اكتشاف ضيعة (بقنس) التاريخية في وادي شعيب بالبلقاء يفتح آفاقا جديدة للسياحة الأثرية والدينية بالمملكة
عمان- ماجد جبارة- تمكن أستاذ
علم الآثار والتراث في الجامعة الهاشمية الدكتور محمد وهيب من تحديد موقع
ضيعة أبو سفيان التاريخي في منطقة وادي شعيب في محافظة البلقاء.
وأكد
عميد معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث في الجامعة الهاشمية أن هذا
الاكتشاف جاء ضمن أعمال البحث العلمي التي قام فيها على مدار الأعوام
الماضية وأسفرت عن اكتشاف مغطس السيد المسيح وطريق الحج المسيحي وثم
المواقع المباركة المحيطة بالمغطس مثل وادي الرامة وحسبان والكفرين وغيرها.
وأضاف
أن المنهج العلمي الذي تم اعتماده لتحديد موقع الضيعة استند على حقائق
ثلاث لا يمكن قبول ادني شك بمصداقيتها واستغرقت عدة سنوات وهي على النحو
التالي:
أولاً: الوثائق التاريخية.
ثانياً: الاكتشافات الأثرية من خلال أعمال المسح الميداني.
ثالثاً:
أقوال الرحالة والمؤرخين القدامى والمحدثين، وفيما يتعلق بالمؤرخين
القدامى الذين ذكروا وجود هذا الموقع في السلط /البلقاء فقد ذكرها ياقوت
الحموي في كتابه معجم البلدان الجزء الأول الصفحة (472) حيث قال: « بقنس
بثلاث كسرات والنون مشددة: من قرى البلقاء من ارض الشام ثم صارت لولده من
بعده «، ويتضح أن الضيعة استمرت وكان يتم توارثها نظراً لأهميتها.
كما
ذكرها البغدادي في كتابه (مراصد لاطلاع ) الجزء الأول الصفحة (212) وقال
«بقنس بكسر أوله وثانيه ونون مشددة من قرى البلقاء من ارض الشام»، وهنا
تأكيد على حقيقة وجود مكانها في البلقاء /السلط.
كما ذكرها البلاذري في
كتابه فتوح البلدان الطبعة الأولى الصفحة (135) نقلاً عن هشام ابن عمار
قائلاً: « كانت لأبي سفيان بن حرب أيام تجارته إلى الشام في الجاهلية ضيعة
في البلقاء تدعى بكبش فصارت لمعاوية وولده ثم قبضت في أول الدولة العباسية
وصارت لبعض ولد أمير المؤمنين المهدي , ثم صارت لقوم الزياتين يعرفون ببني
نعيم من أهل الكوفة «، ويلاحظ أن تغييرا طفيفاً طرأ على اسم الضيعة من مؤرخ
إلى آخر دون تغيير مكان الضيعة.
كما وردت بقنس في معجم البلدان
الأردنية والفلسطينية حتى نهاية القرن الهجري السابع في الصفحة (30) فذكرت
«بقنس « أو «قرن» وهي قرب وادي شعيب كما ذكرها لي سترانج في كتابه فلسطين
في المعهد الإسلامي قائلاً: « هي إحدى قرى البلقاء».
أما فرديدريك بك في كتابه تاريخ شرقي الأردن وقبائلها فأشار إلى أنها تذكر بقرن البلقاء.
ويتضح
من أقوال المؤرخين القدامى والمحدثين أن كافة الإشارات تشير إلى البلقاء
والى وادي شعيب باعتباره أهم الأودية حيث كان يشكل طريقاً للقادمين من دمشق
إلى عمان –السلط – الشونة الجنوبية عبر وادي شعيب ثم إلى أريحا –القدس
–الخليل –ايله ثم مدين.
أما الاكتشافات الأثرية التي أدت إلى تحديد موقع
الضيعة فقد بدأت منذ عام 2000م بعد اكتشاف مغطس السيد المسيح حيث تم البدء
بأعمال مسح اثري عام 2001 -2002 في منطقة وادي شعيب أدت إلى الكشف عن
عشرات المواقع وتمت متابعة أعمال المسح الميداني بزيارات ميدانية متقطعة
خلال الأعوام 2009-2010 للوقوف على الحقائق التي تم التوصل أليها.
