ابن بقية لتقصيره
    في خطابه فسار ووصل إلى الموصل في ربيع سنة ثلاث وستين ولحق أبو ثعلب
    بسنجار وأخلى الموصل من الميرة ومن الدواوين‏.‏ وخالف بختيار إلى بغداد ولم
    يحدث فيهـا حدثـاً مـن نهـب ولا غيـره وإنمـا قاتـل أهـل بغـداد فحدثـت
    فيهـا الفتنة بسبب ذلك بين عامتها‏.‏ واضطـرب أمرهـم وخصوصـاً الجانـب
    الغربـي‏.‏ وسمع بختيار بذلك فبعث في أثره وزيره ابن بقية وسبكتكيـن فدخـل
    ابـن بقية بغداد وأقام سبكتكين في الضاحية‏.‏ وتأخر أبو ثعلب عن بغداد
    وحاربه يسيراً‏.‏ ثم داخله فـي الانتقـاض واستيـلاء سبكتكيـن علـى
    الأمـر‏.‏ ثـم أقصـر سبكتكيـن عـن ذلـك وخـرج إليـه ابـن بقيـة وراسلـوا
    أبـا ثعلـب فـي الصلـح علـى مـال يضمنـه ويـرد علـى أخيه حمدان إقطاعه ما
    سوى مارديـن وكتبـوا بذلـك إلـى بختيـار‏.‏ وارتحـل أبـو ثعلـب إلـى
    الموصـل وأشار ابن بقية على سبكتكين باللحـاق ببختيـار فتقاعـد ثـم سار‏.‏
    وارتحل بختيار عن الموصل بعد أن جهد منه أهل البلد بما نالهم من ظلمه
    وعسفه‏.‏ وطلب منه أبو ثعلب الإذن في لقب سلطاني وأن يحط عنه مـن الضمـان
    فأجابه وسار‏.‏ ثم بلغه في طريقه أن أبا ثعلب نقض وقتل بعضا من أصحاب
    بختيار عـادوا إلـى الموصـل لنقل أهاليهم فاستشاط بختيار واستدعى ابن بقية
    وسبكتكين في العساكر وعادوا جميعاً إلى الموصل‏.‏ وفارقها أبو ثعلب وبعث
    أصحابه بالاعتذار والحلف على إنكار ما بلغه فقبل وبعث الشريف أبا أحمد
    الموسوي لاستحلافه‏.‏ وتم الصلح ورجع بختيار إلى بغداد فجهز ابنته إلى أبي
    ثعلب وقد كان عقد له عليها من قبل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عود أبي المعالي بن سيف الدولة إلى حلب


    قد تقدم لنا أن قرعويه مولى أبيه سيف الدولة كان تغلب عليه وأخرجه من
    حلب سنة سبع وخمسين وثلاثمائة فسار إلى والدته بميافارقين‏.‏ ثم إلى حماة
    فنزلها وكانت الروم قد أمنت حمـص وكثـر أهلهـا‏.‏ وكـان قرعويه قد استناب
    بحلب مولاه بكجور فقوي عليه وحبسه في قلعة حلب وملكها سنين فكتب أصحاب
    قرعوية إلى أبي المعالي واستدعـوه فسـار وحاصرهـا أربعة أشهر وملكها وأصلح
    أحوالها وازدادت عمارتها حتى انتقل إلى ولاية دمشق كما يذكر‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء عضد الدولة بن بويه على الموصل وسائر ملوك بني حمدان


    ولما ملك عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بغداد وهزم بختيار ابن عمه
    معز الدولة سار بختيـار فـي الفـل إلـى الشـام ومعـه حمـدان بـن ناصـر
    الدولة أخو أبي ثعلب فحسن له قصد الموصل علـى الشـام وقـد كـان عضـد
    الدولـة عاهـده أن لا يتعـرض لأبـي ثعلـب لمـودة بينهمـا فنكـث ولما انتهى
    إلى تكريت أتته رسل أبي ثعلب بالصلح وأن يسير إليه بنفسه وعساكره ويعيده
    على ملك بغداد على أن يسلم إليه أخاه حمدان فسلمه إلى رسل أبي ثعلب فحبسه
    وسار بختيار إلى الحديثة ولقي أبا ثعلب وسار معه إلى العراق في عشرين ألف
    مقاتل‏.‏ وزحف نحوهمـا عضـد الدولـة والتقـوا بنواحـي تكريـت فـي شوال سنة
    ست وستين فهزمهما عضد الدولة وقتل بختيار ونجا أبو ثعلب إلى الموصل فاتبعه
    عضد الدولة وملك الموصل في ذي القعـدة وحمـل معـه الميـرة والعلوفـات
    للإقامة‏.‏ وبث السرايا في طلب أبي ثعلب ومعه المرزبان بن بختيار وأخواله
    أبو اسحق وظاهر ابنا معز الدولة ووالدتهم‏.‏ وسار لذلك أبو الوفاء ظاهر بن
    إسماعيل من أصحابه‏.‏ وسار حاجبه أبو ظاهر طغان إلى جزيـرة ابـن عمر ولحق
    أبو ثعلب بنصيبين‏.‏ ثم انتقل إلى ميافارقين فأقام بها‏.‏ وبلغه مسير أبي
    الوفـاء إليـه ففارقهـا إلـى تفليـس‏.‏ وجـاء أبو الوفاء إلى ميافارقين
    فامتنعت عليه فتركها وطلب أبا ثعلـب فخـرج مـن أرزن الـروم إلـى الحسينيـة
    مـن أعمـال الجزيـرة وصعد إلى قلعة كواشي وغيرها من قلاعـه‏.‏ ونقـل منهـا
    ذخيرتـه وعاد فعاد أبو الوفاء إلى ميافارقين وحاصرها واتصل بعضد الدولة
    مجيئـه إلـى القلـاع فسـار إليـه ولـم يحركـه واستأمن إليه كثير من
    أصحابه‏.‏ وعاد إلى الموصل وبعث قائـده طغـان إلـى تفليـس فهـرب منهـا أبـو
    ثعلب واتصل بملكهم المعروف بورد الرومي وكان منازعاً لملكهـم الأعظـم فـي
    الملـك فوصـل ورد يـده بيد أبي ثعلب وصاهره ليستعين به واتبعه في مسيره
    عسكر عضد الدولة وأدركوه فهزمهم وأثخن فيهم‏.‏ ونجا فلهم إلى حصن زياد
    ويسمى خرت برت‏.‏ وأرسل إلى ورد يستمده فاعتذر بما هو فيه ووعده بالنصر‏.‏
    ثم انهزم ورد أمام ملك الروم فأيـس أبـو ثعلـب مـن نصـره‏.‏ وعاد إلى بلاد
    الإسلام ونزل بآمد حتى جاء خبر ميافارقين‏.‏ وكان أبـو الوفـاء لمـا رجـع
    مـن طلب أبي ثعلب حاصر ميافارقين والوالي عليها هزار مرد فضبط البلد ودافـع
    أبـا الوفـاء ثلاثـة أشهـر‏.‏ ثـم مـات وولـى أبو ثعلب مكانه مؤنساً من
    موالي الحمدانية ودس أبو الوفـاء إلـى بعـض أعيـان البلـد فاستمالـه فبعـث
    لـه في الناس رغبة‏.‏ وشعر بذلك مؤنس فلم يطق مخالفتهم فانقاد واستأمن
    وملـك أبـو الوفاء البلد وكان في أيام حصاره قد افتتح سائر حصونه فاستولى
    على سائر ديار بكـر وأمـن أصحـاب أبـي ثعلـب وأحسـن إليهـم ورجـع إلـى
    الموصـل‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى أبـي ثعلب منقلبه من دار الحرب فقصد
    الرحبة‏.‏ وبعث إلى عضد الدولة يستعطفه فشرط عليه المسير إليـه فامتنع‏.‏
    ثـم استولـى عضد الدولة على ديار مضر وكان عليها من قبل أبي ثعلب سلامه
    البرقعيدي من كبار أصحاب بني حمدان‏.‏ وكان أبو المعالي بن سيف الدولة بعث
    إليها جيشاً من حلب فحاربوها وامتنعت عليهم وبعث أبو المعالي إلى عضد
    الدولة وعرض بنفسه عليه فبعـث عضد الدولة النقيب أبا أحمد الموسوي إلى
    سلامة البرقعيدي وتسلمها بعد حروب‏.‏ وأخذ لنفسه منها الرقة ورد باقيها على
    سعد الدولة فصارت له‏.‏ ثم استولى عضد الدولة على الرحبـة وتفـرع بعـد
    ذلـك لفتـح قلاعـه وحصونه‏.‏ واستولى على جميع أعماله واستخلف أبا الوفاء
    على الموصل ورجع إلى بغـداد فـي ذي القعـدة سنـة ثمـان وستيـن‏.‏ ثـم بعـث
    عضـد الدولـة جيشـاً إلـى الأكراد الهكارية من أعمال الموصل فحاصروهم حتـى
    استقامـوا وسلمـوا قلاعهـم ونزلـوا إلـى الموصل فحال الثلج بينهم وبين
    بلادهم فقتلهم قائد الجيش وصلبهم على جانبي طريق الموصل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل أبي ثعلب بن حمدان


    ولما أيس أبو ثعلب بن حمدان من إصلاح عضد الدولة والرجوع إلى ملكه
    بالموصل وسار إلى الشام وكان على دمشق قسام داعية العزيز العلوي غلب عليها
    بعد افتكين وقد تقدم ذلك وكيف ولي افتكين على دمشق‏.‏ فخاف قسام من أبي
    ثعلب ومنعه من دخول البلد فأقام بظاهرهـا وكاتـب العزيـز وجـاء الخبـر
    بأنـه يستقدمـه فرحـل إلى طبرية بعد مناوشة حرب بينه وبين قسـام‏.‏ وجـاء
    الفضـل قائـد العزيز لحصار قسام بدمشق وسر بأبي ثعلب ووعده عن العزيز بكل
    جميـل‏.‏ ثـم حدثـت الفتنـة بيـن دغفل وقسام وأخرجهم وانتصروا بأبي ثعلب
    فنزل بجوارهم مخافة دغفل والفضل القائد الذي يحاصر دمشق‏.‏ ثم ثـار أبـو
    ثعلـب فـي بنـي عقيـل إلـى الرملـة فـي محـرم سنـة تسـع وتسعيـن فاستـراب
    بـه الفضـل ودغفـل وجمعـوا لحربـه ففـر بنـو عقيـل عنـه وبقـي في سبعمائة
    من غلمانه وغلمان أبيه وولى منهزماً فلحقه الطلب فوقف يقاتل فضرب وأسر وحمل
    إلى دغفل وأراد الفضل حمله إلى العزيز فخاف دغفل أن يصطنعه كما فعل
    بافتكين فقتله وبعث الفضل بالـرأس إلـى مصـر‏.‏ وحمـل بنـو عقيـل أختـه
    جميلـة وزوجتـه بنـت سيـف الدولـة إلـى أبـي المعالـي بحلب فبعث بجميلة إلى
    الموصل وبعث بها أبو الوفاء إلى عضد الدولة ببغداد فاعتقلها‏.‏ وصول ورد
    المنازع لملك الروم إلى ديار بكر مستجيراً كان ملك الـروم أرمانـوس لمـا
    توفـي خلـف ولديـن صغيريـن وهمـا بسيـل وقسطنطيـن ونصـب أحدهمـا للملـك
    وعـاد حينئـذ الدمشـق يعفور من بلاد الإسلام بعد أن عاث في نواحيها وبالغ
    في النكاية فاجتمع إليه الروم ونصبوه للنيابة عن ابني أرمانوس فداخلت أمهما
    ابن الشميشق على الدمشقية وقبض على لاوون أخي دمشق وعلى ابنه ورديس بن
    لاوون واعتقلهما في بعض القلاع‏.‏ وسار إلى بلاد الشام وأعظم فيها
    النكاية‏.‏ ومر بطرابلس فحاصرها وكان لوالده الملك أخ خصـي وهـو يومئـذ
    وزيـر فوضـع علـى ابـن الشميشق من سقاه السم وأحس به من نفسه فأغذ السير
    إلى القسطنطينية فمات في طريقه‏.‏ وكان ورد بن منير من عظماء البطارقة في
    الأمر وصار أبا ثعلب بن حمدان واستجاش بالمسلمين من الثغور وقصد الروم
    ووالى عليهم الهزائم فخافه الملكان وأطلقا ورديس بن لاوون وبعثاه على
    الجيوش لقتال الورد فقاتله فانهزم ورد إلى ديار بكر سنة تسع وستين
    وثلاثمائة ونزل بظاهر ميافارقين وبعث أخاه إلى عضد الدولة مستنصراً به‏.‏
    وبعث ملكا الروم بالقسطنطينية إلى عضد الدولة فاستمالاه فرجح جانبهما وأمر
    بالقبض على ورد وأصحابه فقبض عليه أبو علي التميمي عامل ديار بكر وعلى ولده
    وأخيـه وأصحابـه وأودعهـم السجـن بميافارقيـن ثـم بعثهـم إلـى بغـداد
    فحبسـوا بهـا إلـى أن أطلقهـم بهـاء الدولـة بن عضد الدولة سنة خمس وسبعين
    وشرط عليه إطلاق عدد من المسلمين وإسلام سبعة من الحصون برساتيقها وأن لا
    يتعرض لبلاد المسلمين ما عاش‏.‏ وجهزه فسار وملك في طريقه ملطية وقوي بما
    فيه وصالحه ورديس بن لاوون على أن يكون قسطنطينية وجانب الشمال من الخليج
    له وحاصر قسطنطينية وبها الملكان ابنا أرمانوس وهما بسيل وقسطنطين في ملكها
    وأقرا وردا على ما بيده قليلاً‏.‏ ثم مات وتقدم بسيل في الملك ودام عليه
    ملكه وحارب البلغار خمساً وثلاثين سنة وظفر بهم وجلاهم عن بلادهم وأسكنهم
    الروم‏.‏ قدمنا ولاية بكجور على حمص لأبي المعالي بن سيف الدولة وأنه عمرها
    وكان أهل دمشق ينتقلون إليها لما نالهم من جور قسام ومـا وقـع بهـا مـن
    الغـلاء والوبـاء وكـان بكجـور يحمـل الأقـوات مـن حمـص تقربـاً إلـى
    العزيـز صاحـب مصر وكاتبه في ولايته فوعده بذلك‏.‏ ثم استوحش مـن أبـي
    المعالـي سنـة ثلـاث وسبعيـن وأرسـل إلـى العزيـز يستنجـز وعـده فـي ولايـة
    دمشق فمنع الوزير بن كلس من ولايته ريبة به وكان بدمشق من قبل العزيز
    القائد بلكين بعثه فمنع الوزير بعد قسام وساء أثر ابن كلس في الدولة واجتمع
    الكتاميون بمصر على التوثب بابن كلس ودعته الضرورة لاستقدام بلكين من دمشق
    فأمر العزيز باستقدامه وولى بكجور مكانه فداخلها في رجب سنة ثلاث وسبعين
    وأساء السيرة فيها وعاث في أصحاب الوزير بن كلس وأقام على ذلك ستاً‏.‏ وعجز
    أهل دمشق منه وجهزت العساكر من مصر مع القائد منير الخادم وكوتب نـزال
    والـي طرابلس بمعاضدته فسار في العساكر وجمع بكجور عسكراً من العرب وغيرهم
    وخرج للقائه فهزمه منير واستأمن إليه بكجور على أن يرحل عن دمشق فأمنه ورحل
    إلى الرقة واستولى عليها وتسلم منير دمشق وأقام بكجور بالرقة واستولى على
    الرحبة وما يجاور الرقة وراسل بهـاء الدولـة بـن عضد الدولة بالطاعة وباد
    الكردي المتغلب على ديار بكر والموصل بالمسير إليه وأبـا المعالـي سعـد
    الدولـة صاحب حلب بالعود إلى طاعته على أن يقطعه حمص فلم يجبه أحد إلى شيء
    فأقام بالرقة يراسل موالي سعد الدولة أبي المعالي ويستميلهم في الغدر به
    فأجابوه وأخبـروه أن أبـا المعالـي مشغـول بلذاتـه فاستمد حينئذ العزيز
    فكتب إلى نزال بطرابلس وغيره من ولاة الشام أن يمدوه ويكونوا في تصرفه‏.‏
    ودس إليهم عيسى بن نسطورس النصراني وزير العزيز في المباعدة عنه لعداوته مع
    ابن كلس الوزيـر قبلـه وتجديدهـا مع ابن منصور هذا فكتب نزال إلى بكجور
    يواعده بذلك في يوم معلوم وأخلفه وسار بكجور من الرقة وبلغ خبر مسيره إلى
    أبي المعالي فسار من حلب ومعه لؤلؤ الكبيـر مولـى أبيـه وكتـب إلى بكجور
    يستميله ويذكره الحقوق وأن يقطعه من الرقة إلى حمص فلم يقبل‏.‏ وكتب أبو
    المعالي إلى صاحب إنطاكية يستمده فأمده بجيش الروم وكتب إلى العرب الذين مع
    بكجور يرغبهم في الأموال والإقطاع فوعدوه خذلان بكجور عند اللقاء‏.‏ فلما
    التقى العسكران وشغل الناس بالحرب عطف العرب على سواد بكجور فنهبوه ولحقوا
    بأبي المعالي فاستمات بكجور وحمل على موقف أبي المعالي يريد وقد أزاله لؤلؤ
    عن موقفه ووقـف مكانـه خشيـة عليـه‏.‏ وحمـل ذلـك فلمـا انتهـى بكجـور
    لحملتـه بـرز إليه‏.‏ لؤلؤ وضربه فأثبته‏.‏ وأحـاط بـه أصحابـه فولـى
    منهزمـاً‏.‏ وجـاء بعضهـم إلـى أبـي المعالـي فشارطـه علـى تسليمه إليه
    فقبل شرطه وأحضره فقتله وسار إلى الرقة وبها سلامة الرشقي مولى بكجور
    وأولاده وأبو الحسن علي بن الحسين المغربي وزيره فاستأمنوا إليه فأمنهم
    ونزلوا عن الرقة فملكها واستكثر ما مع أولاد بكجور فقال له القاضي ابن أبي
    الحصين‏:‏ هو مالك وبكجور لا يملك شيئاً ولا حنث عليك‏.‏ فاستصفى مالهم
    أجمع وشفع فيهم العزيز فأساء عليه الرد وهرب الوزير المغربي إلى مشهد
    علي‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خبر باد الكردي ومقتله علي الموصل


    كان من الأكراد الحميدية بنواحي الموصل ومن رؤسائهم رجل يعرف بباد وقيل
    باد لقب له واسمـه أبـو عبـد اللـه الحسيـن بـن ذوشتـك وقيـل بـاد اسمـه
    وكنيتـه أبـو شجـاع بن ذوشتك‏.‏ وإنما أبو عبـد الله الحسين أخوه‏.‏ وكان
    له بأس وشدة وكان يخيف السابلة ويبذل ما تجمع له من النهب في عشائـره
    فكثـرت جموعـه‏.‏ ثـم سـار إلـى مدينـة أرمينيـة فملـك مدينـة أرجيـش‏.‏
    ثـم رجـع إلـى ديـار بكـر فلمـا ملـك عضد الدولة الموصل حضر عنده في جملة
    الوفود وخافه على نفسه وأبعد في مذهبه وبلغ عضد الدولة أمره فلم يظفر به‏.‏
    ولما هلك عضد الدولة سار باد إلى ديار بكر فملك آمد وميافارقين‏.‏ ثم ملك
    نصيبين فجهز صمصام الدولة العساكر إليه مع الحاجب أبي القاسم سعيد بن محمد
    فلقيه على خابور الحسينية من بلاد كواشي فانهزم الحاجب وعساكره وقتل كثير
    من الديلم‏.‏ ولحق الحاجب سعيد بالموصل وباد في أتباعه‏.‏ وثارت عامة
    الموصل بالحاجب لسوء سيرته فأخرجوه ودخل باد الموصل سنة ثلاث وسبعين وقوي
    أمره وسما إلى طلب بغداد‏.‏ وأهم صمصام الدولة أمره ونظر مع وزيره ابن
    سعدان في توجيه العساكر إليه وأنفـذ كبيـر القـواد زيـاد بـن شهـرا كونـه
    فتجهـز لحربـه وبالغـوا فـي مـدده وإزاحـة علله فلقيهم في صفر سنـة أربع
    وسبعين‏.‏ وانهزم باد وقتل كثير من أصحابه وأسر آخرون وطيف بهم في بغداد‏.‏
    واستولى الديلم على الموصل وأرسل زياد القائد عسكراً إلى نصيبين فاختلفوا
    على مقدمهم‏.‏ وكتـب ابـن سعـدان وزيـر صمصام الدولة إلى أبي المعالي بن
    حمدان صاحب حلب يومئذ بولاية ديار بكر وإدخالها في عمله فسير إليه أبو
    المعالي عسكره إلى ديار بكر فلم يكن لهم طاقة بأصحاب باد فحاصروا ميافارقين
    أياماً ورجعوا إلى حلب‏.‏ وبعـث سعـد الحاجب من يتولى غدر باد فدخل عليه
    رجل في خيمته وضربه بالسيف على ساقه يظنها رأسه فنجا من الهلكة‏.‏ ثم بعث
    باد إلى زياد القائد وسعد الحاجب بالموصل بطلـب الصلح فأثمروا بينهم على أن
    تكون ديار بكر لباد والنصف من طور عبدين‏.‏ فخلصت ديار بكر لباد من يومئذ
    وانحدر زياد القائد إلى بغداد‏.‏ وأقام سعد الحاجب بالموصل إلي أن توفي سنة
    سبع وسبعين فطمع باد في الموصل وبعث إليها شرف الدولة بن بويه أبا نصر
    خواشاور في العساكر فزحف إليه باد وتأخر الممد عن أبي نصر فبعث عن العرب من
    بني عقيل وبني نمير لمدافعة باد وأقطعهم البلاد‏.‏ واستولى باد على طور
    عبدين آخر الجبال ولم يضجر وأرسل أخاه في عسكر لقتال العرب فقتل وانهزم
    عسكره وأقام باد قبالة خواشاده حتى جاء الخبر بموت شرف الدولة بن بويه فزحف
    خواشاده إلى الموصـل وقامـت العـرب بالصحراء وباد بالجبال‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عود بني حمدان إلى الموصل ومقتل باد


    كان أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسن ابنا ناصر الدولة بن حمدان قد
    لحقا بعد مهلك أخيهمـا أبـي ثعلـب بالعراق وكانا ببغداد وأستقرا في خدمة
    شرف الدولة بن عضد الدولة فلما تولى شرف الدولة وخواشاده في الموصل بعثهما
    إليها ثم أنكر ذلك عليه أصحابه فكتب إلى خواشاده عامل الموصل فمنعهما فكتب
    إليهما بالرجوع عنه فلم يجيبا وأغذا السير إلى الموصل حتـى نـزلا
    بظاهرهـا‏.‏ وثـار أهـل الموصـل بالديلـم والأتـراك الذيـن عندهـم وخرجوا
    إلى بني حمدان‏.‏ وزحـف الديلـم لقتالهـم فانهزمـوا وقتـل منهـم خلـق
    وامتنـع باقيهـم بدار الإمارة‏.‏ وأراد أهل الموصل استلحامهم فمنعهم بنو
    حمدان وأخرجوا خواشاده ومن معه على الأمان إلى بغداد وملكوا الموصل‏.‏
    وتسايل إليهم العرب من كل ناحية‏.‏ وبلغ الخبر إلى باد وهو بديار بكر بملك
    الموصل وجمع فاجتمع إليه الأكراد البثنوية أصحاب قلعة فسك وكان جمعهم
    كثيراً‏.‏ واستمال أهـل الموصـل بكتبـه فأجابـه بعضهـم فسـار ونزل على
    الموصل وبعث أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمـدان إلـى أبـي عبـد اللـه
    محمـد بـن المسيـب أميـر بنـي عقيـل يستنصرانـه‏.‏ وشـرط عليهمـا جزيرة ابن
    عمر ونصيبين فقبلا شرطه‏.‏ وسار أبو عبد الله صريخاً وأقام أخوه أبو طاهر
    بالموصل وباد يحاصره‏.‏ وزحف أبو الرواد في قومه مع أبي عبد الله بن حمدان
    وعبروا دجلة عند بدر وجاؤوا إلى باد من خلفه‏.‏ وخرج أبو طاهر والحمدانية
    من أمامه والتحم القتال ونكب بباد فرسه فوقع طريحاً ولم يطق الركوب وجهض
    العدو عنه أصحابه فتركوه فقتله بعض العرب وحمل رأسه إلى بني حمدان ورجعوا
    ظافرين إلى الموصل وذلك سنة ثمانين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مهلك أبي طاهر بن حمدان واستيلاء بني عقيل على الموصل


    لمـا هلـك بـاد طمـع أبـو طاهـر وأبـو عبـد اللـه ابنـا حمـدان فـي
    استرجاع ديار بكر وكان أبو علي بن مروان الكردي وهو ابن أخت باد قد خلص من
    المعركة ولحق بحصن كيفا وبه أهل باد وماله وهـو مـن أمنـع المعاقـل فتـزوج
    امـرأة خالـه واستولـى علـى مالـه وعلى الحصن‏.‏ وسار في ديار فملك مـا
    كـان لخالـه فيهـا تليـدا‏.‏ وبينما هو يحاصر ميافارقين زحف إليه أبو طاهر
    وأبو عبد الله ابنا حمدان يحاربانه فهزمهما وأسر عبد الله منهما‏.‏ ثم
    أطلقه ولحق بأخيه أبي طاهر وهو يحاصر آمد فزحفا لقتال ابن مروان فهزمهما
    وأسر أبا عبد الله ثانية إلى أن شفع فيه خليفة مصر فأطلقـه واستعمله
    الخليفة على حلب إلى أن هلك‏.‏ وأما أبو طاهر فلحق بنصيبين في فل من أصحابه
    وبها أبو الدرداء محمد بن المسيب أميـر بنـي عقيـل‏.‏ وسـار إلـى الموصـل
    فملكهـا وأعمالها وبعث إلى بهاء الدولة أن ينفذ إليه عاملا من قبله فبعث
    إليها قائداً كان تصرفه عن أبي الدرداء ولم يكن له من الأمر شيء إلى أن
    استبد أبو الدرداء واستغنـى عـن العامـل وانقرض ملك بني حمدان من الموصل
    والبقاء لله‏.‏ ملك سعد الدولة في حمدان بحلب وولاية ابنه أبي الفضائل
    واستبداد لؤلؤ عليه‏:‏ ولما هزم سعد الدولة مولاه بكجور وقتله حين سار إليه
    من الرقة رجع إلى حلب فأصابه فالج وهلك سنة إحدى وثمانين‏.‏ وكان مولاه
    لؤلؤ كبير دولته فنصب ابنه أبا الفضائل وأخذ له العهد على الأجناد وتراجعت
    إليهم العساكر‏.‏ وبلغ الخبر أبا الحسن المغربي وهو بمشهد علي فسار إلى
    العزيز بمصر وأغراه بملك البلد واعتصم أبو الفضائل ولؤلؤ بالقلعة وبعث أبو
    الفضائل ولؤلؤ إلى ملك الروم يستنجدانه وكان مشغولا بقتال البلغار فأرسل
    إلى نائبه بأنطاكية أن يسير إليهم فسار في خمسين ألفا ونزل جسر الحديد على
    وادي العاصي فنفر إليه منجوتكين في عساكر المسلمين وهزم الروم إلى إنطاكية
    واتبعهم فنهب بلادها وقراها وأحرقهـا‏.‏ ونـزل أبـو الفضائل ولؤلؤ من
    القلعـة إلـى مدينـة حلـب فنقـل مـا فيهـا مـن الغلـال وأحـرق الباقـي‏.‏
    وعـاد منجوتكين إلى حصارهم بحلب‏.‏ وبعـث لؤلـؤ إلـى أبـي الحسـن المغربـي
    فـي الوساطـة لهم في الصلح فصالحهم منجوتكين ورحل إلى دمشـق حجرا من الحرب
    وتعذر الأقوات‏.‏ ولم يراجع العزيز في ذلك فغضب العزيز وكتب إليه يوبخه
    ويأمره بالعود لحصار حلب فعاد وأقام عليها ثلاثة عشر شهراً‏.‏ فبعث أبو
    الفضائل ولؤلؤ مراسلة لملك الروم وحرضوه على إنطاكية وكان قد توسط بلاد
    البلغار فرجع عنها وأجفل في الحشد ورجع إلى حلب‏.‏ وبلغ الخبر إلى منجوتكين
    فأجفل عنها بعد أن أحرق خيامه وهدم مبانيـه وجاء ملك الروم‏.‏ وخرج إليه
    أبو الفضائل ولؤلؤ فشكرا له ورجعا ورحل ملك الروم إلى الشام ففتح حمص وشيزر
    ونهبهما‏.‏ وحاصر طرابلس فامتنعت عليه فأقام بها أربعين ليلة ثم رحل
    عائداً إلى بلده‏.‏ انقراض بني حمدان بحلب واستيلاء بني كلاب عليها ثم إن
    أبا نصر لؤلؤاً مولى سيف الدولة عزل أبا الفضائل مولاه بحلب وأخذ البلد منه
    ومحا دعوة العباسية وخطب للحاكم العلوي بمصر ولقبه مرتضى الدولة‏.‏ ثم فسد
    حاله معه فطمع فيه بنو كلاب بن ربيعة وأميرهم يومئذ صالح بن مرداس وتقبض
    لؤلؤ على جماعة منهم دخلوا إلى حلب كان فيهم صالح فاعتقله مدة وضيق عليه‏.‏
    ثم فر من محبسه ونجا إلى أهله وزحـف إلـى حلـب ولؤلـؤ فيهـا وكانـت بينه
    وبينهم حروب هزمه صالح آخرها وأسوه سنة ستين وأربعمائـة‏.‏ وخلـص أخـوه
    نجـا إلـى حلـب فحفظها وبعث إلى صالح في فدية أخيه وشرط له ما شاء فأطلقه
    ورجع إلى حلب واتهم مولاه فتحاً وكان نائبه على القلعة بالمداخلة في هزيمته
    فأجمع نكبته‏.‏ ونمي إليه الخبر فكاتب الحاكم العلوي وأظهر دعوته وانتقض
    على لؤلؤ فأقطعه الحاكـم صيـدا وبيـروت ولحـق لؤلـؤ بالـروم فـي إنطاكيـة
    فأقـام عندهـم‏.‏ ولحق فتح بصيدا‏.‏ واستعمل الحاكـم علـى حلـب مـن قبلـه
    وانقرض أمر بني حمدان من الشام والجزيرة أجمع‏.‏ وبقيت حلب في ملك
    العبيديين‏.‏ ثم غلب عليها صالح بن مرداس الكلابي وكانت بها دولة له ولقومه
    وورثها عنه بنوه كما يذكر في أخبارهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني عقيل بالموصل وابتداء أمرهم بأبي الدرداء


    وتصاريف أحوالهم كان بنو عقيل وبنو كلاب وبنو نمير وبنو خفاجة وكلهم من
    عامر بن صعصعة وبنو طيء من كهلان قد انتشروا ما بين الجزيرة والشام في عدوة
    الفرات‏.‏ وكانوا كالرعايا لبني حمدان يؤدون إليهم الأتاوات وينفرون معهم
    في الحروب‏.‏ ثم استفحل أمرهم عند فشل دولة بني حمدان وسـاروا إلـى ملـك
    البلـاد‏.‏ ولمـا انهـزم أبـو طاهـر بـن حمـدان أمام أبي علي بن مروان
    بديار بكر كما قدمنـاه سنـة ثمانيـن ولحـق بنصيبيـن وقـد استولـى عليها أبو
    الدرداء محمد بن المسيب بن رافع بن مقلد بن جعفر بن عمر بن مهند أمير بني
    عقيل ابن كعب بن ربيعة بن عامر فقتل أبا طاهر وأصحابه وسار إلى الموصل
    فملكها‏.‏ وبعث إلى بهاء الدولة بن بويه المستبد على الخليفة بالعراق في أن
    يبعث عاملا من قبله والحكم راجع لأبي الدرداء‏.‏ وأقام على ذلك سنتين‏.‏
    وبعـث بهـاء الدولـة سنـة اثنتيـن وثمانيـن عساكـره إلـى الموصـل مـع أبي
    جعفر الحجاج بن هرمز فغلب عليها أبا الدرداء وملكها‏.‏ وزحف لحربه أبو
    الدرداء في قومه ومن اجتمع إليه من العرب فكانت بينهم حروب ووقائع وكان
    الظفر فيها للديلم‏.‏ مهلك أبي الدرداء وولاية أخيه المقلد ثـم مات أبو
    الدرداء سنة ست وثمانين وولي إمارة بني عقيل مكانه أخوه علي بعد أن تطاول
    إليهـا أخوهمـا المقلـد بـن المسيـب وامتنـع بنـو عقيـل لـأن عليـاً كان
    أسن منه فصرف المقلد وجهه إلى ملك الموصل واستمال الديلم الذين فيها مع أبي
    جعفر بن هرمز فمالوا إليه وكتب إلى بهاء الدولـة أن يضمنـه الموصـل بألفـي
    ألـف درهـم كـل سنـة‏.‏ ثم لمظهر لأخيه علي وقومه أن بهاء الدولة قد ولاه
    واستمدهم فساروا معه ونزلوا على الموصل وخرج إلى المقلد من كان استماله من
    الديلم واستأمن إليهم أبو جعفر قائد الديلم فأمنوه وركب السفن إلى بغداد
    واتبعوه فلم يظفروا منه بشيء وتملك المقلد ملك الموصل‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:58 pm

    خبر عدل التحكمي بالرحبة


    كـان عـدل هـذا مولـى تحكـم ثم صار مع ابن رائق وأصعد معه إلى الموصل‏.‏
    ولما قتل ابن رائق صـار في جملة ناصر الدولة بن حمدان فبعثه مع علي بن
    طياب إلى ديار مضر فاستولى ابن طياب عليها وقتل نائب ابن رائق‏.‏ وكان
    بالرحبة من ديار مضر رجل من قبل ابن رائق يقال مسافـر يـن الحسيـن فامتنـع
    بهـا وجبـى خراجهـا واستولى على تلك الناحية فأرسل إليه ابن طياب عدلا
    التحكمي فاستولى عليها وفر مسافر عنها‏.‏ واجتمع التحكمية إلى عدل واستولى
    على طريـق الفـرات وبعـض الخابـور‏.‏ ثـم استنصـر مسافـر بجمـع من بني نمير
    وسار إلى قرقيسيا وملكها وارتجعهـا عـدل مـن يـده‏.‏ ثـم اعتـزم عملـه على
    ملك الخابور وانتشر أهله ببني نمير فأعرض عدل عن ذلك حينا حتى أمنوا ثم
    أسرى إلى فسيح سمصاب وهي من أعظم قرى خابور فقاتلها ونقـب السور وملكها ثم
    ملك غيرها‏.‏ وأقام في الخابور ستة أشهر وجبى الأموال وقوي جمعه واتسعت
    حالـه‏.‏ ثـم طمـع فـي ملـك بنـي حمـدان فسـار يريـد نصيبيـن لغيبـة سيـف
    الدولـة عـن الموصـل وبلـاد الجزيـرة ونكـب عـن الرحبـة وحـران لـأن يأنـس
    المؤنسـي كـان بها في عسكر ومعه جمع من بني نمير فحاد عنها إلى رأس عيـن
    ومنهـا إلـى نصيبيـن وبلـغ الخبـر إلـى أبـي عبـد اللـه الحسيـن يـن سعيـد
    بـن حمـدان فجمـع وسـار إليـه فلمـا التقـى الجمعـان استأمـن من أصحاب عدل
    إلى ابن حمدان ولم يبق معه إلا القليل فقبض عليـه وسملـه وبعـث بـه مـع
    ابنـه إلـى بغـداد فـي آخـر شعبـان سنـة إحـدى وثلاثيـن ومائتين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير المتقي إلى الموصل وعوده


    ولمـا انصرف ناصر الدولة وسيف الدولة من المتقي من بغداد جاء تورون من
    واسط واستولى علـى الدولـة ثـم رجـع إلـى واسـط ووقعـت بينـه وبيـن ابـن
    البريـدي بالبصـرة مواصلة وصهر استوحش لها المتقي‏.‏ وكان بعض أصحاب تورون
    منافراً له فأكثر فيه السعاية عند المتقي والوزير ابن مقلة وخوفهما اتصال
    يده بابن البريدي‏.‏ وقارن ذلك اتصال ابن شير زاده بتورون ومسيره إليه
    بواسط فذكروا الخليفه بما فعل ابن البريدي معه في المرة الأخرى وخوفوه
    عاقبة أمرهم فكتب إلـى ابـن حمـدان أن ينفـذ إليـه عسكـراً يسيـر صحبتـه
    إليهـم فأنفـذه مـع ابـن عمـه الحسيـن بن سعيد بن حمدان ووصلوا إلى بغداد
    سنة اثنتين وثلاثين وخرج المتقي معهم بأهله وأعيان دولته ومعه الوزير ابن
    مقلة وانتهى إلى تكريت فلقيه سيف الدولة هنالك‏.‏ وجـاء ناصـر الدولـة
    فأصعـد المتقـي إلـى الموصـل‏.‏ ولمـا بلـغ الخبـر إلى تورون سار نحو تكريت
    فلقيه سيف الدولة عندها فقاتله ثلاثة أيام‏.‏ ثم هزمه تورون ونهب سواده
    وسواد أخيه‏.‏ وسار سيـف الدولـة إلـى الموصـل وتـورون فـي أتباعـه فخـرج
    ناصر الدولة والمتقي وجملته إلى نصيبين ثم إلى الرقة ولحقهم سيف الدولة
    إليها‏.‏ وملك تورون الموصل وبعث إليـه المتقـي يعاتبـه علـى اتصاله بابن
    البريدي وأنه إنما استوحش من ذلك فإن آثر رضاه واصل ابن حمدان فأجاب تـورون
    إلـى ذلـك وعقـد الضمـان لناصـر الدولـة علـى مـا بيـده من البلاد لثلاث
    سنين كل سنة بثلاثة آلاف وستمائة ألف‏.‏ وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقي
    بالرقة‏.‏ ثم أحس من ابن حمدان ضجرا به وبلغ سيف الدولة أن محمد بن نيال
    الترجمان أغرى المتقي بسيف الدولة وهو الذي كـان أفسـد بيـن المتقـي
    وتـورون فقبـض عليـه سيف الدولة وقتله وارتاب المتقي بذلك فكتب إلى تورون
    يستصلحه‏.‏ وكتب إلى الأخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فسار إليه
    الأخشيـد‏.‏ ولمـا وصـل إلـى حلـب وعليهـا مـن قبـل سيـف الدولة ابن عمهم
    أبو عبد الله سعيد بن حمدان فرحل عنها وتخلف عنه ابن مقاتل الذي كان بدمشق
    مع ابن رائق‏.‏ ولـم وصـل الأخشيـد إلـى حلـب لقيـه ابـن مقاتل فأكرمه
    واستعمله على خراج مصر‏.‏ ثم سار إلى المتقـي بالرقـة فلقيـه منتصـف ثلـاث
    وثلاثيـن فبالـغ المتقي في إكرامه وبالغ هو في الأدب معه وحمل إليـه
    الهدايـا والـى وزيـره وحاشيته وسأله المسير إلى مصر أو الشام فأبى فأشار
    عليه أن لا يرجع إلـى تـورون فأبى‏.‏ وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى
    مصر ليحكمه في دولته وخوفه من تورون فلم يعمل وجاءهم رسل تورون في الصلح
    وأنهم استحلفوه للخليفة والوزير فانحدر المتقـي إلـى بغـداد آخـر المحـرم
    وعـاد الأخشيد إلى مصر‏.‏ ولما وصل المتقي إلى هيت لقيه تورون فقبـل الـأرض
    ورأى أنـه تحلل عن يمينه بتلك الطاعة‏.‏ ثم وكل به وسمل المتقي ورجع إلى
    بغداد فبايـع للمستكفـي‏.‏ ولمـا ارتحل المتقي عن الرقة ولى عليها ناصر
    الدولة ابن عمه أبا عبد الله بن سعيد بن حمدان وعلى طريق الفرات وديار مضر
    وقنسرين وجند والعواصم وحمص‏.‏ فلما وصل إلى الرقة طمع أهلها فيه فقاتلهم
    وظفر بهم ورجع إلى حلب وقد كان ولى على هذه البلاد قبله أبا بكر محمد بن
    علي بن مقاتل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء سيف الدولة علي حلب وحمص


    ولما ارتحل المتقي من الرقة وانصرف الأخشيد إلى الشام بقي يأنس المؤنسي
    بحلب فقصـده سيـف الدولـة وملكهـا مـن يـده‏.‏ ثـم سـار إلـى حمص فلقيه بها
    كافور مولى الأخشيد فهزمه سيف الدولـة وسـار إلى دمشق فامتنعوا عليه
    فرجع‏.‏ وجاء الأخشيد من مصر إلى الشام وسار في أتباع سيف الدولة فاصطفا
    بقنسرين ثم تحاجزوا ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة والأخشيد إلـى دمشـق‏.‏
    ثـم سـار سيـف الدولة إلى حلب فملكها وسارت عساكر الروم إليها فقاتلهم وظفر
    بهـم‏.‏ ثـم بلـغ ناصـر الدولـة بـن حمدان ما فعله تورون من سمل المتقي
    وبيعة المستكفي فامتنع من حمل المال وهرب إليه غلمان تورون فاستخدمهم ونقض
    الشـرط فـي ذلـك‏.‏ وخـرج تـورون والمستكفـي قاصديـن الموصـل وتـرددت
    الرسـل بينهمـا فـي الصلـح فتـم ذلـك آخـر سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وعاد
    المستكفي وتورون إلى بغداد فتوفي تورون أثر عوده وولى الأمور بعده ابنه
    شيرزاده واستعمل على واسط قائداً وعلى تكريت آخر فأما الذي على واسط فكاتب
    معز الدولة ابن بويه واستقدمه فقدم بغداد واستولى على الدولة فخلع
    المستكفـي وبايـع للمطيـع‏.‏ وأمـا الفتنة بين ابن حمدان وابن بويه ولما
    خلع معز الدولة بن بويه المستكفي عند استيلائه على بغداد امتعض ناصر الدولة
    بن حمدان لذلك وسار من الموصل إلى العراق‏.‏ وبعث معز الدولة بن بويه
    قواده فالتقى الجمعان بعكبرا واقتتلوا وخرج معز الدولة مع المطيع إلى عكبرا
    وكان ابن شيرزاده ببغداد وأقام بها ولحـق بناصر الدولة بن حمدان‏.‏ وجاء
    بعساكره إلى بغداد فنزلوا بالجانب الغربي وناصر الدولة بالجانـب الشرقي
    ووقع الغلاء في معسكر معز الدولة والخليفة لانقطاع الميرة‏.‏ وبقي عسكر ابن
    حمـدان فـي رخـاء مـن العيـش لاتصال الميرة من الموصل‏.‏ واستعان ابن
    شيرزاده بالعامة والعيارين على حرب معز الدولة والديلم وضاق الأمر بمعز
    الدولة حتى اعتزم على الرجوع إلى الأهواز‏.‏ ثم أمر أصحابه بالعبور من
    قطربال بأعلى دجلة وتسابق أصحاب ناصر الدولة إلى مدافعتهم ومنعهم وبقي في
    خف من الناس فأجاز إليه شجعان الديلم من أقرب الأماكن فهزموه وملك معز
    الدولة الجانب الشرقي وأعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين‏.‏
    ورجع ناصر الدولـة إلـى عكبـرا‏.‏ وأرسـل فـي الصلـح فوقـف الأتـراك
    التورونيـة الذيـن معـه علـى خبـر رسالتـه فهموا بقتله فأغذ السير إلى
    الموصل ومعه ابن شيرزاده وأحكم الصلح مع معز الدولة‏.‏ استيلاء سيف الدولة
    على دمشق وفي سنة خمـس وثلاثيـن وثلاثمائـة توفـي الأخشيـد أبـو بكر محمد
    بن طغج صاحب مصر والشام فنصب للأمر بعده ابنه أبو القاسم أنوجور واستولى
    عليه كافور الأسود وخادم أبيه وسار بهما إلى مصر وجاء سيف الدولة إلى دمشق
    فملكها وارتاب به أهلها فاستدعوا كافـوراً فجاءهـم وخرج سيف الدولة إلى حلب
    ثم أتبعوه فعبر إلى الجزيرة وأقام أنوجور على حلب‏.‏ ثم اتفقوا واصطلحوا
    وعاد أنوجور إلى مصر وسيف الدولة إلى حلب وأقام كافور بدمشق قليلاً‏.‏ ثـم
    عـاد إلـى مصـر واستعمـل علـى دمشـق بـدراً الأخشيـد ويعـرف ببديـر‏.‏ ثـم
    عزلـه بعـد سنـة وولى أبا المظفر طغج‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الفتنة بين ناصر الدولة ابن حمدان وبين تكين والأتراك


    كان مع ناصر الدولة جماعة من الأتراك أصحاب تورون فروا إليـه كمـا قدمنـا
    فلمـا وقعـت المراسلة بينه وبين معز الدولة في الصلح ثاروا به وهرب منهم
    وعبر إلى الجانب الغربي ونزل الموصـل واستجـار القرامطـة فأجـاروه وبعثوا
    معه إلى مأمنه وفي جملته ابن شيرزاد فقبض ناصر الدولة عليه واجتمع الأتراك
    بعده فقدموا عليهم تكين الشيرازي وقبضوا على من تخلف من أصحاب ناصر الدولة
    وأتبعوه إلى الموصل فسار عنها إلى نصيبين ودخل الأتراك الموصـل‏.‏ وبعث
    ناصر الدولة إلـى معـز الدولـة يستصرخـه فبعـث إليـه بالجيـوش مـع وزيـره
    أبـي جعفـر الصيمـري‏.‏ وخـرج الأتـراك مـن الموصـل فـي أتبـاع ناصر الدولة
    إلى نصيبين فمضى إلى سنجار ثم إلـى الحديثـة ثـم إلـى السـن وهـم فـي
    أتباعـه‏.‏ وبقـي هنالـك العساكـر فقاتلوا الأتراك وهزموهم وسيق قائدهـم
    تكيـن إلى ناصر الدولة فسلمه لوقته ثم حبسه وسار مع الصيمري إلى الموصل
    فأعطاه ابن شيرزاد وارتحل به إلى بغداد‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتفاض جمان بالرحبة ومهلكه


    كـان جمـان هـذا مـن أصحـاب تـورون وسـار إلـى ناصـر الدولـة بن حمدان
    فلما كان في محاربة معز الدولة ببغداد استراب بمن معه من الديلم وجمعهم على
    جمان هذا وأخرجه إلى الرحبة والياً فعظم أمره‏.‏ وانتقض سنة ست وثلاثين
    على ناصر الدولة وحدثته نفسه بالتغلب على ديار مضر فسار إلى الرقة وحاصرها
    سبعة عشر يوما وانهزم عنها‏.‏ ووثب أهل الرحبة بأصحابه وعماله فقتلوهم لسوء
    سيرتهم‏.‏ وجاء من الرقة فأثخن فيهم وبعث ناصر الدولة بن حمدان حاجبـه
    بـاروخ مع عسكر فاقتتلوا على الفرات وانهزم جمان فغرق في الفرات واستأمن
    أصحابه إلى باروخ فأمنهم ورجع إلى ناصر الدولة‏.‏ فتنة ناصر الدولة مع معز
    الدولة ثم وقعت الفتنة بين ناصر الدولة بن حمدان ومعز الدولة بن بويه وسار
    إليه معز الدولة من بغداد سنة سبع وثلاثين فسار هو من الموصل إلى نصيبين
    وملك معز الدولة الموصل فظلم الرعايا وأخذ أموالهم وأجمع الاستيلاء على
    بلاد ابن حمدان كلها فجاءه الخبـر بـأن عساكـر خراسان قصدت جرجان والري‏.‏
    وبعث أخوه ركن الدولة يستمده فصالح ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة والشام
    على ثمانية آلاف ألف درهم كل سنة وعلى أن يخطب له ولأخويـه عماد الدولة
    لركن الدولة وعاد إلى بغداد في ذي الحجة آخر سبع وثلاثين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up غزوات سيف الدولة


    كـان أمـر الثغـور راجعـاً إلـى سيـف الدولـة بـن حمـدان ووقـع الفـداء
    سنـة خمـس وثلاثيـن في ألفين من الأسـرى علـى يـد نصـر النملـي ودخل الروم
    سنة اثنتين وثلاثين مدينة واسرغين ونهبوها وسبوها وأقاموا بها ثلاثاً وهـم
    فـي ثمانيـن ألفـاً مـع الدمستـق‏.‏ ثـم سـار سيـف الدولـة سنـة سبـع
    وثلاثيـن غازيـاً إلى بلاد الروم فقاتلوه وهزموه‏.‏ ونزل الروم على مرعش
    فأخذوها وأوقعوا بأهل طرسوس‏.‏ ثم دخـل سنـة ثمـان وثلاثيـن وتوغـل فـي
    بلـاد الـروم وفتح حصوناً كثيرة وغنم وسبا‏.‏ ولما قفل أخذت الـروم عليـه
    المضايـق وأثخنـوا فـي المسلميـن قتـلا وأسـراً واستـردوا مـا غنمـوه‏.‏
    ونجـا سيـف الدولة في فل قليل‏.‏ ثم ملك الروم سنة إحدى وأربعين مدينة سروج
    واستباحوها‏.‏ ثـم دخـل سيـف الدولـة سنـة ثلـاث وأربعين إلى بلاد الروم
    فأثخن فيها وغنم وقتل قسطنطين بن الدمستق فيمن قتل فجمع الدمشق عساكر الروم
    والروس وبلغار وقصـد الثغـور فسـار إليـه سيف الدولة بن حمدان والتقوا عند
    الحارث فانهزم الروم واستباحهم المسلمون قتلا وأسراً وأسر صهر الدمستق
    وبعض أسباطه وكثير من بطارقته ورجع سيف الدولة بالظفر والغنيمة ثـم دخـل
    بلاد الروم النصرانية ثم رجع إلى أذنة وأقام بها حتى جاءه نائبه على طرسوس
    فخلع عليه وعاد إلى حلب‏.‏ وامتعض الروم لذلك فرجعوا إلى بلادهم‏.‏ ثـم
    غـزا الـروم طرسوس والرها وعاثوا في نواحيها سبياً وأسراً ورجعوا‏.‏ ثم غزا
    سيف الدولة بلـاد الـروم سنـة ست وأربعين وأثخن فيها وفتح عدة حصون
    وامتلأت أيدي عسكره من الغنائم والسبي وانتهى إلى أسروشنة ورجع وقد أخذت
    الروم عليه المضايق فقال له أهل طرسوس‏:‏ ارجع معنا فإن الدروب التي دخلت
    منها قد ملكها الروم عليك فلم يرجع إليهم وكان معجباً برأيـه فظهـر الـروم
    عليـه فـي الـدرب واستـردوا مـا أخـذوا منهـم ونجـا فـي فـل قليل يناهزون
    الثلاثمائة‏.‏ ثم دخل سنة خمسين قائد من موالي سيف الدولة إلى بلاد الروم
    من ناحية ميافارقين فغنم وسبا وخرج سالماً‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الفتنة بين ناصر الدولة ومعز الدولة بن بويه


    قد تقدم لنا ما وقع من الصلح بين ناصر الدولة وبين معز الدولة بن بويه
    وطالبه في المال فانتقض‏.‏ وسار إليه معز الدولة إلى الموصل منتصف السنة
    وملكها وفارقها ناصر الدولة إلى نصيبين وحمل نوابه ومن يعرف وجوه المال
    وحمايته وأنزلهم في قلاعه مثل الزعفراني وكواشي ودس إلى العرب بقطع الميرة
    عن عسكر معز الدولة فضاقت عليهم الأقوات فرحل معز الدولة إلى نصيبين لما
    بها من الغرت السلطانية واستخلف سبكتكين الحاجب الكبير على الموصل‏.‏ وبلغه
    في طريقه أن أبا الرجاء وعبد الله ابني ناصر الدولة مقيمان بسنجار فقصدهما
    فهربا وخلفا أثقالهما وانتهب العسكر خيامهما‏.‏ ثم عادا إلى معسكر معز
    الدولة وهم غازون فنالوا منهـم ورجعـوا إلـى سنجار‏.‏ وسار معز الدولة إلى
    نصيبين ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين واستأمن كثير من أصحابه إلى معز
    الدولة فسار ناصر الدولة إلى أخيه سيف الدولة بحلب فقام بخدمته وباشرها
    بنفسه‏.‏ وأرسل إلى معز الدولة في الصلح بينه وبين أخيه فامتنع معز الدولـة
    مـن قبـول ناصـر الدولـة لانتقاضـه وإخلافـه فضمن سيف الدولة البلاد بألفي
    ألف وتسعمائـة ألـف درهـم وأطلـق معـز الدولـة أسـرى أصحابهـم‏.‏ وتـم
    ذلـك فـي محـرم سنة ثمان وأربعين ورجع معز الدولة إلى العراق وناصر الدولة
    إلى الموصل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up استيلاء الروم على عين زربة


    ثم علي مدينة حلب وفـي المحـرم مـن سنـة إحـدى وخمسين نزل الدمستق في
    جموع الروم على عين زربة وملك الجبل المطل عليها وضيق عليها حصارها ونصب
    عليها المنجنيقات‏.‏ وشرع في النقب فاستأمنوا ودخل المدينة‏.‏ ثم ندم على
    تأمينهم لما رأى من اختلال أحوالهم فنادى فيهم أن يخرجوا بجميع أهاليهـم
    إلـى المسجـد فمـات منهـم فـي الأبـواب بكـض الزحـام خلـق ومات آخرون في
    الطرقات وقتل مـن وجـدوا آخـر النهـار‏.‏ واستولـى الروم على أموالهم
    وأمتعتهم وهدموا سور المدينة وفتحوا في نواحي عين زربة أربعة وخمسين حصناً
    ورحل الدمستق بعد عشرين يوماً بنية العود وخلف بجيشـه بقيساريـة‏.‏ وكـان
    ابـن الزيـات صاحب طرسوس قد قطع الخطبة لسيف الدولة بن حمدان واعترضه
    الدمستق في بعض مذاهبه فأوقع به وقتل أخاه وأعاد أهل البلد الخطبة لسيف
    الدولة وألقى ابن الزيات نفسه في النهر فغرق‏.‏ ثـم رجـع الدمستـق إلـى
    الثغـور وأغـذ السيـر إلـى مدينـة حلـب وأعجـل سيـف الدولـة عـن الاحتشاد
    فقاتله في خف من أصحابه فانهزم سيف الدولـة واستلحـم آل حمـدان واستولـى
    الدمستق على ما في داره خارج حلب من خزائن الأموال والسلاح‏.‏ وخرب الـدار
    وحصـر المدينة وأحس أهل حلب مدافعته فتأخر إلى جبل حيوش‏.‏ ثم انطلقت أيدي
    الدعار بالبلد على النهـب وقاتلهـم النـاس علـى متاعهـم وخربـت الأسـوار
    لخلوهـا مـن الحاميـة فجـاء الـروم ودخلوهـا عليهـم‏.‏ وبـادر الأسـرى
    الذيـن كانـوا فـي حلب وأثخنوا في الناس وسبي من البلد بضعة عشر ألفاً ما
    بين صبي وصبية‏.‏ واحتمل الروم ما قدروا عليه وأحرقوا الباقي‏.‏ ولجأ
    المسلمون إلى قصبة البلد فامتنعوا بها وتقدم ابن أخت الملك إلى القلعة
    يحاصرهـا فرمـي بحجـر منجنيـق فمـات‏.‏ وقتـل الدمستـق بـه مـن كان معه من
    أسرى المسلمين وكانوا ألفاً ومائتين‏.‏ وارتحل الدمستق عنهم ولم يعرض لسواد
    حلب‏.‏ وأمرهم بالعمارة على أنه يعود ابن عمه عن قريـب فخيـب اللـه
    ظنـه‏.‏ وأعـاد سيـف الدولـة عين زربة وأصلح أسوارها وغزا حاجبه مع أهل
    طرسـوس إلـى بلـاد الـروم فأثخنوا فيها ورجعوا فجاء الروم إلى حصن سبة
    فملكوه وملكوا أيضاً حصـن دلوكـة وثلاثـة حصـون مجـاورة لهـم‏.‏ ثـم سـار
    نجـا غلـام سيف الدولة إلى حصن زياد فلقيهم جمـع مـن الـروم فانهـزم الـروم
    وأسـر منهـم خمسمائة رجل‏.‏ وفي السنة أسر أبو فراس بن سعيد بن حمدان وكان
    عاملا على منبج‏.‏ وفيها سار جيش من الروم في البحر إلى جزيرة اقريطش
    وبعـث إليهـم المعـز بالمـدد فأسـر الـروم وانهـزم مـن بقـي منهـم‏.‏ ثـم
    ثـار الـروم فـي اثنتيـن وخمسيـن بعدهـا بملكهم فقتلوه وملكوا غيره وصار
    ابن السميسرة دمستقاً‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض أهل حران


    كان سيف الدولة قد ولى هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة غيرها من ديار مضر
    فساء أثره فيهم وطرح الأمتعة على التجار وبالغ في الظلم فانتظروا به غيبته
    عند عمه سيف الدولة وثاروا بعماله ونوابه فطردوهم فسار هبة الله إليهم
    وحاصرهم شهريـن وأفحـش فـي القتـل فيهم‏.‏ ثم سار سيف الدولة فراجعوا
    الطاعة وداخلوا هبة الله وأفحش في القتل واستقاموا‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض هبة الله


    وفي هذه السنة بعث سيف الدولة الصوائف إلى بلاد الروم فدخل أهل طرسوس من
    درب ومولاه نجا من درب وأقام هو ببعض الدروب لأنه كان أصابه الفالج قبل ذلك
    بسنتين فكان يعاني منه شدة إذا عاوده وجعه‏.‏ توغل أهله طرسوس في غزوتهم
    وبلغوا قونية عادوا فعاد سيـف الدولـة إلـى حلـب واشتد وجعه فأرجف الناس
    بموته فوثب هبة الله ابن أخيه وقتل ابن دنجـا النصرانـي مـن غلمـان سيـف
    الدولة‏.‏ ولما تيقن حياة عمه رحل إلى حران وامتنع بها وبعث سيـف الدولـة
    غلامـه فجـاء إلـى حـران فـي طلبـه فلحـق هبـة اللـه بأبيـه بالموصـل ونـزل
    نجـا علـى حران آخر شوال من سنة اثنتين وخمسين وصادر أهلها على ألف ألف
    درهم وأخذها منهم في خمسة أيام بالضرب والنكال وباعوا فيها ذخائرهم حتى
    أملقوا وصاروا إلى ميافارقين ونزلها شاغرة فتسلط العيارون على أهلها‏.‏
    ولما فعل نجا بأهل حران ما فعل واستولى على أموالهم فقوي بها وبطر وسار إلى
    ميافارقين وقصـد بلـاد أرمينيـة‏.‏ وكـان قـد استولـى علـى أكثرهـا رجـل
    فـي العـراق يعـرف بأبـي الـورد فغلبـه نجا علـى ما ملك منها وأخذ قلاعه
    وبلاده فملك خلاط وملاذكرد وأخذ كثيراً من أموال أبي الورد وقتلـه ثـم
    انتقـض علـى سيـف الدولـة‏.‏ واتفـق أن معـز الدولـة ابـن بويـه استولـى
    على الموصل ونصيبين فكاتبه نجا يعده المساعدة على بني حمدان‏.‏ ثم صالحه
    ناصر الدولة ورجع إلى بغداد فسار سيـف الدولـة إلـى نجا فهرب منه بين يديه
    واستولى على جميع البلاد التي ملكها من أبي الورد واستأمـن إليـه نجـا
    وأخـوه وأصحابـه فأمنهـم وأعـاد نجـا إلـى مرتبتـه‏.‏ ثـم وثـب عليـه
    غلمانه وقتلوه في داره بميافارقين في ربيع سنة ثلاث وخمسين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير معز الدولة إلى الموصل وحروبه مع ناصر الدولة


    كان الصلح قد استقر بين ناصر الدولة ومعز الدولة على ألف ألف درهم في كل
    سنة‏.‏ ثم طلـب ناصـر الدولـة دخـول ولـده أبـي ثعلـب المظفـر فـي اليمن
    على زيادة بذلها وامتنع سيف الدولة من ذلك وسار إلى الموصل منتصف سنة ثلاث
    وخمسين‏.‏ ولحق ناصر الدولة بنصيبين وملك معـز الدولـة الموصـل وسـار عنهـا
    فـي أتبـاع ناصـر الدولـة بعد أن استخلف على الموصل في الجباية والحرب فلم
    يثبت ناصر الدولة وفارق نصيبين وملكها معز الدولة‏.‏ وخالفه أبو ثعلـب
    إلـى الموصل وعاث في نواحيها وهزمه قواد معز الدولة بالموصل فسكنت نفس معز
    الدولة‏.‏ وأقام ببرقعيد يترقب أخباره وخالف ناصر الدولة إلى الموصل فأوقع
    بأصحابه وقتلهم وأسر قواده واستولى على مخلفه من المال والسلاح‏.‏ وحمل ذلك
    كله إلي قلعة كواشي‏.‏ وبلغ الخبر إلى معز الدولـة فلحـق بالنـواب وأعيـا
    معـز الدولـة أمرهـم‏.‏ ثم أرسلوا إليه في الصلح فأجاب وعقد لناصر الدولة
    على الموصل وديار ربيعة وجميع أعماله بمقرها المعلوم وعلى أن يطلق الأسـرى
    الذيـن عنده من أصحاب معز الدولة إلى بغداد‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حصار المصيصة وطرسوس واستيلاء الروم عليها


    وفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة خرج الدمستق في جموع الـروم فنـازل
    المصيصـة وشـدد حصارها وأحرق رساتيقها وبلغ إلى نقب السور فدافعه أهلها أشد
    مدافعتهم‏.‏ ثم رحل إلى أذنة وطرسوس وطال عيشه في نواحيها وأكثر القتل في
    المسلمين وغلت الأسعار في البلاد وقلت الأقوات‏.‏ وعاود سيف الدولة مرض
    فمنعه من النهوض إليهم وجاء من خراسان خمسة آلاف رجل غزاة فبلغوا إلى سيف
    الدولة فارتحل بسببهم للمدافعة فوجد الروم انصرفوا ففرق هؤلاء الغزاة في
    الثغور من أجل الغلاء وكان الروم قد انصرفوا بعد خمسة عشر يوماً‏.‏ وبعث
    الدمستق إلى أهل المصيصة وأذنة وطرسوس يتهددهم بالعود ويأمرهم بالرحيل من
    البلاد‏.‏ ثـم عـاد إليهـم وحاصـر طرسـوس فقاتلهـم أشـد قتـال وأسـروا
    بطريقـاً مـن بطارقتـه وسقط الدمستـق إلى أهل المصيصة ورجعوا إلى بلادهم‏.‏
    ثم سار يعفور ملك الروم من القسطنطينية سنة أربع وخمسين إلى الثغور وبنى
    بقيسارية مدينة ونزلها وجهز عليها العساكر وبعث أهل المصيصة وطرسوس في
    الصلح فامتنع وسار بنفسه إلى المصيصة فدخلها عنوة واستباحها ونقـل أهلهـا
    إلـى بلـاد الـروم وكانـوا نحـواً مـن مائتـي ألـف‏.‏ ثـم سار إلى طرطوس
    واستنزل أهلها على الأمان وعلى أن يحملوا من أموالهم وسلاحهم ما قدروا عليه
    وبعث معهم حامية مـن الـروم يبلغونهـم أنطاكيـة وأخـذ فـي عمـارة طرسـوس
    وتحصينهـا وجلـب الميـرة إليهـا‏.‏ ثـم عاد إلى القسطنطينية وأراد الدمشق
    بن شمسيق أن يقصد سيف الدولة في ميافارقين ومنعه الملك من ذلك‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض أهل أنطاكية وحمص


    ولمـا استولـى الـروم علـى طرطـوس لحـق الرشيـق النعيمـي مـن قوادهـم
    وأولـي الرأي فيهم بإنطاكية في عدد وقوة فاتصل به ابن أبي الاهوازي من
    الجباة بإنطاكية وحسن له العصيان وأراه أن سيف الدولـة بميافارقيـن عاجـز
    عـن العـود إلـى الشام بما هو فيه من الزمانة وأعانه بما كان عنده من مال
    الجبـاة فأجمـع رشيـق الانتقـاض وملـك أنطاكيـة وسـار إلـى حلـب وبهـا
    عرقوبـة وجـاء الخبر إلى سيف الدولة بأن رشيقاً أجمع الإنتقاض ونجا ابن
    الأهوازي إلى أنطاكية فأقام في إمارتها رجلا من الديلم اسمه وزير ولقبه
    الأمير وأوهم أنه علوي وتسمى هو بالأشاد وأساء السيرة في أهل أنطاكية
    وقصدهم عرقوبة من حلب فهزموه‏.‏ ثم جاء سيف الدولة من ميافارقين إلى حلب
    وخرج إلى أنطاكية وقاتل وزيراً وابن الأهوازي أياما‏.‏ وجيء بهمـا إليـه
    أسيريـن فقتـل وزيـراً وحبـس ابـن الأهـوازي أيامـاً وقتلـه وصلـح أمـر
    أنطاكية‏.‏ ثم ثار بحمص مروان القرمطي كان من متابعة القرامطة وكان يتقلد
    السواحل لسيف الدولـة فلمـا تمكـن ثـار بحمـص فملكهـا وملـك غيرهـا في غيبة
    سيف الدولة بميافيارقين وبعث إليه عرقوبـة مولاه بدراً بالعساكر فكانت
    بينهما عدة حروب أصيب فيها مروان بسهم فأثبت وبقي أيامـاً يجـود بنفسـه
    والقتـال بيـن أصحابـه وبيـن بدر وأسر بدر في بعض تلك الحروب فقتله مروان
    وعاش بعده أياماً ثم مات وصلح أمرهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خروج الروم إلى الثغور واستيلاؤهم على دارا


    وفي سنة خمس وخمسين خرجت جموع الروم إلى الثغور فحاصروا آمد ونالوا من
    أهلها قتلا وأسراً فامتنعت عليهم فانصرفوا إلى دارا قريباً من ميافارقين
    فأخذوهـا وهـرب النـاس إلـى نصيبيـن وسيـف الدولـة يومئـذ بها فهم بالهروب
    وبعث عن العرب ليخرج معهم ثم انصرف الروم وأقام هو بمكانه وساروا إلى
    أنطاكية فحاصروها مدة وعاثوا في جهاتها فامتنعت فعاد الروم إلى طرسوس‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة سيف الدولة ومحبس أخيه ناصر الدولة


    وفـي صفـر مـن سنـة خمـس وخمسيـن توفـي سيـف الدولـة أبـو الحسـن علـي
    بـن أبـي الهيجـاء عبـد الله بن حمـدان بحلـب وحمـل إلـى ميافارقيـن فدفـن
    بهـا وولـي مكانـه بعـده ابنـه أبـو المعالـي شريـف‏.‏ ثـم فـي جمادى
    الأولى منها حبس ناصر الدولة أخوه بقلعة الموصل حبسه ابنه أبو ثعلب فضل
    الله الغضنفر‏.‏ وكان كبير ولده وكان سبب ذلك أنه كبر وساءت أخلاقه وخالف
    أولاده وأصحابه فـي المصالح وضيق عليهم فضجروا منه ولما بلغهم معز الدولة
    بن بويه اعتزم أولاده على قصد العراق فنهاهم ناصر الدولة وقال لهم‏:‏
    اصبروا حتى ينفق بختيار ما خلف أبوه معز الدولة من الذخيـرة فتظفـروا بـه
    وإلا استظهـر عليكـم وظفر بكم فلجوا في ذلك ووثب به أبو ثعلب بموافقة
    البطانة وحبسه بالقلعة ووكل بخدمته‏.‏ وخالفه بعض إخوته في ذلك واضطرب أمره
    واضطر إلى مداراة بختيار بن معز الدولة وأرسل له في تجديد الضمان ليحتج به
    على إخوته فضمنه بألفي ألف درهم في كل سنة‏.‏ ولما مات سيف الدولة كما
    ذكرناه ولي بعده ابنه أبو المعالي شريف وكان سيف الدولة قد ولـى أبـا فـراس
    بـن أبـي العـلاء سعـد بـن حمـدان عندمـا خلصـه مـن الأسـر الـذي أسـره
    الـروم في منبج فاستفداه في الفداء الذي بينه وبين الروم سنة خمس وخمسين
    وولاه على حمص‏.‏ فلما مات سيـف الدولـة استوحـش مـن أبـي المعالـي بعـده
    ففـارق حمـص ونـزل فـي صدد قرية في طرف البرية قريبـاً مـن حمص فجمع أبو
    المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وبعثهم مع عرقوبة في طلبه فجاء إلى صدد
    واستأمن له أصحاب أبي فراس وكان في جملتهم فأمر به عرقوبـة فقتـل واحتمل
    رأسه إلى أبي المعالي وكان أبو فراس خاله‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:55 pm

    الزعزاع


    باودية ابن أيوب عدن وكانت لبني مسعود بن المكرم المقارعين لبني
    الزريع‏.‏ الجوة‏:‏ اختطها ملوك الزريعيين قرب عدن ونزلها بنو أيوب ثم
    انتقلوا إلى تعز‏.‏ حصن ذي جبلة‏:‏ من حصون مخلاف جعفر اختطه عبد الله
    الصليحي أخو الداعي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وانتقل إليه ابنـه المكـرم
    مـن حصـن صنعـاء‏.‏ وزوجـه سيـدة بنـت أحمـد المستبـدة عليـه وهـي التـي
    تحكمـت سنـة ثمانيـن‏.‏ ومات المكرم وقد فوض الأمر في الملك والدعوة إلى
    سبا بن أحمد بن المظفر الصليحي وكان في معقل اشيح وكانت تستظهر بقبيل جنب
    وكانـوا خامليـن في الجاهلية فظهروا بمخلاف جعفر‏.‏ ثم وصل من مصر ابن نجيب
    الدولة داعياً ونـزل مدينـة جند واعتضد بهمذان فحاربته السيدة بجنب وخولان
    إلى أن ركب البحر وغرق‏.‏ وكان يتولى أمورها المفضل بن أبي البركات بعد
    زوجها المكرم واستولى عليها‏.‏ التعكر‏:‏ من مخلاف جعفر كان لبني الصليحي
    ثم لسيدة من بعدهم ثم طلبه منها المفضل بن أبـي البركـات فسلمتـه إليـه
    وأقـام فيـه إلـى أن سـار إلـى زبيـد وحاصر فيها بني نجاح وطالت غيبته فثار
    بالتعكر جماعة من الفقهاء وقتلوا نائبه وبايعوا لإبراهيم بن زيدان منهم
    وهو عم عمارة الشاعر‏.‏ واستظهروا بخولان فرجع المفضل وحاصرهم كما ذكرنا
    ذلك من قبل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حصن خدد


    كان لعبد الله بن يعلى الصليحي وهو من مخلاف جعفر وكان المفضل قد أدخل
    مـن خولـان فـي حصـون المخلـاف عـدداً كثيراً في بني بحر وبني منبه ورواح
    وشعب‏.‏ فلما مات المفضـل وفـي كفالتـه سيـدة كمـا مـر وثـب مسلـم بـن
    الـذر من خولان في حصن خدد وملكه من يد عبد الله بن يعلى الصليحي ولحق عبد
    الله بحصن مصدود ورشحته سيدة لمكان المفضل واستخلصته الدولة من مدينة الجند
    ومن اليمن بأمرها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حصن مصدود


    من حصون مخلاف جعفر وهي خمسة‏:‏ ذو جبلة والتعكر وحصن خدد‏.‏ ولما غلبـت
    خولـان علـى حصـن خـدد مـن يد عبد الله الصليحي ولحق بحصن مصدود واستولى
    عليه منهـم زكريـا بـن شكيـر البحـري وكـان بنـو الكـردي من حمير ملوكا قبل
    بني الصليحي باليمن وانتزع بنـو الصليحي ملكهم وكان لهم مخلاف بحصونة
    ومخلاف مغافر ومخلاف الجند وحصن سمندان‏.‏ ثم استقرت لمنصور بن المفضل بن
    أبي البركات وباعها من بني الزريع كما مر‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up صنعاء


    قاعدة التبابعة قبل الإسلام وأول مدينة اختطت باليمن وبنتها فيما يقال
    عاد وكانت تسمى أوال من الأولية بلغتهم‏.‏ وقصر غمدان قريب منها أحد البيوت
    السبعة بناه الضحاك باسم الزهرة وحجت إليه الأمم وهدمه عثمان‏.‏ وصنعاء
    أشهر حواضر اليمن وهي فيما يقال معتدلة وكان فيها أول المئة الرابعة بنو
    يعفر من التبابعة ودار ملكهم كحلان ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن
    سكنها بنو الصليحي وغلب عليهـا الزيديـة ثـم السليمانيـون مـن بعـد بنـي
    الصليحي‏.‏ قلعة كحلان‏:‏ من أعمال صنعاء لبني يعفر من التبابعة بناها قرب
    صنعاء إبراهيم وكانت له صعـدة ونجـران‏.‏ واعتصـم بنـو يعفـر بقلعـة كحلان
    وقال البيهقي‏:‏ سيد قلعة كحلان أسعد بن يعفر وحارب بني الرسي وبني زياد
    أيام أبي الجيش‏.‏ حصن الصمدان‏:‏ من أعمال صنعاء كانت فيه خزائن بني
    الكردي الحميريين إلى أن ملكه على الصليحـي ورد عليهـم المكـرم بعـض
    حصونهـم إلـى أن انقـرض أمرهم على يد ابن مهدي‏.‏ وكان لهم مخلاف جعفر الذي
    منه مدينة في جبلة ومعقل التعكر وهو مخلاف الجند ومخلاف معافر مقر ملكهم
    السمدان وهو أحصن من الدمولة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up قلعة منهاب


    من قلاع صنعاء بالجبال ملكها بنو زريع واستبد بها منهم الفضل بن علي بن
    راضـي بـن الداعـي محمـد بـن سبـا بـن زريـع نعته صاحب الجزيرة بالسلطان‏.‏
    وقال‏:‏ كانت له قلعة منهاب وكان حياً سنة ست وثمانين وخمسمائة وصارت بعده
    لأخيه الأغر أبي علي‏.‏ جبـل الدبجـرة‏:‏ وهـو بقـرب صنعاء وقد اختط جعفر
    مولى بني زياد سلطان اليمن مخلاف جعفر فنسب إليه‏.‏ عدن لاعة‏:‏ بجانب
    الدبجرة أول موضع ظهرت فيه دعوة الشيعة باليمن ومنها محمد بن المفضل
    الداعـي‏.‏ ووصـل إليها أبو عبد الله الشيعي صاحب الدعوة بالمغرب‏.‏ وفيها
    قرأ على علي بن محمـد الصليحـي صبيـا وهي دار دعوة اليمن‏.‏ كان محمد بن
    المفضل داعياً عهد أبي الجيش بن بيجان‏:‏ ذكرها عمارة في المخاليف الجبلية
    وملكها نستوان بن سعيد القحطاني‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up تعمر


    من أجل معاقل الجبال المطلة على تهامة ما زال حصناً للملوك وهو اليوم
    كرسي لبني رسـول ومعـدود فـي الأمصار‏.‏ وكان به من ملوك اليمن منصور بن
    المفضل بن أبي البركات وبنو المظفر وورثها عنه ابنـه منصـور ثـم باعهـا
    حصنـاً حصنـاً مـن الداعـي بـن المظفـر والداعـي الزريعي إلى أن بقي بيده
    حصن تعمر فأخذه منه بن مهدي معقل اشيح‏:‏ من أعظم حصون الجبال وفيه خزائن
    بني المظفر من الصليحيين صارت له بعهد المكـرم ابـن عمـه صاحـب فـي جبلـة
    وقلـده المستنصر الدعوة وتوفي سنة ست وثمانين وأربعمائة‏.‏ وغلب ابنه علي
    على معقل الملك اشيح‏.‏ وأعيا المفضل أمره إلى أن تحيل عليه وقتله بالسم
    وصارت حصون بني المظفر إلى بني أبي البركات‏.‏ ثم مات المفضل وخلف ابنه
    منصورا‏.‏ واستقل بملك أبيه بعد حين وباع جميع الحصون فباع ذا جبلة من
    الداعي الزريعي صاحب عدن بمائة ألف دينار وحصن صنبـر بعـد أن كـان حلـف
    بالطلـاق مـن زوجتـه أنـه يستبقيـه وطلق زوجته الحرة وتزوجها الزريعي وطال
    عمره‏.‏ ملك ابن عشرين وبقي في الملك ثمانين وأخذ منه معقل علي مهدي‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up صعدة


    مملكتها تلو مملكة صنعاء وهي في شرقيها وفي هذه المملكة ثلاثة قواعد‏:‏
    صعدة وجبـل تطابـة وحصن تلا وحصون أخرى وتعرف كلها ببني الرسي وقد تقدم ذكر
    خبره‏.‏ وأما حصـن تـلا فمنـه كان ظهور الموطىء الذي أعاد إمامة الزيدية
    لبني الرضا بعد أن استولى عليها بنـو سليمـان فـأوى إلـى جبـل قطابـة‏.‏
    ثـم بايعـوا لأحمـد الموطـىء سنـة خمـس وأربعين وستمائة وكان فقيهـا
    عابـداً وحاصـره نـور الديـن بـن رسـول فـي هـذا الحصـن سنـة جمـر عليـه
    عسكراً للحصار‏.‏ ثم مات ابن رسول سنة ثمان وأربعين واشتغل ابنه المظفر
    بحصار حصن الدولة فتمكن الموطىء وملك حصون اليمن وزحف إلى صعدة وبايعه
    السليمانيون وإمامهم أحمد المتوكل كما مر في أخبار بني الرسي‏.‏ وأما قطابة
    فهو جبل شاهق مشرف على صعدة إلى أن كان ما ذكرناه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حران ومسـار


    أمـا حـران فهـو إقليـم مـن بلـاد همـدان وحـران بطـن مـن بطونهـم كـان
    منهـم الصليحي‏.‏ وحصن مسار هو الذي ظهر فيه الصليحي وهي من إقليم حران‏.‏
    قال البيهقي‏:‏ بلادهـم شرقيـة بجبـال اليمـن وتفرقـوا فـي الإسلـام ولـم
    يبـق لهـم قبيلـة وفرقـة إلا في اليمن وهو أعظم قبائل اليمن وبهم قام
    الموطىء وملكوا جملة من حصون الجبال ولهم بها إقليم بكيل وإقليـم حاشـد
    وهمـا ابنـا جشـم بـن حيـوان وأنـوق بـن همـدان‏:‏ قـال ابن حزم‏:‏ ومن
    بكيل وحاشد افترقت قبائـل همـدان انتهى‏.‏ ومن همدان بنو الزريع أصحاب
    السلطنة والدعوة في عدن والجوة ومنهم بنو يام من قبائل همدان انتهى‏.‏ ومن
    همدان بنو الزريع سبعة وهم الآن في نهاية من التشيع بلاد خولان‏:‏ قال
    البيهقي‏:‏ هي شرقية من جبال اليمن ومتصلة ببلاد همدان وهي حصـون خدد
    والتعكر وغيرهما‏.‏ وهم أعظم قبائل اليمن مع همدان ولهم بطون كثيرة‏.‏
    وافترقوا على بلاد الإسلام ولم يبق منهم وبرية إلا باليمن‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مخلاف بني وائل


    مدينة هذا المخلاف شاحط وصاحبها أسعد بن وائل وبنو وائل بطن من ذي
    الكلاع‏.‏ وذو الكلاع من سبا تغلبوا على هذه البلاد عن مهلك الحسن بن
    سلامـة حتـى عادوا إلى الطاعة‏.‏ واختط مدينة الكدد على مخلاف سهام ومدينة
    المعقـل علـى وادي دوال ومات سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up بلـاد كنـدة