كما
تم الكشف عن خربة ريما التي ترجع للعصور الحديدية والبرونزية وإضافة إلى تل
مقام النبي شعيب وخربة مدين قرب مقام النبي شعيب حيث تشير الدلائل الأولية
إلى أن قرية مدين شعيب تقع في هذه المنطقة مما يشكل قيمة تاريخية كبرى على
مستوى السياحة الدينية في العالم العربي والإسلامي في حال ثبوته حيث أن
الدراسات الميدانية بهذا الخصوص ما زالت مستمرة.
وحول تحديد موقع موقع
بقنس اكد وهيب ان نتائج المسح التفصيلية التي أجريت في المواقع أكدت أن
حدود ضيعة بقنس تمتد ابتداء من منطقة التقاء وادي شعيب مع الوادي الأزرق
على الإحداثيات الدولية (UTM 360758028 3541120) وتمتد باتجاه الشمال
الشرقي على طول امتداد وادي شعيب ما بين سلسلة الهضاب الجنوبية المطلة على
وادي شعيب بطول كيلو متر ويخترقها من الوسط وادي السلط وتطل عليها سلسلة
الجبال الفاصلة بينها وبين يرقا وبطنا , ويمكن الإطلاع على بقنس من الشارع
المعبد الحديث الواصل ما بين مدينة السلط ووادي شعيب باتجاه الشونة
الجنوبية.
أما المحيط الحضاري التاريخي لبقنس فهو ضارب أعماقه في جذور
التاريخ , ولعل هذه الشواهد التاريخية كانت دافعاً لاستيطان هذا المنطقة
منذ فجر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر متمثلة بموقع خربة السوق قرب محطة
التنقية والذي يحدها من الجهة الجنوبية الشرقية حيث أدت اكتشافات دائرة
الآثار العامة في الموقع إلى ظهور العديد من الكهوف المقبرية المتميزة
إضافة إلى الموقع السكني الضخم , ومن الجهة الجنوبية الغربية تتواجد القرية
التاريخية مستوطنة العصر الحجري الحديث والتي تؤرخ إلى ما يعادل (6)آلاف
عام قبل الميلاد حيث تظهر بقايا أدوات الجرش والطحن والأرضيات الجصية
والأدوات الصوانية التي استخدمها الإنسان الأول في المنطقة كما تتواجد على
مسافة بضع مئات من الأمتار قرى تاريخية ترجع في تاريخها إلى بدايات العصر
الروماني حيث ما زالت بقايا الأبنية من الكتل الحجرية والأعمدة والمعاصر
ماثلة للعيان على امتداد مساحة تقدر بـ(30) دونماً , ويطلق السكان المحليون
على هذه القرية الأثرية اسم خربة مدين ويربطونها بإحداث القصة الوارد
ذكرها في القران الكريم من أنها قرية قوم النبي شعيب الذي يتواجد ضريحه على
الجانب الآخر من وادي شعيب مقابل الخربة.
وبجانب الضريح تتواجد قرية
أخرى أثرية تشير الدلائل السطحية على أنها ترجع إلى فترة قريبة من النبي
شعيب عليه السلام , أي ما يعادل نهاية العصر البرونزي الأخير وبداية العصر
الحديدي 3000 عام ق.م وحتى 900 ق.م, وتظهر بقايا البرج والسور والمباني
السكنية إضافة إلى المنشآت المائية على شريط جبلي يتجاوز في طوله (200) متر
وتقدر مساحة هذه القرية بحوالي عشرين دونماً تمتد أجزاؤها داخل مشتل وادي
شعيب.
كما تنتشر المغاور والكهوف المقبرية في الأجزاء الشمالية الجنوبية
من بقنس بحيث لا يخلو محيط هذه الضيعة من الإرث الحضاري من قرى ومنشات
مائية وزراعية وكهوف خزين وطواحين تعمل على المياه في الوادي.
أما داخل
الضيعة فان انتشار الملكيات الخاصة كان يحول دوماً دون التعرف على حقيقة
الإرث الحضاري وأجزاء الضيعة المفقودة إلا انه أمكن الوصول مؤخراً إلى
المباني الظاهرة والأجزاء المتبقية منها، والملاحظ أن انتشار الكهوف في
المنطقة داخل الضيعة ملاحظ في كل الاتجاهات وهي ذات حجم كبير في معظمها لم
يكن لأغراض الدفن بل لأغراض الخزين والزراعة.
وتمثل التله المطلة على
نقطة التقاء وادي شعيب مع وادي الأزرق المركز الرئيس لضيعة بقنس ويطلق
عليها اسم تلة العلوان وتبلغ مساحتها والأطراف المحيطة حوالي (100) دونم
بينما لا يمكن تحديد مساحة ضيعة بقنس كاملة بدقة حيث تتجاوز عدة آلاف من
الدونمات وتطل التلة الرئيسية على الوادي حيث أنها محاطة بالمنحدرات من
ثلاث جهات وهي شمالية شرقية وغربية بينما الجهة الجنوبية تشكل معبراً إلى
التل.
وعلى قمة التل ما زالت بقايا بناء مربع الشكل تتجاوز مساحته (100)
متر مربع حيث ينبسط على قمة التل وتوفر منطقة سهلة للإقامة ويمكن سماع
خرير تدفق مياه وادي شعيب من هذا المكان ويشكل بإطلالته منظراً خلاباً تحيط
به الأشجار والمزارع من كل الجهات.
ومن خلال تفحص محيط البناء والسفوح
المجاورة تبين وجود انتشار كثيف لبقايا الأواني الفخارية وجرار الخزين التي
ترجع إلى العصر الأموي والإسلامي , وكذلك الفترة العباسية وأيضا فخار
القرن الثامن الميلادي , كما تنتشر حبيبات الفسيفساء بشكل مكثف على سفوح
المنطقة وهي من الطراز الإسلامي المبكر ويبدو أنها كانت تشكل أرضية لأبنية
اختفت معالمها جزئيا بفعل النشاطات الزراعية كما وتظهر الحجارة المشفرية
متدحرجة هنا وهناك ويستنتج من ذلك وجود أبنية ومنشات ترجع إلى العهد الأموي
وفترة صدر الإسلام واستمرت كذلك خلال الفترة اللاحقة للعصر الأموي , وهذا
بحد ذاته يتطابق بشكل كبير مع الدلائل التاريخية التي ذكرها المؤرخون
القدامى والمحدثون حيث يشكل هذا الموقع قلب الضيعة التي تمتد أطرافها في
كافة الاتجاهات.
ويطل البناء والتلة على ثلاث طواحين مائية كانت عاملة
حتى وقت قريب وتعتبر جزءاً مكملا للضيعة حيث أعيد استخدامها وأعيد بناء
بعضها ويلاحظ أن قنوات المياه وغرف الخزين وغرف الجرش والطحن والأبنية
التابعة للطواحين شاهد عيان على أهمية هذه المنطقة (ضيعة بقنس) ويمكن
مشاهدتها من مسافة بعيدة.
ويعتبر انتشار مقامات وأضرحة الأنبياء حول
ضيعة بقنس امرأ جديراً بالملاحظة حيث يطل مقام الخضر في بلدة ماحص على
الموقع من جهة الجنوب , كما ويحد مقام ضريح النبي شعيب الموقع من الجهة
الغربية , إضافة إلى مقام حزيز من الجهة الشرقية ومقام النبي أيوب من الجهة
الشمالية الشرقية.
ويشكل هذا المحيط دافعاً متكاملا لأنماط السياحة الأثرية والبيئية والدينية في محافظة البلقاء وخاصة قصبة السلط ووادي شعيب.