    وهـي مـن جبـال اليمـن ممـا يلـي حضرموت وجبال الرمل وكان لهم بها ملوك
    وقاعدتهم دمون ذكرها امرؤ القيس في شعره‏.‏ بلاد مذحج موالي جهات الجند من
    الجبال وينزلها من مذحج عنس وزبيد ومراد‏.‏ ومن عنس بإفريقيـة فرقـة وبريـة
    مـع ظواعـن أهلهـا ومـن زبيـد بالحجـاز بنـو حـرب بيـن مكة والمدينة‏.‏
    وبنو زبيد الذين بالشام والجزيرة فهم من طيىء وليسوا من هؤلاء‏.‏ بلـاد
    بنـي نهـد فـي أجـواف السـروات‏.‏ وتبالـة والسـروات بيـن تهامة والجبال
    ونجد من اليمن والحجاز كسوأة الفرس‏.‏ وبنو نهد من قضاعة سكنوا اليمن جوار
    خثعم وهم كالوحوش والعامة تسميهم السرو وأكثرهم أخلاط من جبلة وخثعم‏.‏ ومن
    بلادهم تبالة يسكنها قوم نهر وائل ولهم بها صولة وهي التي وليها الحجاج
    واستحفرها فتركها‏.‏ البلاد المضافة إلى اليمن أولها الثمامة‏.‏ قال
    البيهقي‏:‏ هو بلد منقطع بعمله والتحقيق أنه من الحجـاز كمـا هـي نجـران من
    اليمن‏.‏ وكذا قال ابن حوقل وهي دونها في المملكة وأرضها تسمى العـروض
    لاعتراضهـا بيـن الحجـاز والبحريـن‏.‏ وفـي شرقيها البحرين وغربيها أطراف
    اليمن والحجاز وجنوبهـا نجـران وشمالها نجد من الحجاز‏.‏ وفي أطرافها عشرون
    مرحلة وهي على أربعة أميال من مكة‏.‏ وقاعدتها حجر ‏"‏ بالفتح ‏"‏‏.‏ وبلد
    اليمامة كانت مقرا لملـوك بنـي حنيفـة‏.‏ ثـم اتخـذ بنـو حنيفـة حجـراً
    وبينهمـا يـوم وليلـة وبظواهرها أحياء من بني يربوع من تميم وأحياء من بني
    عجل‏.‏ قال البكري‏:‏ واسمها جو وسميـت باسـم زرقـاء اليمامـة سماهـا بذلك
    تبع الآخر وهي في الإقليم الثاني مع مكة وبعدهما عن خط الاستواء واحد
    منازلها توضيح وقرقرا‏.‏ وقال الطبري‏:‏ أن رمل عالج مـن اليمامـة والشحـر
    وهـي مـن أرض وبـار‏.‏ وكانـت اليمامـة والطائـف لبنـي مزان بن يعفر
    والسكسك وغلبتهـم عليهـا طسـم وجديـس‏.‏ ثـم غلبتهـم بنـو مزان آخراً
    وملكوا اليمامة‏.‏ وطسم وجديس في تبعهـم وآخـر ملـوك بنـي طسـم عمليـق‏.‏
    ثـم غلبـت جديـس‏.‏ ومنهم باليمامة التي سميت مدينة جو بها وأخبارها
    معروفة‏.‏ ثم استولى على اليمامة بعد طسم وجديس بنو حنيفة وكان منهم هودة
    بن علي ملك اليمامة وتتوج‏.‏ ويقال إنما كانت خرزات هودة بن علي ملك
    اليمامة على عهد النبوة وأسر وأسلم وثبت عند الردة‏.‏ وكان منهم مسيلمة
    وأخباره معروفة‏.‏ قال ابـن سعيد‏:‏ وسألت عرب البحرين وبعض مذحج لمن
    اليمامة اليوم فقالوا لعرب من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر‏.‏ بلـاد
    حضرمـوت‏.‏ قـال ابـن حوقـل‏:‏ هـي فـي شرقـي عـدن بقرب البحر ومدينتها
    صغيرة ولها أعمال عريضة وبينها وبين عمان من الجهة الأخرى رمال كثيرة تعرف
    بالاحقاف وكانت مواطن لعاد‏.‏ وبهـا قبر هود عليه السلام وفي وسطها جبل
    بشام وهي في الإقليم الأول‏.‏ وبعدها عن خط الأستواء اثنتا عشرة درجة وهي
    معدودة من اليمن بلد نخل وشجر ومزارع‏.‏ وأكثر أهلهـا يحكمون بأحكام علي
    وفاطمة ويبغضون علياً للتحكيم‏.‏ وأكبر مدينة بها الآن قلعة بشام فيها خيل
    الملك وكانت لعاد مع الشحر وعمان وغلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان‏.‏ ويقال
    إن الذي دل عاداً على جزيرة العرب هو رقيم بن إرم كان سبق إليهـا مـع بنـي
    هـود فرجـع إلـى عاد ودلهم عليها وعلى دخولها بالجوار فلما دخلوا غلبوا على
    من فيهـا‏.‏ ثـم غلبهـم بنو يعرب بن قحطان بعد ذلك وولى على البلاد فكانت
    ولاية ابنه حضرموت على هذه البلاد وبه سميت الشحر من ممالك جزيرة العرب مثل
    الحجاز واليمن‏.‏ وكان معقلا عن حضرموت وعمان والذي يسمى الشحر قصبته ولا
    زرع فيـه ولا نخـل إنمـا أموالهـم الإبـل والمعـز ومعشهـم مـن اللحـوم
    والألبـان ومـن السمـك الصغـار ويعلفونهـا للـدواب‏.‏ وتسمـى هذه البلاد
    أيضاً بلاد مهرة وبها الإبل المهرية وقد يضاف الشحر ألى عمان وهو ملاصق
    لحضرموت وقيل هو بسائطها‏.‏ وفي هذه البلاد يوجد اللبان وفي ساحله العنبر
    الشحري وهو متصل في جهة الشرق‏.‏ ومن غربيها ساحل البحر الهندي الذي عليه
    عدن وفي شرقيها بلاد عمان وجنوبها بحر الهنـد مستطيلـة عليه وشمالها حضرموت
    كأنها ساحل لها ويكونان معاً لملك واحد‏.‏ وهي في الإقليم الأول وأشد حراً
    من حضرموت‏.‏ وكانت في القديم لعاد وسكنها بعدهم مهرة من حضرموت أو من
    قضاعة وهم كالوحوش في تلك الرمال ودينهم الخارجية على رأي الإباضية منهم‏.‏
    وأول من نزل بالشحر من القحطانية مالك بن حمير وخرج على أخيه مالك وهو ملك
    بقصر كمدان فحاربه طويلا ومات مالك فولي بعده ابنه قضاعة بن مالك فلم يزل
    السكسك يحاربه إلـى أن قهـره واقتصـر قضاعـة على بلاد مهرة‏.‏ وملك بعده
    ابنه اطاب ثم مالك بن الحاف وانتقل إلى عمان وبها كان سلطانه‏.‏ قال
    البيهقي‏:‏ وملك مهرة بن حيدان بن الحاف بلـاد قضاعـة وحـارب عمـه مالـك
    بـن الحـاف صاحـب عمـان حتـى غلبهـم عليهـا وليـس لهـم اليـوم فـي غير
    بلادهم ذكر‏.‏ وببلاد الشحر مدينة مرياط وضفان على وزن نزال‏.‏ وضفان دار
    ملك التبابعة ومرياط بساحل الشحر وقد خربت هاتان المدينتان‏.‏ وكان أحمد بن
    محمود الحميري ولقبه الناخودة وكان تاجراً كثير المال يعبر إلى صاحب مرياط
    بالتجارة‏.‏ ثم استوزره ثم هلك فملك أحمد الناخودة‏.‏ ثم خربها وخرب ضفان
    سنة تسع عشرة وستمائة وبنى على ساحل مدينة ضفا بضم الضاد المعجمة وسماها
    الأحمدية باسمه وخرب القديمة لأنها لم يكن لها مرسى‏.‏ نجران‏:‏ قال صاحب
    الكمائم‏:‏ هي صقع منفرد عن اليمن وقال غيـره هـي مـن اليمـن‏.‏ قـال
    البيهقـي‏:‏ مسافتها عشرون مرحلة وهي شرقي صنعاء وشماليها وتوالي الحجاز
    وفيها مدينتان‏:‏ نجران وجرش متقاربتان في القدر والعادية غالبة عليها
    وسكانها كالأعراب وبها كعبة نجران ينبت على هيئة عمدان كعبة اليمن وكانت
    طائفة من العرب تحج إليها وتنهر عندها وتسمى الدير‏.‏ وبها قس بن ساعدة كان
    يتعبد فيها‏.‏ ونزلها من القحطانية طائفة من جرهم ثم غلبهم عليها حمير
    وصاروا ولاة للتبابعة‏.‏ وكـان كـل ملـك منهـم يسمى الأفعى‏:‏ وكان منهم
    أفعى نجران واسمه القلمس بن عمرو بن همدان بـن مالـك بـن شهـاب بـن زيـد
    بـن وائـل بـن حمير وكان كاهناً هو الذي حكم بين أولاد نزار لما أتوه
    حسبمـا هـو مذكـور‏.‏ وكـان والياً على نجران لبلقيس فبعثته إلى سليمان
    عليه السلام وآمن وبث ديـن اليهوديـة فـي قومـه وطـال عمـره‏.‏ ويقـال‏:‏
    إن البحريـن والمسلـل كانتـا لـه‏.‏ قـال البيهقي ثم نزل نجران بنو مذحج
    واستولوا عليها‏.‏ ومنهم الحارث بنو كعب‏.‏ وقـال غيـره‏:‏ لمـا خرجت
    اليمانية في سيل العرم مروا بنجران‏.‏ فحاربتهم مذحج ومنها افترقوا‏.‏ قـال
    ابـن حـزم‏:‏ ونـزل فـي جـوار مذحـج بالصلـح الحـارث بـن كعـب بيـن عبـد
    اللـه بـن مالـك بن نصر بن الأزد‏.‏ ثم غلبوا عليها مذحجاً وصارت لهم
    رياستها‏.‏ ودخلت النصرانية نجران من قيمون وخبره معروف في كتب السير
    وانتهـت رياسـة بيـن الحـارث فيهـا إلـى بنـي الريـان‏.‏ ثـم صـارت إلـى
    بنـي عبـد المـدان‏.‏ وكـان يزيـد منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
    وأسلم على يد خالد بن الوليد ووفد مع قومه ولم يذكره ابن عبد المؤمن وهو
    مستدرك عليه‏.‏وابن أخيه زياد بن عبد الرحمن بن عبد المدان خال السفاح ولاه
    نجران واليمامة وخلـف ابنيـه محمـدا ويحيـى‏.‏ ودخلـت المائـة الرابعـة
    والملـك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان واتصل فيهم‏.‏ وكان بينهم وبين
    الفاطميين حروب‏.‏ وربما يغلبونهم بعض الأحيان على نجران‏.‏ وكان آخرهم عبد
    القيس الذي أخذ علي بن مهدي الملك من يده ذكـره عمـارة وأثنـى عليـه‏.‏
    واللـه سبحانـه وتعالـى أعلـم بالصواب‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني حمدان المستبدين بالدعوة العباسية


    من العرب بالموصل والجزيرة والشام ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم كان
    بنو ثعلب بن وائل من أعظم بطون ربيعة بن نزار ولهم محل في الكثرة والعدد
    وكانت مواطنهـم بالجزيـرة في ديار ربيعة وكانوا على دين النصرانية في
    الجاهلية وصاغيتهم مع قيصر‏.‏ وحاربوا المسلمين مع غسان وهرقل أيام
    الفتوحات في نصارى العرب يومئذ من غسان وإياد وقضاعة وزابلة وسائر نصارى
    العرب‏.‏ ثم ارتحلوا مع هرقل إلى بلاد الروم ثم رجعوا إلى بلادهـم‏.‏ وفـرض
    عليهـم عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنه الجزية‏.‏ فقالوا‏:‏ يا أمير
    المؤمنين لا تذلنا بيـن العـرب باسـم الجزيـة واجعلهـا صدقـة مضاعفـة
    ففعـل‏.‏ وكـان قائدهـم يومئذ حنظلة بن قيس بن هرير من بني مالك بن بكر بن
    حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب وكان من رهطه عمرو بن بسطـام صاحـب السنـد
    أيـام بنـي أميـة‏.‏ ثـم كـان منهـم بعـد ذلـك فـي الإسلـام ثلاثة بيوت آل
    عمر بن الخطاب العدوي وآل هارون المغمر وآل حمدان بن حمدون بن الحارث بن
    لقمان بن أسد‏.‏ ولم يذكر ابن حزم هؤلاء البيوت الثلاثة في بطون بني ثعلـب
    فـي كتـاب الجمهـرة‏.‏ ووقفـت علـى حاشيـة فـي هذا الموضـع مـن كتابـه
    فيهـا ذكـر هـؤلاء الثلاثـة كالاستلحـاق عليـه‏.‏ وقـال فـي بنـي حمـدان‏:‏
    وقيـل إنهـم ولما فشا دين الخارجية بالجزيرة أيام مروان بن الحكم فرق
    جموعه ومحا آثار تلك الدعوة‏.‏ ثم ظهـر فـي الجزيـرة بعـد حيـن أثـر مـن
    تلـك الدعـوة‏.‏ وخـرج مسـاور بـن عبـد اللـه بـن مسـاور البجلي من السرات
    أيام الفتنة بعد مقتل المتوكل واستولى على أكثـر أعمـال الموصـل وجعـل دار
    هجرتـه الحديثـة‏.‏ وكـان علـى الموصـل يومئـذ عقبـة بـن محمـد بـن جعفـر
    بن محمد بن الأشعث الخزاعي الذي ولـى المنصـور جـده محمـداً علـى إفريقيـة
    وعليـه خـرج مسـاور‏.‏ ثـم ولـي على الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب
    الثعلبي سنـة أربـع وخمسيـن واستخلـف عليـه ابنـه الحسـن فسـار إلـى مسـاور
    فـي جمـوع قومـه وفيهـم حمـدون بن الحارث فهزموا الخوارج وفرقوا جمعهم‏.‏
    ثم ولي أيام المهتدي عبد الله بن سليمان بن عمران الأزدي فغلبه الخوارج
    وملك مساور الموصل ورجع إلى الحديثة‏.‏ ثـم انتقـض أهـل الموصـل أيـام
    المعتمـد سنة تسع وخمسين وأخرجو العامل وهو ابن أساتكين الهيثم بـن عبـد
    اللـه بـن المعتمد العدوي من بني ثعلب فامتنعوا عليه وولوا مكانه إسحاق بن
    أيوب من آل الخطاب فزحف ومعه حمدان بن حمدون وحاصرهـا مـدة‏.‏ ثـم كانـت
    فتنـة إسحـاق بـن كنداجق وانتقاضه على المعتمد واجتمع لمدافعته علي بن داود
    صاحب الموصل وحمدان بن حمدون وإسحاق بن أيوب فهزمهم إسحاق بن كنداجق
    وافترقوا فاتبع إسحاق بن أيوب إلى نصيبين ثـم إلـى آمـد‏.‏ واستجـار فيهـا
    بعيسـى بـن الشيـخ الشيبانـي وبعـث إلـى المعـز موسـى بـن زرارة ثم ولي
    المعتمد ابن كنداجق على الموصل سنة سبع وستين فاجتمع لحربه إسحاق بن أيوب
    وعيسى بن الشيخ وأبو العز بن زرارة وحمدان بن حمدون في ربيعـة وثعلـب
    فهزمهـم ابـن كنداجـق وحاصره هو ولجؤوا إلى آمد عند عيسى بن الشيخ الشيباني
    وحاصرهم بها وتوالت عليهم الحروب‏.‏ وهلك مساور الخارجي أثناء هذه الفتن
    في حربه مع العساكر سنة ثلاث وستين‏.‏ واجتمع الخوارج بعده على هارون بن
    عبد الله البجلي واستولى على الموصل وكثر تابعه وخرج عليه محمد بن خردان من
    أصحابه مغلبه على الموصل فقصد حمدان بن حمدون مستنجـداً بـه فسـار معـه
    ورده إلـى الموصـل ولحـق محمد بالحديثة ورجع أصحابه إلى هارون‏.‏ ثم سار
    هارون من الموصل إلى محمد فأوقع به وقتله وعاث في الأكراد الجلالية أصحابه
    وغلب على القرى والرساتيق وجعل يأخذ الزكاة والعشر‏.‏ ثم زحف بنو شيبان
    لقتاله سنة اثنتين وسبعيـن فاستنجـد بحمـدان بـن حمـدون وانهـزم قبل وصوله
    إليه‏.‏ ثم كانت الفتنة بين إسحاق بن كنداجق ويوسف بن أبي الساج وأخذ ابن
    أبي الساج بدعوة ابن طولون وغلب على الجزيرة والموصـل ثـم عـاد وملكهـا
    لابـن كنداجـق وولى عليها هارون بن سيما سنة تسع وسبعين ومائتين فطـرده
    أهلهـا واستنجـد ببنـي شيبـان فسـاروا معـه إلـى الموصـل واستمـد أهلهـا
    الخوارج وبني ثعلب فسار لإمدادهم هارون الساري وحمدان فهزمهم بنو شيبان
    وخـاف أهـل الموصـل مـن ابـن ولما بلغ المعتضد ممالأة حمدان بن حمدون
    لهارون الساري وما فعله بنو شيبان وقـد خـرج لإصلاح الجزيرة وأعطاه بنو
    شيبان رهنهـم علـى الطاعـة زحـف إلـى حمـدان وهزمـه فلحـق بمارديـن وترك
    بها ابنه الحسين‏.‏ وهرب فسار مع وصيف ونصر القسوري ومروا بدير الزعفران
    وبه الحسين بن حمدان فاستأمن لهم وبعثوا به إلى المعتضد‏.‏ وأمر بهدم
    القلعة ولقي وصيف حمـدان فهزمـه وعبـر إلـى الجانب الغربي‏.‏ ثم سار إلى
    معسكر المعتضد وكان إسحاق بن أيوب الثعلبـي قـد سبـق إلـى طاعـة السلطـان
    وهـو فـي معسكـره فقصـد خيمتـه ملقيـاً بنفسه عليه فأحصره عنـد المعتضـد
    فحبسـه‏.‏ ثـم سـار نصـر القسـوري فـي أتبـاع هـارون فهزم الخوارج ولحق
    بأذربيجان‏.‏ واستأمن آخرون إلى المعتضد ودخل هارون البرية‏.‏ ثم سار
    المعتضد سنة ثلاث وثمانين في طلب هارون وبعث في مقدمته وصيفاً وسوح معه
    الحسين بن حمدان بن يكرين واشتـرط لـه إطلاق ابنه إن جاء بهارون فاتبعه
    وأسره وجاء به إلى المعتضد فخلع عليه وعلى إخوتـه وطوقـه وفـك القيـود عـن
    حمـدان ووعده‏.‏ بإطلاقه‏.‏ ومات إسحاق بن أيوب العدوي وكان على ديار ربيعه
    فولى المعتضد مكانه عبد الله بن الهيثم بن عبد الله بن المعتمد‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مبدأ الدولة وولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل


    ولما ولي المكتفي عقد لأبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل
    وأعمالها وكان الأكراد الهدبانية قد عاثوا في نواحيها ومقدمهم محمد بن سلال
    فقاتلهم وعبر وراءهم إلى الجانب الشرقـي وقاتلهـم علـى الخـازر وقتـل
    مولـاه سيما ورجع‏.‏ ثم أمده الخليفة‏.‏ فسار في أثرهم سنة أربع وتسعين
    وقاتلهم علـى أذربيجـان وهـزم محمـد بـن سلـال بأهلـه وولـده واستباحهـم
    ابـن حمـدان‏.‏ ثم استأمن محمد وجاءه إلى الموصل واستأمن سائر الأكراد
    الحميدية واستقام أمر أبي الهيجـاء‏.‏ ثم كانت فتنة الخلع ببغداد سنة ست
    وتسعين وقتل الوزير العباس بن الحسن وخلع المقتدر وبويع عبد الله بن المعتز
    يوماً أو بعض يوم وعاد المقتدر كما مر ذلك كله في أخبار الدولة
    العباسية‏.‏ وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة وكان ممن تولى كبر هذه
    الفتنة مع القواد وباشر قتل الوزير مع من قتله فهرب‏.‏ وطلبه المقتدر وبعث
    في طلبه القاسم بن سيما وجماعة من القواد فلـم يظفـروا بـه فكتـب إلـى أبـي
    الهيجـاء وهـو علـى الموصـل فسـار مـع القاسـم‏.‏ ولقيهم الحسين عند تكريت
    فانهزم واستأمن فأمنه المقتدر وخلع عليه وولاه أعمال قم وقاشان‏.‏ ثم رده
    بعد ذلك إلى ديار ربيعة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up انتقاض أبي الهيجاء ثم الحسين بن حمدان


    ولمـا كانـت سنـة تسـع وتسعيـن خالـف أبـو الهيجـاء بالموصـل إلى سنة
    اثنتين وثلاثمائة وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة كما قدمناه فطالبه
    الوزير عيسى بن عيسى بحمل المال فدافعه فأمره بتسليم البلاد إلى العمال
    فامتنع فجهز إليه الجيش فهزمهم‏.‏ فكتب إلى مؤنس العجلي وهـو بمصـر يقاتـل
    عساكـر العلوية بأن يسير إلى قتال الحسين بعد فراغه من أمره فسار إليه سنة
    ثلاث وثلاثمائة فارتحل بأهله إلى أرمينية وترك البلاد‏.‏ وبعث مؤنس العساكر
    في أثره فأدركوه وقاتلوه فهزموه وأسر هو وابنه عبد الوهاب وأهله وأصحابه
    وعاد به إلى بغداد فأدخل على جمـل وقبـض المقتـدر يومئـذ على أبي الهيجاء
    وجميع بني حمدان فحبسهم جميعاً‏.‏ ثم أطلق أبا الهيجاء سنة خمس بعدها وقتل
    الحسن سنة ست وولى إبراهيم بن حمدان سنة سبع على ديار ربيعة وولى مكانه
    داود بن حمدان‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية أبي الهيجاء ثانية على الموصل ثم مقتله


    ثم ولى المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة أربع عشرة
    فبعث ابنه فحاصـر الدولـة الحسيـن عليهـا وأقـام هـو ببغـداد‏.‏ ثـم بلغـه
    إفساد العرب والأكراد في نواحيها وفي نواحـي عملـه الآخـر بخراسـان‏.‏
    فبعـث إلـى أبيـه ناصـر الدولة فأوقع بالعرب في الجزيرة ونكل بهم‏.‏ وجاءه
    في العساكر إلى تكريت فخرج ورحل بهم إلى شهرزور وأوقع بالأكراد الجلالية
    حتى استقامـوا على الطاعة‏.‏ ثم كان خلع المقتدر سنة سبع عشرة وثلاثمائة
    بأخيه القاهر‏.‏ ثم عاد ثاني يوم وأحيط بالقاهرة في قصره فتذمم بأبي
    الهيجاء وكان عنده يومئذ وأطال المقام يحاول على النجاة به فلم يتمكن من
    ذلك‏.‏ وانقض الناس على القاهر ومضى أبو الهيجاء يفتش عن بعض المنافق في
    القصر يتخلص منه فاتبعه جماعة وفتكوا به وقتلوه منتصف المحرم من السنة وولى
    المقتدر مولاه تحريراً على الموصل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ولاية سعيد ونصر بني حمدان علي الموصل


    ثم إن أبا العلاء سعيد بن حمدان ضمن الموصل وديار ربيعة وما بيـد ناصـر
    الدولـة فولـاه الراضـي سنـة ثلـاث وعشريـن وسار إلى الموصل فخرج ناصر
    الدولة لتلقيه وخالفه أبو العلاء إلى بيته وقعد ينتظره فأنفذ ناصر الدولة
    جماعة من غلمانه فقتلوه‏.‏ وبلغ الخبر إلى الراضي فأعظم ذلك وأمر الوزير
    ابن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار إليها‏.‏ وارتحل ناصر الدولة واتبعه
    الوزير إلـى جبـل السـن ورجـع عنـه وأقام بالموصل‏.‏ واحتال بعض أصحاب ابن
    حمدان ببغداد على ابن الوزير وبذل له عشرة آلاف دينار علـى أن يستحـث أبـاه
    ففعـل وكتـب إليـه بأمـور أزعجتـه فاستعمـل علـى الموصـل مـن وثـق بـه مـن
    أهـل الدولـة‏.‏ ورجـع إلـى بغـداد فـي منتصـف شـوال‏.‏ ورجع ناصر الدولة
    إلى الموصل فاستولى عليهـا وكتـب إلـى الراضـي فـي الصفـح وأن يضمـن
    البلـاد فأجيب إلى ذلك واستقر في ولايته‏.‏ مسير الراضي إلى الموصل وفي سنة
    سبع وعشرين تأخر ضمان البلاد من ناصر الدولة فغضب الراضي وسار ومدبر دولته
    تحكم‏.‏ وسار إلى الموصل وتقدم تحكم إلى تكريت فخـرج إليـه ناصـر الدولـة
    فانهـزم أصحابـه وسـار إلـى نصيبيـن وأتبعـه تحكـم فلحـق بـه‏.‏ وكتـب تحكم
    إلى الراضي بالفتح فسار في السفـن يريـد الموصـل‏.‏ وكـان ابـن رائـق
    مختفيـا ببغـداد منذ غلبه ابن البريدي على الدولة فظهر عند ذلـك واستولـى
    علـى بغـداد‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى الراضـي فأصعـد مـن المـاء إلى البر
    واستقدم تحكم من نصيبين واستعاد ناصر الدولة ديار ربيعة وهو يعلم بخبر ابن
    رائق‏.‏ وبعث في الصلح على تعجيل خمسمائة ألف فأجابه إلى ذلك‏.‏ وسار
    الراضي وتحكم إلى بغداد ولقيهم أبو جعفر محمـد بـن يحيـى بـن سريـق رسـولا
    مـن ابـن رائـق فـي الصلـح وعلـى أن يولـى ديار مضر‏:‏ وهيي حران والرهـا
    والرقـة‏.‏ وتضـاف إليهـا قنسريـن والعواصم فأجيب إلى ذلك‏.‏ وسار عن بغداد
    إلى ولايته ودخل الراضي وتحكم بغداد ورجع ناصر الدولة بن حمدان إلى
    الموصل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مسير المتقي إلى الموصل وولاية ناصر الدولة إمارة الأمراء


    كان ابن رائق بعد مسيره إلى ديار مضر والعواصم سار إلى الشام وملـك
    دمشـق مـن يـد الأخشيد ثم الرملة‏.‏ ثم لقيه الأخشيد على عريش مصر وهزمه
    ورجع إلى دمشق ثم اصطلحا على أن يجعلا الرملة تخماً بين الشام ومصر وذلك
    سنة ثمان وعشرين‏.‏ ثم توفـي الراضي سنة تسع وعشرين وولي المتقى وقتل تحكم
    وجاء البريدي إلى بغداد وهرب الأتراك التحكميـة إلـى الموصـل وفيهـم تـوزون
    وجحجـح‏.‏ ثـم لحقـوا بأبـي بكـر محمـد بـن رائق واستحثوه إلى العـراق‏.‏
    وغلب بعدهم على الخلافة الأتراك الديلمية وجاء أبو الحسن البريدي من واسط
    فأقام ببغداد أربعة وعشرين يوماً أمير الأمراء‏.‏ ثـم شغـب عليـه الجنـد
    فرجـع إلـى واسـط وغلـب كورتكين‏.‏ ثم حجر المتقي وكتب إلى ابن رائق
    يستدعيـه فسـار مـن دمشـق فـي رمضـان سنـة تسـع وعشريـن واستخلـف عليهـا
    أبـا الحسن أحمد بن علـي بـن حمـدان على أن يحمل إليه مائة ألف دينار وسار
    ابن رائق إلى بغداد وغلب كورتكين والديلمية حبس كورتكين بدار الخلافة‏.‏ ثم
    شغب عليه الجند وبعث أبو عبد الله البريدي أخاه أبـا الحسـن إلـى بغـداد
    فـي العساكـر فغلبـوا عليهـا وهـرب المتقـي وابنـه أبـو منصـور وزاد فـي
    المبـرة فنثر الدراهم على ابن الخليفة وبالغ في مبرته حتى ركب للإنصراف‏.‏
    وأمسـك ابـن رائـق للحديث معه فأستدعاه المتقي وخلع عليـه ولقبـه ناصـر
    الدولـة وجعلـه أميـر الأمـراء‏.‏ وخلـع على أخيه أبي الحسن ولقبه سيف
    الدولة‏.‏ وكان قتل ابن رائق لتسع بقين من رجب وولاية ناصـر الدولـة مستهـل
    شعبـان مـن سنـة ثمانيـن‏.‏ ثـم سـار الأخشيـدي مـن مصـر إلـى دمشـق
    فملكها من يد عامل ابن رائق وسار ناصر الدولة مع المتقي إلى بغداد‏.‏ ولما
    قتل ابن رائق وأبو الحسن البريدي على بغداد وقد سخطه العامة والخاصة فهرب
    جحجح إلى المتقي وأجمع توزون وأصحابه إلى الموصل واستحثوا المتقي وناصر
    الدولة فانجدوهم إلى بغداد‏.‏ وولى على الخراج والضياع بديار مضرة وهي
    الرها وحران والرقة أبا الحسـن علـي بـن خلـف بن طياب وكان عليها أبو الحسن
    علي أحمد بن مقاتل من قبل ابن رائق فقاتله ابـن طيـاب وقتلـه‏.‏ ولمـا
    قـرب المتقـي وناصـر الدولـة مـن بغـداد هـرب أبـو الحسـن بـن البريـدي
    إلـى واسط بعد مقامه مائة يوم وعثرة أيام ودخل المتقي بغـداد ومعـه بنـو
    حمـدان وقلـد تـوزون شرطة جانبي بغداد وذلك فـي شـوال مـن السنـة‏.‏ ثـم
    سـار بنـو حمـدان إلـى واسـط فنـزل ناصـر الدولـة بالمدائن وبعث أخاه سيف
    الدولة إلى قتال البريدي وقد سار من واسط إليهم فقاتلوه تحت المدائن ومعهم
    توزون وجحجح والأتراك فانهزموا أولاً‏.‏ ثم أمدهم ناصر الدولة بمن كان معه
    من المدائن فانهزم البريدي إلى واسط وعاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذي
    الحجة وبين يديه الأسرى من أصحاب البريدي‏.‏ وأقام سيف الدولة بموضع
    المعركة حتى اندملت جراحه وذهب وهنه‏.‏ ثم سار إلى واسط فلحق البريدي
    بالبصرة واستولى على واسط فأقام بها معتزماً على أتباع البريدي إلى البصرة
    واستمد أخاه ناصر الدولة في المال فلم يمده وكان للأتراك عليه استطالة
    وخصوصاً توزون وحجحـج ثـم جـاء أبو عبد الله الكوفي بالمال من قبل ناصر
    الدولة ليفرقه في الأتراك فاعترضه توزون وجحجح وأراد البطش به فأخفاه سيف
    الدولة عنهما ورده إلى أخيه‏.‏ ثم ثار الأتراك بسيف الدولة سلخ شعبان فهرب
    من معسكره إلى بغداد ونهب سواده وقتل جماعة من أصحابه‏.‏ وكان أبو عبد الله
    الكوفي لما وصل إلى ناصر الدولة وأخبره خبر أخيه أراد أن يسيـر إلـى
    الموصل فركب المتقي إليه واستمهله وعاد إلى قصره فأغذ السير إلى الموصل
    بعـد ثلاثـة عشـر شهـراً مـن إمارتـه‏.‏ وثـار الديلـم والأتراك ونهبوا
    داره‏.‏ ولما هرب سيف الدولة من معسكره بواسط عاد الأتراك إلى معسكرهم
    وولوا طورون أميراً وجحجح صاحب جيـش ولحـق سيـف الدولـة ببغداد منتصف رمضان
    بعد مسير أخيه وبلغه خبر طورون‏.‏ ثم اختلف الأتراك وقبض تورون على جحجح
    وسمله وسار سيف الدولة ولحق بأخيه بالموصل وولى إمارة الأمراء ببغداد‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:50 pm

    الخبر عن دولة بني نجاح بزبيد موالي بني زياد ومبادىء أمورهم


    وتصاريف أحوالهم ولمـا استولـى الصليحـي علـى زبيـد مـن يـد كهلـان بعد
    أن أهلكه بالسم على يد الجارية التي بعثها إليـه سنـة اثنتيـن وخمسيـن
    وأربعمائـة كمـا مـر‏.‏ وكـان لنجـاح ثلاثـة مـن الولـد معـارك وسعيد
    وجياش‏:‏ فقتـل معـارك نفسـه ولحق سعيد وجياش بجزيرة دهلك وأقاما هنالك
    يتعلمان القرآن والآداب‏.‏ ثم رجع سعيد إلى زبيد مغاضبا لأخيه جياش واختفى
    بها في نفق احتفره تحت الأرض ثم استقدم أخاه جياشا فقدم وأقاما هنالك في
    الإختفاء ثم أن المستنصر العبيدي الخليفة بمصر قطع دعوته بمكة محمد بن جعفر
    أميرها من الهواشم فكتب إلى الصليحي يأمره بقتاله وحمله علـى إقامة الدعوة
    العلوية بمكة فسار علي الصليحي لذلك من صنعاء وظهر سعيد وأخوه من الإختفاء
    وبلغ خبرهم الصليحي فبعث عسكراً نحواً من خمسة آلاف فارس وأمرهم
    بقتلهما‏.‏ وقـد كـان سعيـد وجيـاش خالفـا العسكـر وسـارا في أتباع الصليحي
    وهو في عساكره فبيتوه في اللجم وهو متوجه إلى مكة فانتقض عسكره وقتل‏.‏
    وتولى قتله جياش بيده سنة ثلاث وسبعين‏.‏ ثـم قتـل عبـد اللـه الصليحي أخا
    علي في مائة وسبعين من بني الصليحي وأسر زوجته أسماء بنـت عمـه شهـاب في
    مائة وخمس وثلاثين من ملوك القحطانيين الذين غلبوا باليمن‏.‏ وبعث إلى
    العسكر الذين ساروا لقتل سعيد وجياش فأمنهم واستخدمهم ورحل إلى زبيد وعليها
    أسعد بـن شهـاب أخـو زوجـة الصليحـي ففر أسعد إلى صنعاء ودخل سعيد إلى
    زبيد وأسماء زوجة الصليحي أمامه في هودج ورأس الصليحـي وأخيـه عنـد
    هودجهـا‏.‏ وأنزلهـا بدارهـا ونصـب الرأسين قبالة طاقها في الدار‏.‏
    وامتلأت القلوب منه رعباً وتلقب نصير الدولة وتغلب ولاة الحصـون علـى مـا
    بأيديهـم‏.‏ ودس المكـرم بـن الصليحـي بـن سعيـد بـن نجـاح بصنعـاء علـى
    لسان بعض أهـل الثغـور وضمـن لـه الظفر فجاء سعيد لذلك في عشرين ألفا من
    الحبشة‏.‏ وسار إليه المكرم مـن صنعـاء وهزمـه وحـال بينـه وبيـن زبيـد
    فهرب إلى جزيرة دهلك ودخل المكرم زبيد وجاء إلى أمه وهي جالسة بالطاق
    وعندها رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما‏.‏ وولى على زبيد خاله أسعد سنة
    سبع وتسعين‏.‏ وكتـب المكـرم إلى عبد الله بن يعفر صاحب حصن الشعر بأن
    يغري سعيداً بالمكرم وانتزاع ذي جبلة من يده لاشتغاله بلذاته واستيلاء زوجه
    سيدة بنت أحمد عليه‏.‏ وأنه بلخ فتمت الحيلة فسـار سعيـد فـي ثلاثيـن
    ألفـا من الحبشة وأكمن له المكرم تحت حصن الشعر فثاروا به هنالك‏.‏ وانهزمت
    عساكره وقتل ونصب رأسـه عنـد الطـاق الـذي كـان فيهـا رأس الصليحـي
    بزبيـد‏.‏ واستولـي عليهـا المكـرم وانقطـع منهـا ملك الحبشة‏.‏ وهرب جياش
    ومعه وزير أخيه خلف بن أبي الظاهر المرواني ودخلا عدن متنكرين‏.‏ ثم لحقا
    بالهند وأقاما بها ستة أشهر ولقيـا هنالـك كاهناً جاء من سمرقند فبشرهما
    بما يكون فرجعا إلى اليمن وتقدم خلف الوزير إلى زبيد وأشاع موت جياش
    واستأمن لنفسه ولحق جياش فأقاما هنالك مختفيين وعلى زبيد يومئـذ أسعد بن
    شهاب خال المكرم ومعه علي بن القم وزير المكرم وكان حنقا على المكرم ودولته
    فداخله الوزير خلف ولاعب ابنه الحسين الشطرنج‏.‏ ثم انتقل إلى ملاعبة أبيه
    فاغتبط به وأطلعه على رأيه في الدولة وكان يتشيع لآل نجاح‏.‏ وانتمى بعض
    الأيام وهو يلاعب فسمعه علي بن القم واستكشـف أمـره فكشـف لـه القنـاع
    واستحلفه وجياش أثناء ذلك يجمع أشياعه من الحبشة وينفق فيهم الأموال حتى
    اجتمع له خمسـة آلـاف فثـار بهـم فـي زبيـد سنـة اثنتيـن وثمانيـن ونـزل
    دار الإمارة ومن على أسعد بن شهاب وأطلقـه لزمانة كانت به وبقي ملكاً على
    زبيد يخطب للعباسيين والصليحيون يخطبون للعبيديين والمكرم يبعث العرب
    للغارة على زبيد ابنه الفاتك صبياً لم يحتلم وعبروا ملكه‏.‏ وجاء عنه
    إبراهيم لقتاله وبرزوا له فثار عبد الواحد بالبلد وبعث منصور إلى الفضل بن
    أبي البركات صاحـب التعكـر فجـاء لنصـره مضمـرا بـه ثـم بلغـه انتقاض أهل
    التعكر عليه فرجع ولم يزل منصور في ملكه بزبيد إلى أن وزر له أبو منصور
    عبيد الله فقتله مسموماً سنة سبع عشرة وخمسمائة‏.‏ ونصب فاتكاً ابنه طفلا
    صغيراً‏.‏ واستبد عليه وقام بضبط الملك وهان عليه التعرض لآل نجاح حتى هربت
    منه أم فاتك هذا وسكنت خارج المدينة وكان قرماً شجاعاً وله وقائع مع
    الأعداء‏.‏ وحاربه ابن نجيب داعي العلوية فامتنع عليه وهو الذي شيد المدارس
    للفقهاء بزبيد واعتنـى بالحـاج‏.‏ ثـم راود مفـارك بنت جياش ولم تجد بداً
    من إسعافه فأمكنته حتى إذا قضى وطره مسحت ذكره بمنديل مسموم فنثر لحمه‏.‏
    وذلك سنة أربع وعشرين وخمسمائة‏.‏ وقام بأمر فاتك بعده زريق من موالي
    نجاح‏.‏ قال عمارة‏:‏ كان شجاعاً فاتكاً قرماً وكان من موالـي أم فاتـك
    المختصيـن بهـا‏.‏ قـال عمـارة‏:‏ وفي سنة إحدى وخمسمائة توفي فاتك بن
    المنصور وولي بعده ابن عمه وسميه فاتك بن محمد بن فاتك وسـرور قائـم
    بوزارتـه وتدبيـر دولتـه ومحاربة أعدائه‏.‏ وكان يلازم المسجد إلى أن دس
    عليه علي بن مهدي الخارجي من قتله في المسجد وهو يصلي العصر يوم الجمعة
    ثاني عشر صفر سنة إحدى وخمسين‏.‏ وثار السلطان بالقاتل فقتل جماعة من أهل
    المسجد ثم قتل واضطرب موالي نجاح بالدولة وثار عليهم ابن مهدي الخارجـي
    وحاربهـم مـراراً وحاصرهـم طويـلاً واستعانـوا بالشريـف المنصـور أحمـد بـن
    حمـزة السليمانـي وكـان يملـك صعدة فأغاثهم على أن يملكوه ويقتلوا سيدهم
    فاتك بن محمد فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وملكوا عليهم الشريف أحمد فعجز عن
    مقاومة ابن مهدي وفر تحت الليل وملكها علي بن مهدي سنة أربع وخمسين وانقرض
    أمر آل نجاح والملك لله الخبر عن دولة بني الزريع بعدن من دعاة العبيديين
    باليمن وأولية أمرهم ومصائرهم وعدن هذه من أمنع مدائن اليمن وهي على ضفة
    البحر الهندي‏.‏ وما زالت بلد تجارة من عهد التبابعة وأكثر بنائهم بالأخصاص
    ولذلك يطرقها تجار الحرير كثيراً وكانت صدر الإسلام دار ملك لبني معن
    ينتسبون إلى معن بن زائدة وملكوها من أيام المأمون وامتنعوا على بني زياد
    وقنعوا منهم بالخطبة والسكة‏.‏ ولما استولى الداعي علي بن محمد الصليحي رعى
    لهم ذمـام العروبيـة وقرر عليهم ضريبة يعطونها‏.‏ ثم أخرجهم منها ابنه
    أحمد المكرم وولى عليها بني المكـرم مـن عشيـرة جسـم بن يام من همذان
    وكانوا أقرب عشائره إليه فأقامت في ولايتهم زمناً‏.‏ ثم حدثت بينهم الفتنة
    وانقسموا إلى فئتين بني مسعود بن المكرم وبني الزريع بن العباس بن
    المكرم‏.‏ وغلب بنو الزريع بعد حروب عظيمة‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وأول مذكور
    منهم الداعي بن أبي السعود بن الزريع أول من اجتمع له الملك بعد بني
    الصليحي وورثه عنه بنوه وحاربه ابن عمه علي بن أبي الغارات بن مسعود بن
    المكرم صاحب الزعازع فاستولى على عدن من يده بعد مقاساة ونفقات في
    الأعراب‏.‏ ومات بعد فتحها بسبعة أشهر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة‏.‏ وولي
    ابنه الأغر وكان مقيما بحصن الدملوة المعقل الذي لا يرام وامتنع عليه بعده
    ابن بلاد بن الزريع من مواليه وخشي محمد بن سبا على نفسه ففر إلى منمور بن
    المفضل من ملوك الجبال الصليحيين بذي جبلة‏.‏ ثـم مـات الأغـر قريبـاً
    فبعـث بلـال عـن محمد بن سبا فوصل إلى عدن وكان التقليد جاء من مصر باسم
    الأغر فكتب مكانه محمد بن سبا وكان في نعوته الداعي المعظم المتوج المكنى
    بسيف أميـر المؤمنيـن فوقعـت كلهـا عليهـا وزوجه بلال بنته ومكنه من
    الأموال التي كانت في خزائنه‏.‏ ثم مات بلال عن مال عظيم وورثه محمد بن سبا
    وأنفقه في سبيل الكرم والمروءات‏.‏ واشترى حصن ذي جبلة من منصور بن المفضل
    بن أبي البركات كما ذكرناه‏.‏ واستولى عليه وهو دار ملـك الصليحييـن
    وتـزوج سيـدة بنـت عبد الله الصليحي‏.‏ وتوفي سنة ثمان وأربعين‏.‏ وولي
    ابنه عمـران بـن محمـد بـن سبا‏.‏ وكان ياسر بن بلال يدبر دولته‏.‏ وتوفي
    سنة ستين وخمسمائة وترك ولدين صغيرين وهما وهما محمد وأبو السعود فحبسهما
    ياسر بن بلال فـي القصـر واستبـد بالأمر‏.‏ وكان ياسر محمد كثير العطية
    للشعراء‏.‏ وممن وفد عليه ومدحه ابن قلاقس شاعر الإسكندرية ومن قصائده في
    مدحه‏:‏ سافـر إذا حاولت قدرا سار الهلال فصار بدراً‏.‏ وهو آخر ملوك
    الزريعيين‏.‏ ولما دخل سيف الدولة أخو صلاح الدين إلى اليمن سنة ست وستين
    وستمائة واستولى عليها جاء إلى عدن فملكها وقبض على ياسر بن بلال وانقطعت
    دولـة بنـي زريـع‏.‏ وصـار اليمـن للمعـز وفيـه ولاتهـم بنـو أيـوب كمـا
    نذكـر فـي أخبارهم‏.‏ وكانت مدينة الحديدة قرب عدن اختطفها ملوك الزريعيين
    فلما جاءت دولة بني أيوب تركوها ونزلوا تعز من الجبال كما يأتي ذكره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار ابن مهدي الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن وبدايتها وانقراضها


    هذا الرجل من أهل العثر من سواحل زبيد وهو علي بن مهدي الحميري‏.‏ كان
    أبوه مهدي معروفاً بالصلاح والدين‏.‏ ونشأ ابنه على طريقته فاعتزل ونسك‏.‏
    ثم حج ولقي علماء العراق وأخذ الوعظ من وعاظهم وعاد إلى اليمن واعتزل ولزم
    الوعظ‏.‏ وكان حافظاً فصيحاً ويخبر بحوادث أحواله فيصدق فمال إليه الناس
    واغتبطوا به وصار يتردد للحج سنة إحدى وستين ويعـظ النـاس فـي البـوادي‏.‏
    فـإذا حضـر الموسم ركب على نجيب له ووعظ الناس‏.‏ ولما استولت أم فاتك على
    بني جياش أيام ابنها فاتك بن منصور أحسنت فيه المعتقد وأطلقت له ولقرابته
    وأصهاره خرجهم فحسنت أحوالهم وأثروا وركبوا الخيول‏.‏ وكان يقول في وعظه‏:‏
    دنا الوقت يشير إلى وقت ظهوره‏.‏ واشتهر ذلك عنه وكانت أم فاتك تصل أهل
    الدولة عنه فلما ماتت سنـة خمـس وأربعيـن جـاءه أهـل الجبال وحالفوه علي
    النصرة‏.‏ وخرج من تهامة سنة ثمان وثلاثين وقصد الكودا فانهزم وعاد إلى
    الجبال وأقام إلى سنة إحدى وأربعين ثم أعادته الحرة أم فاتك إلى وطنه وماتت
    سنة خمس وأربعين فخرج إلى هوازن ونزل ببطن منهم يقال له حيوان في حصـن
    يسمـى الشـرف وهـو حصـن صعـب ليـس يرتقـى على مسيرة يوم من سفح الجبل في
    طريقه أوعـار فـي واد ضيـق عقبـة كؤد‏.‏ وأصحابه سماهم الأنصار وسمى كل من
    صعد معه من تهامة المهاجرين‏.‏ وأمر للأنصار رجلا اسمه سبا وللمهاجرين آخر
    اسمه شيخ الإسلام واسمه النوبة‏.‏ واحتجب عمن سواهما‏.‏ وجعل يشن الغارات
    على أرض تهامة وأعانه على ذلك خراب النواحي بزبيد فأخـرب سابلتهـا
    ونواحيهـا وانتهـى إلـى حصـن الداثـر علـى نصـف مرحلـة من زبيد وأعمل الحيل
    في قتـل مسـرور مدبـر الدولـة فقتـل كمـا مـر وأقـام يخيـف زبيد
    بالزحوف‏.‏ قال عمارة‏:‏ زاحفها سبعين زحفاً وحاصرها طويلاً واستمد الشريف
    أحمد بن حمزة السليماني صاحب صعدة فأمدهم وشرط عليهم قتل سيدهم فاتك فقتلوه
    سنة ثلاث وخمسين‏.‏ وملك عليهم الشريف ثم عجز وهرب عنهم‏.‏ واستولى علي بن
    مهدي عليها في رجب سنة أربع وخمسين ومات لثلاثة أشهر من ولايته‏.‏ وكان
    يخطب له بالإمام المهدي أمير المؤمنين‏.‏ وقامع الكفرة والملحدين وكان على
    رأي الخوارج يتبـرأ مـن علـي وعثمـان ويكفـر بالذنـوب ولـه قواعد وقواميس
    في مذهبه يطول ذكرها‏.‏ وكان يقتل على شرب الخمر‏.‏ قال عمارة‏:‏ كان يقتل
    من خالفه من أهل القبلة ويبيح نساءهم وأولادهم وكانوا يعتقدون فيه العصمة
    وكانت أموالهم تحت يده ينفقها عليهم في مؤنهم ولا يملكون معه مالاً ولا
    فرساً ولا سلاحاً‏.‏ وكان يقتل المنهزم من أصحابه ويقتل الزاني وشارب الخمر
    وسامع الغناء ويقتل من تأخر عن صلاة الجماعة ومن تأخر عن وعظه يوم الإثنين
    والخميس‏.‏ وكان حنفيـا في الفروع‏.‏ ولما توفي تولى بعده ابنه عبد النبي
    وخرج من زبيد واستولى على اليمن أجمـع وبـه يومئـذ خمـس وعشـرون دولـة
    فاستولـى علـى جميعهـا ولـم يبـق لـه سوى عدن ففرض عليها الجزية‏.‏ ولما
    دخل شمس الدولة تورشاه بن أيوب أخـو صلـاح الديـن سنـة سـت وستيـن
    وخمسمائـة واستولـى علـى الدولـة التـي كانـت باليمـن فقبـض علـى عبـد
    النبـي وامتحنـه وأخذ منه أموالا عظيمة وحملـه إلـى عـدن فاستولى عليها‏.‏
    ثم نزل زبيد واتخذها كرسياً لملكه‏.‏ ثم استوخمها وسارفي الجبـال ومعـه
    الأطبـاء يتخير مكاناً صحيح الهواء ليتخذ فيه سكناه فوقع اختيارهم على مكان
    تعز فاختط به المدينة ونزلها‏.‏ وبقيت كرسياً لملكه وبنيه ومواليهم بني
    رسول كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وبانقراض دولة بني المهدي انقرض ملك العرب من
    اليمن وصار للغز ومواليهم‏.‏ قواعد اليمن ولنذكر الأن طرفاً من الكلام على
    قواعد اليمن ومدنه واحدة واحدة كما أشار إليه ابن سعيد‏:‏ اليمن‏:‏ من
    جزيرة العرب يشتمل على كراسي سبعة للملك تهامة والجبال وفي تهامة
    مملكتان‏:‏ مملكـة زبيـد ومملكـة عـدن‏.‏ ومعنى تهامة ما انخفض من بلاد
    اليمن مع ساحل البحر من البرين من جهة الحجاز إلى آخر أعمال عدن دورة البحر
    الهندي‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وجزيرة العرب في الإقليم الأول ويحيط بها البحر
    الهندي من جنوبها وبحر السويس من غربها وبحر فارس من شرقها‏.‏ وكانت اليمن
    قديما للتبابعة وهـي أخصـب مـن الحجـاز وأكثـر أهلهـا القحطانيـة وفيهـا
    من عرب وائل‏.‏ وملكها لهذا العهد لبني رسول موالي بني أيوب ودار ملكهم تعز
    بعد أن نزلوا الحرة أولا‏:‏ وبصعدة من اليمن أئمـة الزيديـة وبزبيـد وهـي
    مملكة اليمن شمالها الحجاز وجنوبها البحر الهندي وغربها بحر السويس اختطها
    محمد بن زياد أيام المأمون سنة أربع ومائتين وهي مدينة مسورة تدخلها عين
    جارية تحلها الملوك‏.‏ وعليها غيطـان يسكنونهـا أيـام الغلـة‏.‏ وهـي الـآن
    من ممالك بني رسول وبها كان ملك بني زياد ومواليهم‏.‏ ثم غلب بنو الصليحي
    وقد مر خبرهم‏.‏ عثـر وحلـى والسرجة‏:‏ من أعمال زبيد في شمالها وتعرف
    بأعمال ابن طرف مسيرة سبعة أيام فـي يوميـن مـن السرجـة إلـى حلـى ومكـة
    ثمانية أيام‏.‏ وعثر هي منبر الملك وهي على البحر وكان سليمان بن طرف
    ممتنعاً بها على أبي الجيش ابن زياد‏.‏ وكان مبلغ ارتفاعه خمسمائة‏.‏ ألف
    دينـار ثـم دخـل فـي طاعتـه وخطـب له وحمل المال‏.‏ ثم صارت هذه المملكة
    للسليمانيين من بني الحسـن مـن أمـراء مكـة حيـن طردهم الهواشم عن مكة‏.‏
    وكان غالب بن يحيى منهم يؤدي الأتاوة لصاحب زبيد وبه استعان محمد مفلح
    الفاتكي من سرور‏.‏ ثم هلك بعدها‏.‏ ثم عيسى بن حمـزة مـن بنيـه‏.‏ ولمـا
    ملـك الغـز اليمـن أخـذ يحيـى أخـو عيسـى أسيـراً وسيـق إلـى العراق فحاول
    عليه عيسـى فتخلصـه من الأسر‏.‏ ورجع إلى اليمن فقتل أخاه عيسى وولي مكانه
    المهجم من أعمال زبيـد علـى ثلاثـة مراحل عليها وعربها من العسيرة من حكم
    وجغفر قبيلتين منهم‏.‏ ويجلب منها الزنجبيل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up السرير


    آخر أعمال تهامة من اليمـن وهـي علـى البحـر دون سـور وبيوتهـا أخصـاص
    وملكهـا الزرائب‏:‏ من الأعمال الشمالية من زبيد وكانت لابن طرف واجتمع له
    فيها عشرون ألفا من الحبشة الذين معه جميعاً‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ في أعمـال
    زبيـد والأعمـال التـي فـي الطريـق الوسطـى بيـن البحـر والجبـال‏.‏ وهـي
    فـي خـط زبيـد فـي شماليهـا وهـي الجـادة إلـى مكة‏.‏ قال عمارة‏:‏ هي
    الجادة السلطانيـة منهـا إلـى البحـر يوم أو دونه‏.‏ وكذلك إلى الجبال‏.‏
    ويجتمع الطريقان الوسطى والساحلية في السرير ويفترقان‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عدن


    من ممالك اليمن في جوف زبيد وهي كرسي عملها وهي على ضفة البحر الهندي‏.‏
    وكانت بلد تجارة منذ أيام التبابعة وبعدها عن خط الاستواء ثلاث عشرة درجة
    ولا تنبت زرعاً ولا شجراً ومعاشهم السمك وهي ركاب الهند مـن اليمـن وأول
    ملكهـا لبنـي معـن بـن زائـدة استقامـوا لبنـي زياد وأعطوهم الأتاوة‏.‏
    ولما ملك الصليحيون أقرهم الداعي‏.‏ ثم أخرجهم ابنه أحمد المكرم وولاها بني
    المكرم من جشم بن يام رهطه بهمدان وصفا الملك فيها لبني الزريع منهم وقنع
    منهم بالأتاوة حتى ملكها من أيديهم شمس الدولة بن أيوب كما تقدم‏.‏ عدن
    أبين‏:‏ من بينات المدن وهي إلى جهة الشحر‏.
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:46 pm

    خروج زيادة الله إلي المشرق

    ولما وصل الخبر إلى زيادة الله بوصول الشيعي إلى قمودة حمل أمواله وأثقاله ولحق بطرابلس معتزمـاً علـى الشـرق‏.‏ وأقبـل الشيعي إلى إفريقية وفي مقدمته عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير ووصل إلى رقادة في رجب سنة ست وتسعين وتلقاه أهل القيروان وبايعوا لعبيد الله المهدي كما ذكرناه في أخبارهم ودولتهم‏.‏ وأقام زيادة الله بطرابلس سبعة عشر يوماً وانصرف ومعـه إبراهيـم بن الأغلب‏.‏ وكان نمي عنه أنه أراد الاستبداد لنفسه بالقيروان بعد خروج زيادة الله فاعرض عنه واطرحه وبلغ مصر فمنعه عاملهـا عيسـى البرشـدي مـن الدخـول إلا عـن أمـر الخليفة وأنزله بظاهر البلد ثمانية أيام‏.‏ وانصـرف إلـى ابـن الفـرات وزير المقتدر يستأذن له في الدخول فأتاه كتابه بالمقام في المرقة حتى يأتيه رأي المقتدر فأقام بها سنة‏.‏ ثم جاءه كتاب المقتدر بالرجوع إلى إفريقية‏.‏ وأمر النوشزي بإمداده بالرجال والمال لاسترجاع الدعوة بإفريقية ووصل إلى فأصابته بها علة مزمنة وسقط شعره‏.‏ ويقال أنه سم وخرج إلى بيت المقدس ومات بها‏.‏ وتفرق بنو الأغلب وانقطعت أيامهم والبقاء لله وحده‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

    دولة بني أبي الحسن الكلبيين

    بقية أخبار صقلية ودولة بني الحسن الكلبيين بها من العرب المستبدين بدعوة العبيديين وبداية أمرهم وتصاريف أحوالهم ولمـا استولـى عبيـد اللـه المهـدي علـى إفريقيـة ودانـت له وبعث العمال في نواحيها بعث على جزيرة صقليـة الحسن بن محمد بن أبي خنزير من رجالات كتامة فوصل إلى مأزر سنة سبع وتسعين فـي العساكـر فولـى أخـاه علـى كبركيـت وولى على القضاء بصقلية إسحاق بن المنهال‏.‏ثم سار سنـة ثمـان وتسعيـن فـي العساكـر إلـى ومـش فعـاث فـي نواحيهـا ورجع‏.‏ ثم شكا أهل صقلية سوء سيرته وثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى المهدي معتذرين فقبل عذرهم وولى عليهم أحمد بن قهرب‏.‏ وبعث سرية إلى أرض قلورية فدوخوها ورجعوا بالغنائم والسبي‏.‏ ثم أرسل سنة ثلاثمائـة ابنـه عليـاً إلـى قلعة طرمين المحدثة ليتخذها حصنا لحاشيته وأمواله حذراً من ثورة أهل صقليـة فحصرهـا ابنـه ستـة أشهر‏.‏ ثم اختلف عليه العسكر فأحرقوا خيامه وأرادوا قتله فمنعه العرب ودعا هو الناس إلى المقتدر فأجابوه‏.‏ وقطع خطبة المهدي وبعث الأسطول إلى إفريقية ولقـوا أسطول المهدي وقائده الحسن بن أبي خنزير فقتلوه وأحرقوا الأسطول‏.‏ وسار أسطول بن قهـرب إلـى صفاقـس فخربوهـا وانتهـوا إلـى طرابلـس وانتهـى الخبـر إلـى القائم بن المهدي‏.‏ ثم وصلت الخلع والألوية من المقتدر إلى ابن قهرب‏.‏ ثم بعـث الجيـش فـي الأسطـول إلـى قلوريـة فعاثـوا فـي نواحيهـا ورجعـوا‏.‏ ثـم بعـث ثانيـة أسطـولا إلـى إفريقية فظفر به أسطول المهدي فانتقض أمره وعصى عليه أهل كبركيت وكاتبوا المهدي‏.‏ ثم ثار الناس بابن قهرب آخر الثلاثمائة وحبسوه وأرسلوه إلى المهـدي فأمـر بقتلـه علـى قبـر ابـن خنزيـر فـي جماعـة من خاصته‏.‏ وولى على صقلية أبا سعيد بن أحمد وبعث معه العساكر عن كتامة فركب إليها البحر فنزل في طرابنة وعصى عليه أهل صقلية بمن معه من العساكر فامتنعوا‏.‏ عليه وقاتله أهل كبركيت وأهل طرابنة فهزمهم وقتلهم‏.‏ ثم استأمن إليه أهل طرابنة فأمنهم وهدم أبوابها‏.‏ وأمره المهدي بالعفو عنهم‏.‏ ثـم ولى المهدي على صقلية سالم بن راشد وأمده سنة ثلاث عشرة بالعساكر فعبر البحر إلى أرض انكبردة فدوخها وفتحوا فيها حصوناً ورجعوا‏.‏ ثم عادوا إليها ثانية وحاصروا مدينـة ادرنت أياما ورحلوا عنها‏.‏ ولم يزل أهل صقلية يغيرون على ما بأيدي الروم من جزيرة صقلية وقلوريـة ويعيثـون فـي نواحيهـا‏.‏ وبعـث المهـدي سنـة اثنتيـن وعشريـاً جيشاً في البحر مع يعقوب بن إسحـاق فعاث في نواحي جنوة ورجعوا‏.‏ ثم بعث جيشه من قابل ففتحوا مدينة جنوة ومروا بسردانية فأحرقوا فيها مراكب وانصرفوا‏.‏ ولما كانت سنة خمس وعشرين انتقض أهل كبركيت على أميرهم سالم بن راشـد وقاتلـوا جيشـه وخـرج إليهـم سالـم بنفسـه فهزمهـم وحصرهـم واستمـد القائـم فأمده بالعساكر مع خليل بن إسحاق فلما وصل إلى صقلية شكا إليه أهلها من سالـم بـن راشـد واسترحمتـه النسـاء والصبيـان‏.‏ وجاءه أهل كبركيت وغيرها من أهل صقلية بمثل ذلك فرق لشكواهم ودس إليهم سالم بأن خليلاً إنما جاء للانتقام منهم بمن قتلوا من العساكر فعاودوا الخلاف واختط خليل مدينة على مرسى المدينة وسماها الخالصة‏.‏ وتحقق بذلك أهل كبركيت ما قـال لهـم سالـم واستعـدوا للحـرب فسـار إليهـم خليـل منتصـف سـت وعشريـن وحصرهم ثمانية أشهر يغاديهم بالقتال ويراوحهم حتى إذا جاء الشتاء إلى الخالصة واجتمع أهل صقلية على الخلاف واستمدوا ملك القسطنطينية فأمدهم بالمقاتلة والطعام‏.‏ واستمد خليل القائم فأمده بالجيش فافتتح قلعة أبي ثور وقلعة البلوط وحاصر قلعة بلاطنو إلى أن انقضت سنة سبع وعشرين فارتحل عنها وحاصر كبركيت‏.‏ ثم حبس عليها عسكراً للحصار مع أبي خلـف بـن هـارون ورحـل عنهـا وطـال حصارهـا إلـى سنـة تسـع وعشرين فهرب كثير من أهل البلد إلى بلد الروم واستأمن الباقون فكنهم على النزول عن القلعة‏.‏ ثم غدر بهم فارتاع‏.‏ لذلك سائر القلاع وأطاعوا ورجع خليل إلى إفريقية آخر سنة تسـع وعشريـن وحمـل معـه وجـوه أهـل كبركيـت فـي سفينـة وأمـر بخرقهـا فـي لجـة البحـر فغرقـوا أجمعين‏.‏ ثم ولى على صقلية عطاف الأزدي‏.‏ ثم كانت فتنة أبي يزيد وشغل القائم والمنصور يأمره قلما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على صقلية للحسن بن أبي الحسن الكلبي من صنائعهم ووجوه قواده وكنيته أبو الغنائم وكان له في الدولة محل كبير‏.‏ وفي مدافعة أبي يزيد غناء عظيم‏.‏ وكان سبب ولايته أن أهل بليرم كانوا قد استضعفوا عطافاً واستضعفهم العدو لعجزه فوثب به أهل المدينة يوم الفطر من سنة خمس وثلاثين وتولى كبر ذلك بنو الطير منهم ونجا عطاف إلى الحصن وبعث للمنصور يعلمه ويستمده فولى الحسن بن علي على صقلية وركب البحـر إلـى مـأزر وأرسـى بهـا فلـم يلقـه أحـد منهـم‏.‏ وأتـاه في الليل جماعة من كتامة واعتذروا إليه عـن النـاس بالخـوف مـن بنـي الطيـر‏.‏ وبعـث بنـو الطيـر عيونهم عليه واستضعفوه وواعدوه أن يعودوا إليه فسبق ميعادهم ودخل المدينة ولقيه حاكم البلد وأصحاب الدواوين واضطر بنو الطير إلى لقائه وخرج إليهم كبيرهم إسماعيل ولحق به من انحرف عن بني الطير فكثـر جمعـه‏.‏ ودس إسماعيـل بعـض غلمانـه فاستغـاث بالحسن من بعض عبيده أنه أكره امرأته على الفاحشة يعتقد أن الحسن لا يعاقب مملوكه فتخشن قلوب أهل البلـد عليـه‏.‏ وفطـن الحسـن لذلـك فدعـا الرجـل وأستحلفه على دعواه وقتل عبده فسر الناس بذلك ومالـوا عـن الطيـري وأصحابـه وافتـرق جمعهم‏.‏ وضبط الحسن أمره وخشي الروم بادرته فدفعوا إليه جزية ثلاث سنين‏.‏ وبعث ملك الـروم بطريقـا فـي البحـر فـي عسكـر كبيـر إلـى صقليـة واجتمـع هـو والسردغـرس‏.‏ واستمـد الحسـن بن علي المنصور فأمده بسبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف وخمسمائة راجل وجمع الحسن من كان عنده وسار براً وبحراً‏.‏ وثلاثة السرايا في أرض قلورية ونزل على أبراجه فحاصرها وزحف إليه الروم فصالحه على مال أخذه وزحف إلى الروم ففروا من غير حرب‏.‏ ونزل الحسن على قلعـة قيشانـة فحاصرهـا شهـراً وصالحهـم علـى مـال ورجـع إلى قلورية فعبر إلى خراجة فلقي الروم والسردغرس فهزمهم وامتلأ من غنائمهم وذلك يوم عرفة سنة أربعين وثلاثمائة‏.‏ ثم ثار إلى خراجة فحاصرها حتى هادنه ملك الروم قسطنطين‏.‏ ثم عاد إلى ربو وبنى بها مسجداً وسط المدينة وشرط على الروم أن لا يعرضوا له وأن من دخله من الأسرى أمن‏.‏ ولما توفي المنصور وملك ابنه المعز سار إليه الحسن واستخلف على صقلية ابنه أحمد وأمره المعز بفتـح القلـاع التي بقيت للروم بصقلية فغزاها وفتح طرمين وغيرها سنة إحدى وخمسين وأعيته رمطـة فحاصرهـا فجاءهـا مـن القسطنطينية أربعون ألفا مدداً‏.‏ وبعث أحمد يستمد المعز فبعث إليـه المـدد بالعساكـر والأمـوال مـع أبيـه الحسن‏.‏ وجاء مدد الروم فنزلوا بمرسى مسينة وزحفوا إلى رومطـة ومقـدم الجيـوش علـى حصارهـا الحسـن بـن عمار وابن أخي الحسن بن علي فأحاط الروم بهم‏.‏ وخرج أهل البلد إليهم وعظم الأمر على المسلمين فاستماتوا وحملوا على الروم وعقروا فرس قائدهم منويل فسقط عن فرسه وقتل جماعة من البطارقة معه‏.‏ وانهزم الروم وتتبعهم ثم فتحوا رمطة عنوة وغنموا ما فيها وركب فل الروم من صقلية وجزيرة رفق في الأسطول ناجين بأنفسهم فاتبعهم الأمير أحمد في المراكب فحرقوا مراكبهم وقتل كثير منهم وتعرف هذه الوقعة بوقعة المجاز وكانت سنة أربع وخمسين وأسر فيها ألف من عظمائهم ومائة بطريق‏.‏ وجـاءت الغنائـم والأسـارى إلـى مدينـة بليرم حاضرة صقلية وخرج الحسني للقائهم فأصابته الحمى مـن الفـرح فمـات وحزن الناس عليه وولي ابنه أحمد باتفاق أهل صقلية بعد أن ولى المعز عليهم يعيـش مولـى الحسـن فلـم ينهـض بالأمـر ووقعـت الفتنـة بيـن كتامة والقبائل وعجز عن تسكينها‏.‏ وبلغ الخبر إلى المعز فولى عليها أبا القاسم علي بن الحسن نيابة عن أخيه أحمد‏.‏ ثـم توفـي أحمـد بطرابلـس سنة تسع وخمسين واستبد بالإمارة أخوه أبو القاسم علي وكان مدلا محبـاً وسـار إليه سنة إحدى وسبعين ملك الفرنج في جموع عظيمة وحصر قلعة رمطة وملكها وأصـاب سرايـا المسلميـن‏.‏ وسـار الأميـر أبـو القاسـم فـي العساكـر مـن بليـرم يريدهم فلما قاربهم خام عـن اللقـاء ورجـع وكـان الفرنـج في الأسطول يعاينونه فبعثوا بذلك للملك بردوبل فسار في أتباعه وأدركه فاقتتلوا وقتل أبو القاسم في الحرب‏.‏ وأهم المسلمين أمرهم فاستماتوا وقاتلوا الفرنج فهزموهـم أقبـح هزيمة‏.‏ ونجا بردويل إلى خيامه برأسه وركب البحر إلى رومة‏.‏ وولى المسلمون عليهم بعد الأمير أبي القاسم ابنه جابر فرحل بالمسلمين لوقته راجعا ولم يعرج على الغنائم‏.‏ ولمـا ولـي ابـن عمـه جعفر بن محمد بن علي أبي الحسن وكان من وزراء العزيز وندمائه استقامت الأمور وحسنت الأحوال‏.‏ وكان يحـب أهـل العلـم ويجـزل الهبـات لهـم‏.‏ وتوفي سنة خمـس وسبعيـن وولـي أخـوه عبـد الله فاتبع سيرة أخيه إلى أن توفي سنة تسع وسبعين وولي ابنه ثقة الدولـة أبـو الفتـوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي الحسن فأنسى بجلائله وفضائله من كان قبله منهم إلى أن أصابه الفالج وعطل نصفه الأيسر سنة ثمان وثمانين‏.‏ وولي ابنه تاج الدولة جعفر بن ثقة الدولة يوسف فضبط الأمور وقام بأحسن قيام وخالف عليه أخوه علي سنة خمس وأربعمائة مع البربر والعبيد فزحف إليه جعفر فظفر به وقتله ونفى البربر والعبيد واستقامت أحواله‏.‏ ثم انقلبت حاله واختلت على يد كاتبه ووزيره حسن بن محمد الباغاني فثار عليه الناس بسببها وجاؤوا حول القصر وأخرج إليهم أبو الفتوح في محفة فتلطف بالناس وسلـم إليهم الباغاني فقتلوه وقتلوا حافده أبا رافع وخلع ابنه ابن جعفر ورحل إلى مصر وولى ابنـه ابـن جعفـر سنـة عشـرة ولقبـه بأسـد الدولـة بـن تـاج الدولـة‏.‏ ويعـرف بالأكحـل فسكن الاضطراب واستقامت الأحوال وفوض الأمور إلى ابنه ابن جعفر وجعل مقاليد الأمور بيده فأساء ابن جعفـر السيـرة وتحامل على صقلية ومال إلى أهل إفريقية‏.‏ وضج الناس وشكوا أمرهم إلى المعز صاحب القيروان وأظهروا دعوته فبعث الأسطول فيه ثلاثمائة فارس مع ولديه عبد الله وأيوب واجتمع أهل صقلية وحصروا أميرهم الأكحل وقتل وحمل رأسه إلى المعز سنة سبع عشرة وأربعمائـة‏.‏ ثم ندم أهل صقلية على ما فعلوه وثاروا بأهل إفريقية وقتلوا منهم نحوا من ثلاثمائة وأخرجوهم وولوا الصمصام أخا الأكحل فاضطربت الأمور وغلب السفلة على الأشراف‏.‏ ثم سار أهل بليرم على الصمصام وأخرجوه وقدموا عليهم ابن الثمنة من رؤس الأجناد وتلقب القـادر باللـه واستبـد بمـازر ابنـه عبـد الله قبل الصمصام وغلب ابن الثمنة على ابن الأكحل فقتله واستقل بملك الجزيرة إلى أن أخذت من يده‏.‏ ولما استبد ابن الثمنة بصقلية تزوج ميمونة بنت الجراس فتخيل له منها شيء فسقاها السم‏.‏ ثم تلافاها وأحضر الأطباء فأنعشوها وأفاقت فندم واعتذر فأظهرت له القبول‏.‏ واستأذنته في زيارة أخيها بقصريانة وأخبرت أخاها فحلف أن لا يردها ووقعت الفتنة وحشد ابن الثمنة فهزمه ابن جراس فانتصر ابن الثمنة بالروم‏.‏ وجاء القمص وجاز ابن ينقر بن خبرة ومعه سبعة من إخوته وجمع من الإفرنج ووعدهم بملك صقلية فداخل في بيع مية‏.‏ وقصد قصريانة وحكموا على مروا من المنازل وخرج ابن جراس فهزمه ورجع إلى إفريقية عمر بن خلف بن مكي فنزل تونس وولي قضاءها‏.‏ ولم يزل الروم يملكونها حتى لم يبق إلا المعاقل‏.‏ وخرج ابن الجراس بأهله وماله صلحاً سنة أربع وستيـن وأربعمائـة وتملكها رجار كلها وانقطعت كلمة الإسلام منها ودولة الكلبيين وهم عشرة ومدتهـم خمـس وتسعـون سنـة‏.‏ ومـات رجـار فـي قلعة مليطو من أرض قلورية سنة أربع وتسعين وولي ابنه رجار الثاني وطالت أيامه‏.‏ وله ألف الشريف أبو عبد الله الإدريسي كتاب نزهة المشارق في أخبار الأفاق وسماه قصار رجار علماً عليه معروفاً به في الشهرة والله مقدر الليل والنهار‏.‏ الخبر عن جزيرة اقريطش وما كان بها للمسلمين من الملك علي يد بني البلوطي إلى أن استرجعها العدو هذه الجزيرة من جزر البحر الرومي ما بين صقلية وقبرص في مقابلة الإسكندرية على يد الجاليـة أهل الربض‏.‏ وذلك أن أهل الربض الغربي من قرطبة وكان محلة متصلة بقصر الحكم بن هشام فنقموا عليه وثاروا به سنة اثنتين ومائتين فأوقع بهم الوقعة المشهورة واستلحمهم وهلم ديارهم ومساجدهم وأجلى الفل منهم إلى العدوة ونزلوا بفاس وغيرها‏.‏ وغرب آخرين إلـى الإسكندريـة فنزلـوا وافترقوا في جوانبها‏.‏ وتلاحى رجل منهم مع جزار من سوقة الإسكندرية فنادوا بالثأر واستلحموا كثيراً من أهل البلد وأخرجوا بقيتهم وامتنعوا بها وولوا عليهـم أبـا حفص عمر بن شعيب البلوطي ويعرف بأبي الفيض من أهل قرية مطروح من عمل فحص البلـوط المجـاور لقرطبة فقام برياستهم‏.‏ وكان على مصر يومئذ عبد الله بن طاهر فزحف إليهم وحصرهم بالإسكندرية فاستأمنوا له فأمنهم وبعثهم إلى جزيرة إقريطش فعمروها وأميرهم أبو حفص البلوطي‏.‏ وتداولها بنوه من بعده مدة من مائة وأربعين سنة إلى أن ملكها أريانوس بن قسطنطين ملك القسطنطينية من يد عبد العزيز بن شعيب من أعقابه سنة خمس وثلاثمائة وأخرجوا المسلميـن منهـا واللـه يعيـد الكـرة ويذهـب آثـار الكفـرة واللـه سبحانـه وتعالـى أعلـم بالصواب‏.‏

    أخبار اليمن أخبار اليمن والدول الإسلامية

    التي كانت فيه للعباسيين والعبيديين وسائر ملوك العرب وإبتداء ذلك وتصاريفه على الجملة ثم تفصيل ذلك علي مدنه وممالكه واحدة بعد واحدة قد كنا قدمنا في أخبار السير النبوية كيف صار اليمن في ملكة الإسلام بدخول عامله في الدعوة الإسلامية وهو باذان عامل كسرى وأسلم معه أهل اليمن‏.‏ وأمره النبي صلى الله عليه وسلـم علـى جميـع مخاليفها وكان منزله صنعاء كرسي التبابعة‏.‏ ولما مات بعد حجة الوداع قسم النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم اليمـن علـى عمال من قبله‏.‏ وجعل صنعاء لابنه شهربان بن باذان‏.‏ وذكرنـا خبـر الأسود العنسي وكيف أخرج عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن وزحف إلـى صنعـاء فملكهـا‏.‏ وقتـل شهربـان بـن باذان وتزوج إمرأته واستولى على أكثر اليمن وارتد أكثر أهله‏.‏ وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه‏.‏ وعماله وإلى من ثبت على إسلامه فداخلـوا زوجـة شهربـان بـن بـاذان التي تزوجها في أمره على‏.‏ يد ابن عمها فيروز‏.‏ وتولى كبر ذلـك قيس بن عبد يغوث المرادي فبيته هو وفيروز وذاذويه بإذن زوجته فقتلوه‏.‏ ورجع عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وذلك قبيل الوفاة‏.‏ واستبـد قيـس بصنعـاء وجمـع الفـل مـن جنـد الأسـود فولـى أبـو بكـر علـى اليمن فيروز فيمن إليه من الأبنـاء وأمـر النـاس بطاعتـه فقاتـل قيـس بـن مكشـوح وهزمـه‏.‏ ثـم ولـى أبو بكر المهاجر بن أبي أمية فقاتل أهل الردة باليمن وكذلك عكرمة بن أبي جهل وأمره أن يبدأ بالمرتدة‏.‏ ثم دعته عائشة فسـار معهـا وحضـر حـرب الجمـل‏.‏ وولـي على اليمن عبيد الله بن عباس ثم أخاه عبد الله‏.‏ ثم ولى معاوية على صنعاء فيروز الديلمي ومات سنة ثلاث وخمسين‏.‏ ثـم جعـل عبـد الملـك اليمـن فـي ولايـة الحجـاج لما بعثه لحرب ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين‏.‏ ولما جاءت دولة بني العباس ولى السفاح على اليمن عمه داود بن علي حتى إذا توفي سنة ثلاث وثلاثيـن ولـى مكانـه محمـد بـن يزيـد بـن عبيـد اللـه بـن عبـد الملك عبد الدار‏.‏ ثم تعاقب الولاة على اليمن وكانوا ينزلون صنعاء حتى انتهت الخلافة إلى المأمون وظهرت دعاة الطالبين بالنواحي وبايـع أبـو السرايـا مـن بنـي شيبان بالعراق لمحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم أخو المهـدي النفـس الزكيـة محمـد بـن عبـد الله بن حسن‏.‏ وكثر الهرج وفرق العمال في الجهات ثم قتل وبويـع محمـد بـن جعفـر الصـادق بالحجـاز‏.‏ وظهـر باليمـن إبراهيـم بـن موسـى الكاظم سنة مائتين ولم يتم أمره وكان يعرف بالجزار لسفكه الدماء‏.‏ وبعث المأمون عساكره إلى اليمن فدوخوا نواحيه وحملوا كثيراً من وجوه الناس فاستقام أمر اليمن كما نذكره‏.‏