أما
الوثائق التي أمكن الوصول إليها فيما يتعلق بسجلات الأراضي فلا تزال
السجلات القديمة والحديثة لأراضي السلط تشير إلى أسماء الأحواض التاريخية
حيث ورد اسم حوض (أم معاوية الشمالي ) و(أم معاوية الجنوبي) , وفي ذلك
إشارة واضحة إلى معاوية بن أبي سفيان وهو مطابق لما ذكره البلاذري في كتابه
معجم البلدان من أن معاوية بن أبي سفيان امتلك هذه الضيعة وورثها عن أبيه ,
وقد تم التأكد من سجلات دائرة الأراضي في مدينة السلط وماحص أثناء إجراء
هذا البحث المطابق لأسماء الأحواض مع الاكتشاف وتبين أنها مطابقة تماماًُ
وتؤكد حقيقة ما تم التوصل إليه.
ويستنتج مما سبق أن الدلائل التاريخية
والأثرية وأقوال المؤرخين القدامى والمحدثين والوثائق والسجلات القديمة
والحديثة تؤكد حقيقة الاكتشاف وان ثبوت ضيعة أبو سفيان في وادي شعيب أصبحت
حقيقة مؤكدة حيث كان يلجا إليها أثناء رحلاته من الجزيرة العربية إلى بلاد
الشام كما أنها ولقربها من طرق المواصلات والجند كانت الضيعة تقدم التموين
لحركات الجيوش الفاتحة والغازية حيث تتوفر فيها إمكانيات كثيرة جعلت منها
نقطة جذب يتسابق إليها الحكام والقادة والأثرياء وكبار ملاكي الأراضي ولعل
نشوء أقدم الحضارات في هذه المنطقة ما هو ألا برهان ساطع عن الدور التاريخي
لوادي شعيب.
علم الآثار والتراث في الجامعة الهاشمية الدكتور محمد وهيب من تحديد موقع
ضيعة أبو سفيان التاريخي في منطقة وادي شعيب في محافظة البلقاء.
وأكد
عميد معهد الملكة رانيا للسياحة والتراث في الجامعة الهاشمية أن هذا
الاكتشاف جاء ضمن أعمال البحث العلمي التي قام فيها على مدار الأعوام
الماضية وأسفرت عن اكتشاف مغطس السيد المسيح وطريق الحج المسيحي وثم
المواقع المباركة المحيطة بالمغطس مثل وادي الرامة وحسبان والكفرين وغيرها.
وأضاف
أن المنهج العلمي الذي تم اعتماده لتحديد موقع الضيعة استند على حقائق
ثلاث لا يمكن قبول ادني شك بمصداقيتها واستغرقت عدة سنوات وهي على النحو
التالي:
أولاً: الوثائق التاريخية.
ثانياً: الاكتشافات الأثرية من خلال أعمال المسح الميداني.
ثالثاً:
أقوال الرحالة والمؤرخين القدامى والمحدثين، وفيما يتعلق بالمؤرخين
القدامى الذين ذكروا وجود هذا الموقع في السلط /البلقاء فقد ذكرها ياقوت
الحموي في كتابه معجم البلدان الجزء الأول الصفحة (472) حيث قال: « بقنس
بثلاث كسرات والنون مشددة: من قرى البلقاء من ارض الشام ثم صارت لولده من
بعده «، ويتضح أن الضيعة استمرت وكان يتم توارثها نظراً لأهميتها.
كما
ذكرها البغدادي في كتابه (مراصد لاطلاع ) الجزء الأول الصفحة (212) وقال
«بقنس بكسر أوله وثانيه ونون مشددة من قرى البلقاء من ارض الشام»، وهنا
تأكيد على حقيقة وجود مكانها في البلقاء /السلط.
كما ذكرها البلاذري في
كتابه فتوح البلدان الطبعة الأولى الصفحة (135) نقلاً عن هشام ابن عمار
قائلاً: « كانت لأبي سفيان بن حرب أيام تجارته إلى الشام في الجاهلية ضيعة
في البلقاء تدعى بكبش فصارت لمعاوية وولده ثم قبضت في أول الدولة العباسية
وصارت لبعض ولد أمير المؤمنين المهدي , ثم صارت لقوم الزياتين يعرفون ببني
نعيم من أهل الكوفة «، ويلاحظ أن تغييرا طفيفاً طرأ على اسم الضيعة من مؤرخ
إلى آخر دون تغيير مكان الضيعة.