    دعوة زياد بالدعوة العباسية

    ولما وفد وجوه أهل اليمن على المأمون كان فيهم محمد زياد ولد عبد الله بن أبي سفيان فاستعطف المأمون وضمن له حياطة اليمن من العلويين فوصله وولاه على اليمن وقدمها سنة ثلـاث ومائتيـن‏.‏ وفتـح تهامـة اليمـن وهـي البلد التي على ساحل البحر الغربي‏.‏ واختط بها مدينة زبيد ونزلها وأصارها كرسياً لتلك المملكة‏.‏ وولى على الجبال مولاه جعفراً وفتح تهامة بعد حروب من العرب‏.‏ واشترط على عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل واستولى على اليمن أجمع‏.‏ ودخلـت فـي طاعتـه أعمـال حضرمـوت والشحر وديار كندة وصار في مرتبة التبابعة‏.‏ وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حميـر بقيـة الملـوك التبابعـة استبـدوا بهـا مقيميـن بالدعـوة العباسية ولهم مع صنعاء سحان ونجران وجرش‏.‏ وكان أخوهم أسعد بن يعفر ثم أخوه قد دخلـوا فـي طاعـة ابـن زيـاد وولـي بعـده ابنه إبراهيم ثم ابنه زياد بن إبراهيم ثم أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم‏.‏ وطالت مدته إلى أن أسن وبلغ الثمانين‏.‏ وقال عمارة‏:‏ ملك ثمانين سنة باليمـن وحضرمـوت والجزائـر البحريـة‏.‏ ولما بلغه قتل المتوكل وخلع المستعين واستبداد الموالي على الخلفاء مع ارتفاع اليمن ركب بالمظلة شأن سلاطين العجم المستبدين‏.‏ وفـي أيامـه خـرج باليمـن يحيـى بـن الحسيـن بـن القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية جـاء بهـا مـن السنـد وكـان جـده القاسـم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبي السرايا ومهلكـه كمـا مـر فلحـق القاسـم بالسنـد وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين ونـزل صعـدة وأظهـر دعـوة الزيديـة وزحف إلى صنعاء فملكها من يد أسعد بن يعفر ثم استردها منه بنو أسعد ورجع إلى صعدة‏.‏ وكان شيعته يسمونه الإمام وعقبه الآن بها‏.‏ وقد تقدم خبرهم‏.‏ فـي أيـام أبـي الجيـش بـن زيـاد أيضـا ظهرت دعوة العبيديين باليمن فأقام بها محمد بن الفضل بعدن لاعـة وجبـال اليمـن إلـى جبـال المديحـرة سنـة أربعيـن وثلاثمائـة‏.‏ وبقـي لـه باليمـن مـن السرجـة إلـى عدن عشرون مرحلة ومن مخلافة إلى صنعاء خمس مراحل‏.‏ ولما غلبه محمد بن الفضل بهذه الدعوة امتنـع أصحـاب الأطـراف عليـه مثـل بنـي أسعد بن يعفر بصنعاء وسليمان بن طرف بعثر والإمام الرسي بصعدة فسلك معهـم طريـق المهادنـة‏.‏ ثـم هلـك أبـو الجيـش سنـة إحـدى وسبعيـن وثلاثمائـة بعـد أن اتسعت جبايته وعظم ملكه‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ رأيت مبلغ جبابته وهو ألف ألف مكررة مرتين وثلاثمائة ألف وستة وستون ألفا من الدنانير العشرية ما عدا ضرائبه على مراكب السند وعلى العنبر الواصل بباب المندب وعدن أبين وعلـى مغائـص اللؤلـؤ وعلـى جزيـرة دهلـك ومـن بعضهـا وصائـف‏.‏ وكانـت ملـوك الحبشة من وراء البحر يهادونه ويخطبون مواصلته‏.‏ ولما مات خلف صبياً صغيراً اسمه عبد اللـه وقيـل إبراهيـم وقيـل زيـاد وكفلتـه أختـه ومولـاه رشيـد الحبشـي واستبـد عليهـم إلـى أن انقرضـت دولتهـم سنـة سبـع وأربعمائـة‏.‏ ثـم هلـك هـذا الطفـل فولوا طفلا آخر من بني زياد أصغر منـه‏.‏ وقـال ابـن سعيـد‏:‏ لـم يعـرف عمـارة اسمـه لتوالـي الحجبـة عليـه ويعنـي عمـارة مـؤرخ اليمن وقيل هذا الطفل الأخير اسمه إبراهيم وكفلته عمته ومرجان من موالي الحسن بن سلامة‏.‏ واستبد بأمرهم ودولتهـم وكـان لـه موليـان اسـم أحدهمـا قيـس والآخـر نجـاح فجعـل الطفـل المملـك فـي كفالتـه وأنزلـه معه بزبيد‏.‏ وولى نجاحا على سائر الأعمال خارج زبيد ومنها الكرارة واللجـم‏.‏ وكـان يؤثـر قيسـاً علـى نجـاح ووقـع بينهمـا تنافر ورفع لقيس أن عمة الطفل تميل إلى نجاح وتكاتبه دونه فقبض عليها بإذن مولاه مرجان ودفنها حيـة واستبـد وركـب بالمظلـة وضـرب السكة‏.‏ وانتقض نجاح لذلك فزحف في العساكر وبرز قيـس للقائـه فكانـت بينهمـا حـروب ووقائع انهزم قيس آخرها وقتل في خمسة آلاف من عسكره‏.‏ وملك نجاح زبيد سنة عشر وأربعمائة‏.‏ ودفن قيساً ومولاه مرجاناً مكان الطفل والعمة واستبـد وضـرب السكـة باسمـه‏.‏ وكاتـب ديـوان الخلافـة ببغـداد فعقـد لـه علـى اليمـن‏.‏ ولـم يـزل مالكا لتهامة قاهرا لأهل الجبال وانتزع الجبـال كلهـا مـن مولـاه الحسـن بن سلامة‏.‏ ولم تزل الملوك تتقي صولته إلى أن قتله علي الصليحي القائـم بدعوة العبيديين على يد جارية بعث بها إليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فقام بالأمر الخبر عن بني الصليحي القائمين بدعوة العبيديين باليمن كان القاضي محمد بن علي الهمداني ثم الصليحي رئيس حران من بلاد همذان وينتسب في بني يام ونشأ له ولد اسمه علي وكان صاحب الدعوة يومئذ عامر بن عبد الله الزوايي نسبة إلـى زوايـة مـن قـرى حـران ويقـال إنـه كـان عنـده كتـاب الجفر من ذخائر أبيهم بزعمهم فزعوا أن علي ابـن القاضـي محمـد مذكـور فيـه فقـرأ علـى علـي عامل الداعي وأخذ عنه‏.‏ ولما توشم فيه الأهليه أراه مكـان اسمـه فـي الجفـر وأوصافـه‏.‏ وقـال لأبيـه القاضـي احتفـظ بابنـك فيملـك جميـع اليمن‏.‏ ونشأ فقيهاً صالحاً وجعل يحج بالناس على طريق الطائف والسروات خمس عشرة سنة فطار ذكره وعظمـت شهرته وألقى على ألسنة الناس أنه سلطان اليمن ومات الداعي عامر الزواي فأوصى له بكتبه وعهد إليه بالدعوة‏.‏ثم حج بالناس سنة ثمان وعشريـن وأربعمائـة علـى عادتـه واجتمع بجماعة من قومه همدان كانوا معه فدعاهم إلى النصرة والقيام معه فأجابوه وبايعوه وكانـوا ستيـن رجـلا مـن رجالات قومهم فلما عادوا قام في مسار وهو حصن بذروة جبل حمام وحصن ذلك الحصن ولم يزل أمره ينمى‏.‏ وكتب إلى المستنصر صاحب مصر يسأله الإذن في إظهار الدعوة فأذن له وأظهرها وملك اليمن كله‏.‏ ونزل صنعاء واختط بها القصور وأسكن عنده ملـوك اليمـن الذيـن غلـب عليهـم وهزم بني طـرف ملـوك عثـر وتهامـة وأعمـل الحيلـة فـي قتـل نجـاح مولـى بنـي زيـاد ملـك زبيـد حتـى تـم له ذلك على يد جارية أهداها إليه كما ذكرناه سنة اثنتين وخمسين‏.‏ ثم سار إلى مكة بأمر المستنصر صاحب مصر ليمحو منهـا الدعـوة العباسيـة والإمـارة الحسنيـة‏.‏ واستخلـف علـى صنعـاء ابنـه المكـرم أحمـد وحمـل معه زوجته أسماء بنت شهاب قد سباها سعيد بن نجاح ليلة البيـات فكتبـت إلـى ابنهـا المكـرم إنـي حبلـى مـن العبد الأحول فأدركني قبل أن أضع وإلا فهو العار الـذي لا يمحـوه الدهـر فسـار المكـرم مـن صنعـاء سنـة خمس وسبعين في ثلاثة آلاف ولقي الحبشة فـي عشريـن ألفـا فهزمهـم‏.‏ ولحـق سعيـد بـن نجـاح بجزيـرة دهلـك‏.‏ ودخـل المكـرم إلـى أمـه وهي جالسة بالطاق الذي عنده رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما ورفع السيف‏.‏ وولى خاله أسعد بن شهاب على أعمال تهامة كما كان وأنزله بزبيد منها وارتحل بأمه إلى صنعاء وكانت تدبر ملكه‏.‏ ثم جمع أسعد بن شهاب أموال تهامة وبعث بها مع وزيره أحمد بن سالم ففرقتها أسماء على وفود العرب‏.‏ ثم هلكت أسماء سنة سبع وسبعين وخرجت زبيد من يد المكرم واستردها سعيـد بـن نجـاح سنـة تسـع وسبعيـن‏.‏ ثـم انتقـل المكـرم إلـى ذي جبلـة سنـة ثمانيـن وولى على صنعاء عمران بن الفضل الهمداني فاستبد بهـا وتوارثهـا عقبـه وتسمـى ابنـه أحمـد باسـم السلطـان واشتهـر بـه وبعده ابنه حاتم بن أحمد وليس بعده بصنعاء من له ذكر حتى ملكها بنو سليمان لما غلبهم الهواشم على مكة كما مر في أخبارهم‏.‏ ولما انتقل المكرم إلى ذي جبلة وهي مدينة اختطها عبد الله بن محمد الصليحي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وكان انتقاله بإشارة زوجه سيدة بنت أحمد التي صار إليها تدبير ملكه بعـد أمـه أسمـاء فنزلهـا وبنـى فيهـا دار العـز وتحيـل على قتل سعيد بن نجاح فتم له كما نذكر في أخبـار ابـن نجـاح‏.‏ وكـان مشغـولا بلذاتـه محجوبـاً بزوجتـه‏.‏ ولمـا حضرتـه الوفـاة سنـة أربـع وثمانيـن عهد إلى ابن عمه المنصور بن أحمد المظفر بن علي الصليحي صاحب معقل أشيح وأقام بمعقله وسيدة بنت أحمد بذي جبلة وخطبهما المنصور سبا وامتنعت منه فحاصرها بذي جبلة وجاءها أخوها لأمها سليمان بن عامر وأخبرها أن المستنصر زوجك منه وأبلغها أمره بذلك وتـلا عليهـا‏:‏ ‏"‏ ومـا كـان لمؤمـن ولا مؤمنـة إذا قضـى اللـه ورسولـه أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ‏"‏ وأن أمير المؤمنين زوجك من الداعي المنصور أبي حمير سبا بن أحمد بن المظفر على مائة ألف دينار وخمسين ألفا من أصناف التحف واللطائف فانعقد النكاح وسار إليها من معقل أشيح إلى ذي جبلة‏.‏ ودخل إليها بدار العز ويقال أنها شبهت بجارية من جواريها فقامت على رأسه ليلها كله وهو لا يرفع الطرف إليها حتى أصبح فرجع إلى معقله‏.‏ وأقامت هي بذي جبلة وكان المتولي عليها المفضل بن أبي البركات مـن بنـي نـام رهـط الصليحـي واستدعـى عشيرتـه جنيـا‏.‏ وأنزلهـم عنـده بـذي جبلـة فكـان يسطـو بهـم وكانـت سيـدة تأتي التعكر في الصيف وبه ذخائرها وخزائنها فإذا جاء الشتاء رجعت إلى ذي جبلة‏.‏ ثم انفرد المفضل لقتال نجاح فرتب في حصن التعكر فقيها يلقب بالجمل مع جماعة من الفقهاء أحدهم إبراهيم بن زيد بن عمر عمارة الشاعـر فبايعـوا الجمـل علـى أن يمحـو الدعـوة الإماميـة فرجـع المفضـل مـن طريقـه وحاصرهـم وجـاءت خولان لنصرتهم وضايقهم المفضل وهلك في حصارهم سنة أربع وخمسمائة فجاءت بعده الحرة سيدة وأنزلتهم على عهد فنزلوا ووفت لهم به وكفلت عقب المفضل وولده وصار معقل التعكر في يد عمران بن الذر الخولاني وأخيه سليمان‏.‏ واستولى عمران على الحرة سيدة مكان المفضل‏.‏ ولما ماتـت استبـد عمـران وأخـوه بحصـن التعكر واستولى منصور بن المفضل بن أبي البركات على في جبلة حتى باعه من الداعي الذريعي صاحب عدن كما يأتي واعتصم بمعقل أشيح الذي كان للداعي المنصور سبا بن أحمد‏.‏ وذلك أن المنصور توفي سنة ست وثمانين وأربعمائة واختلف أولاده من بعده‏.‏ وغلب ابنه علي منهم على المعقل وكان ينازع المفضل بن أبي البركات والحرة سيدة وأعياهما أمره فتحيـل المفضل بسم أودعه سفرجلا أهداه إليه فمات منه واستولى بنو أبي البركات على بني المظفـر فـي أشيـح وحصونـه‏.‏ ثـم بـاع حصـن فـي جبلـة مـن الداعـي الزريعـي صاحـب عـدن بمائـة ألف دينـار‏.‏ ولـم يـزل يبيـع معاقلـه حصنـاً حصنـاً حتـى لـم يبـق لـه غيـر معقـل تعـز أخنـه منـه علـي بـن مهدي بعد أن ملك ثمانين سنة وبلغ من العمر مائة سنة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:40 pm

    يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب


    ولما بلغ المنصور انتقاض إفريقية على عمر بن حفص وحصاره بطبنة بالقيروان
    بعث إليه يزيد بن أبي حاتـم بـن قبيصـة بـن المهلـب بـن أبـي صفـرة فـي
    ستيـن ألـف مقاتـل‏.‏ وبلـغ خبـره عمـر بـن حفـص فحمله ذلك على الاستماتة
    حتى قتل وسار يزيد بن حاتم فقدم عليها وأبو حاتم يعقوب بن حبيب مستول عليها
    فسار طرابلس للقائه واستخلف على القيروان عمر بن عثمان الفهري فانتقض وقت
    أصحابه وخرج المخارق بن غفار فرجع إليهما أبو حاتم ففرا من القيروان ولحقا
    بجيجل من سواحل كتامة فتركهما واستخلف على القيروان عبـد العزيـز بـن
    السبـع المغافـري وسار للقاء يزيد‏.‏ وسار يزيد إلى طرابلس فلحق أبو حاتم
    بجبال نفوسه واتبعته عساكر يزيد فهزمهـم فسـار إليـه يزيـد بنفسـه‏.‏
    وقاتلـه قتـالا شديـدا فانهـزم البربـر وقتـل أبـو حاتـم فـي ثلاثيـن ألفـا
    من أصحابـه وتتبعهـم يزيـد بالقتـل بثـأر عمـر بـن حفـص‏.‏ ثـم ارتحل إلى
    القيروان فدخلها منتصف سنة خمس وخمسين‏.‏ وكان عبد الرحمن بن حبيب بن عبد
    الرحمن الفهري مع أبي حاتم فلحق بكتامة وبعث يزيد في طلبه فحاصروهم ثم
    ظفروا بهم‏.‏ وهرب عبد الرحمن وقتل جميع من كـان معـه وبعـث يزيـد المخـارق
    بـن غفار على الزاب ونزل طبنة وأثخن في البربر في وقائع كثيرة مـع
    وربجومـة وغيرهـم إلـى أن هلـك يزيد سنة سبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد
    بأمره ابنه داود فخرج عليه البربر وأوقع بهم ورجع إلى القيروان إلى أن كان
    من أمم ما نذكر‏.‏ أخوه روح بن حاتم ولم بلغ الرشيد وفاة يزيد بن حاتم
    وكان أخوه روح على فلسطين استقدمه وعزاه في أخيه وولاه على إفريقية فقدمها
    منتصف إحدى وسبعين‏.‏ وسار داود ابن أخيه يزيد إلى الرشيد‏.‏ وكان يزيد قد
    أذل الخوارج ومهد البلاد فكانـت ساكنـة أيـام روح ورغـب فـي موادعـة عبـد
    الوهاب بن رستم وكان من الوهبية فوادعه‏.‏ ثم هلك روح في رمضان سنة أربع
    وسبعين وكـان الرشيـد قـد بعـث بعهـده سراً إلى نصر بن حبيب من قرابتهم
    فقام بالأمر بعد روح إلى أن ولي الفضل‏.‏ أبنه الفضل بن روح ولما توفي روح
    بن حاتم قام حبيب بن نصر مكانه وسار ابنه الفضل إلى الرشيد فولاه على
    إفريقيـة مكـان أبيـه فعـاد إلـى القيـروان فـي محـرم سنـة سبـع وسبعيـن
    واستعمـل علـى تونـس المغيرة ابن أخيه بشر بن روح وكان غلاما غراً فاستخف
    بالجند واستوحشوا من الفضل لما أساء فيهم السيرة وأخذهم بموالاة حبيب بن
    نصر فاستعفى أهل تونس من المغيرة فلم يعفهم فانتقضوا وقدموا عليهم عبد الله
    بن الجارود ويعرف بعبد ربه الأنباري وبايعوه على الطاعة وأخرجوا المغيـرة
    وكتبـوا إلـى الفضـل أن يولـي عليهم من أراد فولى عليهم ابن عمه عبد الله
    بن يزيد بن أبي حاتم وسار إلى تونس‏.‏ ولما قاربها بعث ابن الجارود جماعة
    لتلقيه واستفهامه في أي شيء جاء فعدوا عليه وقتلوه افتئاتاً بذلك على ابن
    الجارود واضطر إلى إظهار الخلاف وتولى كبر ذلـك محمـد بـن الفارسي من قواد
    الخراسانية وكتب إلى القود والعمال في النواحي واستفسدهم على الفضل‏.‏ وكثر
    جموع ابن الجارود وخرج الفضل فانهزم واتبعه ابن الجارود واقتحم عليه
    القيروان‏.‏ ووكل به وبأهله من يوصلهم إلى قابس‏.‏ ثم رده من طريقه وقتلـه
    منتصـف ثمـان وسبعين‏.‏ ورجع ابن الجارود إلى تونس وامتعض لقتل الفضل جماعة
    من الجند وفي مقدمتهم مالك بن المنذر ووثبوا بالقيروان فملكوها وسار إليهم
    ابن الجارود من تونـس فقتلهـم وقتـل مالك بن المنذر وجماعة من أعيانهم
    ولحق فلهم بالأندلس فقدموا عليهم الصلت بـن سعيـد وعادوا إلى القيروان
    واضطربت إفريقية‏.‏ ولما بلغ الرشيد مقتل الفضل بن روح وما وقع بإفريقية من
    الإضطراب ولى مكانه خزيمة بن أعين وبعث إلى ابن الجارود يحيى بن موسى
    لمحله عند أهل خراسان‏.‏ ويقـال يقطيـن يرغبـه فـي الطاعـة فأجابـه بشـرط
    الفـراغ مـن العـلاء بـن سعيـد‏.‏ وعلم يقطين أنه يغالطه فداخل صاحبه محمد
    بن الفارسي واستماله فنزع عن ابن الجارود‏.‏ وخرج ابن الجارود من القيروان
    فراراً من العلاء في محرم سنة تسع وسبعين لسبعة أشهر من ولايته وسار للقاء
    ابن الفارسـي من القيروان وتزاحفا للقتال فدعا ابن الجارود ابن الفارسي إلى
    خلوة وقد دس رجلا مـن أصحابـه يغتالـه فـي خلوتهمـا فقتلـه وانهـزم
    أصحابـه وسابـق العـلاء بـن سعيـد ويقطيـن إلـى القيروان فسبـق إليهـا
    العـلاء وملكهـا وفتـك في أصحاب ابن الجارود‏.‏ ولحق ابن الجارود بهرثمة
    فبعث به إلى الرشيد وكتب إليه أن العلاء بن سعيد هو الذي أخرجه من القيروان
    فأمره بأن يبعث بالعلاء فبعث به مع يقطين فاعتقل ابن الجارود وأحسن إلى
    العلاء إلى أن توفي بمصر‏.‏ وسـار هرثمة إلى القيروان فقدمها سنة سبع
    وسبعين فأمن الناس وسكنهم وبنى القصر الكبير بالمنستيـر لسنـة عـن قدومـه
    وبنى السور على طرابلس مما يلي البحر‏.‏ وكان إبراهيم بن الأغلب عاملا على
    الزاب وطبنة فهاداه ولاطفه فعقد له على عمله فقام بأمره وحسن أثره‏.‏ ثم
    خرج عليـه عيـاض بـن وهـب الهواري وكليب بن جميع الكلبي وجمعا الجموع فسرح
    هرثمة إليهما يحيى بن موسى عن قواد الخراسانية ففرق جموعهما وقتل كثيرا من
    أصحابهما ورجع إلى القيروان‏.‏ ولما رأى هرثمة كثرة الثوار والخلاف
    بإفريقية استعفى الرشيد من ولايتها فأعفـاه ورجـع إلـى العراق لسنتين ونصف
    من ولايته‏.‏ محمد في مقاتل الكعبي ثـم بعـث الرشيـد على إفريقية محمد بن
    مقاتل الكعبي وكان صنيعته فقدم القيروان في رمضان سنـة إحـدى وثمانيـن
    فكـان سيـئ السيـرة فاختلف عليه الجند وقدموا مخلد بن مرة الأزدي فبعث
    إليـه العساكـر فهزم وقتل‏.‏ ثم خرج عليه بتونس تمام بن تميم التميمي سنة
    ثلاث وثمانين واجتمع إليـه النـاس وسار إلى القيروان فخرج إليه محمد بن
    مقاتل ولقيه فانهزم أمامه ورجع إلى القيروان وتمـام فـي أتباعـه إلـى أن
    دخـل عليـه القيـروان وأمنـه تمـام علي أن يخرج عن إفريقية فسار محمد إلى
    طرابلس وبلغ الخبر إلى إبراهيم بن الأغلب بمكانه من الزاب فانتقض لمحمد
    وسار بجموعه إلى القيـروان وهرب تمام بين يديه إلى تونس وملك القيروان‏.‏
    واستقدم محمد بن مقاتل من طرابلس وأعـاده إلـى إمارتـه بالقيـروان آخـر
    ثلـاث وثمانيـن وزحـف تمام لقتالهم فخرج إليه إبراهيم بن الأغلب بأصحابه
    فهزمه وسار في أتباعه إلى تونس‏.‏ واستأمن له تمام فأمنه وجاء به إلى
    القيروان وبعث به إلى بغداد فاعتقله الرشيد‏.‏ ولما استوثق الأمر لمحمد بن
    مقاتل كره أهل البلاد ولايته وداخلوا إبراهيم بن الأغلب في أن يطلب من
    الرشيد الولاية عليهم فكتب إبراهيم إلى الرشيد في ذلك على أن يترك المائة
    ألف دينـار التـي كانـت من مصر إلى إفريقية وعلى أن يحمل هو من إفريقية
    أربعين ألفا‏.‏ وبلغ الرشيد غناءه في ذلك واستشار فيه أصحابه فأشار هرثمة
    بولايته فكتب له بالعهـد إلـى إفريقيـة منتصـف أربـع وثمانيـن فقـام
    إبراهيـم بالولايـة وضبـط الأمـور‏.‏ وقفـل ابـن مقاتـل إلـى المشـرق وسكنت
    البلاد بولاية ابن الأغلب وابتنى مدينة العباسية قرب القيروان وانتقل
    إليها بجملته‏.‏ وخرج عليه سنة ست وثمانين بتونس حمديس من رجالات العرب
    ونزع السواد فسرح إليه ابن الأغلب عمران بن مجالد في العساكر فقاتله وانهزم
    حمديس وقتل من أصحابه نحو عشرة آلاف‏.‏ ثم صرف همه إلى تمهيد المغرب
    الأقصى وقد ظهر فيه دعوة العلوية بإدريس بن عبد الله‏.‏ وتوفي ونصب
    البرابرة ابنه الأصغر وقام مولـاه راشـد بكفالتـه وكبـر إدريـس واستفحـل
    أمـره براشد فلم يزل إبراهيم يدس إلى البربر ويسرب فيهم الأموال حتى قتل
    راشد وسيق رأسه إليـه‏.‏ ثـم قـام بأمـر إدريـس بعده بهلول عبد الرحمن
    المظفر من رؤس البربر فاستفحل أمره فلم يزل إبراهيـم يتلطفـه ويستميلـه
    بالكتب والهدايا إلى أن انحرف عن دعوة الأدارسة إلى دعوة العباسية فصالحـه
    إدريـس وكتـب إليـه يستعطفـه بقرابتـه مـن رسـول اللـه صلـى الله عليه وسلم
    كف عنه‏.‏ ثم خالف أهل طرابلس على إبراهيم بن الأغلب سنة تسع وثمانين
    وثاروا بعاملهم سفيان بن المهاجر وأخرجوه من داره إلى المسجد وقتلوا عامـة
    أصحابـه‏.‏ ثـم أمنـوه علـى أن يخـرج مـن طرابلـس فخـرج سفيـان لشهـر مـن
    ولايتـه واستعملـوا عليهـم إبراهيم بن سفيان التميمي فبعث إليهم إبراهيم بن
    الأغلب العساكر وهزمهم ودخل طرابلس عسكره‏.‏ ثم استحضر إبراهيم الذين
    تولوا كبر ذلك فحضروا في ذي الحجة آخر السنة وعفا عنهم وأعادهـم إلـى
    بلدهـم‏.‏ ثـم انتقـض عمـران بـن مجالـد الربعـي سنـة خمـس وتسعين على ابن
    الأغلب‏.‏ وكان بتونس واجتمع معه على ذلك قريش بن التونسي وكثرت جموعهما‏.‏
    وسار عمران إلى القيروان فملكها وقدم عليه قريش من تونس وخندق إبراهيم على
    نفسه بالعباسية فحاصروه سنـة كاملـة كانـت بينـه وبينهـم حـروب كـان
    الظفـر فـي آخرهـا لابـن الأغلـب‏.‏ وكـان عمران يبعث إلى أسد بن الفرات
    القاضي في الخروج إليهم وامتنع‏.‏ ثـم بعـث الرشيـد إلـى إبراهيم بالمال
    فنادى في الناس بالعطاء ولحق به أصحاب عمران وانتقض أمره ولحق بالزاب
    فأقـام بـه إلـى أن توفـي ابـن الأغلـب‏.‏ ثـم بعـث إبراهيـم علـى طرابلـس
    ابنـه عبـد اللـه سنة ست وتسعين فثار عليه الجند وحاصروه بداره‏.‏ ثم أمنوه
    على أن يخرج عنهم فخرج واجتمع إليه الناس وبذل العطاء وأتاه البربر من كل
    ناحية‏.‏ وزحف إلى طرابلس فهزم جندها ودخل المدينة‏.‏ ثم عزله أبوه وولى
    سفيان بن المضاء فثارت هوارة بطرابلس وهجم الجند فلحقوا بإبراهيم بن الأغلب
    وأعاد معهم ابنه عبد الله في ثلاثة عشر ألفا من العساكر ففتك بهـوارة
    وأثخـن فيهـم وجـدد سـور طرابلـس‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى عبـد الوهـاب بـن
    عبـد الرحمـن بـن رستـم فجمع البربر وجاء إلى طرابلس فحاصرها وسد عبد
    الوهاب باب زناتة وكان يقاتل من باب هـوارة‏.‏ ثم جاءه الخبر بوفاة أبيه
    فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله وأعمالها لعبد الوهاب وسار إلى
    القيروان‏.‏ وكانت وفاة إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين‏.‏ ابنه أبو العباس
    عبد الله ولما توفي إبراهيم بن الأغلب عهد لابنه عبد الله وكان غائبا
    بطرابلس والبربر يحاصرونه كما ذكرناه وأوصى ابنه الآخر زيادة الله أن يبايع
    له بالإمارة ففعـل وأخـذ لـه البيعـة علـى النـاس بالقيـروان‏.‏ وكتـب
    إليـه بذلـك فقـدم أبـو العبـاس عبـد اللـه فـي صفـر سنـة سبـع وتسعيـن ولم
    يرع حق أخيه فيما فعله‏.‏ وكان ينتقصـه ولـم يكـن فـي أيامـه فتنـة بمـا
    مهـد لـه أبـوه الأمـر‏.‏ وكـان حائـراً حتـى قيـل أن مهلكـه كـان بدعـوة
    حفـص بـن حميـد مـن الأوليـاء الصالحيـن من أهل حمود ومهريك وفد عليه في
    جماعـة مـن الصالحيـن يشكـو ظلامـة فلـم يصـغ إليهـم فخرج حفص يدعو عليه
    وهم يؤمنون فأصابته قرحة في أذنه عن قريب هلك منها في ذي الحجة سنة إحدى
    ومائتين لخمس سنين من ولايته‏.‏ ولمـا توفي أبو العباس ولي مكانه أخوه
    زيادة الله وجاءه التقليد من قبل المأمون وكتب إليه يأمره بالدعاء لعبد
    الله بن طاهر على منابره فغضب من ذلك وبعث مع الرسول بدنانير من سكة
    الادارسـة يعـرض لـه بتحويـل الدعـوة‏.‏ ثـم استأذنـه قرابته في الحج وهم
    أخوه الأغلب وأبناء أخيه أبي العباس محمد وأبو محمد بهر وإبراهيم أبو
    الأغلب‏.‏ فأذن لهم وانطلقوا لقضـاء فرضهـم فقضـوه وأقامـوا بمصـر حتـى
    وقعـت بين زيادة الله وبين الجند الحروب فاستقدمهم واستوزر أخاه والأغلب
    وهاجت الفتن‏.‏ واستولى كل رئيس بناحية فملكوها عليه كلها وزحفوا إلى
    القيروان فحصـروه‏.‏ وكـان فاتحـة الخلـاف زيـاد بـن سهـل بن الصقلية خرج
    سنة سبع ومائتين وجمع وحاصر مدينة باجة فسرح إليه العساكر فهزموه وقتلوا
    أصحابه‏.‏ ثم انتقض منصـور الترمـذي بطبنـة وسار إلى تونس فملكها وكان
    العامل عليها إسماعيل بن سفيان وسفيان أخو الأغلب فقتله لتستخلص له طاعة
    الجند‏.‏ وسـرح زيـادة الله العساكر من القيروان مع غلبون ابن عمه ووزيره
    اسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب وتهددهم بالقتل إن انهزموا فهزمهم منصور
    وخشوا على أنفسهم ففارقوا الوزير غلبون وافترقوا على إفريقية واستولوا على
    باجة والجزيرة وصطفورة والاربس وغيرها‏.‏ واضطربت إفريقية ثم اجتمعوا إلى
    منصور وسار بهم إلى القيروان فملكها وحاصره في العباسية أربعين يوما وعمروا
    سور القيروان الذي خربه إبراهيم بن الأغلب‏.‏ ثم خرج إليه زيادة الله
    فقاتله فهزمه ولحق بتونس‏.‏ وخرب زيادة الله سور القيروان‏.‏ ولحق قواد
    الجند بالبلاد التي تغلبوا عليهـا‏.‏ فلحـق منهـم عامـر بـن نافـع الـأزرق
    بسبيبـة‏.‏ وسـرح زيـادة اللـه سنـة تسـع ومائتيـن عسكـراً مع محمد بن عبد
    الله بن الأغلب فهزمهم عامر وعادوا ورجع منصور إلى تونس‏.‏ ولم يبق على
    طاعة زيادة الله من إفريقية إلا تونس والساحل وطرابلس ونفزاوة‏.‏ وبعث
    الجند إلى زيادة الله بالأمان وأن يرتحل عن إفريقية وبلغه أن عامر بن نافع
    يريد نفزاوة وأن برابرتها دعوه فسرح إليهم ماشي مقاتل لمنع عامر بن نافع
    فرجع عامراً عنها وهزمه إلى قسطيلة ورجع‏.‏ ثم هرب عنها واستولى سفيان على
    قسطيلة وضبطها‏.‏ وذلك سنة تسع ومائتين‏.‏ واسترجع زيادة الله قسطيلة
    والزاب وطرابلس واستقام أمره‏.‏ ثم وقعت الفتنة بين منصـور الطبنـدي وبيـن
    عامـر بـن نافـع لـأن منصوراً كان يحسده ويضغن عليه فاستمال عامر الجند
    وحاصـره بقصره بطبندة حتى استأمن إليه على أن يركب إلى الشرق‏.‏ وأجابه إلى
    ذلك وخرج منصـور مـن طنبـدة منهرمـاً‏.‏ ثـم رجـع فحاصـره عامـر حتى
    استأمن إليه ثانيا على يد عبد السلام بن المفرج من قواد الجند وأخذ له
    الأمان من عامر على أن يركب البحر إلى المشرق فأجابه عامـر وبعثـه مـع
    ثقاتـه إلـى تونس وأوصى ابنه‏.‏ وكان يغريه أن يقتله إذا مر به فقتله وبعث
    برأسه وأقـام عامـر بـن نافـع بمدينـة تونـس إلـى أن توفي سنة أربـع
    عشـرة‏.‏ ورجـع عبـد السلـام بن المفرج إلى باجـة فأقـام بهـا إلـى أن
    انتقـض فضـل بـن أبـي العيـن بجزيـرة شريـك سنـة ثمـان عشـرة ومائتيـن
    فسـار إليه عبد السلام بن المفرج الربعي وجاءت عساكر زيادة الله فقاتلوهما
    وقتل عبد السلام‏.‏ وانهزم فضل إلى مدينة تونس وامتنع بها وحاصرته العساكر
    حتى اقتحموها عليه وقتلوا كثيرا من أهلها وهرب آخرون حتى أمنهم زيادة الله
    وعادوا‏.‏ وفي سنة تسع عشرة ومائتين فتح أسد بن الفرات صقلية‏.‏ كانت صقلية
    من عمالات الروم وأمرها راجع إلى صاحب قسطنطينية وولي عليها سنة إحدى عشرة
    ومائتين بطريقاً اسمه قسنطيـل واستعمـل علـى الأسطـول قائـداً مـن الـروم
    حازماً شجاعاً فغزا سواحل إفريقية وانتهبها‏.‏ ثم بعد مدة كتب ملك الروم
    إلى قسنطيل يأمره بالقبض على مقدم الأسطول وقتله‏.‏ ونمـى الخبر إليه بذلك
    فانتقض وتعصب له أصحابه وسار إلى مدينة سرقوسة من بلاد صقلية فملكها وقاتله
    قسنطيل فهزمه القائد ودخل مدينة نطانية فأتبعه جيشا أخذوه وقتلوه واستولى
    القائد على صقلية فملكها وخوطب بالملك‏.‏ وولى على ناحية من الجزيرة رجلا
    اسمه بلاطة وكـان ميخاييـل ابـن عـم بلاطـة علـى مدينـة بليـرم فانتقـض هـو
    وابـن عمـه على القائد واستولى بلاطة علـى مدينـة سرقوسـة‏.‏ وركـب القائد
    في أساطيله إلى إفريقية مستنجداً بزيادة الله فبعث معهم العساكر واستعمل
    عليهم أسد بن الفرات قاضي القيروان فخرجوا في ربيع سنة اثنتي عشرة فنزلوا
    بمدينة مأزر وساروا إلى بلاطة ولقيهم القائد وجميع الروم الذين بها استمدهم
    فهزموا بلاطة والروم الذين معه وغنموا أموالهم‏.‏ وهـرب بلاطـة إلـى
    فلونـرة فقتـل واستولـى المسلمـون علـى عـدة حصـون مـن الجزيرة ووصلوا إلى
    القلعة الكرات وقد اجتمع بها خلق كثير فخادعوا القاضي أسد بن الفرات في
    المراودة على الصلح وأداء الجزية حتى استعدوا للحصار ثم امتنعوا عليه
    فحاصرهم وبعث السرايا في كل ناحية وكثرت الغنائـم‏.‏ وحاصـروا سرقوسـة
    بـراً وبحـراً وجـاءه المـدد مـن إفريقيـة وحاصـروا بليـرم‏.‏ وزحف الروم
    إلى المسلمين وهم يحاصرون سرقوسة قد بعثوهـم واشتـد حصـار المسلميـن
    بسرقوسة‏.‏ ثم أصاب معسكرهم الفناء وهلك كثير منهم ومات أسد بن الفرات
    أميرهم ودفن بمدينة قصريانة ومعهم القائد الذي جاء يستنجدهم فخادعه أهل
    قصريانة وقتلوه‏.‏ وجـاء المـدد مـن القسطنطينيـة فتصافـوا مـع المسلميـن
    وهزموهـم ودخـل فلهم إلى قصريانة‏.‏ ثم توفي محمـد بـن الحـواري أميـر
    المسلميـن وولـي بعمـه زهيـر بـن عـوف‏.‏ ثـم محض الله المسلمين فهزمهم
    الروم مرات وحصروهم في معسكرهم حتى جهدهم الحصـار وخـرج مـن كـان فـي
    كبركيـب مـن المسلميـن بعـد أن هدموهـا وسـاروا إلي مأزر‏.‏ وتعذر عليهم
    الوصول إلى إخوانهم وأقاموا كذلك إلى سنة أربع عشرة إلى أن أشرفوا على
    الهلاك فوصلت مراكب إفريقية مدداً وأسطول من الأندلس خرجوا للجهاد‏.‏
    واجتمع منهم ثلاثمائة مركب فنزلوا الجزيرة وأفرج الروم عن حصار المسلميـن
    وفتـح المسلمـون مدينـة بليـرم بالأمان سنة سبع عشرة‏.‏ ثم ساروا سنة تسع
    عشرة إلى مدينة قصريانة وهزموا الروم عليها سنة عشرين‏.‏ ثم بعثوا إلى
    طرميس‏.‏ ثم بع زيادة الله الفضل بن يعقوب في سرية إلى سرقوسة فغنموا‏.‏ ثم
    سارت سرية أخرى واعترضها بطريق صقلية فامتنعوا منه في وعر وخمل من الشعراء
    حتى يئس منهم وانصرف على غير طائل فحمل عليهم أهل السرية وانهزموا وسقط
    البطريق عن فرسه فطعن وجرح وغنـم المسلمـون مـا معهـم مـن سلـاح ودواب
    ومتـاع‏.‏ ثـم جهـز زيـادة الله إلى صقلية إبراهيم بن عبد الله بن الأغلب
    في العساكر وولاه أميرا عليها فخرج منتصف رمضان وبعث أسطولا فلقي أسطولا
    للروم فغنمه وقتل من كان فيه‏.‏ وبعث أسطولا آخر إلى قصورة فلقي أسطولا
    فغنمه وسـارت سرية إلى جبل النار والحصون التي في نواحيها وكثر السبي بأيدي
    المسلمين‏.‏ وبعث الأغلب سنة إحدى وعشرين أسطولا نحو الجزائر فغنموا
    وعادوا‏.‏ وبعث سرية إلى قطلبانة وأخرى إلى قصريانة كان فيهما التمحيص على
    المسلمين ثم كانت وقعة أخرى كان فيها الظفر للمسلميـن‏.‏ وغنـم مـن
    أسطولهـم تسـع مراكـب ثـم عثر بعض المسلمين على عورة من قصريانة فدل
    المسلمين عليها ودخلوا منها البلد وتحصن المشركون بحصنه حتى استأمنوا وشده
    الله وغنم المسلمون غنائمه وعادوا إلى بليرم إلى أن وصلهم الخبر بوفاة
    زيادة الله فوهنوا أولاً ثم انشطوا وعادوا لي الصبر والجهاد وكانت وفاة
    زيادة الله منتصف سنة ثلاث وعشرين ومائتين لإحدى وعشرين سنة ونصف من
    ولايته‏.‏ أخوهما أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب ولما توفي زيادة
    الله بن إبراهيم تولى أخوه الأغلب ويكنى أبا عقال فأحسن إلى الجند وأزال
    المظالـم وزاد العمـال في أرزاقهم وكفهم عن الرعية‏.‏ وخرج عليه بقسطيلة
    خوارج زواغة ولواتة ومكناسـة وقتلـوا عاملهـا بهـا وبعـث إليهـم العساكـر
    فقتلهـم واستأصلهـم‏.‏ وبعـث سنة أربع وعشريـن سريـة إلـى صقليـة فغنموا
    وعادوا ظافرين‏.‏ وفي سنة خمس وعشرين استأمن للمسلمين عـدة حصـون مـن
    صقليـة فأمنوهـم وفتحوهـا صلحـاً‏.‏ وسـار أسطـول المسلمين إلى قلورية
    ففتحوها ولقـوا أسطـول القسطنطينيـة فهزموهـم وفي سنة سـت وعشريـن سـارت
    سرايـا المسلميـن بصقلية إلى قصريانـة ثـم حصـن القيـروان وأثخنـوا فـي
    نواحيهـا كمـا نذكـر‏.‏ ثـم توفـي الأغلـب بـن إبراهيـم في ربيع من سنة ست
    وعشرين ومائتين لسنتين وسبعة أشهر من إمارته‏.‏ ابنه أبو العباس محمد بن
    الأغلب بن إبراهيم ولما توفي أبو عقال الأغلب ولي بعده ابنه أبو العباس
    ودانت له إفريقية وشيد مدينة بقرب تاهـرت وسماهـا العباسية وذلك سنة سبع
    وعشرين وأحرقها أفلح بن عبد الوهاب بن رستم‏.‏ وكتب إلى صاحب الأندلس يتقرب
    إليه بذلك فبعث إليه بمائة ألف درهم‏.‏ وفي أيامه ولي سحنـون القضاء سنة
    أربع وثلاثين بعد عزل ابن الجواد وضربه سحنون فمات ومات سحنون سنـة أربعيـن
    ومائتيـن وثـار عليـه أخـوه أبـو جعفر وغلبه‏.‏ ثم اتفقا على أن يستوزره
    فاستبد عليه وقتل وزارءه ومكث على ذلك‏.‏ ثم أقام أبو العباس محمد بأمره
    واستبد سنة ثلاث وأربعين بعد أن استبد لذلك رجالاً وحارب أخوه أبو جعفر
    فغلبه محمد وانتقض عليه وأخرجه من إفريقية إلى مصر سنة ست وأربعين ومائتين
    لستة عشر شهراً من ولايته‏.‏ ابنه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد
    لمـا توفـي أبـو العباس محمد بن أبي عقال سنة اثنتين وأربعين ولي مكانه
    ابنه أبو إبراهيم أحمد فأحسن السيرة وأكثر العطاء للجند وكان مولعاً
    بالعمارة فبنى بإفريقية نحواً من عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب
    الحديد‏.‏ واتخذ العبيد جنداً وخرج عليه بناحية طرابلس خوارج من البربر
    فغلبهم عاملها وهو يومئذ أخوه عبد الله بن محمد بن الأغلب سرح إليهم
    أخاهمـا زيـادة اللـه يحاربهـم واستلحمهـم وكتـب إلـى أخيـه أبي إبراهيم
    بالفتح‏.‏ وفي أيامه افتتحت قصريانـة مـن مـدن صقليـة فـي شوال سنة أربع
    وأربعين وبعث بفتحها إلى المتوكل وأهدى له من سبيها‏.‏ ثم توفي إبراهيم هذا
    سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته‏.‏ ابنه زيادة الله الأصغر بن أبي
    إبراهيم بن أحمد ولما توفي أبو إبراهيم ولي مكانه ابنه زيادة الله ويعرف
    بزيادة الله الأصغر فجرى على سنن سلفه ولم تطل أيامه‏.‏ وتوفي سنة خمسين
    لحول من ولايته‏.‏ أخوه أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم بن أحمد ولما توفي
    زيادة الله كما قدمناه ولي مكانه أخوه محمد ويلقب بأبي الغرانيق فغلب عليه
    اللهو والشـراب‏.‏ وكانـت فـي أيامـه حـروب وفتـن‏.‏ وفتـح جزيـرة مالطـة
    سنـة خمـس وخمسيـن‏.‏ وتغلـب الـروم على مواضع من جزيرة صقلية وبنى محمد
    حصوناً ومحارس على ساحل البحر بالمغرب على مسيرة خمسة عشر يوماً من برقة
    إلى جهة المغرب وهي الآن معروفة‏.‏ ثم توفي أبو الغرانيق منتصف إحدى وستين
    لإحدى عشرة سنة من ولايته‏.‏ بقية أخبار صقلية وفي سنة ثمـان وعشريـن سـار
    الفضـل بـن جعفـر الهمدانـي فـي البحـر ونـزل مرسـى مسينـة وحاصرها
    فامتنعـت عليـه وبث السرايا في نواحيها فغنموا‏.‏ ثم بعث طائفة من عسكره
    وجاؤوا إلى البلد من وراء جبل مطل عليه وهمك مشغولون بقتاله فانهزموا
    وأعطوا باليد ففتحها‏.‏ ثم حاصر سنـة اثنتيـن وثلاثيـن مدينـة لسـى وكاتـب
    أهلهـا بطريق صقلية يستمدونه فأجابهم وأعطاهم العلامة بإيقاد النار على
    الجبل‏.‏ وبلغ ذلك الفضل بن جعفر فأوقد النار على الجبل وأكمن لهم من
    ناحيته فخرجوا واستطرد لهم حتى جاوزوا الكمين فخرجوا عليهم فلم ينج منهم‏.‏
    إلا القليل وسلموا البلد على الأمان‏.‏ وفي سنة ثلاث وثلاثين أجاز
    المسلمون إلى أرض انكبردة من البر الكبير وملكوا منها مدينة وسكنوها وفي
    سنة أربع وثلاث صالح أهل رغوش وسلموا المدينة للمسلمين فهدموها بعد أن
    حملوا جميـع مـا فيهـا‏.‏ وفي سنة ثلـاث وثلاثيـن توفـي أميـر صقليـة محمـد
    بـن عبد الله بن الأغلب واجتمع المسلمون بعده على ولاية العباس بن الفضل
    بن يعقوب بعد موت أميرهم‏.‏ وكتب له محمد بن الأغلب بعهده‏.‏ على صقلية
    وكان من قبل يغزو ويبعث السرايا وتأتيه الغنائم‏.‏ ولما جاءه كتاب الولاية
    خرج بنفسه وعلى مقدمته عمه رياح فعاث في نواحي صقلية وردد البعوث والسرايا
    إلى قطانيه وسرقوسة وبوطيف ورغوس فغنموا وخربوا وحرقوا وافتتح حصوناً جمة
    وهزم أهل قصريانة وهي مدينة ملك صقلية‏.‏ وكـان الملـك قبلـه يسكـن سرقوسـة
    فلمـا فتحها المسلمون كما ذكرناه انتقل الملك إلى قصريانة وأخبر أن العباس
    كان يردد الغزو إلى نواحي سرقوسة وقصريانة شاتية وصائفة فيصيب منهم ويرجع
    بالغنائـم والأسـارى‏.‏ فلمـا كـان فـي شاتيـة منهـا أصـاب منهـم أسارى
    وقدمهم للقتل فقال له بعضهم وكـان لـه قـدر وهيبة استبقني وأنا أملك
    قصريانة ودلهم علي عورة البلد فجاؤوها ليلا ووقفهم بـاب صغيـر فدخلـوا
    منـه‏.‏ فلمـا توسطـوا البلـد وضعوا السيف وفتحوا الأبواب ودخل العباس في
    العسكر فقتل المقاتلة وسبى بنات البطارقة وأصاب فيها ما يعجز الوصـف عنـه
    وذل الـروم بصقلية من يومئذ‏.‏ وبعث ملك الروم عسكـراً عظيمـاً مـع بعـض
    بطارقتـه وركبـوا البحـر إلـى مرسـى سرقوسـة فجاءهم العباس من بليرم
    فقاتلهم وهزمهم وأقلع فلهم إلى بلادهم بعد أن غنم المسلمون من أسطولهم
    ثلاثة أو أكثر وذلك سنة سبع وثلاثين‏.‏ وافتتح بعدها كثيراً من قلاع صقلية
    وجاء مدد الروم من القسطنطينية وهو يحاصر قلعة الروم فنزلوا سرقوسة وزحف
    إليهم العباس من مكانـه وهزمهـم ورجـع إلـى قصريانـة فحصنها وأنزل بها
    الحامية‏.‏ ثم سار سنة سبع وأربعين إلي سرقوسة فغنم ورجع واعتـل فـي طريقـه
    فهلـك منتصـف سنتـه‏.‏ ودفـن فـي نواحـي سرقوسـة وأحـرق النصارى شلوه وذلك
    لإحدى عشرة سنة من إمارته‏.‏ واتصل الجهاد بصقلية والفتح وأجاز المسلمـون
    إلى عدوة الروم في الشمال وغزوا أرض قلورية وانكبرده وفتحوا فيها حصونا
    وسكن بها المسلمون ولمـا توفـي العباس اجتمع الناس على ابنه عبد الله
    وكتبوا إلى صاحب إفريقية وبعث عبد الله السرايا ففتح القلاع وبعد خمسة أشهر
    من ولايته وصل خفاجة بن سفيان من إفريقية علـى صقليـة فـي منتصـف ثمـان
    وأربعيـن وأخـرج ابنـه محمـوداً فـي سرية إلى سرقوسة فعاث في نواحيها وخـرج
    إليهـم الـروم فقاتلهـم وظفـر ورجـع‏.‏ ثم فتح مدينة نوطوس سنة خمس وخمسين
    وسار إلى سرقوسة وجبل النار واستأمن إليه أهل طرميس ثم غدروا فسرح ابنه
    محمدا في العساكر وسبى أهلها‏.‏ ثم سار خفاجة إلى رغوس وافتتحها وأصابه
    المرض فعاد إلى بليرم‏.‏ ثم سار سنة ثلاث وخمسين إلى سرقوسة وقطانية فخرب
    نواحيها وأفسد زرعهـا وبعـث سراياه في أرض صقلية فامتلأت أيديهم من
    الغنائم‏.‏ وفي سنة أربع وخمسين وصل بطريق من القسطنطينية لأهل صقلية
    فقاتله جمع من المسلمين وهزموه وعاث خفاجة في نواحي سرقوسة ورجع إلى
    بليـرم‏.‏ وبعـث سنـة خمـس وخمسيـن ابنـه محمـداً فـي العساكـر إلـى طرميـس
    وقـد دلـه بعـض العيون على بعض عوراتها فدخلوها وشرعوا في النهب‏.‏ وجاء
    محمد بن خفاجة من ناحية أخرى فظنوه مدداً للعدو فأجفلوا ورآهم محمد مجفلين
    فرجع‏.‏ ثم سار خفاجة إلى سرقوسة فحاصرهـا وعـاث في نواحيها ورجع فاغتاله
    بعض عسكره في طريقه وقتله وذلك سنة خمس وخمسيـن وولـى النـاس عليهـم ابنـه
    محمـداً‏.‏ وكتبـوا إلـى محمـد بـن أحمـد أميـر إفريقيـة فأقره على الولاية
    إبراهيم بن أحمد أخو أبي الغرانيق ولمـا توفـي أبـو الغرانيـق ولـي أخـوه
    إبراهيـم وقـد كـان عهد لابنه أبي عقال واستحلف أخاه إبراهيم أن لا ينازعه
    ولا يعرض له بل يكون نائبا عنه إلى أن يكبر فلما مات عدا عليه أهل القيروان
    وحملوه على الولاية عليهم لحسن سيرته وعدله فامتنع ثم أجاب وترك وصية أبي
    الغرانيق في ولده أبي عقال وانتقل إلى قصر الإمارة وقام بالأمر أحسن
    قيام‏.‏ وكان عادلا حازماً فقطع البغي والفساد وجلس لسماع شكوى المتظلمين
    فأمنت البلاد وبنى الحصون والمحارس بسواحل البحـر حتـى كانت النار توقد في
    ساحل سبتة للنذير بالعدو فيتصل إيقادها بالإسنكدرية في الليلـة الواحـدة
    وبنـى سـور سوسـة‏.‏ وفـي أيامـه كان مسير العباس بن أحمد بن طولون مخالفا
    على أبيـه صاحـب مصـر سنة خمس وستين فملك برقة من يد محمد بن قهرب قائد ابن
    الأغلب ثم ملـك لبـدة ثم حاصر طرابلس واستمد ابن قهرب بقوسة فأمدوه ولقي
    العباس بن طولون بقصر حاتم سنة سبع وستين فهزمه ورجع إلى مصر‏.‏ ثم خالفت
    وزداجة ومنعوا الرهن وفعلت مثـل ذلـك هـوارة ثـم لواتـة وقتـل ابـن قهـرب
    فـي حروبهم فسرح إبراهيم ابنـه أبـا العبـاس عبـد اللـه إليهـم فـي
    العساكـر سنـة تسـع وستيـن فأثخـن فيهـم‏.‏ وفي سنة ثمانيـن كثـر الخـوارج
    وفـرق العساكـر إليهم فاستقاموا واستركب العبيد السودان واستكثر منهـم
    فبلغـوا ثلاثـة آلـاف‏.‏ وفي سنة إحـدى وثمانيـن انتقـل إلـى سكنى تونس
    واتخذ بها القصور ثم تحـرك إلـى مصـر سنـة ثلـاث وثمانين لمحاربة ابن طولون
    واعترضته نفوسة فهزمهم وأثخن فيهم‏.‏ ثم انتهـى إلـى سـرت فانفضـت عنـه
    الحشـود فرجع وبعث ابنه أبا العباس عبد الله على صقلية سنة سبـع وثمانيـن
    فوصـل إليهـا فـي مائـة وستيـن مركبـا‏.‏ وحاصـر طرابـة وانتقـض عليـه
    بليـرم وأهـل كبركيت وكانـت بينهـم فتنـة فأغـراه كـل واحـد منهـم
    بالآخريـن‏.‏ ثـم اجتمعـوا لحربـه وزحـف إليـه أهل بليرم في البحر فهزمهم
    واستباحهم وبعث جماعة من وجوهها إلى أبيه وفر آخرون مـن أعيانهـم إلـى
    القسطنطينيـة وآخـرون إلـى طرميـس فاتبعهـم وعـاث في نواحيها‏.‏ ثم حاصر
    أهل قطانية فامتنعوا عليـه فأعـرض عـن قتـال المسلميـن‏.‏ وتجهـز سنـة
    ثمـان وثمانيـن للغـزو فغـزا دمقـش ثـم مسينـي‏.‏ ثـم جاء فـي البحـر إلـى
    ربـو ففتحهـا عنـوة وشحـن مراكبـه بغنائمهـا ورجـع إلـى مسينـي فهدم
    سورها‏.‏ وجاء مـدد القسطنطينيـة فـي المراكـب فهزمهم وأخذ لهم ثلاثين
    مرى‏.‏ ثم أجاز إلى عدوة الروم وأوقع بأمم الفرنجة من وراء البحر‏.‏ ورجع
    إلى صقلية‏.‏ وجاء في هذه السنة رسول المعتضد بعزل الأميـر إبراهيـم لشكـوى
    أهـل تونـس بـه فاستقـدم ابنـه أبـا العباس من صقلية وارتحل هو إليها
    مظهراً لغربة الانتجاع‏.‏ هكذا قال ابن الرقيق‏.‏ وذكر أنه كان جائراً
    ظلوماً سفاكاً للدماء وأنه أصابه آخـر عمـره ماليخوليـا أسـرف بسببهـا فـي
    القتل فقتل من خدمه ونسائه وبناته ما لا يحصى‏.‏ وقتل ابنـه أبـا الأغلـب
    لظـن ظنـه بـه‏.‏ وافتقـد ذات يـوم منديـلا لشرابـه فقتـل بسببـه ثلاثمائـة
    خـادم‏.‏ وأما ابن الأثير فأثنى عليه بالعقل والعدل وحسن السيرة وفكر أن
    فتح سرقوسة كان في أيامه على يد جعفـر بـن محمـد أميـر صقليـة وأنه حاصرها
    تسعة أشهر مدد وجاءهم المدد من قسطنطينية في البحر فهزمهم‏.‏ ثم فتح البلد
    واستباحها‏.‏ واتفقوا كلهم على أنه ركب البحر من إفريقية إلى صقلية فنزل
    طرابنة ثم تحول عنها إلى بليرم ونـزل علـى دمقـش حاصرهـا سبعـة عشـر
    يومـاً‏.‏ ثـم فتـح مسينـي وهـدم سورها‏.‏ ثم فتح طرميس آخر شعبان من سنة
    تسع وثمانين ووصل ملك الروم بالقسطنطينية ففتحها‏.‏ ثم بعث حافده زيادة
    الله ابن ابنه أبي العباس عبد الله إلى قلعة بيقش فافتتحها وابنه أبو محرز
    إلى رمطة فأغطـوه الجزيـة‏.‏ ثم عبر إلى عدوة البحر وسار في بر الفرنج ودخل
    قلورية عنوة فقتل وسبى ورهـب منـه الفرنجة‏.‏ ثم رجع إلى صقلية ورغب منه
    النصارى في قبول الجزية فلم يجب إلى ذلك‏.‏ ثم سار إلى كنسة فحاصرها
    واستأمنوا إليه فلم يقبل‏.‏ ثم هلك وهو محاصر لها آخر تسع وثمانين لثمان
    وعشرين سنة من إمارته فولى أهل العسكر عليهم حافده أبا مضر ليحفظ العساكـر
    والأمـور إلـى أن يصـل ابنه أبو العباس وهو يومئذ بإفريقية فأمن أهل كنسة
    قبل أن يعلموا بموت جده وقبل منهم الجزية وأقام قليلا حتى تلاشت به السرايا
    من النواحي‏.‏ ثم ارتحل ظهور الشيعي بكتامة وفـي أيامـه ظهر أبو عبد الله
    الشيعي بكتامة يدعو للرضا من آل محمد ويبطن الدعوة لعبيد الله المهدي من
    أبناء إسماعيل الإمام واتبعه كتامة وهو من الأسبـاب التـي دعتـه للتوبـة
    والإقلـاع والخـروج إلـى صقلية‏.‏ وبعث إليه موسى بن عياش صاحب صلة بالخبر
    وبعث إبراهيم رسوله إلـى الشيعـي بانكجان يهدده ويحذره فلم يقبل وأجابه بما
    يكره‏.‏ فلما قربص أمور أبي عبد الله وجاء كتاب المعتضد لإبراهيم كما
    قدمناه أظهر التوبة ومضى إلى صقلية وكانت بعده بإفريقية حـروب أبـي عبـد
    اللـه الشيعـي مـع قبائـل كتامـة حتـى استولـى عليهـم واتبعوه وكان إبراهيم
    قد أسر لابنه أبي العباس في شأن الشيعي ونهاه عن محاربته واتبعوه يلحق به
    إلى صقلية إن ظهر عليه‏.‏ ابنه أبو العباس عبد الله بن إبراهيم أخي محمد
    أبي الغرانيق‏:‏ ولما هلك إبراهيم سنة تسع وثمانين كما قدمناه قدم حافده
    زيادة الله بالجيوش على أبيه أبي العباس عبد الله بأمر إفريقية وعظم غناؤه
    وكتب إلى العمال كتابا يقرأ على الناس بالوعد الجميـل والعـدل والرفـق
    والجهـاد واعتقـل ابنه زيادة الله هذا لما بلغه عنه من اعتكافه على اللذات
    واللهو وأنه يروم التوثب عليه وولى على صقلية مكانه محمد بن السرقوسي‏.‏
    وكان أبو العباس حسـن السيـرة عـادلاً بصيراً بالحروب وكانت أيامه صالحة
    وكان نزوله بتونس‏.‏ ولما توفي استولى أبـو عبـد اللـه الشيعـي علـى كتامـة
    ودخلوا في أمره كافة وزحف إلى ميلة فافتتحها وقتل موسى بن عياش‏.‏ وكان
    فتح بن يحيى أمير مسالة من عبادة حارب أبا عبد الله طويلاً ثم غلبه
    واستولـى علـى قومـه فنـزع فتـح إلـى أبـي العباس وحرضه على قتال يكزاخول
    وإنما كان يكر على جفنـة إذا نظـر وزحـف إليه من تونس سنة تسع وثمانين ودخل
    سطيف ثم يلزمه وقتل من دخل فـي دعوتهـم‏.‏ ولقيـه أبـو عبـد اللـه الشيعـي
    فانهـزم وهـرب من تاوزرت إلى انكجان وهدم أبو خول قصـر الشيعـي ثم قاتلهم
    يوماً إلى الليل فانهزم عسكر أبي خول ولحق بتونس ورجع بكتامة إلى
    مواضعهم‏.‏ ولما دخل أبو خول بأبيه جند له العسكر وأعاده ثانية وانتظمت
    إليه القبائل وسار حتى نزل سطيف‏.‏ ثم ارتحل منها إلى لقائهم‏.‏ وزحف إليه
    أبو عبد الله فهزمه ورجع إلى سطيـف ثـم ارتحـل منهـا إلى لقائهم‏.‏ وفي
    أثناء ذلك صانع زيادة الله بعض الخدم على قتل أبيه أبي العباس فقتل نائما
    في شعبان سنة تسعين ومائتين وأطلق زيادة الله من اعتقاله‏.‏ ابنه أبو مضر
    زيادة الله ولما أطلق زيادة الله من الاعتقال اجتمع أهل الدولة وبايعوا له
    فقتل الخصيان الذين قتلوا أباه وأقبل على اللذات واللهو ومعاشرة المضحكين
    والصفاعين وأهمل أمور الملك واستقل‏.‏ وكتب إلى أخيه أبي خولط على لسان
    أبيه يستقدمه وقدم فقتله وقتل عمومته وإخوته‏.‏ وقوي أمر الشيعـي وانتقـل
    زيـادة اللـه إلـى رقـادة ليلاً لئلا يخالفه الشيعي إليها‏.‏ وفتح الشيعي
    مدينة سطيف فسـرح زيـادة اللـه العساكـر لحربـه وعقـد عليهـا لإبراهيـم بـن
    حبيـش مـن صنائعـه فخـرج فـي أربعيـن ألفـاً وأقام بقسطيلة ستة أشهر
    فاجتمعت إليه مائة ألف وزحف إلى كتامة وتلقوه بأجانة فأضرمت عساكـره وولـت
    الهزيمـة عليـه‏.‏ وانتهـى إلـى باغايـة ثم انتقل إلى القيروان وافتتح أبو
    عبد الله مدينة طبنـة وقتـل فتـح بـن يحيـى المسالتـي وكـان بهـا‏.‏ ثـم
    فتـح يلزمـة وهدم سورها‏.‏ ثم وصل عروبة بن يوسـف مـن أمـراء كتامـة إلى
    باغاية وأوقع بالعساكر التي كانت بها مجمرة لحربهم بنظر هارون بن الطبني‏.‏
    وأرسل أبو عبد الله الشيعي إلى تيحيسن فحاصرها ثم افتتحها صلحاً‏.‏ وكثر
    الإرجاف بالقيروان ففتح زيادة الله ديوان العطاء واستلحق واستركب وأجمع
    الخروج فخرج إلى الأربس سنـة خمـس وتسعيـن فلمـا انتهى إليها تخوف غائلة
    الشيعي وأشار عليه أهل بيته بالرجوع فرجع إلـى رقـادة وقـدم علـى العساكـر
    إبراهيم بن أبي اأغلب من وجوه أهل بيته‏.‏ ثم زحف أبو عبد الله إلى باغاية
    ففتحها صلحا وهرب عاملها‏.‏ ثم سرب أبو عبد الله الجيوش فبلغت مجانة
    وأوقعوا بقبائل نفزة واستولوا على تيفاش‏.‏ وزحف ابن أبي الأغلب إلى تيفاش
    فمنعه أهلها وهزمـوا طلائعـه فافتتحهـا وقتـل مـن كـان بهـا‏.‏ ثـم خـرج
    أبـو عبـد اللـه الشيعـي فـي عساكر كتامة إلي باغايـة ثـم إلـى سكايـة ثـم
    إلـى سبيبـة ثـم إلى حمودة فاستولى على جميعها وأمن أهلها ورحل ابن أبـي
    الأغلـب مـن الأربـس‏.‏ ثـم سـار أبـو عبد الله إلى قسطيلة وقفصة فأمنهم
    ودخلوا في دعوته وانصرف إلى باغاية ثم إلى انكجان‏.‏ وزحف ابن أبي الأغلب
    إلى باغاية فقاتلها وامتنعت عليه ورجع إلى الأربـس‏.‏ ثـم زحـف أبـو عبـد
    اللـه إلـى الأربـس سنـة سـت وتسعيـن فـي جمـادى ومـر بشق بنارية وأمن
    أهلها إلى قمودة‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:37 pm

    الخبر عن ملوك بني أدفونش من الجلالقة ملوك الأندلس


    بعد الغوط ولعهد المسلمين وأخبار من والملوك لهذا العهد من النصرانية
    أربعة في أربعة من العمالات محيطة بعمالة المسلمين قد ظهر إعجاز الملة في
    مقامهم معهم وراء البحر بعدما استرجعوا من أيديهم ما نظمه الفتح الإسلامي
    أول الأمر‏.‏ وأعظم هؤلاء الملوك الأربعة‏:‏ قشتالة وعمالاته عظيمة متسعة
    مشتملة على أعمال جليقية كلها مثل قشتالة وغليسية‏.‏ والقرنتيرة وهي بسيط
    قرطبة وإشبيلية وطليطلة وجيان آخذة في جوف الجزيرة من المغرب إلى المشرق‏.‏
    ويليه من جانب الغرب ملك البرتغال وعمالته صغيرة وهي أشبونة ولا أدري نسبه
    فيمن هو من الأمم‏.‏ ويغلب على الظن أنه من أعقاب القواميس الذين تغلبوا
    على عمالات بني أدفونش في العصور الماضية كما نذكر بعد ولعله من أسباطهـم
    وأولـي نسبهـم واللـه أعلم‏.‏ ويلي ملك قشتالة هذا من جهة الشرق ملك نبرة
    وهو ملك البشكنس وعمالته صغيرة فاصلة بين عمالات قشتالة وعمالة ملك برشلونة
    وقاعدة ملك نبرة وهي مدينة ينبلونة‏.‏ وملك برشلونة وما وراءها‏.‏ ونحن
    الآن نذكر أخبار هذه الأمم من عهد الفتح بما يظهر لك منه تفصيل أخبارهم
    وذلك أن النصرانيـة لمـا تغلـب عليهـم المسلمون عند الفتح سنة تسعين مم
    الهجرة وقتلوا لزريق ملك الغوط وانساحوا في نواحي جزيرة الأندلس واجفلت أمم
    النصرانية كلها أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف وتجاوزوا الدروب وراء
    قشتالة واجتمعوا بجليقة وملكوا عليهم ثلاثة‏:‏ ابن ناقلة فأقـام ملكـا تسـع
    عشـرة سنة وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة وولي ابنه قافلة سنتين‏.‏ ثم هلك
    فولـوا عليهـم بعدهمـا أدفونـش بـن بطـرة وهـو الـذي اتصل ملكه في عقبه
    لهذا العهد‏.‏ ونسبهم في الجلالقة من العجم كما تقدم‏.‏ ويزعم ابن حيان
    أنهم ما أعقاب الغوط وعندي أن ذلك ليس بصحيـح فـإن أمـة الغـوط قـد دثـرت
    وغبـرت وهلكـت وقـل أن يرجـع أمـر بعد إدباره‏.‏ وإنما هو ملك مستجد في أمة
    أخرى والله أعلم‏.‏ فجمعهم أدفونش بن بطرة على حماية ما بقي من أرضهم بعـد
    أن ملـك المسلمـون عامتهـا‏.‏ وانتهـوا إلـى جليقة وأقصروا عن الفتح بعدها
    حتى فشلت الدولة الإسلامية بالأندلس وارتجع النصارى الكثير مما غلبوا
    عليه‏.‏ وكـان مهلـك أدفونش بن بطرة سنة اثنتين وأربعين ومائة لثمان عشرة
    سنة من ملكه وولي عده أنه فرويلة إحدى عشرة سنة قوي فيها سلطانه وقارنه
    فيها شغل عد الرحمن الداخل بتمهيد أمره فاسترجع مدينة بك وبرتغال وسمورة
    وسلمنقة وشقرنية وقشتالة بعد أن كانت انتظمت للمسلميـن فـي الفتـح‏.‏ وهلـك
    سنـة ثمـان وخمسيـن وولـي ابنـه شيلـون عشـرة سنيـن‏.‏ وهلـك سنـة ثمـان
    وستيـن فولـوا مكانـه أدفونـش منهـم ووثـب علـب سمـول مـاط فقتلـه وملـك
    مكانه سبع سنين‏.‏ وعلى عقب ذلك استفحل ملك عبد الرحمن بالأندلس وأغزى
    جيوشـه أرض جليقيـة ففتـح وغنـم وأسر‏.‏ ثم ولي منهم أدفونش آخر سنة اثنتين
    وخمسين وهلك سنة ثمان وستين فولوا مكانه قال ابن حيان‏:‏ كانت ولاية رذمير
    هذا عند ترهب أخيه أدفونش الملك قبله وذلك سنة تسع عشـرة وثلاثمائـة علـى
    عهـد الناصـر وتهيـأ للناصـر الظهـور عليه إلى أن كان التمحيص على المسلمين
    في غزوة الخندق وذلك سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وكانت الواقعة بالخندق
    وقريبا من مدينة شنـت ماكـس كمـا ذكـر فـي أخبـاره‏.‏ ثم هلك رذمير سنة تسع
    وثلاثين وولي أخوه شانجة وكان تياهاً معجباً بطالاً فانتقض سلطانه ووهن
    ملك قومه وانتزى عليه قوامس دولته فلم يتم لبني أدفونـش بعدهـا ملك مستبد
    في الجلالقة إلا من بعد أزمان الطوائف وملوكهم كما ذكرناه‏.‏ وكان اضطراب
    ملكهم كما نقل ابن حيان على يد فردلند بن عبد شلب قومس ألبة والقلاع فكان
    أعظم القوامس وهم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم فانتقض على شانجة البة
    وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة وورد شانجة على الناصر بقرطبة صريخا فأمده
    واستولى بذلك الإمـداد علـى سمورة فملكها وأنزل المسلمين بها واتصلت الحرب
    بين شانجة وبين فردلند إلى أن أسر فردلند في بعض أيام حروبهم وحصل في أسر
    ملك البشكنس على أن ينفذ إليه أسيره فردلنـد بـن عبـد شلـب قومـس البة
    والقلاع فأبى من ذلك وأطلقه‏.‏ ووفد على المنتصر أردون بن أدفونش المقارع
    لشانجة صريخا سنة إحدى وخمسين فأجابه وأنفذ غالباً مولاه في مدده‏.‏ ثم
    هلـك شانجة ملك بني أدفونش ببطليوس وقام بأمرهم بعده ابنه رذمير وهلك أيضا
    فردلند بن عبـد شلـب قومـس ألبـة وولي بعده ابنه غرسية ولقي رذمير المسلمين
    بالثغر في بعض صوائفهم وعظمـت نكايتـه بعـد مهلـك الحكـم المستنصـر إلـى
    أن قيض الله لهم منصور بن أبي عامر حاجب ابنـه هشـام فأثخـن فـي عمـل
    رذميـر وغـزاه مـراراً وحاصـره في سمورة ثم في ليون بعد أن زحف إلـى غرسيـة
    بـن فردلنـد صاحـب ألبـة وظاهـر معـه ملـك البشكنس فغلبهما‏.‏ ثم ظاهروا
    مع رذمير وزحفوا جميعاً للقائه بشنت ماكس فهزمهم واقتحمها عليهم وخربها‏.‏
    وتشاءم الجلالقة برذمير وخرج عليهم عمه بزمند بن أرذون وافترق أمرهم‏.‏ ثم
    رجع رذمير طاعـة المنصـور سنـة أربـع وسبعيـن وهلك على أثرها فأطاعت أمه
    واتفقت الجلالقة على بزمند بن أرذون وعقد له المنصور على سمورة والعيون وما
    اتصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر الأخضـر واشتـرط عليـه فقبـل‏.‏ ثـم
    امتعـض بزمنـد لمـا نـزل جلالقـة عيـث المنصـور سنـة ثمان وسبعين فافتتح
    حيون وحاصره في سمورة ففر عنها وأسلمها أهلها إلى المنصور فاستباحها ولم
    يبق لملك الجلالقة إلا حصون يسيرة بالجبل الحاجز بين بلدهم وبين البحر
    الأخضر‏.‏ ثـم اختلـف حـال بزمنـد في الطاعة والإنتقاض والمنصور يردد إليه
    الغزو حتى أذعن واخفر ذمته الخارج على المنصور فأسلمه إليه سنة خمس وثمانين
    وضرب عليه الجزية‏.‏ وأوطن المسلمين مدينة سمـورة سنـة تسـع وثمانيـن
    وولـي عليهـا أبـا الأحـوص معـن بـن عبـد العزيـز التجبـي‏.‏ ثـم سـار إلـى
    غرسيـة بـن فردلنـد صاحـب ألبـة وكان أعان المخالفين على المنصور وكان
    فيمن أعان عليه حين خرج عليه فنازل المنصور مدينة أشبونة قاعدة غليسية
    فملكها وخربها‏.‏ وهلك غرسية هذا فولي ابنه شانجة وضرب المنصور إليهم
    الجزية وصار أهل جليقة جميعاً في طاعته وكانوا كالعمـال لـه إلا بزمنـد بـن
    أرذون ومسـد بـن عبـد شلـب قومس غليسية فإنهما كانا أملك لأمرهما‏.‏ على
    أن مسداً بعث انته للمنصور سنة ثلاث وثمانين وصيرها جاريـة لـه فأعتقهـا
    وتزوجها‏.‏ ثـم انتقـض بزمنـد وغـزاه المنصـور فبلـغ شنـت ياقـب موضـع حـج
    النصرانيـة ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية وأصابها خالية فهدمها ونقل
    أبواها إلى قرطبة فجعلها في سمت الزيادة التي أضافهـا إلـى المسجـد
    الأعظـم‏.‏ ثـم تطـارح بزمنـذ بـن أرذون فـي السلـم وانفـذ ابنـه يلانـة
    مـع معـن بـن عبـد العزيـز صاحـب جليقـة فوصـل بـه إلـى قرطبـة وعقـد لـه
    السلـم وانصـرف إلـى أبيـه‏.‏ وألح المنصور على أرغومس من القوامس وكانوا
    في طرف جليقية بين سمورة وقشتالة وقاعدتهم شنـت بريـة فافتتحهـا سنـة خمـس
    وثمانيـن‏.‏ ثـم هلـك بزمنـد بـن أرذون ملـك بني أدفونش وولي ابنه أدفونش
    وهو صاحب بسيط غرسية واحتكما إلى عبد الملك بن المنصور فخرج أصبغ بن سلمـة
    قاضـي النصـارى للفصـل بينهمـا فقضـى بـه لمسـد بـن عبـد شلـب‏.‏ فلـم يـزل
    أدفونـش بزمنـد فـي كفالته إلى أن قتل غيلة سنة ثمان فاستبد أدفونش بأمره
    وطلب القواميس المقتدرين على أبيه وعلى من سلف من قومه برسوم الملك فحاز
    ذلك منهم لنفسه وبعث على نواحيهم من عنده وأذعنوا لـه وسقـط ذكرهـم فـي
    وقتـه مثـل بنـي أرغومـس وبنـي فردلنـد الذيـن قدمنـا ذكرهـم وقـد كـان
    قيامهم أيام شانجة بن رذمير من بني أدفونش كما قدمناه‏.‏ جمعهم أدفونش
    للقاء عبد الملك المظفر بن المنصور فظاهرهم ملك البشكنس ولقيهم بظاهر
    فلونية فهزموهـم وافتتـح الحصـن صلحاً‏.‏ ثم انقرض أمر المنصور وبنيه وجاءت
    الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فانتهز الفرصة في المسلميـن صاحـب
    ألبـة وهـو شانجـة بـن غرسيـة وصـار يظاهر الفرقة الخارجة على الأخرى إلى
    أن أدرك بعض الأمل وقتل ملك البشكنس سنة ست وأربعمائة وتغلب النصارى على ما
    كان عليـه بقشتالـة وجليقيـة‏.‏ ولـم يـزل أدفونـش ملكـاً علـى جليقيـة
    وأعمالهـا‏.‏ واتصـل الملـك في عقبة إلى أن كان شأن الطوائف‏.‏ تغلب
    المرابطون ملوك المغرب من لمتونة على ملوك الطوائف واستولوا على الأندلس
    وانقرض منها ملك العرب أجمع‏.‏ وفي تواريخ لمتونة وأخبارهم أن ملك قشتالة
    الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائـف سنـة خمسيـن وأربعمائـة هـو البيطبييـن
    ويظهر أنه كان متغلباً على شانجة بن ابرك الملك يومئذ من بني أدفونش وهو
    مذكور في أخبارهم وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند وغرسية ورذمير وولي
    أمرهم فردلند واحتوى على شنت برية وعلى كثير من عمل ابن الأفطس‏.‏ ثم هلك
    وخلف شانجة وغرسية والفنش فتنازعوا ثم خلص الملك لألفنش وعلى عهده مات
    الظاهر إسماعيل بن ذي النون سنة سبع وستين وأربعمائة وهو المستولي على
    طليطلة سنة ثمان وسبعين وهو يومئذ اعتزاز النصرانية بجزيرة الأندلس وكـان
    مـن بطارقتـه وقواميـس دولتـه البرهانـس فكـان يلقب الانبنذور ومعناه ملك
    الملوك‏.‏ وهو الذي لقي يوسف بن تاشفين بالزلاقة وكانت الدائرة عليه وذلك
    سنة إحدى وثمانين‏.‏ وحاصـر ابـن هـود فـي سرقسطـة وكـان ابـن عمـه رذميـر
    منازعاً له فزحف إلى طليطلة وحاصرها فامتنعت عليه وحاصر القسريلية وغرسية
    المرية والبرهانس مرسية وقسطون شاطبة وسرقسطـة‏.‏ ثـم استولـى علـى بلنسيـة
    سنـة تسـع وثمانيـن وارتجعها المرابطون من يده بعد أن غلبوا ملوك الطوائف
    على أمرهم‏.‏ ثم مات الفنش سنة إحدى وخمسمائة وقام بأمر الجلالقة زوجته
    وتزوجت رذمير ثم فارقته وتزوجت بعده قمطاً من أقماطها وجاءت منه بولد كانوا
    يسمونه السليطين وأوقع ابن رذمير بابـن هـود سنـة ثلـاث وخمسمائـة
    الواقعـة المشهـورة التـي استشهـد فيها‏.‏ وملك ابن رذمير سرقسطة وفـر
    عمـاد الدولـة وابنـه إلـى روطـة فأقـام إلـى أن استنزلـه السليطيـن ونقلـه
    إلـى قشتالـة‏.‏ ثـم كانـت بين رذميـر وأهل قشتالة حرب هلك فيها البرهانس
    سنة سبع وخمسمائة وذلك لآخر أيام المرابطون بلمتونـة‏.‏ ثـم انقـرض أمرهـم
    علـى يـد الموحديـن‏.‏ وكان أمر النصارى لعهد المنصور يعقوب ابن أمير
    المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائرا بين ثلاثة من ملوكهـم الفنـش
    والبيبـوح وابـن الرنـد وكبيرهـم الفنـش وهـو أميرهـم يـوم الـأرك الـذي
    كـان للمنصـور عليهـم سنـة إحدى وتسعين وخمسمائة والبيبوح صاحب ليون هو
    الذي مكـر بالناصـر عـام العقـاب فداخلـه وقـدم عليـه وأظهـر لـه التنصيـح
    فبذل له أموالا‏.‏ ثم غدر به وكر عليه الهزيمة يوم العقاب‏.‏ ثم هلك الناصر
    وولـي المستنصـر وفشـل ريـح بنـي عبـد المؤمـن واستولـى الفنش على جميع ما
    افتتحه المسلمون من معاقـل الأندلـس وارتجعهـا‏.‏ ثـم هلك الفنش وولي ابنه
    هراندة وكان أحول وكان يلقب بذلك وهو الـذي ارتجـع قرطبـة وإشبيليـة من
    أيدي بني هود وعلى عهده زحف ملك أرغون فارتجع شرق الأندلس كلـه شاطبـة
    ودانيـة وبلنسيـة وسرقسطـة وسائـر الثغـور والقواعـد الشرقيـة‏.‏ وانحـاز
    المسلمون إلى سيف البحر وملكوا عليهم ابن الأحمر بعد ولايه ابن هود‏.‏ ثـم
    هلـك هرانـدة وولـي ابنـه ثـم هلك ابنه وولي ابنه هراندة وأجاز بنو مرين
    إلى الأندلس صريخاً لابن الأحمر وسلطانهم يومئذ يعقوب بن عبد الحق فلقيته
    جموع النصرانية بوادلك وعليهم ذنبة من أقباط بني أدفونش وزعمائهم فهزمهم
    يعقوب بن عبد الحق وبقيت فتن متصلة ولم يلقه يعقـوب وإنما كان يغزو بلادهم
    ويكثر فيها العيث إلى أن ألقوه بالسلم وخالف على هراندة ملك قشتالـة هـذا
    ابنـه شانجة فوفد هراندة على يعقوب بن عبد الحق صريخاً وقبل يده فقبل
    وفادته وأمـده بالمـال والجيـش ورهـن فـي المـال التـاج المعـروف مـن
    ذخائـر سلفهـم فلـم يـزل بـدار بنـي عبـد الحـق من بني مرين لهذا العهد‏.‏
    ثم هلك هراندة ثلاث وثمانين واستقل ابنه شانجة بالملك ووفد على يوسف بن
    يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب وعقد معه السلم‏.‏ ثم انتقض
    وحاصر طريف وملكها وهلك سنة ثلاث وتسعين فولي ابنـه هرانـدة‏.‏ ثـم هلـك
    سنـة اثنتـي عشـرة وسبعمائـة فولـي ابنـه بطـرة صغيـرا وكفلـه عمـه جران
    وكان نزلها جميعاً على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة
    فولـي ابنـه الهنشـة بـن بطرة صغيرا وكفله زعماء دولتهم‏.‏ ثم استبد بأمره
    وزحف إلى السلطان أبي الحسن وهو محاصر لطريف سنة إحدى وخمسين فهلك في
    الطاعون الجارف وملك ابنه بطرة وقرابته القمط برشلونة فأجاره ملكها وزحف
    إليه بطرة مرارا وتغلـب علـى كثيـر مـن أعماله‏.‏ وحاصر بلنسية مـراراً‏.‏
    ثـم أتيـح الغلـب للقمـط سنـة ثمـان وسبعيـن وسبعمائـة فاستولـى علـى بلاد
    قشتالة‏.‏ وزحفت إليه أمم النصرانية لما كانوا سئموا من عنف بطرة وسوء
    ملكته ولحق بطرة باسم الفرنجة الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية
    وفرطانية إلى سيف البحر الأخضـر وجزيـرة قـدوح شنـت مزيـن ملكهم الأعظم وهو
    البلنس غالس‏.‏ وجاء معه مدداً بأمم لا تحصـى حتـى ملـك قشتالـة
    والقرنتيرة ورجعوا عنه إلى بلادهم بعد أن أصابهم وباء هلك الكثير منهم‏.‏
    ثـم اتصلـت الحـرب بيـن بطـرة وأخيـه القمـط إلى أن غلبه القمط واعتصم منه
    بطرة ببعض الحصون ونازله القمط حتى إذا أشرف على أخذه بعث بطرة إلى بعض
    الزعماء سراً لنيل النزول في جـواره فأجابـه ووشـى بـه لأخيـه القمـط
    فكسبـه في بيت ذلك الزعيم وقتله سنة إثنتين وسبعين وسبعمائة‏.‏ واستولى على
    ملك بني أدفونش أجمع واستنزل ابن أخيه بطرة من قرمونة‏.‏ وقد كان اعتصم
    بها بعد مهلك أبيه مع وزيره مرتين لبس هو‏.‏ واستقام لـه ملـك قشتالـة
    ونازعـه البلنـس غالـس ملـك الأفرنجة بالابن الذي هو من بنت بطرة على عادة
    العجم في تمليك ابـن البنـت محتجا بأن القمط لم يكن لرشدة‏.‏ واتصلت الحرب
    بينهما وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعـوا مـن الجزيـة التـي كانـت عليهـم
    لمن قبله‏.‏ وهلك هذا القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فملـك ابنـه شانجـة
    وفـر ابنـه الآخـر غرمـس إلى غرناطة‏.‏ ثم رجع إلى نواحي قشتالة والأمر على
    ذلك لهذا العهد وفتنتهم مع الفنش ملك الفرنج موصولة وعاديتهم لذلك عن
    المسلمين مرفوعة والله من ورائهم محيط‏.‏ وأمـا ملـك البرتغـال بجهـة
    أشبونـة غـرب الأندلـس ومملكته صغيرة وهي من أعمال جليقية وصاحبها لهذا
    العهد متميز بسمته‏.‏ وملكه مشارك لابن أدفونش في نسبه‏.‏ ولا أدري كيف
    يتصل نسبه معهم‏.‏ وأما ملك برشلونة بجهة شرق الأندلس فعمالتهم واسعـة
    ومملكتهـم كبيـرة تشتمـل علـى برشلونـة بجهـة وارغون وشاطبة وسرقسطة
    وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وبنورقة ونسبهم في الفرنج وسياق الخبر عن
    ملكهم ما نقل ابن حبان أن الغوط الذين كانوا بالأندلس كانوا قديماً في ملك
    الفرنج ثم اعتزموا عليهم وامتنعوا ونبذوا إليهم عهدهم‏.‏ وكانت برشلونة من
    مماليك الفرنج وعمالاتهم فلما جاء الله بالإسلـام وكـان الفتـح قعـد
    الفرنـج عن نصر الغوط لتلك العداوة فلما انقضى أمر الغوط زحف المسلمون إلى
    الفرنج فأزعجوهم عن برشلونة وملكوها‏.‏ ثم تجاوزوا الحروب من ورائها إلى
    البسائط بالبر الكبير فملكوا من قواعدها جزيرة أربونة وما إليها من تلك
    البسائط‏.‏ ثم كانت فترة عند انقراض الدولة الأموية بالمشرق وبداية الدولة
    العباسية افتتن فيها العرب بالأندلس وانتهز الفرنج فرصتهم فارتجعوا بلادهم
    إلى برشلونة فملكوها لهذا العهد مائتين من الهجرة وولوا عليهم من قبلهم
    وصار أمرها راجعا إلى ملك رومة من الفرنجـة و هـو قارلـه الأكبر وكان من
    الجبابرة‏.‏ ثم ركبهم من الخلاف والمنافسة في أوقات ضعفهم واختلاف ملوكهم
    كالذي ركبه المسلمون من ضعفت يده من الملوك فاقتطع الأمراء نواحيهم بكل جهة
    فكان ملوك برشلونة هؤلاء ممن اقتطع عمله وكان ملوك بني أمية لأول دولتهم
    يتراضون بمهادنة هؤلاء الملوك أهل برشلونة حذراً من مدد صاحب رومة ثم صاحب
    القسطنطينية من ورائه‏.‏ فلما كانت دولة المنصور بن أبي عامر بين قطاع
    برشلونة عن ملك الفرنج شمر المنصور لغزوهم واستباح بلادهم وأثخن في أعمالهم
    وافتتح برشلونة وخربها وانزل بهم النقمات‏.‏ وملكهم لعهده بردويل بن سير
    وكانت حالة الظهور عليه كحاله مع سائر الملوك النصارى‏.‏ ولما هلك بردويل
    ترك من الولد فلبة وريند وأومنقود‏.‏ ثم انتقض أومنقود على عبد الملك بن
    المنصور فغـزاه وأخـذه فـي بعـض ثغـوره صلحـاً‏.‏ ثـم كانـت الفتنـة
    البربريـة وحضرهـا أومنقـود فهلـك فـي الوقعة مع البربر سنة أربعمائة
    وانفرد بيمند بملك برشلونة إلى أن هلك بعد عشر وأربعمائة وملـك ابنـه
    يلتنفيـر وكفلتـه أمه وحاربت يحيى بن منذ من ملوك الطوائف وهي التي تغلبت
    على ثغـر طرشوشـة واتصـل الملـك في عقب بيمند‏.‏ وكان الملك منهم لآخر دولة
    الموحدين جامعة بن بطـرة بـن أدفونـش بـن ريند وهو الذي ارتجع بلنسية
    وملكهم بهذا العهد اسمه بطرة‏.‏ ولم يبلغني كيـف اتصال نسبه بقومه‏.‏ وملك
    بعد العشرين من هذه المائة وهو حي لهذا العهد وابنه غالب عليه لكبر سنه‏.‏
    والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار القائمين بالدولة العباسية من العرب المستبدين بالنواحي