كما وردت بقنس في معجم البلدان
الأردنية والفلسطينية حتى نهاية القرن الهجري السابع في الصفحة (30) فذكرت
«بقنس « أو «قرن» وهي قرب وادي شعيب كما ذكرها لي سترانج في كتابه فلسطين
في المعهد الإسلامي قائلاً: « هي إحدى قرى البلقاء».
أما فرديدريك بك في كتابه تاريخ شرقي الأردن وقبائلها فأشار إلى أنها تذكر بقرن البلقاء.
ويتضح
من أقوال المؤرخين القدامى والمحدثين أن كافة الإشارات تشير إلى البلقاء
والى وادي شعيب باعتباره أهم الأودية حيث كان يشكل طريقاً للقادمين من دمشق
إلى عمان –السلط – الشونة الجنوبية عبر وادي شعيب ثم إلى أريحا –القدس
–الخليل –ايله ثم مدين.
أما الاكتشافات الأثرية التي أدت إلى تحديد موقع
الضيعة فقد بدأت منذ عام 2000م بعد اكتشاف مغطس السيد المسيح حيث تم البدء
بأعمال مسح اثري عام 2001 -2002 في منطقة وادي شعيب أدت إلى الكشف عن
عشرات المواقع وتمت متابعة أعمال المسح الميداني بزيارات ميدانية متقطعة
خلال الأعوام 2009-2010 للوقوف على الحقائق التي تم التوصل أليها.
كما
تم الكشف عن خربة ريما التي ترجع للعصور الحديدية والبرونزية وإضافة إلى تل
مقام النبي شعيب وخربة مدين قرب مقام النبي شعيب حيث تشير الدلائل الأولية
إلى أن قرية مدين شعيب تقع في هذه المنطقة مما يشكل قيمة تاريخية كبرى على
مستوى السياحة الدينية في العالم العربي والإسلامي في حال ثبوته حيث أن
الدراسات الميدانية بهذا الخصوص ما زالت مستمرة.
وحول تحديد موقع موقع
بقنس اكد وهيب ان نتائج المسح التفصيلية التي أجريت في المواقع أكدت أن
حدود ضيعة بقنس تمتد ابتداء من منطقة التقاء وادي شعيب مع الوادي الأزرق
على الإحداثيات الدولية (UTM 360758028 3541120) وتمتد باتجاه الشمال
الشرقي على طول امتداد وادي شعيب ما بين سلسلة الهضاب الجنوبية المطلة على
وادي شعيب بطول كيلو متر ويخترقها من الوسط وادي السلط وتطل عليها سلسلة
الجبال الفاصلة بينها وبين يرقا وبطنا , ويمكن الإطلاع على بقنس من الشارع
المعبد الحديث الواصل ما بين مدينة السلط ووادي شعيب باتجاه الشونة
الجنوبية.
أما المحيط الحضاري التاريخي لبقنس فهو ضارب أعماقه في جذور
التاريخ , ولعل هذه الشواهد التاريخية كانت دافعاً لاستيطان هذا المنطقة
منذ فجر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر متمثلة بموقع خربة السوق قرب محطة
التنقية والذي يحدها من الجهة الجنوبية الشرقية حيث أدت اكتشافات دائرة
الآثار العامة في الموقع إلى ظهور العديد من الكهوف المقبرية المتميزة
إضافة إلى الموقع السكني الضخم , ومن الجهة الجنوبية الغربية تتواجد القرية
التاريخية مستوطنة العصر الحجري الحديث والتي تؤرخ إلى ما يعادل (6)آلاف
عام قبل الميلاد حيث تظهر بقايا أدوات الجرش والطحن والأرضيات الجصية
والأدوات الصوانية التي استخدمها الإنسان الأول في المنطقة كما تتواجد على
مسافة بضع مئات من الأمتار قرى تاريخية ترجع في تاريخها إلى بدايات العصر
الروماني حيث ما زالت بقايا الأبنية من الكتل الحجرية والأعمدة والمعاصر
ماثلة للعيان على امتداد مساحة تقدر بـ(30) دونماً , ويطلق السكان المحليون
على هذه القرية الأثرية اسم خربة مدين ويربطونها بإحداث القصة الوارد
ذكرها في القران الكريم من أنها قرية قوم النبي شعيب الذي يتواجد ضريحه على
الجانب الآخر من وادي شعيب مقابل الخربة.
وبجانب الضريح تتواجد قرية
أخرى أثرية تشير الدلائل السطحية على أنها ترجع إلى فترة قريبة من النبي
شعيب عليه السلام , أي ما يعادل نهاية العصر البرونزي الأخير وبداية العصر
الحديدي 3000 عام ق.م وحتى 900 ق.م, وتظهر بقايا البرج والسور والمباني
السكنية إضافة إلى المنشآت المائية على شريط جبلي يتجاوز في طوله (200) متر
وتقدر مساحة هذه القرية بحوالي عشرين دونماً تمتد أجزاؤها داخل مشتل وادي
شعيب.
كما تنتشر المغاور والكهوف المقبرية في الأجزاء الشمالية الجنوبية
من بقنس بحيث لا يخلو محيط هذه الضيعة من الإرث الحضاري من قرى ومنشات
مائية وزراعية وكهوف خزين وطواحين تعمل على المياه في الوادي.
أما داخل
الضيعة فان انتشار الملكيات الخاصة كان يحول دوماً دون التعرف على حقيقة
الإرث الحضاري وأجزاء الضيعة المفقودة إلا انه أمكن الوصول مؤخراً إلى
المباني الظاهرة والأجزاء المتبقية منها، والملاحظ أن انتشار الكهوف في
المنطقة داخل الضيعة ملاحظ في كل الاتجاهات وهي ذات حجم كبير في معظمها لم
يكن لأغراض الدفن بل لأغراض الخزين والزراعة.
وتمثل التله المطلة على
نقطة التقاء وادي شعيب مع وادي الأزرق المركز الرئيس لضيعة بقنس ويطلق
عليها اسم تلة العلوان وتبلغ مساحتها والأطراف المحيطة حوالي (100) دونم
بينما لا يمكن تحديد مساحة ضيعة بقنس كاملة بدقة حيث تتجاوز عدة آلاف من
الدونمات وتطل التلة الرئيسية على الوادي حيث أنها محاطة بالمنحدرات من
ثلاث جهات وهي شمالية شرقية وغربية بينما الجهة الجنوبية تشكل معبراً إلى
التل.
وعلى قمة التل ما زالت بقايا بناء مربع الشكل تتجاوز مساحته (100)
متر مربع حيث ينبسط على قمة التل وتوفر منطقة سهلة للإقامة ويمكن سماع
خرير تدفق مياه وادي شعيب من هذا المكان ويشكل بإطلالته منظراً خلاباً تحيط
به الأشجار والمزارع من كل الجهات.
ومن خلال تفحص محيط البناء والسفوح
المجاورة تبين وجود انتشار كثيف لبقايا الأواني الفخارية وجرار الخزين التي
ترجع إلى العصر الأموي والإسلامي , وكذلك الفترة العباسية وأيضا فخار
القرن الثامن الميلادي , كما تنتشر حبيبات الفسيفساء بشكل مكثف على سفوح
المنطقة وهي من الطراز الإسلامي المبكر ويبدو أنها كانت تشكل أرضية لأبنية
اختفت معالمها جزئيا بفعل النشاطات الزراعية كما وتظهر الحجارة المشفرية
متدحرجة هنا وهناك ويستنتج من ذلك وجود أبنية ومنشات ترجع إلى العهد الأموي
وفترة صدر الإسلام واستمرت كذلك خلال الفترة اللاحقة للعصر الأموي , وهذا
بحد ذاته يتطابق بشكل كبير مع الدلائل التاريخية التي ذكرها المؤرخون
القدامى والمحدثون حيث يشكل هذا الموقع قلب الضيعة التي تمتد أطرافها في
كافة الاتجاهات.
ويطل البناء والتلة على ثلاث طواحين مائية كانت عاملة
حتى وقت قريب وتعتبر جزءاً مكملا للضيعة حيث أعيد استخدامها وأعيد بناء
بعضها ويلاحظ أن قنوات المياه وغرف الخزين وغرف الجرش والطحن والأبنية
التابعة للطواحين شاهد عيان على أهمية هذه المنطقة (ضيعة بقنس) ويمكن
مشاهدتها من مسافة بعيدة.