    ونبدأ منهم ببني الأغلب ولاة إفريقية وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم قـد
    ذكرنـا فـي خلافـة عثمـان بـن عفـان رضـي اللـه عنـه شـأن فتـح إفريقيـة
    علـى يـد عبـد الله بن أبي سـرح وكيـف زحـف إليهـا فـي عشريـن ألفا من
    الصحابة وكبار العرب ففض جموع النصرانية الذين كانوا بها من الفرنجة والروم
    والبربر وهدم سبيطلة قاعدة ملكهم وخربها واستبيحت أموالهم وسبيت نساؤهم
    وبناتهم وأفترق أمرهم وساخت خيول العرب في جهات إفريقية وأثخنوا بها فـي
    أهـل الكفـر قتـلا وأسـراً حتـى لقـد طلـب أهـل إفريقيـة مـن ابـن أبي سرح
    أن يرحل عنهم بالعرب إلى بلادهم ويعطوه ثلاثمائة قنطار من الذهب ففعل وقفل
    إلى مصر سنة سبع وعشرين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up معاوية بن خديج


    ثم أغزى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن خديج السكوني إفريقية سنة أربع
    وثلاثين وكان عاملا على مصر فغزاها ونازل جلولاء وقاتل مدد الروم الذي
    جاءها من قسطنطينية لقيهم بقصر الأحمر فغلبهم وأقلعوا إلى بلادهم وافتتح
    جلولاء وغنم وأثخن وقفل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عقبة بن نافع


    ثم ولى معاوية سنة خمس وأربعين عقبة بن نافع بن عبد الله بن قيس الفهري
    على إفريقية واقتطعها عن معاوية بن خديج فبنى القيروان وقاتل البربر وتوغل
    في أرضهم‏.‏ أبو المهاجر ثم استعمل معاوية على مصر وإفريقية مسلمة بن مخلد
    فعزل عقبة عن إفريقية وولى مولاه أبا المهاجر دينارا سنة خمس وخمسين فغزا
    المغرب وبلغ إلى تلمسان وخرب قيروان عقبة وأساء عزله وأسلم على يديه كسيله
    الأوربي بعد حرب ظفر به فيها‏.‏ عقبة بن نافع ثانيا ولما استقل يزيد بن
    معاوية بالخلافة رجع عقبة بن نافع إلى إفريقية سنة اثنتين وستين فدخل
    إفريقيـة وقـد نشـأت الـردة في البرابرة فزحف إليهم وجعل مقدمته زهير بن
    قيس البلوي وفر منه الروم والفرنجة فقاتلهم وفتح حصونهم مثل لميس وباغاية
    وفتح أذنة قاعدة الزاب بعد أن قاتله ملوكهـا مـن البربـر فهزمهم وأصاب من
    غنائمهم وحبس أبا المهاجر فلم يزل في اعتقاله‏.‏ ثم رحل إلى طنجة فأطاعه
    بلبان ملك غمارة وصاحب طنجة وهاداه وأتحفه ودله على بلاد البربر وراءه
    بالمغرب مثل وليلى عند زرهون وبلاد المصامدة وبلاد السوس وكانوا على دين
    المجوسيـة ولـم يدينـوا بالنصرانيـة فسـار عقبـة وفتـح وغنم وسبى وأثخن
    فيهم وانتهى إلى السوس‏.‏ وقاتل مسوفة من أهل اللثام وراء السوس ووقف على
    البحر المحيط وقفل راجعا وأذن لجيوشه في اللحاق بالقيروان‏.‏ وكان كسيلة
    ملك أروبة والبرانس من البربر قد اضطغن عليه بما كان يعامله به من الاحتصار
    يقال إنه كان يحاصره في كل يوم ويأمره بسلـخ الغنـم إذا ذبحـت لمطبخـه
    فانتهـز فيـه الفرصـة وأرسـل البربـر فاعترضـوا لـه فـي تهـودا وقتلوه في
    ثلاثمائة من كبار الصحابة والتابعين واستشهدوا كلهـم‏.‏ وأسر في تلك الوقعة
    محمد ابن أوس الأنصاري في نفر فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان مع
    من كان بها من المخلفين والفراري‏.‏ ورجع زهير بن قيس إلى القيروان واعتزم
    على القتال وخالفه حنش بـن عبـد اللـه الصنعانـي وارتحـل إلـى مصـر واتبعـه
    النـاس فاضطـر زهيـر إلـى الخـروج معهـم وانتهـى إلـى برقـة فأقـام بهـا
    مرابطاً واستأمن من كان بالقيروان إلى كسيلة فأمنهم ودخل القيروان وأقاموا
    في عهده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up زهير بن قيس البلوي


    ولمـا ولـي عبـد الملـك بـن مـروان بعـث إلـى زهيـر بـن قيـس مكانـه من
    برقة بالمدد وولاه حرب البرابرة فزحف سنة سبع وستين ودخل إفريقية ولقيه
    كسيلة على ميس من نواحي القيروان فهزمه زهيـر بعـد حـروب صعبـة وقتلـه
    واستلحـم فـي الوقعـة كثيـر مـن أشراف البربر ورجالاتهم‏.‏ ثم قفل زهير إلى
    المشرق زاهدا في الملك وقال‏:‏ إنما جئت للجهاد وأخاف أن نفسي تميل إلى
    الدنيا وسار إلى مصر واعترضه بسواحل برقة أسطول صاحب قسطنطينية جاؤوا
    لقتاله فقاتلهم واستشهد رحمه الله تعالى‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up حسان بن النعمان الغساني


    ثـم أن عبـد الملـك بـن مـروان بعـد أن قتـل عبـد اللـه بـن الزبير وصفا
    له الأمر أمر حسان بن النعمان الغساني بغزو إفريقية وأمده بالعساكر ودخل
    القيروان وافتتح قرطاجنة عنوة وخربها وفر من كان بها من الروم والفرنجة إلى
    صقلية والأندلس ثم اجتمعوا في صطفورة وبنزرت وهزمهم ثانيـة‏.‏ وانحـاز
    الفـل إلـى باجـة وبونـة فتحصنـوا بهـا‏.‏ ثـم سـار حسـان إلـى الكاهنـة
    ملكة جرارة بجبل أوراس وهي يومئذ أعظم ملوك البربر فحاربها وانهزم المسلمون
    وأسر منهم جماعة‏.‏ وأطلقتهم الكاهنة سوى خالد بن يزيد القيسي فإنها
    أمسكته وأرضعته مع ولديها وصيرته أخا لهما‏.‏ وأخرجـت العـرب من إفريقية
    وانتهى حسان إلى برقة وجاءه كتاب عبد الملك بالمقام حتى يأتيه المـدد‏.‏
    ثـم بعـث إليـه المـدد سنـة أربـع وسبعيـن فسـار إلـى إفريقيـة ودس إلـى
    خالد بن يزيد يستعمله فأطلعه على خبرهم واستحثه فلقي الكاهنة وقتلها وملك
    جبل أوراس وما إليه ودوخ نواحيه وانصرف إلى القيروان وأمن البربر وكتب
    الخراج عليهم وعلى من معهم من الروم والفرنج على أن يكون معه اثنا عشر ألفا
    من البربر لا يفارقونه في مواطن جهاده ورجع إلـى عبـد الملـك واستخلف على
    إفريقية رجلا اسمه صالح من جنده‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up موسى بن نصير


    ولمـا ولـي الوليـد بـن عبـد الملـك كتـب إلـى عمـه عبـد الله وهو على
    مصر - ويقال عبد العزيز - أن يبعث بموسى بن نصير إلى إفريقية وكان أبوه
    نصير من حرس معاوية فبعثه عبد الله وقدم القيروان وبها صالح خليفة حسان
    فعقد له ورأى البربر قد طمعوا في البلاد فوجه البعوث في النواحـي وبعـث
    ابنـه عبـد اللـه فـي البحـر إلـى جزيـرة ميورقـة فغنـم منهـا وسبـى
    وعاد‏.‏ ثم بعثه إلى ناحيـة أخـرى وابنـه مـروان كذلـك وتوجـه هـو إلـى
    ناحية فغنم منها وسبى‏.‏ وعاد وبلغ الخمس من المغنم سبعين ألف رأس من
    السبي‏.‏ ثم غزا طنجة له وافتتح درعة لسلطانه ودولته وأخذ رهائـن المصامـدة
    وأنزلهـم بطنجـة وذلك سنة ثمان وثمانين وولى عليها طارق بن زياد الليثي‏.‏
    ثم أجـاز طـارق إلـى الأندلـس دعـاه إليهـا بلبـان ملـك غمارة فكان فتح
    الأندلس سنة تسعين‏.‏ وأجاز موسـى بـن نصيـر علـى أتـره فكمـل فتحهـا كمـا
    ذكرنـاه‏.‏ ثـم قفل موسى إلى الشرق واستخلف على إفريقية ابنه عبد الله وعلى
    الأندلـس عبـد العزيـز وهلـك الوليـد وولـي سليمـان سنـة سـت وتسعين فسخط
    موسى وحبسه‏.‏ محمد بن يزيد ولما ولي سليمان وحبس موسى بن نصير عن ابنه عبد
    الله عن إفريقية ولى مكانه محمداً بن يزيد مولى قريش فلم يزل عليها حتى
    مات سليمان‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up إسماعيل بن أبي المهاجر


    ولما مات سليمان استعمل عمر بن عبد العزيز على إفريقية إسماعيل بن عبد
    الله بن أبي المهاجر وكان حسن السيرة وأسلم جميع البربر في أيامه‏.‏ يزيد
    بن أبي مسلم ولما تولى يزيد بن عبد الملك ولي على إفريقية يزيد بن أبي مسلم
    مولى الحجاج وكاتبه فقدم سنة إحدى ومائة وأساء السيرة في البربر ووضع
    الجزية على من أسلم من أهل الذمة منهم تأسيـا بمـا فعلـه الحجـاج بالعـراق
    فقتلـه البربـر لشهـر مـن ولايتـه‏.‏ ورجعـوا إلى محمد بن يزيد مولى من
    الأنصـار الذيـن كـان عليهـم قبـل إسماعيل وكتبوا إلى يزيد بالطاعة والعذر
    عن قتل ابن أبي مسلم بشر بن صفوان الكلبي‏:‏ ثم ولى يزيد على إفريقية بشر
    بن صفوان الكلبي فقدمها سنة ثلاث ومائة فمهدها وسكن أرجاءها وغزا بنفسه
    صقلية سنة تسع وهلك مرجعه عنها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عبيدة بن عبد الرحمن


    ثم عزل هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان عن إفريقية وولى مكانه عبيدة بن
    عبد الرحمن السلمي وهو ابن أخي أبي الأعور فقدمها سنة عشر‏.‏ عبيدة الله بن
    الحبحاب ثـم عـزل هشـام عبيـدة بـن عبـد الرحمـن وولـى مكانـه عبيـد اللـه
    بن الحبحاب مولى بني سلول وكان والياً على مصر فأمره أن يمضي إلى إفريقية
    واستخلف على مصر ابنه أبا القاسم وسار إلى إفريقية فقدمها سنة أربع عشرة
    وبنى جامع تونس واتخذ لهـا دار الصناعـة لإنشـاء المراكـب البحرية‏.‏ وبعث
    إلى طنجة ابنه إسماعيل وجعل معه عمر بن عبيد الله المرادي‏.‏ وبعث على
    الأندلـس عقبـة بـن حجـاج القيسـي‏.‏ وبعث حبيب بن عبيدة بن عقبة بن نافع
    غازيا إلى المغرب فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان وأصاب من مغانم الذهب
    والفضة والسبي كثيرا ودوخ بلـاد المغـرب وقبائـل البربـر ورجـع‏.‏ ثـم
    أغـزاه ثانيـة فـي البحـر إلى صقلية سنة اثنتين وعشرين ومعه عبد الرحمن بن
    حبيب فنازل سرقوسة أعظم مدائن صقلية وضرب عليهم الجزية وأثخن في سائـر
    الجزيـرة‏.‏ وكان محمد بن عبيد الله بطنجة قد أساء السيرة في البربر وأراد
    أن يخمس من أسلم منهم وزعم أنه الفيء فأجمعوا الانتقاض وبلغهم مسير العساكر
    مع حبيب بن أبي عبيدة إلـى صقليـة فسـار ميسرة المظفري بدعوة الصفرية من
    الخوارج وزحف إلى طنجة فقتل عمر بن عبيـد الله وملكها واتبعه البربر
    وبايعوه بالخلافة وخاطبوه بأمير المؤمنين وفشت مقالته في سائر القبائـل
    بإفريقيـة‏.‏ وبعث ابن الحبحاب إليه خالد بن حبيب الفهري فيمن بقي معه من
    العساكر‏.‏ واستقدم حبيب بن أبي عبيدة من صقلية ومن معه من العساكر وبعثه
    في أثر خالد ولقيهم ميسـرة والبربـر بناحية طنجة فاقتتلا قتالا شديداً‏.‏
    ثم تحاجزوا ورجع ميسرة إلى طنجة فكره البربر سوء سيرته فقتلوه وولوا عليهم
    مكانه خالد بن حبيب الزناتي‏.‏ واجتمع إليه البربر ولقيه خالـد ابن حبيب في
    العرب وعساكر هشام فانهزموا وقتل خالد بن حبيب وجماعة من العرب وسميـت
    بهـم غـزوة الأشـراف وانتقضـت إفريقية على ابن الحبحاب وبلغ الخبر إلى
    الأندلس فعزلوا عامله عقبة بن الحجاج وولوا عبد الملك بن قطن كما مر‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up كلثوم في عياض


    ولمـا انتهـى الخبـر إلـى هشام بن عبد الملك بهزيمة العساكر بالمغرب
    إستنقص ابن الحبحاب وكتب إليـه يستقدمـه وولـى علـى إفريقيـة سنـة ثلـاث
    وعشريـن كلثوم بن عياض وعلى مقدمته بلخ بن بشر القشيـري فأسـاء إلـى أهل
    القيروان فشكوا إلى حبيب بن أبي عبيدة وهو بتلمسان موافق للبربر فكتب إلى
    كلثوم بن عياض ينهاه ويتهدده فاعتذر وأغضى له عنها ثم سار واستخلف على
    القيروان عبد الرحمن بن عقبة ومر على طريق سبيبة وانتهى إلى تلمسان ولقي
    حبيب بن عبيـدة واقتتـلا ثم اتفقا ورجعا جميعاً‏.‏ وزحف البرابرة إليهم على
    وادي طنجة وهو وادي سوا فانهزم بلخ في الطلائع وانتهوا إلى كلثوم فانكشف
    واشتد القتال‏.‏ وقتل كلثوم وحبيب بن أبي عبيـدة وكثيـر مـن الجنـد‏.‏
    وتحيـز أهـل الشـام إلـى سبتـة مـع بلخ بن بشر فحاصرهم البرابرة وأرسلوا
    إلـى عبـد الملـك بـن قطـن أميـر الأندلـس فـي أن يجيـزوا إليـه فأجابهم
    إلى ذلك بشرط أن يقيموا سنة واحدة‏.‏ وأخذ رهنهم على ذلك وانقضت السنة
    وطالبهم بالشرط فقتلوه وملك بلخ الأندلس‏.‏ وكـان عبـد الرحمـن بـن حبيـب
    بـن عبيـدة بـن عقبـة بـن نافع لما قتل أبوه حبيب مع كلثوم بن عياض وأجاز
    بلخ إلى الأندلس فملكها فأجاز عبد الرحمن إلى الأندلس يحاول ملكها‏.‏ فلما
    جاء أبو الخطار إلى الأندلس من قبل حنظلة أيس عبد الرحمن من أمرها ورجع إلى
    تونس سنة ست وعشرين وقد توفي هشام وولي الوليد بن يزيد فدعا لنفسه وسار
    إلى القيروان ومنع حنظلة من قتاله وبعث إليه وجوه الجند فانتهز عبد الرحمن
    الفرصة فيهم وأوثقهم لئلا يقاتله أصحابهم وأغذ السير إلى القيروان فرحل
    حنظلة من إفريقية وقفل إلى المشرق سنة سبع وعشرين‏.‏ واستقل عبد الرحمن
    بملك إفريقية وولى مروان بن محمد فكتب له بولايتها ثم ثـارت عليـه الخوارج
    في كل جهة فكان عمر بن عطاب الأزدي بطبنياش وعروة بن الوليد الصفري بتونس
    وثابت الصنهاجي بباجة وعبد الجبار بن الحارث بطرابلس على رأي الاباضية فزحف
    عبد الرحمن إليهما سنة إحدى وثلاثين فظفر بهما وقتلهما وسرح أخاه إلياس
    لابن عطاب فهزمه وقتله‏.‏ ثم زحف إلى عروة بتونس فقتله وانقطع أمر
    الخوارج‏.‏ وزحف سنة خمس وثلاثين إلى جموع من البربر بنواحي تلمسان فظفر
    بهم وقفل‏.‏ ثم بعث جيشاً فـي البحـر إلـى صقليـة وآخـر إلـى سردانيـة
    فأثخنـوا فـي أمـم الفرنـج حتـى استقـروا بالجـزاء‏.‏ ثـم دالـت دولـة بنـي
    العبـاس وبعـث عبـد الرحمـن بطاعتـه إلـى السفـاح ثـم إلـى أبـي جعفـر مـن
    بعد‏.‏ ولحق كثير من بني أمية إلى إفريقية‏.‏ وكان ممن قدم عليه القاضي
    وعبد المؤمن ابنا الوليد بن يزيد ومعهمـا ابنـة عـم لهمـا فزوجهـا عبـد
    الرحمـن مـن أخيـه إليـاس‏.‏ ثـم بلـغ عبـد الرحمـن عنهما السعي في الخلافة
    فقتلهما وامتعضت لذلك ابنه عمهما فأغرت زوجها بأخيه عبد الرحمن
    واستفسدته‏.‏ وكان عبد الرحمن قد أرسل إلى أبي جعفر بهدية قليلة وذهب يعتذر
    عنها فلم يحسن العذر وأفحش في الخطاب فكتب إليه المنصور يتهدده وبعث إليه
    بالخلعة فانتقض هو ومزق خلعته علـى المنبـر فوجـد أخـوه اليـاس بذلـك
    السبيـل إلـى مـا كـان يحـاول عليـه وداخل وجوها من الجند في الفتك بعبد
    الرحمن وإعادة الدعوة للمنصور ومالأه في ذلك أخوه عبد الـوارث وفطـن عبـد
    الرحمـن لهمـا فأمـر اليـاس بالمسيـر إلى تونس وجاء ليودعه ومعه أخوه عبد
    الوارث فقتلاه في آخر سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته‏.‏ حبيب بن عبد
    الرحمن ولمـا قتـل عبـد الرحمن نجا ابنه حبيب إلى تونس فلحق به بعد أن
    طلبوه وضبطوا أبواب القصر ليأخذوه فلم يظفروا به‏.‏ وكان عمه عمران بن حبيب
    بتونس فلحق به واتبعه الياس فاقتتلوا ملياً ثم اصطلحوا على أن يكون لحبيب
    قفصة وقصطيلة ونغراوة ولعمران تونس وصطغـورة وهـي تبـرزو والجزيـرة
    ولإليـاس سائر إفريقية‏.‏ وتم هذا الصلح سنة ثمان وثلاثين‏.‏ وسار حبيب
    إلـى عملـه ببلـاد الجريـد وسار إلياس مع أخيه عمران إلى تونس فغدر بعمران
    وقتله وجماعة من الأشراف معه وعاد إلى القيروان‏.‏ وبعث بطاعته إلى أبي
    جعفر المنصور مع عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضي إفريقية‏.‏ ثم سار حبيب
    إلى تونس فملكهـا وجـاءه عمـه اليـاس فقاتلـه وخالفـه حبيـب إلـى القيـروان
    فدخلهـا وفتـق السجـون فرجـع اليـاس فـي طلبـه وفارقه أكثر أصحابه إلى
    حبيب فلما تواقفا دعاه حبيب إلى البراز فتبارزا وقتله حبيب ودخل القيروان
    وملكها آخر سنة ثمان وثلاثين ونجا عمه الأخر عبد الوارث إلى وربجومة من
    قبائل البربر وكبيرهم يومئذ عاصم بن جميل وكان كاهنا ويدعي النبوة فأجار
    عبد الوارث وقاتلهم حبيب فهزموه إلى قابس‏.‏ واستفحل أمرهم وكتب من كان
    بالقيروان من العرب إلى عاصم بن جميل يدعونه للولاية عليهم واستخلفوه على
    الحمايـة والدعـاء للمنصـور فلـم يجـب إلـى ذلـك وقاتلهـم فهزمهم واستباح
    القيروان وضرب المساجد واستهانها‏.‏ ثم سار إلى حبيب بن عبد الرحمن بقابس
    فقاتله وهزمه ولحق حبيب بجبل أوراس فأجاره أهله وجاء عاصم فقاتلهم فهزموه
    وقتل جماعة من أصحابه‏.‏ وقام بأمر وربجومة والقيروان من بعده عبد الملك
    وقتله سنة أربعين ومائة‏.‏ وكانت إمارة الياس على إفريقية سنة ونصفا وإمارة
    حبيب ثلاث سنين‏.‏ عبد الملك بن أبي الجعد الوربجومي ولمـا قتـل عبـد
    الملـك بـن أبـي الجعـد حبيب بن عبد الرحمن رجع في قبائل وربجومة إلى
    القيروان وملكها واستولت وربجومة على إفريقية وساروا في أهل القيروان
    بالعسف والظلم كما كان عاصـم وأسـوأ منـه‏.‏ وافتـرق أهـل القيـروان
    بالنواحـي فـرارا بأنفسهـم وشـاع خبرهـم فـي الآفـاق فخـرج بنواحي طرابلس
    عبد الأعلـى بـن السمـح المغافـري الاباضـي منكـرا لذلـك وقصـد طرابلـس عبد
    الأعلى أبو السمح المغافري ولما ملك عبد الأعلى مدينة طرابلس بعث عبد
    الملك بن أبي الجعد العساكر لقتالـه سنـة إحدى وأربعين فلقيهم أبو الخطاب
    وهزمهم وأثخن فيهم واتبعهم إلى القيروان فملكها وأخرج وربجومة منها واستخلف
    عليها عبد الرحمن بن رستـم وسـار إلـى طرابلـس للقـاء العساكـر القاعدة من
    ناحية أبي جعفر‏.‏ محمد بن الأشعث الخزاعي كان أبو جعفر المنصور لما وقع
    بإفريقية ما وقع من الفتنة وملك قبائل وربجومة القيروان وفد عليه زجالات من
    جند إفريقية يشكون ما نزل بهم من وربجومة ويستصرخونه فولى على مصر
    وإفريقية محمد بن الأشعث الخزاعي فنزل مصر وبعث على إفريقية أبا الأحـوص
    عمـرو بـن الأحوص العجلي‏.‏ وسار في مقدمته فلقيه أبو الخطاب عبد الأعلى
    بسرت ودهمه بالعساكر ومعهـم الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن سوادة
    التميمي فسار لذلك ولقي أبا الخطاب بسرت ثانية فانهزم أبو الخطاب وقتل عامة
    أصحابه وذلك سنة أربع وأربعين‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى عبـد الرحمن بن رستم
    بالقيروان ففر عنها إلى تاهرت وبنى هنالك مدينة ونزلها وقام ابن الأشعث
    فافتتح طرابلس واستعمل عليها المخارق غفاراً الطائي وقام بأمر إفريقية
    وضبطهـا‏.‏ وولـى علـى طبنـة والـزاب الأغلـب بـن سالـم‏.‏ ثـم ثـارت عليـه
    المضريـة وأخرجـوه سنـة ثمـان وأربعيـن فقفـل إلـى المشـرق الأغلـب بـن
    سالـم‏.‏ ولمـا قفـل بـن الأشعـث إلـى المشرق ولى على المضرية عيسى بن موسى
    الخراساني فبعث أبو جعفر المنصور الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة
    التميمـي بعـده علـى إفريقيـة وكـان من أصحاب أبي مسلم بخراسان‏.‏ وقدم مع
    ابن الأشعث فولاه علـى الـزاب وطبنـة فقـدم القيروان وسكن الناس‏.‏ ثم خرج
    عليه أبو قرة اليفرني في جموع البربر فهـرب وسكـن فأبى عليه الجند
    وخلعوه‏.‏ وكان الحسن بن حرب الكندي بقابس فكاتب الجند وثبطهـم عن الأغلب
    فلحقوا به وأقبل بهم إلى القيروان فملكها ولحق الأغلب بقابس‏.‏ ثم رجع إلى
    إقبال الحسن بن حرب سنة خمسين فهزمه وسار إلى القيروان فكر عليه الحسن
    دونها واقتتلوا وأصاب الأغلب سهم فقتله‏.‏ وقدم أصحابه عليهم المغافر بن
    غفار الطائي الذي كان علـى طرابلـس وحملـوا علـى الحسن فانهزم أمامهم إلى
    تونس‏:‏ ثم لحق بكتامة وخيل المخارق في أتباعه‏.‏ ثم رجع إلى تونس بعد
    شهرين فقتله الجند وقيل أصحاب الأغلب قتلوه في الموقف الذي قتل فيه الأغلب
    وقام بأمر إفريقية المخارق بن غفار إلى أن كان ما نذكره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up عمر بن هزار مرد


    ولـم بلـغ أبـا جعفـر المنصور قتل الأغلب بن سالم بعث على إفريقية مكانه
    عمر بن حفص هزار مـرد من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب فقدمها سنة
    إحدى وخمسين فاستقامت أموره ثلـاث سنيـن‏.‏ ثـم سـار لبنـاء السـور علـى
    مدينة طبنة واستخلف على القيروان أبا حازم حبيب بن حبيب المهدي فلما توجه
    لذلك ثار البربر بإفريقية وغلبوا على من كان بها وزحفوا إلى القيـروان
    وقاتلـوا أبـا حـازم فقتلـوه واجتمـع البربـر الأباضيـة بطرابلـس وولـوا
    عليهم أبا حاتم يعقوب بن حبيـب الأباضـي مولـى كنـدة وكـان علـى طرابلـس
    الجنيـد بـن بشـار الأسـدي مـن قبـل عمـر بن حفص فأمده بالعساكر وقاتلوا
    أبا حازم فهزمهم وحصرهم بقابس وانقضت إفريقية من كل ناحية‏.‏ ثم ثاروا فـي
    عسكـر إلـى طبنـة وحاصـروا بهـا عمـر بـن حفـص فيهـم أبـو قـرة اليعقوبـي
    فـي أربعيـن ألفـا من الصفرية وعبد الرحمن بن رستم في خمسة عشر ألفاً من
    الاباضية جاؤوا معه والمسور الزناتـي فـي عشـرة آلـاف من الاباضية وأمم من
    الخوارج من صنهاجة وزناتة وهوارة ما لا يحصى فدافعهـم عمـر بـن حفـص
    بالأمـوال وفرق كلمتهم وبذل لأصحاب أبي قرة مالاً فانصرفوا‏.‏ واضطر أبو
    قرة لأتباعهم فبعـث عمـر جيشـا إلـى ابـن رستـم وهـو بتهـودا فانهـزم إلـى
    تاهـرت وضعـف الأباضيـة عن حصار طبنة فافرجوا عنها وسار حاتم إلـى
    القيـروان وحاصرهـا ثمانيـة أشهـر واشتـد حصارهـا‏.‏ وسـار عمـر بـن حفـص
    وجهـز العساكـر لطبنـة فخالفـه أبـو قـرة إلـى طبنـة فهزمـوه‏.‏ وبلغ أبا
    حاتـم وأصحابـه وهـو القيـروان مسيـر عمـر بـن حفـص إليهـم فسـاروا للقائه
    فمال هو من الأربس إلى تونس ثم جاء إلى القيروان فدخلها واستعد للحصار
    واتبعه أبو حاتم والبربر فحاصروه إلى جهده الحصار وخرج لقتالهم مستميتا
    فقتل آخر سنة أربع وخمسين وولي مكانه أخوه لأمه حميد بن صخر فوادع أبا حاتم
    على أنه يقيم دعوة العباسية بالقيروان وخرج أكثر الجند إلى طبنة وأحرق أبو
    حاتم أبواب القيروان وثلم سورها‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:32 pm

    الخبر عن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية


    وأخبار بنية ومواليهم من بعدهم ومصائر أمورهم كـان فتـح ميورقـة سنـة
    تسعيـن ومائتيـن علـى يـد عصام الخولاني وذلك أنه خرج حاجاً في سفينة
    اتخذها لنفسه فعصفت بهم الريح فأرسلوا بجزيرة ميودقة وطال مقامهم هنالك
    واختبروا من أحوالهم ما أطمعهم في فتحها فلما رجع بعد فرضه أخبر الأمير بما
    رأى فيها وكان من أهل الغنـاء عنـده فـي مثلهـا فبعـث معـه القطائـع في
    البحر‏.‏ ونفر الناس معه إلى الجهاد فحاصرها أياماً وفتحوهـا حصنـاً حصنـاً
    إلى أن كمل فتحها‏.‏ وكتب عمام بالفتح إلى الأمير عبد الله فكتب له
    بولايتهـا فوليهـا عشـر سنين وبنى فيها المساجد والفنادق والحمامات‏.‏ ولما
    هلك قدم أهل الجزيرة عليهـم ابنـه عبـد اللـه وكتـب لـه الأميـر
    بالولايـة‏.‏ ثـم زهد وترهب وركب إلى الشرق حاجاً وانقطع وبعث الناصر
    المرواني إليها الموفق من الموالي فأنشأ الأساطيل وغزا بلاد الإفرنج وهلك
    سنة تسع وخمسين أيام الحكم المستنصر وولي بعده كوثر من مواليه فجرى على سنن
    الموفق في جهـاده‏.‏ وهلـك سنـة تسـع وثمانين أيام المستنصر وولي بعده من
    مواليه وكان كثير الغزو والجهاد‏.‏ وكان المنصور وابنه المؤيد يمدانه في
    جهاده‏.‏ وهلك سنة ثلاث وأربعمائة أزمان الفتنة‏.‏ وكـان مجاهـد بـن يوسف
    بن علي من فحول الموالي العامريين‏.‏ وكان المنصور قد رباه وعلمه مع
    مواليـه القـراآت والحديث والعربية فكان مجيداً في ذلك‏.‏ وخرج من قرطبة
    يوم قتل المهدي سنة أربعمائـة وبايـع هو والموالي العامريين وكثير من جند
    الأندلس المرتضى كما قدمناه‏.‏ ولقيهم زاوي بفحص غرناطة فهزمهم وبحد
    شملهم‏.‏ ثم قتل المرتضى كما تقدم وسار مجاهد إلى طرطوشة فملكها‏.‏ ثم
    تركها وانتقل إلى دانية وأستقل بها وملك ميورقة ومنورقة ويابسة واستبد سنة
    ثلاث عشرة‏.‏ ونصب العيطي كما مر فأراد الاستبداد ومنع طاعة مجاهد ومنعه
    أهل ميورقة مـن ذلـك فبعـث عنـه مجاهـد وقـدم علـى ميورقـة عبد الله ابن
    أخيه فولي خمس عشرة سنة‏.‏ ثم هلـك وكـان غـزا سردانيـة فـي الأساطيـل
    فاقتحمهـا وأخـرج النصـارى منهـا وتقبضوا على ابنه أسيراً ففـداه بعـد حيـن
    وولـى مجاهـد علـى ميورقـة بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمان وعشرين
    وكان بين مجاهـد صاحـب دانيـة وبيـن خيـران صاحـب مرسيـة وابـن أبـي عامـر
    صاحـب بلنسيـة حـروب إلـى أن هلـك مجاهـد سنـة سـت وثلاثيـن‏.‏ وولـي ابنـه
    علـي وتسمـى إقبـال الدولـة وأصهر إلى المقتدر بن هـود وأخرجـه مـن دانية
    سنة ثمان وستين ونقله إلى سرقسطة ولحق ابنه سراج الدولة بالإفرنجة وأمـدوه
    علـى شـروط شرطهـا لهـم فتغلـب علـى بعـض حصونـه‏.‏ ثـم مـات فيمـا زعموا
    مسموماً بحيلة من المقتدر سنة تسع‏.‏ ومـات علـي قريبـا مـن وفاة المقتدر
    سنة أربع وسبعين‏.‏ ويقال بل فر أمام المقتدر إلى بجاية ونزل على صاحبها
    يحيى بن حماد ومات هنالك‏.‏ وأما الأغلب مولى مجاهد صاحب ميورقة فكان صاحـب
    غـزو وجهـاد في البحر‏.‏ ولما هلك مجاهد استأذن ابنه علياً في الزيارة
    فأذن له وقدم على الجزيرة صهره ابن سليمان بن مشكيان نائبا عنه‏.‏ وبعث على
    آل الأغلب فاستعفاه وأقام سليمان خمس سنين‏.‏ ثم مات فولى على مكانه
    مبشراً وتسمى ناصر الدولة وكان أصله من شرق الأندلس أسر صغيراً وجبه العدو
    وأقام بدانية مجبوباً يجاهد في أسرى دانية وسردانية واصطفاه فولاه بعد مهلك
    سليمان فولي خمس سنين وانقرض ملك علي وتغلب عليه المقتدر بن هـود فاستبـد
    مبشـر بميورقـة والفتنـة يومئـذ تمـوج بيـن ملـوك الطوائـف‏.‏ وبعـث إلـى
    دانيـة فـي تسليـم أهل سيده فبعثوا إليه بهم وأولادهم جميلا‏.‏ ولم يزل
    يردد الغزو إلى أرض العدو إلى أن جمع طاغية برشلونة الجموع ونازله بميورقة
    عشرة أشهر‏.‏ ثم افتتحها واستباحها سنة من ولايته‏.‏ وكـان بعـث بالصريـخ
    إلـى علـي بـن يوسـف صاحـب المغـرب مـن لمتونـة فلم يوافهم الأسطول بالمدد
    إلا بعـد استيـلاء العـدو‏.‏ فلمـا وصـل الأسطـول دفعـوا العثـور عنهـا
    وولـى علـي بـن يوسـف من قبله أنور بن أبي بكر اللمتوني فعسف بهم وأرادهم
    على بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فثاروا به وصفدوه‏.‏ وبعثوا إلى علي بن
    يوسف فردهم إلى ولاية محمد بن علي بن إسحاق بن غانية المستولي صاحب غرب
    الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي من قرطبة كان والياً عليها فوصـل إلـى
    ميورقـة فصفـد أنـور وبعـث بـه إلـى مراكش وأقام في ولايتها عشر سنين إلى
    أن هلك أخـوه يحيـى وسلطانهـم علـي بـن يوسـف‏.‏ واستقـرت ميورقـة فـي ملـك
    بنـي غانيـة هؤلاء وسلطانهم‏.‏ وكانـت لهـم في زمن علي بن يوسف بها دلة‏.‏
    وخرج منها علي ويحيى إلى بجاية وملكوها من الموحدين وكانت لهم معهم حروب
    بإفريقية كما نذكر في أخبارهم بعد أخبار لمتونة‏.‏ وملك الأفرنج ميورقة من
    أيدي الموحدين آخر دولتهم‏.‏ والبقاء لله والملك يؤتيه من يشاء وهو العزيز
    الحكيم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن ثوار الأندلس


    آخر الدولة اللمتونية واستبداد بني مرديس ببلنسية ومزاحمتهم لدولة بني
    عبد المؤمن من أولها إلى آخرها ومصائر أحوالهم وتصاريفهم لما شغل لمتونة
    بالعدو وبحرب الموحدين بعد عليهم الأندلس وعادت إلى الفرقة بعض الشيء فثار
    ببلنسية سنة سبع وثلاثين وخمسمائة القاضي مروان بن عبد الله بن مروان ابن
    حضاب وخلعوه لثلاثة أشهر من ملكه ونزل بالمرية‏.‏ ثم حمل إلى ابن غانية
    بميورقة فسجن بها وثار بمرسيـة أبـو جعفـر أحمـد بـن عبد الرحمن بن ظاهر‏.‏
    ثم خلع وقتل لأربعة أشهر من ولايته وولي حافد المستعين بـن هـود شهريـن‏.‏
    ثـم ولـي ابـن عيـاض وبايـع أهـل بلنسيـة بعـد ابـن حضـاب للأميـر أبـي
    محمـد عبـد اللـه بـن سعيـد بـن مردنيـش الجذامـي‏.‏ وأقـام مجاهـداً إلـى
    أن استشهـد فـي بعـض أيامـه مع النصارى سنة أربع وخمسمائـة فبويـع لعبـد
    الله بن عياض كان ثائراً بمرسية كما قدمناه‏.‏ وهلك سنة اثنتين وأربعين
    فبويع إلى ابن أخيه محمد بن أحمد بن سعيد بن مردنيش وملك شاطبة وملينة شقر
    ومرسية‏.‏ وكـان إبراهيـم ابـن همشـك مـن قـواده فعبـث فـي أقطـار الأندلـس
    وأغـار علـى قرطبـة وتملك بها‏.‏ ثم استرجعت منه‏.‏ ثم غدر بغرناطة وملكها
    من أيدي الموحدين وحصرهم بالقصبة هـو وابـن مردنيش‏.‏ ثم استخلصها عبـد
    المؤمـن مـن أيديهـم بعـد حـروب شديـدة دارت بينهـم بفحـص غرناطـة لقيـه
    فيهـا ابـن همشـك وابـن مردنيـش وجيوش من أمم النصرانية إستعانوا بهم في
    المدافعة عن غرناطه فهزمهم عبد المؤمن وقتلهم أبرح قتل‏.‏ وحاصر يوسف
    بلنسية فخطب للخليفة العباسي المستنجد وكاتبه فكتب له بالعهد والولاية‏.‏
    ثم بايع للموحدين سنة ست وستين‏.‏ وكان المظفر عيسى بن المنصور بن عبد
    العزيز الناصر بن أبي عامر عندما انصرف إلى ملك شاطبـة ومرسيـة تغلـب علـى
    بلنسيـة مدة ثم هلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة ورجعت إلى ابن مردنيش وكان
    أحمد بن عيسى تغلب على حصن مزيلة ثائراً بالمرابطين من أتباعه فجلب منذر بن
    أبي وزير عليه فأجاز سنة أربعين وخمسمائة إلى عبد المؤمن ورغبه فـي ملـك
    الأندلس فبعث معه البعوث وتغلبوا على بني غانية أمراء المرابطين
    بالأندلس‏.‏ وكان بميورقة أيضا منذ اضطراب أمر لمتونة محمد بن علي بن غانية
    المستوفي وليها سنـة عشرين وخمسمائة واستشهد بها‏.‏ ورحل عنها سنـة سبـع
    وثلاثيـن إلـى زيـارة أخيـه يحيـى ببلنسيـة‏.‏ واستخلـف علـى ميورقـة عبد
    الله بن تيما فلما مكث ثار عليه ثوار فرجع محمد بن غانيـة وأصلـح شانهـا
    إلـى أن هلـك سنـة سبع وستين وولي ابنه إبراهيم أبو إسحاق وتوفي سنة إحدى
    وثمانين‏.‏ وأوفـد عليهـم أهـل ميورقـة فبعثـوا معهـم علـي بـن الربرتبـر
    فلمـا وصـل إلـى ميورقـة ثـار علـى طلحـة بنـو أخيـه إسحـاق وهـم علـي
    ويحيـى ويعفـر بـن الربرتبـر وخلعـوا طلحـة‏.‏ ثم بلغهم موت يوسف بن عبد
    المؤمن فخرجوا إلى إفريقية حسبما نذكر في أخبار دولتهم‏.‏ فانقرضت دولة
    المرابطين بالمغرب والأندلس وأدال الله منهم بالموحدين وقتلوهم في كل
    وجه‏.‏ واستفحل أمرهم بالأندلس واستعملوا فيها القرابة من بني عبد المؤمن
    وكانوا يسمونهم السادة واقتسموا ولايتها وأجاز يعقوب المنصور منهم غازيا
    بعد أن إستقر أهل العدوة كافة من زناتة فأوقـع العـرب بابن أدفونش ملك
    الجلالقة بالأركة من نواحي بطليوس الوقعة المذكورة سنة إحدى وسبعين
    وخمسمائة وأجاز ابنه الناصر من بعده سنة تسع فمحص الله المسلمين واستشهد
    منهم عدة‏.‏ ثم تلاشت إمارة الموحدين من بعده وانتزى بالسادة بنواحي
    الأندلس في كل عمله وضعف بمراكش فصاروا إلى الاستجاشة بالطاغية بقص
    واستسلام حصون المسلمين إليـه فـي ذلـك فسمت رجالات الأندلس وأعقاب العرب
    من دولة الأموية وأجمعوا أخراجهم فثاروا بهم لحين وأخرجوهـم‏.‏ وتولـى كبـر
    ذلك محمد بن يوسف بن هود الجذامي الثائر بالأندلس‏.‏ وقام ببلنسية زيان بن
    أبي الحملات مدافع بن يوسف بن‏.‏ سعـد مـن أعقـاب دولـة بنـي مردنيـش
    وثـوار آخرون‏.‏ ثم خرج علي بن هود في دلته من أعقاب دولة العرب أيضاً وأهل
    نسبهم محمد بن يوسـف بـن نصـر المعروف بابن الأحمر وتلقب محمد هذا بالشيخ
    فحاربه أهل الجبل وكانت لكل منهمـا دولـة أورثهـا بنيـه‏.‏ فأمـا زيـد بـن
    مردنيش فكان مع عشرة من بنى مردنيش رؤساء بلنسية واستظهر الموحدون على
    إمارتها‏.‏ ولما وليها السيد أبو زيد بن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمـن
    بعـد مهلـك المستنصر كما نذكر في أخبارهم وذلك سنة عشرين وستمائة كان زياد
    هذا بطانته وصاح أمره‏.‏ ثـم انتقـض عليـه سنـة سـت وعشريـن عندمـا بويـع
    ابـن هـود بمرسيـة وخرج إلى أبداه فخشيه السيد أبـو زيـد وبعـث إليـه
    يلاطفـه في الرجوع فامتنع ولحق السيد أبو زيد بطاغية برشلونه ودخل في دين
    النصرانية‏.‏ وملك زيان بلنسية واتصلت الفتنة بينه وبين ابن هود وخالف عليه
    بنو عمه عزيـز بـن يوسـف بـن سعـد فـي جزيـرة سقـم وصـاروا إلى طاعة بن
    هود وزحف زيان للقائه على شريش فانهزم وتبعه ابن هود ونازله في بلنسية
    أياما وامتنعت عليه فأقلع وتكالب الطاغية على ثغور المسلمين ونازل صاحب
    برشلونة أنيشة وملكها وزحف زيان إليها بجميع من معه مـن المسلميـن سنـة
    أربـع وثلاثيـن ونفـر معـه أهـل شاطبـة وجزيـرة شقر فكانت عليهم الواقعة
    العظيمة التـي استشهـد فيهـا أبـو الربيـع سليمـان وأخـذ النـاس في
    الانتقال عن بلنسية فبعث إليهم يحيى بن أبـي زكريـا صاحب إفريقية بالمدد من
    الأموال والأسلحة والطعام مع قريبه يحي عندما نبذ دعوة بني عبد المؤمن
    وأوفد عليه أعيان بلنسية وهي محصورة فرجع إلى دانية‏.‏ ثـم أخـذ الطاغيـة
    بلنسيـة سنـة سـت وثلاثيـن وخـرج زيـان إلى جزيرة شقر وأقام بدعوة الأمير
    أبي زكريا وبعث إليه بيعتها مع كاتبه الحافظ أبي عبد الله محمد بن الأنباري
    فوصل إلى تونس وأنشده قصيدته المشهورة على روي السين بلغ فيها من الإجادة
    حيـث شـاء وهـي معروفـة وسيأتي ذكرها في دولة بني حفص بإفريقية من
    الموحدين‏.‏ ثم هلك ابن هود وانتقض أهل مرسيـة علـى ابنـه أبـي بكـر
    الواثـق وكـان واليـه بها أبو بكر بن خطاب فبعثوا إلى زيان واستدعوه فدخلها
    وانتهب قصرها وحملهم على البيعة للأمير أبي زكريا على ولاية شرق الأندلس
    كله وذلـك سنـة سبـع وثلاثيـن‏.‏ ثـم انتقـض عليـه ابـن عصـام باريولـة
    ولحـق بـه قرابـة زيـان بمدينـة لقنـت فلم يـزل بهـا إلـى أن أخذهـا منـه
    طاغيـة برشلونة سنة أربع وأربعين فأجاز إلى تونس وبها مات سنة ثمـان
    وستيـن‏.‏ وأمـا ابـن هـود فسيأتـي الخبر عن دولته وأما ابن الأحمر فلم تزل
    الدولة في أعقابه لهذا العهد‏.‏ ونحن ذاكرون أخبارهم لأنهم من بقايا دولة
    العرب والله خير الوراثين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن ثورة ابن هود علي الموحدين بالأندلس دولته


    وأولية أمره وتصاريف أحواله هو محمد بن يوسف بن محمد بن عبد العظيم بن
    أحمد بن سليمان المستعين بن محمد بن هود ثار بالصخيرات من عمل مرسية مما
    يلي رقوط عنـد فشـل دولـة الموحديـن واختلـاف السادة الذين كانوا أمراء
    ببلنسية‏.‏ وذلك عندما هلك المستنصر سنة عشرين‏.‏ وبايع الموحدون بمراكش
    لعمه المخلوع عبد الواحد بن أمير المؤمنين يوسف‏.‏ ثار العادل ابن أخيـه
    المنصـور بمرسية ودخل في طاعة صاحب حيان أبو محمد عبد الله بن أبي حفص بن
    عبد المؤمن وخالفهمـا فـي ذلـك السيـد أبـو زيـد أخوه ابن محمد بن أبي
    حفص‏.‏ وتفاقمت الفتنة وأستظهر كل علـى أمـره بالطاغيـة ونزلـوا لـه عن
    كثير من الثغور‏.‏ وقلقت من ذلك ضمائر هل الأندلس فتصدر ابـن هـود هـذا
    للثـورة وهـو مـن أعقاب بني هود من ملوك الطوائف وكان يؤمل لها‏.‏ وربما
    امتحنه الموحدون لذلك مرات فخرج في نفر من الأجناد سنة خمس وعشرين وجهز
    إليه والي مرسية يومئذ السيد أبو العباس بن أبي عمران موسى بن أمير
    المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن عسراً فهزمهم‏.‏ وزحف إلى مرسية فدخلها واعتقل
    السيد وخطب للمستنصر صاحب بغداد لذلك العهـد مـن بنـي العبـاس‏.‏ وزحـف
    إليـه السيـد أبـو زيـد بـن محمـد بـن أبـي حفـص بـن عبد المؤمن من شاطبة
    وكـان واليـه بهـا فهزمه ابن هود ورجع إلى شاطبة واستجاش بالمأمون وهو
    يومئذ بإشبيلية بعد أخيـه العـادل فخـرج فـي العساكـر ولقيه ابن هود فانهزم
    وأتبعه إلى مرسية فحاصره مدة وامتنعت عليه فأقلع عنه ورجع إلى إشبيليه‏.‏
    ثم انتقض على السيد أبي زيد ببلنسية زيان ابن أبي الحملات مدافع ابن حجاج
    بن سعد بن مردنيـش وخـرج عنـه إلـى أبـدة وذلـك سنـة سـت وعشرين‏.‏ وكان
    بنو مردنيش هؤلاء أهل عصابة وأولي بأس وقوة فتوقع أبو زيد اختلال أمره
    وبعـث إليـه ولاطفـه فـي الرجـوع فامتنـع فخـرج أبـو زيـد مـن بلنسيـه
    ولحـق بطاغيـة برشلونـة ودخـل في دين النصرانية‏.‏ وبايعت أهل شاطبة لابن
    هود‏.‏ ثم تابعه أهل جزيرة شقر حملهم عليها ولاتهم بنو عزيز بن يوسف عم
    زيان بن مردنيش‏.‏ ثم بايعه أهل خبيان وأهل قرطبة تسمى بأمير المسلمين
    وبايعه أهل إشبيليه عند رحيل المأمون عنها إلى مراكش وولى عليهم أخاه
    ونازعه زيان بن مردنيش وكانت بينهما ملاقاة انهزم فيها زيان سنة تسع
    وعشرين‏.‏ وحاصره ابن هود ببلنسية ثم أقلع‏.‏ ولقي الطاغية على ماردة
    فانهزم ومحص الله المسلمين وانهزم بعدها أخرى على الكوس‏.‏ ولم تزل غزواته
    مترددة في بلاد العدو كل سنة وحربه معهم سجالا والطاغية يلتقم الثغور
    والقواعد‏.‏ ثـم استولـى ابـن هـود علـى الجزيرة الخضراء وجبل الفتح فرضتي
    المجاز على سبتة من يد السيد أبـي عمـران موسـى لمـا انتقـض على أخيه
    المأمون ونازله بسبتة فبايع هو لابن هود وأمكنه منها‏.‏ ثم ثار بهـا
    اليناشتـي علـى مـا يذكـر‏.‏ ثـم بويـع للسلطـان محمـد بـن يوسـف بـن نصـر
    سنـة تسـع وعشريـن بأرجونـة ودخلـت قرطبـة فـي طاعتـه ثـم قرفونـة‏.‏ ثـم
    انتقض أهل إشبيلية وأخرجوا سالم بن هود وبايعـوا لابـن مـروان أحمد بن محمد
    الباجي وجهز عسكرا للقاء ابن الأحمر فانهزموا وأسر قائده‏.‏ ثم اتفق
    الباجـي مـع ابـن الأحمـر علـى فتنـة ابـن هـود‏.‏ وصالـح ابـن هـود الفنـش
    علـى فعلتهـم علـى ألـف دينـار فـي كـل يـوم‏.‏ ثـم صـارت قرطبـة إلـى ابن
    هود وزحف إلى الباجي وابن الأحمر فانهزم ونزل ابـن الأحمـر ظاهـر
    إشبيليـة‏.‏ ثـم غـدر الباجـي فقتلـه وتولـى ذلـك صهـره واشقيلولة وزحف
    سالم بن ووصل خطـاب الخليفـة المستنصـر العباسـي إلـى ابـن هـود مـن بغـداد
    سنـة إحـدى وثلاثيـن وفـد بـه أبـو علي حسن بن علي بن حسن بن الحسين
    الكردي الملقب بالكمال‏.‏ وجاء بالراية والخلع والعهد ولقبـه المتوكـل‏.‏
    وقـدم عليـه بذلـك فـي غرناطـة في يوم مشهود وبايع له ابن الأحمر‏.‏ وعندما
    غدر ابن الأحمر بالباجي فر من إشبيلية شعيب بن صمد إلى البلد فاعتصم بها
    وتسمى المعتصم فحاصـره ابـن هـود وأخذهـا مـن يـده‏.‏ ثـم خـرج العدو من كل
    جهة ونازلوا ثغور المسلمين وأحاطوا بهـم وانتهـت محلاتهـم علـى الثغـور
    إلـى سبع‏.‏ ثم حاصر الطاغية مدينة قرطبة وغلب عليها سنة ثلـاث وثلاثيـن
    وبايـع أهـل إشبيليـة للرشيـد مـن بنـي عبـد المؤمـن‏.‏ ثم زحف ابن الأحمر
    إلى غرناطة وملكها كما يذكر وبويع للرشيد سنة سبع وثلاثين‏.‏ وكان عبد الله
    أبو محمد بن عبد الله بن محمـد بن عبد الملك الأموي الرميمي وزير ابن هود
    وكان يدعوه ذا الوزارتين ولا المرية من عمله فلـم يـزل بهـا وقـدم عليـه
    المتوكـل سنـة خمـس وثلاثيـن وستمائة فهلك بالحمام ودفن بمرسية ويقال إنه
    قتلـه‏.‏ ثـم استبـد مـن بعـده المؤيـد واستنزلـه عنهـا ابـن الأحمـر سنـة
    ثلـاث وأربعين‏.‏ ولما هلك المتوكل ولـي مـن بعـده بمرسيـة ابنـه أبـو بكـر
    محمـد بعهـد إليـه وتلقب بالواثق وثار عليه عزيز بن عبد الملك بن خطاب سنة
    ست وثلاثين لأشهر من ولايته فاعتقله وكان يلقب ضياء الدولة‏.‏ ثم تغلب
    زيان بن مردنيش على مرسية وقتل ابن خطاب لأشهر من ولايته‏.‏ وأطلق الواثق
    بن هود من اعتقاله‏.‏ ثم ثار عليه بمدينة مرسية محمد بن هود عم المتوكل سنة
    ثمان وثلاثين وأخرج منها زيـان بـن مردنيـش وتلقـب بهـاء الدولـة‏.‏ وهلـك
    سنـة سبـع وخمسين وستمائة‏.‏ وولي ابنه الأمير أبو جعفـر‏.‏ ثـم ثـار
    عليـه سنـة اثنتيـن وستيـن أبـو بكـر الواثـق الـذي كان ابن خطاب خلعه وهو
    المتوكل أميـر المسلميـن وبقي بها أميراً إلى أن ضايقه الفنش والبرشلوني
    فبعث إليه عبد الله بن علي بن أشقيلولة وتسلم مرسية منه‏.‏ وخطب بها لابن
    الأحمر‏.‏ ثم خرج منها راجعا إلى ابن الأحمر فأوقـع بـه البصـري فـي طريقـه
    ورجـع الواثـق إلـى مرسيـة ثالثـة فلـم يـزل بهـا إلـى أن ملكهـا العـدو
    مـن يده سنة ثمان وستين وعوضه منها حصناً من عملها يسمى يس إلى أن هلك
    والله خير الوارثين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني الأحمر ملوك الأندلس


    لهذا العهد ومبدأ أمورهم وتصاريف أحوالهم أصلهم من أرجونة من حصون قرطبة
    ولهم فيها سلف في أبناء الجند ويعرفون ببني نصر وينسبـون إلـى سعـد بـن
    عبـادة سيـد الخـزرج‏.‏ وكـان كبيرهم لآخر دولة الموحدين محمد بن يوسف بن
    نصر ويعرف بالشيخ وأخوه إسماعيل‏.‏ وكانت لهم وجاهة في ناحيتهم‏.‏ ولما فشل
    ريح الموحديـن وضعـف أمرهم وكثر الثوار بالأندلس وأعطى حصونها للطاغية
    واستقل بأمر الجماعة محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية فأقام بدعوته
    العباسية وتغلب على شرق الأندلـس أجمـع فتصـدى محمد بن يوسف هذا للثورة على
    ابن هود وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة على الدعاء للأمير أبي زكريا
    صاحب إفريقية وأطاعته حيان وشريش سنة ثلاثين بعدها وكان يعرف بالشيخ ويلقب
    بأبي دبوس‏.‏ واستظهر على أمره أولاً بقرابته من بني نصر وأصهـاره ببني
    اشقيلولة عبد الله وعلي‏.‏ ثم بايع لابن هود سنة إحدى وثلاثين عندما وصله
    خطاب الخليفة من بغداد‏.‏ ثم ثار باشبيلية أبو مروان الباجي عند خروج ابن
    هود عنها ورجوعه إلى مرسية فداخله محمـد بـن الأحمـر فـي الصلـح علـى أن
    يزوجـه ابنتـه فأطاعـه ودخـل إشبيليـة سنـة اثنتين وثلاثين‏.‏ ثم فتـك
    بابـن الباجـي وقتلـه وتنـاول الفتـك بـه علـي بـن أشقيلولة‏.‏ ثم راجع أهل
    إشبيلية بعدها لشهر دعـوة ابـن هـود وأخرجـوا ابـن الأحمـر‏.‏ ثـم تغلـب
    علـى غرناطـة سنـة خمـس وثلاثيـن بمداخلـة أهلهـا ثم ثـار ابـن أبـي خالـد
    بدعوتـه فـي لحيـان ووصلتـه بيعتهـا فقـدم إليهـا أبا الحسن بن إشقيلولة‏.‏
    ثم جاء علـى أثـره ونزلهـا واستقـر بهـا بعـد مهلـك ابن هود وبايع للرشيد
    سنة تسع وثلاثين ثم تناول المؤيد من يد محمد بن الرميمي فخلعه أهل البلد
    سنة ثلاث وستين وبايعوا لابن الأحمر‏.‏ ثـم ثـار أبـو عمـرو بـن الجـد
    واسمـه يحيى بن عبد الملك بن محمد الحافظ أبي بكر وملك أشبيلية وبايع
    للأمير أبي زكريا بن حفص صاحب إفريقية سنة ثلاث وأربعين وولي عليهم أبو
    زكريا أميرا وقام بأمرهم القائد شغاف والعدو أثناء ذلك يلتقم بلاد المسلمين
    وحصونهم من لدن عام عشريـن أو قبلـه وصاحب برشلونة من ولد البطريق الذي
    استعمله الإفرنجة عليها لأول استرجاعهم لها من أيدي العرب فتغلب عليها وبعد
    عن الفرنجة وضعـف لعهـده سلطانهـم‏.‏ ووصلوا وراء الدروب وعجزوا فكانوا عن
    برشلونة وجماعتها أعجز فسما أهل طاغيتها منهم لذلك العهد واسمه حاقمة إلى
    التغلب على ثغور المسلمين‏.‏ واستولى على ماردة سنة ست وعشرين وستمائة ثم
    ميورقة سنة سبع وعشرين وستمائة‏.‏ ثم أجاز إلى سرقسطة وشاطبة كان تملكها
    منذ مائة وخمسين مـن السنيـن قبلهـا‏.‏ ثـم بلنسيـة سنـة سـت وثلاثيـن
    وستمائـة بعـد حصـار طويـل وطوى ما بين ذلك من الحصون والقرى حتى انتهى إلى
    المرية حصوناً وابن أدفونش أيضا ملك الجلالقة هو ابن الأدفونش ‏"‏ الملقب
    بالحكيم ‏"‏ وآباؤه من قبلـه يتقـرى الفرستيـرة حصنـاً حصنـاً ومدينـة
    مدينـة إلـى أن طواهـا‏.‏ واستعبـد ابـن الأحمـر هـذا لـأول أمـره بمـا كان
    بينه وبين الثوار بالأندلـس مـن المنازعـة فوصـل يـده بالطاغيـة فـي سبيل
    الاستظهار على أمره فوصله وشد عضده وصـار ابـن الأحمـر فـي جملتـه وأغطـاه
    ابـن هـود ثلاثيـن مـن الحصـون أو نحوهـا فـي كـف غربه عن ابن الأحمـر وأن
    يعينـه علـى ملـك قرطبـة فتسلمهـا‏.‏ ثـم تغلـب علـى قرطبـة سنـة ثلـاث
    وثلاثيـن وأعـاد إليها خيـرة اللـه كلمـة الكفـر‏.‏ ثـم نـازل إشبيليـة
    سنـة سـت وأربعيـن وابـن الأحمـر معـه مظهر الامتعاض لابن الجـد وحاصرهـا
    سنتيـن‏.‏ ثـم دخلهـا صلحاً وانتظم معها حصونها وثغورها وأخذ طليطلة من يد
    ابن كماشة وغلب بعد ذلك ابن محفوظ على شلب وطلبيره سنة تسع وخمسين‏.‏ ثم
    ملك مرسيـة سنـة خمـس وستيـن‏.‏ ولـم يـزل الطاغية يقتطع ممالك الأندلس
    كورة كورة وثغراً ثغراً إلى أن ألجأ المسلمين إلى سيف البحر ما بين رندة من
    الغرب وإلبيرة من شرق الأندلس نحو عشر مراحـل مـن الغـرب إلـى الشـرق‏.‏
    وفـي مقـدار مرحلـة أو مـا دونهـا فـي العـرض مـا بيـن البحر والجوف‏.‏ ثم
    سخط بعد ذلك الشيخ ابن الأحمر وطمع في الاستيلاء على كافة الجزيرة فامتنعت
    عليه وتلاحق بالأندلس غزاة من زناتة الثائرين يومئذ من بني عبد الواد
    وتوجين ومغراوة وبني مرين وكان أعلاهم كعباً في ذلك وأكثرهم غزى بنو مرين
    فأجاز أولا أولاد إدريس بن عبد الحق وأولـاد رحـو بـن عبـد اللـه بـن عبـد
    الحـق أعياص الملك منهم سنة ستين أو نحوها عقد لهم عمهم يعقوب بن عبد الحق
    سلطان المغرب وأجازوا في ثلاثة آلـاف أو نحوهـا فتقبـل ابـن الأحمـر
    إجازتها ودفع بهم في نحر عدوه ورجعوا‏.‏ ثم تهايلوا إليه من بعد ذلك من كل
    بيت من بيوت بني مرين ومعظمهم الأعياص من بني عبد الحـق لمـا تزاحمهـم
    مناكـب السلطان في قومهم وتغص بهم الدولة فينزعون إلى الأندلس مغنين بها
    مـن بأسهـم وشوكتهـم فـي المدافعة عن المسلمين ويخلصون من ذلك على حظ من
    الدولة بمكان‏.‏ ولـم يـزل الشـأن هـذا إلـى أن هلـك محمـد بـن يوسـف بن
    الأحمر سنة إحدى وسبعين وستمائة وقام بأمـره مـن بعـده ابنـه محمـد وكان
    يعرف بالفقيه لما كان يقرأ الكتاب من بين أهل بيته ويطالع كتب العلم‏.‏
    وكان أبوه الشيخ أوصاه باستصـراخ ملـوك زناتـة مـن بنـي مريـن الدائليـن
    بالمغـرب مـن الموحدين وأن يوثق عهده بهم ويحكم أراضي سلطانه بمداخلتهم
    فأجاز محمد الفقيه ابن الأحمر إلى يعقـوب بـن عبـد الحـق سلطـان بنـي مريـن
    سنـة اثنتيـن وسبعيـن وستمائـة عندمـا تـم استيلـاؤه علـى بلاد المغرب
    وتغلبه على مراكش وافتقـاده سريـر ملـك الموحديـن بهـا فأجـاب صريخـه
    وأجـاز ثم جاء على أثرهم وأمكنه ابن هشام من الجزيرة الخضراء كان ثائرا بها
    فتسلمها منه ونزل بها وجعلهـا ركابـاً لجهـاده ينـزل بهـا جيـش الغـزو‏.‏
    ولما أجاز سنة اثنتين وسبعين كما قلناه هزم زعيم النصرانيـة ثـم حـذره ابن
    الأحمر على ملكه فداخل الطاغية‏.‏ ثم حذر الطاغية فراجعه وهو مع ذلـك يـده
    فـي نحـره بشوكـة الأعيـاص الذيـن نزعـوا إليـه مـن بني مرين بما شاركوا
    صاحب المغرب من نسـب ملكـه وقاسمـوه فـي يعسوبيـة قبيلتـه فكـان لـه بذلـك
    مدفـع عـن نفسه ومرض في طاعة قرابته من بني إشقيلولة كان عبد الله منهم
    بمالقة وعلي بوادي آش وإبراهيم بحصن قمارش فالتاثوا عليه وداخلوا يعقوب بن
    عبد الحق سلطان بني مرين في المظاهرة عليه فكان له معهم فتنة وأمكنوا يعقوب
    من الثغور التي بأيديهم مالقة ووادي آش حتى استخلصها هذا السلطان الفقيه
    مـن بعـد ذلـك كمـا نذكـره فـي أخبـار بنـي مريـن مـع بنـي الأحمر‏.‏ وصار
    بنو إشقيلولة آخراً وقرابتهم بنـي الزرقـاء إلـى المغـرب ونزلـوا علـى
    يعقـوب بـن عبد الحق وأكرم مثواهم وأقطعهم واستعملهم في كبيـر الخطـط
    للدولـة حسبمـا يذكـر‏.‏ واستبد السلطان الفقيه ابن الأحمر بملك ما بقي من
    الأندلس وأورثه عقبة من غير قبيل ولا كثير عصبة ولا استكثار من الحامية إلا
    من يأخذه الجلاء من فحول زتاتة وأعياص الملك فينزلون بهم غزى ولهم عليهم
    عزة وتغلب وسبب ذلك ما قدمناه فـي الكتـاب الـأول من إفقاد القبائل
    والعصائب بأرض الأندلس جملة فلا تحتاج الدولة هنالك إلى كبيـر عصبيـة‏.‏
    وكـان للسطـان ابـن الأحمـر فـي أول أمـره عصبيـة مـن قرابتـه في نصر
    وأصهارهم بني إشقيلولـة وبنـي المولـى ومـن تبعهـم مـن الموالـي
    والمصطنعيـن كانـت كافيـة فـي الأمـر مـن أولـه مـع معاضدة الطاغيـة علـى
    ابـن هـود وثـوار الأندلـس ومعاضـدة ملـك المغـرب علـى الطاغيـة
    والإستظهـار بالأعيـاص علـى ملـك المغـرب فكـان لهـم بذلـك كلـه أقدار على
    بلوغ أمرهم وتمهيده وربما يفهم في مدافعة الطاغية اجتماع الخاصة والعامة في
    عداوته والرهب منه بما هو عدو للدين فتستوي القلوب في مدافعته ومخافته
    فينزل ذلك بعض الشيء منزلة العصبية‏.‏ وكانت إجازة السلطان يعقوب بن عبد
    الحق إليه أربع مرات وأجاز ابنه يوسف إليهم بعد أبيـه‏.‏ ثـم شغلتـه
    الفتنـة مـع بنـي يغمراسـن إلـى أن هلـك السلطان الفقيه سنة إحدى وسبعمائة
    وهو الذي أعان الطاغية على منزلة طريف وأخذها وكان يمير عسكر مدة حصاره
    إياها إلى أن فتحها سنة أربع وسبعمائة لما كانت ركابا لصاحب المغرب متى هم
    بالجواز لقرب مسافة الزقاق‏.‏ فلما ملكها الطاغية صارت عيناً على من يروم
    الجواز من الغزاة‏.‏ فصعب أمره عليهم وولي من بعده ابنه محمد المخلوع
    واستبد عليه وزيره محمد بن محمد بن الحكم اللخمي من مشيخـة رنـدة ووزرائهـا
    فحجـره واستولـى علـى أمـره إلـى أن ثـار بـه أخـوه أبـو الجيوش نصر بن
    محمد فقتل الوزير واعتقل أخاه سنة ثمان وسبعمائة وكان أبوهما السلطان
    الفقيه استعمل على مالقة الرئيس أبا سعيد بن عمه إسماعيل بن نصر وطالت فيها
    إمارته‏.‏ وهو الذي تملـك سبتـة وغـدر بنـي الغرفـي بهـا علـى عهـد
    المخلـوع وبدعوتـه كمـا يذكـر في أخبار سبتة ودولة بني مرين‏.‏ وكـان أصهـر
    إليـه فـي ابنتـه وكان له منها ابنه أبو الوليد إسماعيل فلما تملك الجيوش
    نصر غرناطة واستولى على سلطانهم بها ساءت سيرته وسيرة وزيره ابن الحاج
    وأحقد الأعياص من بني مرين واستظهر الرعية بالقهر والعسف‏.‏ وكان بنو إدريس
    بن عبد الله بن الحق أمراء على الغزاة بمالقة وكان كبيرهم عثمان بن أبي
    المعلى فداخل أيا الوليد في الخروج على السلطان نصر وتناول الأمر من يده
    لضعفه وسعفه بطانتـه وأقربـاؤه فاعتزمـوا علـى ذلـك ولم يتم لهم إلا
    باعتقال أبيه أبي الجيوش فاعتقلوه وبايعوا أبا الوليد‏.‏ وثـار بمالقـة
    سنـة سبـع عشـرة الرئيس أبو سعيد وزحفوا إلى غرناطة فهزموا عساكر أبي
    الجيوش وثـارت بـه الدهماء من أهل المدينة وأحيط به‏.‏ وصالحهم على الخروج
    إلى وادي آش فلحق بها وجـدد بهـا ملكـاً إلـى أن مـات سنـة اثنتيـن وعشريـن
    ودخـل أبو الوليد إلى غرناطة فاصل بها لنفسه وبنيه ملكاً جديداً وسلطاناً
    فسيحاً‏.‏ ونازله ملك النصارى الفنش بغرناطة سنة ثمان عشرة وأبلـى فيهـا
    بنـي أبـي العـلا‏.‏ ثـم كـان مـن تكييـف اللـه تعالـى فـي قتلـه وقتل
    رديفه واستلحام جيوش النصرانية بظاهر غرناطة ما ظهرت فيه معجزة من معجزات
    الله‏.‏ وتردد إلى أرض النصرانية بنفسـه غازيـا مـرات مـع عساكـر المسلمين
    من زناتة والأندلس‏.‏ وكانت زناتة أعظم غناء في ذلك لقرب عهدهم بالتقشف
    والبداوة التي ليست للناس‏.‏ وبلغ أبو الوليد من العز والشوكة إلى أن غدر
    به بعض قرابته من بني نصر سنة سبع وعشرين وسبعمائة طعنه غدراً عندما انفض
    مجلسه بباب داره فأنفذه وحمل إلى فراشه ولحق القادر بدار عثمان بن أبي
    العلى فقتله لحينه وقتل الموالي المجاهدين فخرج عليهم ولحق بانديس فتملكها
    واستدعى محمد بن الرئيس أبي سعيد في معتقله بسلوباشة‏.‏ ونصبه للملك فلم
    يتم له مراده من ذلك‏.‏ ورجعوا آخراً للمهادنة وقتـل السلطـان محمـد وزيـره
    ابن المحروق بداره غدراً سنة تسع وعشرين استدعاه للحديث على لسان عمته
    المتغلبة عليه مع ابن المحروق وتناوله مع علوجه طعنا بالخناجر إلى أن
    مات‏.‏ وقام السلطان بأعباء ملكه ورجع عثمان بن أبي العلى إلى مكانه من
    يعسوبية الغزاة وزناتة حتى إذا هلك قدم عليهم مكانه ابنه أبا ثابت‏.‏ وأجاز
    السلطان محمد إلى المغرب صريخا للسلطـان أبـي الحسـن علـى الطاغيـة فوجـده
    مشغولا بفتنة أخيه محمد‏.‏ ومع ذلك جهز له العساكر وعقـد عليهـا سنـة
    ثلـاث وثلاثيـن‏.‏ واستـراب بنـو أبـي العلـى بمداخلـة السلطـان أبـي
    الحسـن فتشاوروا فـي أمـره وغـدروا بـه يـوم رحيلـه عـن الجبـل إلـى غرناطة
    فتقاصفوه بالرماح وقدموا أخاه أبا الحجاج يوسـف فقـام بالأمـر وشمـر عـن
    ساعـده فـي الأخـذ بثـأر أخيـه فنكـب بني العلي وغربهم إلى تونس وقـدم علـى
    الغـزاة مكـان أبـي ثابـت بـن عثمـان قرثيـة مـن بنـي رحـو بـن عبـد الله
    بن عبد الحق وهو يحيى بن عمر بن رحو فقام فأمرهم وطال أمر رياسته‏.‏
    واستدعى السلطـان أبـو الحجـاج السلطان أبا الحسن صاحب المغرب فأجاز ابنه
    عندما تم له الفتح بتلمسان وعقد له على عساكر جمة من زناتة والمتطوعة‏.‏
    فغزاهم وغنم وقفل راجعاً‏.‏ وتلاحقت به جموع النصارى وبيتوه على حدود أرضهم
    فاستشهد كثير من الغزاة وأجاز السلطان أبو الحسن سنة إحدى وأربعين بكافة
    أهل المغرب من زناتة ومغراوة والمرتزقة والمتطوعة فنازل طريف وزحف إليه
    الطاغية فلقيه بظاهرها فانكشف المسلمون واستشهد الكثير منهم وهلك فيها نساء
    السلطان وحريمه وفسطاطة من معسكره وكان يوم ابتلاء وتمحيص‏.‏ وتغلب
    الطاغية أثرها على القلعة ثغر غرناطة ونازل الجزيرة الخضراء وأخذها صلحـا
    سنـة ثلـاث وأربعين‏.‏ولم يزل أبو الحجاج في سلطانه إلى أن هلك يوم الفطر
    سنة خمس وخمسين طعنـه فـي سجـوده مـن صلـاة العيـد وغـد مـن صفاعفـة البلـد
    كـان مجتمعـاً‏.‏ وتولى ابنه واستبد عليه مولاهـم رضـوان حاجـب أبيـه
    وعمـه فقام بأمره وغلبه عليه وحجبه‏.‏ وكان إسماعيل أخوه ببعض قصـور
    الحمـراء قلعـة الملـك وكانـت لـه ذمـة وصهـر مـن محمد بن عبد الله بن
    إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد بما كان أبوه أنكحه شقيقة إسماعيل
    هذا‏.‏ وكان أبو يحيى هذا يدعى بالرئيس وجده محمد هذا هو الذي قدمنا أن
    عثمان بن أبي العلى دعاه من مكان اعتقاله للملـك فداخل محمد هذا الرئيس بعض
    الزعالقة من الغوغاء وبيت حصن الحمراء وتسوره وولج على الحاجب رضوان في
    داره فقتله وأخرج صهره إسماعيل ونصبه للملك ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة
    ستين وسبعمائة‏.‏ وكان السلطان محمد هذا المخلوع بروضة خارج الحمراء فلحق
    بوادي آش وأجاز منهـا إلـى العدوة ونزل على ملك المغرب السلطان أبي سالم
    ابن السلطان أبي الحسن فرعى له ذمته وأحمد نزوله‏.‏ وارتاب شيخ الغزاة يحيى
    بن عمرو بالدولة ففر إلـى دار الحـرب ولحـق منهـا بالمغرب‏.‏ ونزل على
    السلطان أبي سالم فأحمد نزوله وولى مكانه على الغزاة بغرناطة من جهة إدريس
    بن عثمان بن أبي العلى‏.‏ فقام الرئيس بأمر إسماعيل أخيه ودر ملكه‏.‏ ثم
    تـرددت السعايـات وأنـذر الرئيس بالنكبة فغد بإسماعيل وقتله وإخوته جمعياً
    سنة إحدى وستين‏.‏ وقام بملـك الأندلـس ونبـذ إلـى الطاغية عهده ومنعه ما
    كان سلفه يعطونه من الجزية على بلاد المسلمين فشمر الطاغية لحربه وجهز
    العساكر إليه فأوقع المسلمون بهم بوادي آش وعليهم بعض الرؤساء من قرابة
    السلطان فعظمت النكاية‏.‏ وأرسل ملك المغرب إلى الطاغية في شأن محمد
    المخلوع ورده إلـى ملكـه فأركـب الأساطيـل وأجـازه إلـى الطاغيـة فلقيـه
    ووعـده المظاهرة على أمره وشرط له الاستئثار بما يفتح من حصون المسلمين‏.‏
    ثـم نقـض فيمـا افتتـح منهـا ففارقـه السلطـان وأوى إلى الثغر المغربي في
    ملكة بني مرين وأمكن من ثغـور رنـدة فزحـف منهـا إلـى مالقـة سنـة خمس
    وستين فافتتحها‏.‏ وفر الرئيس محمد بن إسماعيل من غرناطة ولحق بالطاغية‏.‏
    وكان معه إدريس بن عثمان شيخ الغزاة بحبسه إلى أن فر من محبسه بعد حين كما
    يذكر في أخبارهم‏.‏ وزحف السلطان محمد فيمن معه وأتوه بحاجب الرئيس وقتله
    واستلحم معه الرجال من الزعالقة الذين قتلوا الحاجب وتسوروا قصور الملك‏.‏
    ودخل السلطان محمد غرناطة واستولى على ملكه‏.‏ وقدم على الغزاة شيخهم يحيى
    بن عمر واختـص ابنـه عثمـان ثـم نكبهـا لسنة وحبسهما بالمطبق بالمرية ثم
    غربهما بعد أعوام‏.‏ وقدم على الغـزاة قريبهمـا علـي بـن بدر الدين بن محمد
    بن رحو‏.‏ ثم مات فقدم مكانه عبد الرحمن بن أبي يغلوسـن وترفـع علـى
    السلطان أبي علي بن محمد ملك المغرب وتملأ هذا السلطان محمد المخلوع أريكة
    ملكه بالحمراء ممتنعاً بالظهور والترف والعزة على الطاغية والجلالقة وعلى
    ملوك المغرب بالعدوة بما نال دولتهم جميعاً من الهرم الذي يلحق الدول‏.‏
    وأما الجلالقة فانتقضوا على ملكهم بطرة بن أدفونش سنة ثمان وستين من لدن
    مهلك أبيهما ووقعـت بيـن بطـرة وبيـن ملـك برشلونـة بسبـب إجارتـه عليـه
    فتـن وحـروب حجـر منهـا الجلالقـة وكانت سببا لانتقاضهم على بطرة
    واستدعائهم لأخيه الفنش فجاء وبايعوه وانحرفوا إليه جميعاً عن بطـرة فتحيز
    إلى ناحية بلاد المسلمين‏.‏ واستدعى هذا السلطان محمدا صاحب غرناطة لنصره
    من عدوه وأغزاه ببلاد الفنش ففتح كثيرا من معاقلها وخربها مثل حيان وأبدة
    وأثر وغيرها‏.‏ وعاث في بسائطها ونزل قرطبة وخرب نواحيها ورجع ظافراً
    غانماً‏.‏ ولحـق ببطـرة سلطـان الإفرنجة الأعظم في ناحية الشمـال مـن وراء
    جزيـرة الأندلـس وهـو صاحـب جزيـرة أركبلطـرة وتسمـى بنسـر غالـس وفـد
    عليـه صريخاً وزوجه ابنته فبعث ابنه لنصره في أمم الإفرنج‏.‏ وانهزم الفنش
    أمامهم وارتجع بطرة البلاد حتى إذا رجعت عساكر الإفرنجة رجع الفنش فارتجع
    البلاد ثانيا وحاصر أخاه بطرة في بعض حصون جليقة حتى أخذه وقتله واستولى
    على ملكهم‏.‏ واغتنم السلطان صاحب غرناطة شغلهم بهذه الفتنـة فأغـار عليهـم
    ومنـع الجزيـة التـي كانـوا يأخذونها من المسلمين منذ عهد سلفه فأقاموا من
    لدن سنة اثنتين وسبعين لا يعطونهم شيئاً‏.‏ واستمر على ذلك وسما إلى
    مطالبتهم بنسر غالس ملك الإفرنجة من ورائهم الذي جاء لنصر بطـرة وأنكحـه
    بطـرة ابنتـه وولدت له ولدا فزعم أبوه هذا الملك أنه أحق بالملك من الفنش
    وغيره على عادة العجم في تمليك الأسباط من ولد البطن‏.‏ وطالـت الحـرب
    بينهما ونزل بالجلالقة من ذلك شغل شاغل واقتطع الكثير من ثغورهم وبلادهم
    فمنعهم ابن الأحمر الجزية واعتز عليهم كما ذكرناه والحال على ذلك لهذا
    العهد‏.‏ وأمـا ملـوك المغـرب فإن السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبي
    الحسن لما استبد بملكه واستفحل أمره وكان عبد الرحمن بن أبي يغلوسن مقدماً
    على الغزاة بالأندلس كما قلناه وهو قسيمه في النسـب ومرادفـه فـي الترشيـح
    للملـك فعثـر السلطان عبد العزيز على مكاتبة بينه وبين أهل دولته فارتاب
    وبعث إلى ابن الأحمر في حبسه فحبسه وحبس معه الأمير مسعود بن ماسي لكثرة
    خوضـه فـي الفتنـة ومكاتبتـه لأهـل الدلـة‏.‏ فلمـا توفـي السلطـان عبـد
    العزيـز سنـة أربع وسبعين وبويع ابنـه محمـد السعيـد يافعـا وكفلـه وزيـر
    أبيـه أبـو بكـر بـن غـازي الثائـر أطلـق ابـن الأحمـر عبـد الرحمن ابن
    يغلوسن من محبسه فنقم ذلك عليه الوزير أبو بكر كافل الدولة بالمغرب واعتزم
    على بعـث الرؤساء من قرابة ابن الأحمر إلى الأندلس لمنازعته ومده بالمال
    والجيش‏.‏ وبلغ ذلك ابن الأحمر فعاجله عنه وسار في العساكر إلى فرضة المجاز
    ونازل جبل الفتح ومعه ابن يغلوسن وابن ماسي واركبهما السفن فنزلوا ببلاد
    بطرة فاضطرب المغرب واشتد الحصار على أهل جبل الفتح واستأمنوا لابن الأحمر
    وأطاعوه‏.‏ وكان بسبتة محمد بن عثمان بن الكاس صهر أبي بكر بن غازي وقريبه
    بعثه لضبط المراسي عندمـا نـزل ابـن الأحمـر علـى الجبـل وبطنجة يومئذ
    جماعة من ولد السلطان أبي الحسن المرشحين محبوسون منذ عهد عبد العزيز فوقعت
    المراسلة من السلطان ابن الأحمر ومحمد ابن عثمان ونكـر عليه مبايعتهم لولد
    صغير لم يراهق‏.‏ وأشار ببيعة واحد من أولئك المرشحين المحبوسين بطنجـة
    ووعـده بالمظاهـرة والمـدد بالمـال والجيش ووقع إختيار محمد بن عثمان على
    السلطان أبي العبـاس أحمـد فأخرجـه وبايـع لـه‏.‏ وقـد كـان أولئـك الفتيـة
    تعاهـدوا فـي محبسهم أن من استولي منهم على الملك أطلق الباقين منهم فوفى
    لهم السلطان أبو العباس لأول بيعته وأطلقهم من المحبس وبعثهم إلى الأندلس
    ونزلوا على السلطان ابن الأحمر فأكرمهم وجعلهم لنظره‏.‏ وبعث بالأموال
    والعساكر للسلطان أبي العباس ولوزيره محمد بن عثمان وكتب إلى عبد الرحمن بن
    يغلوسن بموافقتهما واجتماعهما على الأمر فساروا جميعاً ونازلوا دار الملك
    بفاس حتى استأمن أبو بكر بـن غـازي للسلطـان أبي العباس وأمكنه من البلد
    الجديد دار الملك فدخلها في محرم سنة ست وسبعين‏.‏ وشيـع عبد الرحمن بن
    يغلوسن إلى مراكش وأعمالها وسوغ له ملكها كما كان الوفاق بينهما من قبل‏.‏
    وبعث بالسعيد بن عبد العزيز المنصوب واتصلت الموالاة والمهاداة بينه وبين
    عبد الرحمن صاحب مراكـش ونهـض مـرارا وحاصـره وابـن الأحمـر يمـده تـارة
    وبسعـى بينهمـا فـي الصلـح أخرى إلى أن نهض إليه سنة أربع وثمانين وحاصره
    شهرا واقتحم عليه حصنه عنوة وقتلـه ورجـع إلـى فـاس‏.‏ ثـم نهـض إلـى
    تلمسـان وهـرب صاحبهـا أبو أحمد سلطان بني عبد الواد ودخل السلطان أبو
    العباس تلمسان‏.‏ وكـان جماعـة مـن سماسـرة الفتـن قـد سعـوا مـا بينه وبين
    السلطان ابن الأحمر بالفساد حتى أوغروا صدره وحملوه على نقض دولة السلطان
    أبي العباس ببعض الأعياص الذين عنده فاختار من أولئـك الفتيـة الذيـن
    نزلـوا عليه من طنجة موسى ابن السلطان أبي عنان واستوزر له مسعود بن ماسي
    وركب السفن معه إلى سبتة فبادر أهلها بطاعة موسى وأتوه ببيعتهم وارتحل عنهم
    إلـى فـاس‏.‏ وملـك السلطـان ابـن الأحمـر سبتـة وصـارت في دعوته وعمد
    السلطان موسى إلى دار الملك بفاس فوقف عليها يوماً واستأمنوا له آخر النهار
    فدخلها سنة سـت وثمانيـن وأصبـح جالساً على سرير ملكه‏.‏ وطـار الخبر إلى
    السلطان أبي العباس وقد ارتحل من تلمسان لقصد أبي حمو وبني عبد الواد
    بمكانهـم مـن دار الملـك فكـر راجعـا وأغـذ السيـر إلـى فـاس فلما تجاوز
    تازي وتوسط ما بينها وبين فاس افترق عنه بنو مرين وسائر عساكره وساروا على
    راياتهم إلى السلطان موسى ونهب معسكره ورجع هو إلى تازي فتوثق منه عاملها
    حتى جاء يريد السلطان من فاس فتقبض عليـه وحملـه إلـى فـاس وأزعجـه
    السلطـان موسـى إلـى الأندلـس ونـزل على ابن الأحمر كما كان هو‏.‏ واستولى
    السلطان موسى على المغرب واستبد عليه وزيره مسعود وطالـب ابـن الأحمـر
    بالنـزول علـى سبتـة فامتنـع ونشـأت بينهمـا الفتنـة ودس ابـن ماسـي لأهـل
    بيته بالثورة على حامية السلطان ابن الأحمر عندهم فثاروا عليهم وامتنعوا
    بالقصبة حتى جاءهم المدد في أساطيل ابن الأحمر فسكن أهل بيته واطمأنت الحال
    ونزع إلى السلطان ابن الأحمر جماعة من أهل الدولة وسألوه أن يبعث لهم ملكا
    من الأعياص الذيـن عنـده فبعـث إليهـم الواثـق محمـد بـن الأميـر أبـي
    الفضل ابن السلطان أبي الحسن‏.‏ وشيعه في الأسطـول إلـى سبتـة وخـرج إلـى
    غمـارة‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى مسعـود بـن ماسـي فخرج إليه في العسكر وحاصـره
    بتلـك الجبـال‏.‏ ثـم جـاءه الخبـر بمـوت سلطانـه موسـى ابـن السلطـان أبي
    عنان بفاس فارتحل راجعـاً‏.‏ ولمـا وصـل إلـى دار الملـك نصب على الكرسي
    صبياً من ولد السلطان أبي العباس كان تركه بفاس‏.‏ وجاء السلطان أبو عنان
    ابن الأمير أبي الفضل ونزل بجبل زرهون قبالة فاس‏.‏ وخرج ابن ماسي في
    العساكر فنزل قبالته‏.‏ وكان متولى أمره أحمد بن يعقوب الصبيحي وقد غص به
    أصحابه فذبوا عنه وقتلوه أمام خيمة السلطان‏.‏ وامتعض السلطان لذلـك ووقعـت
    المراسلة بينه وبين ابن ماسي على أن يبايع بشرط الاستبداد عليه واتفقا على
    ذلك‏.‏ ولحق السلطان بابن ماسي ورجع به إلى دار الملك فبايع له وأخذ له
    البيعة من الناس‏.‏ وكانت معه حصـة مـن جنـد السلطـان ابـن الأحمـر مـع
    مولـى مـن مواليـه فحبسهـم جميعا‏.‏ وامتعض لذلك السلطان فأركب أبا العباس
    البحر وجاء معه بنفسـه فدخلهـا وعساكـر ابـن ماسـي عليهـا يحاصرونهـا
    فبايعوا جميعا للسلطان أبي العباس‏.‏ ورجع ابن الأحمر إلى غرناطة وسار
    السلطان أبو العباس إلى فاس واعترضه ابن ماسي في العساكر فحاصره بالصفيحة
    من جبل غمارة وتحدث أهل عسكره في اللحاق بالسلطان أبي العباس ففزعوا إليه
    وهرب ابن ماسي وحاصره السلطان شهـراً حتى نزلوا على حكمه فقطع ابن ماسي بعد
    أن قتله ومثل به‏.‏ وقتل سلطانه واستلحم سائر بني ماسي بالتنكيل والقتل
    والعذاب‏.‏ واستولى على المغرب واستبد بملكه وأفرج السلطان ابن الأحمر عن
    سبتـة وأعادهـا إليـه‏.‏ واتصلت الموالاة بينهما‏.‏ وأقام ابن الأحمر في
    اعتزازه ولم تطرقه نكبة ولا حادثة سائر أيامه إلا ما بلغنا أنه نمى له عن
    ابنـه ولـي عهـده أبـي الحجـاج يوسـف أنـه يـروم التوثـب بـه وكـان علـى
    سفـر فـي بعض نواحي الأندلس فقبـض علـى ولده لحينه ورجع إلى غرناطة‏.‏ ثم
    استكشف حاله فظهرت براءته فأطلقه وأعاده إلى أحسن أحواله‏.‏ وإلا ما بلغنا
    أيضاً أنه لما سار من غرناطة إلى جبل الفتح شاربا لأحوال السلطان أبي
    العباس وهو بالصفيحة من جبال غمارة وابن ماسي يحاصره فنمي إليه أن بعض
    حاشيتـه مـن أولـاد الـوزراء وهـو ابـن مسعـود البلنسـي ابن الوزير أبي
    القاسم بن حكيم وقد اتفقوا علـى اغتيالـه وأن ابـن ماسـي دس إليهـم بذلك
    ونصبت له على ذلك العلامات التي عرفتها فقبض عليهـم لحينـه ولـم يمهلهـم
    وقتلهـم وجميـع من داخلهم في ذلك ورجع إلى غرناطة وأقام ممتنعا بملكه إلى
    أن هلك سنة ثلاث وتسعين‏.‏ فولي مكانه ابنه أبو الحجاج وبايعه الناس وقام
    بأمره خالد مولـى أبيـه وتقبـض علـى أخوتـه سعـد ومحمـد ونصـر فهلكـوا فـي
    محبسهـم ولـم يوقـف لهم على خبر‏.‏ ثـم سعـى عنـده فـي خالد القائم بدولته
    أنه أعد السم لقتله وأن يحيى بن الصائغ اليهودي طبيب دارهم داخله في ذلك
    ففتك بخالد وقتل بين يديه صبراً بالسيوف لسنة أو نحوها من ملكه‏.‏ وحبس
    الطبيـب فذبـح فـي محبسـه‏.‏ ثـم هلـك سنـة أربـع وتسعيـن لسنتيـن أو
    نحوهـا مـن ملكـه‏.‏ وبويـع ابنه محمد وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من
    صنائع أبيه والحال على ذلـك لهـذا العهـد والله غالب على أم
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:31 pm

    هزيمة المهدي وبيعته للمؤيد هشام ومقتله


    ولما دخل المهدي إلى قرطبة خرج المستعين إلى البرابرة وتفرقوا في
    البسائط والقرى فينهبون ويقتلـون ولا يبقـون علـى أحـد‏.‏ ثـم ارتحلـوا
    إلـى الجزيـرة الخضـراء فخـرج المهدي وابن أدفونش واتبعهم المستعيـن
    والبرابـرة أثنـاء ذلـك يحاصرونهـم حتـى خشـي الناس من اقتحام البرابرة
    عليهم فأغروا أهل القصر وحاجبه المدبر بالمهدي وإن الفتنة إنما جاءت من
    قبله وتولى كبر ذلك واضح العامري فقتلـوا المهـدي محمـد بـن هشـام واجتمعت
    الكافة على تجديد البيعة لهشام المؤيد ليعتصموا به من معرة البرابرة وما
    يسومونهم به ملوكهم من سوء العذاب وعاد هشام إلى خلافته وأقام واضح العامري
    لحجابته وهو من موالي المنصور بن أبي عامر‏.‏ حصار قرطبة واقتحامها عنوة
    ومقتل هشام واستمـر البرابـرة على حصار قرطبة والمستعين بينهم ولم يفر عن
    أهل قرطبة تبعه هشام المؤيد والبرابرة يترددون إليها ذاهبين وجائيـن
    بأنـواع النهـب والفتـك إلـى أن هلكـت القـرى والبسائـط وعدمـت المرافـق
    وصافـت أحـوال أهـل قرطبـة وجهدهم الحصار‏.‏ وبعث المستعين البرابرة إلى
    ابن أذفونش يستقدمونه لمظاهرتهم فبعث إليه هشام المؤيد وحاجبه واضحاً
    يكفونه عن ذلك بأن نزلوا له عن ثغور قشتالة التي كان المنصور اقتحمها فسكن
    عزمه وسكن عن مظاهرتهم‏.‏ ثم اتصـل الحصار بمخنق البلد وصدق البرابرة
    القتال فتقتحموها عنوة سنة ثلاث وأربعمائة وفتكوا بهشام المؤيد ودخل
    المستعين‏.‏ ولحق بأهل قرطبة من البرابرة فـي نسائهـم ورجالهـم وبناتهـم
    وأبنائهم ومنازلهم‏.‏ وظن المستعين أن قد استحكم أمره وتوثبت البرابرة
    العبيد على الأعمال فولوا المدن العظيمة وتقلدوا الأعمال الواسعة مثل باديس
    بن حبوس في غرناطة ومحمد بن عبد الله البرزالي في قرمونـة وأبـو ثـور بـن
    أبـي شبـل بالأندلس وصار الملك طوائف في آخرين من أهل الدولة مثل ابن عبـاد
    باشبيليـة وابن الأفطس ببطليوس وابن ذي النون بطليطلة وابن أبي عامر
    ببلنسية ومرسية وابن هود بسرقسطة ومجاهد العامري بدانية والجزائر منذ عهـد
    هـذه الفتنـة كمـا نذكـر فـي أخبارهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ثورة ابن حمود واستيلاؤه وقومه على ملك قرطبة


    ولما افترق شمل جماعة قرطبة البرابرة على الأمر وكان علي بن حمود وأخوه
    قاسم من عقب إدريس قد أجازوا معهم من العدوة فدعوا لأنفسهم وتعصب معهم
    الكثير من البربر‏.‏ وملكوا قرطبـة سنـة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين
    ومحوا ملك بني أمية‏.‏ واتصل ذلك في خلق منهم سبـع سنيـن‏.‏ ثـم رجـع
    الملـك فـي بنـي أميـة وفـي ولـد الناصـر نحـواً مـن سبـع سنيـن‏.‏ ثم خرج
    عنهم وافتـرق الأمـر فـي رؤسـاء الدولة من العرب والموالي والبربر واقتسموا
    الأندلس ممالك ودولاً وتلقبوا بألقاب الخلفاء كما نذكر ذلك كله مستوفى في
    أخبارهم‏.‏ عود الملك إلى بني أمية وأولاد المستظهر لما قطع أهل قرطبة دعوة
    المحموديين يعد سبع من هلكهم وزحف إليهم قاسم بن حمود في جموع من البربر
    فهزمهم أهل قرطبة ثم اجتمعوا واتفقوا على رد الأمر إلى بني أمية واختاروا
    لذلك عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار أخا المهدي وبايعوه في رمضان سنة
    أربع عشرة وأربعمائة ولقبوه المستظهر‏.‏ وقام بأمره المستكفي‏.‏ ثم ثار على
    المستظهر لشهرين من خلافته محمـد بـن عبـد الرحمـن بـن عبيـد اللـه بـن
    الناصـر أميـر المؤمنيـن‏.‏ كـان المنصور بن أبي عامر قتل أباه عبـد
    الرحمـن لسعيـه فـي الخلـاف فثـار الـآن محمـد هـذا وتبعـه الغوغـاء وفتـك
    بالمستظهـر واستقل بأمر قرطبة وتلقب بالمستكفي‏.‏ عود الأمر إلى بني حمود
    وبعـد ستـة عشـر شهـراً مـن بيعـة المستكفـي رجـع الأمر إلى يحيى ابن علي
    بن حمود وهو المعتلي المعتمد من بني أمية ثم خلع أهل قرطبة المعتلي بن حمود
    ثانياً سنة سبع عشرة وبايع الوزير أبو محمد جهور بن جهور عميد الجماعة
    وكبير قرطبة لهشام بن محمد أخي المرتضى وكان بالثغر في لاردة عند ابـن
    هـود‏.‏ ولمـا بلغـه خبـر البيعـة لـه انتقـل إلـى البرنـث واستقـر عنـد
    التغلب عليها محمد بن عبد الله بن قاسم وكانت البيعة له انتقل سنة ثمان
    عشرة وأربعمائة وتلقب المعتمد بالله وأقام متردداً في الثغر‏.‏ ثلاثة أعوام
    واشتدت الفتن بين رؤساء الطوائف واتفقوا على أن ينزل دار الخلافة بقرطبـة
    فاستقدمـه ابـن جهـور والجماعـة ونزلهـا آخـر سنـة عشريـن وأقام يسيراً ثم
    خلعه الجند سنة اثنتين وعشرين وفر إلى لاردة فهلك بها سنة ثمان وعشرين
    وانقطعت دولة الأموية والله غالب على أمره‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دولة بني حمود


    التي أدالت من دولة بني أمية بالأندلس وأولية ملكهم وتصاريف أمورهم إلى
    آخرها كان في جملة المستعين مع البربر والمغاربة أخوان من ولد عمر بن إدريس
    وهما القاسم وعلي ابنـا حمـود بن ميمون بن أحمد بن عبيد الله بن عمر كانوا
    في لفيف البرابرة فكانت للبربر إليهم صاغية بسبب ذلك وخلطة‏.‏ وبقي الفخر
    منهم بتاز غدره من غمـارة فأجـازوا مـع البربـر وصاروا في جملة المستعين مع
    أمراء‏.‏ العدوة من البربر فعقد لهما المستعين فيمن عقد له من المغاربة
    عقد لعلي منهما على طنجة وعملها للقاسم - وكان الأسن - على الجزيرة
    الخضراء‏.‏ وكان في نفوس المغاربة والبرابرة تشيع لأولاد إدريس متوارث حق
    دولتهم بالعدوة كما ذكرناه‏.‏ واستقام أمر علي بن حمود وتمكن سلطانه واتصلت
    دولته عامين إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان وأربعمائة فولي مكانه
    أخوه القاسم بن حمود وتلقب بالمأمون‏.‏ ونازعـه فـي الأمـر بعـد أربـع
    سنيـن مـن خلافتـه يحيـى ابـن أخيـه علـي بسبتـة وكـان أميـر الخرب وولي
    عهد أبيه فبعث إليه أشياعهم من البربر مالاً مع جند الأندلس سنة عشر واحتل
    بمالقة وكان أخـوه إدريـس بهـا منـذ عهـد أبيهمـا فبعـث إلـى سبتـة ووصـل
    إلـى يحيى بن علي زاوى بن زيري من غرناطة وهو عميد البرابرة ثانية يومئذ
    فزحف إلى قرطبة فملكها سنة اثنتي عشرة وتلقب المعتلي واستوزر أبا بكر بن
    ذكـوان وفـر المأمـون إلـى إشبيليـة وبايـع لـه القاضـي محمـد بـن إسماعيل
    بن عباد‏.‏ واستمال بعضاً من البرابرة ثانية واستجاشهم على ابن أخيه ورجع
    إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة‏.‏ ولحق المعتلي بمكانه من مالقة وتغلب أخوه على
    الجزيرة الخضراء عمل المأمون من لدن عهد المستعين وتغلب أخوه إدريس على
    طنجة من وراء البحر وكان المأمون يعتدها حصناً لنفسه وبنيـه ويستـودع بهـا
    ذخيرتـه وبلـغ الخبـر إلـى قرطبـة بتغلبـه علـى قواعده وحصونه مع ما كان
    يتشدد على بني أمية فاضطرب أمر المأمون وثار عليه أهل قرطبة ونقضوا طاعته
    وبايعوا للمستظهر ثـم للمستكفـي مـن بنـي أميـة كمـا ذكرنـاه‏.‏ وتحيـز
    المأمـون وبرابرتـه إلى الأرباض فاعتصموا به وقاتلوا دونه وحاصروا المدينة
    خمسين يوماً‏.‏ ثم صمم أهل قرطبة لمدافعتهم فأخرجوا عن الأرباض وانفضت
    جموعهم سنة عشرة‏.‏ ولحق المأمون باشبيلية وبها ابنه محمد ومحمد بن زيري من
    رجالات البربر فأطمعه القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد في الملك وأن
    يمتنعوا من القاسم فمنعوه وأخرجوا إليه ابنه وضبطوا بلدهم‏.‏ ثم اشتد ابن
    عباد وأخرج محمد بن زيري ولحق المأمـون بشريـش ورجـع عنـه البربـر إلـى
    يحيـى المعتلـي ابـن أخيـه فبايعـوه سنة خمس عشرة‏.‏ وزحف إلـى عمـه
    المأمـون بشريـش فتغلـب عليـه ولـم يزل في محبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائة
    واستقل يحيى المعتلي بالأمور واعتقل محمداً والحسن ابني عمه القاسم المأمون
    بالجزيرة ووكل بهما أبا الحجاج من المغاربة وأقاما كذلك‏.‏ ثم خلع أهل
    قرطبة المستكفي وصاروا إلى طاعة المعتلي واستعمل عليهم عبد الرحمن بن عطـاف
    اليفرني من رجالات البربر وفر المستكفي إلى ناحية الثغر فهلك بمدينة
    سالم‏.‏ ثم نقض أهل قرطبة طاعة المعتلي سنة سبع عشرة وصرفوا عامله عليهم
    ابن عطاف وبايعوا للمعتمد أخي المرتضى‏.‏ ثم خلعوه كما ذكرنا في خبره
    واستبد بأمر قرطبة الوزير ابن جهور بن محمد كمـا نذكـره فـي أخبـار ملـوك
    الطوائـف وأقـام يحيـى بـن المعتلـي يتخيفهـم ويردد العساكر لحصارهم إلى أن
    اتفقت الكافة على إسلام المدائن والحصون له فلا سلطانه واشتد أمره وظاهره
    محمد بن عبـد اللـه البرزالـي علـى أمـره فنـزل عنـده بقرمونـة يحاصـر
    فيهـا ابن عباد بإشبيلية إلى أن هلك سنة سـت وعشريـن بمداخلـة ابـن عبـاد
    للبرزالي في اغتياله فركب المعتلي لخيل أغارت على معسكره بقرمونـة مـن جنـد
    ابـن عباد وقد أكمنوا له فكبا به فرسه وقتل‏.‏ وتولى قتله محمد بن عبد
    الله البرزالي وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة‏.‏ وكـان أحمـد بـن موسـى بـن
    بقيـة والخـادم نجـى الصقلـي وزيـري دولة الحموديين عند أولها فرجعا إلى
    مالقة دار ملكهم واستدعوا أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبتة وطنجة وبايعوه
    على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم أمره بمالقة وتلقب المتأيد بالله
    وبايعـه المريـة وأعمالهـا ورندة والجزيرة وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على
    سبتة ونهض معه نجى الخادم وكان له ظهور على ملوك الطوائف وكان أبوه القاسم
    بن عباد قد استفحل ملكه لذلك العهد ومد يده إلى انتزاع البلاد من أيدي
    الثوار‏.‏ وملك أشبونة وأستجة من يد محمد بن عبد الله البرزالي وبعث
    العساكـر مـع ابنـه إسماعيـل لحصـار قرمونـة فاستصـرخ محمـد بـن عبد الله
    بالقائد هذا وبزاوي فجاء زاوي بنفسه وبعث القائد هذا عساكره مع ابن بقية
    فكانت بينهـم وبيـن ابـن عبـاد حـروب شديدة هزم فيها ابن عباد وقتل وحمل
    رأسه إلى إدريس المتأيد وهلك ليومين بعدها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة‏.‏
    واعتـزم ابـن بقيـة علـى بيعـة ابنـه يحيى الملقب حبون فأعجله عن ذلك نجى
    الخادم وبادر إليه من سبتة ومعه حسن بن يحيى المعتلي فبايعه البربر ولقب
    المستنصر وقتل ابن بقية وفر يحيى بن إدريس إلى قمارش فهلك بها سنة أربع
    وثلاثين ويقال بل قتله نجى ورجع نجى إلى سبتة ليحفظ ثغرها ومعه ولد حسن بن
    يحيى صبياً وترك السطيفي على وزارة حسن لثقته بـه وبايعته غرناطة وجملة من
    بلاد الأندلس‏.‏ وهلك حسن مسموماً بيد ابنة عمه إدريس ثارت لأخيها حسن سنة
    ثمان وثلاثين فاعتقل السطيفي أخاه إدريس بن يحيى وكتب إلى نجى وابن حسـن
    المستنصـر الـذي كان عنده بسبتة ليعقد له واغتاله نجى وأجاز إلى مالقة ودعى
    لنفسه‏.‏ ووافقه البربر والجند‏.‏ ثم نهض إلى الجزيرة ليستأصل حسناً
    ومحمداً ابني قاسم بن حمود ورجع خاسئاً فاغتاله في طريقه بعض عبيد القاسم
    وقتلوه‏.‏ وبلغ الخبر إلى مالقة فثارت العامة بالسطيفي وقتل وأخرج إدريس بن
    يحيى المعتلي من معتقله وبويع له سنة أربع وثلاثين وأطاعته غرناطة قرمونة
    وما بينهمـا ولقـب العالـي وولـى علـى سبتـة سكوت ورزق الله من عبيد
    أبيه‏.‏ ثم قتل محمداً وحسناً ابني عمه إدريس فثار السودان بدعوة أخيهما
    محمد بمالقة وامتنعوا بالقصبة وكانت العامة مع إدريس ثم أسلموه‏.‏ وبويع
    محمد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب المهدي وولى أخاه عهده ولقبه الساني‏.‏
    ثم نكر منه بعض النزعات ونفاه إلى العدوة فأقام بين غمارة ولحق العالي
    بقمارش فامتنع بها وأقام يحاصر مالقة وزحف بإدريس من غرناطة منكراً على
    المهدي فعله فامتنع عليه فبايع له وانصرف وأقام المهدي في ملكه بمالقة
    وأطاعته غرناطة وحيان وأعمالها إلى أن مات بمالقة سنة أربع وأربعين‏.‏
    وبويع إدريس المخلوع ابن يحيى المعتلي من مكانه بقمارش وبويع له بمالقة
    وأطلق أيدي عبيده عليهـا لحقـده عليهـم ففـر كثيـر منهـم إلـى أن هلـك سـن
    سبـع وأربعيـن وبويـع محمـد الأصغر ابن إدريس المتأيـد وتلقبـه وخطـب لـه
    بمالقـة والمرية ورندة‏.‏ ثم سار إليه باديس فتغلب على مالقة سنة تسع
    وأربعين وأربعمائة وسار محمد المستعلي إلى المرية مخلوعاً واستدعاه أهل
    مليلة فأجاز إليهم وبايعوه سنة تسع وخمسين وبايعه بنو ورقدى وقلوع جارة
    ونواحيها‏.‏ وهلك سنة وأربعمائة‏.‏ وأما محمد بن القاسم المعتقل بمالقة ففر
    هو من ذلك الاعتقال سنة أربع عشرة ولحق بالجزيرة الخضـراء فملكهـا وتلقـب
    المعتصـم إلـى أن مـات سنـة أربعيـن‏.‏ ثـم ملكهـا بعـده ابنـه القاسم
    الواثق إلى أن هلك سنة خمسين وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد وكان سكوت
    البرغواطي الحاجب مولـى القاسـم الواثق محمد بن المعتصم ويقال مولى يحيى
    المعتلي والياً على سبتة من قبلهم فلما غلب ابن عباد على الجزيرة طلبه في
    الطاعة وطلب هو ملك الجزيرة فامتنعت عليه واتصلت الفتنـة بينهمـا إلـى أن
    كـان مـن أمـر المرابطين وتغلبهم على سبتة وعلى الأندلس ما سنذكره والبقاء
    لله وحده سبحانه وتعالى‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن ملوك الطوائف بالأندلس بعد الدولة الأموية


    كان ابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم لما انتثر ملك الخلافة العربية
    بالأندلس وافترق الجماعة بالجهات وصار ملكها في طوائف من الموالي والوزراء
    وأعياص الخلافة وكبار العرب والبربر واقتسموا خططها وقام كل واحد بأمر
    ناحية منها‏.‏ وتغلب بعض على بعض استقل أخيراً بأمرهـا ملـوك منهـم استفحـل
    شأنهـم ولاقـوا بالجزيـة للطاغيـة أو يظاهـرون عليهـم أو ينتزعونهـم ملكهم
    حتى أجاز إليهم يوسف بن تاشفين أمير المرابطين وغلبهم جميعاً على أمرهم
    فلنذكر أخبارهم واحداً بعد واحد‏.‏ بنو عباد الخبر عن بني عباد ملوك
    إشبيلية وغربي الأندلس وعمن تغلبوا عليه من أمراء الطوائف كـان أولهـم
    القاضـي أبـو القاسـم محمـد بـن فـي الوزارتين أبي الوليد إسماعيل بن محمد
    بن إسماعيل بـن قريـش بـن عبـاد بـن عمر بن أسلم بن عمر بن عطاف بن نعيم
    اللخمي وعطاف هو الداخل إلى الأندلس في طوالع لخم وأصلهم من جند حمص ونزل
    عطاف قرية طشانة بشرق إشبيلية ونسل بنيه بها‏.‏ وكان محمد بن إسماعيل بن
    قريش صاحب الصلاة بطشانة‏.‏ ثم ولي ابنه إسماعيـل الـوزارة بإشبيليـة سنـة
    ثلاث عشرة وأربعمائة وولي ابنه أبو القاسم القضاء بها والوزارة من سنة أربع
    عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وكـان أصل رياسته أنه كان
    له اختصاص بالقاسم بن حمود وهو الذي أحكم عقد ولايته وكان محمـد بـن زيـري
    مـن أقيـال البرابـرة والياً على إشبيلية فلما فر القاسم من قرطبة وقصده
    داخل بن عباد محمد بن زيري في غرناطة ففعل وطردوا القاسم وطردوا بعدها بن
    زيري وصار الأمر شـورى بينـه وبيـن أبـي بكـر الزبيـدي معلـم هشـام وصاحـب
    مختصـر العيـن فـي اللغة ومحمد بن برمخ الألهانـي‏.‏ ثـم استبـد عليهـم
    وجنـد الجنـد ولـم يـزل علـى القضـاء‏.‏ ولمـا منـع القاسـم من إشبيلية عدل
    عنهـا إلـى قرمونـه ونـزل على محمد بن عبد الله البرزالي وكان ولي قرمونة
    أيام هشام والمهدي من بعده‏.‏ ثم استبد بها سنة أربع وأربعمائة أزمان
    الفتنة فداخله ابن عباد في خلع القاسم والاستبداد بها‏.‏ ثم تنصح للقاسم
    فتحول إلى شريش واستبد محمد بن البرزالي بقرمرنة‏.‏ واستبد أبو القاسم إلى
    أن هلك سنة ثلاث وثلاثين كما قلناه وقام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد
    واستولى على سلطانه واشتدت حروبه وأيامه‏.‏ وتنـاول طائفـة مـن الممالك بعد
    بالأندلس وانفسح أمده وأول ما افتتح أمره بمداخلة محمد بن عبد الله
    البرزالي صاحب قرمونـة فـي إفسـاد مـا بينـه وبيـن القاسـم بـن حمـود حتـى
    تحـول عنـه إلـى شريـش‏.‏ ثم تحارب مع عبد الله بن الأفطس صاحب بطليوس
    وغزاه ابنه إسماعيل في عساكره ومعه محمد بن عبد الله البرزالي فلقيه المظفر
    بن الأفطس فهزمهما وأسر المظفر بن البرزالي إلى أن أطلقـه بعـد حيـن‏.‏
    ثـم فسـد مـا بينـه وبيـن البرزالـي واتصلـت الفتنـة بينهمـا إلـى أن قتله
    ابنه إسماعيل خرج إليه في سرية فأغار على قرمونة وأكمن الكمائن فركب محمـد
    البرزالـي فـي أصحابـه واستطرد له إسماعيل إلى أن بلغ به الكمين فخرجوا
    عليه فقتلوه وذلك سنة أربع وثلاثين‏.‏ ثم خالف عليه ابنه إسماعيل وأغراه
    العبيد والبرابرة بالملك فأخـذ مـا قـدر عليـه مـن المـال والذخيـرة وفر
    إلى جهة الجزيرة للتوثب بها وكان أبوه ليلتئذ بحصن الفرج فأنفذ الخيالة في
    طلبه فمـال إلـى قلعـة الـورد فتقبـض واليهـا عليـه وأنفـذه إلى أبيه فقتله
    وقتل كاتبه وكل من كان معه‏.‏ ثم رجع إلى مطالبة البربر المتزين بالثغور
    وأول من نذكر منهم صاحب قرمونة وكان بها المستظهر العزيز بن محمد بن عبد
    الله البرزالي وليها بعد أبيه كمـا ذكرنـاه‏.‏ وكانـت لـه معهـا أستجـة
    والمروز وكان نموز ورواركش للوزير نوح الرموي من برابرة العدوة وشيعة
    المنصور واستبد بها سنـة أربـع ومـات سنـة ثلـاث وثلاثيـن‏.‏ وولـي ابنـه
    عـز الدولـة الحاجـب أبو مياد محمد بن نوح ومات سنـة‏.‏ وكـان يزيـد أبـو
    ثـور بـن أبـي قـرة اليفرنـي استبـد بهـا أيام الفتنة سنة خمسين من يد عامر
    بن فتـوح مـن صنائـع العلوييـن ولـم يزل المعتضد يضايقه واستدعاه بعض
    الأيام لولاية فحبسه وكاده في ابنـه بكتـاب علـى لسـان جاريتـه برنـدة أنه
    ارتكب منها محرماً ثم أطلقه فقتل ابنه وشعر بالمكيدة فمـات أسفـاً سنـة
    خمسيـن وولـي ابنـه أبـو نصـر إلـى أن غـدر بـه فـي الحصـن بعـض أجناده
    فسقط من السور ومات سنة تسع وخمسين‏.‏ وكـان بشريـش خـزرون بـن عبـدون ثـار
    بها سنة اثنتين وأربعمائة فتقبض عليه ابن عباد وطالبهم وطاف على حصونهـم
    وصـار يهاديهـم وأسجـل لهـم بالبلـاد التـي بأيديهـم فاسجـل لابـن نـوح
    بأركـش ولابـن خـزرون بشريـش ولأبـن أبـي قـرة برنـدة وصـاروا فـي حزبـه
    ووثقـوا بـه‏.‏ ثـم استدعاهـم لوليمة وغدر بهم في حمام استعمله لهم على
    سبيل الكرامة وأطبقه عليهم فهلكوا جميعاً إلا ابن نوح فإنه سالمه من بينهم
    لليد التي كانت له عنده في وخرج باديس لطلب ثأرهم منه واجتمعت إليه عشائرهم
    فنازلوه مدة ثم انصرفوا وأجازوا إلـى العـدوة فاحتلـوا بسبتـة وطردهـم
    سكـوت فهلكـوا فـي المجاعـة التـي صادفـوا وأحلـوا بالمغـرب لذلـك العهد‏.‏
    واستقل ابن عباد وكان بأونية وشلطليش عبد العزيز البكري وكانت عساكر
    المعتضد ابن عباد تحاصره فشفع فيه ابن جهور للمعتضد فسالمه مدة‏.‏ ثم هلك
    ابن جهور فعاد إلى مطالبته إلى أن تخلـى لـه عنهـا سنـة ثلـاث وأربعيـن
    فولـى عليهـا ابنـه المعتمـد‏.‏ ثـم سـار إلـى شلـب وبهـا المظفـر أبـو
    الأصبـغ عيسـى بـن القاضـي أبـي بكـر محمـد بـن سعيـد بـن مزيـن ثـار بها
    سنة تسع عشرة ومات سنة اثنتين وأربعين فسار إليها المعتضد وملكها من يد
    ابنه ونقل إليها المعتمد فنزلها واتخذهـا دار إمـارة‏.‏ ثـم سـار إلـى شنـت
    بريـه وبهـا المعتصـم محمد بن سعيد بن هارون فانخلع له عنها سنة تسع
    وثلاثين وأضافها للمعتمد‏.‏ وكان بلبلة تاج الدين أبو العباس أحمد بن يحيى
    التحصيني ثار بها سنة أربع عشرة وخطب له بأونية وشلطليش ومات سنة ثلاث
    وثلاثين وأوصـى إلـى أخيـه محمـد وضايقـه المعتضـد فهـرب إلـى قرطبـة
    واستبـد بهـا ابن أخيه فتح بن خلف بـن يحيـى‏.‏ وانخلـع للمعتضـد سنـة خمـس
    وأربعين وصارت هذه كلها من ممالك بني عباد‏.‏ وتملك المعتضد أيضاً مرسية
    وثار بها عليه ابـن رشيـق البنـاء وتسمـى خاصـة الدولـة وبقـي ثمـان
    سنين‏.‏ ثم ثاروا عليه سنة خمس وخمسين ورجعوا لابن عباد‏.‏ وتملـك
    المعتضـد مرثلـة مـن يـد ابـن طيفـور سنـة سـت وثلاثيـن وكان تملكها من يد
    عيسى بن نسب الجيش الثائر بها وصارت هذه الممالك كلها في ملك ابن عباد
    وكانت بينه وبين باديس ابن حبـوس صاحـب غرناطـة حـروب إلـى أن هلـك سنـة
    إحـدى وستيـن وولـي من بعده ابنه المعتمد بن المعتضد بن إسماعيل أبو القاسم
    بن عباد وجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة قرطبة من يد ابن جهور
    وفرق أبناءه على قواعد الملك وأنزلهم بها واستفحل ملكه بغرب الأندلس وعلت
    يـده علـى مـن كـان هنالـك مـن ملـوك الطوائـف مثـل ابـن باديـس بـن حبـوس
    بغرناطـة وابـن الأفطـس ببطليـوس وابن صمادح بالمرية وغيرهم‏.‏ وكانوا
    يطلبون سلمه ويعملون في مرضاته وكلهم يدارون الطاغية ويتقونه بالجزى إلى
    ظهر بالعدوة ملك المرابطين واستفحل أمر يوسـف بـن تاشفيـن وتعلقـت آمـال
    المسلميـن فـي الأندلـس بإعانتـه وضايقهم الطاغية في طلب الجزية فقتل ابن
    عباد ثقته اليهودي الذي كان يتردد إليه لمكة لأخذ الجزية بسبب كلمة أسف
    بها‏.‏ ثم أجاز البحر صريخاً إلي يوسف بن تاشفين وكان من إجازته إليه
    ومظاهرته إياه ما يأتي ذكره في أخباره‏.‏ ثم طلب الفقهاء بالأندلس من يوسف
    بن تاشفين رفع المكوس والظلامات عنهـم فتقـدم بذلـك إلـى ملـوك الطوائـف
    فأجازوه بالامتساك حتى إذا رجع من بلادهم رجعوا إلى حالهم وهو خلال ذلك
    يردد العساكر للجهاد‏.‏ ثم أجاز إليهم وخلع جميعهم ونقلهم إلى العدوة
    واستولى على الأندلـس كمـا يأتـي ذكـره فـي أخبـاره‏.‏ وصـار ابـن عبـاد
    فـي قبضـة حكمـه بعـد حـروب نذكرها‏.‏ - ونقله إلى أغمات قرية مراكش سنة
    أربع وثمانين وأربعمائة واعتقله هنالك إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين‏.‏
    وكانـت بالأندلـس ثغور أخرى دون هذه ولم يستول عليها ابن عباد فمنها بلد
    السهلة استبد بها هذيل بن خلف بن رزن أول المائة الخامسة بدعوة هشام تسمى
    مؤيد الدولة‏.‏ وهلك شهيداً سنـة خمسيـن وهلـك بعـده أخـوه حسـام الدولـة
    عبـد الملـك بـن خلف‏.‏ ولم يزل أميراً عليها إلى‏.‏ أن ملكها المرابطون من
    يده عند تغلبهم على الأندلس‏.‏ ومنها بلد البونت واللج تغلب عليها عبد
    الله بن قاسم الفهري أزمان الفتنة وتسمى نظام الدولة وهو الذي كان المعتمد
    عنده عندما ولاه الجماعة بقرطبة ومن عنده جاء إليها وهلك سنة إحدى وعشرين
    وولي ابنه محمد يمين الدولـة وكانـت بينـه وبيـن مجاهـد حـروب‏.‏ وملـك
    بعـده ابنـه أحمـد عقـد الدولة وهلك سنة أربعين‏.‏ وملـك أخـوه عبـد الله
    جناح الدولة إلى أن خلعه المرابطون سنة خمس وثمانين‏.‏ ولنرجع إلى ذكر بقية
    الملوك الأكابر من الطوائف والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب أخبار ابن
    جهور‏:‏ كـان رئيـس الجماعـة أيـام الفتنـة بقرطبـة أبـو الحـزم جهـور بن
    محمد بن جهور ابن عبد الله بن محمد بن المعمر بـن يحيـى بـن أبـي المغافـر
    بـن أبـي عبيـدة الكلبـي هكـذا نسبـه ابـن بشكـوال‏.‏ وأبـو عبيـدة هـو
    الداخل إلى الأندلس وكانت لهم وزارة الدولة العامرية بقرطبة واستبد جهور
    هذا سنة اثنتين وعشريـن وأربعمائـة لمـا خلـع الجنـد المعتـز آخـر خلفـاء
    بنـي أميـة ولم يدخل في أمور الفتنة فاستولى على المملكة ورتب الأمور ولم
    يتحول عن داره إلى قصر الخلافة وكان على سنن أهل الفضل يعـود المرضـى
    ويشهـد الجنائـز ويـؤذن عنـد مسجدهم بالربض الشرقي ويصلي التراويح ولا
    يحتجـب عـن النـاس فأسنـدوا أمرهـم إليـه إلـى أن يوجـد خليفـة إلـى أن
    خاطبهم محمد‏.‏ بن إسماعيل بن عباد يعرفهم أن هشاماً المؤيد عنده بأشبيلية
    وأكثـر فـي ذلـك فخطـب لـه بقرطبـة بعـد مراوضـات‏.‏ ثـم أتـي بـه إلـى
    قرطبـة فمنعـوه الدخـول وأضربـوا عـن ذكـره فـي الخطبـة وانفرد ابن جهور
    بأرهم إلـى أن هلـك فـي محـرم سنـة خمـس وثلاثيـن ودفـن بـداره وولـي ابنـه
    أبـو الوليـد محمـد بـن جهـور باتفـاق مـن الكافـة فجـرى علـى سنـن
    أبيـه‏.‏ وكـان قـد قرأ على مكي ابن أبي طالب المكي وغيره فكان مكرماً
    لأهله‏.‏ واستوزر ثقته إبراهيم بن يحيى فكفاه وهلك كما هو معروف ففوض
    التدبير إلى ابنه عبد الملك فأساء السيرة وتكره إلى الناس‏.‏ وحاصره ابن ذي
    النون بقرطبة فاستغاث بمحمد بن عباد فأمده بالجيش ووصى عسكره بذلك فداخلوا
    أهل قرطبة وخلعوه سنـة إحـدى وستيـن وأخرجـوه عـن قرطبـة‏.‏ واعتقل
    بشلطليش إلى أن هلك سنة اثنتين وسبعين وولـى ابـن عبـاد علـى قرطبـة ابنـه
    سـراج الدولـة وقدمهـا مـن بلنسيـة ودخلها إلى أن قتل بها مسموماً وحمـل
    إلـى طليطلـة فدفـن بهـا‏.‏ وزحـف المعتمـد بـن عبـاد بعـد مهلكـه إلـى
    قرطبة فملكها سنة تسع وستيـن‏.‏ وقتـل ابـن عكاشـة واستخلـف ابنـه المأمـون
    الفتـح بـن محمـد وصـار غرب الأندلس كله في ملكه إلى أن دخل المرابطون
    الأندلس وغلبوا عليهم سنة أربع وثمانين فقتل الفتح وحمل أباه المعتمد إلى
    أغمات كما ذكرناه ونذكره‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير
    الوارثين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار ابن الأفطس صاحب بطليوس من غرب الأندلس ومصاير أمره


    ملك بطليوس من غرب الأندلس عند الفتنة واهتياجها أبو محمد عبد الله بن
    مسلمة التجيبي المعروف بابن الأفطس واستبد بها سنة إحدى وستين وأربعمائة
    فهلك وولي من بعده ابنه المظفر أبو بكر واستفحل ملكه وكان من أعاظم ملوك
    الطوائف‏.‏ وكانت بينه وبين ابن ذي النون حروب مذكورة وكذا مع ابن عباد
    بسبب ابن يحيى صاحب مليلة أعانه ابن عباد عليه فاستولـى بسبـب ذلـك علـى
    كثيـر مـن ثغـوره ومعاقلـه‏.‏ واعتصـم المظفـر ببطليـوس بعد هزيمتين هلك
    فيهما خلق كثير وذلك سنة ثلاث وأربعين‏.‏ ثم أصلح بينهما ابن جهور وهلك
    المظفر سنة ستين وأربعمائة‏.‏ وتولى بعده ابنه المتوكل أبو حفص عمر بن محمد
    المعروف بساجة ولم يزل سلطانـاً بهـا إلـى أن قتلـه يوسف بن تاشفين أمير
    المرابطين سنة تسع وثمانين وأربعمائة وقتل معه أولاده‏.‏ أغراه به ابن عباد
    فلما تمكنت الاسترابة من المتوكل خاطب الطاغية واستراح إليه مما دهمه‏.‏
    وشعر به ابن عباد فكاتـب يوسـف بـن تاشفيـن واستحثـه لمعاجلتـه قبـل أن
    يتصـل بالطاغية ويتصل بالثغر فأغذ إليـه السيـر ووافـاه سنـة فقبـض عليـه
    وعلـى بنيـه وقتلهـم يـوم الأضحى حسبما نذكر في أخبارهم‏.‏ ورثاه ابن عبدون
    بقصيدته المشهورة وهي‏:‏ الدهر يفجـع بعـد العيـن بالأثـر فما البكاء على
    الأشباح والصور عـدد فيهـا أهل النكبات ومن عثر به الزمان بما يبكي الجماد
    وسنذكر قصتهم في أخبار لمتونة وفتحهم الأندلس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما
    يريد‏.‏ أخبار باديس بن حسون ملك غرناطة والبيرة كان عميد صنهاجة في الفتنة
    البربرية زاوي بن زيري بن مناد‏.‏ أجاز إلى الأندلس على عهد المنصور فلما
    هاجت الفتنة البربرية وانحل نظام الخلافة كان فحـل ذلـك الشـول وكبـش تلـك
    الكتائـب وعمد إلى البيرة ونزل غرناطة واتخذها داراً لملكه‏.‏ ولما بايع
    الموالي العامريون للمرتضى المروانـي وتولـى كبـر ذلـك مجاهـد العامري
    ومنذر بن يحيى بن هاشم التجيبي وعمد إلى غرناطة فلقيهم زاوي بن زيري في
    جموع صنهاجة وهزمهم سنة عشرين وأربعمائـة وقتـل المرتضـى‏.‏ وأصاب زاوي من
    ذخائرهم وأموالهم وعددهم ما لم يقتنه ملك‏.‏ ثم وقع في نفسه سوء آثار
    البربـر بالأندلـس أيـام هذه الفتنة وحذر مغبة ذلك فارتحل إلى سلطان قومه
    بالقيروان واستخلـف علـى غرناطـة ابنـه فدبـر القبـض علـى ابـن رصيـن
    ومشيخة غرناطة إذا رجعوا عن أبيه وشعروا بذلك فبعثوا إلى ابن أخيه ماكس بن
    زيري من بعض الحصون فوصل وملك غرناطة واستبـد بهـا إلـى أن هلـك سنة تسع
    وعشرين وولي ابنه باديس وكانت بينه وبين ذي النون وابن عبـاد حـروب‏.‏
    واستولـى علـى سلطانـه كاتبـه وكاتـب أبيـه إسماعيـل بـن نعزلـة الذمـي‏.‏
    ثـم نكبـه وقتله سنـة تسـع وخمسيـن وقتـل معـه خلقـاً مـن اليهـود‏.‏ وتوفي
    سنة سبـع وستين وولي حافده المظفر أبو صمـد عبـد اللـه بـن بلكيـن بـن
    باديـس وولـى أخـاه تميمـاً بمالقة بعهده جده‏.‏ وخلعهما المرابطون سنة
    ثلاث وثمانين وأربعمائة وحملا إلى أغمات ووريكـة واستقـرا هنالـك حسبمـا
    يذكـر بعـد فـي أخبارهم مع يوسف بن تاشفين والله وارث الأرض ومن عليها وهو
    خير الوارثين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن بني ذي النون ملوك طليطلة من الثغرالجوفي


    وتصاريف أمورهم ومصائر أحوالهم جدهم إسماعيل الظافر بن عبد الرحمن بن
    سليمان بن ذي النون أصله من قبائل هوارة ورأس سلفـه فـي الدولـة
    المروانيـة‏.‏ وكانـت لهم رياسة في شنترية‏.‏ ثم تغلب على حصن أفلنتين
    أزمان الفتنة سنة تسع وأربعمائة‏.‏ وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش
    واليها منذ أول الفتنة فلما هلك سنة سبع وعشرين استدعاه إسماعيل الظافر من
    حصن أفلنتين مع بعض أجناد طليطلـة فمضـى إليهـا وملكهـا‏.‏ وامتـد ملكـه
    إلـى جنجالـة مـن عمل مرسية ولم يزل أميراً بها إلى أن هلـك سنـة تسـع
    وعشريـن‏.‏ وولي ابنه المأمون أبو الحسن يحيى واستفحل ملكه وعظم بين ملوك
    الطوائف سلطانه وكانت بينه وبين الطاغية مواقف مشهورة‏.‏ وفي سنة خمـس
    وثلاثيـن غـزى بلنسيـة وغلـب علـى صاحبهـا المظفـر ذي السابقين من ولد
    المنصور بن أبي عامر‏.‏ ثم غلب على قرطبة وملكها من يد ابن عباد وقتل ابنه
    أبا عمر بعد أن كان ملكهـا وهلـك الظافـر بهـا مسمومـا سنـة سبع وستين كما
    ذكرناه‏.‏ وولي بعده على طليطلة حافده القادر يحيى بن إسمعيل بن المأمون
    يحيى بن ذي النون وكان الطاغية ابن أدفونش قد استفحل أمره لما خلا الجو من
    مكان الدولة الخلافية وخف ما كان على كاهله من أمره العرب فالتهم البسائـط
    وضايـق ابـن ذي النـون حتـى غلـب علـى طليطلـة فخـرج لـه القادر عنها سنة
    ثمان وسبعين وأربعمائة وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية وعليها عثمان
    القاضي بن أبي بكر بن عبـد العزيـز مـن وزراء ابن أبي عامر فخلعه أهلها
    خوفاً من القادر أن يمكن منهم ألفنش فدخلها القادر وأقام بها سنتين وقتل
    سنة إحدى وثمانين على ما نذكر بعد إن شاء الله تعالى‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن أبي عامر صاحب شرق الأندلس من بني ملوك الطوائف


    وأخبار الموالي العامريين الذين كانوا قبله وابن صمادح قائده بالمرية
    وتصاريف أحوالهم ومصائرها‏:‏ بويع للمنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن الناصر
    بن أبي عامر بشاطبة سنة إحدى عشرة وأربعمائة أقامه الموالي العامريون عند
    الفتنة البربرية فاستبد بها‏.‏ ثم ثار عليـه أهـل شاطبة فأفلت ولحق ببلنسية
    فملكها وفوض أمره للموالي‏.‏ وكان من وزرائه ابن عبد العزيز وكان خيران
    العامري من مواليهم‏.‏ وكان من وزرائه ابن عبد العزيز وكان خيران العامري
    من مواليهم تغلب من قبل ذلك على أربولة سنة أربع‏.‏ ثم ملك مرسية سنة سبع
    ثم حيان ثم المرية سنة تسع وبايعوا جميعاً للمنصور عبد العزيز‏.‏ ثم انتقض
    خيران على المنصور وسار من المرية إلى مرسية وأقام بها ابن عمه أبا عامر
    محمد بـن المظفـر بـن المنصـور بـن أبـي عامـر خـرج إليه من قرطبة من حجر
    القاسم بن حمود وخلص إلى خيران بأموال جليلة فجمع الموالي فأخذوا ماله
    وطردوه‏.‏ ثم ولـاه خيـران وسمـاه المؤتمـن ثـم المعتصـم‏.‏ ثـم تنكـر
    عليـه وأخرجـه مـن مرسيـة ولحـق بالمريـة وأغرى به الموالي فأخذوا ماله
    وطردوه ولحق بغرب الأندلس إلي أن مات‏.‏ ثم هلك خيران بالمرية سنة تسع عشرة
    وقام بالأمر بعده الأميـر عميـد الدولـة أبـو قاسـم زهيـر العامـر فـي
    وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حبوس وهزمه وقتل بظاهرها سنة تسع
    وعشرين فصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية وملكها من يده سنة سبع
    وخمسين‏.‏ ولمـا هلـك المأمـون بـن ذي النـون وولـى حافـده القـادر ولى على
    بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبي عامر فداخله ابن هود في
    الانتقاض على القادر ففعل واستبد بها وضبطها سنـة ثمـان وستيـن حيـن تغلـب
    المقتدر على دانية‏.‏ ثم هلك سنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايتـه‏.‏
    وولـي ابنـه القاضـي عثمـان فلمـا سلـم القـادر بـن ذي النـون طليطلـة زحـف
    إلى بلنسية ومعه الفنش كما قلناه وخلع أهل بلنسية عثمان بن أبي بكر
    وأمكنوا منها القادر خوفاً من استيلاء النصراني وذلك سنة ثمان وسبعين
    وأربعمائة‏.‏ ثـم ثـار القـادر سنـة ثلـاث وثمانيـن القاضي جعفر بن عبد
    الله بن حجاب وقتله واستبد بها‏.‏ ثم تغلـب النصارى عليها سنة تسع وثمانين
    وقتلوه‏.‏ ثم تغلب المرابطون على الأندلس وزحف ابن ذي النـون قائدهـم إلـى
    بلنسيـة فاسترجعهـا مـن أيديهـم سنـة خمـس وتسعيـن وأربعمائة‏.‏ وأما معن
    بن صالح قائد الوزير ابن أبي عامر فأقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثمان
    وثمانين وتسمـى ذا الوزارتيـن‏.‏ ثـم خلعـه وولى ابنه المعتصم أبو يحيى
    محمد بن معن بن صمادح واستبد بها أربعاً وأربعيـن سنـة وثـار عليه صاحب
    لورقة ابن شبيب وكان أبوه معزولاً عليها فجهز إليه المعتصم جيشا واستمد ابن
    شبيب المنصور بن أبي عامر صاحب بلنسية ومرسية بالعدو واستمد المعتصم
    بباديس ونهض عمه صمادح بن باديس بن صمادح فقاتلوا حصوناً من حصون لورقة
    واستولـوا عليهـا ورجعـوا ولـم يزل المعتصم أميراً بالمرية إلى أن هلك سنة
    ثمانين وولي ابنه وخلعه يوسـف بـن تاشفيـن أميـر المرابطيـن سنـة أربع
    وثمانين وأجاز إلى العدوة ونزل على آل حماد بالقلعة وبها مات ولده والله
    وارث الأرض ومن عليها‏.‏ بنو هود الخبر عن بني هود ملوك سرقسطة من الطوائف
    صارت إليهم من بني هاشم وما كان من أوليتهم ومصائر أمورهم كان منذر بن مطرف
    بن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى وكان
    بين المنصـور وعبـد الرحمـن منافسـة علـى الإمـارة والرياسـة وكانـت دار
    إمارتـه سرقسطة ولما بويع المهدي بن عبد الجبار وانقرض أمر العامريين وجاءت
    فتنة البربر كان مع المستعين حتى قتل هشام مولاه فامتعض لذلك وفارقه وبايع
    المرواني للمرتضى مع مجاهد ومن اجتمـع إليـه مـن الموالـي والعامرييـن
    وزحفـوا إلى غرناطة فلقيهم زاوي بن زيري وهزمهم‏.‏ ثم ارتابوا بالمرتضـى
    ووضعـوا عليـه من قتله مع خيران بالمرية واستبد منذر هذا بسرقسطة والثغر
    وتلقب بالمنصـور وعقدهـا بين طاغية جليقة وبرشلونة وبنيه وهلك سنة أربع
    عشرة وولي ابنه وتقلب المظفـر‏.‏ وكـان أبـو أيـوب سليمـان بـن محمـد بن
    هود الجذامي من أهل نسبهم مستبداً بمدينة تطيلة ولاها منذ أول الفتنة وجدهم
    هود هو الداخل للأندلس ونسبه الأزد إلى سالم مولـى أبـي حذيفة‏.‏ قال هود
    بن عبد الله بن موسى بن سالم‏:‏ وقيل هود من ولد روح بن زنباغ فتغلب سليمان
    على المظفر يحيى بن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وملك سرقسطة والثغر
    الأعلى وابنه يوسف المظفر لاردة‏.‏ ثم نشأت الفتنـة بينهمـا وانتصـر
    المقتـدر بالإفرنـج والبشكنـس فجـاؤوا لميعاده فوقعت الفتنة بين المسلمين
    وبينهم ثائرة وانصرفوا إلى يوسف صاحب لاردة فحاصرها بسرقسطة وذلـك سنـة
    ثلـاث وأربعيـن‏.‏ وهلـك أحمـد المقتـدر سنـة أربـع وسبعيـن لتسـع وثلاثيـن
    سنـة من ملكه فولي بعده ابنه يوسف المؤتمن وكان قائما على العلوم الرياضية
    وله فيها تآليف مثل الاستهلال والمناظر ومات سنة ثمان وسبعين وهي السنة
    التـي استولـى فيهـا النصـارى علـى طليطلـة مـن يـد القـادر بـن ذي
    النـون‏.‏ وولـي بعده المستعين وعلى يده كانت وقعة وشقة زحف سنة تسع
    وثمانين في آلاف لا تحصى من المسلمين وهلك فيها خلـق نحـو عشـرة آلـاف ولـم
    يـزل أميـرا بسرقسطة إلى أن هلك شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة بظاهر سرقسطة في
    زحف الطاغية إليها‏.‏ وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عماد الدولة وأخرجه
    الطاغية من سرقسطة سنة اثنتي عشـرة فنـزل روطـة مـن حصونهـا وأقـام بهـا
    إلـى أن هلـك سنـة ثلـاث عشرة‏.‏ وولي ابنه أحمد وتلقب سيـف والمستنصـر
    وبالـغ النكايـة فـي الطاغيـة ثـم سلـم لـه روطـة على أن يملكه بلاد
    الأندلس فانتقل معـه إلـى طليطلـة بحشمـه وآلتـه وهنالـك هلـك سنة ست
    وثلاثين وخمسمائة‏.‏ وكان من ممالك بني هود هؤلاء مدينة طرطوشة وقد كان
    بقايا من الموالي العامريين فملكها سنة ثلـاث وثلاثيـن وأربعمائة‏.‏ ثم هلك
    سنة خمس وأربعين وملكها بعده يعلى العامري ولم تطل مدته‏.‏ وملكها بعـده
    شبيـل إلـى أن نـزل عنهـا لعمـاد الدولـة أحمـد بـن المستعيـن سنـة ثلـاث
    وخمسين فلم تزل في يده وفـي يـد بنيـه مـن بعـده إلـى أن غلـب عليهـا
    العـدو فيمـا غلـب عليه من شرق الأندلس‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو
    خير الوارثين‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:27 pm

    أخبار الناصر مع أهل العدوة


    ثـم سمـا للناصـر أهـل فـي ملـك عـدوة البربـر مـن بلـاد المغـرب
    فافتتـح أمـره بملك سبتة من بني عصام ولاتها واستدعى أمراء البربر بالعدوة
    وبلغ الخبر إبراهيم بن محمد أمير بني إدريس فبادر إلى سبتـة وحاصرها أنفة
    من عبور الناصر إليهم‏.‏ ثم استقال وكاتب الناصر بالولاية‏.‏ وأما إدريس بن
    إبراهيم صاحب أرشكوك من الأدارسة فبادر بولاية الناصر وكاتبه وأهدى إليه
    وتقبل أثره فـي ذلـك محمـد بن خزر أمير مغراوة وموسى بن أبي العافية أمير
    مكناسة وهو يومئذ صاحب المغرب بعد أن ملك قواعد المغرب الأوسط وهي تنس
    ووهران وشرشال والبطحاء‏.‏ وأهدوا إلـى الناصـر فقبـل وكافأهـم وأحكـم
    ولايتهـم وبـادر جماعـة من الأدارسة إلى مثل ذلك منهم القاسم بـن إبراهيـم
    والحسـن بن عيسى وأهدى صاحب فاس هدية عظيمة وعقد له الناصر على أهل
    بيتـه‏.‏ ولمـا فشـت دعـوة الناصر في المغرب الأقصى بعث عبيد الله المهدي
    قائمه ابن يصل أمير مكناسـة وعامـل تاهـرت فزحـف فـي العساكـر إلى المغرب
    سنة إحدى وعشرين وكتب موسى بن أبي العافية إلى الناصر يستنجده فأخرج إليه
    قاسم بن طملس في العساكر ومعه الأسطول فوصـل إلـى سبتـة وبلغـه الخبـر بـأن
    موسـى بـن أبـي العافيـة هـزم عساكـر حميـد فأقصـر ورجـع حسبما هو مذكور
    في أخبارهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار الناصر مع الفرنجة والجلالقة


    وكـان فـي أول المائـة الرابعـة ملـك علـى الجلالقـة أردون بـن رذميـر
    بـن برمند بن قريولة بن اذفونش بن بيطـر‏.‏ وخـرج سنـة اثنتيـن وثلاثمائة
    إلى الثغر الجوفي لأول ولاية الناصر وعاث في جهات ماردة وأخـذ حصـن
    الحنـش‏.‏ وبعث الناصر وزيره أحمد بن عبدة في العساكر إلى بلاده فدوخها‏.‏
    ثم أغـزاه ثانيـة سنـة خمـس فنكـث وقتـل‏.‏ ثـم أغـزى بـدراً مولـاه فـدوخ
    ورجـع ثـم غـزا بنفسـه بلـاد جليقة سنة ثمان‏.‏ واستنصر أردون بشانجة ابـن
    غرسيـة ملـك البشكنـس وصاحـب بنبولـة فهزمهـم الناصر ووطىء بلادهم وخربها
    وفتح حصونها وهدمها وردد الغزو بعد ذلك في بلد غرسية إلـى أن هلـك أذفونـش
    وولـي بعـده ابنـه فرويلـة‏.‏ قـال ابـن حيـان‏:‏ لمـا ملك فرويلة بن أردون
    بن رذمير ملك الجلالقة سنة ثلـاث عشـرة وثلاثمائـة ملـك أخـوه أذفونـش
    ونازعـه أخـوه شانجـة واستقـل غرسية بليون من قواعد ملكهم وظاهر أذفونش على
    أمره ابن أخيه وهو أذفونش ين فرويلة وصهره شانجة فانهزموا وافترقت
    كلمتهم‏.‏ ثم اجتمعوا ثانية وخلعوا شانجة وأخرجوه عن مدينة ليـون ففـر إلـى
    قاصيـة جليقـة وولى أخاه رذمير بن أردون على ملكه بغربي جليقة إلى
    قلنسرية‏.‏ وهلـك شانجـة أثـر ذلـك ولـم يعقـب‏.‏ واستقـل أذفونـش وخـرج
    علـى أخيه رذمير وملك مدينة سنت ماذكـش‏.‏ ثـم أكثـروا عليـه العـذل فـي
    نزوعـه عـن الرهبانيـة فرجـع إلـى رهبانيتـه‏.‏ ثـم خـرج ثانيا وملك مدينة
    ليون وكان رذمير أخوه غازياً إلى سمورة فرجع إليه وحاصره بها حتى اقتحمها
    عليه عنـوة سنـة عشريـن وثلاثمائـة فحبسـه ثـم سمله في جماعة من ولد أبيه
    أردون خافهم على أمرهم وكان غرسية بن شانجة ملك البشكنس لما هلك قامت
    بأمرهم بعده أخته طوطة وكفلـت ولده‏.‏ ثم انتقضت سنة خمس وعشرين فغزا
    الناصر بلادها وخرب نواحي بليونة وردد عليها الغزوات وكذا أمية بن إسحاق في
    تسترين‏.‏ وكان الناصر سنة اثنتين وعشرين قد غزا إلى وحنشمة واستدعى محمد
    بن هشام من سرقسطة فامتنع ورجع إليه وافتتح حصونه وأخذ أخاه يحمى مـن حصـن
    روطـة‏.‏ ثـم رحل إلى ينبلونة فجاءته طوطة بنت أنثير بطاعتها وعقد لابنها
    غرسية بـن شانجـة علـى ينبلونـة‏.‏ ثـم عـدل إلـى لبلـة وبسائطها فدوخها
    وخرب حصونها‏.‏ ثم أقتحم جليقة وملكها يومئذ رذمير بن أردون فخام عن اللقاء
    ودخل هو وحشمه فنازله الناصر فيها وهدم برغث وكثيراً من معاقلهم وهزمهم
    مراراً ورجع‏.‏ ثـم كانـت بعدها غزوة الخندق ولم يغز الناصر بعدها بنفسه‏.‏
    وكان يردد الصوائف وهابته أمم النصرانيه‏.‏ ورفدت عليه سنة ست وثلاثين رسل
    صاحب القسطنطينية وهديته وهـو يومئـذ قسنطيـن بـن ليون بن شل واحتفل
    الناصر للقائهم في يوم مشهود وكتب فيه العساكر بالسلاح في أكمل هيئة وزي
    وزين القصر الخلافي بأنواع الزينة وأصناف الستور وجمل السرير الخلافي
    بمقاعد الأبناء والأخوة والأعمام والقرابة ورتب الوزراء والخدمة في مواقفهم
    ودخل الرسـل فهالهـم ما رأوا وقربوا حتى أدوا رسالتهم‏.‏ وأمر يومئذ
    الأعلام أن يخطبوا في ذلك المحفل ويعظمـوا أمـر الإسلـام والخلافـة
    ويشكـروا نعمـة اللـه علـى ظهور دينه وإعزازه وذله عدوه فاستعـدوا لذلـك‏.‏
    ثـم بهرهـم هـول المجلـس فرجعـوا وشرعـوا فـي الغـزل فارتج عليهم وكان
    فيهم أبو علي القالي وافد العراق كان في جملة الحكم ولي العهد وندبه لذلك
    استئثاراً لفخره فلما وجمـوا كلهـم قـام منـذر بـن سعيد البلوطي من غير
    استعداد ولا رويه ولا ثقدم له أحد في ذلك بشيء فخطب واستخفر وجلى في ذلك
    القصد وأنشد آخره شعراً طويلا ارتجله في ذلك الغرض ففاز بفخر ذلك المجلس
    وعجب الناس من شأنه كثر من كل ما وقع‏.‏ وأعجب الناصر به وولاه القضاء
    بعدها وأصبح من رجالات العالم وأخباره مشهورة وخطبته في ذلك اليوم منقولـة
    فـي كتـب ابـن حيـان وغيـره‏.‏ ثـم انصـرف هـؤلاء الرسـل وبعـث الناصـر
    معهم هشام بن كليب إلى الجاثليق ليجدد الهدنة ويؤكد المودة ويحسن
    الإجابة‏.‏ ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء وجاءت معه رسل
    قسطنطين‏.‏ ثم جاء رسل ملك الصقالبة وهو يومئذ هوتو وأخر من ملك اللمان
    وأخر من ملك الفرنجة وراء المغرب وهو يومئذ أخوه‏.‏ وأخر من ملك الفرنجة
    بقاصية المشرق وهو يومئذ كلدة واحتفل السلطان لقدومهم وبعث مع رسل الصقالبة
    ريفا الأسقف إلى ملكهم هوتو ورجعوا بعد سنتين‏.‏ وفي سنة أربع وأربعين
    جـاء رسـول أردون بـن رذميـر وأبـوه رذميـر هـو الـذي سمـل أخـاه أذفونش
    وقد مر ذكره بعث يخطب السلم فقعد له ثم بعث في سنة خمس وأربعين يطلب إدخال
    قومس قشتيلية فردلند وقد مر ذكره ومال إلى أردون بن رذمير كمـا ذكرنـاه‏.‏
    وكـان غرسيـة بـن شانجـة حافـد الطوطه بنت أسنين ملكة البشكنس فامتعضت لحل
    حافدها غرسية ووفدت على الناصر سنة سبع وأربعين ملقية بنفسها في عقد السلم
    لها ولولدها شانجة بن رذمير الملك وأعانه حافدها غرسية بن شانجة على ملكه
    ونصره من عدوة وجاء ملك جليقة فرد عليه ملكه وخلع الجلالقة طاعة أردون وبعث
    إلى الناصر يشكوه على فعلته وكتب إلى الأمم في النواحي بذلك وبما ارتكبه
    فردلند قومس قشتيلة وعظيم قوامس في نكثة ووثوبه ونفـر بذلـك عنـد الأمـم
    ولـم يـزل الناصـر علـى موالاتـه وإعانته إلى أن هلك‏.‏ ولما وصل رسول كلدة
    ملـك الإفرنجـة بالمشـرق كمـا تقدم وصل معه رسول مغيرة بن شبير ملك
    برشلونة وطركونة راغبا في الصلح فأجابه الناصر ووصل بعده رسول صاحب رومة
    يطلب المودة فأجيب‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up سطوة الناصر بابنه عبد الله


    كـان الناصـر قـد وشحـه ابنه الحكم وجعله ولي عهده وآثره على جميع ولده
    ودفع إليه كثيراً من التصرف في دولته وكان أخوه عبد الله يساميه في الرتبة
    فغص لذلك وأغراه الحسد بالنكثة فنكـث وداخـل فـي قلبـه مـرض مـن أهـل
    الدولـة فأجابـوه وكـان منهم ياسر الفتى وغيره‏.‏ ونمى الخبر بذلك إلى
    الناصر فاستكشف أمرهم حتى وقف على الجلي فيه وقبض على ابنه عبد الله وعلى
    ياسر الفتى وعلى جميع من داخلهم وقتلهم أجمعين سنة ثلاث وتسعين‏.‏ ولما
    استفحل ملك الناصر صرف نظره إلى تشييد المباني والقصور وكان جده الأمير
    محمد وأبـوه عبـد الرحمـن الأوسـط وجـده الحكـم قـد اختلفـوا في ذلك وبنوا
    قصورهم على أكمل الاتفاق والضخامة وكان منها المجلس الزاهر والبهو الكامل
    والقصر المنيف فبنى هو إلى جانب الزاهر قصره العظيـم وسمـاه دار الروضـة
    وجلـب المـاء إلـى قصورهـم مـن الجبـل واستدعـى عرفـاء المهندسيـن
    والبنائيـن مـن كـل قطـر فوفـدوا عليـه حتى من بغداد والقسطنطينية‏.‏ ثم
    أخذ في بناء المنتزهات فاتخذ مينا الناعورة خارج القصـور وسـاق لهـا المـاء
    مـن أعلـى الجبـل علـى بعـد المسافة‏.‏ ثم اختط مدينة الزهراء واتخذها
    منزله وكرسياً لملكه فأنشأ فيها من المباني والقصور والبساتيـن مـا عـلا
    علـى مبانيهـم الأولى واتخذ فيها مجالات للوحش فسيحة الفناء متباعدة السياح
    ومسارح الطيور ومظللة بالشباك واتخذ فيها داراً لصناعة آلات السلاح للحرب
    والحلي للزينة وغير ذلك من المهن‏.‏ وأمر بعمل الظلة على صحن الجامع بقرطبة
    وقاية للناس من حر الشمس‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة الناصر وولاية ابنه الحكم المستنصر


    ثـم توفـي الناصـر سنـة خمسيـن وثلاثمائـة أعظـم مـا كـان سلطانه وأعز
    ما كان الإسلام بملكه‏.‏ وكان له قضاة أربعة‏:‏ مسلم بن عبد العزيز وأحمد
    بن بقى بن مخلد ومحمد بن عبد الله بن أبي عيسى ومنذر بن سعيد البلوطي‏.‏
    ولما توفي الناصر ولي ابنه الحكم وتلقب المستنصر بالله وولـى علـى حجابتـه
    جعفر المصحفي وأهدى له يوم ولايته هدية كان فيها من الانصاف ما ذكره ابن
    حيان في المقتبس وهي مائة مملوك من الفرنج ناشئة على خيول صافنة كاملـو
    الشيكـة والأسلحة من السيوف والرماح والدرق والتراس والقلانس الهندوية
    وثلاثمائة ونيف وعشرون درعاً مختلفة الأجانس وثلثمائة خوذة كذلك ومائة بيضة
    هندية وخمسون خـوذة حبشيـة مـن حبشيات الإفرنجة غيـر الحبـش التـي
    يسمونهـا الطاشانيـة وثلاثمائـة حربـة إفرنجيـة ومائـة تـرس سلطانيـة
    الجنـس وعشـرة جواشن نقية مذهبة وخمسة وعشرون قرنا مذهبة من قرون
    الجاموس‏.‏ ولأول وفاة الناصر طمع الجلالقة في الثغور فغزا الحكم بنفسه
    واستباحها وقفـل فبادروا إلى عقد السلم معه وانقبضوا عما كانوا فيه‏.‏ ثم
    أغزى غالبا مولاه بلاد جليقة وسار إلـى مدينـة سالـم قبـل الدخـول لـدار
    الحـرب فجمـع لـه الجلالقـة ولقيهـم علـى أشتة فهزمهم واستباحهم وأوطأ
    العساكر بلاد فردلند القومس ودوخها وكان شانجة بن رذمير ملك البشكنس قد
    انتقض فأغزاه الحكـم يحيـى بـن محمـد التجيبـي صاحـب سرقسطـة فـي
    العساكـر‏.‏ وجـاء ملـك الجلالقـة لنصـره فهزمهم وامتنعوا في حصونها‏.‏
    وعاث في نواحيها وأغزى الهذيل بن هاشم ومولاه غالبا فعاثا فيها وقفلا‏.‏
    وعظمت فتوحات الحكم وقواد الثغور في كل ناحية وكان من أعظمها فتح قلهرة من
    بلاد البشكنس على يد غالب فعمرها الحكم واعتنى بها‏.‏ ثم فتح قطريبة على يد
    قائد وشقـة وغنـم مـا فيهـا مـن الأمـوال والسلـاح والآلـات والأقـوات‏.‏
    وغنم ما في بسيطة من الغنم والبقر والرمك والأطعمة والسبي ما لا يحصى‏.‏
    وفي سنة أربع وخمسين سار غالب إلى بلاد ألبة ومعه يحيى بن محمد التجيبي
    وقاسم بن مطرف بن ذي النون فأخذ حصن غرماج ودوخ بلادهم وانصرف‏.‏ وظهرت في
    هذه السنة مراكب المجوس في البحر الكبير وأفسدوا بسايط أحشبونة وناشبهم
    الناس القتال فرجعوا إلى مراكبهم وأخرج الحكم القواد لاحتراس السواحل وأمر
    قائد البحر عبد الرحمـن بـن رماجـس بتعجيـل حركـة الأسطـول‏.‏ ثـم وردت
    الأخبـار بأن العساكر نالت منهم من كل جهة من السواحل‏.‏ ثم كانت وفادة
    أردون بن أذفونش ملك الجلالقة‏.‏ وذلك أن الناصر لما أعان عليه شانجة بن
    رذمير وهو ابن عمه وهو الملك من قبل أردون وحمل النصرانية‏.‏ واستظهـر
    أردون بصهـره فردلنـد قومـس قشتيليـة‏.‏ ثم توقع مظاهرة الحكم لشانجة كما
    ظاهره أبوه الناصر فبادر بالوفادة علي الحكم مستجيرا به فاحتفل لقدومه وكان
    يوماً مشهوداً وصفه ابن حيان‏.‏ كما وصف أيام الوفادات قبله‏.‏ ووصل إلى
    الحكم وأجلسه ووعده بالنصر على عدوه وخلع عليه لما جاء ملقيا بنفسه وعاقده
    على موالاة الإسلام ومقاطعة فردلند القومس وأعطى علـى ذلـك صفقـة يمينه
    ورهن ولده غرسية ودفعت الصلات والحملات له ولأصحابه‏.‏ وانصـرف معـه وجـوه
    نصـارى الذمة بقرطبة ولبد بن مغيث القاضي وأصبغ بن عبد الله بن نبيل
    الجاثليق وعبد الله بن قاسم مطران طليطلة ليوطئوا له الطاعة عند رسميته
    ويقبضوا رهنه وذلك سنة إحدى وخمسين‏.‏ وعند ذلك بعث ابن عمه شانجة بن رذمير
    ببيعته وطاعته مع قولـب مـن أهـل جليقة وسمورة وأساقفهم يرغب في قبوله
    ويبقي بما فعل أبوه الناصر معه فتقبل بيعتهم على شروط شرطها كان منها هدم
    الحصون والأبراج القريبة من ثغور المسلمين‏.‏ ثـم بعـث قومـس الفرنجـة برسل
    ومسيرة أثناء سير ملك برشلونة وطركونة وغيرهما يسألان تجديد العهد
    وإقرارهما على ما كانا عليه وبعثا بهدية وهي عشرون صبياً من الخصيان
    الصقالبة وعشرون قنطاراً من الصوف السمـور وخمسـة قناطيـر مـن الفرصـدس
    وعشـرة أذراع صقليـة ومائتـا سيـف إفرنجيـة فقبل هديتهم وعقد لهم على أن
    يهدموا الحصون التي بقرب الثغور وعلى أن لا يظاهروا عليه أهل ملتهم وأن
    ينذروه بما يكون من النصارى في الإجلاب على المسلمين‏.‏ ثـم وصلـت رسـل
    غرسيـة بن شانجة ملك البشكنس في جماعة من الأساقفة والقواميس يسألون الصلـح
    بعـد أن كان توقف فعقد لهم الحكم ورجعوا‏.‏ وفي سنة خمس وستين وثلاثمائة
    وردت أم لزريـق بـن بلاكـش القومـس بالقـرب مـن جليقـة وهـو القومـس
    الأكبـر فأخـرج الحكـم لتلقيهـا واحتفل لقدومها في يوم مشهود فوصلها
    وأسعفها وعقد السلم لابنها كما رغبت وأحبت ودفع لها مالا تقسمه بين وفدها
    وحملت على بغلة فارهة بسرج ولجام مثقلين بالذهب وملحفـة ديبـاج‏.‏ ثـم
    عـاودت مجلس الحكم للوداع فعاودوها بالصلات لسفرها وانطلقت‏.‏ ثم أوطأ
    عساكره من أرض العدوة من المغرب الأقصى والأوسط وتلقى دعوته ملوك زناتة من
    مغراوة ومكناسة فبثوهـا فـي أعمالهـم وخطبـوا بهـا علـى منابرهـم وزاحمـوا
    بهـا دعـوة الشيعـة فيما بينهم‏.‏ ووفد عليه ملوكهم من آل خزر وبني أبي
    العافية فأجزل صلتهم وأكرم وفادتهم وأحسن منصرفهم واستنزل بني إدريس من
    ملكهم بالعدوة في ناحية الريف وأجازهم البحر إلى قرطبة ثم أجلاهم إلى
    الإسكندريـة حسبمـا نشيـر إلـى ذلـك كلـه بعـد‏.‏ وكان محباً للعلوم مكرما
    لأهلها جماعة للكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله‏.‏ قال ابن
    حزم‏:‏ أخبرني بكية الخصي - وكان على خزانة العلوم والكتب بدار بني مروان -
    أن عـدد الفهـارس التـي فيهـا تسميـة الكتـب أربعـة وأربعـون فهرسـة فـي
    كـل فهرسـة عشـرون ورقة ليس فيها إلا ذكر أسماء الدواوين لا غير‏.‏ فأقام
    للعلم والعلماء سلطانا نفقت فيها بضائعه من كل قطر ووفد عليه أبو علي
    القالي صاحب كتاب الأمالي من بغداد فأكرم مثواه وحسنت منزلته عنده وأورث
    أهل الأندلس علمه‏.‏ واختص بالحكم المستنصر واستفاد علمه وكان يبعث في
    الكتب إلى الأقطار رجالاً من التجار ويسرب إليهم الأموال لشرائهـا حتـى
    جلـب منهـا إلـى الأندلـس مـا لـم يعهـدوه‏.‏ وبعـث فـي كتـاب الأغانـي
    إلـى مصنفـه أبـي الفـرج الأصفهانـي وكـان نسبـه في بني أمية وأرسل إليه
    فيه ألف دينار من الذهب العين فبعث إليه بنسخة منه قبل أن يخرجه بالعراق‏.‏
    وكذلك فعل مع القاضي أبي بكر الأبهري المالكي في شرحه لمختصر ابن عبد
    الحكم وأمثال ذلـك‏.‏ وجمـع بـداره الحـذاق فـي صناعـة النسـخ والمهـرة فـي
    الضبـط والإجـادة فـي التجليـد فأوعـى مـن ذلك كله واجتمعت بالأندلس خزائن
    من الكتب لم تكن لأحد من قبله ولا من بعده إلا مـا يذكـر عـن الناصـر
    العباسـي بـن المستضـيء‏.‏ ولـم تـزل هذه الكتب بقصر قرطبة إلى أن بيع
    أكثرها فـي حصـار البربـر أمـر بإخراجهـا وبيعها الحاجب واضح من موالي
    المنصور بن أبي عامر‏.‏ ونهب مـا بقي منها عند دخول البربر قرطبة واقتحامهم
    إياها عنوة كما نشير إليه بعد‏.‏ واتصلت أيام الحكم المستنصر وأوطأ
    العساكـر أرض العـدوة مـن المغـرب الأقصـى والأوسـط وتلقـى دعوتـه ملوك
    زناتة ومغراوة ومكناسة فبثها في أعمالهم وخطبوا بها على منابرهم وزاحموا
    بها دعوة الشيعة فيما يليهم ووفد عليه ملوكهم من آل خـزر وبنـي أبـي
    العافيـة فأجـزل صلتهـم وأكـرم وفادتهم‏.‏ وبيعة ابنه هشام المؤيد ثـم
    أصابـت الحكـم العلـة فلـزم الفراش إلى أن هلك سنة ست وستين وثلاثمائة لست
    عشرة سنة مـن خلافتـه وولـي مـن بعـده ابنـه هشـام صغيـرا مناهـز الحلـم
    وكان الحكم قد استوزر له محمد ابن أبـي عامـر نقلـه مـن خطـة القضاء إلى
    وزارته وفوض إليه في أموره فاستقل وحسنت حاله عند الحكم فلما توفي الحكم
    بويع هشام ولقب المؤيد بعد أن قتل ليلتئذ أخو الحكم المرشح لأمره تنـاول
    الفتـك بـه محمـد بـن عامـر هذا بمبالاة جعفر بن عثمان المصحفي حاجب أبيه
    وغالب مولى الحكم صاحب مدينة سالم ومن خصيان القصر ورؤسائهم فائق وجودر
    فقتل محمد بن أبي عامر المغيرة وبايع لهشام‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار المنصور ابن أبي عامر


    ثم سما محمد بن أبي عامر المتغلب على هشام لمكانه في السن وثاب له رأي
    في الاستبداد فمكـر بأهل الدولة وضرب بين رجالها وقتل بعضها ببعض‏.‏ وكان
    من رجال اليمنية من مغافر واسمـه محمـد بـن عبـد اللـه بـن أبـي عامـر بـن
    محمـد بـن عبـد اللـه بـن عامـر بـن محمـد بـن الوليد بن يزيد بن عبد الملك
    المغافري دخل جده عبد الملك مع طارق وكان عظيما في قومه وكان له في الفتح
    أثر فاستوزره الحكم لابنه هشام كما ذكرنا‏.‏ فلما مات الحكم حجبه محمد
    وغلب عليه ومنع الوزراء من الوصول إليه إلا في النادر من الأيام يسلمون
    وينصرفون‏.‏ وأرخص للجند في العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع
    وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين‏.‏ ثم تجرد لرؤساء الدولة
    ممن عانده وزاحمه فمال عليهم وحطهم عن مراتبهم وقتل بعضها ببعض‏.‏ كل ذلك
    عن أمر هشام وخطه وتوقعيه حتى استأصل بهم وفرق جموعهم‏.‏ وأول ما بدأ
    بالصقالبة الخصيان الخدام بالقصر فحمل الحاجب المصحفي على نكبتهم فنكبهم
    وأخرجهـم مـن القصـر وكانوا ثمانمائة أو يزيدون ثم أصهر إلى غالب مولى
    الحكم وبالغ في خدمته والتنصح له واستعان به على المصحفي فنكبه ومحا أثره
    من الدولة ثم استعان على غالب بجعفـر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة الفازع
    إلى الحكم أول الدولة بمن كان معه من زناتة والبربر‏.‏ ثم قتل جعفر عماله
    ابن عبد الودود وابن جوهر وابن ذي النون وأمثالهم من أولياء الدولـة مـن
    العـرب وغيرهـم‏.‏ ثـم لمـا خـلا الجـو مـن أوليـاء الخلافـة والمرشحيـن
    للرياسـة رجـع إلى الجند فاستدعى أهل العدوة من رجال زناتة والبرابرة فرتب
    منهم جنـدا واصطنـع أوليـاء وعـرف عرفاء من صنهاجة ومغراوة وبني يفرن وبني
    برزال ومكناسة وغيرهم فتغلب على هشـام وحجـره واستولى على الدولة وملأ
    الدنيا وهو في جوف بيته مع تعظيم الخلافة والخضوع لها ورد الأمور إليها
    وترديد الغزو والجهاد وقدم رجال البرابرة زناتة وأخر رجال العرب وأسقطهم عن
    مراتبهم فتم له ما أراد من الاستقلال بالملك والاستبداد بالأمر وابتنى
    لنفسه مدينة فنزلها وسماها الزاهرة‏.‏ ونقل إليها خزائن الأموال والأسلحـة
    وقعـد علـى سريـر الملـك وأمـر أن يحيـا بتحيـة الملـوك وتسمـى بالحاجـب
    المنصـور ونفـذت الكتـب والأوامـر والمخاطبـات باسمـه وأمر بالدعاء له على
    المنابر وكتب اسمه في السكة والطرز وعمر ديوانه بما سوى ذلك‏.‏ وجند
    البرابرة والمماليك واستكثر من العبيد والعلوج للاستيلاء علـى تلـك الرغبـة
    وقهـر مـن يطاول إليها من الغلبة فظفر من ذلك بما أراد وردد الغزو بنفسه
    إلى دار الحارث فغزا اثنتين وخمسيـن غـزوة فـي سائـر أيام ملكه لم ينكسر له
    فيها راية ولا فل له جيش ولا أصيب له بعث ولا هلكـت سريـة وأجـاز عساكـره
    إلـى العـدوة وضـرب بيـن ملـوك البرابـرة بعضهم في بعض فاستوثق ملكه
    بالمغرب وأذعنت له ملوك زناتة وانقادوا لحكمه وأطاعوا لسلطانه وأجاز ابنه
    عبد الملك إلى ملوك مغراوة بفاس من آل خزر لما سخط زيري بن عطية ملكهم لما
    بلغه من إعلانه بالنيل منـه والغـض مـن ملكهـم والتأنـف لحجـر الخليفة هشام
    فأوقع به عبد الملك سنة ست وثمانين ونزل بفـاس وملكها وعقد لملوك زناتة
    على المغرب وأعماله من سجلماسة وغيرها على ما نشير إليه بعـد‏.‏ وشـرد زيري
    بن عطية إلى تاهرت وأبعد المفر وهلك في مفره‏.‏ ثم قفل عبد الملك إلى
    قرطبـة واستعمـل واضحـاً علـى المغـرب‏.‏ وهلـك المنصـور أعظـم مـا كـان
    ملكاً وأشد استيلاء سنة أربـع وسبعيـن ثلاثمائة بمدينة سالم منصرفه من بعض
    غزواته ودفن هنالك وذلك لسبع وعشرين سنه من ملكه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up المظفر بن المنصور