ويعتبر انتشار مقامات وأضرحة الأنبياء حول
ضيعة بقنس امرأ جديراً بالملاحظة حيث يطل مقام الخضر في بلدة ماحص على
الموقع من جهة الجنوب , كما ويحد مقام ضريح النبي شعيب الموقع من الجهة
الغربية , إضافة إلى مقام حزيز من الجهة الشرقية ومقام النبي أيوب من الجهة
الشمالية الشرقية.
ويشكل هذا المحيط دافعاً متكاملا لأنماط السياحة الأثرية والبيئية والدينية في محافظة البلقاء وخاصة قصبة السلط ووادي شعيب.
أما
الوثائق التي أمكن الوصول إليها فيما يتعلق بسجلات الأراضي فلا تزال
السجلات القديمة والحديثة لأراضي السلط تشير إلى أسماء الأحواض التاريخية
حيث ورد اسم حوض (أم معاوية الشمالي ) و(أم معاوية الجنوبي) , وفي ذلك
إشارة واضحة إلى معاوية بن أبي سفيان وهو مطابق لما ذكره البلاذري في كتابه
معجم البلدان من أن معاوية بن أبي سفيان امتلك هذه الضيعة وورثها عن أبيه ,
وقد تم التأكد من سجلات دائرة الأراضي في مدينة السلط وماحص أثناء إجراء
هذا البحث المطابق لأسماء الأحواض مع الاكتشاف وتبين أنها مطابقة تماماًُ
وتؤكد حقيقة ما تم التوصل إليه.
ويستنتج مما سبق أن الدلائل التاريخية
والأثرية وأقوال المؤرخين القدامى والمحدثين والوثائق والسجلات القديمة
والحديثة تؤكد حقيقة الاكتشاف وان ثبوت ضيعة أبو سفيان في وادي شعيب أصبحت
حقيقة مؤكدة حيث كان يلجا إليها أثناء رحلاته من الجزيرة العربية إلى بلاد
الشام كما أنها ولقربها من طرق المواصلات والجند كانت الضيعة تقدم التموين
لحركات الجيوش الفاتحة والغازية حيث تتوفر فيها إمكانيات كثيرة جعلت منها
نقطة جذب يتسابق إليها الحكام والقادة والأثرياء وكبار ملاكي الأراضي ولعل
نشوء أقدم الحضارات في هذه المنطقة ما هو ألا برهان ساطع عن الدور التاريخي
لوادي شعيب.
السبت يوليو 27, 2019 4:19 am من طرف طلعت شرموخ
» كنوز الفراعنه
السبت مايو 18, 2019 1:00 am من طرف طلعت شرموخ
» الثقب الاسود
السبت أبريل 13, 2019 1:22 am من طرف طلعت شرموخ
» طفل بطل
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:15 am من طرف طلعت شرموخ
» دكتور زاكي الدين احمد حسين
الأربعاء أبريل 10, 2019 10:12 am من طرف طلعت شرموخ
» البطل عبدالرؤوف عمران
الإثنين أبريل 01, 2019 9:17 pm من طرف طلعت شرموخ
» نماذج مشرفه من الجيش المصري
الإثنين أبريل 01, 2019 9:12 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» حافظ ابراهيم
السبت مارس 02, 2019 1:23 pm من طرف طلعت شرموخ
» دجاجة القاضي
الخميس فبراير 28, 2019 5:34 am من طرف طلعت شرموخ
» اخلاق رسول الله
الأربعاء فبراير 27, 2019 1:50 pm من طرف طلعت شرموخ
» يوم العبور في يوم اللا عبور
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:59 pm من طرف طلعت شرموخ
» من اروع ما قرات عن السجود
الثلاثاء فبراير 26, 2019 5:31 pm من طرف طلعت شرموخ
» قصه وعبره
الأربعاء فبراير 20, 2019 11:12 am من طرف طلعت شرموخ
» كيف تصنع شعب غبي
الخميس فبراير 14, 2019 12:55 pm من طرف طلعت شرموخ