    ولما هلك المظفر قام بالأمر من بعده أخوه عبد الرحمن وتلقب بالناصر لدين
    الله وجرى على سنـن أبيـه وأخيـه فـي حجر الخليفة هشام والاستبداد عليه
    والاستقلال بالملك دونه‏.‏ ثم ثاب له رأي في الإستئثار بما بقي من رسوم
    الخلافة فطلب من هشام المؤيد أن يوليه عهده فأجابه وأحضـر لذلـك المـلأ مـن
    أربـاب الشورى وأهل الحل والعقد فكان يوماً مشهوداً‏.‏ وكتب عهده في
    إنشـاء أبـي حفـص بـن بـرد بمـا نصـه‏:‏ هـذا ما عهد هشام المؤيد بالله
    أمير المؤمنين إلى الناس عامة وعاهـد الـذي عليـه مـن نفسـه خاصـة وأعطـى
    بـه صفقة يمينه بيعة تامة بعد أن أمعن النظر وأطال الاستخارة وأهمه ما جعل
    الله إليه من الإمامة ونصب إليه من أمر المؤمنين واتقى حلول القدر بما لا
    يؤمن وخاف نزول القضاء بما لا يصرف وخشي إن هجم محتوم ذلك عليه ونزل مقدوره
    به ولم يرفع لهذه الأمة علماً تأوي إليه وملجأ تنعطف إليه أن يلقى ربه
    تبارك وتعالى مفرطاً ساهياً عن أداء الحق إليها‏.‏ واعتبر عند ذلك من أحياء
    قريش وغيرها من يستحق أن يستند هـذا الأمـر إليه ويعول في القيام به عليه
    ممن يستوجبه بدينه وأمانته وهديه وصيانته بعد إطراح الهوى والتحري للحق
    والتزلف إلى الله عز وجل بما يرضيه‏.‏ وبعد أن قطع الأقاصي وأسخط الأقارب
    فلم يجد أحداً يوليه عهده ويفوض إليه الخلافة بعده غيره لفضل نسبه وكرم
    خيمه وشرف مرتبته وعلو منصبه مع تقاه وعفافه ومعرفته وحزمـه وتفاوته
    المأمون العيب الناصح الحبيب أبي المظفر عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر
    وفقه الله تعالى إذ كان أمير المؤمنين قد ابتلاه واختبره ونظر في شأنه
    واعتبره فرآه مسارعاً في الخيرات سابقاً إلى الجليات مستولياً على الغايـات
    جامعـاً للمأثـرات‏.‏ ومـن كـان المنصـور أبـاه والمظفر أخاه فلا غرو أن
    يبلغ من سبل البر مداه ويحوي من خلال الخير ما حواه‏.‏ مع أن أمير المؤمنين
    أيده الله بما طالع من مكنون العلم ووعاه من مخزون الغيب رأى أن يكون ولـي
    عهـده القحطاني الذي حدث عنه عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة أن
    النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل عن قحطان يسوق
    الناس بعصاه فلما استـوى لـه الاختيـار وتقابلـت عنـده الآثـار ولـم يجد
    عنه مذهبا ولا إلى غيره معدلا خرج إليه من تدبير الأمور في حياته وفوض إليه
    الخلافة بعد وفاته طائعا راضياً مجتهـداً وأمضـى أميـر المؤمنين هذا
    وأجازه وأنفذه ولم يشترط فيه ثنياً ولا خياراً وأعطى على الوفاء به في سره
    وجهره وقوله وفعله عهد الله وميثاقه وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم وذمة
    الخلفاء الراشدين من آبائه وذمة نفسه أن لا يبدل ولا يغير ولا يحول ولا
    يزول‏.‏ وأشهد على ذلك الله والملائكة وكفـى باللـه شهيـداً وأشهد من أوقع
    اسمه في هذا وهو جائز الأمر ماضي القول والفعل بمحضر من ولي عهده المأمون
    أبي المظفر عبد الرحمن بن المنصور وفقه الله تعالى وقيد له ما قلده وألزمه
    لنفسه ما في الذمة‏.‏وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
    وكتب الوزارء والقضاء وسائر الناس شهادتهم بخطوط أيديهم‏.‏ وتسمى بعدها
    بولي العهد ونقم أهل الدولة عليه ذلك فكان فيه حتفه وانقراض دولته ودولة
    قومه والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ثورة المهدي ومقتل عبد الرحمن المنصور وانقراض دولتهم


    ولما حصل عبد الرحمن المنصور على ولاية العهد ونقم ذلك الأمويون
    والقرشيون وغصوا بأمره واتفقوا على تحويل الأمر جملة من المضرية إلى
    اليمنية فاجتمعوا لشأنهم وتمشت من بعض إلى بعض رجالاتهم وأجمعوا أمرهم في
    غيبة من الحاجب الناصـر ببلـاد الجلالقـة فـي غـزاه مـن صوائف ووثبوا بصاحب
    الشرطة ففتكوا به بمقعدة من باب قصر الخلافة بقرطبة سنة تسع وتسعيـن
    وثلاثمائـة وخلعـوا هشامـاً المؤيـد وبايعوا محمد بن هشام بن عبد الجبار
    بن‏:‏ أمير المؤمنين الناصر لدين الله من أعياص الملك وأعقاب الخلفاء
    ولقبوه المهدي وطار الخبـر إلـى الحاجـب بمكانه من الثغر فانفض جمعه وقفل
    إلى الحضرة مدلاً بمكانه زعيما بنفسه حتى إذا‏.‏ قرب من الحضرة تسلـل عنـه
    الجنـد ووجـوه البربـر ولحقـوا بقرطبـة وبايعـوا المهـدي القائـم بالأمـر
    وأغـروه بالناصـر واعترضـه منهـم مـن تقبـض عليه واحتز رأسه‏.‏ وحمله إلى
    المهدي وإلى الجماعة وذهبت دولة العامريين‏.‏ ثورة البربر وبيعة المستعين
    وفرار المهدي كان الجند من البرابرة وزناتة قد ظاهروا المنصور على أمره
    وأصبحوا شيعة لبنيه من بعده ورؤساؤهم يومئذ زاوى بن مناد الصنهاجي وبنو
    ماكير ابن أخيه زيري ومحمد بن عبد الله البرزالي ونصيل بن حميد المكناسي
    الفازع أبوه عن العبيديين إلى الناصر وزيري بـن عزانـة المتيطي وأبو زيد بن
    دوناس اليفرني وعبد الرحمن بن عطاف اليفرني وأبو نور بن أبي قرة اليفرني
    وأبو الفتوح بن ناصر وحزرون بن محصن المغراوي وبكساس بن سيد الناس ومحمد بن
    ليلى المغراوي فيمن إليهم من عشائرهم فلحقوا بمحمد بن هشام لما رأوا من
    انتقاض أمر عبد الرحمـن وسوء تدبيره‏.‏ وكانت الأموية تعتد عليهم ما كان من
    مظاهرتهم العامريين وتنسب إليهم تغلب المنصور وبنيه على أمرهم فسخطتهم
    القلوب وخزرتهم العيون وتنفست بذلك صدور الغوغاء من أذيال الدوة ولفظت به
    ألسنة الدهماء من المدينة‏.‏ وأمر محمد بن هشام أن لا يركبوا ولا يتسلحوا
    وردوا في بعض الأيام من باب القصر وانتهت العامـة يومئـذ دورهـم ودخل زاوي
    وابن أخيه حساسة وأبو الفتوح بن ناصر على المهدي شاكين بما أصابهم فاعتذر
    إليهم وقتل من آذاهم من العامة في أمرهم وكان مع ذلك مظهراً لبغضهم مجاهراً
    بسوء الثناء عليهم‏.‏ وبلغهم أنه سره الفتك بهم فتشمت رجالاتهم وأسروا
    نجواهم‏.‏ واتفقـوا علـى بيعـة هشـام بـن سليمـان بـن أميـر المؤمنيـن
    الناصر لدين الله وفشا في الخاصة حديثهم فعوجلوا عن أمرهم ذلك وأغرى بهم
    السواد الأعظم فثـاروا بهـم وأزعجوهـم عـن المدينـة‏.‏ وتقبض على هشام
    وأخيه أبي بكر وأحضرا بين يدي المهدي فضرب عنقيهما ولحق سليمان ابن أخيهما
    الحكـم بجنـود البربـر وزناتـة وقـد اجتمعـوا بظاهـر قرطبـة وتآمـروا
    فبايعـوه ولقبـوه المستعيـن بالله ونهضوا به إلى ثغر طليطلة فاستجاش بابن
    أذفونش‏.‏ ثم نهض في جموع البرابرة والنصرانية إلى قرطبة وبرز إليهم المهدي
    في كافة أهل البلد وخاصة الدولة وكانـت الدبـرة عليهـم واستلحـم منهـم مـا
    يزيـد علـى عشريـن ألفـا وهلـك مـن خيـار النـاس وأئمـة المساجـد وسدنتم
    ومؤذنيها عالم‏.‏ ودخل المستعين قرطبة خاتم المائة الرابعة ولحق ابن عبد
    الجبار بطليلة‏.‏ رجوع المهدي إلى ملكه بقرطبة ولما استولى المستعين على
    قرطبة خالفه محمد بن هشام المهدي إلى طليطلة واستجاش بابن أذفونـش ثانيـة
    فنهـض معـه إلـى قرطبـة وهـزم المستعيـن والبرابـرة بعقبـة البقـر مـن
    ظاهرهـا فـي آخـر باب سبتة ودخل المهدي قرطبة وملكها‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:26 pm

    ثورة مطرف بن موسى بن ني النون الهواري بشنة بريه


    كـان لمطـرف صيت من الشجاعة ومحل من النسب والعصببية فثار في شنت برية
    وكانت بينه وبيـن صاحـب ينبلونـة سلطـان البشكنـس مـن الجلالقـة حـروب
    أسـرة العـدو فـي بعضهـا ففـر من الأسر ثورة الأمير ابن حفصون في يشتر
    ومالقة ورندة واليس وهـو عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر بن دميان بن فرغلوش
    بن أذفونش القس هكذا نسبه ابن حيان أول ثائر كان بالأندلس وهو الذي افتتح
    الخلاف بها وفارق الجماعة أيام محمد بن عبـد الرحمـن فـي سنـي السبعيـن
    والمائتيـن‏.‏ خـرج بجبـل يشتـر مـن ناحيـة ريـة ومالقـة وانضـم إليـه
    الكثيـر مـن جنـد الأندلـس ممـن فـي قلبـه مـرض فـي الطاعـة وابتنى قلعته
    المعروفة به هنالك واستولى على غـرب الأندلـس إلـى رنـدة وعلـى السواحـل
    مـن الثجة إلى البيرة وزحف إليه هاشم بن عبد العزيز الوزيـر فحاصـره
    واستنزلـه إلـى قرطبـة سنـة سبعين‏.‏ ثم هرب ورجع إلى حصن يشتر ولما توفي
    الأمير محمد تغلب على حصن الحامة ورية ورندة والثجة وغزاه المنذر سنة أربع
    وسبعين فافتتح جميع قلاعه وقتل عامله برية ثم سأل الصلح فعقد له المنذر‏.‏
    ثم نكث ابن حفصون وعـاد إلـى الخلـاف فحاصـره المنـذر إلـى أن هلك محاصراً
    له فرجع عنه الأمير عبد الله واستفحل أمر ابن حفصون والثوار وتوالت عليه
    الغزوات والحصار‏.‏ وكاتب ابن الأغلب صاحب إفريقية وهاداه وأظهر دعوة
    العباسية بالأندلس فيما إليه وتثاقل ابن الأغلب على إجابته لاضطراب إفريقية
    فأمسك وأكثر الاجلاب على قرطبة وبنى حصن بلاية قريباً منها وغزاه عبد الله
    وافتتح بلاية والثجة‏.‏ ثم قصده في حصنه فحاصره أياماً وانصـرف عنـه
    فاتبعـه ابـن حفصـون فكـر عليـه الأميـر عبـد الله وهزمه وأثخن فيه وافتتح
    البيرة من أعماله‏.‏ ووالى عليه الحصار في كل سنة فلما كانت وثمانين عمر بن
    حفصون وخالص ملك الجلالقـة فنبـذ إليـه أمـراؤه بالحصـون عهده وسار الوزير
    أحمد بن أبي عبيدة لحصاره في العساكر فاستنجد بإبراهيم بن حجاج الثائر
    بإشبيلية ولقياه فهزمهما وراجع ابن حجاج الطاعة وعقد لـه الأميـر عبـد
    اللـه علـى إشبيلية وبعث ابن حفصون بطاعته للشيعة عندما تغلبوا على
    القيروان من يد الأغالبة وأظهر بالأندلس دعوة عبيد الله‏.‏ ثم راجع طاعة
    بني أمية عندما هيأ الله للناصر ما هيأه من استفحال الملك واستنزل الثوار
    واستقـام إلـى أن هلـك سنـة سـت وثلاثمائة لسبع وثلاثين سنة من ثورته‏.‏
    وقام مكانه ابنه جعفر فأقره الناصر على أعماله‏.‏ ثم دس إليه أخوه سليمان
    بن عمر بعض رجالاتهم فقتله لسنتين أو ثلاثة من ولايته‏.‏ وكان مع الناصر
    فسار إلى أهل يشتر وملكوه مكان أخيه وذلك سنة ثمان وثلاثمائة وخاطب الناصر
    فعقد له كما كان أخوه ثم نكث وتكرر إنكاثه ورجوعه ثم بعث إليـه الناصـر
    وزيـره عبـد الحميـد بـن سبيل بالعساكر ولقيه وقتله وجيء برأسه إلى
    قرطبة‏.‏ وقدم المولدون أخاه حفص بن عمر فانتكث ومضى على العصيـان وغـزاه
    الناصـر وجهـز العساكـر لحصـاره حتـى استأمـن لـه ونـزل إلـى قرطبـة بعـد
    سنة من ولايته‏.‏ وخرج الناصر إلى يشتر فدخله وجال في أقطاره ورفع أشلاء
    عمـر وابنـه جعفـر وسليمـان فصلبهـم بقرطبـة وخـرب جميـع الكنائس التي كانت
    في الحصون التي بنواحي رية وأعمال مالقة ثلاثين حصنا فأكثر وانقرض أمر بني
    حفصون وذلك سنة خمس عشرة وثلاثمائة والبقاء لله‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ثوار إشبيلية المتعاقبون ابن أبي عبيدة


    وابن خلدون وابن حجاج وابن مسلمة وأول الثوار كان بإشبيلية أمية بن عبد
    اللـه الغافـر بـن أبي عبيدة وكان جده أبو عبيدة عاملاً عليها من قبل عبد
    الرحمن الداخل‏.‏ قال ابن سعيد ونقله عن مؤرخي الأندلس‏:‏ الحجازي ومحمد بن
    الأشعث‏.‏ وابن حيان قال‏:‏ لما اضطربت الأندلس بالفتن أيام الأمير عبد
    الله وسما رؤساء البلاد إلى التغلب وكان رؤساء إشبيلية المرشحون لهذا الشأن
    أمية بن عبد الغافر وكليب بن خلدون الحضرمي وأخوه خالد وعبد الله بن حجاج
    وكان الأمير عبد الله قد بعث علـى إشبيلية ابنه محمداً وهو أبو الناصر
    والنفر المذكورون يحومون على الاستبداد فثاروا بمحمد بن الأمير عبد الله
    وحصروه في القصر مع أمه وانصرف ناجيا إلى أبيه‏.‏ ثم استبد أمية بولايتها
    على مداراتهم ودس على عبد الله بن حجاج من قتلـه فقـام أخـوه إبراهيم مكانه
    فثاروا به وحاصروه في القصر ولما أحيط به خرج إليهم مستميتاً بعد أن قتل
    أهله وأتلف موجوده فقتل وعاثت العامة برأسه وذلك أعوام الثمانين
    والثلاثمائة‏.‏ وكتب ابـن خلدون وأصحابه بذلك إلى الأمير عبد الله وأن أمية
    خلع وقتل فتقبل منهم للضرورة وبعث عليهم عمه هشام بن عبد الرحمن واستبدوا
    عليه وتولى كبر ذلك كريب ابن خلدون واستبد عليهـم بالرياسـة‏.‏ قـال ابـن
    حيـان ونسبهـم فـي حضرمـوت وهـم بإشبيليـة نهايـة فـي النباهة‏.‏ مقتسمين
    الرياسـة السلطانيـة والعلمية وقال ابن حزم إنهم من ولد وائل بن حجر ونسبهم
    في كتاب الجمهرة وكذلـك قـال ابـن حيـان في بني حجاج‏.‏ قال الحجازي‏:‏
    ولما قتل عبد الله بن حجاج قام أخوه إبراهيم مقامه وظاهر بني خلدون على قتل
    أمية وأنزل نفسه منهم منزلة الخديم‏.‏ واستبد كريب وعسف أهل إشبيلية فنفر
    عنه الناس وتمكن لإبراهيم الغرض وصـار يظهـر الرفق كلما أظهر كريب الغلظة
    وينزل نفسه منزلة الشفيع والملاطف‏.‏ ثم دس للأمير عبد الله بطلب الولاية
    ليشتد بكتابه على كريب بن خلدون وكتب له بذلك عهده فأظهر للعامة وثاروا
    جميعاً بكريب فقتلوه‏.‏ واستقام إبراهيم بن حجاج على الطاعة للأمير عبد
    الله وحصن مدينة قرمونة وجعل فيها مرتبط خيولـه وكـان يتـردد مـا بينهـا
    وبيـن إشبيليـة‏.‏ وهلـك ابـن حجـاج واستبـد ابـن مسلمـة بمكانـه‏.‏ ثـم
    استقـرت إشبيليـة آخـراً بيـد الحجاج بن مسلمة وقرمونة بيد محمد بن إبراهيم
    بن حجاج وعقد له الناصر‏.‏ ثم انتقض وبعث له الناصـر بالعساكـر وجـاء ابـن
    حفصون لمظاهرة ابن مسلمة فهزمته العساكر وبعث ابنه شفيعا فلم يشفعه فبعث
    ابن مسلمة بعض أصحابه سراً فداخل الناصر في المكر به وعقد له‏.‏ وجاء
    بالعساكر وخرج ابن مسلمة للحديث معه فغدروا به وملكوا عليه أمره وحملوه إلى
    قرطبة‏.‏ ونزل عامل السلطان إشبيلية وكان من الثوار على الأمير عبد الله
    قريبه وغدر به أصحابه فقتل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل الأمير محمد ابن الأمير عبد الله


    ثم مقتل أخيه المطرف كان المطرف قد أكثر السعاية في أخيه محمد عند
    أبيهما حتـى إذا تمكنـت سعايتـه وظهـر سخطه على ابنه محمد لحق حينئذ ببلد
    ابن حفصون‏.‏ ثم استأمن ورجع وبالغ المطرف في السعاية إلى أن حبسه أبوه
    ببعض حجر القصر وخرج لبعض غزواته واستخلف ابنه المطرف علـى قصـره فقتـل
    أخـاه فـي محبسـه مفتاتا بذلك على أبيه وحزن الأمير عبد الله على ابنه محمد
    وضم ابنه عبد الرحمن إلى قصره وهو ابن يوم فربي مع ولده‏.‏ ثم بعث الأمير
    عبد الله ابنه المطرف بالصائفة سنة ثلاث وثمانين ومائتين ومعه الوزير عبد
    الملك بن أمية ففتـك المطـرف بالوزير لعداوة بينهما وسطا به أبوه الأمير
    عبد الله وقتله شر قتله ثأر فيها منه بأخيه محمد وبالوزير‏.‏ وعقد مكان
    الوزير لابنه أمية فسنح على الفقراء بأنفه وترفع على الوزراء فمقتوه وسعـوا
    فيـه عنـد الأميـر عبـد اللـه بأنـه بايـع جماعـة مـن سماسرة الشر لأخيه
    هشام بن محمد ولفقت بذلك شهادات اعتمد القاضي حينئذ قبولها وأشار للساعين
    أن يجعلوا في الجماعة للمشهود عليهم بالبيعة بعض أعدائه فتمت الحيلة وقتل
    هشام أمية الوزير وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة الأمير عبد الله بن محمد وولاية حافده عبد الرحمن الناصر بن محمد


    ثم توفي الأمير عبد الله في شهر ربيع الأول من آخر المائة الثالثة لست
    وعشرين سنة من إمارته وولي حافده عبد الرحمن ابن ابنه محمد قتيل أخيه
    المطرف وكانت ولايته من الغريب لأنه كان شاباً وأعمامـه وأعمـام أبيـه
    حاضـرون فتصـور إليهـا وحازهـا لونهـم ووجـد الأندلس مضطربة فسكنها وقاتل
    المخالفين حتى أذعنوا واستنزل الثوار ومحا أثر ابن حفصون كبيرهـم وحمـل
    أهـل طليطلـة علـى الطاعـة وكانـوا معروفيـن بالخلـاف والانتفـاض‏.‏
    واستقامت الأندلس وسائر جهاتها في نيف وعشرين سنة من أيامه ودامت أيامه
    نحواً من خمسين سنة استفحـل فيهـا ملـك بنـي أميـة بتلـك النواحـي وهـو أول
    مـن تسمى بأمير المؤمنين عندما تلاشى أمر الخلافـة بالمشـرق واستبـد
    موالـي الترك على بني العباس وبلغه أن المقتدر قتله مؤنس المظفر مولاه سنة
    سبع وعشرين وثلاثمائة فتلقب بألقاب الخلفاء وكان كثير الجهاد بنفسه والغزو
    إلـى دار الحرب إلى أن انهزم عام الخندي سنة ثلاث وعشرين ومحص اللـه
    المسلميـن فقعـد عـن الغـزو بنفسـه وصـار يرفـد الصوائـف فـي كـل سنـة
    فأوطـأ عساكـر المسلميـن من بلاد الفرنج ما لم يطأه قبل أيـام سلفـه ومـدت
    إليـه أمـم النصرانيـة مـن وراء الحـروب يـد الإذعان وأوفدوا إليه رسلهم
    وهداياهم من رومة القسطنطينية في سبيل المهادنة والسلم والاحتمال فيما يعن
    من مرضاته‏.‏ ووصـل إلـى سدنة ملوك الجلالقة من أهل جزيرة الأندلس
    المتاخمين لبلاد المسلمين كجهات قشتالة وينبلونـة ومـا إليهـا مـن الثغـور
    الجوفيـة فقبلـوا يـده والتمسـوا رضـاه واحتقبـوا جوائـزه وامتطوا مركبه‏.‏
    ثم سما إلى ملك العدوة فتناول سبتة من أيدي أهلها سنة سبع عشرة وأطاعه بنو
    إدريـس أمراء العدوة وملوك زناتة البربر وأجاز إليه الكثير منهم كما نذكر
    في أخباره وبدأ أمره لأول ولايته بتخفيف المغارم عن الرعايا واستحجب موسى
    بن محمد بن يحيى‏.‏ واستوزر عبد الملك بن جهور بن عبد الملك بن جوهر وأحمد
    بن عبـد الملـك بـن سعـد وأهـدى لـه هديتـه المشهـورة المتعـددة
    الأصنـاف‏.‏ ذكرهـا ابـن حيـان وغيره وهي مما نقل من ضخامة الدولة الأموية
    واتساع أحوالها وهي خمسمائة ألف مثقال من الذهـب العيـن وأربعمائـة رطـل من
    التبر ومصارفه خمسة وأربعين ألف دينار ومن سبائك الفضة مائتـا بـدرة واثنا
    عشر رطلاً من العود الهندي يختم عليه كالشمع ومائة وثمانون رطلا من العود
    الصمغي المتخير ومائة رطل من العود الشبه المنقى ومائة أوقية من المسك
    الذكي المفضل في جنسـه وخمسمائـة أوقيـة مـن العنبـر الأشهـب المفضـل فـي
    جنسـه علـى خليقتـه مـن غير صناعة ومنها قطعة ململمة عجيبة الشكل وزن مائة
    أوقية وثلاثمائة أوقية من الكافور المترفع الذكاء ومـن اللبـاس ثلاثـون
    شقـة مـن الحريـر المختـم المرقوم بالذهب للباس الخلفاء مختلفة الألوان
    والصنائع وعشرة أفرية من عالي جلود الفنك الخراسانية وستة من السرادقات
    العراقية وثمان وأربعون من الملاحـف البغداديـة لزينـة الخيـل مـن الحريـر
    والذهـب وثلاثـون شقـة الغريـون مـن الملاحف لسروج الهبات وعشرة قناطير من
    السمور فيها مائة جلد وأربعة آلاف رطل مـن الحريـر المغزول وألف رطل من
    الحرير المنتقى للاستغزال وثلاثون بساطاً من الصوف وعشر مائة منقاة مختلفـة
    ومائـة قطعـة مصليـات مـن وجـوه الفـرش المختلفـة وخمسـة عشـر مـن نخـاخ
    الخـز المقطوع شطرها‏.‏ ومن السلاح والعدة ثمانمائة من تخافيف الزينة أيام
    البروز والمواكب وألف ترس سلطانية ومائة ألف سهم من النبال البارعة الصنعة
    ومن الظهر خمسة عشر فرساً من الخيل العراب المتخيرة لركاب السلطان فائقة
    النعوت وعشرون من بغال الركاب مسرجة ملجمة بمراكب خلافية ولجم بغال مجالس
    سروجها خز جعفري عراقي ومائة فرس من عتاق الخيل التي تصلح للركوب في التصرف
    والغزوات رمن الرقيق أربعون وصيفاً وعشرون جارية متخيرات بكسوتهن وزينتهن
    ومن سائر الأصناف ومن الصخرسيات ما أنفـق عليـه فـي عـام واحـد‏.‏ ثمانـون
    ألـف دينـار وعشرون ألف عود من الخشب من أجمل الخشب وأصلبه وأقدمه قيمته
    خمسون ألف دينار‏.‏ وعرضت الهدية على الناصر سنة سبع وعشرين فشكرها وحسن
    لديه موقعها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up سطوة الناصر بأخيه القاضي ابن محمد


    كـان محمـد بـن عبـد الجبـار ابـن الأميـر محمـد وعبـد الجبـار هـو عـم
    أبـي الناصـر قد سعى عنده في أخيه القاضي ابن محمد وأنه يريد الخلاف
    والبيعة لنفسه‏.‏ وسعى القاضي في محمد بن عبد الجبار وأنه يروم الانتقاض
    واستطلع على الجلي من أمرهما وتحقق نقضهما فقتلهما سنة ثمان وثلاثمائة‏.‏
    سطوة الناصر ببني إسحاق المروانيين وهو إسحاق بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم
    بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الملك بن مروان دخـل جدهـم أول الدولـة ولـن
    يزالـوا فـي إكرام وعز واستقرت الرياسة في إسحاق وسكن إشبيلية أيـام
    الفتنـة عنـد ابـن حجـاج‏.‏ ثـم هلـك ابـن حجـاج وولـي ابـن مسلمـة فاتهمـه
    وقبـض عليـه وعلى ولده وصهره يحيى بن حكم بن هشام بن خالد بن أبان بن خالد
    بن عبد الله بن عبد الملك بن الحـارث بـن مـروان فقتـل الولد والصهر وكان
    عنده سفير لابن حفصون فشفع في الشيخ إسحاق وولـده أحمـد‏.‏ ثم ملك الناصر
    إشبيلية من يد ابن مسلمة فرحل إسحاق إلى قرطبة واستوزره الناصر واستوزر
    بنيه أحمد وابنه ومحمد وعبد الله ففتحوا الفتوحات وكفوا المهمات وعلت
    مقاديرهم في الدولة‏.‏ وتوفي أبوهم إسحاق فورثوا مكانه في كل رفيعة‏.‏ ثم
    هلك كبيرهم عبد الله وكان مقدمهم عند الناصر واستوزره ثم اتهمه الناصر
    بالخلاف وكثرت فيهم السعايات وصاروا في مجـال الظنـون فسطـا بهـم الناصـر
    وغربهـم فـي النواحـي فانـزوى أميـة منهـم فـي تستريـن سنـة خمـس وعشرين
    وخلع الطاعة وقصده الناصر في العساكر فدخل دار الحرب وأجاره رذمير ملك
    الجلالقة‏.‏ ثم تغير لـه فجـاء إلـى الناصـر مـن غيـر عهـد وعفـا عنـه
    وبقـي فـي غمـار النـاس إلـى أن هلـك‏.‏ وأمـا أحمـد فعزل عن سرقسطة لما
    نكب أبوه وبقي خاملا مغضبا‏.‏ ثم تكاثرت السعاية فيه فقتل‏.‏ وأما أحمـد
    فبقـي فـي جملـة الناصـر حتـى إذا تحـرك إلـى سرقسطـة نمـى عنـه ففـر ولقـي
    فـي مفـره جماعـة مـن أهل سرقسطة فقتلوه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار الناصر مع الثوار


    كان أول فتحه أبيح له أسجة بعث إليها بدراً مولاه وحاجبه فافتتحها من يد
    ابن حفصون سنـة ثلاثمائـة وغـزا فـي أثرهـا بنفسـه فافتتـح أكثـر كـل
    ثلاثيـن حصنـا من يد ابن حفصون منها البيرة ودوخ سائـر أقطـاره وضيـق
    مخنقـه بالحصـار واستنـزل سعيد بن مزيل من حصن المنتلون وحصـن سمنـان‏.‏
    وفي سنة إحـدى وثلاثمائة ملك إشبيلية من يد أحمد بن مسلمة كما ذكرناه ثم
    سار سنة اثنتين في العساكر فنازل حصون ابن حفصون وانتهى إلى الجزيرة
    الخضراء وضبط البحـر ونظر في أساطيله واستكثر منها‏.‏ ومنع ابن حفصون من
    البحر وسأله في الصلح على لسـان يحيـى بـن إسحـاق المروانـي فعقـد لـه‏.‏
    ثـم أغـزى إسحـاق بـن محمـد القرشـي إلى الثوار بمرسية وبلنسيـة فأثخـن فـي
    نواحيهـا وفتـح أريولـة وأغـزى بـدراً مولـاه إلـى مدينـة لبـة فاستنـزل
    منهـا عثمان بن نصر الثائر بها وساقه مقيداً إلى قرطبة ثم أغزى إسحاق بن
    محمد سنة خمس مدينة قرمونة فملكهـا مـن يـد حبيـب بن سوارة كان ثائراً
    بها‏.‏ وفتح حصن ستمرية سنة ست وحصن طرش سنة تسع‏.‏ وأطاعه أحمد بن أضحى
    الهمداني الثائر بحصن الجامة ورهن ابنه على الطاعة‏.‏ وغزا ابن حفصون سنة
    أربع عشرة فردته العساكر المجمرة لحصاره ورجع وبعث إليه حفص يستأمنه فأمنه
    وجاء إلى قرطبة وملك الناصر يشتر كما مر‏.‏ ثم انتقض سنة خمس وعشرين أميـة
    بـن إسحـاق فـي تستريـن وقـد مـر ذكـر أوليتـه ومحمـد بـن هشـام التجيبـي
    فـي سرقسطـة ومطرف بن مندف التجيبي في قلعة أيوب فغزاهم الناصر بنفسه وبدأ
    بقلعة أيوب فحاصرها وقتل مطـرف فـي أول جولـة عليهـا وقتـل معـه يونـس بـن
    عبـد العزيـز‏.‏ ولجـأ أخـوه إلى القصبة حتى استأمن وعفـا عنـه وقتـل مـن
    كـان معهـم مـن النصرانية أهل ألبة‏.‏ وافتتح ثلاثين من حصونهم وبلغه
    انتقاض طوطـة ملكة البشكنس فغزاها في ينبلونة ودوخ أرضها واستباحها ورجع‏.‏
    ثم غزا سنة سبع وعشريـن غـزوة الخنـدق إلـى جليقـة فانهـزم وأصيبـت فيها
    المسلمون وأسر محمد بن هاشم التجيبي وحـاول الناصـر إطلاقـه فأطلـق بعد
    سنتين وثلاثة أشهر‏.‏ وقعد الناصر بعدها عن الغزو بنفسه وصار يردد البعوث
    والصوائف‏.‏ وثار سنة ثلاث وأربعين بجهـات مـاردة ثائـر وتوجهـت إليـه
    العساكر فجاؤوا به وبأصحابه ومثل بهم وقتلوا‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار طيطلة ورجوعها إلي الطاعة


    قال ابن حبان اختطها ديرنيقيوش الجبار وكان قواد رومة ينزلونها دار
    ملك‏.‏ ثم ثار بها برباط من نجدانية فملكها واختلف قواد رومة على حصاره‏.‏
    ثـم وثـب بـه بعـض أصحابـه فقتلـه وملكهـا‏.‏ ثـم قتـل ورجعـت إلـى قـواد
    رومـة ثـم انتقـض أهلهـا وولوا أميرا منهم اسمه أينش‏.‏ ثم قتل ورجعت إلى
    قواد رومة وقام أولهم شنتيلة وأطاعه أهل الأندلس وامتنع على ملوك رومة‏.‏
    ثـم غزاهـم وحاصـر رومـة وفتـح كثيـراً من بلادها ورجع إلى طليطلة وثار
    عليه البشكنس فظهر عليهـم وأوقـع بهـم ولحقوا بالجبال‏.‏ هلك شنتيلة بعد
    تسع وملك مكانه على الغوط بسيلة ست سنيـن ولـم يغـن فيهـا‏.‏ ثـم ولـى منهم
    حندس وغزا إفريقية وولي بعده قتبان وبنى الكنائس وبلغه خبـر المبعـث فقـال
    لـه‏.‏ بليـان وكـان من أكابر الغوط وأعاظمهم‏:‏ وجدت في كتاب مطريوس
    العالم عـن دانيـال النبـي أنهـم يملكـون الأندلـس‏.‏ ثـم هلـك فتبـادر
    وملـك ابنـه سـت عشـرة سنـة وكـان سيىء السيـرة ولـي بعـده لزريـق‏.‏ ثـم
    لـم تـزل طليطلـة دار فتنـة وعصبيـة ومنعـة أتعبت عبد الرحمن الداخل سبع
    سنين وانتقضت على هشام والحكم وعلى عبد الرحمن الأوسط إلى أن جاء الناصر
    فأدخلهم في الطاعة كرها لما أكمل فتح ماردة وبطليوس وتسترين سـار إليهـم
    فـي العساكـر وحاصرهم وجاء الطاغية يظاهرهم فدافعه الناصر وجثم عليها فخرج
    أميرهم ثعلبة بن محمد بن عبد الوارث إلى الناصر فاستقال واستأمن فأمنه وعفا
    عنه ودخلها الناصـر وجـال فـي أقطارها ورجع عنها فلم يزالوا مستقيمين على
    الطاعة بعد‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:24 pm

    ثورة مطرف بن موسى بن ني النون الهواري بشنة بريه


    كـان لمطـرف صيت من الشجاعة ومحل من النسب والعصببية فثار في شنت برية
    وكانت بينه وبيـن صاحـب ينبلونـة سلطـان البشكنـس مـن الجلالقـة حـروب
    أسـرة العـدو فـي بعضهـا ففـر من الأسر ثورة الأمير ابن حفصون في يشتر
    ومالقة ورندة واليس وهـو عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر بن دميان بن فرغلوش
    بن أذفونش القس هكذا نسبه ابن حيان أول ثائر كان بالأندلس وهو الذي افتتح
    الخلاف بها وفارق الجماعة أيام محمد بن عبـد الرحمـن فـي سنـي السبعيـن
    والمائتيـن‏.‏ خـرج بجبـل يشتـر مـن ناحيـة ريـة ومالقـة وانضـم إليـه
    الكثيـر مـن جنـد الأندلـس ممـن فـي قلبـه مـرض فـي الطاعـة وابتنى قلعته
    المعروفة به هنالك واستولى على غـرب الأندلـس إلـى رنـدة وعلـى السواحـل
    مـن الثجة إلى البيرة وزحف إليه هاشم بن عبد العزيز الوزيـر فحاصـره
    واستنزلـه إلـى قرطبـة سنـة سبعين‏.‏ ثم هرب ورجع إلى حصن يشتر ولما توفي
    الأمير محمد تغلب على حصن الحامة ورية ورندة والثجة وغزاه المنذر سنة أربع
    وسبعين فافتتح جميع قلاعه وقتل عامله برية ثم سأل الصلح فعقد له المنذر‏.‏
    ثم نكث ابن حفصون وعـاد إلـى الخلـاف فحاصـره المنـذر إلـى أن هلك محاصراً
    له فرجع عنه الأمير عبد الله واستفحل أمر ابن حفصون والثوار وتوالت عليه
    الغزوات والحصار‏.‏ وكاتب ابن الأغلب صاحب إفريقية وهاداه وأظهر دعوة
    العباسية بالأندلس فيما إليه وتثاقل ابن الأغلب على إجابته لاضطراب إفريقية
    فأمسك وأكثر الاجلاب على قرطبة وبنى حصن بلاية قريباً منها وغزاه عبد الله
    وافتتح بلاية والثجة‏.‏ ثم قصده في حصنه فحاصره أياماً وانصـرف عنـه
    فاتبعـه ابـن حفصـون فكـر عليـه الأميـر عبـد الله وهزمه وأثخن فيه وافتتح
    البيرة من أعماله‏.‏ ووالى عليه الحصار في كل سنة فلما كانت وثمانين عمر بن
    حفصون وخالص ملك الجلالقـة فنبـذ إليـه أمـراؤه بالحصـون عهده وسار الوزير
    أحمد بن أبي عبيدة لحصاره في العساكر فاستنجد بإبراهيم بن حجاج الثائر
    بإشبيلية ولقياه فهزمهما وراجع ابن حجاج الطاعة وعقد لـه الأميـر عبـد
    اللـه علـى إشبيلية وبعث ابن حفصون بطاعته للشيعة عندما تغلبوا على
    القيروان من يد الأغالبة وأظهر بالأندلس دعوة عبيد الله‏.‏ ثم راجع طاعة
    بني أمية عندما هيأ الله للناصر ما هيأه من استفحال الملك واستنزل الثوار
    واستقـام إلـى أن هلـك سنـة سـت وثلاثمائة لسبع وثلاثين سنة من ثورته‏.‏
    وقام مكانه ابنه جعفر فأقره الناصر على أعماله‏.‏ ثم دس إليه أخوه سليمان
    بن عمر بعض رجالاتهم فقتله لسنتين أو ثلاثة من ولايته‏.‏ وكان مع الناصر
    فسار إلى أهل يشتر وملكوه مكان أخيه وذلك سنة ثمان وثلاثمائة وخاطب الناصر
    فعقد له كما كان أخوه ثم نكث وتكرر إنكاثه ورجوعه ثم بعث إليـه الناصـر
    وزيـره عبـد الحميـد بـن سبيل بالعساكر ولقيه وقتله وجيء برأسه إلى
    قرطبة‏.‏ وقدم المولدون أخاه حفص بن عمر فانتكث ومضى على العصيـان وغـزاه
    الناصـر وجهـز العساكـر لحصـاره حتـى استأمـن لـه ونـزل إلـى قرطبـة بعـد
    سنة من ولايته‏.‏ وخرج الناصر إلى يشتر فدخله وجال في أقطاره ورفع أشلاء
    عمـر وابنـه جعفـر وسليمـان فصلبهـم بقرطبـة وخـرب جميـع الكنائس التي كانت
    في الحصون التي بنواحي رية وأعمال مالقة ثلاثين حصنا فأكثر وانقرض أمر بني
    حفصون وذلك سنة خمس عشرة وثلاثمائة والبقاء لله‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up ثوار إشبيلية المتعاقبون ابن أبي عبيدة


    وابن خلدون وابن حجاج وابن مسلمة وأول الثوار كان بإشبيلية أمية بن عبد
    اللـه الغافـر بـن أبي عبيدة وكان جده أبو عبيدة عاملاً عليها من قبل عبد
    الرحمن الداخل‏.‏ قال ابن سعيد ونقله عن مؤرخي الأندلس‏:‏ الحجازي ومحمد بن
    الأشعث‏.‏ وابن حيان قال‏:‏ لما اضطربت الأندلس بالفتن أيام الأمير عبد
    الله وسما رؤساء البلاد إلى التغلب وكان رؤساء إشبيلية المرشحون لهذا الشأن
    أمية بن عبد الغافر وكليب بن خلدون الحضرمي وأخوه خالد وعبد الله بن حجاج
    وكان الأمير عبد الله قد بعث علـى إشبيلية ابنه محمداً وهو أبو الناصر
    والنفر المذكورون يحومون على الاستبداد فثاروا بمحمد بن الأمير عبد الله
    وحصروه في القصر مع أمه وانصرف ناجيا إلى أبيه‏.‏ ثم استبد أمية بولايتها
    على مداراتهم ودس على عبد الله بن حجاج من قتلـه فقـام أخـوه إبراهيم مكانه
    فثاروا به وحاصروه في القصر ولما أحيط به خرج إليهم مستميتاً بعد أن قتل
    أهله وأتلف موجوده فقتل وعاثت العامة برأسه وذلك أعوام الثمانين
    والثلاثمائة‏.‏ وكتب ابـن خلدون وأصحابه بذلك إلى الأمير عبد الله وأن أمية
    خلع وقتل فتقبل منهم للضرورة وبعث عليهم عمه هشام بن عبد الرحمن واستبدوا
    عليه وتولى كبر ذلك كريب ابن خلدون واستبد عليهـم بالرياسـة‏.‏ قـال ابـن
    حيـان ونسبهـم فـي حضرمـوت وهـم بإشبيليـة نهايـة فـي النباهة‏.‏ مقتسمين
    الرياسـة السلطانيـة والعلمية وقال ابن حزم إنهم من ولد وائل بن حجر ونسبهم
    في كتاب الجمهرة وكذلـك قـال ابـن حيـان في بني حجاج‏.‏ قال الحجازي‏:‏
    ولما قتل عبد الله بن حجاج قام أخوه إبراهيم مقامه وظاهر بني خلدون على قتل
    أمية وأنزل نفسه منهم منزلة الخديم‏.‏ واستبد كريب وعسف أهل إشبيلية فنفر
    عنه الناس وتمكن لإبراهيم الغرض وصـار يظهـر الرفق كلما أظهر كريب الغلظة
    وينزل نفسه منزلة الشفيع والملاطف‏.‏ ثم دس للأمير عبد الله بطلب الولاية
    ليشتد بكتابه على كريب بن خلدون وكتب له بذلك عهده فأظهر للعامة وثاروا
    جميعاً بكريب فقتلوه‏.‏ واستقام إبراهيم بن حجاج على الطاعة للأمير عبد
    الله وحصن مدينة قرمونة وجعل فيها مرتبط خيولـه وكـان يتـردد مـا بينهـا
    وبيـن إشبيليـة‏.‏ وهلـك ابـن حجـاج واستبـد ابـن مسلمـة بمكانـه‏.‏ ثـم
    استقـرت إشبيليـة آخـراً بيـد الحجاج بن مسلمة وقرمونة بيد محمد بن إبراهيم
    بن حجاج وعقد له الناصر‏.‏ ثم انتقض وبعث له الناصـر بالعساكـر وجـاء ابـن
    حفصون لمظاهرة ابن مسلمة فهزمته العساكر وبعث ابنه شفيعا فلم يشفعه فبعث
    ابن مسلمة بعض أصحابه سراً فداخل الناصر في المكر به وعقد له‏.‏ وجاء
    بالعساكر وخرج ابن مسلمة للحديث معه فغدروا به وملكوا عليه أمره وحملوه إلى
    قرطبة‏.‏ ونزل عامل السلطان إشبيلية وكان من الثوار على الأمير عبد الله
    قريبه وغدر به أصحابه فقتل‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up مقتل الأمير محمد ابن الأمير عبد الله


    ثم مقتل أخيه المطرف كان المطرف قد أكثر السعاية في أخيه محمد عند
    أبيهما حتـى إذا تمكنـت سعايتـه وظهـر سخطه على ابنه محمد لحق حينئذ ببلد
    ابن حفصون‏.‏ ثم استأمن ورجع وبالغ المطرف في السعاية إلى أن حبسه أبوه
    ببعض حجر القصر وخرج لبعض غزواته واستخلف ابنه المطرف علـى قصـره فقتـل
    أخـاه فـي محبسـه مفتاتا بذلك على أبيه وحزن الأمير عبد الله على ابنه محمد
    وضم ابنه عبد الرحمن إلى قصره وهو ابن يوم فربي مع ولده‏.‏ ثم بعث الأمير
    عبد الله ابنه المطرف بالصائفة سنة ثلاث وثمانين ومائتين ومعه الوزير عبد
    الملك بن أمية ففتـك المطـرف بالوزير لعداوة بينهما وسطا به أبوه الأمير
    عبد الله وقتله شر قتله ثأر فيها منه بأخيه محمد وبالوزير‏.‏ وعقد مكان
    الوزير لابنه أمية فسنح على الفقراء بأنفه وترفع على الوزراء فمقتوه وسعـوا
    فيـه عنـد الأميـر عبـد اللـه بأنـه بايـع جماعـة مـن سماسرة الشر لأخيه
    هشام بن محمد ولفقت بذلك شهادات اعتمد القاضي حينئذ قبولها وأشار للساعين
    أن يجعلوا في الجماعة للمشهود عليهم بالبيعة بعض أعدائه فتمت الحيلة وقتل
    هشام أمية الوزير وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة الأمير عبد الله بن محمد وولاية حافده عبد الرحمن الناصر بن محمد


    ثم توفي الأمير عبد الله في شهر ربيع الأول من آخر المائة الثالثة لست
    وعشرين سنة من إمارته وولي حافده عبد الرحمن ابن ابنه محمد قتيل أخيه
    المطرف وكانت ولايته من الغريب لأنه كان شاباً وأعمامـه وأعمـام أبيـه
    حاضـرون فتصـور إليهـا وحازهـا لونهـم ووجـد الأندلس مضطربة فسكنها وقاتل
    المخالفين حتى أذعنوا واستنزل الثوار ومحا أثر ابن حفصون كبيرهـم وحمـل
    أهـل طليطلـة علـى الطاعـة وكانـوا معروفيـن بالخلـاف والانتفـاض‏.‏
    واستقامت الأندلس وسائر جهاتها في نيف وعشرين سنة من أيامه ودامت أيامه
    نحواً من خمسين سنة استفحـل فيهـا ملـك بنـي أميـة بتلـك النواحـي وهـو أول
    مـن تسمى بأمير المؤمنين عندما تلاشى أمر الخلافـة بالمشـرق واستبـد
    موالـي الترك على بني العباس وبلغه أن المقتدر قتله مؤنس المظفر مولاه سنة
    سبع وعشرين وثلاثمائة فتلقب بألقاب الخلفاء وكان كثير الجهاد بنفسه والغزو
    إلـى دار الحرب إلى أن انهزم عام الخندي سنة ثلاث وعشرين ومحص اللـه
    المسلميـن فقعـد عـن الغـزو بنفسـه وصـار يرفـد الصوائـف فـي كـل سنـة
    فأوطـأ عساكـر المسلميـن من بلاد الفرنج ما لم يطأه قبل أيـام سلفـه ومـدت
    إليـه أمـم النصرانيـة مـن وراء الحـروب يـد الإذعان وأوفدوا إليه رسلهم
    وهداياهم من رومة القسطنطينية في سبيل المهادنة والسلم والاحتمال فيما يعن
    من مرضاته‏.‏ ووصـل إلـى سدنة ملوك الجلالقة من أهل جزيرة الأندلس
    المتاخمين لبلاد المسلمين كجهات قشتالة وينبلونـة ومـا إليهـا مـن الثغـور
    الجوفيـة فقبلـوا يـده والتمسـوا رضـاه واحتقبـوا جوائـزه وامتطوا مركبه‏.‏
    ثم سما إلى ملك العدوة فتناول سبتة من أيدي أهلها سنة سبع عشرة وأطاعه بنو
    إدريـس أمراء العدوة وملوك زناتة البربر وأجاز إليه الكثير منهم كما نذكر
    في أخباره وبدأ أمره لأول ولايته بتخفيف المغارم عن الرعايا واستحجب موسى
    بن محمد بن يحيى‏.‏ واستوزر عبد الملك بن جهور بن عبد الملك بن جوهر وأحمد
    بن عبـد الملـك بـن سعـد وأهـدى لـه هديتـه المشهـورة المتعـددة
    الأصنـاف‏.‏ ذكرهـا ابـن حيـان وغيره وهي مما نقل من ضخامة الدولة الأموية
    واتساع أحوالها وهي خمسمائة ألف مثقال من الذهـب العيـن وأربعمائـة رطـل من
    التبر ومصارفه خمسة وأربعين ألف دينار ومن سبائك الفضة مائتـا بـدرة واثنا
    عشر رطلاً من العود الهندي يختم عليه كالشمع ومائة وثمانون رطلا من العود
    الصمغي المتخير ومائة رطل من العود الشبه المنقى ومائة أوقية من المسك
    الذكي المفضل في جنسـه وخمسمائـة أوقيـة مـن العنبـر الأشهـب المفضـل فـي
    جنسـه علـى خليقتـه مـن غير صناعة ومنها قطعة ململمة عجيبة الشكل وزن مائة
    أوقية وثلاثمائة أوقية من الكافور المترفع الذكاء ومـن اللبـاس ثلاثـون
    شقـة مـن الحريـر المختـم المرقوم بالذهب للباس الخلفاء مختلفة الألوان
    والصنائع وعشرة أفرية من عالي جلود الفنك الخراسانية وستة من السرادقات
    العراقية وثمان وأربعون من الملاحـف البغداديـة لزينـة الخيـل مـن الحريـر
    والذهـب وثلاثـون شقـة الغريـون مـن الملاحف لسروج الهبات وعشرة قناطير من
    السمور فيها مائة جلد وأربعة آلاف رطل مـن الحريـر المغزول وألف رطل من
    الحرير المنتقى للاستغزال وثلاثون بساطاً من الصوف وعشر مائة منقاة مختلفـة
    ومائـة قطعـة مصليـات مـن وجـوه الفـرش المختلفـة وخمسـة عشـر مـن نخـاخ
    الخـز المقطوع شطرها‏.‏ ومن السلاح والعدة ثمانمائة من تخافيف الزينة أيام
    البروز والمواكب وألف ترس سلطانية ومائة ألف سهم من النبال البارعة الصنعة
    ومن الظهر خمسة عشر فرساً من الخيل العراب المتخيرة لركاب السلطان فائقة
    النعوت وعشرون من بغال الركاب مسرجة ملجمة بمراكب خلافية ولجم بغال مجالس
    سروجها خز جعفري عراقي ومائة فرس من عتاق الخيل التي تصلح للركوب في التصرف
    والغزوات رمن الرقيق أربعون وصيفاً وعشرون جارية متخيرات بكسوتهن وزينتهن
    ومن سائر الأصناف ومن الصخرسيات ما أنفـق عليـه فـي عـام واحـد‏.‏ ثمانـون
    ألـف دينـار وعشرون ألف عود من الخشب من أجمل الخشب وأصلبه وأقدمه قيمته
    خمسون ألف دينار‏.‏ وعرضت الهدية على الناصر سنة سبع وعشرين فشكرها وحسن
    لديه موقعها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up سطوة الناصر بأخيه القاضي ابن محمد


    كـان محمـد بـن عبـد الجبـار ابـن الأميـر محمـد وعبـد الجبـار هـو عـم
    أبـي الناصـر قد سعى عنده في أخيه القاضي ابن محمد وأنه يريد الخلاف
    والبيعة لنفسه‏.‏ وسعى القاضي في محمد بن عبد الجبار وأنه يروم الانتقاض
    واستطلع على الجلي من أمرهما وتحقق نقضهما فقتلهما سنة ثمان وثلاثمائة‏.‏
    سطوة الناصر ببني إسحاق المروانيين وهو إسحاق بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم
    بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الملك بن مروان دخـل جدهـم أول الدولـة ولـن
    يزالـوا فـي إكرام وعز واستقرت الرياسة في إسحاق وسكن إشبيلية أيـام
    الفتنـة عنـد ابـن حجـاج‏.‏ ثـم هلـك ابـن حجـاج وولـي ابـن مسلمـة فاتهمـه
    وقبـض عليـه وعلى ولده وصهره يحيى بن حكم بن هشام بن خالد بن أبان بن خالد
    بن عبد الله بن عبد الملك بن الحـارث بـن مـروان فقتـل الولد والصهر وكان
    عنده سفير لابن حفصون فشفع في الشيخ إسحاق وولـده أحمـد‏.‏ ثم ملك الناصر
    إشبيلية من يد ابن مسلمة فرحل إسحاق إلى قرطبة واستوزره الناصر واستوزر
    بنيه أحمد وابنه ومحمد وعبد الله ففتحوا الفتوحات وكفوا المهمات وعلت
    مقاديرهم في الدولة‏.‏ وتوفي أبوهم إسحاق فورثوا مكانه في كل رفيعة‏.‏ ثم
    هلك كبيرهم عبد الله وكان مقدمهم عند الناصر واستوزره ثم اتهمه الناصر
    بالخلاف وكثرت فيهم السعايات وصاروا في مجـال الظنـون فسطـا بهـم الناصـر
    وغربهـم فـي النواحـي فانـزوى أميـة منهـم فـي تستريـن سنـة خمـس وعشرين
    وخلع الطاعة وقصده الناصر في العساكر فدخل دار الحرب وأجاره رذمير ملك
    الجلالقة‏.‏ ثم تغير لـه فجـاء إلـى الناصـر مـن غيـر عهـد وعفـا عنـه
    وبقـي فـي غمـار النـاس إلـى أن هلـك‏.‏ وأمـا أحمـد فعزل عن سرقسطة لما
    نكب أبوه وبقي خاملا مغضبا‏.‏ ثم تكاثرت السعاية فيه فقتل‏.‏ وأما أحمـد
    فبقـي فـي جملـة الناصـر حتـى إذا تحـرك إلـى سرقسطـة نمـى عنـه ففـر ولقـي
    فـي مفـره جماعـة مـن أهل سرقسطة فقتلوه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار الناصر مع الثوار


    كان أول فتحه أبيح له أسجة بعث إليها بدراً مولاه وحاجبه فافتتحها من يد
    ابن حفصون سنـة ثلاثمائـة وغـزا فـي أثرهـا بنفسـه فافتتـح أكثـر كـل
    ثلاثيـن حصنـا من يد ابن حفصون منها البيرة ودوخ سائـر أقطـاره وضيـق
    مخنقـه بالحصـار واستنـزل سعيد بن مزيل من حصن المنتلون وحصـن سمنـان‏.‏
    وفي سنة إحـدى وثلاثمائة ملك إشبيلية من يد أحمد بن مسلمة كما ذكرناه ثم
    سار سنة اثنتين في العساكر فنازل حصون ابن حفصون وانتهى إلى الجزيرة
    الخضراء وضبط البحـر ونظر في أساطيله واستكثر منها‏.‏ ومنع ابن حفصون من
    البحر وسأله في الصلح على لسـان يحيـى بـن إسحـاق المروانـي فعقـد لـه‏.‏
    ثـم أغـزى إسحـاق بـن محمـد القرشـي إلى الثوار بمرسية وبلنسيـة فأثخـن فـي
    نواحيهـا وفتـح أريولـة وأغـزى بـدراً مولـاه إلـى مدينـة لبـة فاستنـزل
    منهـا عثمان بن نصر الثائر بها وساقه مقيداً إلى قرطبة ثم أغزى إسحاق بن
    محمد سنة خمس مدينة قرمونة فملكهـا مـن يـد حبيـب بن سوارة كان ثائراً
    بها‏.‏ وفتح حصن ستمرية سنة ست وحصن طرش سنة تسع‏.‏ وأطاعه أحمد بن أضحى
    الهمداني الثائر بحصن الجامة ورهن ابنه على الطاعة‏.‏ وغزا ابن حفصون سنة
    أربع عشرة فردته العساكر المجمرة لحصاره ورجع وبعث إليه حفص يستأمنه فأمنه
    وجاء إلى قرطبة وملك الناصر يشتر كما مر‏.‏ ثم انتقض سنة خمس وعشرين أميـة
    بـن إسحـاق فـي تستريـن وقـد مـر ذكـر أوليتـه ومحمـد بـن هشـام التجيبـي
    فـي سرقسطـة ومطرف بن مندف التجيبي في قلعة أيوب فغزاهم الناصر بنفسه وبدأ
    بقلعة أيوب فحاصرها وقتل مطـرف فـي أول جولـة عليهـا وقتـل معـه يونـس بـن
    عبـد العزيـز‏.‏ ولجـأ أخـوه إلى القصبة حتى استأمن وعفـا عنـه وقتـل مـن
    كـان معهـم مـن النصرانية أهل ألبة‏.‏ وافتتح ثلاثين من حصونهم وبلغه
    انتقاض طوطـة ملكة البشكنس فغزاها في ينبلونة ودوخ أرضها واستباحها ورجع‏.‏
    ثم غزا سنة سبع وعشريـن غـزوة الخنـدق إلـى جليقـة فانهـزم وأصيبـت فيها
    المسلمون وأسر محمد بن هاشم التجيبي وحـاول الناصـر إطلاقـه فأطلـق بعد
    سنتين وثلاثة أشهر‏.‏ وقعد الناصر بعدها عن الغزو بنفسه وصار يردد البعوث
    والصوائف‏.‏ وثار سنة ثلاث وأربعين بجهـات مـاردة ثائـر وتوجهـت إليـه
    العساكر فجاؤوا به وبأصحابه ومثل بهم وقتلوا‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار طيطلة ورجوعها إلي الطاعة


    قال ابن حبان اختطها ديرنيقيوش الجبار وكان قواد رومة ينزلونها دار
    ملك‏.‏ ثم ثار بها برباط من نجدانية فملكها واختلف قواد رومة على حصاره‏.‏
    ثـم وثـب بـه بعـض أصحابـه فقتلـه وملكهـا‏.‏ ثـم قتـل ورجعـت إلـى قـواد
    رومـة ثـم انتقـض أهلهـا وولوا أميرا منهم اسمه أينش‏.‏ ثم قتل ورجعت إلى
    قواد رومة وقام أولهم شنتيلة وأطاعه أهل الأندلس وامتنع على ملوك رومة‏.‏
    ثـم غزاهـم وحاصـر رومـة وفتـح كثيـراً من بلادها ورجع إلى طليطلة وثار
    عليه البشكنس فظهر عليهـم وأوقـع بهـم ولحقوا بالجبال‏.‏ هلك شنتيلة بعد
    تسع وملك مكانه على الغوط بسيلة ست سنيـن ولـم يغـن فيهـا‏.‏ ثـم ولـى منهم
    حندس وغزا إفريقية وولي بعده قتبان وبنى الكنائس وبلغه خبـر المبعـث فقـال
    لـه‏.‏ بليـان وكـان من أكابر الغوط وأعاظمهم‏:‏ وجدت في كتاب مطريوس
    العالم عـن دانيـال النبـي أنهـم يملكـون الأندلـس‏.‏ ثـم هلـك فتبـادر
    وملـك ابنـه سـت عشـرة سنـة وكـان سيىء السيـرة ولـي بعـده لزريـق‏.‏ ثـم
    لـم تـزل طليطلـة دار فتنـة وعصبيـة ومنعـة أتعبت عبد الرحمن الداخل سبع
    سنين وانتقضت على هشام والحكم وعلى عبد الرحمن الأوسط إلى أن جاء الناصر
    فأدخلهم في الطاعة كرها لما أكمل فتح ماردة وبطليوس وتسترين سـار إليهـم
    فـي العساكـر وحاصرهم وجاء الطاغية يظاهرهم فدافعه الناصر وجثم عليها فخرج
    أميرهم ثعلبة بن محمد بن عبد الوارث إلى الناصر فاستقال واستأمن فأمنه وعفا
    عنه ودخلها الناصـر وجـال فـي أقطارها ورجع عنها فلم يزالوا مستقيمين على
    الطاعة بعد‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:23 pm

    وفاة هشام وولاية ابنه الحكم


    ثـم توفـي هشـام بـن عبـد الرحمـن سنة ثمانين ومائة لسبع سنين من إمارته
    وقيل ثمان سنين وكان من أهل الخير والصلاح وكان كثير الغزو والجهاد وهو
    الذي أكمل بناء الجامع بقرطبة الذي كان أبوه شرع فيه وأخرج المصرف لآخذي
    الصدقة على الكتاب والسنة ولما مات ولي ابنه الحكم بعده فاستكثر من
    المماليك وارتباط الخيل واستفحل ملكه وباشر الأمور بنفسه‏.‏ ولأول ولايته
    أجاز ابنه عبد الله البلنسي من عدوة المغرب بلنسية ثم أخوه سليمـان مـن
    طنجـة فحاربهمـا الحكـم سنة ثم ظفر بعمه سليمان فقتله سنة أربع وثمانين‏.‏
    وأقام عبد الله ببلنسية وكف عن الفتنة وأرسل الحكم في الصلح على يد يحيى بن
    الفقيه وغيره فصالحـه سنـة سـت وثمانيـن‏.‏ وفـي خلال الفتنة مع عميه
    سليمان وعبد الله اغتنم الفرنج الفرصة واجتمعـوا وقصـدوا برشلونـة فملكوهـا
    سنـة خمـس وثمانيـن وتأخـرت عساكـر المسلمين إلى ما دونها‏.‏ وبعـث الحكم
    العساكر إلى برشلونة مع الحاجب عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الجلالقة فأثخن
    فيها وخالفهم العدو إلى المضايق فرجع إلى التعبية وظفر بهم ورجع إلى بلاد
    الإسلام ظافراً‏.‏ وفي سنة إحـدى وثمانيـن ثـار البهلـول بـن مرزوق بناحية
    الثغر وملك سرقسطة‏.‏ وفيها جاء عبد اللـه البلنسـي عـم الحكـم كمـا
    ذكرنـاه وفي هذه السنة خالف عبيدة بن عمير بطليطلة وكان القائد عمـروس بـن
    يوسـف مـن قـواد الحكـم بطلبيـرة فكتـب إلـى هشـام بحصارهـم فحاصرهـم‏.‏ ثم
    استمال بني مخشي من أهل طليطلـة فقتلـوا عبيـدة وبعثـوا برأسـه إلـى
    عمـروس فبعـث بـه إلـى الحكـم وأنـزل بنـي مخشي عنده فقتلهم البربـر
    بطلبيـرة بثـار كاتـب لهـم وقتـل عمـروس الباقيـن واستقامـت تلـك
    الناحية‏.‏ واستعمل عمروس ابنه يوسف على مدينة طليطلة ولحق بالفرنج سنة تسع
    وثمانين بعـض أهـل الحرابـة وأطمعـوا الفرنـج فـي ملك طليطلة فزحفوا إليها
    وملكوها وأسروا أميرها يوسف وحبسـوه بصخـرة قيسـر وسـار عمـروس مـن فـوره
    إلـى سرقسطـة ليحميها من العدو وبعث العساكر مـع ابـن عمـه فلقـي العـدو
    وهزمهم وسار إلى صخرة قيسر وقد وهن الفرنج من الهزيمة فافتتحها وبعث عمروس
    نائبه وخلص يوسف وعظم صيته كـان الحكـم فـي صـدر ولايتـه قـد انهمـك فـي
    لذاتـه واجتمـع أهـل العلـم والورع بقرطبة مثل يحيى بن يحيى الليثي وطالوت
    الفقيه وغيرهما فثاروا به وامتنع فخلعوه وبايعوا محمد بن القاسم مـن عمومـة
    هشـام‏.‏ وكـان الربض الغربي من‏!‏ رطبة محلة متصلة بقصره وحصروه سنة
    تسعين ومائة وقاتلهم فغلبهم وافترقوا وهدم دورهم ومساجدهم ولحقوا بفاس عن
    أرض العدوة إليهم عبد الله بن طاهر صاحب مصر وافتتحها وأجازهم إلى جزيرة
    إقريطش كما مر وكان مقدمهم أبا حفص عمر البلوطي فلم يزل رئيساً عليهم وولده
    من بعده إلى أن ملكها الفرنج من أيديهم وقعة الحفرة بطليطلة كان أهل
    طليطلة يكثرون‏.‏ الخلاف ونفوسهم قوية لحصانة بلدهم فكانت طاعتهم ملتانة
    فأعيا الحكم أمرهم واستقدم عمروس بن يوسف من الثغر وكان أصله من أهل مدينة
    وشقة من المولدين وكان عاملاً عليها فداخله في التدبير على أهل طليطلة وكتب
    له بولايتها فأنسوا به واطمأنـوا إليه‏.‏ ثم داخلهم في الخلع وأشار عليهم
    ببناء مدينة يعتزل فها مع أصحاب السلطان فوافقـوه وأمضـي رأيـه فـي ذلـك‏.‏
    ثـم بعـث صاحـب الأعلـى إلـى الحكـم يستنجـده على العدو فبعث العساكـر مـع
    ابنـه عبـد الرحمن والوزراء ومروا بطليطلة ولم يعرض عبد الرحمن لدخولها ثم
    رجع العدو وكفى الله شره فاعتزم عبد الرحمن على العود إلى قرطبة فأشار
    عمروس عند ذلك علـى أهـل طليطلة بالخروج إلى عبد الرحمن فخرج الوجوه
    وأكرمهم ودس خادم الحكم كتابه إلى عمروس بالحيلة على أهل طليطلة فأشار
    عليهم عمروس بأن يدخلوا عبد الرحمن البلد وأنزله بداره واتخذ صنيعا للناس
    واستعدله على موعد لذلك فكان يدخلهم من باب ويخرجهم من آخر خشية الزحام
    فيدخلون إلى حفرة في القصر وتضرب رقابهم عليها إلى أن قتل معظمهم وفطـن
    الباقـون فنفـروا وحسنـت طاعتهـم مـن بعـد ذلـك إلـى أيـام الفتنـة كمـا
    نذكـر ثـم عصى اصبغ بن عبد الله بماردة وأخرج عامل الحكم فسار إليه الحكم
    وحاصره وجاءه الخبر بعصيان أهل قرطبة فرجع وقتلهم‏.‏ ثم استنزل أصبغ من بعد
    ذلك وأنزله قرطبة‏.‏ وفي سنة اثنتيـن وتسعيـن جمـع لزريـق بـن قارلـه ملـك
    الإفرنـج وسـار لحصـار طرطوشـة فبعـث الحكـم ابنـه عبـد الرحمـن فـي
    العساكـر فهزمه وفتح الله على المسلمين‏.‏ ثم عاود أهل ماردة الخلاف عن
    الحكـم سنـة أربـع وتسعيـن فسـار إليهـم وقاتلهـم ثلاث سنين‏.‏ وكثر عيث
    الفرنج في الثعور فسار إليهـم سنـة سـت وتسعيـن فافتتـح الحصـون وخـرب
    النواحـي وأثخـن فـي القتـل والسبـي والنهب وعاد إلـى قرطبـة ظافـراً‏.‏
    وفي سنة مائتيـن بعـث الحكـم العساكـر مـع الحاجـب عبـد الكريـم بـن مغيث
    إلى بلـاد الفرنـج فسـار فيهـا وخربها ونهبها وهدم عدة من حصونها وأقبل
    إليه ملك الجلالقة في جموع عظيمة وتنازلوا على نهر واقتتلوا عليه أياماً
    ونال المسلمون منهم أعظم النيل وأقاموا على ذلك وفاة الحكم وولاية ابنه عبد
    الرحمن الأوسط ثم توفي الحكم ين هشام آخر سنة ست ومائتين لسبع وعشرين سنة
    من ولايته وهو أول من جنـد بالأندلـس الأجنـاد والمرتزقـة وجمـع الأسلحـة
    والعـدد واستكثر من الحشم والحواشي وارتبط الخيول على بابه واتخذ المماليك
    وكان يسميهم الخرس لعجمتهم وبلغت عدنهم خمسة آلاف وكان يباشر الأمور بنفسه
    وكانت له عيون يطالعونه بأحوال الناس وكان يقـرب الفقهـاء والعلماء
    والصالحين وهو الذي وطأ الملك لعقبه بالأندلس‏.‏ ولما مات قام بأمره من
    بعده ابنه عبد الرحمن فخرج عليه لأول إمارته عبد الله البلنسي عم أبيه وسار
    إلى تدمير يريد قرطبة فتجهـز لـه عبـد الرحمـن فخـام عـن اللقـاء ورجـع
    إلى بلنسية ومات أثر ذلك فنقل عبد الرحمن ولده وأهله إلى قرطبة‏.‏ ثـم غـزا
    لـأول ولايتـه إلـى جليقـة فأبعـد وأطـال الغيبـة وأثخـن فـي أمـم
    النصرانية هنالك ورجع‏.‏ وقدم عليه سنة ست ومائتين من العراق زرآب المغني
    مولى المهدي ومعلم إبراهيم الموصلي واسمه علي بن نافع فركب لتلقيه وبالغ في
    إكرامه وأقام عنـده بخيـر حـال‏.‏ وأورث صناعـة الغنـاء بالأندلـس وخلـف
    ولـده مخلفـه كبيرهم عبد الرحمن في صناعته وحظوته‏.‏ وفي سنة سبع كانت وقعة
    بالثغر كان الحكم قد قبض على عاملها ربيع وصلبه حيا لما بلغه من ظلمه‏.‏
    وهلك الحكم أثر ذلك فتوافى المتظلمون من ربيع إلى قرطبة يطلبون ظلاماتهم
    ومعظمهم جند إلبيرة ووقفوا بباب القصر وشغبوا وبعث عبد الرحمن من يسكتهم
    فلم يقبلوا فركبت العساكر إليهم وأوقعوا بهم‏.‏ ونجا الفل منهم إلى البيرة
    وبالشر وتتبعهم عبد الرحمن‏.‏ وفي هذه السنة نشأت الفتنة بين المضرية
    واليمانية واقتتلوا فهلك منهم نحو من ثلاثة آلاف‏.‏ وبعـث عبـد الرحمـن
    إليهـم يحيـى بـن عبـد اللـه بن خالد في جيش كثيف ليكفهم عن الفتنة فكفوا
    عن القتال لما أحسوا بوصوله‏.‏ ثم عاودوا الحرب عند مغيبه وأقاموا على ذلك
    سبع سنين‏.‏ وفي سنة ثمان أغزا حاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى
    ألبة و القلاع فخرب كثيراً من البلاد وانتسفها وفتح كثيراً من حصونهم
    وصالح بعضاً على الجزية وإطلاق أسرى المسلمين وانصرف ظافراً‏.‏ وفي سنة
    ثلاث عشرة انتقض عليه أهل ماردة وقتلوا عامله فبعث إليهم العساكر فافتتحوها
    وعاودوا الطاعة وأخذوا رهائنهم وخربوا سورها ورجعوا عنهم‏.‏ ثم أمر عبد
    الرحمن بنقل حجارة السور إلى النهر فعاودوا الخلاف وأسروا العامل وأصلحوا
    سورهـم فسـار إليهـم عبـد الرحمـن سنـة أربـع عشرة وحاصرهم فامتنعوا
    عليه‏.‏ ثم بعث العساكر سنة سبع عشرة فحاصرها فامتنعوا ثم حاصرها سنة عشرين
    وافتتحها ونجا فلهم مع محمود بن عبد الجبار منهم إلى ملت شلوط فاعتصم بها
    سنة عشرين ومائتين فبعث عبد الرحمن العساكر لحصاره فلحق بدار الحرب واستولى
    على حصن من حصونهم أقام به خمسة أعوام حتى حاصره أدفونش ملك الجلالقة
    وافتتح الحصن وقتل محموداً وجميع أصحابه سنة خمس وعشرين‏.‏ وفي سنة خمس
    عشرة خرج بمدينة طليطلة هاشم الضراب من أهل واقعة الربض واشتدت شوكته
    واجتمعت له الخلق وأوقع بأهل شنت برية فبعث عبد الرحمـن العساكـر لقتالـه
    فلـم يصيبوا منه‏.‏ ثـم بعـث عساكـر أخـرى فقاتلـوه بنواحـي دورقـة فهزمـوه
    وقتـل هـو وكثيـر مـن أصحابـه‏.‏ واستمـر أهـل طليطلـة علـى الخلـاف‏.‏
    وبعـث عبـد الرحمـن ابنـه أميـة لحصارها فحاصرها مدة ثم أفرج عنها ونزل
    قلعة رياح وبعث عسكراً للإغارة عليها‏.‏ وكان أهـل طليطلـة قـد خرجوا في
    أتباعه إلى قلعة رياح فكمن لهم فأوقعوا به فاغتم لذلك لأيام قليلة‏.‏ وبعث
    عبد الرحمن العساكر لحصارها ثانياً فلم يظفروا وكمن المغيرون عليها بقلعة
    رياح يعاودونها بالحصار كل حين‏.‏ ثـم بعـث عبـد الرحمـن أخـاه الوليـد في
    العساكر سنة اثنتين وعشرين لحصارها وقد أشرفوا على الهلكـة وضعفـوا عـن
    المدافعـة فاقتحمهـا عنـوة وسكـن أهلهـا وأقـام إلـى آخـر ثلـاث وعشريـن
    ورجـع‏.‏ وفي سنة أربـع وعشريـن بعـث عبـد الرحمـن قريبـه عبيـد اللـه بـن
    البلنسـي فـي العساكـر لغزو بلاد ألبة والقلاع ولقي العدو فهزمهم وكثر
    السبي والقتل‏.‏ ثم خرج لزريق ملك الجلالقة وأغار علـى مدينـة سالـم
    بالثغـر فسـار إليـه فرنـون بـن موسـى وقاتلـه فهزمـه وأكثر القتل في العدو
    والأسر‏.‏ ثـم سـار إلـى الحصـن الذي بناه أهل ألبة بالثغر نكاية للمسلمين
    فافتتحه وهدمه‏.‏ ثم سار عبد الرحمـن فـي الجيـوش إلـى بلاد جليقة فدوخها
    وافتتح عدة حصون منها وجال في أرضهم ورجع بعد طول المقام بالسبي
    بالغنائم‏.‏ وفي سنة سـت وعشريـن بعـث عبـد الرحمـن العساكـر إلـى أرض
    الفرنجـة وانتهـوا إلـى أرض سرطانيـة وكـان علـى مقدمـة المسلمين موسى بن
    موسى عامل تطيلة ولقيهم العدو فصبروا حتى هزم الله عدوهم وكان لموسى في هذه
    الغزاة مقام محمود ووقعت بينه وبين بعض قواد عبد الرحمن ملاحاة وأغلظ له
    القائد فكان ذلك سببا لانتقاضه فعصى على عبد الرحمن وبعث إليه الجيوش مع
    الحارث بن بزيغ فقاتله موسى وانهزم وقتل ابـن عمـه‏.‏ ورجـع الحـارث إلـى
    سرقسطـة‏.‏ ثـم زحـف إلـى تطيلـة وحاصـر بهـا موسـى حتـى نـزل عنهـا علـى
    الصلـح إلـى أربط وأقام الحارث بتطيلة أياماً‏.‏ ثم سار لحصار موسى في أربط
    فاستنصر موسى بغرسية من ملوك الكفر فجاءه وزحف الحارث وأكمنوا له فلقيهم
    على نهر بلبة فخرجت عليه الكمائن بعد أن أجاز النهر وأوقعوا به وأسروه وقد
    فقئت عينه‏.‏ واستشاط عبد الرحمن لهذه الواقعة وبعث وحاصر موسى بتطيلة حتى
    صالحه وتقدم إلى ينبلونة فأوقع بالمشركين عندها وقتل غرسية صاحبهـا الـذي
    أنجـد موسـى علـى الحارث‏.‏ ثم عاود موسى الخلاف فزحفت إليه العساكر فرجع
    إلى المسالمة ورهن ابنه عند عبد الرحمن على الطاعة وقبله عبد الرحمـن
    وولـاه تطيلة فسار إليها واستقرت في عمالته ثم كان في هذه السنة خروج
    المجوس في أطـراف بلـاد الأندلـس ظهـروا سنـة سـت وعشريـن بساحـل أشبونـة
    فكانت بينهم وبين أهلها الحرب ثلاثة عشر يوماً‏.‏ فـي تقدمـوا إلـى قـادس
    ثـم إلـى أشدونـة فكانـت بينهـم وبيـن المسلميـن بهـا وقعـة‏.‏ ثـم قصدوا
    إشبيلية ونزلوا قريباً منها وقاتلوا أهلها منتصف المحرم من سنة ثمان وعشرين
    فهزمهم المسلمـون وغنمـوا‏.‏ ثـم مضـوا إلـى باجـة ثـم إلـى مدينـة
    أشبونـة‏.‏ ثـم أقلعـوا مـن هنالك وانقطع خبرهم وسكنت البلاد وذلك سنة
    ثلاثين‏.‏ وتقدم عبد الرحمن الأوسط بإصلاح ما خربوه من البلاد وأكثـف
    الحاميـة بهـا‏.‏ وذكر بعض المؤرخين حادثة المجوس هذه سنة ست وأربعين
    ولعلها غيرها والله أعلم‏.‏ وفي سنة إحـدى وثلاثيـن بعـث عبـد الرحمـن
    العساكـر إلى جليقة فدوخوها وحاصروا مدينة ليون ورموا سورها قلم يقدروا
    عليه لأن عرضه سبعة عشر ذراعاً فثلموا فيه ثلمة ورجعوا‏.‏ ثم أغـزى عبـد
    الرحمـن حاجبـه عبـد الكريـم بـن مغيـث فـي العساكـر إلـى بلـاد برشلونـة
    فجـاز فـي نواحيها وأجاز الدروب التي تسمى السرب إلى بلاد الفرنجة فدوخها
    قتـلا وأسـراً وسبيـاً وحاصـر مدينتهم العظمى وعاث في نواحيها وقفل‏.‏ وقد
    كان ملك القسطنطينية توفلس بن نوفلس بن نوفيل بعث إلى الأمير عبد الرحمن
    سنة خمس وعشرين بهدية وبطلب مواصلته فكافأه عبد الرحمن كن هديته وبعث إليه
    يحيى العزال من كبار الدولة‏.‏ وكان مشهوراً في الشعر والحكمة فأحكم بينهما
    المواصلة وارتفع لعبد الرحمن ذكر عند منازعيه من بني العباس‏.‏ وفي سنة ست
    وثلاثين هلك نصر الحفي القائم بدولة الأمير عبد الرحمن وكان يضغن على
    مولاه ويمالىء ابنه عبد الرحمن على إبنه الآخر ولي عهده بما كانت أم عبد
    الله قد اصطنعته وكانـت حظيـة عنـد السلطـان ومنحرفة عن ابنه محمد ولي
    العهد فداخلت نصراً هذا في أمرها وداخل هـو طبيـب الـدار فـي أن يسـم
    محمـداً ولـي العهـد‏.‏ ودس الطبيـب بذلـك إلـى الأميـر مـع قهرمانـة داره
    وأن نصراً أكرهه على إذابة السم فيه وباكر نصر القصر ودخل على السلطان
    يستفهمـه عن شراب الدواء فوجده بين يديه وقال له أن نفسي قد بشعته فاشربه
    أنت فوجم فأقسم عليه فلم يسمه خلافه فشربه وركب مسرعاً إلى داره فهلك لحينه
    وحسم السلطان علة ابنه عبد الله وكان من بعدها مهلكه‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة عبد الرحمن الأوسط وولاية ابنه محمد


    ثم توفـي عبـد الرحمـن الأوسـط‏.‏ بـن الحكـم يـن هاشـم بـن عبـد
    الرحمـن الداخـل فـي ربيـع الآخـر سنـة ثمان وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من
    إمارته وكان عالماً بعلـوم الشريعـة وكانـت أيامـه هـدو وسكون‏.‏ وكثرت
    الأموال عنده واتخذ القصور والمنتزهات وجلب إليها الماء وجعل له مصنعاً
    اتخذه الناس شريعة‏.‏ وزاد في جامع قرطبة رواقين ومات قبل أن يستتمه فأتمه
    ابنه محمد بعده‏.‏ وبنى بالأندلـس جوامـع كثيـرة ورتـب رسـوم المملكـة
    واحتجـب عـن العامـة ولمـا مات ولي مكانه ابنه محمد فبعث لأول ولايته
    العساكر مع أخيه الحكم إلى قلعة رباح لإصلاح أسوارها‏.‏ وكان أهل طليطلة
    خربوها فرمها وأصلح حالها وتقدم إلى طليطلة فعاث في نواحيها‏.‏ ثـم بعـث
    الجيـوش مـع موسـى بـن موسى صاحب تطيلة فعاث في نواحي ألبة والقلاع وفتح
    بعض حصونها ورجع وبعث عساكر أخرى إلى نواحي برشلونة ومـا وراءهـا فعاثـوا
    فيهـا وفتحـوا حصـون برشلونـة ورجعـوا‏.‏ ثـم سـار محمـد سنـة أربعين في
    جيوشه إلى طليطلة فاستمدوا ملك جليقة وملك البشكنس فساروا لإنجادهـم مـع
    أهـل طليطلـة فلقيهـم الأميـر محمـد علـى وادي سليـط وقـد أكمـن لهـم
    فأوقـع بهم‏.‏ وبلغ عدة القتلى من أهل طليطلة والمشركين عشرين ألفا‏.‏ ثم
    سـار إليهـم سنـة ثلـاث وأربعيـن فأوقـع بهـم ثانيـة وأثخـن فيهم وخرب
    ضياعهم فصالحوه ثم نكثوا‏.‏ وفي سنة خمـس وأربعيـن ظهـرت مراكـب المجوس
    ونزلوا بإشبيلية والجزيرة وأحرقوا مسجدها‏.‏ ثم عـادوا إلـى تدمير ودخلوا
    قصر أريولة وساروا إلى سواحل الفرنجة وعاثوا فيها وانصرفوا فلقيهم مراكب
    الأمير محمد فقاتلوهم وغنموا منهم مركبيـن واستشهـد جماعـة مـن المسلميـن
    ومضـت مراكـب المشركيـن إلـى ينبلونـة وأسـروا صاحبهـا غرسيـة وفـدى نفسـه
    منهـم بسبعيـن ألـف دينـار‏.‏ وفي سنة سبع وأربعين حاصر طليطلة ثلاثين
    يوماً‏.‏ ثـم بعـث الأميـر محمـد سنـة إحـدى وخمسيـن أخـاه المنـذر فـي
    العساكـر إلـى نواحـي ألبة والقلاع فعاثوا فيهـا وجمـع لزريق للقائم فلقيهم
    وانهزم وأثخن المسلمون في المشركين بالقتل والأسر وكان فتحاً لا كفـاء
    لـه‏.‏ ثـم غزا الأمير محمد بنفسه سنة إحدى وخمسين بلاد الجلالقة فأثخن
    وخرب وانتقض عليه عبد الرحمن بن مروان الجليقي فيمن معه من المولدين وساروا
    إلى التخم ووصل يـده بأذفونش ملك جليقة فسار إلى الوزير هاشم بن عبد
    الرحمن في عساكر الأندلس سنة ثلاث وستين فهزمه عبد الرحمن وحصل هاشم في
    أسره‏.‏ ثـم وقعت المراودة في الصلح على أن ينزل عبد الرحمن بطليوس ويطلق
    الوزير هاشماً فتم ذلك سنـة خمـس وستيـن ونـزل عبـد الرحمـن بطليوس وكانت
    خربة فشيدها وأطلق هاشما بعد سنتين ونصـف مـن أمـره‏.‏ ثـم تغيـر أذفونش
    لعبد الرحمن بن مروان وفارقه وخرج من دار الحرب بعد أن قاتله ونزل مدينة
    إنطاكية بجهات ماردة وهي خراب فحصنها وملك ما إليها من بلـاد اليـون
    وغيرهـا مـن بلـاد الجلالقـة واستضافها إلى بطليوس‏.‏ وكان مظفر بن موسى بن
    ذي النون الهواري عاملاً بشنت برية فانتقض وأغار على أهل طليطلة فخرجوا
    إليـه فـي عشريـن ألفـا ولقيهـم فهزمهم وانهزم معهم مطرف بن عبد الرحمن
    وقتل من أهل طليطلة خلق‏.‏ وكان مطرف بن موسـى فـرداً فـي الشجاعـة ومحـلا
    من النسب ولقي شنجة صاحب ينبلونة أمير البشكنس فهزمه شنجـة وأسره وفر من
    الأسر ورجع إلى شنت برية فلم يزل بها قويم الطاعة إلى أن مات آخر دولـة
    الأميـر محمـد‏.‏ وفي سنة إحـدى وستيـن انتقـض أسـد بـن الحارث بن بديع
    بتاكرتا وهي رندة فبعث إليهم الأمير محمد العساكر وحاصروهم حتى استقاموا
    على الطاعة‏.‏ وفي سنة ثلـاث وستيـن أغـزى الأمير محمد ابنه المنذر إلى دار
    الحرب وجعل طريقه على ماردة وكان بها ابن مروان الجليقي ومرت طائفة من
    عسكر المنذر بماردة فخرج عليهم ابن مروان ومعـه جمـع مـن المشركيـن استظهـر
    بهـم فقتـل تلك الطائفة عن آخرهم وفي سنة أربع وستين بعث ابنـه المنـذر
    ثانيـة إلـى بلـد ينبلونـة ومـر بسرقسطـة فقاتـل أهلهـا ثم تقم إلى تطيلة
    وعاث في نواحيها وخرب بلاد بني موسى ثم لوجهه إلى ينبلونة فدوخها ورجع‏.‏
    وفي سنة سـت وستيـن أمـر الأميـر محمـد بإنشـاء المراكـب بنهـر قرطبـة
    ليدخـل بها إلى البحر المحيط ويأتـي جليقـة مـن ورائهـا فلمـا تـم إنشاؤهـا
    وجرت في البحر أصابها الريح وتقطعت فلم يسلم منها إلا القليـل‏.‏ وفي سنة
    سبـع وستيـن انتقـض عمـر بن حفصون بحصن يشتر من جبال مالقة وزحف إليـه
    عساكر تلك الناحية فهزمهم وقوي أمره وجاءت عساكر الأمير محمد فصالحهم ابن
    حفصون واستقام أمر الناحية‏.‏ وفي سنة ثمان وستين بعث الأمير محمد ابنه
    المنذر لقتال أهل الخلـاف فقصـد سرقسطـة وحاصرهـا وعـاث في نواحيها وفتح
    حصن ريطة‏.‏ ثم تقدم إلى دير بروجة وفيه محمد بن لب بن موسى ثم قصد مدينة
    لاردة وقرطاجنة ثم دخل دار الحرب وعاث في نواحي ألبة والقلاع وفتـح منهـا
    حصونـاً ورجـع‏.‏ وفي سنة سبعيـن سـار هاشم بن عبد العزيز بالعساكر لحصار
    عمر بن حفصون بحصن يشتر واستنزله إلى قرطبة فأقام بها وفيها شرع إسماعيل بن
    موسى ببناء مدينة لاردة فجمع صاحب برشلونة لمنعه من ذلـك وسـار إليـه
    فهزمـه إسماعيـل وقتـل أكثـر رجاله وفي سنة إحدى وسبعين سار هاشم بن عبد
    العزيز في العساكر إلـى سرقسطـة فحاصرها هاشم وافتتحها ونزلوا جميعا على
    حكمه‏.‏ وكان في عسكره عمر بن حفصون واستدعـاه مـن الثغـر فحضـر معـه هـذه
    الغـزاة فهـرب ولحـق بيشتـر فامتنع به وسار هاشم إلى عبد الرحمن بن مروان
    الجليقي وحاصره بحصن منت مولن‏.‏ ثم رجع عنه فأغار ابن مروان على إشبيلية
    ولقنت‏.‏ ثم نزل منت شلوط فامتنع فيه وصالح عليه الأمير محمداً واستقام
    علـى طاعته إلى أن هلك الأمير محمد‏.‏ وكان ملك رومة والفرنجة لعهده اسمه
    فرلبيب بن لوزنيق وفاة الأمير محمد وولاية ابنه المنذر ثـم توفـي الأميـر
    محمـد بـن عبـد الرحمـن بـن الحكـم بـن هشـام بـن عبـد الرحمـن الداخل في
    شهر صفر مـن سنـة ثلـاث وسبعين لخمس وثلاثين سنة من إمارته وولي بعده ابنه
    المنذر فقتل لأول ولايته هاشـم بـن عبد العزيز وزير أبيه وسار في العساكر
    لحصار ابن حفصون فحاصره بحصن يشتر سنـة أربـع وسبعيـن وافتتـح جميـع قلاعـه
    وحصونـه‏.‏ وكان منها رية وهي مالقة وقبض على واليها من قبله عيشون
    فقتله‏.‏ ولما اشتد الحصار على ابن حفصون سأل الصلح فأجابه وأفرج عنه فنكـث
    فرجـع لحصـاره وصالـح ثـم نكـث مرتيـن فأقام المنذر على حصاره وهلك قريبا
    فانفرج عن ابن حفصون‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up وفاة المنذر وولاية أخيه عبيد الله ابن الأمير محمد


    ثـم توفـي المنـذر محاصراً لابن حفصون بجبل يشتر سنة خمس وسبعين لسنتين
    من إمارته فولي مكانه أخوه عبد الله ابـن الأميـر محمـد وقفـل بالعساكـر
    إلـى قرطبـة وقـد اضطربـت نواحـي الأندلـس بالثـوار‏.‏ ولمـا كثـر الثـوار
    قـل الخـراج لامتنـاع أهـل النواحي من الأداء‏.‏ وكان خراج الأندلس قبله
    ثلاثمائة ألف دينار مائة ألف منها للجيوش ومائة ألف للنفقة في النوائب وما
    يعرض ومائة ألف ذخيرة ووفراً فأنفقوا الوفر في تلك السنين وقل الخراج‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up أخبار الثوار وأولهم ابن مروان ببطليوس وأشبونة


    قد تقدم لنا أن عبد الرحمن بن مروان انتقض على الأمير محمد بن عبد
    الرحمن سنة خمس وخمسيـن فـي غزاتـه إلـى بلـاد الجلالقـة واجتمـع إليـه
    المولـدون وصـار إلى التخم ووصل يده بإذفونش ملـك الجلالقـة فعـرف لذلـك
    بالجليقـي وذكرنـا كيـف سـار إليـه هاشـم بـن عبـد العزيز سنة ثلاثين في
    عساكر الأندلس فهزمه ابن مروان وأسره‏.‏ ثم وقع الصلح على إطلاق هاشم وأن
    ينزل ابـن مـروان بطليوس فتم ذلك سنة خمس ونزل عبد الرحمن بطليوس فشيدها
    وترس بالدولتين‏.‏ ثم تغير له أذفونش وقاتله ففارق دار الحرب ونزل مدينة
    أنطاكية بجهات مـاردة فحصنهـا وهـي خـراب وملـك مـا إليهـا مـن بلـد اليـون
    وغيرهـا مـن بلـاد الجلالقة واستضافها إلى بطليوس واستعجـل لـه الأميـر
    عبـد اللـه علـى بطليـوس وكـان معـه بدار الحرب سعدون السرساقي وكان من
    الأبطال الشجعان وكان دليلا للغزو وهو من الخارجين معه‏.‏ فلما نزل عبد
    الله بطليوس انتزى سعـدون ببعـض الحصـون مـا بين قلنيرة وباجة‏.‏ ثم ملك
    قلنيرة وترس بأهل الدولتين إلى أن قتله ابن تاكيت بماردة كان محمد بن تاكيت
    من مصمودة وثار بناحية الثغر أيام الأمير محمد وزحف إلى ماردة وبها يومئذ
    جند من العرب وكتامة فأعمل الحيلة في إخراجهم منها ونزلها هو وقومه
    مصمودة‏.‏ بقية خبر ابن مروان ولما ملك ابن تاكيت ماردة زحفت إليه العساكر
    من قرطبة وجاء عبد الرحمن بن مروان من بطليـوس مدداً له فحاصروهم أشهراً ثم
    أقلعوا‏.‏ وكان بماردة جموع من العرب ومصمودة وكتامة فتحيل محمد بن تاكيت
    على العرب وكتامة وأقاربهم فأخرجهـم واستقـل بمـاردة هـو وقومـه وعظمـت
    الفتنـة بينـه وبيـن عبـد الرحمـن بـن مـروان صاحـب بطليـوس بسبب مظاهرته
    عليه وحاربه فهزمه مروان مراراً كانت إحداها على لقنت استلحم فيها مصمودة
    فقصت من جناح ابـن تاكيت واستجاش بسعدون السرساقي صاحب قلنيرة فلم يغنه
    وعلا كعب ابن مروان عليهم وتوثـق أمـره وطلبـه ابـن حفصـون فـي الولايـة
    فامتنـع ثـم هلـك أثـر ذلـك سنـة أيـام الأميـر عبد الله وولي ابنـه عبـد
    الرحمن بن مروان وأثخن في البرابرة المجاورين له وهلك لشهرين من ولايته
    فقعد الأمير عبـد اللـه علـى بطليـوس لأميريـن مـن العرب ولحق من بقي من
    ولد عبد الرحمن بحصن شونة وكانا اثنين من أعقابه وهما مروان وعبد الله ابنا
    ابنه محمد وعمهما مروان‏.‏ ثم خرجا من حصن شونة ولحقا بآخر من أصحاب جدهما
    عبد الرحمن‏.‏ ثم اضطرب الأميران ببطليوس وتنازعا وقتـل أحدهما الأخر
    واستقل ببطليوس ثم تسور عبد الله منها سنة ست وثمانين فقتله وملك بطليوس
    واستفحل أمره والمعجل له الأمير عبد الله عليها‏.‏ ونازل حصون البرابرة حتى
    طاعوا له وحارب ابن تاكيت صاحب ماردة‏.‏ ثم اصطلحوا وأقاموا جميعاً طاعة
    الأمير عبد الله ثم تحاربوا فاتصلت حروبهم إلى آخر دولته‏.‏ ثورة لب بن
    محمد بسرقسطة وتطيلة ثـم ثـار لـب بـن محمـد بـن موسـى بسرقسطة سنة ثمان
    وخمسين ومائتين أيام الأمير محمد فترددت إليه الغزوات حتى استقام وأسجل له
    الأمير على سرقسطة وتطليلة وطرسونة فأحسن حمايتها واستفحلـت إمارته فيها‏.‏
    ونازله ملك الجلالقة أذفونش في بعض الأيام بطرسونة فنزل إليه ورده على
    عقبه منهزماً وقتل نحواً من ثلاثة آلاف من قومه وانتقض على الأمير عبد الله
    وحاصر تطيلة‏.‏
    شاه جهان
    شاه جهان
    نائب المدير
    نائب المدير


    عدد المساهمات : 1907
    تاريخ التسجيل : 15/10/2010
    العمر : 58
    الموقع : https://alquseya.ahladalil.com/

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف شاه جهان الأربعاء ديسمبر 29, 2010 11:22 pm

    الخبر عن دولة بني الرسي أئمة الزيدية بصعدة


    وذكر أوليتهم ومصائر أحوالهم قـد ذكرنـا فيمـا تقـدم خبـر محمـد بـن
    إبراهيـم الملقـب أبـوه طباطبـا بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن الدعي وظهوره
    أيام المأمون وقيام أبي السرايا ببيعته وشأنه كله‏.‏ ولما هلك وهلك أبو
    السرايا وانقـرض أمرهـم طلـب المأمـون أخـاه القاسـم الرسـي بن إبراهيم
    طباطبا ففر إلى السند ولم يزل به إلى أن هلك سنة خمس وأربعين ومائتين ورجع
    ابنه الحسن إلى اليمن وكان من عقبه الأئمة بصعدة من بلاد اليمن أقاموا
    للزيدية بها دولة اتصلت آخر الأيام وصعدة جبل في الشرق عن صنعاء وفيه حصون
    كثيرة أشهرها صعدة وحصن تلا وجبل مطابة وتعرف كلها ببني الرسي‏.‏ وأول من
    خرج بها منهم يحيى بـن الحسيـن بـن القاسـم الرسـي دعـا لنفسـه بصعـدة
    وتسمـى بالهادي وبويع بها سنة ثمان وثمانين في حياة أبيه الحسين وجمع
    الجموع من شيعتهم وغيرها وحـارب إبراهيـم بـن يعفـر‏.‏ وكـان أسعـد بـن
    يعفـر السادس من أعقاب التبايعة لصنعاء وكملا فغلبه على صنعاء ونجران
    فملكها وضرب السكة ثم انتزعها بنو يعفر منه ورجع إلى صعدة وتوفي سنة ثمـان
    وتسعين لعشر سنين من ولايته هكذا قال ابن الحارث قال‏:‏ وله مصنفات في
    الحلال والحرام‏.‏ وقال غيره‏:‏ كان مجتهداً في الأحكام الشرعية وله في
    الفقه آراء غريبة وتواليف بين الشيعة معروفة‏.‏ قال الصولي‏:‏ وولي بعـده
    ابنـه محمـد المرتضـى واضطـرب النـاس عليـه وهلـك سنـة عشريـن وثلاثمائة
    لست وعشرين سنة من ولايته‏.‏ وولي بعده أخوه الناصر أحمد واستقام ملكه
    واطرد في بنيـه بعـده فولـي بعـده ابنـه حسيـن المنتجـب ومـات سنـة أربـع
    وعشريـن‏.‏ وولـي بعـده أخـوه القاسـم المختار إلى أن قتله أبو القاسم
    الضحاك الهمداني سنة أربع وأربعين‏.‏ وقال الصولي‏:‏ من بني الناصر الرشيد
    والمنتجب ومات سنة أربع وعشرين‏.‏ وقال ابن حزم لما ذكر ولد أبي القاسم
    الرسي فقال‏:‏ ومنهم القائمون بصعدة من أرض اليمن أولهم يحيى الهادي له رأي
    في الفقه وقد رأيتـه ولـم يبعـد فيـه عـن الجماعـة كـل البعـد‏.‏ كان
    لأبيه أحمد الناصر بنون ولي منهم صعدة بعده جعفر الرشيد وبعده أخوه القاسم
    المختار ثم الحسن المنتجب ومحمد المهدي‏.‏ قـال‏:‏ وكـان اليمانـي القائم
    بماردة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة يذكر أنه عبد الله بن أحمد الناصر أخـو
    الرشيـد والمختـار والمنتجـب والمهـدي وقـال ابـن الحاجب‏:‏ ولم تزل
    إمامتهم بصعدة مطردة إلى أن وقـع الخلـاف بينهـم وجـاء السليمانيـون مـن
    مكـة عندمـا أخرجهـم الهواشم فغلبوا عليهم بصعـدة‏.‏ وانقرضـت دولتهـم بهـا
    فـي المائـة السادسـة‏.‏ قـال ابـن سعيد‏:‏ وكان من بني سليمان حين خرجوا
    من مكة إلى اليمن أحمد بن حمزة بن سليمان فاستدعاهم أهل زبيد لينصروهم على
    علي بن مهدي الخارجي حين حاصرهم وبها فاتك بن محمد من بني نجاح فأجابهم على
    أن يقتلـوا فاتكـاً فقتلوه سنة ثلاث وخمسمائة وملكوا عليهم أحمد بن حمزة
    فلم يطق مقاومة علي بن مهـدي ففـر عـن زبيـد وملكها ابن مهدي قال‏:‏ وكان
    عيسى بن حمزة أخو أحمد في عمرة باليمن ومنهـم غانـم بـن يحيى ثم ذهب ملك
    بني سليمان من جميع التهائم والجبال واليمن على يد بني مهدي‏.‏ ثم ملكهم
    بنو أيوب وقهروهم واستقر ملكهم آخراً في المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة
    قال ابن النديم‏:‏ أخذ الملك بصعدة عن أبيه واشتدت يده مع الناصر العباسي
    وكان يناظره ويبعث دعاته إلى الديلم وجيلان حتى خطب له هنالك وصار له فيها
    ولاه وأنفق الناصـر عليـه أمـوالا فـي العـرب باليمـن ولـم يظفر به‏.‏ قال
    ابن الأثير‏:‏ جمع المنصور عبد الله بن حمزة أيام الزيدية بصعدة سنة اثنتين
    وخمسمائة وزحف إلى اليمن فخاف منه المعز بن سيف الإسلام طغتكيـن بـن
    أيـوب‏.‏ ثـم زحـف إليـه المعـز فهزمـه ثـم جمـع ثانيـة سنـة اثنتـي عشـرة
    وستمائـة جموعـاً مـن همذان وخولان وارتجت له اليمن وخاف المسعود بن الكامل
    وهو يومئذ صاحب اليمن ومعه الكرد والترك وأشار أمير الجيوش عمر بن رسول
    بمعاجلته قبل أن يملك الحصون‏.‏ ثم اختلف أصحاب المنصور ولقيه المسعود
    فهزمه وتوفي المنصور سنة ثلاثين وستمائة عن عمر مديد وترك ابنـاً اسمـه
    أحمـد ولـاه الزيديـة ولـم يخطبـوا لـه بالإمامـة ينتظـرون علـو سنـه
    واستكمـال شروطـه ولما كانت سنة خمس وأربعين بايع قوم من الزيدية لأحمد
    الموطىء من بقية الرسـي وهـو أحمـد بـن الحسين من بني الهادي لأنهم لما
    أخرجهم بنو سليمان من كرسي إمامتهم بصعـدة آووا إلـى جبـل قطابـة بشرقـي
    صعـدة فلـم يزالـوا هنالـك وفي كل عصر منهم إمام شائع بأن الأمر إليهم أن
    بايع الزيدية الموطىء وكان فقيهاً أديباً عالمـاً بمذهبهـم قوامـاً صوامـاً
    بويـع سنـة خمس وأربعين وستمائة وأهم نور الدين عمر بن رسول شأنه فحاصره
    بحصن تلا سنة وامتنع عليه فأفرج عن وحمل العساكـر مـن الحصـون المجـاورة
    لحصاره‏.‏ ثم قتل عمر بن رسول وشغل ابنه المظفر بحصن الدملوة فتمكن الموطىء
    وملك عشرين حصناً وزحف إلى صعدة فغلب السليمانيين عليها وقد كانوا بايعـوا
    لأحمد ابن إمامهم عبد الله المنصور ولقبوه المتوكل عندما بويعا للموطىء
    بالإمامة في تلا لأنهم كانوا ينتظرون استكمال سنه فلما بويع الموطىء بايعوه
    ولما غلبهم على صعدة نزل أحمد المتوكل إمامهم وبايع له وأمنه وذلك سنة تسع
    وأربعين ثم حج سنة خمسين وبقي أمر الزيدية بصعدة في عقب الموطىء هذا وسمعت
    بصعدة أن الإمام بصعدة كان قبل الثمانين والسبعمائة علـي بـن محمـد فـي
    أعقابهـم وتوفـي قبـل الثمانين والسبعمائة علي بن محمد في أعقابهم وولي
    ابنه صلـاح وبايعـه الزيدية‏.‏ وكان بعضهم يقول ليس هو بإمام لعدم شروط
    الإمامة فيقول هو أنا لكم مـا شئتم إمام أو سلطان‏.‏ ثم مات صلاح آخر سنة
    ثلاث وتسعين وقام بعده ابنه نجاح وامتنع الزيدية من بيعته فقال أنا محتسب
    لله هذا ما بلغنا عنهم بمصر أيام المقام فيهـا واللـه وارث الأرض ومن
    عليها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن نسب الطالبيين


    وذكر المشاهير من أعقابهم وأما نسب هؤلاء الطالبيين فأكثرها راجع إلى
    الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب من فاطمـة رضـي اللـه عنهـا وهمـا
    سبطـا الرسـول صلى الله عليه وسلم وإلى أخيها محمد بن الحنفية وإن كان لعلي
    رضي الله عنه غيرهم من الولد إلا أن الذين طلبوا الحق في الخلافة وتعصبت
    لهـم الشيعـة ودعـوا لهـم فـي الجهـات إنمـا هم الثلاثة لا غيرهم فأما
    الحسن فمن ولده الحسن المثنى وزيد ومنهما العقب المشهود له في الدعوة
    والإمامة‏.‏ ومن ولد حسن المثنى عبد الله الكامل وحسن المثلث وإبراهيم
    العمر وعباس وداود‏.‏ فأما عبد الله الكامـل وبنـوه فقـد مـر ذكرهـم
    وأنسابهم عند ذكر ابنه محمد المهدي وأخبارهم مع أبي جعفر المنصور‏.‏ وكان
    منهم الملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى بنو إدريس بن إدريس بن عبد الله
    الكامل‏.‏ ومن عقبهـم بنـو حمـود ملـوك الأندلـس الدائلـون بهـا مـن بنـي
    أمية آخر دولتهم‏.‏ ومنهم بنو حمود بن أحمد بـن علـي بـن عبيـد اللـه بـن
    عمر بن إدريس وسيأتي ذكر أخبارهم‏.‏ ومنهم بنو سليمان بن عبد الله الكامل
    كان من عقبه ملوك اليمامة بنو محمد الأخيضر بن يوسف بن إبراهيم بن موسى
    الجـون ومنهـم بنـو صالـح بـن موسـى بـن عبـد اللـه الساقـي ويلقـب بأبـي
    الكرام بن موسى الجون وهم الذين كانوا ملوكا بغانة من بلاد السودان بالمغرب
    الأقصى وعقبهم هنالك معروفون‏.‏ ومن عقبه أيضاً الهواشم بنو أبي هاشم محمد
    بن الحسن بن محمد الأكبر بن موسى الثاني بن عبـد الله أبي الكرام‏.‏ كانوا
    أمراء مكة لعهد العبيديين وقد مر ذكرهم‏.‏ ومن أعقابهم بنو قتادة بـن
    إدريـس بـن مطاعـن بـن عبـد الكريـم بـن موسـى بـن عيسـى بن سليمان بن موسى
    الجون وملكوا مكة بعد الهواشم علـى يـد قتـادة أبيهـم هـذا‏.‏ فمنهـم بنـو
    نمـى بـن سعـد بـن علـي بـن قتـادة أمـراء مكـة لعهدنا‏.‏ ومن عقب داود بن
    حسن المثنى السليمانيون الذين كانوا بمكة وهم بنو سليمان بن داود وغلبهم
    عليها الهواشم آخراً وصـاروا إلـى اليمـن فقامـت الزيديـة بدعوتهـم كمـا
    مـر فـي أخبارهم‏.‏ ومـن عقـب حسـن المثلـث بن حسن المثنى حسين بن علي بن
    حسن المثلث الخارج على الهادي وقـد مـر ذكـره‏.‏ ومـن عقـب إبراهيـم العمـر
    بـن حسـن المثنـى بن طباطبا واسمه إبراهيم بن إسماعيل بـن إبراهيـم كـان
    منهـم محمـد بـن طباطبـا أبـو الأئمة بصعدة الذين غلبهم عليها بنو سليمان
    بن داود بن حسن المثنى حين جاؤوا من مكة‏.‏ ثم غلبهم بنو الرسي عليها
    ورجعوا إلى إمامهم بصعدة وهم بها لهذا العهد‏.‏ ومنهم بنو سليمان بن داود
    بن حسن المثنى وابنه محمد بن سليمان القائم بالمدينة أيام المأمون‏.‏ قال
    ابن حزم‏:‏ وعقبه بالمدينة لأبي جعفر المنصـور ولا عقـب لزيـد إلا منـه‏.‏
    وكـان مـن عقبـه محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد‏.‏ قام
    بالمدينة أيام المعتمد وجاهر بالمنكرات والقتل إلى أن تعطلت الجماعات‏.‏
    ومن عقبه أيضاً القائم بطبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن
    بن زيد وأخوه محمد القائم من بعده وقد مر خبرهما‏.‏ ومنهم الداعي الصغير
    بالري وطبرستان وهو الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسـم بن
    محمد الطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد وكانت بين هذا الداعي الصغير وبين
    الإطروش حروب‏.‏ وقتل هذا الداعي سنة تسع عشرة وثلاثمائة‏.‏ ومن عقبه أيضاً
    القاسم بن علـي بـن إسماعيـل أحـد قـواد الحسـن بـن زيـد‏.‏ وهم غيروا نعم
    أهل تلك الآفاق وأذهبوا بمهجتهم وكانوا سببا لتورد الديلم ببلاد الإسلام
    لما يستجيشونهم‏.‏ وخرج معهم ومع الأطروش الحسني ماكان بن كالي ملك
    الديلم‏.‏ وكان مرداويج وبنو بويه من بعض رجاله وكان لهم من عشيرهم قواد
    ورجال تسموا باسم الديلم من أجل مرباهم بينهم والله يخلق ما يشاء‏.‏ وأما
    الحسين وهو القتيل بالطعن أيام يزيد بن معاوية فمن ولده علي بن زين
    العابدين بن زيد الشهيد ومحمد الباقر وعبد الله الأرقط وعمر والحسن
    الأعرج‏.‏ فمن ولـد الأرقـط الحسيـن الكويكي بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن
    أحمد بن عبد الله الأرقط كان من قواد الحسن الأطـروش بـن الحسـن بـن علـي
    القائـم بـن علـي بـن عمـر‏.‏ قـام بـأرض الطالقـان أيـام المعتصـم‏.‏ ثم
    هرب من سفك الدماء واستتر إلى أن مات وكان معتزلياً‏.‏ ومنهم الأطروش أسلم
    على يديه الديلم وهو الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر وكان فاضلاً حسن
    المذهب عدلاً ولـي طبرستـان وقتـل سنـة أربـع وثلاثمائـة‏.‏ وقـام بعـده
    أخـوه محمد ومات‏.‏ وقام الحسين أبن أخيه محمد بـن علـي وقتـل بهـا سنـة
    سـت عشـرة وثلاثمائـة قتلـه جيـوش نصـر بـن أحمـد بـن إسماعيل بن أحمد بن
    نوح بن أسد الساماني صاحب خراسان‏.‏ ومـن ولـد الحسيـن الهمـرج بـن زين
    العابدين بن عبد الله العقيقي بن الحسين كان من ولده الحسين بـن محمـد بـن
    جعفـر بـن عبـد اللـه العقيقـي قتلـه الحسـن بـن زيـد صاحـب طبرستـان‏.‏
    ومنهم جعفر بن عبيـد اللـه بـن الحسيـن الأعـرج‏.‏ كـان شيعته يسمونه حجة
    الله وكان من عقبه الملقب بمسلم الذي دبـر أمـر مصـر أيـام كافـور وهـو
    محمـد بـن عبيـد اللـه بـن طاهـر بـن يحيـى المحـدث ابـن الحسيـن بن جعفر
    حجـة اللـه وابنـه طاهر بن مسلم‏.‏ ومن عقب طاهر هذا أمراء المدينة لهذا
    العهد بنو جماز بن هبـة بـن جماز بن جماز بن شيخة بن هاشم بن القاسم بن
    مهنى ومهنى بن مهنى بن داود بن القاسم أخي مسلم وعمر وطاهر‏.‏ وزعـم ابـن
    سعيـد‏:‏ أن بنـي جمـاز بـن شيخة أمراء المدينة هؤلاء من ولد عيسى بن زيد
    الشهيد وفيـه نظـر‏.‏ ومن ولد الحسين الحسن الأعرج وزيد هو القائم بالكوفة
    على عهد هشام بن عبد الملك سنة إحدى وعشرين ومائة وقتل وخرج ابنه يحيى سنة
    خمس وعشرين بخراسان وقتل وقد انتمى صاحب الزنج في بعض أوقاته إليه‏.‏ وأخوه
    عيسى بن زيد الذي حارب المنصور أول خلافته من ولد الحسين الذي كان من عقبه
    يحيى بن عمر بن يحيى القائم بالكوفة أيام المستعين وكان حسن المذهب في
    الصحابة وإليه ينسـب العمريون الذين استولوا على الكوفة أيام الديلم من قبل
    السلطان ببغداد‏.‏ وعلي بن زيد بـن الحسيـن بـن زيـد قـام بالكوفة ثم هرب
    إلى صاحب الزنج بالبصرة فقتله وأخذ جارية له كان سباها من البصرة‏.‏ ومن
    ولد محمد الباقر بن زين العابدين عبد الله الأفطح وجعفر الصادق فكانت لعبد
    الله الأفطح شيعة يدعون إمامته‏:‏ منهم زرارة بن أعين الكوفي‏.‏ ثم قام
    بالمدينة وسأله عن مسائل من الفقه فألفاه جاهلا فرجع عن القول بإمامته
    فانقطعت الأفطحية‏.‏ وزعم ابن حزم أن بني عبيد ملوك مصر ينسبون إليه وليس
    ذلك بصحيح‏.‏ ومـن ولـد جعفـر الصـادق إسماعيـل الإمام وموسى الكاظم ومحمد
    الديباجة‏.‏ فأما محمد الديباجـة فخـرج بمكـة أيـام المأمـون وبايع له أهل
    الحجاز بالخلافة وحمله المعتصم لما حج وجاء به إلى المأمون فعفا عنه ومات
    سنة ثلاث ومائتين‏.‏ وأما إسماعيل الإمام وموسى الكاظم فعليهما وعلى بنيهما
    مدار اختلاف الشيعة وكان الكاظم على زي الأعراب مائلا إلى السواد وكان
    الرشيد يؤثره ويتجافى عن السعاية فيه كما مر ثم حبسه‏.‏ ومـن عقبـه بقيـة
    الأئمـة الاثنـي عشـر عنـد الإماميـة مـن لـدن علـي بـن أبـي طالب الوصي
    ووفاته سنة خمـس وأربعيـن ثـم أخـوه الحسيـن ومقتلـه سنـة إحدى وستين ثم
    ابنه زين العابدين ووفاته ثم ابنه محمـد الباقـر ووفاته سنة إحدى وثمانين
    ومائة ثم ابنه جعفر الصادق ووفاته سنة ثلاث وأربعين ومائـة ثـم ابنـه موسـى
    الكاظـم ووفاتـه سنـة ثلاث وثمانين ومائة وهو سابع الأئمة عندهم‏.‏ ثم
    ابنه علـي الرضـا ووفاتـه سنـة ثلـاث ومائتيـن ثـم ابنه محمد المقتفى
    ووفاته سنة عشرين ومائتين ثم ابنه علي الهادي ووفاته سنة أربع وخمسين
    ومائتين ثم ابنه حسن العسكري ووفاته سنة ستين ومائتين ثم ابنه محمد المهدي
    وهو الثاني عشر وهو عندهم حي منتظر وأخبارهم معروفة‏.‏ ومن عقب موسى الكاظم
    من غير الأئمة ابنه إبراهيم المرتضى ولاه محمد بن طباطبا وأبو السرايا على
    اليمن فذهب إليها ولم يزل بها أيام المأمون يسفك الدماء حتى لقبه الناس
    بالجزار وأظهـر الإمامـة عندمـا عهـد المأمـون لأخيـه الرضـا‏.‏ ثـم اتهـم
    المأمـون بقتلـه فجاهر وطلب لنفسه‏.‏ ثم عقد المأمون على حرب الفاطميين
    باليمن لمحمد بن زياد بن أبي سفيان لما بينهم من البغضاء فأوقع بهم مراراً
    وقتل شيعتهم وفرق جماعتهم ومن عقب موسى بن إبراهيم جد الشريف الرضـي
    والمرتضـى واسم كل منهما علي بن الحسين بن محمد بن موسى بن إبراهيم ومن عقب
    موسى الكاظم ابنه زيد ولاه أبو السرايا على الأهواز فسار إلى البصرة
    وملكها وأحرق دور العباسييـن بهـا فسمـي زيـد النـار ومـن عقبه زيد الجنة
    بن محمد بن زيد بن الحسن بن زيد النار مـن أفاضـل هـذا البيـت وصلحائهم حمل
    إلى بغداد في محنة الفاطميين أيام المتوكل ودفع إلى ابن أبي دواد يمتحنه
    فشهد له وأطلقه‏.‏ ومن عقب موسى الكاظم ابنه‏.‏ إسماعيل ولاه أبو السرايا
    على فارس‏.‏ ومن عقب جعفر الصادق من غير الأئمة محمد وعلي ابنا الحسين بن
    جعفر قاما بالمدينة سنة إحدى وسبعين ومائتيـن وسفكـا الدمـاء وانتهبـا
    الأمـوال واستلحمـا آل جعفـر بـن أبـي طالـب وأقامـت المدينـة شهـرا لا
    تقـام فيهـا جمعـة ولا جماعـة ومـن عقـب إسماعيل الإمام العبيديون خلائـف
    القيـروان ومصـر بنـو عبيـد اللـه المهـدي بـن محمـد بـن جعفر بن محمد بن
    جعفر بن محمد بن إسماعيل وقد مر ذكرهم وما للناس من الخلاف في نسبهم وهو
    مطروح كله وهذا أصح ما فيه‏.‏ وقال ابن حزم إنهم من بني حسن البغيض وهو عم
    المهدي وعنده أنها دعوى منهم‏.‏ وأمـا محمـد بـن الحنفيـة فكان من ولده عبد
    الله بن عباس وأخوه علي بن محمد وابنه الحسن بن علي بن محمد وكل ادعت
    الشيعة إمامته وخرج باليمن على المأمون ولد علي من غير هؤلاء عبد الرحمن بن
    أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ومن ولد جعفر بن أبي طالب
    عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القائم بفارس وبويع
    بالكوفة وأراد بعـض شيعـة العباسيـة تحويـل الدعـوة إليه فمنع أبو مسلم من
    ذلك وكانت له شيعة ينتظرونه وشاقـوا الخلافـة إليـه مـن أبـي هاشـم بـن
    محمـد بـن الحنفية بالوصية‏.‏ وكان فاسقاً وكان معاوية ابنه نظير أبيه فـي
    الشـر‏.‏ انتهـى الكلـام فـي أنسـاب الطالبييـن وأخبارهـم فلنرجـع الـآن
    إلـى أخبـار بنـي أميـة بالأندلس المنازعين للدعوة العباسية‏.‏ ثم نرجع إلى
    دولة القائمين بالدعوة العباسية المستبدين عليهم من العرب والترك واليمن
    والجزيرة والشام والعراق والمغرب والله المستعان‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up دولة بني أمية بالأندلس


    الخبر عن دولة بني أمية بالأندلس من هذه الطبقة المنازعين للدعوة
    العباسية وبداية أمرهم وأخبار ملوك الطوائف من بعدهم كان هذا القطر
    الأندلسي من العدوة الشمالية عن عدوة البحر الرومي وبالجانب الغربي منها
    يسمى عند العرب أندلوش‏.‏ وتسكنه أمم من إفرنجة المغرب أشدهم وأكثرهم
    الجلالقة‏.‏ وكـان القـوط قـد تملكوهـا وغلبـوا على أمره لمائتين من السنين
    قبل الإسلام بعد حروب كانت لهم مـع اللطينييـن حاصروا فيها رومة‏.‏ ثم
    عقدوا معهم السلم على أن تنصرف القوط إلى الأندلس فسـاروا إليهـا
    وملكوهـا‏.‏ ولما أخذ الروم واللطينيون لبلة النصرانية حملوا من وراءهم
    بالمغرب من أهـل إفرنجـة والقوط عليها فدانوا بها وكان ملوك القوط ينزلون
    طليطلة وكانت دار ملكهم‏.‏ وربما انتقلوا ما بينها وبين قرطبة وماردة
    واشبيلية وأقاموا كذلك نحو أربعمائة سنة إلى أن جاء الله بالإسلام
    والفتح‏.‏ وكان ملكهم لذلك العهد يسمى لزريق وهو سمة لملوكهم كجرجير سمة
    ملوك صقلية ونسب القوط وخبر دولتهم قد تقدم‏.‏ وكانت لهم خطوة وراء البحر
    في هذه العدوة الجنوبية خطوها من فرضة المجاز بطنجـة ومـن زقـاق البحـر
    إلـى بلـاد البربر واستعبدوهم‏.‏ وكان ملك البرابرة بذلك القطر الذي هو
    اليوم جبال غمارة يسمى بليان وكان يدين بطاعتهم وبملتهم وموسى بن نصير أمير
    العرب إذ ذاك عامل على إفريقية من قبل الوليد بن عبد الملك ومنزله
    بالقيروان‏.‏ وكان قد أغزى لذلك العهد عساكر المسلمين بلاد المغرب الأقصى
    ودوخ أقطاره وأوغل في جبال طنجة هذه حتى وصل خليج الزقاق واستنزل بليان
    لطاعة الإسلام وخفف مولاه طارق بن زياد الليثي واليا بطنجـة وكـان بليـان
    ينقـم علـى لزريـق ملك القوط لعهده بالأندلس لفعله بابنته في داره كما
    زعموا على عادتهم في بنات بطارقتهم فغضب لذلك وأجاز إلى لزريق فأخذ ابنته
    منه‏.‏ ثم لحق بطارق فكشف للعرب عورة القوط ودلهم على غرة فيهم أمكنت طارقا
    فانتهزها لوقتـه وأجـاز البحـر سنـة اثنتيـن وتسعيـن مـن الهجـرة بـإذن
    أميـره موسـى بـن نصيـر فـي نحـو ثلاثمائـة مـن العـرب وانتهـب معهم من
    البربر زهاء عشرة آلاف فصيرهم عسكراً ونزل لهم جبل الفتح فسمي بـه وأداروا
    الأسـوار علـى أنفسهـم للتحصيـن‏.‏ وبلـغ الخبـر لزريـق فنهـض إليهـم يجر
    أمم الأعاجم وأهل ملة النصرانية في زهاء أربعين ألف فالتقوا بفحص شريش
    فهزمه إليه ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهـم‏.‏ وكتب طارق إلى موسى بن نصير
    بالفتح وبالغنائم فحركته الغيرة وكتب إلى طارق يتوعـده بأنـه يتوغـل بغيـر
    إذنـه ويأمـره أن لا يتجـاوز مكانـه حتـى يلحـق بـه واستخلـف علـى
    القيروان ولده عبد الله وخرج معه حسين بن أبي عبد الله المهدي الفهري‏.‏
    ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب
    والموالي وعرفاء البربر ووافى خليج الزقاق ما بين طنجة والجزيرة الخضراء
    فأجاز إلى الأندلس وتلقاه طـارق وانقـاد واتبـع وتمـم موسـى الفتـح وتوغـل
    في الأندلس إلى البرشلونة في جهة الشرق وأربونة فـي الجـوف وصنـم قادس في
    الغرب ودوخ أقطارها وجمع غنائمها‏.‏ وجمع أن يأتي المشرق على القسطنطينية
    ويتجاوز إلى الشام ودروب الأندلـس ويخـوض مـا بينهـا مـن بلـاد الأعاجـم
    أمـم النصرانية مجاهداً فيهم مستلحما لهم إلى أن يلحق دار الخلافة‏.‏ ونمى
    الخبر إلى الوليد فاشتد قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب ورأى أن ما هم به
    موسى غـرر بالمسلميـن فبعـث إليـه بالتوبيـخ والانصـراف‏.‏ وأسـر إلى
    سفيره أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع هو وكتب له بذلك عهده ففت ذلك في عزم
    موسى وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها واستعمل ابنه
    عبد العزيز لغزوها وجهاد أعدائها وأنزله بقرطبة فاتخذها دار إمارة واحتل
    موسى بالقيروان سنة خمس وتسعين وارتحل إلى الشرق سنة ست بعدها بما كان معه
    من الغنائم والذخائر والأموال على العجل والظهر‏.‏ يقال كان من جملتها
    ثلاثون ألف فارس من السبـي وولـى علـى إفريقيـة ابنـه عبـد اللـه‏.‏ وقـدم
    علـى سليمـان فسخطـه ونكبـه‏.‏ وسـارت عساكر الأندلس بابنه عبد العزيز
    بإغراء سليمانا فقتلوه لسنتين من ولايته وكان خيراً فاضلاً وافتتـح فـي
    ولايتـه مدائـن كثيـرة‏.‏ وولـي مـن بعـده أيـوب بـن حبيـب اللخمـي وهـو
    ابـن أخـت موسـى بن نصيـر فتولـى عليهـا ستـة أشهـر‏.‏ ثـم تتابعـت ولـاة
    العـرب على الأندلس فتارة من قبل الخليفة وتارة مـن قبـل عاملـه على
    القيروان وأثخنوا في أمم الكفر وافتتحوا برشلونة من جهة الشرق وحصون قشتالة
    وبسائطها مـن جهـة الجـوف وانقرضـت أمـم القـوط وأرزا الجلالقـة ومـن بقـي
    مـن أمـم العجم إلى جبال قشتالة وأربونة وأفواه الدروب فتحصنوا بها وأجازت
    عساكر المسلمين ما وراء برشلونة من دروب الجزيرة حتى احتلوا بسائط وراءها
    وتوغلوا في بلاد الفرنجة وعصف ريح الإسلام بأمم الكفر من كل جهة وربما كان
    بين جنود الأندلس من العرب اختلاف وتنازع أوجب للعدو بعض الكرة فرجع الفرنج
    ما كانوا غلبوهم عليه‏.‏ وكان محمد بن يزيد عامل إفريقية لسليمان بن عبد
    الملك لما بلغه مهلك عبد العزيز بن موسى بن نصير بعث إلى الأندلس الحارث بن
    عبد الرحمن بن عثمان فقدم الأندلس وعزل أيوب بن حبيـب وولـي سنتيـن
    وثمانيـة أشهـر‏.‏ ثـم بعث عمر بن عبد العزيز على الأندلس السمح بن مالك
    الخولانـي علـى رأس المائـة مـن الهجـرة وأمـره أن يخمـس أرض الأندلـس
    فخمسهـا وبنـى قنطـرة قرطبـة واستشهـد غازيـاً بـأرض الفرنجة سنة اثنتين
    ومائة فقدم أهل الأندلس عليهم عبد الرحمن بـن عبـد اللـه الغافقـي إلـى أن
    قـدم عنبسـة بـن شحيـم الكلبـي مـن قبـل يزيـد بن مسلم عامل إفريقية‏.‏
    وكـان أولهـم يحيـى بـن سلمـة الكلبـي أنفـذه حنظلـة بـن صفـوان الكلبـي
    والي إفريقية لما استدعى منه أهـل الأندلـس واليـا بعـد مقتل عبيدة فقدمها
    آخر سنة سبع وأقام في ولايتها سنتين ونصفاً ولم يغز ثم قدم إليها عثمان بن
    أبي والياً من قبل عبيدة بن عبد الرحمن السلمي صاحب إفريقية وعزله لخمسة
    أشهر مجذيفة بن الأحوص العتبي فوافاها سنة عشر وعزل قريباً يقال لسنة من
    ولايته واختلـف هـل تقدمـه عثمـان أم هـو تقدم عثمان‏.‏ ثم ولي بعده الهيثم
    بن عبيد الكلابي من قبل عبيدة بن عبد الرحمن أيضا قدم في المحرم سنه إحدى
    عشرة وغزا أرض مقرشة فافتتحها وأقام عشرة أشهر‏.‏ وتوفي سنة ثلـاث عشـرة
    لسنتيـن مـن ولايتـه وقـدم بعده محمد بن عبيد الله بن الحبحاب صاحب
    إفريقيـة فدخلهـا سنـة ثلـاث عشـرة وغـزا إفرنجـة‏.‏ وكانـت لـه فيهـم
    وقائـع وأجب عسكره في رمضان سنـة أربـع عشـرة فولـي سنتيـن‏.‏ وقال الواقدي
    أربع سنين وكان ظلوماً جائراً في حكومته وغزا أرض البشكنس سنة خمس عشرة
    ومائة وأوقع بهم وغنم ثم عزل في رمضان سنة ست عشرة وولـي عتبـة بـن الحـاج
    السلولـي مـن قبـل عبيـد اللـه بـن الحبحـاب فقـدم سنـة سبـع عشـرة‏.‏
    وأقـام خمـس سنيـن محمـود السيـرة مجاهـداً مظفـراً حتـى بلـغ سكنـى
    المسلميـن أرمونة وصار مساكنهم على نهر ودونة‏.‏ ثم قام عليه عبد الملك بن
    قطن الفهري سنة إحدى وعشرين فخلفه وقتله‏.‏ ويقال أخرجـه مـن الأندلـس
    وولـي مكانـه إلـى أن دخـل بلـخ بـن بشـر بأهـل الشـام سنـة أربع وعشرين
    كما مر فغلب عليه وولي الأندلس سنة أو نحوها‏.‏ وقـال الـرازي‏:‏ ثـار أهل
    الأندلس بعقبة بن الحجاج أميرهم في صفر من سنة ثلاث وعشرين في خلافة هشام
    بن عبد الملك وولوا عليهم عبد الملك ابن قطن ولايته الثانية فكانت ولاية
    عقبة ستة أعوام وأربعة أشهر‏.‏ وتوفي بسرقوسة في صفر سنة ثلاث وعشرين
    واستقام الأمر لعبد الملـك‏.‏ ثـم دخـل بلـخ بـن بشـر مـن أهـل الشـام
    ناجيـا من وقعة كلثوم بن عياض مع البربر فثار على عبد الملك وقتله وانحاز
    الفهريون إلى جانب فامتنعوا عليه وكاشفوه واجتمع عليهم من نكر فعلته بابن
    قطن وقام بأمرهم قطش وأمية ابنا عبد الملك بن قطن والتقوا فكانت الدبرة على
    الفهرييـن وهلـك بلـخ مـن الجراح التي أصابته في حربهم وذلك سنة أربع
    وعشرين لسنة أو نحوها من إمارته ثم ولي ثعلبة بن سلامة الجذامي غلب على
    إمارة الأندلس بعد مهلك بلخ وانحاز عنه الفهريون فلم يطيعوه وولي سنين أظهر
    فيها العدل ودانت له الأندلس عشرة أشهر إلى أن ثار به العصبة اليمانية
    فعسر أمره وهاجت الفتنة‏.‏ وقدم أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي من قبل
    حنظلة بن صفوان عامل إفريقية وركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين
    فدانت له أهل الأندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبي سعد وابنا عبد الملك
    فلقيهم وأحسن إليهم واستقام أمره‏.‏ وكان شجاعاً كريماً ذا رأي وحزم وكثر
    أهل الشام عنده ولم تحملهـم قرطبـة ففرقهم في البلاد وأنزل أهل دمشق إلبيرة
    لشبهها بها وسماها دمشق وأنزل أهل حمص إشبيلية وسماها حمص لشبهها بها وأهل
    قنسرين حسان وسماها قنسرين وأهل الأردن رية وهي مالقة وسماها الأردن وأهل
    فلسطيـن شدونـة وهـي شريـش وسماهـا فلسطيـن وأهـل مصـر تدميـر وسماها
    مصر‏.‏ وقفل ثعلبة إلى الشرق ولحق بمروان بن محمد وحضر حروبه وكان أبو
    الخطاب أعرابياً عصبياً أفـرط عنـد ولايته في التعصب لقومه من اليمانية
    وتحامل على المضرية وأسخط قيسا وأمر في بعـض الأيـام بالضميـل بـن حاكـم
    كبير القيسية وكان من طوالع بلخ وهو الضميل بن حاكم بن شمر بـن ذي الجوشـن
    ورأس علـى الحصريـة فأمر به يوما فأقيم من مجلسه وتقنع فقال له بعض الحجاب
    وهو خارج من القصر أقم عمامتك يا أبا الجوشن فقال إن كان لي قـوم
    فسيقيمونهـا فسـار الضميـل بـن حاتـم زعيمهـم يومئـذ وألب عليه قومه
    واستعان بالمنحرفين عنه من اليمنية فخلع أبا الخطاب سنة ثمان وعشرين لأربع
    سنين وتسعة أشهر من ولايته وقدم مكانه ثوابة بن سلامة الجذامي وهاجت الحرب
    المشهورة‏.‏ وخاطبوا بذلك عبد الرحمن بن حبيب صاحب إفريقية فكتب إلى ثوابة
    بعهده على الأندلس منسلخ رجب سنة تسع وعشرين فضبط الأندلس وقام بأمـره
    الضميـل واجتمع عليه الفريقان‏.‏ وهلك لسنتين من ولايته‏.‏ ووقع الخلاف
    بإفريقية وتلاشت أمـور بنـي أميـة بالمشـرق وشغلـوا عـن قاصيـة المغرب
    بكثرة الخوارج وعظم أمر المسودة فبقي أهل الأندلس فوضى ونصبوا للأحكام خاصة
    عبد الرحمن بن كثير‏.‏ ثم اتفق جند الأندلس على اقتسام الإمارة بين
    المضرية واليمنية وإدالتها بين الجندين سنة لكل دولة‏.‏ وقدم المضرية على
    أنفسهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري سنة تسع وعشرين واستقر سنة ولايتـه
    بقرطبـة دار الإمـارة‏.‏ ثـم وافقتهـم اليمنيـة لميعـاد إدالتهـم واثقيـن
    بمكـان عهدهـم وتراضيهـم واتفاقهـم فبيتهم يوسف بمكان نزلهم من شقندة من
    قرى قرطبة من الضميل بن حاتم والقيسية والمضرية فاستلحموههم واستبد يوسف
    بما وراء البحرين عدوة الأندلس وغلب اليمنية على أمرهم فاستكانوا للغلبة
    وتربصـوا بالدوائـر إلـى أن جـاء عبـد الرحمـن الداخـل فكـان يوسـف بـن
    عبـد الرحمن قد ولى الضميل بن حاتم سرقسطة فلما ظهر أمر المسودة بالمشرق
    ثار الحباب بن رواحة الزهري بالأندلس داعيـة لهـم وحاصـر الضميل بسرقطة
    واستمد يوسف فلم يمده رجاء هلاكه بما كان يغص به‏.‏ وأمدته القيسيـة فأخـرج
    الحبحـاب وفـارق الضميـل سرقسطـة فملكهـا الحبـاب وولـى يوسـف الضميل على
    طليطلة إلى أن كان من أمر عبد الرحمن الداخل ما نذكره‏.‏ لما نزل ما نزل
    ببني أمية بالمشرق وغلبهم بنو العباس على الخلافة وأزالوهم عن كرسيها وقتل
    عبـد اللـه يـن محمد بن قروان بن الحكم آخر خلفائهم سنة اثنتين وثلاثين
    ومائة وتتبع بنو مروان بالقتـل فطلبـوا مـن بعدهـا بطـن الـأرض‏.‏ وكـان
    ممـن أفلت منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ين عبد الملك وكان قومه
    يتحينون له ملكا بالمغرب ويرون فيه علامات لذلك يؤثرونها عن مسلمة بـن عبـد
    الملك وكان هو قد سمعها منه مشافهة فكان يحدث نفسه بذلك‏.‏ فخلص إلى
    المغرب ونـزل علـى أخوالـه نفـرة مـن برابـرة طرابلـس‏.‏ وشعـر بـه عبـد
    الرحمـن بـن حبيـب وكـان قتـل ابني الوليد بـن عبـد الملـك لمـا دخـلا
    إفريقيـة مـن قبله فلحق عبد الرحمن بمغيلة ويقال بمكناسة ويقال نزل على
    قـوم من زناتة فأحسنوا قبوله واطمأن فيهم‏.‏ ثم لحق بمليلة وبعث بدراً
    مولاه إلى من بالأندلس من موالي المروانيين وأشياعهم فاجتمع بهم وبثوا
    بالأندلس دعوة ونشروا له ذكرا‏.‏ ووافق ذلك ما قدمناه من الفتنة بين
    اليمنية والمضرية فاجتمعت اليمنية على أمره ورجع إليه بدر مولاه بالخبر
    فأجاز البحر سنة ثمان وثلاثين في خلافة أبي جعفر المنصور ونزل ساحل السند
    وأتاه قوم من أهل إشبيلية فبايعوه‏.‏ ثم انتقل إلى كورة رحب فبايعه عاملها
    عيسى بن مسور ثم رجع إلى شدونة فبايعه عتاب بن علقمة اللخمي ثم أتى مورور
    فبايعه ابن الصباح ونهز إلى قرطبة واجتمعت عليه اليمنية‏.‏ ونمي خبره إلى
    والي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهـري‏.‏ وكـان غازيـاً بجليقـة فانفـض
    عسكره وسار إلى قرطبة وأشار عليه وزيره الضميل بن حاتم بالتلطف له والمكر
    به فلم يتم لـه مراده‏.‏ وارتحل عبد الرحمن من المنكب فاحتل بمالقة فبايعه
    جندها ثم برندة فبايعه جندها ثم بشريش كذلك ثم بإشبيلية فتوافت عليه
    الإمداد والإمصار وتسايلت المضرية إليه حتى إذا لم يبق مع يوسف بن عبد
    الرحمن غير الفهرية والقيسية لمكان الضميل منه زحف إليه حينئذ عبد الرحمن
    بن معاوية وناجزهم الحرب بظاهر قرطبة فانكشف ورجع إلى غرناطة فتحصن بهـا
    وأتبعـه الأميـر عبـد الرحمـن فنازلـه‏.‏ ثـم رغـب إليه يوسف في الصلح فعقد
    له على أن يسكن قرطبة وأقفله معه ثم نقض يوسف عهده‏.‏ وخرج سنة إحدى
    وأربعين ولحق بطليطلة واجتمع إليه زهاء عشرين ألفا مـن البربـر وقـدم
    الأميـر عبـد الرحمن للقائه عبد الملك بن عمر المرواني كان وفد عليه من
    المشرق وكان أبوه عمر بـن مـروان بـن الحكـم فـي كفالـة أخيـه عبـد العزيـز
    بمصـر فلمـا هلـك سنـة خمـس عشـرة بقـي عبـد الملـك بمصر فلما دخلت
    المسودة أرض مصر خرج عبد الملك يوم الأندلس في عشرة رجال من بيته مشهورين
    بالبأس والنجدة حتى نزل على عبد الرحمن سنة إحدى وأربعين فعقد لـه علـى
    إشبيلية ولابنه عمر بن عبد الملك على مورور‏.‏ وسار يوسف إليهمـا وخرجـا
    إليـه فلقيـاه وتناجز الفريقان فكانت الدبرة على يوسف وأبعد الفر واغتاله
    بعض أصحابه بناحية طليطلة واحتز رأسه وتقدم به إلى الأمير عبد الرحمن
    فاستقام أمـره واستقـر بقرطبـة وبنـى القصـر والمسجد الجامع‏.‏ أنفق ثمانين
    ألف دينار ومات قبل تمامه‏.‏ وبنى مساجد ووفد عليه جماعة من أهل بيته من
    المشرق وكان يدعو للمنصور ثم قطعها لما تـم لـه الملـك بالأندلـس ومهـد
    أمرهـا وخلـد لبني مروان السلطان بها وجدد ما طمس لهم بالمشرق مـن معالـم
    الخلافـة وآثارهـا‏.‏ واستلحـم الثـوار فـي نواحيهـا وقطـع دعـوة العباسيين
    من منابرها وسد المذاهب منهم دونها‏.‏ وهلك سنة اثنتين وسبعين ومائة وكان
    يعرف بعبد الرحمن الداخل لأن أول داخـل مـن ملـوك بنـي مـروان هـو وكـان
    أبـو جعفـر المنصـور يسميـه صقـر بنـي أمية لما رأى ما فعل بالأندلس وما
    ركب إليها من الأخطار‏.‏ وأنه صمد إليها من أنأى ديار المشرق من غير عصابة
    ولا قوة ولا أنصار فغلب على أهلها وعلى أميرهم وتناول الملك من أيديهم بقوة
    شكيمة ومضاء عزم‏.‏ ثم تحلى وأطيع وأورثه عقبه‏.‏ وكان عبد الرحمن هذا
    يلقب بالأمير وعليه جرى بنوه من بعده فلم يدع أحد منهـم بأميـر المؤمنين إذ
    بايع الخلافة بمقر الإسلام ومبتدأ العرب حتى كان عبد الرحمن الناصر وهو
    الثامن منهـم علـى مـا نذكـره فتسمـى بأميـر المؤمنيـن وتـوارث ذلـك بنـوه
    واحـداً بعـد واحـد‏.‏ وكان لبني عبد الرحمن الداخل بهذه العدوة الأندلسية
    ملك ضخم ودولة ممتعة اتصلت إلى ما بعد المائة الرابعة كما نذكر‏.‏ وعندما
    شغـل المسلمـون بعبـد الرحمـن وتمهيـد أمـره قـوي أمـر الخلافـة واستفحـل
    سلطانه وتجهز فرويلة بن الأدفونش ملكهم وسار إلى ثغور البلاد فأخرج
    المسلمين منها وملكها من أيديهم ورد مديزلك وبريعال وسمورة وسلمنقة وقشتالة
    وسقونيـة وصـارت للجلاقـة حتـى افتتحها المنصور بن أبي عامر رئيس الدولة
    كما نذكر في أخباره‏.‏ ثـم استعادوهـا بعـده مـن بلاد الأندلس واستولوا على
    جميعها‏.‏ وكان عبد الرحمن عندما تمهد له الأمر بالأندلس ودعا للسفاح ثم
    خلعه واستبد بأمره كما ذكرناه وجد هشام بن عبـد ربـه الفهري مخالفا بطليطلة
    على يوسف من قبله بقي على خلافه ثم أغزاه عبد الرحمن سنة تسع وأربعيـن
    بـدراً مولـاه وتمـام بـن علقمـة فحاصـراه - ومعـه حيـوة بـن الوليـد
    الحصبـي وحمزة بن عبد الله بن عمر - حتـى غلبـاه وجـاءا بهـم إلـى قرطبـة
    فصلبـوا‏.‏ وسـار مـن إفريقيـة سنـة تسـع وأربعيـن العـلاء بن مغيث اليحصبي
    ونزل باجة من بلاد الأندلس داعياً لأبي جعفر المنصور واجتمع إليه خلق
    فسـار عبـد الرحمـن إليـه ولقيـه بنواحـي إشبيليـة فقاتلـه أيامـا‏.‏ ثـم
    انهزم العلاء وقتل في سبعة آلاف مـن أصحابـه وبعـث عبـد الرحمـن بـرؤوس
    كثيـرة منهم إلى القيروان ومكة فألقيت في أسواقها سرا ومعها اللواء
    الأسود‏.‏ وكاتب المنصور العلاء ثم ثار سعيد اليحصبي المعروف بالمطري
    بمدينة لبلة طالباً بثأر من قتل من اليمنية مع العلاء وملك إشبيلية‏.‏ وسار
    إليه عبد الرحمن فامتنع ببعض الحصون فحاصره وكان عتاب بن علقمة اللخمي
    بمدينة شدونة فأمد المطري وبعث عبد الرحمن بدراً مولاه فحال دون المدد ودون
    المطري‏.‏ ثم طال عليه الحصار وقتل في بعض أيامـه وولـي مكانـه بالقلعـة
    خليفة بن مروان‏.‏ ثم استأمن من بالقلعة إلى عبد الرحمن وأسلموا إليه
    الحصـن فخربـه وقتـل عبد الرحمن خليفة ومن معه‏.‏ ثم سار إلى غياث فحاصره
    بشدونة حتى استأمنوا فأمنهم‏.‏ وعاد إلى قرطبة فخرج عليه عبد الرحمن بن
    خراشة الأسدي بكورة جيان‏.‏ وبعث إليه العساكر فافترق جمعه واستأمن فأمنه
    ثم حرج عليه سنة خمس غياث بن المستبد الأسدي فجمع عامل باجة العساكر وسار
    إليه فهزمه وقتله وبعث برأسه إلى عبد الرحمن بقرطبة‏.‏ وفـي هـذه السنـة
    شـرع عبـد الرحمـن فـي بنـاء السـور علـى قرطبـة ثـم ثار رجل بشرق الأندلس
    من بربر مكناسة يعرف بشقنا بن عبد الواحد كان يعلم الصبيان وادعى أنه من
    ولد الحسيـن الشهيد وتسمى بعبد الله بن محمد وسكن شنة برية واجتمع إليه خلق
    من البربر فسار إليه عبـد الرحمـن فهـرب فـي الجبـال واعتصـم بهـا فرجـع
    وولـى علـى طليطلـة حبيب بن عبد الملك فولى حبيـب شنـة بريـة سليمـان بـن
    عثمـان بـن مـروان يـن عثمـان بـن أبـان بـن عثمـان بـن عفان‏.‏ فسار إليه
    وأعيـاه أمـره وصار ينتقل في البلاد ويهزم العساكر وكان سكن بحصن شيطران من
    جبال بلنسية فسار إليه عبد الرحمن سنة ست وخمسين واستخلف على قرطبة ابنه
    سليمان فأتاه الخبر بعصيان أهل إشبيلية وثورة عبد الغفار وحيوة بن قلاقس مع
    اليمانية فرجع عن شقنا وهاله أمـر إشبيليـة‏.‏ وقـدم عبـد الملـك بـن عمـر
    لقتالهـم فسـاروا إليـه ولقيهـم مستميتـا فهزمهـم وأثخن فيهم‏.‏ ولحق بعبد
    الرحمن فشكرها له وجزاه خيراً ووصله بالصهر وولاه الوزارة ونجا عبـد
    الغفـار وحيـوة بـن قلاقـس إلـى إشبيليـة فسـار عبـد الرحمـن سنـة سبـع
    وخمسيـن إليهـا فقتلهم وقتل خلقا ممن كان معهم واستراب من يومئذ بالعرب إلى
    اصطناع القبائل من سواهم واتخاذ الموالي‏.‏ ولمـا كانـت سنة إحدى وستين
    غدر بشقنا رجلان من أصحابه وجاءا برأسه إلى عبد الرحمن ثـم سار عبد الرحمن
    بن حبيب الفهري المعروف بالقلعي من إفريقية إلى الأندلس مظهراً للدعوة
    العباسية ونزل بتدمير واجتمع إليه البربر‏.‏ وكان سليمان بن يقظان عاملا
    على برشلونة فكتب إليـه يدعـوه إلـى أمـره فلـم يجبـه فسـار إليـه فـي
    البربـر ولقيـه سليمـان فهزمـه وعـاد إلـى تدمير‏.‏ وزحف إليـه عبـد
    الرحمـن مـن قرطبـة فاعتصـم بجبـل بلنسيـة فبـذل عبـد الرحمـن فيـه
    الأمـوال فاغتالـه رجل من أصحابـه البربـر وحمـل رأسـه إلـى عبـد الرحمـن
    وذلـك سنـة اثنتين وستين‏.‏ ورجع عبد الرحمن إلى قرطبة‏.‏ ثـم خـرج دحيـة
    الغسانـي فـي بعـض حصـون البيـرة فبعـث إليـه شهيـد بـن عيسـى فقتله وخالف
    البربر وعليهم بحرة بن البرانس فبعث بدراً مولاه فقتله وفرق جموعهم‏.‏ وفر
    القائد السلمي من قرطبة إلـى طليطلـة وعصـى بهـا فبعـث حبيـب بـن عبـد
    الملـك وحاصـره فهلـك فـي الحصار‏.‏ وزحف عبد الرحمن سنه أربع وستين إلى
    سرقسطة وبها سليمان بن يقظان والحسين بن عاصي وقـد حاصرهمـا ثعلبة بن عبيد
    من قواده فامتنعت عليه وقبض سليمان على ثعلبة وبعث إلى ملك الفرنج فجاء وقد
    تنفس عنه الحصار فدفع إليه ثعلبة‏.‏ ثم غلب الحسين على سليمان وقتله
    وانفرد فحاصره عبد الرحمن حتى صالحه‏.‏ وسار إلى بلاد الفرنج والبشكنس ومن
    ورائهم من الملـوك ورجـع إلـى وطنـه‏.‏ وغـدر الحسيـن بسرقسطـة فسـار إليـه
    عاملـه ابـن علقمـة فأسـر أصحابـه ثـم سـار إليـه عبـد الرحمـن سنة ست
    وستين وملكها عنوة وقتل الحسين وقتل أهل سرقسطة‏.‏ ثم خرج سنة ثمان وستين
    أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن فلقيه بقسطلونة وهزمه وأثخـن فـي
    أصحابـه‏.‏ ثـم لقيـه ثانية سنة تسع وستين فهزمه‏.‏ ثم هلك سنة سبعين في
    أعمال طليطلة وقام مكانه أخوه قاسم وغزاه عبد الرحمن فحاصره فجاء بغير أمان
    فقتله‏.‏ ثم توفي عبد الرحمن سنة اثنتين وسبعين ومائة لثلاثة وثلاثين سنة
    من إمارته‏.‏ ولمـا هلك عبد الرحمن كان ابنه الأكبر سليمان والياً على
    طليطلة وكان ابنه هشام على ماردة وكـان قـد عهـد لـه بالأمـر‏.‏ وكـان
    ابنـه عبـد اللـه المسكيـن حاضـرا بقرطبة فأخذ البيعة لأخيه هشام وبعث إليه
    بالخبر فسار إلى قرطبة وقام بالدولة وغص بذلك أخوه سليمان فأظهر الخلاف
    بطليطلـة ولحـق بـه أخـوه عبد الله‏.‏ وبعث هشام في أثره فلم يلحق‏.‏ وسار
    هشام في العساكر فحاصرهم بطليطلة وخالفه سليمان إلى قرطبة فلم يظفر بشيء
    منها وبعث هشام بن عبد الملك في أثره فقصد ماردة فحاربه عامله وهزمه الله
    بغير أمان ودخل في طاعته فأكرمه‏.‏ ثم بعث سنة أربع وسبعين ابنه معاوية
    لحصار أخيه سليمان بتدمير فدوخ نواحيها وهرب سليمـان إلـى جبـال بلنسيـة
    فاعتصـم بهـا ورجـع معاويـة إلـى أبيه بقرطبة‏.‏ ثم طلب سليمان العبور إلى
    عدوة البربر بأهله وولده فأحازه هشام وأعطاه ستين ألف دينار صلحاً على تركه
    أبيه‏.‏ وأقـام بعـدوة المغـرب وسـار معـه أخـوه عبـد اللـه‏.‏ ثـم خـرج
    علـى هشـام سعيـد بن الحسين بن يحيى الأنصـاري بطرسوسـة مـن شـرق الأندلـس
    وكـان قـد التجأ إليها حين قتل أبوه‏.‏ ودعى إلى اليمانية فملكها وأخرج
    عاملها يوسف العبسي فعارضه موسى بن فرقوق في المضرية بدعوة هشام وخـرج
    أيضاً مطروح بن سليمان بن يقظان بمدينة برشلونة وملك مدينة سرقسطة وواشقة
    وكان هشـام فـي شغـل بأمر أخويه فلما فرغ منهما بعث أبا عثمان عبيد الله بن
    عثمان بالعساكر إلى مطروح فحاصره بسرقسطة أياما ثم أفرج عنه ونزل بطرسوسة
    قريباً وأقام بتحيفة ثم غدر بمطـروح بعـض أصحابـه وجـاء برأسه إلى أبي
    عثمان فبعث به إلى هشام وسار إلى سرقسطة فملكها‏.‏ ثم دخل إلى دار الحرب
    غازياً وقصد ألبة والقلاع فلقي العدو وظفر بهم وفتح الله عليـه وذلـك سنـة
    خمـس وسبعيـن وبعـث هشـام العساكـر مـع يوسـف بـن نحية إلى جليقة فلقي ملكه
    ابن مند وهزمه وأثخن في العدو‏.‏ وفي هذه السنة دخل أهل طليطلة في طاعة
    الأمير هشام بعد منصرف أخويه عنهم فقلبهم وأمنهـم وبعـث عليهـا ابنـه
    الحكـم والياً فضبطها وأقام بها‏.‏ وفي سنة ست وسبعين بعث هشام وزيـره عبـد
    الملـك بـن عبـد الواحـد بـن مغيـث لغزاة العدو فبلغ ألبة والقلاع وأثخن
    في نواحيها‏.‏ ثم بعثه في العساكر إلى أربونة وجرندة فأثخن فيهما ووطىء أرض
    سلطانية وتوغل في بلادهم ورجع بالغنائم التي لا تحصى‏.‏ واستمد الطاغية
    بالبشكنس وجيرانه من الملوك فهزمهم عبد الملـك ثـم بعـث بالعساكـر مـع عبـد
    الكريم بن عبد الواحد إلى بلاد جليقة فأثخنوا في بلاد العدو وغنموا
    ورجعوا‏.‏ وفي هذه السنة هاجت فتنة بتاكدنا وهي بلاد رندة من الأندلس وخلع
    البربـر هنالـك الطاعـة فبعـث إليهـم هشـام بـن عبـد القـادر بـن أبـان بن
    عبد الله مولى معاوية بن أبي سفيـان فأبادهـم وخـرب بلادهـم وفـر مـن بقـي
    منهـم فدخلوا في القبائل وبقيت تاكدنا قفراء خالية سبـع سنيـن‏.‏ وفي سنة
    تسـع وسبعيـن بعـث هشـام الحاجـب عبـد الملـك بـن عبـد الواحـد بـن مغيث
    فـي العساكـر إلـى جليقـة فانتهـى إلـى ميورقـة فجمـع ملـك الجلالقـة
    واستمـد بالملوك ثم خام عن اللقاء ورجـع أدراجـه وأتبعـه عبد الملك وتوغل
    في بلادهم‏.‏ وكان هشام قد بعث الجيوش من ناحية أخـرى فالتقـوا بعبـد
    الملـك وأثخنـوا فـي البلـاد وأعرضهـم عسكـر الأفرنـج فنالـوا منهـم بعـض
    الشيء ثم خرجوا ظافرين سالمين‏.‏
    ابو يحيي
    ابو يحيي
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 2596
    تاريخ التسجيل : 09/10/2010
    الموقع : المدير العام

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty رد: تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ابو يحيي الأربعاء ديسمبر 29, 2010 6:25 pm

    حصار الفرنج دمياط

    ولما جاء أسد الدين وأصحابه إلى مصر وملكوها ودفعوهم عنها ندموا على ما فرطوا فيها وانقطع عنهم ما كان يصل إليهم وخشوا غائلة العز على بيت المقدس وكاتبوا الفرنج بصقلية والأندلس واستنجدوهم وجاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس وستين وبها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر والأموال مع بهاء الدين قراقوش وأمراء الغز واستمـد نـور الديـن واعتـذر عـن المسيـر إليهـا بشـأن مصـر والشيعـة فبعـث نـور الديـن العساكر إليها شيئاً فشيئاً وسار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشام فضيق عليهـا فأقلـع الفرنج عن دمياط لخمسين يوماً من نزولها فوجدوا بلادهم خراباً‏.‏ وأثنى العاضد على صلاح الديـن فـي ذلـك‏.‏ ثـم بعـث صلـاح الديـن غرابيـه نجـم الديـن وأصحابـه إلـى مصـر وركب العاضد للقائه تكرمة له‏.‏

    واقعة الخصيان وعمارة

    ولمـا استقـام الأمـر لصلـاح الديـن بمصـر غـص بـه الشيعـة وأولياؤهـم واجتمع منهم العوريش وقاضـي القضـاة ابـن كامـل والأميـر المعـروف والكاتـب عبـد الصمد وكان فصيحاً وعمارة اليمني الشاعر الزبيدي وكان متولي كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لأخراج الغز من مصر وجعلوا لهم نصيباً وافراً من ارتفاعها وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر إسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة وكان قد ربى العاضد وصهره فأغروه بذلك ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبسا بذلك ولم يكن العاضد الذي حضر وأوهموه أنه عقد معـه‏.‏ ثـم اتصـل الخبـر بنجـم الديـن بـن مضـال مـن أولياء الشيعة وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الأسكندرية واستغضبـه بهـاء الديـن قراقـوش ببعـض النزغـات فظنـوا أنـه غضـب فاطلعوه على شأنهم وأن يكون وزيراً وعمارة كات الدست وصاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة‏:‏ داعي الدعاة وعبد الصمد جابي الأموال والعوريش ناظراً عليه فوافقهم ابن مضال ووشى بهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وعلـى رسول الفرنج وقررهم في عدة مجالس‏.‏ وأحضر زمام القصر وهو مختص بالغز ونكر عليه خـروج العاضـد إلـى بيت نجاح فحلف على نفسه وعلى العاضد أن هذا لم يقع وأخبر العاضد بطلـب حضـور نجـاح مـع مختـص فحضر واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر فتحقق صلاح الدين براءته وكان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالمضي إلى اليمن ويحمله على الإستبداد وأنه تعرض فيها للجانب النبوي يوجب استباحة دمه وهو قوله‏:‏ فاخلق لنفسك ملكاً لا تضاف به إلى سواك وأور النار في العلـم وكـان هـذا الدين من رجل سعى إلى أن دعوه سيد الأمم فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين وأخر ابن كامل عنهم عشرين يوماً‏.‏ ثم شنقه ومر عمارة بباب القاضي الفاضل فطلب لقاءه فمنع فقال وهو سائر إلى المشنقة‏:‏ عبد الرحيم قد احتجب إن الخلاص هو العجب وفي كتاب ابن الأثير‏:‏ أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة عثر على حامله وقرأ الكتاب وجيء به‏.‏ إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة وعزل جميع الخدام واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش وكان خصياً أبيض وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة واجتمعوا في خمسين ألفا وقاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها ناراً وأحرق أموالهم وأولادهـم فانهزمـوا وركبهـم السيـف‏.‏ ثـم استأمنـوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة توريشاه فاستلحمهم‏.‏

    انقراض الدولة العلوية بمصر

    قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر وضعف أمر العاضد بها وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر والخطبة بها للمستضيء العباسي وهو يماطل بذلك حـذراً مـن استيـلاء نـور الديـن عليـه ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل‏.‏ ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به وأنه لا يمكن نور الدين‏.‏ ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخبشاني وكان يدعى بالأمير العالم فلما رأى أحجامهم عن هذه الخطبة قال‏:‏ أنا أخطبها فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستنصر فلم ينكر إليه فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعـوا العاضد ويخطبوا للمستضيء ففعلوا وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر‏.‏ وكان العاضد فـي شـدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك وتوفي في عاشوراء من السنة وجلس صلاح الدين للعـزاء فيـه واحتـوى علـى قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه وكان في خزائنهم مـن الذخيـرة مـا لـم يسمـع بمثله من أصناف الجواهر واليواقيت والزمرد وحلي الذهب وآنية الفضة والذهب ووجد ماعون القصـر مـن الموائـد والطسـوت والأباريـق والقـدور والصحـاف والخـوان والبواقيل والمناير والطيافر والقباقب والأسورة كل ذلك من الذهب‏.‏ ووجد من أنواع الطيوب واللباس والمذهبات والقرقبيات والمعلقات والوشي ما لا تقله الأوقار ومن الكتب ما يناهز مائة وعشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه وقاضيه ومن الظهر والكراع والسلاح ومن الخدم والوصائف خمسين ألفا‏.‏ ومن المال ما يملأ مائة بيت‏.‏ ثم حبس رجالهم ونساءهم حتى ماتوا وكانت الدولة عند عهد العزيز والحاكم قـد خـلا جوهـا مـن رجالـات كتامة وتفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر خلفائهم وأكلتهم الأقطار والوقائع شأن الدول كما ذكرنـاه مـن قبـل‏.‏ ولمـا هلـك العاضـد وحول صلاح اللين الدعوة إلى العباسية اجتمع قوم من الشيعة بمصر وبايعوا الداود بن العاضد ونمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وقتلهم وأخرج داود من القصر وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة‏.‏ ثـم خـرج بعـد حيـن ابنـه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصعيد وحبس إلى أن هلك‏.‏ وظهـر بعـد حيـن بجهـة فـاس بالمغـرب محمـد بـن عبد الله بن العاضد ودعا هنالك وتسمى بالمهدي فقتـل وصلـب‏.‏ ولـم يبـق للعبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق وهم دعاة الفداوية‏.‏ وفي بلـاد الإسماعيليـة التي كانت فيها دعوتهم بالعراق‏.‏ وقام بها ابن الصباح في قلعة الموت وغيرها كمـا يذكـر فـي أخبارهم إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يـد هولاكـو مـن ولد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستماية والأمر لله وحده‏.‏ هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الأثير ومن تاريخ دولتهم لابن الطوير وقليل من ابن بنو حمدون الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة والزاب بدعوة العبيديين ومال أمرهم كان علي بن حمدون أبوهم من أهل الأندلس وهو علي بن حمدون بن سماك بن مسعود بن منصور الجذامي يعرف بابن الأندلسي واتصل بعبيد الله وأبـي القاسـم بالمشـرق قبـل شـأن الدعـوة وبعثـوه مـن طرابلـس إلـى عبـد اللـه الشيعـي فأحسـن اللقـاء والانصـراف ولزمهم أيام اعتقالهم بسجلماسة فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة ورقوه إلى الرتب‏.‏ ولما رجع أبو القاسـم مـن حركتـه إلـى المغـرب سنـة خمـس عشـرة وثلاثمائـة واختـط مدينـة المسيلة استعمل علي بن حمدون على بنائها وسماها المحمدية‏.‏ ولما تم بناؤها عقد له على الزاب وأنزله بها وشحنها بالأقـوات التـي كانـت ميـرة للعساكـر عند محاصرة المنصور لأبي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة‏.‏ ولم يزل والياً على الزاب وربى ابنيه جعفراً ويحيى بدار أبي القاسم‏.‏ وكان جعفر سار إلى المعز‏.‏ ولما كانت فتنة أبي يزيد وأضرمت إفريقية ناراً وفتنة وأهاب القائم بالأولياء من كل ناحيـة كتـب إلـى ابـن حمـدون أن يجنـد قبائـل البربـر ويوافيـه فنهـض إلـى المهديـة فـي عسكـر ضخم بقسنطينة وهو يحتشـد كـل مـن مـر بـه فـي طريقـه حتـى وصـل إلـى شـق بناريـة‏.‏ ثـم قـارب باجـة وكـان بهـا أيـوب بـن أبي يزيد في عسكر كبير من النكارية والبربر فزحف إليهم وتناور الفريقان‏.‏ ثم بيته أيوب فاستبـاح معسكـره وتـردى علـي بـن حمـدون بعـض الشواهـق فهلـك سنـة أربـع وثلاثين وثلاثمائة‏.‏ ولما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على المسيلة والزاب لجعفر بن علي بن حمدون وأنزله بها وأخاه يحيى واستجدوا بهـا سلطانـاً ودولـة وبنـوا القصـور والمنتزهـات واستفحـل بهـا ملكهـم وقصدهم بها العلماء والشعراء وكان فيمن قصدهم ابن هانىء شاعر الأندلس وأمداحه فيهم معروفة مذكورة وكان بين جعفر هذا وبين زيري بن مناد عداوة جرتها المنافسة والمساماة في الدولـة فسـاء أثـر زيـري فيـه عنـد صدمتـه للمغـرب وفتكـه بزناتـة وسعـوا بـه إلـى الخليفة وألقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناتة‏.‏ وتولى محمد بن خزر أمير مغراوة‏.‏ ثم إن المعز لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة اثنتين وثلاثمائـة استقـدم جعفـراً فاستـراب جعفـر ومـال بعسكـره إلـى زناتـة قبل قدومه وانقطعت الرسائـل بينـه وبين صنهاجة والخليفة المعز وشملت عليه زناتة قبل قدومه كسوا عليه ودعا إلى نقض طاعة المعز والدعاء للحاكم المستنصر فوجدهم أقدم إجابة لها وناهضهم زيري الحرب قبـل إستكمـال التعبيـة فكانـت عليـه مـن أمـراء زناتة فكبا بزيري فرسه فطاح فقصوا رأسه وبعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر كرم الحاكم وفادتهم ونصب رأس زيري بسوق ولما علمت زناتة أن يوسف بن زيري يطالبهم بـدم أبيـه أظهـروا الغـدر بـه ورأى أن يتجنـب مجابهتهم لضيق ذات يده وعجز رؤساؤهم عن الذب والدفاع عنها وقبضت الأيدي عن تناوله لدنو الفتنة ومراس العصبية فأوجس الخيفة في نفسه وألطف الحيلة في الفرار رغبة بحيلته وشحن السفن بما معه من المال والمتاع والرقيق والحشم وذخيرة السلطان وأجاز البحر ولحق بسدة الخلافة من قرطبـة وأجـاز معـه عظمـاء الزناتييـن معطيـن الصفقـة علـى القيـام بدعوتـه والإحتطاب في جبل طاعتـه فكـرم مثـواه وأجمـل وفادتهـم وأحسـن منصرفهـم وانقلبـوا لمحبتـه والتشيع له ومناغاة الأدارسة للقيام في خدمته بالمغرب الأقصى وبث دعوته‏.‏ وتخلف عنهم أولـاد علـي بـن حمـدون بالحضـرة وأقامـوا بسـدة الخلافة ونظموا في طبقات الوزراء وأجريت عليهم سنيات الأرزاق والتحقوا على حديث عهدهم بالقوم من أولياء الدولة‏.‏ ثم كان بعد ذلك شأن اعتقالهم على طريق التأديب لارتكابهم في منازعتهـم أمـرا خرقـوا حـدود الـآداب مـع الخلافـة فاستدعوا إلى القصر واعتقلوا ثم أطلقوا لأيام قلائل لما انغمس الحكم في علة الفالج وركدت ريح المروانية بالمغرب واحتاجت الدولة إلى رجالهم لسد الثغور ودفع العدو‏.‏ واستدعي يحيى بن محمد بن هاشم من العدوة وكان والياً على فاس والمغرب وأداله الحاجب المصفحي لجعفر بن علي بن حمدون وجمعوا بين الانتفاع في مقارعة زناتة بالعدوة والراحـة ممـا يتوقـع منه على الدولة عند من ولي الخلافة لما كانوا صاروا إليه من النكبة وطروق المحنة فعقدوا له ولأخيه يحيى على المغرب وخلعوا عليهما وأمكنوهما من مال وكسى فاخرة للخلـع علـى ملـوك العـدوة فنهـض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه واجتمع إليه ملوك زناتـة مـن بنـي يفـرن ومغـراوة وسجلماسـة‏.‏ ولمـا هلك الحكم وولي هشام وقام بأمره المنصور‏.‏ بن أبي عامر اقتصر لأول قيامه على سبتة من بلاد العدوة فضبطها جند السلطان ورجال الدولة وقلدهـا أربـاب السيـوف والأقلـام مـن الأوليـاء والحاشيـة وعـدل فـي ضبطه على ما وراء ذلك على ملـوك زناتـة ونقدهـم بالجوائـز والخلـع وصـار إلـى إكرام وفودهم وإثبات من رغب الإثبات في ديوان السلطان منهم فجدوا في ولاية الدولة وبث الدعوة وفسد ما بين هذين الأميرين جعفر وأخيه واقتطـع يحيـى مدينـة البصـرة لنفسـه وذهـب بأكثـر الرجـال‏.‏ ثم كانت على جعفر النكبة التي نكبته بنـو غواطة في غزاته إياهم‏.‏ ثم استدعاه محمد بن أبي عامر لأول أمره لما رأى من الاستكانة إليـه وشـد أزره به ونقم عليه كراهته لما لقيه بالأندلس من الحكم ثم أصحبه وتخلى لأخيه عن عمل المغرب وأجـاز البحـر إلـى ابـن أبـي عامـر فحـل منـه بالمكـان الأثيـر ولمـا زحـف بلكيـن إلـى المغـرب سنة تسع وستين زحفته المشهورة خرج محمد بن أبي عامر من قرطبة إلي الجزيرة لمدافعته بنفسه وأجاز جعفر بن علي إلى سبتة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال وانضمـت إليـه ملـوك زناتـة رجـع عنهم بلكين كما نذكره‏.‏ ولما رجع إلى ابن أبي عامر اغتاله في بعض ليالي معاقرتهـم وأعـد لـه رجـالا فـي طريقـه مـن سمـره إلـى داره فقتلـوه سنـة ولحـق يحيـى بـن علـي بمصـر ونـزل بـدار العزيـز وتلقـاه بالمبـرة والتكريـم وطـال بـه ثـراؤه واستكفـى بـه العظائم ولما استصـرخ فلفـول بـن خـزرون بالحاكـم فـي استرجـاع طرابلـس مـن يـد صنهاجـة المتغلبيـن عليـه دفع إليه العساكـر وعقد عليها ليحيى بن علي واعترضه بنو قرة من الهلاليين ببرقة ففلوه وفضوا جموعه ورجـع إلـى مصـر‏.‏ ولـم يزل بمصر إلى أن هلك هنالك‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

    الخبر عن القرامطة واستبداد أمرهم

    وما استقر لهم من الدولة بالبحرين وأخبارها إلي حين انقراضها هذه الدعوة لم يظهرها أحد من أهل نسب العلوية ولا الطالبيين وإنما قام بها دعاة المهدي من أهـل البيـت علـى اختلـاف منهـم فـي تعييـن هـذا المهـدي كمـا نذكـره وكـان مدار دعوتهم على رجلين أحدهما يسمى الفرج بن عثمان القاشاني من دعاة المهدي ويسمى أيضاً كرويه بن مهدويه وهو الـذي انتهـى إليه دعاتهم بسواد الكوفة ثم بالعراق والشام ولم يتم لهؤلاء دولة والآخر يسمى أبا سعيد الحسن بـن بهـرام الجنابـي كانـت دعوتـه بالبحريـن واستقـرت لـه هنالـك دولـة ولبنيـه‏.‏ وانتسب بعض مزاعمهم إلى دعاة الإسماعيلية الذين كانوا بالقيروان كما نذكره‏.‏ ودعـوى هؤلاء القرامطة في غاية الاضطراب مختلة العقائد والقواعد منافية للشرائع والإسلام في الكثيـر مـن مزاعمهـم وأول مـن قـام بهـا بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين ومائتين رجل أظهر الزهد والتقشف وزعم أنه يدعو إلى المهدي وأن الصلوات المفروضة خمسون كل يوم واستجاب له جمع كثير ولقب قرمط وأصلها بالكاف‏.‏ وكان يأخذ من كل من يجيب دعوته دينارا للإمام‏.‏ وجعل عليهم نقباء وسماهم الحواريين وشغل الناس بذلك عن شؤونهم وحبسه عامل الناحية ففرمـن حبسـه ولـم يوقـف لـه علـى خبـر فـازداد أتباعـه فتنـة فيـه ثـم زعـم أنـه الـذي بشـر به أحمد بن محمـد ابـن الحنفيـة‏.‏ وأن أحمـد نبـي وفشـا هـذا المذهـب في السواد وقرىء بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدي نصه بعد البسملة‏:‏ يقول الفرج بن عثمان الحمد الله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه قل إن الأهلة مواقيت للناس ظاهرها لتعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام‏.‏ وباطنها أوليائي الذيـن عرفـوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب وأنا الذي لا اسأل عما أفعل وأنا العليم الحكيم وأنا الذي أبلو عبادي وأستخبر خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي وأخلدته في نعمتي ومن زال عن أمري وكذب رسلي أخلدته مهانا في عذابي وأتممت أجلي وأظهرت على ألسنة رسلي فأنا الذي لا يتكبر علي جبار إلا وضعته ولا عزيز إلا ذللته فليس الذي أصر على أمره ودام على جهالته وقال لن نبرح عليه عاكفين وبـه مؤمنيـن أولئـك هـم الكافـرون‏.‏ ثـم يركـع ويقـول فـي ركوعه مرتين سبحان ربي ورب العزة تعالى عما يصف الظالمون وفـي سجـوده اللـه أعلـى مرتيـن اللـه أعظم مرة والصوم مشروع يوم المهرجان والنيروز والنبيذ حرام والخمـر حلال والغسل من الجنابة كالوضوء ولا يؤكل ذو ناب ولا ذو مخلب‏.‏ ومن خالف وحارب وجب قتله ومن لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى‏.‏ إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضاً وتشهد عليهم الكذب‏.‏ والذي حملهـم علـى ذلـك إنمـا هـو مـا اشتهر بين الشيعة من أمر المهدي مستندين فيه إلى الأحاديث التي خرجهـا بعضهـم وقـد أرينـاك عللهـا في مقدمة الكتاب في باب الفاطمي فلهجوا به وبالدعوة إليه فمن الصادق فيمن يعنيه وأن كان كاذباً في استحقاقه‏.‏ ومنهم من بني أمره علـى الكـذب والانتحال عساه يستولي بذلك على حظ من الدنيا ينال بها صفقة‏.‏ وقد يقال إن ظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج وإنه سار على الأمان وقال له إن ورائي مائة ألف سيف فناظرني لعلنا نتفق ونتعاون‏.‏ ثم اختلفا وانصرف قرمط عنه وكان يسمي نفسه القائم بالحق‏.‏ وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج ثم زحف إليـه أحمـد بـن محمـد الطائي صاحب الكوفة في العساكر فأوقع بهم وفتك بهم وتتابعت العساكر في السواد في طلبهـم وأبادوهـم وفـر هـو إلـى أحيـاء العـرب فلـم يجبه أحد منهم فاختفى في القفر في جب بناه واتخذه لذلك وجعل عليه باب حديد واتخذ بجانبه تنوراً سحراً إن أرهقه الطلب فلا يفطن لـه‏.‏ ولمـا اختفـى فـي الجـب بعـث أولـاده فـي كلـب بـن دبـرة بأنهـم مـن ولـد إسماعيل الإمام مستجيرون بهـم‏.‏ ثـم دعـوا إلـى دعوتهـم أثنـاء ذلـك وكانـوا ثلاثـة يحيـى وحسيـن وعلـي فلم يجبهم أحد إلى ذلك إلا بنـو القليـص بـن ضمضـم بـن علـي بـن جنـاب فبايعـوا ليحيـى علـى أنـه يحيـى بـن عبـد الله بن محمد بـن إسماعيـل الإمـام وكنـوه أبـا القاسـم ولقبوه الشيخ‏.‏ ثم حول اسمه وادعى أنه محمد بن عبد الله وأنه كان يكتم هذا الاسم وأن ناقته التي يركبها مأمورة ومن تبعها منصور فزحف إليه سبك مولـى المعتضـد فـي العساكـر فهزمهـا وقتل فسار إليه محمد بن أحمد الطائي في العساكر فانهزمت القرامطة وجيء ببعضهم أسيراً فاحتضره المعتضد وقال‏:‏ هل تزعمون أن روح الله وأنبيائه تحل فيكم فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل‏.‏ فقال لـه‏:‏ يـا هـذا أرأيـت لـو حلـت روح إبليـس فمـا ينفعـك فاتـرك مـا لا يعنيـك إلـى ما يعنيك‏.‏ فقال له قل فيمـا يعنـي فقـال له قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوكم العباس حي فلم يطلب هذا الأمـر ولا بايعـه أحـد ثم قبض أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى العباس ولم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى وكانوا ستة وفيهم الأقرب والأبعد وهذا إجماع منهم على دفع جدك عنها فبماذا تستحقون أنتم الخلافة فأمر المعتضد به فعذب وخلت عظامه ثم قطع مرتين ثم قتل‏.‏ ثم زحـف القرامطـة إلـى دمشـق وعليهـا طغـج مولـى ابـن طولـون سنـة تسعيـن‏.‏ واستصـرخ بابـن سيـده بمصـر فجـاءت العساكـر لإمـداده فقاتلهـم مـراراً وقتـل يحيى بن ذكرويه المسمى بالشيخ في خلق من أصحابـه واجتمـع فلهـم علـى أخيـه الحسيـن وتسمـى أحمـد أبـا العبـاس وكانت في وجهه شامة يزعم أنها فلقب صاحب الشامة المهدي أمير المؤمنين وأتاه ابن عمه عيسى بن مهدي وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الإمام ولقبه المدثر وعهد إليه وزعم أنه المذكور في القرآن‏.‏ ولقب غلاماً من أهله المطوق‏.‏ ثم دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادي وسار إلى دمشق فحاصرهـا حتـى صالحـوه علـى مـال ودفعـوه لـه‏.‏ ثـم سـار إلـى حمـص وحماة والمعرة وبعلبك فخطب لـه بهـا واستباحهـا جميعـاً ثـم إلـى سلميـة وبها جماعة من بني‏.‏ هاشم فاستلحمهم حتى الصبيان بالمكاتـب والبهائـم‏.‏ ثم خرج المكتفي إليه وقدم عساكره فكبسهم ونجا فلهم إلى حلب‏.‏ وانتهى المكتفـي إلـى الرقـة وقـد سـار بـدر مولـى ابـن طولـون فـي أتباع القرامطة فهزمهم وأثخن فيهم وبعث المكتفـي العساكـر مـع يحيـى بـن سليمان الكاتب‏.‏ وفيهم الحسين بن حمدان من بني تغلب ومعهم بنو شيبان فواقعوا القرامطة سنة إحدى وتسعين فهزموهـم وقتـل منهـم خلـق مـن أصحـاب القرمطي ونجا ابنه أبو القاسم ببعض ذخيرته‏.‏ وسار هو مستخفياً إلى ناحية الكوفة‏.‏ ومعه المدثر والمطوق وغلام له وانتهو إلى الرحبة فوشى بهم إلى العامل فقبض عليهم وبعث بهم إلى المكتفي بالرقة ورجع إلى بغداد فقطعهم بعد أن ضرب صاحب الشامة‏.‏ مائتي سوط وأما علـي بـن ذكرويه ففر بعد مقتل أخيه يحيى على دمشق إلى ناحية الفرات‏.‏ واجتمع إليه فل من القرامطة فاستباح طبرية‏.‏ ثـم لمـا اتبعهـم الحسيـن بـن حمدان فر إلى اليمن واجتمع إليه دعاتهم هنالك وتغلب على كثير من مدنـه وقصـد صنعـاء فهـرب عنها ابن يعفر فاستباحها وتجافى عن صعدة لذمة العلوية بينه وبين بنـي الرسـى ونـازل بنـي زيـاد بـن بيـد ومات في نواحي اليمن‏.‏ وفي خلال ذلك بعث أبوه ذكرويه إلى بني القليص بعد أن كانوا استكانوا وأقاموا بالسماوة فبعث إليهم من أصحابه عبد الله بن سعيـد ويسمـى أبـا غانـم فجاءهـم بكتابـه سنـة ثلـاث وتسعين بأنه أوحي إليه بأن صاحب الشامة وأخـاه الشيـخ مقبلان وأن إمامه يظهر من بعدهما يملأ الأرض عدلاً ويظهر وطاب أبو غانم على أحياء كلب فاجتمع إليه جماعة منهم وقصد الشام فاستباح بصرى وأذرعات ونازل دمشق وعاملهـا يومئـذ أحمـد بـن كيغلـغ وهـو غائـب بمصـر فـي محاربة الجليجي الثائر من شيعة بني طولون على عساكر المكتفي وقابلـه خلفـاؤه فهزمهـم وقتـل بعضهـم وسـار إلـى الـأردن فقتـل عاملهـا ونهب طبرية وبعث المكتفي الحسين بن حمدان في العساكر ففر أبو غانم إلى السماوة وغور مياهها واتبعته العساكر إلى أن جهدهم العطش ثم رجع الحسين بهم إلى الرحبة وقيل إنهم تقبضوا على أبي غانم وقتلوه وافترق جمعهم وذلك سنة ثلاث وتسعين‏.‏

    ظهور ذكرويه ومقتله

    ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه وأخرجوه من الجب الذي كان مختفياً فيه منذ عشرين سنة وحضـر عنـده دعاتهـم فاستخلـف عليهـم أحمـد بـن القاسـم بن أحمد وعرفهم بما له عليهم من المنة وأن رشادهم في امتثال أمره ورمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها وسار وهو محتجب يدعونه السيـد ولا يرونـه والقاسـم يباشـر الأمـور ويتولاهـا‏.‏ وبعـث المكتفـي عساكـره فهزمهم القرامطة بالسواد وغنموا معسكرهم وساروا لاعتراض الحاج ومروا بالصوان وحاصـروا الواقصـة فامتنعـت عليهـم وطمـوا الآبـار والمياه في تلك النواحي‏.‏ وبعث المكتفي محمد بن إسحاق بن كنداج الصهال ورجعوا‏.‏ ونهب القرامطة الحاج وقتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثاً علـى غيـر مـاء فاستسلموا وغنم أموالهم وأموال التجار وأموال بني طولون كانوا نقلوها من مصر إلـى مكـة‏.‏ ثـم مـن مكـة إلـى بغـداد عندما أجمعوا النقل إليها‏.‏ ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص قبل فامتنعوا وجهز المكتفي العساكر مـع وصيـف بـن صوارتكيـن وجماعـة مـن القـواد فساروا على طريق خفان وأدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين ثم هزموهم وضرب ذكرويه على رأسه فانهشم وجيء به أسيراً وبخليفة القاسم وابنه وكاتبه وزوجته ومات لخمس ليال فسيق شلـوه إلـى بغـداد وصلـب وبعـث‏.‏ برأسـه إلـى خراسـان مـن أجـل الحاج الذين نهبهم من أهلها‏.‏ ونجا الفـل مـن أصحابـه إلـى الشام فأوقع بهم الحسين بن حمدان واستلحمهم وتتبعوا بالقتل في نواحي الشام والعراق وذلك سنة أربع وتسعين وثلاثمائة‏.‏ ودولة بني الجنابي منها وفي سنة إحـدى وثمانيـن جـاء إلـى القطيعـي مـن البحريـن رجـل تسمـى بيحيـى بـن المهدي وزعم أنه رسول عن المهدي وأنه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف علي بن المعلي بن أحمد الدبـادي وكـان متغاليـاً فـي التشيـع فجمـع الشيعـة وأقرأهـم كتـاب المهـدي وشنع الخبر في سائر قرى البحريـن فأجابـوا كلهم وفيهم أبو سعيد الجنابي واسمه الحسن بن بهرام وكان منه عظمائهم‏.‏ ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم ويأمرهم أن يدفعوا ليحيـى ستـة دنانيـر وثلاثيـن عـن كـل رجـل فدفعوهـا‏.‏ ثـم غـاب وجـاء بكتـاب آخـر يأمرهـم أن يدفعـوا إليـه خمـس أموالهـم فدفعـوا وقـام يتـردد فـي قبائـل قيـس‏.‏ ثـم أظهـر أبـو سعيـد الجنابي الدعوة بالبحرين سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليه القرامطة والأعراب وسار إلى القطيف طالباً البصرة وكـان عليهـا أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي فأدار السور على البصرة وبعث المعتمد على ابن عمـر‏:‏ الغنـوي وكان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين وضم إليه ألفين من المقاتلة وسيره إلى البصرة فاحتشد وخرج للقاء الجنابي ومن معه ورجع عنه عند اللقاء بنو ضبة فانهزم وأسره الجنابي واحتوى على معسكره وحرق الأسرى بالنار‏.‏ ثم من عليه وأطلقه فسار إلى الأبلة ومنهـا إلـى بغـداد وسـار أبـو سعيـد إلـى هجر فملكها وأمنها واضطربت البصرة للهزيمة وهم أهلها بالارتحال فمنعهم الواثقي‏.‏ ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصاً من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال‏:‏ كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان وثلاثمائة فنقل الكلام وكان أبو سعيد عهد لابنه الأكبر سعيد فلم به وثار به أخوه الأصغر والظاهر سليمان فقتله وقـام بأمرهم وبايعه العقدانية وجاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية‏.‏ وفي سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر واستدعى أبا طاهر القرمطي وانتطره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهدية‏.‏ ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها ورجع واضطربت بغداد وأمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها‏.‏ ثـم زحف إليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها وخرب الجامع وتركها خربة‏.‏ ثم خرج سنـة اثنتـي عشـرة لاعتـراض الحـاج فأوقـع بهم وهزم قواد السلطان الذين كانوا معهم وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبرية فهلكوا‏.‏ ثم خرج سنة أربع عشرة إلى العراق فعاث في السواد ودخل الكوفة وفعل فيها أشد من البصـرة‏.‏ وفي سنة أربـع عشرة وقع بين العقدانية وأهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر وبنى مدينـة الأحسـاء وسماهـا المؤمنيـة فلـم تعـرف إلا بـه وبنـى قصـره وأصحابه حوله‏.‏ وفي سنة خمس عشرة استولى على عمان وهرب واليها في البحر إلى فارس وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات وعاث في بلاده‏.‏ وبعث المقتدر عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان وولاه واسط وبعثه لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة وهزمه أبو طاهر وأسره‏.‏ وأرجف أهل بغداد وسار أبو طاهر إلى الأنبار وخرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر وهارون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه وتوافقوا ثم تحاجزوا وعاد مؤنس إلى بغداد وسار هو إلى الرحبة واستباحها ودوخ بلاد الجزيرة بسراياه‏.‏ وسار إلى هشت والكوفة وقاتل الرقة فامتنعت عليه وفـرض الأتـاوة علـى أعـراب الجزيـرة يحملونهـا إلـى هجـر ودخل في دعوته جماعة من بني سليم بن منصور وبني عامر بن صعصعة‏.‏ وخرج إليه هارون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى البرية وظفر هارون بفريق منهم فقتلهم وعاد إلى بغداد‏.‏ وفي سنة سبع عشرة هجم على مكة وقتل كثيراً من الحاج ومن أهلها ونهب أموالهم جميعاً وقلع باب البيت والميزاب وقسم كسوة البيت في أصحابه واقتلع الحجر الأسود وانصرف به وأراد أن يجعل الحج عنده وكتب إليه عبيد الله المهدي من القيروان يوبخه على ذلك ويتهدده فكتـب إليـه بالعجـز عـن رده مـن الناس ووعد برد الحجر فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور إسماعيل من القيروان في رده فردوه وقد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفاً من الذهب على أن يردوه فأبوا وزعموا أنهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيد الله وإنما يردونه بأمره وأمر خليفته‏.‏ وأقام أبو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشـام بالغـزو حتـى ضربـت لـه الأتـاوة ببغـداد وبدمشـق علـى بنـي طغـج‏.‏ ثـم هلـك أبو طاهر سنة اثنتين وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه ومات عن عشرة من الولد كبيرهم سابور وولى أخوه الأكبر أحمد بن الحسـن واختلـف بعـض العقدانيـة عليـه ومالـوا إلـى ولايـة سابـور بـن أبـي طاهـر وكاتبـوا القائـم في ذلك فجـاء جوابـه بولايـة الـأخ أحمد وأن يكون الولد سابور ولي عهده فاستقر أحمد في الولاية عليهم وكنوه أبا منصور وهو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه‏.‏ ثم قبض سابور على عمه أبي منصور فاعتقله بموافقة إخوته له على ذلك وذلك سنة ثمان وخمسيـن‏.‏ ثـم ثـار بهـم أخـوه فأخرجـه مـن الاعتقـال وقتـل سابـور ونفى إخوته وأشياعهم إلى جزيرة أوال‏.‏ ثـم هلـك أو منصـور سنـة تسـع وخمسيـن يقـال مسمومـاً على يد شيعة سابور وولى ابنه أبو علي الحسن بن أحمد ويلقب الأعصم وقيل الأغنم فطالت مدته وعظمت وقائعه ونفى جمعاً كثيـراً مـن ولـد أبـي طاهـر يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلاثمائة وحج هذا الأعصم بنفسه

    فتنة القرامطة مع المعز العلوي

    ولمـا استولـى جوهـر قائد المعز لدين الله على مصر وجعفر بن فلاح الكتامي على دمشق طالب الحسن بالضريبة التي كانت له على دمشق فمنعوه ونابذوه وكتب له المعز وأغلظ عليه ودس لشيعـة أبـي طاهر وبنيه أن الأمر لولده وأطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة اثنتين وخطب للمطيع العباسي في منابره ولبس السواد‏.‏ ثم زحف إلى دمشق وخرج جعفر بن فلاح لحربه فهزمـه الأعصـم وقتلـه وملـك دمشـق وسـار إلى مصر فحاصر جوهراً بها وضيق عليه‏.‏ ثم غدر بـه العـرب وأجفلـوا فأجفـل معهـم وعـاد إلى الشام ونزل الرملة وكتب إليه المعز سنة إحدى وستين بالنفـي والتوبيخ وعزله عن القرامطة وولى بني أبي طاهر فخرجوا من أوال ونهبوا الاحساء في غيبته وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة وأن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال‏.‏ وبعث من أحكم بينهم الصلح‏.‏ ثم سار الأعصم إلى الشام وتخطاها دون صور فقاتلوه وراء الخنادق وبذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه وانهزم ونهب معسكره‏.‏ وجاء المعز من إفريقية ودخل القاهرة سنة ثلاث وستين وسرح العساكر إلى الشام فاستولوا عليه فنهض الأعصم إليهم فأوقع بهم وأثخن فيهم وانتزع ما ملكوه من الشام وسار إلى مصر وبعث المعز لدين الله ابنه عبد الله فلقيهم على بلبيس وانهزم الأعصم وفشا القتل والأسر في أصحابه فكانوا نحواً من ثلاث آلاف ورجع الأعصم إلى الإحساء واستخلص المعز بني الجراح أمراء الشام من طيىء حتى استرجع بهم ما غلـب عليـه القرامطـة مـن الشـام بعـد حـروب وحصـار‏.‏ ثـم مـات المعـز سنة خمس وستين وطمع الأعصم في بلاد الشام وكان أفتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار وهزمه ببغداد سار أفتكين منهزماً إلى دمشـق وكانـوا مضطربيـن فخرجـوا إليه وولوه عليهم وصالح المعز إلى أن توفي فنابذ العزيز وبعث إليـه جوهر في العساكر فحاصره فكتب أفتكين إلى الأعصم واستدعاه فجاء إلى الشام سنة ست وستين‏.‏ وخرج معه أفتكين ونازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر وزحف إليهم العزيز وهزمهم وتقبض على أفتكين ولحق الأعصم بطبريـة منهزمـاً‏.‏ ثـم ارتحـل منهـا إلـى الأحسـاء وأنكروا ما فعله الأعصم من البيعة لبني العباس واتفقوا على إخراج الأمر عن ولد أبي سعيد الجنابـي وقدمـوا رجليـن منهـم‏:‏ وهمـا جعفـر وإسحاق وسار بنو أبي سعيد إلى جزيرة أوال وكان بنو أبـي طاهـر قبلهـم فقتلـوا كـل مـن دخـل إليهـم مـن ولـد أحمـد بـن أبـي سعيـد وأشياعـه‏.‏ ثـم قـام بأمـر القرامطة جعفر وإسحاق هذان ورجعوا إلى دعوة العلوية ومحاربة بني بويه ورجعوا سنة أربع وستيـن إلـى الكوفة فملكوها‏.‏ وبعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات وقتل منهم خلق واتبعوهم إلى القادسية‏.‏ ثم اختلف جعفر وإسحاق وطمع كل منهما في الرياسة على صاحبه وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي سنة ثمان وتسعين عليهم وملك الأحساء من أيديهم وأذهب دولتهم وخطب للطائـع واستقرت الدولة له ولبنيه‏.‏
    ابو يحيي
    ابو يحيي
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 2596
    تاريخ التسجيل : 09/10/2010
    الموقع : المدير العام

    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Empty تاريخ ابن خلدون الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف ابو يحيي الأربعاء ديسمبر 29, 2010 6:24 pm

    ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة


    كان بأعمال البحرين خلق من العرب وكـان القرامطـة يستنجدونهـم علـى
    أعدائهـم ويستعينـون بهم في حروبهم وربما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض
    الأوقات وكان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم وأظهرهم في
    الكثرة والعزة بنو ثعلب‏.‏ ولما فشلت دولة القرامطة بالبحرين واستحكمت
    العداوة بينهم وبين بني بويه بعد انقراض ملك بني الجنابي وعظم اختلافهم عند
    القائم بدعوة العباسية وكان خالصة للقرامطة ودعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه
    وداخل بني مكرم رؤساء عمان فـي مثـل ذلـك فأجابـوه واستولـى الأصغـر علـى
    البحريـن وأورثهـا بنيـه واستولـى بنـو مكـرم على عمان ثم غص بنو ثعلب
    بسليم واستعانوا عليهم ببني عقيل وطردوهم من البحرين فساروا إلى مصر ومنها
    كان دخولهم إلى إفريقية كما يأتي‏.‏ ثـم اختلـف بنـو ثعلـب وبنـو عقيل بعد
    مدة وطردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة والبلاد العراقية وامتد ملك
    الأصغر وطالت أيامه وتغلب على الجزيرة والموصل وحارب بني عقيـل سنة ثمان
    وثلاثين وأربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة وغص بشأنه نصير الدولة بن
    مروان صاحب ميافارقين وديار بكر فقام له وجمع له الملوك من كل ناحية فهزمه
    واعتقله ثم أطلقه ومات‏.‏ وبقي الملك متوارثاً في بنيه بالبحرين إلى أن
    ضعفوا وتلاشوا وانقرضت دولة بني عقيل بالجزيرة وغلبهم عليها وعلى تلك
    البلاد أولياء الدولة السلجوقية فتحولوا عنها إلى البحرين مواطنهم الأولى
    ووجدوا بني ثعلب قد أدركهم الهرم فغلبوا عليهم‏.‏ قـال ابن سعيد‏:‏ سألت
    أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبوية سنة إحدى وخمسين وستمائة عـن
    البحريـن فقالـوا الملـك فيها لبني عامر بن عوف بن عقيل وبنو ثعلب من جملة
    رعاياهم وبنو عصفور منهم أصحاب الأحساء‏.‏ ولنذكر هنا نبذة في التعريف
    بكاتـب القرامطـة وأمصـار البحرين وعمان لما أن ذلك من توابع أخبارهم‏.‏
    الكاتب كان كاتبهم أبو الفتح الحسيـن بـن محمـود ويعـرف بكشاجـم كـان مـن
    أعلـام الشعـراء وذكـره الثعالبـي فـي اليتيمـة والحصـري فـي زهـر الـآداب
    وهـو بغدادي المولد واشتهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي وكتب لهم بعده
    ابنه أبو الفتح نصر ولقبه كشاجم مثل أبيه كاتباً للأعصم البحريـن - إقليـم
    يسمـى باسـم مدينتـه ويقال هجر باسم مدينة أخرى منه وكانت حضرية فخربها
    القرامطـة وبنـو الأحسـاء وصارت حاضرة وهذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس
    بين البصرة وعمان شرقيها بحر فارس وغربيها متصل باليمامة وشماليها البصرة
    وجنوبها بعمان كثيرة المياه ببطونها على القامة والقامتين كثيرة البقل
    والفواكه مفرطة الحر منهالة الكثبان يغلب الرمل عليهم في منازلهم وهي من
    الإقليم الثاني وبعضها في الثالث‏.‏ كانت في الجاهلية لعبد القيس وبكر بن
    وائل من ربيعة وملكها للفرس وعاملهـا مـن قبلهـم المنـذر بـن سـاوى
    التميمـي‏.‏ ثـم صـارت رياستهـا صـدر الإسلام لبني الجـارودي ولـم يكـن
    ولاة بني العباس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطي بعد حصار ثلاث
    سنين واستباحها قتلاً وإحراقاً وتخريباً‏.‏ ثم بنى أبو طاهر مدينة الأحساء
    وتوالت دولة القرامطة وغلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب‏.‏ بعدهم بنو
    عامر ابن عقيل قال ابن سعيد‏:‏ والملك الآن فيهم في بني عصفور‏.‏ الأحسـاء
    - بناهـا أبـو طاهـر القرمطـي فـي المائـة الثالثـة وسميـت بذلـك لمـا
    فيها من أحساء المياه في الرمال ومراعي الإبل وكانت للقرامطة بها دولة
    وجالوا في أقطار الشام والعراق ومصر والحجاز وملكوا الشام وعمان‏.‏ دارين -
    هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها
    فيقال مسك دارين والرماح الخطية‏.‏ عمـان - وهـي مـن ممالك جزيرة العرب
    المشتملة على اليمن والحجاز والشحر وحضرموت وعمان وهـي خامسهـا إقليـم
    سلطاني منفرد على بحر فارس من غربيه مسافة شهر شرقيها بحر فارس وجنوبها بحر
    الهند وغربيها بلاد حضرموت وشماليها البحرين كثيرة النخل والفواكه وبها
    مغاص اللؤلؤ شفيت بعمان بن قحطان أول من نزلها بولايـة أخيـه يعـرب وصـارت
    بعـد سيـل العـرم للأزد‏.‏ وجاء الإسلام وملوكها بنو الجلندي والخوارج بها
    كثيرة‏.‏ وكانت لهم حروب عمال بني بويه وقاعدتهم تروى وملك عمان من البحر
    ملوك فارس غير مرة وهي في الإقليم الثاني وبها مياه وبساتين وأسواق وشجرها
    النخل‏.‏ وكانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤي بن غالب‏.‏ وكثير من
    نسابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب أولهم بها محمد بن القاسم الشامي عثه
    المعتضد وأعانه ففتحها وطرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال وأقام الخطبة
    لبني العباس وتوارث ذلك بنوه وأظهروا شعار السنة‏.‏ ثـم اختلفـوا سنـة خمس
    وثلاثمائة وتحاربوا ولحق بعضهم بالقرامطة وأقاموا في فتنة إلى أن تغلب
    عليهـم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر وخطب بها لعبيد
    الله المهدي وترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس
    وسبعين فترهب واليها منهم وزهد وملكها أهل تروى الخوارج وقتلوا من كان بها
    من القرامطة والروافض وبقيت في أيديهم ورياستها للأزد منهم‏.‏ ثم سار بنو
    مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبني بويه وأعانوهم بالمراكب من
    فارس فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج إلى جبالهم وخطوا لبني العباس‏.‏ ثم
    ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان وتوارثوا ملكها وكان
    منهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم وكان ملكاً
    جواداً ممدوحـاً‏.‏ قالـه البيهقي ومدحه مهيار الديلمي وغيره ومات سنة
    ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدة طويلة في الملك وفي سنة اثنين وأربعين ضعف
    ملك بني مكرم وتغلب عليهم النساء والعبيد فزحف إليها الخوارج وملكوها
    وقتلوا بقيتهم وانقطع منها رسم الملك وصار في حجار من مدر هذا الإقليـم
    قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الأقليم الثاني ومما يلي الشحر وحجار
    في شماليهـا إلـى البحريـن بينهما سبع مراحل وهي في جبال منيعة فلم تحتج
    إلى سور وكان ملكها سنة ثمان وأربعين زكريا بن عبد الملك الأزدي من ذرية
    رياسة‏.‏ وكان الخوارج بتروى مدينة الشراة يدينون لهم ويرون أنهم من ولد
    الجلندي‏.‏ الإسماعيلية الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق وفارس
    والشام وسائر أمورهم ومصائرها هذا المذهب هو مذهب القرامطة وهم غلاة
    الرافضة وهـو علـى مـا رأيتـه مـن الاضطـراب والاختلـاف‏.‏ ولـم يـزل
    متناقـلاً فـي أهلـه بأنحـاء العـراق وخراسـان وفارس والشام‏.‏ واختلف
    بعضهم باختلاف الأعصار والأمصـار وكانـوا يدعـون أولاً قرامطـة‏.‏ ثـم قيـل
    لهـم بالعـراق باطنيـة ثـم الإسماعيليـة ثـم النزاريـة لمـا حـدث مـن عهـد
    المستضيء العلوي لابنه نزار وقتله شيعتهم بمصر ولم يبايعوا له وكان عنده
    ابن الصباح من هؤلاء الإسماعيلية ونفى الإمامة بعده عن أئمتهم بصر فسموا
    أصحابه لذلك نزارية وكان هذا المذهب بعد موت ذكرويه وانحلال عقدتهم بقي
    منبثاً في الأقطار ويتناوله أهله ويدعون إليه ويكتمونه ولذلك سموا الباطنية
    وفشت أذيتهم بالأمصار بما كانوا يعتقدونـه مـن استباحـة الدمـاء فكانـوا
    يقاتلـون النـاس ويجتمـع لذلـك جمـوع منهم يكمنون في البيوت ويتوصلون إلى
    مقاصدهم من ذلك‏.‏ ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عندما استمر الملك
    للعجم من الديلم والسلجوقية وعقل الخلفاء وعجزوا عن النظر في تحصين إمامتهم
    وكف الغوائل عنهما فانتشروا في هذه العصور وربما اجتمع منهم جماعة بساوة
    بأنحاء همذان فصلوا صلاة العيد بأنحائهم فحبسهم الشحنـة ثـم أطلقهـم‏.‏ ثـم
    استولـوا بعـد ذلـك علـى الحصـون والقلـاع فـأول قلعة غلبوا عليها قلعة
    عند فارس كان صاحبها على مذهبهم فأووا إليـه واجتمعـوا عنـده وصـاروا
    يخطفـون النـاس مـن السابلة وعظم ضررهم بتلك النواحي‏.‏ ثم استولوا على
    قلعة أصفهان واسمها شاه در كان السلطان ملك شاه بناها وأنزل بها عامله
    فاتصل به أحمد بن غطاش كان أبوه من مقدمي الباطنية وعنه أخذ ابن الصباح
    وغيره منهم وكـان أحمـد هـذا عظيمـاً فيهـم لمكـان أبيـه ورسوخـه فـي العلم
    بينهم فعظموه لذلك وتوجوه وجمعوا له مالاً وقدموه عليهم واتصل بصاحب
    القلعة فآثر مكانه وقلده الأمور حتى إذا توفي استولى أحمد بن غطاش على قلعة
    شاه در وأطلق أيدي أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية‏.‏ ثـم
    استولـوا علـى قلعـة المـوت مـن نواحي قروين وهي من بنيان الديلم ومعنى هذا
    الإسم عندهم تميل العقاب‏.‏ ويقال لتلك الناحية طالقان وكانت في ضمان
    الجعفري فاستناب بها علوياً وكان بالري أبو مسلم صهر نظام الملك واتصل به
    الحسن بـن الصبـاح وكـان بينهـم عالمـاً بالتعاليـم والنجوم والسحر وكان من
    جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة أصفهان ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة
    المصريين عنده فهرب منه وجال في البلاد وانتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر
    وأمره بدعاء الناس إلى إمامته وقال له الحسن من الإمام بعدك فأشار إلى ابنه
    نزار وعاد من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر وبلاد الروم ورجع إلى
    خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوي فأكرمه واعتقد البركة فيه وأقام بها
    وهو يحاول إحكام أمره في تملكها فلما تم له من ذلك ما أراد أخرج العلوي
    منها وملكها‏.‏ واتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار
    وبعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك ورجعت العساكر واستولوا أيضاً
    على قلعة طبس وما جاورها مـن قلـاع قوهستان وهي زرون وقائد وكان رئيس
    قوهستان المنـور مـن أعقـاب بنـي سيجـور أمـراء خراسان للسامانية فطلبه
    عامل قوهستان وأراد اغتصاب أخته فاستدعى الإسماعيلية وملكهم هذه القلاع
    واستولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصفهان كانت لمؤيد الملك بن
    نظام الملك وانتقلت إلى جاولي سقاور من أمراء الغز وولى عليها بعض الترك
    فاتصل به بعض الباطنيـة وخدمـه وأهـدى لـه حتـى صـارت مفاتيـح القلعـة فـي
    يـده فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجـاء فـي جمـع مـن أصحابـه ليـلاً
    وهـرب التركـي فملكهـا وقتـل مـن كـان بهـا وقـوي‏.‏ بهـا على أهل أصفهان
    وفرض عليهم القطائع‏.‏ ومن قلاعهم أسويا وندبين الرمل وآمد ملكوها بعد ملك
    شاه غدراً ومنها أزدهر ملكها أبو الفتـوح ابن أخت الحسن بن الصباح‏.‏ ومنها
    كردكوه ومنها قلعة الناظر بخوزستان وقلعة الطنبور قرب أرجان‏.‏ ملكها أبو
    حمزة الإسكاف من أهل أرجان وقد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهـم ورجـع
    داعيـة لهـم‏.‏ ومنهـا قلعـة ملاوخـان بيـن فـارس وخوزستـان امتنـع بها
    المفسدون نحواً من مائتي سنة لقطع الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه
    وقتل من بها فلما ملك ملك شاه أقطعها للأمير أنز فولى عليها من قبله وداخله
    الباطنية الذين من أرجان في بيعها منهم فأبى فقالوا نرسل إليك من يناظرك
    حتى نرى الحق في مذهبنا وبعثـوا إليهـم رجـالاً منهـم فاعتقلوا مملوكه حتى
    سلم لهم مفاتيح المقلعة وقبضوا على صاحبها وقويت شوكتهم‏.‏ وامتدت أيدي
    الناس إلى قتلهم واعتقدوا جهادهم وثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم وقتلتهم
    العامة بأصفهان وكانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السلطان بركيارق أصفهان
    وبها أخوه محمد وأمه خاتون الجلالية وفشت فيها دعوتهم وكثر فيها الاغتيال
    من أتباعهم فثاروا بهم وقتلوهم وحفـروا الأخاديـد وأوقدوهـا بالنيـران
    وجعلـوا يأتـون بالباطنية فيلقونهم فيها وتجرد جاولي سقاور وكان والياً
    بفارس للجهاد فيهم وتحيل عليهم بجماعة من أصحابه أظهروا‏.‏ الهـروب إليهم
    فوثقوا هم وساره هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم‏.‏ ثم صار الباطنية من
    بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدراً فكان يقصد أحدهم أميـراً من
    هؤلاء وقد استبطن خنجراً واستمات‏.‏ حملهم على ذلك السلطان بركيارق واستعان
    بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدي الأمير حتى يتمكن من طعنه
    فيطعنه ويهلـك غالباً ويقتل الباطني لوقته فقتلوا منهم كذلك جماعة ولما ظهر
    بركيارق على أخيه محمد انتشـروا فـي عسكـره واستعانـوا بطائفـة منهـم
    وتهـددوا بالقتـل على ذلك حتى ارتاب أمراء العسكر بأنفسهم وخافوا عاديتهم
    ولازموا حمل السلاح وشكوا إلى بركيارق بذلك وبما يلقونه منهم ومن عسكر أخيه
    فيما يرمونهم به من الاتحاد بهؤلاء الباطنية فأذن في قتلهم وركب والعسكر
    معه فتتبعوهم بالقتل حتى إن الأمير محمداً من أعقاب علاء الدولة بن كاكويه
    وكان صاحب يزد اتهم برأيهم فهرب وقتل‏.‏ وكتب إلـى بغـداد فـي أبـي
    إبراهيـم الاسترابـاذي وكـان بركيـارق بعثـه رسـولاً فأخذ هنالك وقتل
    واستلحموا في كل جهة واستلحم المتهمون وانطلقت عليهم الأيدي في كل ناحية
    وذلك سنة ست وثمانين‏.‏ ولمـا استفحـل أمـر السلطـان محمـد بعـد أخيـه
    بركيارق زحف إلى قلعة شاه در التي بها أحمد بن غطاش لقربها من أصفهان سرير
    ملكه فجمع العساكر والأمم وخرج في رجب في أول المائة السادسة وأحاط بجبل
    القلعة ودووه أربعة فراسخ ورتب الأمراء لقتالهم نوباً‏.‏ ولما اشتد الأمر
    بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم وكتبوا ما نصه‏:‏ ما يقول السادة الفقهاء
    أئمة الدين في قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله وإن ما جاء به
    محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم حـق وصدق وإنما يخالفون في الإمام هل يجوز
    للسلطان مساعدتهم ومراعاتهم وأن يقبـل طاعتهـم ويحرسهم من كل أذى أم لا
    فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك وتوقف بعضهم وجمعوا للمناظرة‏.‏ فقال
    السمنجانـي مـن كبـار الشافعيـة‏:‏ يجـب قتالهـم ولا يجـوز قرارهـم
    بمكانهـم ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين فإنهم لا يرون مخالفـة إمامهـم إذا
    خالـف أحكـام الشـرع وبذلـك تبـاح دماؤهم إجماعاً وطالت المناظرة في ذلك‏.‏
    ثم سألوا أن يأتيهم من العلماء من يناظرهم وعينوا أعياناً من أصفهان
    وقصدوا بذلك المطاولة والتعلل فبعثهم السلطان إليهم فعادوا من غير شيء
    فاشتد السلطـان إليهـم فـي حصارهـم واستأمنوا على أن يعوضوا عن قلعتهم
    بقلعة خالنجان على سبعة فراسخ من أصفهان وأن يؤجلوا في الرحيل شهراً
    فأجابهم وأقاموا في تلك المدة يجمعون ما يقدرون عليه من الأطعمة ووثبوا على
    بعض الأمراء وسلم منهم فجدد السلطان حصارهم وطلبوا أن ويقيم الباقون بضرس
    من القلعة إلى أن يصل الأولون ثم يبعث مع الآخرين من يوصلهم إلى ابن
    الصبـاح بقلعة الموت فأجابهم إلى ذلك وخرج الأولون إلى الناظر وطبس وخرب
    السلطان القلعة وتمسك ابن غطاش بالضرس الذي هو فيه وعزم على الاعتصام به
    وزحف إليه الناس عامة وهـرب بعضهـم إلـى السلطان فدله على عورة المكان
    فصعدوا إليه وقتلوا من وجدوا فيه وكانوا ثمانيـن وأخـذ ابن غطاش أسيراً
    فسلخ وحشي جلده تبناً وقتل ابنه وبعث برأسيهما إلى بغداد وألقت زوجه نفسها
    من الشاهق فهلكت‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up خبر الإسماعيلية بالشام


    لما قتل أبو إبراهيم الاستراباذي ببغداد كما تقدم هرب بهرام ابن أخيه
    إلى الشام وأقام هنالك داعيـة متخفيـاً واستجـاب لـه من الشام خلق‏.‏ وكان
    الناس يتبعونهم لكثرة ما اتصفوا به من القتل غـدراً‏.‏ وكـان أبـو الغازي
    بن ارتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه وأشار أبو الغازي علـى ابـن
    طغتكيـن الأتابك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه ونقل إليه فأظهر حينئذ شخصه
    وأعلن بدعوته وأعانه الوزير أبو علي ظاهر بن سعد المزدغاني لمصلحتهم فيه
    فاستفحل أمره وكثر تابعوه وخاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين ووزيره أبي
    علي حصناً يأوي إليـه فأعطوه قلعة بانياس سنة عشرين وخمسمائة وترك بدمشق
    خليفة له يدعو الناس إلى مذهبه وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من
    المجوس والنصرانية والدرزية وأميرهم يسمـى الضحـاك فسـار بهـرام لقتالهـم
    سنـة اثنتيـن وعشريـن واستخلـف علـى بانيـاس إسماعيل من أصحابه ولقيهم
    الضحاك في ألف رجل وكبس عسكره فهزمهم وقتله وعاد فلهم إلى بانياس فأقام
    بأمرهم إسماعيل وجمع شملهم وبث دعاته في البلاد وعاضده المزدغاني وزير دمشق
    وانتصر لهذه الطائفـة وأقـام بدمشـق خليفـة لبهـرام اسمـه أبـو الوفـا
    فقـوي أمـره وكثـر أتباعـه‏.‏ واستبـد علـى صاحبها تاج الملوك بن طغتكين‏.‏
    ثم إن المزدغاني راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور وتواعدوا
    ليوم عينوه ودس للإسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبـة ونمـى الخبـر
    إلـى إسماعيـل فخـاف أن يثـور بـه النـاس فأعطى بانباس للفرنج وانتقل إليهم
    ومات سنة أربع وعشرين وكان الإسماعيلية قلاع في تلك الجهات‏.‏ تتصل بعضهـا
    ببعـض أعظمهـا قلعـة مصياف فسار صلاح الدين لما ملك الشام سنة اثنتين
    وسبعين إليها وحاصر مصياف وضيق حصارها وبعث سنان مقـدم الإسماعيليـة إلـى
    خـال صلـاح الديـن بحمـاة وهـو شهـاب الديـن الحـادي أن يسـأل صلـاح الدين
    في الصلح معهم ويتهددونه على ذلك سراً فسار إلى صلاح الدين وأصلح أمرهم
    عنده ورحل عنهم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up بقية الخبر عن قلاع الإسماعيلية في العراق


    ولم تزل قلاع هؤلاء الإسماعيلية بالعراق عشاً لهذه الغواية وسفطاً
    لهؤلاء الخباث منذ سار بها أحمـد بـن غطـاش والحسـن بـن الصبـاح‏.‏ وكـان
    لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة عريقة في الغلو داخلة من باب الكفر
    وتسميها الرافضة المقالات الجديدة ولا يدين بقبولها إلا الغلاة منهم‏.‏ وقد
    ذكرها الشهرستاني في كتاب ملـل والنحـل فعليـك بـه إن أردت معرفتهـا‏.‏
    وبقـي الملـوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال ولما
    افتـرق أمـر السلجوقيـة واستبـد ايتغمش بالري وهمذان سار إليهم سنة ثلاث
    وستمائة إلى قلاعهم المجاورة لقزوين فحاصرها وفتـح منهـا خمـس قلاع واعتزم
    على حصار قلعة الموت فعرض له ما شغله عن ذلك ثم زحف إليهم جلال الدين
    منكبري بن علاء الدين وخوارزم شاه عندما رجع من الهند وملك بلـاد أذربيجـان
    وأرمينيـة فقتلـوا بعـض أمرائـه بمثـل قتلهم فسار إلى بلادهم ودوخ نواحي
    الموت وقد مر ذكـره‏.‏ وقلاعهم التي بخراسان خربها واستباحها قتلاً
    ونهباً‏.‏ وكانوا منذ ظهر التتر قد شرهوا علـى الجهـات فأوقـع بهـم جلـال
    الدين هذه الواقعة سنة أربع وعشرين وستمائة وكفحهم عما سموا إليه من ذلك‏.‏
    ولما استفحل أمر التتر سار هولاكو عام الخمسين والستمائة في بغداد وخرب
    قلاعهـم وزحـف الظاهـر بعـد ذلـك إلـى قلاعهم التي بالشام خرب كثيراً منها
    وطوع ما بقي منها وصارت مصياف وغيرها في طاعته وانقرض أمرهـم إلا مغتاليـن
    يستعملهـم الملـوك فـي قتـل أعدائهم على البعد غدراً ويسمون الفداوية أي
    الذين يأخذون فدية أنفسهم على الاستماتة في مقاصد من يستعملهم والله وارث
    الأرض من عليها‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up الخبر عن دوله بني الأخيضر باليمامة من بني حسن


    كان موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى
    أخواه محمد وإبراهيـم طالبـه أبـو جعفـر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك‏.‏
    ثم اختفى وعثر عليه المنصور فضربـه ألـف سـوط قلمـا قتـل أخـوه محمد المهدي
    بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك وكان مـن عقبـه إسماعيـل وأخـوه
    محمـد الأخيضـر ابنـا يوسف بن إبراهيم بن موسى فخرج إسماعيل في أعـراب
    الحجـاز وتسمـى السفـاك سنـة إحـدى وخمسيـن ومائتيـن‏.‏ ثـم قصـد مكـة
    فهـرب عاملهـا جعفر بسباسات وانتهب منزله ومنازل أصحاب السلطان وقتل جماعة
    من الجند وأهل مكة وأخذ مـا كـان حمـل للإصلاح من المال وما في الكعبة
    وخزائنها من الذهب والفضة وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحواً من مائتي
    ألف دينار‏.‏ ثـم نهبهـا وأحـرق بعضهـا بعضاً وأقام في ذلك خمسين يوماً‏.‏
    ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها وحاصرهـا حتـى مـات أهلهـا جوعـاً ولـم
    يصـل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصـل عساكـر المعتز إلى
    المدينة فأفرج عنها ورجع إلى مكة وحاصرها حتى جهدها الحصار ورحل بعد مقامه
    شهرين إلى جدة فأخذ أموال التجار ونهب ما في مراكبهم ورجع إلى مكة وقد وصل
    إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز
    لقتاله فتواقعوا بعرفة واقتتلوا وقتل من الحاج نحو ألف وسلبوا الناس وهربوا
    إلى مكة وبطل الموقف إسماعيل وأصحابه وخطب لنفسه ثم رجع إلى جدة
    واستباحوها ثانية‏.‏ ثم هلك لسنة من خروجه‏.‏ بالخدري آخر سنة اثنتين
    وخمسين أيـام حـرب المستعيـن والمعتـز‏.‏ وكـان يتـردد بالحجـاز منـذ
    اثنتيـن وعشريـن سنـة ومـات ولم يعقب وولي مكانه أخوه محمد الأخيضر وكان
    أسن منه بعشرين سنة ونهض إلى اليمامة فملكها واتخذ قلعة الحضرمية وكان له
    من الولد محمد وإبراهيم وعبد اللـه ويوسـف وهلـك فولـي بعـده ابنـه يوسـف
    وأشرك ابنه إسماعيل معه في الأمر مدة حياته‏.‏ ثم هلـك وانفرد إسماعيل بملك
    اليمامة وكان له من الإخوة الحسن وصالح ومحمد بنو يوسف‏.‏ فلما هلـك
    إسماعيـل ولـي مـن بعـده أخـوه الحسـن وبعـده ابنـه أحمـد بـن الحسـن‏.‏
    ولـم يـزل ملكهـا فيهـم إلـى أن غلب عليهم القرامطة وانقرض أمرهم والبقاء
    لله‏.‏ وكان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب ممـا يلـي البجـر المحيـط
    ملـك بنـي صالـح ذكرهـم صاحـب كتـاب زجـار فـي الجغرافيـا‏.‏ ولم نقف على
    نسـب صالـح هـذا مـن خبـر يعـول عليـه‏.‏ وقـال بعـض المؤرخيـن إنـه صالـح
    بـن عبـد الله بن موسى بن عبـد الله الملقب أبا الكرام ابن موسى الجون وإنه
    خرج أيام المأمون بخراسان وحمل إليه وحبسه وابنـه محمـد مـن بعده ولحق
    بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة‏.‏ ولم يذكر ابن حزم في أعقـاب
    موسـى الجـون صالحـاً هـذا بهذا النسب ولعله صالح الذي ذكرناه آنفآ في ولد
    يوسف بن محمد الأخيضر والله أعلم‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up دولة السليمانيين


    الخبر عن دولة السليمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومباديء
    أمورهم وتصاريف أحوالهم مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها إلا أنه لما
    انقـرض سكانهـا مـن قريـش بعـد المائـة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من
    العلوية مرة بعد أخرى فأقفرت من قريش ولم يبق بها إلا أتباع بنـي حسـن
    أخلـاط مـن النـاس ومعظمهم موال سود من الحبشة والديلم‏.‏ ولم يزل العمال
    عليها من قبـل بنـي العبـاس وشيعتهم والخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن
    أيام المستعين والمعتز وما بعدهما فحدثـت الرياسة فيها لبني سليمان بن داود
    بن حسن المثنى بن الحسن السبط‏.‏ وكان كبيرهم آخر المائة الثانية محمد بن
    سليمان وليس هو سليمان بن داود لأن ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام
    المأمون وبين العصرين نحو من مائة سنة سنة إحدى وثلاثمائة أيام المقتدر
    وخلع طاعة العباسية وخطب في الموسم فقال‏:‏ الحمد الله الذي أعاد الحق إلى
    نظامه وأبرز زهر الإيمـان مـن أكمامـه وكمـل دعـوة خيـر الرسـل بإسباطـه
    لابنـي أعمامـه صلـى اللـه عليه وسلم وعلى آله الطاهرين وكف عنا ببركته
    أسباب المعتدين وجعلها كلمه باقية في عقبه إلى يوم الدين ثم أنشد‏:‏ لأطلبن
    بسيفـي ماكان للحق في دينا يعدون كل بلاد من العراق علينا وكان يلقب
    بالزيدي نسبة إلى نحلته من مذاهب الإمامية وبقي ركب العراق يتعاهد مكة إلى
    أن اعترضـه أبـو طاهـر القرمطـي سنـة اثنتـي عشـرة وأسـر أبـا الهيجـاء بـن
    حمـدان والد سيف الدولة وجماعـة معه وقتل الحجاج وترك النساء والصبيان
    بالقفر فهلكوا وانقطع الحاج من العراق بسبب القرامطة‏.‏ ثم أنفذ المقتدر
    سنة سبع عشرة منصورا الديلمي من مواليه فوافاه يوم التروية بمكة أبو طاهر
    القرمطي فنهب الحاج وقتلهم حتى في الكعبة والحرم وامتلأ زمزم بالقتل
    والحجاج يصيحـون كيـف يقتـل جيـران اللـه فيقـول ليـس بجـار مـن خالـف
    أوامـر اللـه ونواهيـه‏.‏ ويتلـو‏:‏ ‏"‏ إنمـا جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
    ‏"‏ الآية‏.‏ وكان يخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية‏.‏ ثم قلع الحجر
    الأسود وحمله إلى الاحساء وقلع باب البيت وحمله وطلع رجل يقلع الميزاب فسقط
    ومات فقال اتركوه فإنه محروس حتى يأتي صاحبه يعني المهدي فكتب إليه ما
    نصه‏:‏ والعجب مـن كتبـك إلينـا ممتنـاً علينـا بمـا ارتكبتـه واجترمتـه
    باسمنـا مـن حرم الله وجيرانه بالأماكن التي لم تزل الجاهليـة تحـرم إراقـة
    الدمـاء فيهـا وإهانـة أهلهـا‏.‏ ثم تعديت ذلك وقلعت الحجر الذي هو يمين
    الله في الأرض يصافح بها عباده وحملته إلى أرضك ورجوت أن نشكرك فلعنك الله
    ثم لعنك والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده وفعل في يومه ما عمل
    فيه حساب غده انتهى‏.‏ فانحرفت القرامطة عن طاعة العبيدين لذلك‏.‏ ثم قتل
    المقتدر على يد مؤنس سنة عشرين وثلاثمائة وولى أخوه القاهر وحج بالناس
    أميره تلك السنة‏.‏ وانقطع الحج من العراق بعدها إلى أن كاتب أبو علي يحيى
    الفاطمي سنة سبع وعشرين من العراق أبا طاهر القرمطي أن يطلق السبيـل
    للحجـاج علـى مكس يأخذه منهم‏.‏ وكان أبو طاهر يعظمه لدينه ويؤمله فأجابه
    إلى ذلك وأخـذ المكـس مـن الحجـاج لم يعهد مثله في الإسلام‏.‏ وخطب في هذه
    السنة بمكة للراضي بن المقتدر‏.‏ وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المقتفي من بعده
    ولم يصل ركب العراق في هذه السنين من القرامطـة‏.‏ ثـم ولـي المستكفـي بـن
    المكتفـي سنة ثلاث وثلاثين على يد توروز أمير الأمراء ببغداد فخرج الحاج
    في هذه السنة لمهادنة القرامطة بعد أبي طاهر‏.‏ ثم خطب للمطيع ابن
    المقتدر‏.‏ بمكة مع معز الدولة سنة أربع وثلاثين عندما استولى معز الدولة
    ببغداد وقلـع عين المستكفي واعتقله‏.‏ ثم تعطل الحاج بسبب القرامطة وردوا
    الحجر الأسود سنة تسع وثلاثين بأمر المنصور العلوي صاحب إفريقية وخطابه في
    ذلك لأميرهم أحمد بن أبي سعيد‏.‏ ثـم جـاء الحـاج إلى مكة سنة اثنتين
    وأربعين مع أمير من العراق وأمير من مصر فوقعت الحرب بينهمـا علـى الخطبـة
    لابـن بويـه ملـك العـراق وابـن الأخشيـد صاحـب مصـر فانهـزم المصريـون
    وخطب لإبن بويه واتصل ورود الحاج من يومئذ‏.‏ فلما كانت سنة ثمان وأربعين
    وجاء الحاج مـن بغـداد ومصـر كـان أميـر الحـاج مـن العـراق ومحمد بن عبيد
    الله فأجابه إلى ذلك‏.‏ ثم جاء إلى المنبـر مستعداً وأمر بالخطبة لابن بويه
    فوجم الآخر وتمت عليه الحيلة وعاقبه أميره كافور ويقال قتله‏.‏ ووقع ابن
    بويه لمحمد بن عبيد الله باتصال إمارته على الحاج‏.‏ ولما كانت سنة ست
    وخمسين وصل بركب العراق أبو أحمد الموسوي‏.‏ نقيب الطالبيين وهو والد
    الشريف الرضي ليحـج بالنـاس ونهـب بنـو سليـم حـاج مصـر وقتـل
    أميرهـم‏.‏وفي سنة ست وخمسين حج بالناس أبو أحمد المذكور وخط بمكة لبختيار
    بعد مـوت أبيـه معـز الدولـة والخليفـة يومئـذ المطيـع‏.‏ واتصـل حـج أبـي
    أحمـد يركب العراق‏.‏ وفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة فلما قتل أحمد
    وقعت الفتنة بين أبي الحسن القرمطي وخلع طاعة العبيديين وخطب للمطيع وبعث
    إليه بالرايات السود ونهض إلى دمشق فقتل جعفر بن فلاح قائد العلويين وخطب
    للمطيع‏.‏ ثـم وقعـت الفتنـة بيـن أبـي الحسـن وبيـن جعفـر وحصلـت بينهـم
    دمـاء‏.‏ وبعث المعز العلوي من أصلح بينهـم وجعـل ديـة القتلـى الفاضلـة في
    مال المعز‏.‏ وهلك بمصر أبو الحسن فولي أخوه عيسى‏.‏ ثم ولي بعده أبو
    الفتوح الحسن بن جعفر سنة أربع وثمانين‏.‏ ثم جاءت عساكر عضد الدولة ففر
    الحسن بن جعفر‏.‏ إلى المدينة ولما مات العزيز بالرفقة وعاد بنو أبي طاهر
    وبنو أحمد بن أبي سعيد إلى الفتنة فجاء من قبل الطائع أمير علوي إلى مكة
    وأقام له بها خطبة‏.‏ وفي سنة سبع وستين بعث العزيز من مصر باديس بن زيري
    الصنهاجي وهو أخو بلكين صاحب إفريقية أميراً على الحاج فاستولى على الحرمين
    وأقام له الخطبة وشغل عضد الدولة في العراق بفتنة بختيار ابن عمه فبطل ركب
    العراق‏.‏ ثم عاد في السنة بعدها وخطب لعضد الدولة أبو أحمد الموسوي
    وانقطعت بعدها خطبة العباسييـن عـن مكـة وعـادت لخلفـاء مصـر العبيدييـن
    إلى حين من الدهر‏.‏ وعظم شأن أبي الفتوح واتصلت إمارته في مكة وكتب إليه
    القادر سنة ست وتسعين في الأذن لحاج العراق فأجابه على أن الخطبة للحاكم
    صاحب مصر‏.‏ وبعث الحاكم إلى ابن جراح أمير طيـىء باعتراضهـم وكـان على
    الحاج الشريف الرضي وأخوه المرتضى فلاطفهم ابن الجراح وخلى سبيلهـم علـى أن
    لا يعـودوا‏.‏ ثم اعترض حاج العراق سنة أربع وتسعين الأصيغر الثعلبي عندما
    ملك الجزيرة فوعظه قارئان كانا في الركب‏.‏ ثم اعترضهم في السنة بعدها
    أعراب خفاجة ونهبوهـم‏.‏ وسـار فـي طلبهـم علـي بـن يزيد أمير بني أسد
    فأوقع بهم سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏ ثم عادوا‏.‏ إلى مثل ذلك من السنة بعدها
    فعاد علي بن يزيد فأوقع بهم وسماله بذلك ذكر وكان ثـم كتـب الحاكـم سنـة
    اثنتيـن وأربعيـن إلـى عماله بالبراءة من أبي بكر وعمر ونكر ذلك أبو الفتوح
    أمير مكة وانتقض له وحمل الوزير أبو القاسم المغربي على طلب الأمر
    لنفسه‏.‏ وكان الحاكم قتل أباه وأعمامـه فخطـب أبـو الفتـوح لنفسـه وتلقـب
    الراشـد باللـه وسـار إلـى مدينـة الرملـة لإستدعاء ابن الجراح أمير طيىء
    لمغاضبة بينه وبين الحاكم‏.‏ ثـم سـرب الحاكـم أموالـه فـي بنـي الجـراح
    فانتقضـوا على أبي الفتوح وأسلموه وفر الوزير المغري إلى ديار بكر من أرض
    الموصل ومعه ابن سبابة‏.‏ وفر التهامي إلى الري وكان معه‏.‏ وقطع الحاكم
    الميـرة عـن الحرميـن ثـم راجـع أبـو الفتوح الطاعة فعفا عنه الحاكم وأعاده
    إلى إمارته بمكة ولم يحج من العراق في هذه السنين أحد‏.‏ وفي سنة اثنتـي
    عشرة حج بأهل العراق أبو الحسن محمد بن الحسن الإفساسي فقيه الطالبيين
    واعترضهم بنو نبهان من طيىء وأميرهم حسان بن عدي وقاتلوهم فهزموهم وقتـل
    أميرهـم حسان‏.‏ وخطب في هذه السنة للظاهر بن الحاكم بمكة‏.‏ ولما كان
    الموسم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ضرب رجل من قوم مصر الحجر الأسود بدبوس
    فصدعه وثلمه وهو يقـول‏:‏ كـم تعبدكم تقبل فتبادر إليه الناس فقتلوه وثار
    أهل العراق بأهل مصر فنهبوهم وفتكوا فيهم‏.‏ ثم حج بركب العراق سنة أربع
    عشرة النقيب بن الأفساسي وخشي من العرب فعاد إلى دمشق ولما بويع القائم
    العباسي سنة اثنتين وعشرين رام أن يجهز الحاج فلم يقدر لاستيـلاء العـرب
    وانحلال أمر بني بويـه‏.‏ ثـم خطـب بمكـة للمستنصـر بـن الظاهـر‏.‏ ثـم
    توفـي الأميـر أبـو الفتـوح الحسـن بـن جعفر بن محمد بن سليمان رئيس مكة
    وبني سليمان سنة ثلاثين وأربعمائة لأربعين سنة من إمارته وولى بعده إمارة
    مكة ابنه شكر وجرت له مع أهل المدينة خطوب ملك في أثنائها المدينة وجمع بين
    الحرمين وعليه انقرضت دولة بني سليمان سنة ثلاثين بمكة وجاءت دولة الهواشم
    كما يذكر‏.‏ وشكر هذا هو الذي يزعم بنو هلال بن عامر أنه تزوج الجازية بنت
    سرحان من أمراء الأثبج منهم وهو خبر مشهور بينهم في أقاصيصهم وحكايات
    يتناقلونها ويطرزونها بأشعار من جنس لغتهم ويسمونه الشريف بن هاشم‏.‏ وقال
    ابن حزم‏:‏ غلب جعفر بن أبي هاشم على مكة أيام الأخشيديين وولي بنوه من
    بعده عيسى بن جعفر وأبو الفتوح وابنه شكر بن أبي الفتوح وقد انقـرض لـأن
    شكـراً لـم يولـد لـه وصـار أمـر مكـة إلى عبد كان له‏.‏ انتهى كلام ابن
    حزم‏.‏ وليس أبو هاشم الذي نسب جعفر إليه أبا الهواشم الذي يأتي ذكرهم لأن
    هذا كان أيام الأخشيديين وذلك أيام المستضيء العبيدي وبينهما نحو من مائة
    سنة‏.‏



    تاريخ ابن خلدون      الجزء الثاني Up دولة الهواشم


    الخبر عن دولة الهواشم بمكة من بني الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها
    هـؤلاء الهواشـم مـن ولـد أبـي هاشـم محمـد بـن الحسن بن حمد بن موسى بن
    عبد الله أبي الكرام بـن موسـى الجـون ونسبـه معـروف وقـد مـر‏.‏ وكانـت
    بيـن هـؤلاء الهواشـم وبيـن السليمانييـن فتـن متصلـة ولمـا مـات شكـر
    ذهبـت الرياسـة مـن بنـي سليمـان لأنـه لم يعاقب‏.‏ وتقدم فيهم طراد بن
    أحمد ولم يكن من بيت الإمارة وإنما كانوا يؤملونه لإقدامه وشجاعته‏.‏ وكان
    رئيس الهواشم يومئذ محمد بن جعفر بن محمد وهو أبو هاشم المذكور وقد ساد في
    الهواشم وعظم ذكره فاقتتلوا سنة أربع وخمسين بعد موت شكر فهزم الهواشم بني
    سليمان وطردوهم عن الحجاز فساروا إلى اليمن وكان لهم بها ملك كما يذكر‏.‏
    واستقـل بإمـارة مكـة الأميـر محمـد بـن جعفـر وخطـب للمستنصـر العبيـدي ثم
    ابتدأ الحاج من العراق سنة ست وخمسين بنظر السلطان البارسلان بن داود ملـك
    السلجوقيـة حيـن استولـى على بغداد والخلافة طلب منه القائم ذلك فبذل
    المال وأخذ رهائن العرب‏.‏ وحج بالناس أبو الغنائم نور الدين المهدي الزيني
    نقيب الطالبين‏.‏ ثم جاور في السنة بعدها واستمال الأمير محمد بن جعفر عن
    طاعة العبيديين فخطب لبني العبـاس سنـة ثمان وخمسين وانقطعت ميرة مصر عن
    مكة فعذله أهله على ما فعل فرد الخطبة للعبيدييـن ثم خاطبه القائم وعاتبه
    وبذل له أموالاً فخطب له سنة اثنتين وستين بالموسم فقط وكتـب إلـى
    المستنصـر بمصـر معتـذراً ثـم بعـث القائم أبا الغنائم الزيني سنة ثلاث
    وستين أميراً إلى الركب العراقي ومعه عسكر ضخم ولأمير مكة من عند ألب
    أرسلان ثلاثون ديناراً وتوقيعاً بعشرة آلاف دينار‏.‏ واجتمعوا بالموسم وخطب
    الأمير محمد بن جعفر وقال‏:‏ الحمد لله الذي هدانا إلى أهل بيته بالـرأي
    المصيـب وعوض بيته بلبسة الشباب بعد لبسة المشيب وأمال قلوبنا إلى الطاعة
    ومتابعة إمـام الجماعـة‏.‏ فانحـرف المستنصـر عـن الهواشم ومال إلى
    السليمانيين‏.‏ وكتب إلى علي بن محمد الصبيحي صاحب دعوتهم باليمن أن يعينهم
    علـى استرجـاع ملكهـم وينهـض معهـم إلـى مكـة فنهض وانتهى إلى المهجم‏.‏
    وكان سعيد بن نجاح الأحوال موتور بني الصبيحي قد جاء من الهند ودخل صنعاء
    فثار بها واتبع الصبيحي في سبعين رجلاً وهو في خمسة آلاف فبيته بالمهجم
    وقتله‏.‏ ثـم جمـع محمـد بـن جعفـر أجنـاداً‏.‏ مـن التـرك وزحـف بهـا إلـى
    المدينـة فأخـرج منهـا بنـي حسن وملكها وجمع بين الحرمين‏.‏ ثـم مـات
    القائـم العباسـي وانقطع ما كان يصل إلى مكة فقطع محمد بن جعفر الخطبة
    للعباسيين‏.‏ ثـم جـاء الزينـي مـن قابـل بالأمـوال فأعادهـا‏.‏ ثـم بعث
    المقتدي سنة سبعين منبراً إلى مكة صنيعاً استجيد خشبه ونقش عليه بالذهب
    اسمه‏.‏ وبعث على الحاج ختلع التركي‏.‏ وهو أول تركي تأمر على الحاج وكان
    والياً بالكوفة‏.‏ وقهر العرب مع جماعته فبعثه المقتدي أميراً على الحاج
    فوقعـت الفتنـة بيـن الشيعـة وأهـل السنـة وكسـر المنبـر وأحـرق وتـم
    الحـج‏.‏ ثـم عـاودوا الفتنـة سنـة ثلـاث وسبعين وقطعت الخطبة للمستنصر
    وأعيدت للمقتدي واتصلت إمارة ختلع على الحاج وبعده خمارتكين إلى أن مات ملك
    شاه ووزيره نظام الملك فانقطعت الخطبة للعباسيين وبطل الحاج من العراق
    باختلاف السلجوقية وتغلب العرب‏.‏ ومات المقتـدي خليفـة بغـداد وبويـع
    ابنـه المستظهـر ومـات المستنصـر خليفـة مصـر وبويـع ابنـه المستعلي من
    إمارته وهو الذي أظهر الخطبة العباسية بمكة وبها ابتدىء أمره وكان يسقطها
    بعـض الأحيـان‏.‏ وولـي بعـده ابنـه قاسـم فكثـر اضطرابـه ومهـد بنـو مزيـد
    أصحـاب الحلة طريق الحاج من العراق فاتصل حجهم‏.‏ وحج سنة اثنتي عشرة
    وخمسمائة نظر الخادم من قبل المسترشد بركب العراق وأوصل الخلع والأموال إلى
    مكة‏.‏ ثم توفي قاسم بن محمد سنة ثمان عشـرة وخمسمائـة لثلاثيـن سنـة مـن
    إمارتـه وكانـت فـي اضطراب‏.‏ وتغلب وولي بعده ابنه أبو قليبة بمكة فافتتـح
    بالخطبـة العباسية وأحسن الثناء عليه بالعدل ووصل نظر الخادم أميراً على
    الركب ومعه الأموال والخلع‏.‏ ثم مات أبو قليبة سنة سبع وعشرين لعشر سنين
    من إمارته والخطبة للعباسيين وإمارة الحاج لنظر الخادم‏.‏ ثم كانت واقعة
    المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله وتعطل ركب الحاج‏.‏ ثم حـج نظـر الخـادم
    فـي السنـة بعدهـا‏.‏ ثـم بعثـت أسمـاء الصبيحيـة صاحبـة اليمـن لأميـر
    مكـة قاسم بن أبـي قليبـة فتوعدتـه علـى قطـع خطبـة الحافـظ وماتـت فكفاه
    الله شرها وانقطع الركب العراقي في هـذه السنيـن للفتـن والغـلاء‏.‏ ثـم
    حـج سنـة أربـع وأربعين نظر الخادم ومات في طريقه فولي قيماز واعترضه رهط
    من الأعراب فنهب الركب واتصل حج قيماز والخطبة لبني العباس إلى سنة خمس
    وخمسين قبله‏.‏ وبويع المستنجد فخطب له كما كان لأبيه المقتفي‏.‏ ثم قتل
    قاسم بن أبي قليبة سنة ست وستين وبعث المستضيء بالركب طاتنكين التركي‏.‏
    وانقرضت دولـة العبيدييـن بمصـر ووليهـا صلـاح الديـن بن أيوب واستولى على
    مكة واليمن وخطب له بالحرمين ثم مات المستضيء سنة خمـس وسبعيـن وبويع ابنه
    الناصر وخطب له بالحرمين وحجت أمه بنفسها سنة خمس وثلاثين وكانت له آثار
    عظيمة ورجعت فانهت إلى الناصر بن عيسى بن قاسم ما اطلعت عليه من أحواله
    فعزله عن إمارة مكة وولى أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر ومات سنة تسع
    وثمانين السنة التـي مـات فيهـا صلـاح الديـن‏.‏ وضعـف أمـر الهواشـم وملـك
    مكـة مـن أيديهـم بنو قتادة الخبر عن بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم ثم
    عن بني أبي نمير منهم أمراؤها لهذا العهد كـان مـن ولـد موسـى الجـون النبي
    مر ذكره في بني حسن عبد الله أبي الكرام وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة
    من الولد‏:‏ سليمان وزيد وأحمد‏.‏ ومنه تشعبت ولده‏.‏ فأما زيد فولده
    اليوم بالصحراء بنهر الحسنية وأما احمد فولده بالدهناء وأما سليمان فكان من
    ولده مطاعن بن عبـد الكريـم بن يوسف بن عيسى بن سليمان وكان لمطاعن إدريس
    وثعلب بالثعالبة بالحجاز‏.‏ فكان لإدريس ولدان قتادة النابغة وصرخة‏.‏ فأما
    صرخة فولده شيع يعرفون بالشكرة وأما قتـادة النابغة فكان يكنى أبا عزيز
    وكان من ولده علي الأكبر وشقيقه حسن‏.‏ فمن ولده حسن إدريـس وأحمد ومحمد
    وجمان وإمارة ينبع في أعقابهم ومنهم لهذا العهد أميران يتداولان إمارتها
    مـن ولـد إدريـس بـن حسن بن إدريس وأما أبو عزيز قتادة النابغة فمن ولد
    موالي عز أمراء مكة لهذا العهد‏.‏ وكان بنو حسن بن الحسن كلهم موطنين بنهر
    العلقمية من وادي ينبع لعهد إمارة الهواشم بمكة وكانـوا ظواعـن باديـة‏.‏
    ولمـا نشـأ فيهـم قتـادة هـذا جمـع ذوي مطاعـن وأركبهـم واستبد بإمارتهم
    وكان بوادي ينبع بنو خراب من ولد عبد الله بن حسن بن الحسن وبنو عيسى بن
    سليمان بن موسى الجون فحاربهم بنو مطاعن هـؤلاء وأميرهـم أبـو عزيـز قتـادة
    وأخرجهم وملك ينبع والصفراء واستكثر مـن الجنـد والمماليـك‏.‏ وكـان علـى
    عهـد المستنصـر العباسي في أواسط المائة السادسة‏.‏ وكان الأمراء يومئذ
    بمكة الهواشم من ولد جعفر بن هاشم بن المحسن بن محمد بن موسى بن أبـي
    الكـرام عبـد اللـه وقـد مـر ذكرهـم‏.‏ وكـان أخرجهـم مكثـر بـن عيسـى بن
    قاسم الذي بنى القلعة على جبل أبي قبيس ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة فسار
    قتادة إلى مكة وانتزعها من أيديهم وملكها وخطب للناصر العباسي وأقام في
    إمارتها نحواً من أربعين سنة‏.‏ واستفحل ملكـه واتسـع إلى نواحي اليمن وكان
    لقبه أبا عزيز‏.‏ وفي سنة ثلاث وستمائة حج بالركب وجه السبـع التركـي مـن
    مماليـك الناصـر وفـر مـن طريقـه إلى مصر فنهب الركب‏.‏ وفي سنة ثمان
    وستمائة وثـب شخـص مـن حاج العراق على شريف من قرابة قتادة فقتله فاتهم
    الشرفاء به أمراء الركب فثاروا بهم وقتلوا منهم خلقاً‏.‏ ثم بعث إليهم
    بالأموال من بغداد وبعث قتـادة بعـض أولـاده يستعتب فأعتب‏.‏ وفي سنة خمس
    عشرة خطب بمكة للعادل بن أيوب بعد الناصر الخليفة وللكامل بن العادل
    بعدهما‏.‏ وفي سنة ست عشرة كان خروج التتر وكان قتادة عادلاً وأمن الناس في
    أيامه ولم الأموال والخلع تحمل إليه واستدعاه الناصر في بعض السنين فكتب
    إليه‏:‏ ولي كف ضرغام أذل ببسطها وأشـري بهـا عـز الـورى وأبيع تظل ملوك
    الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع أأجعلها تحت الرجا ثـم ابتغـي
    خلاصـاً لها إني إذاً لوضيع وما أنا إلا المسك في كـل بقعـة يضوع وأما
    عندكم فيضيع واتسعت دولته فملك ملك مكة والينبع وأطراف اليمن وبعض أعمال
    المدينة وبلاد نجد وكان يستكثـر مـن المماليـك‏.‏ وتوفي سنة سبع عشرة
    وستمائة ويقال سمه ابنه حسن ويقال داخل ابنه حسن جاريته فأدخلته ليلاً فخنق
    أباه ثم قتلها وملك مكة وامتعض لذلك ابنه راجح بن أبي عزيز قتادة وشكاه
    إلى أمير حاج أقباش التركي عند وصوله فأشكاه ووعده بالإنصاف منه فأغلق حسن
    أبواب مكة وخرج بعض أصحابه إلى الأمير أقباش فلقوه عند باب المعلى فقتلوه
    وعلقوه بالمسعى‏.‏ ثم جاء المسعود بن الكامل سنة عشرين من اليمن إلى مكة
    فحج وقاتله حسن ببطن المسعى فغلبـه المسعـود وملـك مكـة ونصـب رايتـه وأزال
    رايـة أميـر الركـب وكتـب الخليفـة مـن بغـداد يعاتب أباه على ذلك وعلى ما
    فعله في مكة والتخلف فكتب إليه أبوه‏:‏ برئـت يـا أقسـى من ظهر العادل إن
    لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قـوة إلا باللـه
    العلـي العظيـم‏.‏ فغـرم ديـات الشرفاء وأصابه شلل في يده ومضى حسن بن
    قتادة إلـى بغـداد صريخـاً بعـد أن بقي طريداً بالشام والجزيرة والعراق‏.‏
    ثم جاء إلى بغداد دخيلاً وهم الترك بقتله بأقباش أمير الركب فمنعوا منه‏.‏
    ومات ببغداد سنة اثنتين وعشرين ودفن بمشهد الكاظم‏.‏ ثم مات المسعود بن
    الكامل بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن
    الشيخ وعلى اليمن أمير الجيوش عمر بن علي بن رسول وقصـد راجـح بـن قتـادة
    مكـة سنة تسع وعشرين مع عساكر عمر بن رسول فملكها سنة ثلاثين من يد فخر
    الدين بن الشيخ ولحق فخر الدين بمصر ثم جاءت عساكر مصر سنة اثنتيـن
    وثلاثيـن مع الأمير جبريل وملكوا مكة وهرب راجح إلى اليمن‏.‏ ثم جاء عمر بن
    رسول معه بنفسه فهربت عساكر مصر وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد
    المستنصر‏.‏ ولمـا ملـك التتـر العـراق سنـة أربـع وثلاثيـن وعظـم أمرهم
    وانتهوا إلى أربل أبطل المستنصر الحج من أمر الجهاد وأفتاه العلماء بذلك‏.‏
    ثـم جهـز المعتصـم الحـاج مـع أمـه سنـة ثلـاث وأربعيـن وشيعهـا إلـى
    الكوفـة‏.‏ ولما حجت ضرب تركي فـي الموسـم شريفـاً وكتـب راجـح فيـه إلـى
    الخليفـة فقطعـت يـده وبطـل الحج بعد ذلك‏.‏ ثم قوي أمر الموطـىء أمـام
    الزيديـة باليمن واعتزم على قطع الخطبة لبني العباس فضاق به المظفر بن عمر
    بن رسول وكاتب المعتصم يحرضه على تجهيز الحاج بسبب ذلك‏.‏ ثم قوي أمر
    الموطـىء أمـام الزيدية باليمن وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين
    إلى الناصر بن العزيز بن الظاهـر بـن أيـوب بدمشـق مستجيشـاً علـى أبـي
    سعيـد وسـار إلـى مكـة فقتـل أبا سعيد فرب الحرم ونقض عهد الناصر وخطب
    لصاحب اليمن‏.‏ قـال ابـن سعيـد‏:‏ وفي سنة ثلاث وخمسين بلغني وأنا بالمغرب
    أن راجح بن قتادة جاء إلى مكة وهو شيخ كبير السن وكان يسكن السدير على نحو
    اليمن فوصل إلى مكة وأخرج منها جماز بن أبي عزيز فلحق بالينبع‏.‏ قال‏:‏
    وفي سنة اثنتيـن وستيـن وضـل الخبـر إلـى المغـرب بـأن أمـر مكـة دائـر بين
    أبي نمي بن أبي سعيد الذي قتل جماز به على إمارة مكة وبين غالب بن راجح

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 12:19 pm